المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ملتقى الإمام محمد الخضر حسين - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٥/ ١

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(29)«مُلتَقَى الإِمَامِ مُحَمَّدٍ الخَضِرِ حُسَين في الجَزَائر»

- ‌المقدمة

- ‌حفل افتتاح الملتقى

- ‌كلمة افتتاح الملتقى لوالي ولاية "بسكرة" الأستاذ ساعد أقوجيل

- ‌كلمة رئيس الجمعية الخلدونية للأبحاث والدراسات التاريخية الأستاذ فوزي مصمودي

- ‌كلمة الشيخ عبد القادر عثماني شيخ زاوية (علي بن عمر)

- ‌كلمة الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

- ‌كلمة رئيس الجمعية بتكريم الباحث علي الرضا الحسيني

- ‌كلمة تكريم الباحث علي الرضا الحسيني للأستاذ الأخضر رحموني

- ‌التكريم

- ‌تحية شعرية لعلي الرضا الحسيني بعد التكريم

- ‌محاضرات الملتقى

- ‌ومضات من حياة العلامة محمد الخضر حسين

- ‌الإمام الشيخ محمد الخضر حسين ومنهجه في التراجم

- ‌الإمام العلامة محمد الخضر حسين شاعرا ً

- ‌جهود الأزهر في مواجهة التغريب الإمام محمد الخضر حسين الجزائري نموذجا ً

- ‌الإمام محمد الخضر حسين رجل العلاقات والمؤسسات العلمية

- ‌توصيات الملتقى

- ‌على هامش الملتقى

- ‌بعض عناوين الصحافة الجزائرية عن الملتقى

- ‌ملتقى الإمام محمد الخضر حسين

- ‌في الذكرى الخمسين لوفاة العلامة التونسي محمد الخضر حسين شيغ الأزهر السابق

- ‌بسكرة عاصمة الثقافة باحتفالها بالإمام محمد الخضر حسين إمام العالم الإسلامي، وأستاذ الشيخ ابن باديس

- ‌ربيع في الشتاء

- ‌تذكرة ملتقى الإمام العلامة محمد الخضر حسين

الفصل: ‌ملتقى الإمام محمد الخضر حسين

على هامش الملتقى

‌ملتقى الإمام محمد الخضر حسين

(1)

للأستاذ محمد الهادي الحسني

كتبتُ في جريدة "الشروق" اليومي في 28/ 2/ 2007 م مقالاً عرَّفت فيه الشباب بأحد أعلام الجزائر الذين ولدوا خارجها، وعاشوا خارجها، ودفنوا خارجها؛ بسبب اللعنة الفرنسية التي نزلت على هذا الوطن، لم يكن ذلك العَلَم إلا الإمام محمد الخضر حسين، الذي رفعه الله بالإيمان والعِلْم، وبوَّأه علمُه أرفعَ منصب ديني في العالم الإسلامي، وهو مشيخة الأزهر الشريف، من غير رغبة فيها، ولا سعي إليها.

وقد دعوت في ذلك المقال إلى عقد ملتقى عن هذا الإمام؛ بمناسبة الذكرى الخمسين لوفاته رحمه الله، ولم أكتف في الدعوة إلى الملتقى بما كتبت، بل افترصت عدة فرص، التقيت فيها بعض الإخوة المسؤولين على مؤسسات دينية وثقافية، فأعلنت لبعضهم، وأسررت لبعضهم، فأعرض بعضهم، وأعطاني بعضهم من طرف اللسان حلاوة، وألقى معاذيره، ووعدني بعضهم خيراً، وما أظنه موفياً بما وعد، ولعله قال لمن حوله بعدما غادرته:

(1) جريدة "الشروق"، العدد 2183، الصادر يوم الخميس (27 ديسمبر 2007 م، الموافق 18 ذي الحجة 1428 هـ)، الجزائر.

ص: 173

ماذا قال آنفاً؟ ومهما يكن، فإنا لوعده لمنتظرون.

وأحمد الله أن صيحتي التي أذّنت بها في "الشروق اليومي" لم تكن صيحة في واد، ولم تكن نفحة في رماد، وَعَتهْا أُذُن خيرٍ واعية، هي: أُذُن (الجمعية الخلدونية) بمدينة "بسكرة" التي لم يثنها قلّة ما بيدها من إمكانات، وما يعترضها من مثبطات من عقد ملتقى دولي عن الإمام محمد الخضر حسين في أيام 25 - 26 - 27 من هذا الشهر، وقد دعت إليه ثلّة من العلماء ومن الأساتذة من داخل الوطن، ومن خارجه؛ لاستعراض حياة هذا الإمام الغنية، ومناقشة جوانب شخصيته الثرية، فقد علم الله خيراً في هذه الجمعية، فأدّخر لها هذه المزية، وحتى لو وفّى من وعد بما وعد، فهي حائزة بالسبق تفضيلا، مستحقة الثناء الجميلا، ومن لا يشكر الناس، لا يشكر ربَّ الناس؛ كما صحَّ عن أخيَر الناس صلى الله عليه وسلم.

لقد استسمَنَتْني هذه الجمعية، فتكرمت بدعوتي للمشاركة في هذا الملتقى، وحَمَّلتني أثقالاً مع أثقالي، فعهدت إليَّ بتناول الكلمة، وحددت لي موضوعاً يقصر عنه باعي، ويضؤل أمامه متاعي، وهو:"الإمام محمد الخضر حسين مصلحاً".

إن احتفاءنا بهذا العالم الجليل وأمثاله، قديماً وحديثاً، والتذكير بجليل أعمالهم، والإشادة بجميل فعالهم، إنما هو للتأكيد على ما قاله الشاعر الفحل محمد العيد آل خليفة، وهو:

إنّ الجزائرَ لم تزلْ في نَسْلها

أمّاً وَلوداً خصبةَ الأرحامِ

وإنها بلد الرأي الحصيف، لا بلد الرأي السخيف، وبلد الجهاد الشريف، لا بلد العمل العنيف، وبلد الشُّمِّ الأماثل، لا بلد الأراذل، فإن طفا هؤلاء

ص: 174

على حين غفلة من أهلها الكرام، فمثلهم كمثل الزبد الرابي الذي يحتمله السيل، لهم نَشَب (1)، وما لهم نسب ولا حسب، وسيذهب ذلك الزبد جُفاء، وأما الدرّ النفيس الذي ينفع الناس، فهو في الأعماق كامن، وسيجلّيه الله لوقته.

لقد علم الإمام محمد الخضر حسين، وآمن أن الله - جلّ وعلا - سائلُه يوم يقوم الناس:"ماذا عمل فيما علم؟ "، ولذلك ملأ حياته عملاً صالحاً، فما إن تخرج من جامع الزيتونة -أتمّ الله نوره- حتى راح يبلِّغ ما ورثه من ميراث محمد صلى الله عليه وسلم من علم نافع، وحكمة بالغة، وأوتي رشداً، فلم يقعد مع القاعدين، ولم يتخلف مع الخوالف؛ متعللاً بظاهر الآية الكريمة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، بل عمل بما فَقِهه منها ثاني اثنين، صِدّيقُ هذه الأمة، الذي رُوي عنه: أنه قال في شأن هذه الآية: أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الناس إذا رأوا المنكر، ولا يغيرونه، يوشك الله عز وجل أن يعمّهم بعقابه" انظر: "تفسير ابن كثير" دار الأندلس (ج 2 ص 667).

ولهذا كان شعار الإمام محمد الخضر قوله:

ولولا ارتياحي للنِّضالِ عن الهدى

لفتَّشتُ عن وادٍ أعيشُ به وَحْدي

لا يتسع المجال لتفصيل القول في آراء الإمام محمد الخضر حسين

(1) النّشب: المال والعَقَار.

ص: 175

الإصلاحية التي بسطها، وأبدأ فيها وأعاد، في كتبه ومقالاته الكثيرة، ومنها:"رسائل الإصلاح"، و"الدعوة إلى الإصلاح". ولكني أودُّ التنبيه إلى نقطتين أنا مقتنع بهما: أولاهما: أن الإصلاح لا يَشْنأُ -كما يشاع- التصوفَ السنّي الخالي من البدع والخرافات والشطحات، وأن التصوف السنّي لا يشنأ الإصلاح.

وقد كان محمد العيد آل خليفة رحمه الله متصوِّفاً أوَّاهاً، وكان في الوقت نفسه أحد عُمُد الإصلاح، الدّاعي إليه، المجادل عنه، حتى شُرِّف بلقب:(حسَّان الحركة الإصلاحية)؛ تشبيهاً له بحسّان بن ثابت رضي الله عنه.

ودليل آخر على أن الإصلاح لا يعادي، ولا يعارض التصوف السنّي: هو هذا الإمام محمد الخضر حسين، الذي ينتسب إلى عائلة صوفية، ونشأ في أجواء التصوف الصافي، لم يجد في صدره حرجاً من اعتناق الإصلاح، والدعوة إليه، ولهذا وجدت رموز الإصلاح في الجزائر، وقادته؛ كالإمامين: ابن باديس، والإبراهيمي، لا يجدان حرجاً ولا تناقضاً عندما يُكْبِران الإمام محمد الخضر حسين، ويشيدان به.

ومما قاله الإمام ابن باديس -تعليقاً على مقال للإمام محمد الخضر-: "دعاني إلى كتابة هذا: مقال نفيس نشرته مجلة "الهداية الإسلامية" بقلم أستاذنا العلامة الجليل محمد الخضر بن الحسين الطولقي الجزائري، التونسي، ثم المصري

وأحببت أن تكون مقدمتي هذه الصغيرة أمام ذلك المقام الكبير تذكرة لجلوسي لتلقي "تهذيب المنطق" بين يدي الأستاذ بجامع الزيتونة، وسماع دروس من صدر "تفسير الييضاوي" بدار الأستاذ بشارع باب منارة من تونس الخضراء".

ص: 176

ويضيف الإمام ابن باديس قائلاً: "ولا يخفى أن الأستاذ -أبقاه الله- ابن أخت العلامة الجليل الشيخ المكي بن عزوز رحمه الله، وكلاهما من أبناء الطرقية، ولكن العلم سما بهما إلى بقاع التفكير والهداية والإصلاح. ولكليهما -أحسن الله جزاءهما- كتاباتٌ في التحذير مما عليه الطرقية اليوم، تارة بالتصريح، وتارة بالتلويح، وإلى القراء الكرام نص مقال الأستاذ -أبقاه الله-، وهو من ذلك الطراز". (انظر: الشهاب، ج 8، مجلد 15، سبتمبر 1939 م) وهذا آخر مقال كتبه الإمام ابن باديس في الشهاب؛ لأنها توقفت في هذا التاريخ. وقد عثر على هذا المقال في مطبعة الشهاب.

وأما الإمام الإبراهيمي، فقد كتب عن مجالس العلم في دمشق عندما كان مقيماً بها قبل عودته إلى الجزائر في عام 1920 م، وذكر:"أن واسطة العقد في تلك المجالس: الأستاذ الجليل، والأخ الوفي الشيخُ الأستاذ محمد الخضر حسين -مدَّ الله في حياته-". (آثار الإمام الإبراهيمي، ج 3، ص 566. والمقال منشور في 24 جانفي 1949 م في جريدة البصائر).

ولو رأى الإمامان ابنُ باديس والإبراهيمي في أقوال الإمام محمد الخضر حسين وأفعاله ما يوجب النقد، لما ترددا في ذلك، وهو ما فعلاه مع الإمام محمد الطاهر بن عاشور، على قيمته العلمية، ومكانته الدينية، عندما اعتبر أحد مواقفه مناصرة للبدعة، منابذة للسنّة (انظر: آثار الإمام ابن باديس، ج 3، ص 270 - 285. وآثار الإمام الإبراهيمي، ج 1، ص 221 - 226).

أما النقطة الثانية، فهي أن الإصلاح لا يجعل الإسلام عِضين، ولا يراه تفاريق، بل يعتبره شاملاً، فيه العقيدة، والعبادة، والمعاملات، والتربية، والسياسة، والحرب. فالذين ينفون السياسة عن الإسلام يجهلونه أو يَكْفُرونه.

ص: 177

والذين يرون الإصلاح عقيدة وعبادة وتربية فقط، يتجنّون عليه.

وها هو ذا الإمام محمد الخضر حسين الذي لا يرتاب أحد في سعة علمه، وانفتاح ذرعه، يخوض لُجج السياسة، فيكتب عن الحرية، ويتصدى لمن زعم أن الإسلام لا شأن له بالحكم وسياسة أمور الناس، ولا يكتفي في ذلك بالقول والكتابة، ولكنه يضرب بسهمه في تأسيس الجمعيات والهيئات السياسية، ويجري الاتصالات مع الدول، والمؤتمرات والمنظمات السياسية، ويؤمن بالحرب لدفع الظلم، وردّ العدوان، واسترجاع الحقوق المغتصبة، من غير تهوّر بإلقاء الناس إلى التهلكة، وزجِّهم في معركة لم يُعَدَّ لها، ولم تتَّخذ أسبابها.

إن الإصلاح عند الإمام محمد الخضر حسين وأمثاله من العلماء المصلحين فكرة ثابتة؛ لأنها لبّ الدين، وغايته، ولكن وسائل الإصلاح تتعدد بتعدد ميادينه، وتتجدد حسب الظروف المحيطة والإمكانات المتوفرة، والكيِّس من فَقِه ذلك، وعمل على ضوء ذلك الفقه.

لقد كان الإمام محمد الخضر حسين يجمع في انسجام تام، وفي تناغم جميل بين الإصلاح، السلفية المتنوِّرة، والتصوف السنّي، وهذا ما يحتاجه المسلمون في كل عصر، وخاصة في هذا العصر.

أمطر الله شآبيبَ رحمته على هذا الإمام الجليل، الذي لم يحضر ذكراه أحد من كبار المسؤولين؛ ربما لانشغالهم بالإعداد لـ

ولعل عدم حضورهم من علامات قبول الله لهذا الصالح، وأمارات رضوانه عنه.

ص: 178