الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الرغم من أنه وارد في كتب كبيرهم الذي علمهم اشتراء الدنيا بالآخرة، أو في كتب بعض زعمائهم الذين يرونهم بمقربة من النبوة. وخيلت له نفسه أنه يعرف من بلاغة اللسان العربي ما يقوى به على الخوض في تفسير القرآن الكريم، وشرح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتخبط في مباحث لا يدري كيف يرِدُها، ولا كيف يصدر عنها.
وها نحن أولاء نرفع الستار عن جانب آخر من تزوير غلام أحمد، ونأتي إلى مقال داعيتهم، فنعرض على حضرات القراء قطعاً من زوره وقلة درايته؛ ليزدادوا علماً بأن القاديانية نحلة ملفقة من مزاعم لا تتصل بعقول هيأها الله تعالى للهداية، ولا تروج في نفوس أخذت من التعليم أو التهذيب ما فيه كفاية.
ابتدأ داعية القاديانية بمقدمة ساق فيها آيات نزلت في حق أنبياء الله الأكرمين، ومن يجحد نبوتهم من المبطلين، محاولاً تطبيقها على حال غلام أحمد، ومن يحذرون الناس من ضلاله المبين، ولا نعبأ بهذا التمثيل الفاسد؛ فإن ما كتبناه في نشأة نحلتهم، وما ضربناه من الأمثال على بهتان رئيسهم، يرد تلك المقدمة على عقبها خاسئة، ويحقق للقراء أن موقفنا في وجه غلام أحمد وأتباعه إنما هو موقف حزب الله في وجه مسيلمة وسجاح، وأمثالهما ممن يفترون على الله الكذب، ويدعون أنه يوحى إليهم، ولم يوح إليهم بشيء.
*
خيبة مدعي النبوة:
قلنا في مقالنا السابق: إن مدعي النبوة قد يذهب فينقطع أثره، وقد يبقى لدعوته بين طائفة من الجاهلين أثر، فاندفع داعية القاديانية بعد هذا
مخالفاً للنصوص القرآنية، ويزعم أن كل من يدعي النبوة لا يمهله الله تعالى سنين دون أن يبيده، ولا تروج دعوته، ولو عند طائفة لا يكادون يفقهون حديثاً، وأخذ يسرد آيات من القرآن يضعها في غير مواضعها، ويضيف إليها من المعاني ما لا يصح أن يستنبط منها، فأورد قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [يونس: 69].
وقوله تعالى:
وقوله تعالى:
{قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود: 35].
وقوله تعالى:
{وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} [غافر: 28].
وقوله تعالى:
{لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61].
وقوله تعالى:
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44 - 46]
أورد داعية القاديانية هذه الآيات، وبنى عليها أن غلام أحمد ادعى النبوة، وبقي نحو ثلاثين سنة، ولم يأخذ الله منه باليمين، ولم يقطع منه الوتين، وأفلح في دعوته، فدعواه الوحي والنبوة إذن صادقة.
والواقع أن هذا الداعية لا يفهم لآيات الله معنى، ولا يعرف لسنن الله
في الخليقة حكمة، يدلنا القرآن والمشاهدة على أن الله تعالى قد يملي لبعض المبطلين، فيمد لهم في أعمارهم، أو يكثر أموالهم وأولادهم، أو يجعل لهم من صنف الجاهلين شيعة، ثم يأخذهم بعد هذا أخذ عزيز مقتدر، قال الله تعالى:
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم: 44 - 45]
وقال تعالى:
ومما يدل على أن بعض المضلين قد يجد في الناس من يتبعون خطواته، ويهيمون في واد من ضلالاته، فتحق عليهم كلمة العذاب التي حقت على من قبلهم، قوله تعالى:
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67 - 68].
وقوله تعالى:
{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166]
فبقاء بعض المضلين أمداً يعيثون فيه مفسدين، ويأخذون فيه بأعنة بعض الغافلين أو المغفلين، لا ينقض سنّة من السنن الكونية، ولا يخالف نصاً من النصوص الشرعية، وقد وافق داعية القاديانية على أن مدعي الإلهية قد ينتشر مذهبه في طائفة من الناس، ويترك من بعده أتباعاً، وجعل طائفة البهائية
من هذا القبيل، ويحصر سرعة الإهلاك وعدم انتشار الدعوة فيمن يدعي الوحي والنبوة، وقال في الفرق بين مدعي النبوة ومدعي الإلهية: إنّ نشر دعوة النبوة آية من آيات الله، ولا يعطى مفتر هذه الآية لئلا يلتبس أمر النبي بالمتنبي، أما مدعي الإلهية؛ فإنه يدعي أمراً مستحيلاً، فليس هناك موضع التباس.
وكلامه هذا يقتضي أن الله تعالى يهلك المفتري إذا كانت دعواة محتملة للصدق؛ لئلا يلتبس على الناس أمره، أما إذا قامت الأدلة الكافية على بطلان دعواه، فإنه يجوز إمهاله، وانتشار دعواه في طائفة من الناس.
وإذا كان داعية القاديانية يعترف بأن المضلل الذي تقوم الأدلة على افترائه قد تتأخر عقوبته إذ يلتبس المبطل بالحق، قلنا له: إن الأدلة القائمة على انقطاع النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم قاطعة، فقد تظافر على ذلك الكتاب والسنّة المتوترة والإجماع، فيجوز أن يكون تأخير إهلاك غلام أحمد، وترك أباطيله تنتشر بين طائفة من الناس، من ناحية أن الأدلة القائمة على بطلان دعواه الوحي والنبوة قاطعة، وليس بينها وبين إزهاق روح تلك النحلة المارقة إلا أن يتناولها أهل العلم بالبيان، ويطاردوا بها دعاة القاديانية في كل زمان ومكان.
فإن قال داعية القاديانية: لو كانت الأدلة على انقطاع النبوة قاطعة، لم يخالف فيها غلام أحمد ومن انحدروا في ضلالته، قلنا: إنكم سلمتم أن الأدلة القائمة على افتراء رئيس البهائية قاطعة، وقد عمي طائفة البهائية عن هذه الأدلة، وليسوا بأوفر في الغباوة منكم نصيباً، ولا أحط منكم في الجهالة دركاً، ولا أشد منكم في اشتراء الدنيا بالدين تهالكاً.
فدعوى النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم معلومة البطلان من الدين بالضرورة،
فمن ادعاها لا يشتبه حاله بحال المحق البتة، فمن الجائز إذن أن يمهله الله تعالى كما يمهل مدعي الإلهية، ثم يسحته بعذاب في الدنيا أو الآخرة.
ولنعد إلى بيان تخبطه في الآيات التي ساقها على أن مدعي النبوة يعجل الله بعقوبته، ويمنع من انتشار دعوته فنقول:
أما قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [يونس: 69].
وقوله تعالى:
فإنما يدلان على أن المفتري على الله تعالى لا يفلح، وليس معنى عدم الفلاح بمقصور على إهلاكه بسرعة، وخيبة دعوته بحيث لا تجد سامعاً -ولو من الطبقة التي هي أقرب إلى الحيوان الأعجم منها إلى الإنسان-، بل يكفي في تحقيق عدم الفلاح: فوز أنصار الحق عليه في الدنيا، والتحاقه بزمرة الأشقياء في الأخرى.
ثم إن عدم الفلاح قد جعل في الآية الثانية مما يترتب على التكذيب بآيات الله، أفيبلغ الخلط في الحديث بهذا الداعية أن يدعي أن كل من يكذب بآيات الله بعجل الله بإهلاكه في الدنيا؟!.
وأما قوله تعالى:
{وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} [غافر: 28].
وقوله تعالى:
{لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61].
فإن هاتين الآيتين لا تدلان على أكثر من أن الذي يكذب على الله تعالى يصيبه جزاء كذبه في الدنيا أو في الآخرة، ويجازى مع ذلك بالخيبة والحرمان من بلوغ المقصود والظهور على حماة الحق.
وقد أجرى الله تعالى على لسان غلام أحمد ما دل عله سخافة عقله، وفساد سريرته، وألقى به في خذلان حال بينه وبين الفلاح في الدنيا، وما بعد الموت أشد وأبقى.
على أن الآية الثانية لم تقع خطاباً لنبي، وإنما هي من قول موسى عليه السلام خطاباً لقوم فرعون، وليس فيها ما يدل على أن الله تعالى يسرع بإهلاك مدعي النبوة كذباً، ويصرف عنه حتى القلوب التي تقضي فيها الشياطين ليلها ونهارها، وغاية ما تدل عليه: أن المفتري على الله يخيب في دعوته، ويصيبه جزاء فريته. وإن دعوة لا تروج إلا عند نفر لا يفرقون، أو لا يريدون أن يفرقوا بين الليل إذ يغشى، والنهار إذا تجلى، لدعوة خاسرة.
وأما قوله تعالى:
44 -
46].
فليس المراد منه تقرير أن الله يعجل لإهلاك كل من يدعي النبوة كذباً، ويقطعه عن الحياة لأول ما يدعي النبوة، حتى إذا ادعى أحد السخفاء النبوة، وعبث بعقول طائفة من البله، أو اشترى نفوس طائفة من البؤساء، وعاش نحو ثلاثين سنة، قلنا: هذا صادق في دعوى النبوة! وإنما نزلت هذه الآية في حق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حفه الله تعالى بدلائل الصدق من كل جانب؛ بحيث لا يجد ذو الفطرة السليمة أو العقل الراجح إلى تكذيبه فيما يخبر به عن الله
تعالى منفذاً، فلو كان هذا الذي استقامت سيرته، وبهرت حكمته، وثبتت معجزته، قد تقوّل على الله تعالى بعض الأقاويل، لكان الضرر من تقوّله على الله تعالى عظيماً؛ إذ ليس في أيدي الناس ما من شأنه أن يدل على أن ما بلغه متقوِّل على الله، فكان من مقتضى الحكمة أن يأخذ الله منه باليمين، ثم ليقطع منه الوتين، أما من تقوم الأدلة الجلية على أنه كاذب؛ كغلام أحمد، فقد يملي له الله تعالى لحكم، منها: إظهار فضل العلماء الذين يجاهدون في إنقاذ الغافلين من مهالك دعوته الخاسرة.
هذا وقد ذكر الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى:
{لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45]:
أن المعنى: منعناه عن ذلك (أي: التقوّل) إما بإقامة الحجة؛ بأن كنا نقيض له من يعارضه في التقوّل، فيظهر للناس كذبه فيه، فيكون ذلك إبطالاً لدعواه، وهدماً لكلامه، وإما بأن نسلب منه القوة على التكلم بذلك القول.
ونحن نعلم أن الله تعالى قد نصب الأدلة على كذب غلام أحمد، وقيض له بعد ذلك طائفة من العلماء، فدفعوا باطله بالحجة، ونادوا في الناس بأنه مزمار من مزامير الشيطان، حتى ازداد كذبه وضوحاً، ودعوته خيبة، وسريرته افتضاحاً.
وقد أجرى الله على لسان غلام أحمد آيات تدل على أن ما يدعيه زور وبهتان، ومن هذه الآيات: أنه كان قد رغب في التزوج بفتاة من بنات بعض أقاربه، وسبق إلى ظنه أن والدها لا يحجم عن تزويجه إياها، فزعم أن اقترانه بها قد تقرر بطريق الوحي، ولكن أهل الفتاة امتنعوا من تزويجه إياها، وعزموا على أن يزوجوها برجل غيره، فلما بلغه هذا العزم، زعم أنه أوحي إليه مرة