الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات سنة 1914، فانتقلت الرياسة إلى بشير الدين محمود ابن واضع هذه النحلة غلام أحمد، وهو رئيسهم لهذا العهد.
*
ادعاء غلام أحمد الوحي والنبوة والرسالة:
يزعم غلام أحمد أنه ينزل عليه الوحي، ومما قاله في الخطبة الإلهامية:"هذا هو الكتاب الذي ألهمت حصة منه من رب العباد في يوم عيد من الأعياد".
ثم قال: "بل هي حقائق أوحيت إليّ من رب الكائنات لا. ثم قال: "وقد أوحي إليّ من ربي قبل أن ينزل الطّاعون أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا".
ولم يدَّع أحد من الصحابة، ولا من السلف الصالح أنه يأتيه الوحي من الله، ولو اقتصر غلام أحمد على دعوى الوحي، لقلنا: لعله يريد من الوحي: الإلهام، كما قال تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} [النحل: 68].
ويبقى النظر فيما زعم من الإلهام، فإن كان موافقاً لنصوص الدين أو أصوله، سكتنا عنه، وإن كان مخالفاً لشيء منه، رددناه عليه. ولكنه يصرح في كتبه بأنه نبي ورسول، قال في الخطبة الإلهامية:"أرأيتم إن كنت من عند الله، ثم كذبتموني، فما بالكم أيها المكذبون". وقال: "إنكم ترون كيف تنصر الناس، وارتدوا من دين الله؛ ثم تقولون: ما جاء مرسل من عند الله، مالكم كيف تحكمون". وقال: "فأنعم الله على هذه -يعني: أمة الإسلام- بإرسال مثيل عيسى، وهل ينكر بعده إِلا العمون". وقال: "وكان عيسى علماً لبني إسرائيل، وأنا علم لكم أيها المفرطون"!.
وفي منشور لأصحابه عنوانه: "شرائط الدخول في جماعة الأحمدية" ما نصه: "إن المسيح الموعود -يعني: غلام أحمد- كان مرسلاً من الله تعالى،
وإنكار رسل الله تعالى جسارة عظيمة قد تؤدي إلى الحرمان من الإيمان".
وقال أحد دعاتهم أبو العطاء الجلندهري: "كلَّم الله أحمد -يعني: غلام أحمد- بجميع الطرق التي يكلم بها أنبياءه؛ لأن الأنبياء في وصف النبوة سواء (1) ".
يدّعي غلام أحمد النبوة والرسالة غير مبال بالقرآن والسنّة وإجماع الأمة، في هذه الأصول الثلاثة حجج على أن المصطفى - صلوات الله عليه - هو آخر النبيين والمرسلين.
أما القرآن، ففي قوله تعالى:
{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
فعلى قراءة (خاتم) بكسر التاء، يكون وصفاً له عليه الصلاة والسلام بأنه ختم الأنبياء؛ أي: لا ينال أحد بعده مقام النبوة، فمن ادعاها، فقد ادعى ما ليس له به من سلطان. وقراءة (خاتم) بفتح التاء ترجع إلى هذا المعنى؛ فإن الخاتم -بالفتح- كالخاتم -بالكسر- يستعمل بمعنى: الآخر، ذكر هذا علماء اللغة، وجرى عليه المفسرون المحققون، وجاءت السنة الصحيحة مبينة لهذا المعنى، ففي "صحيح الإمام البخاري" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي، خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي".
وفي "صحيح البخاري" عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله إِلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلّا وضعت
(1)"البشارة الإسلامية الأحمدية".
هذه اللبنة"، قال: "فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين". وفي رواية مسلم عن جابر رضي الله عنه:"فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء". وروى الإمام أحمد بسنده إلى أبي الطفيل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نبوة بعدي إِلا المبشرات"، قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: "الرؤيا الحسنة -أو قال- الرؤيا الصالحة". إلى غير هذا من الأحاديث وآثار الصحابة الصريحة في أن النبوة انتهت بنبوته عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا انعقد إجماع المسلمين،
وأصبح بمنزلة المعلوم من الدين بالضرورة.
قال الإمام ابن كثير عند تفسير: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]: "وقد أخبر الله تعالى في كتابه، ورسوله في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده، فهو كذّاب أفاك دجال مضل". وقال الألوسي في "تفسيره": "وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ممّا نطق به الكتاب، وصدعت به السنّة، وأجمعت عليه الأمة. فيكفر مدّعي خلافه".
وما كان لمسلم أن يؤول القرآن والسنّة الصحيحة تأويل من لا ينصح لله ورسوله ليجيب داعية هوى في نفسه، وانظروا إلى غلام أحمد وطائفته كيف تخبطوا في تأويل:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، وما يبينها من الأحاديث المحكمة، ولا داعي لهم إلى هذا التخبط، إِلا أن رجلاً من "قاديان" استحب الهوى على الهدى، فأدعى أنه نبي مرسل، وملأ فمه باللغو وقول الزور، والتملق لغير المسلمين.
ومن وجوه تأويله حمله لحديث: "لا نبي بعدي" على معنى أنه لا يأتي بعده نبي من غير أمته.
وهذا الوجه اختلسه من متنبئ آخر يقال له: إسحاق الأخرس ظهر في
أيام السفّاح؛ فإنه زعم أن ملكين جاءاه وبشراه بالنبوة، فقال لهما: وكيف ذلك وقد أخبر الله تعالى عن سيدنا محمد أنه خاتم النبيين؟ فقالا له: صدقت، ولكن الله أراد بذلك أنه خاتم النبيين الذين هم على غير ملته وشريعته.
وليس الوحي عند هذه الطائفة بمقصور على زعيم نحلتهم، بل يدَّعون أن أتباعه أيضاً ينزل عليهم الوحي، ومما رأيناه في منشور وضعه رئيسهم لهذا العهد، وترجمه عبد المجيد كامل، وطبع في مصر:"أن طريق الوحي لا يمكن أن يسد في وجوه الناس"، وفي هذا المنشور:"أن المهدي والمسيح قد ظهر في الهند بمحل يقال له: "قاديان"، وانه يوجد الآن آلاف من حواريه يستمعون الوحي الإلهي".
ومما زعم غلام أحمد أنه أوحي به إليه: "وإني جاعلك للناس إماماً ينصرك رجال نوحي إليهم".
بأي لسان يدّعون الوحي، وهذه مقالات غلام أحمد ورسائله طافحة بأقوال منقطعة عن الحكمة، عارية عن الصدق، والمعقول منها قد قاله أناس، أو قالوا مثله، أو خيراً منه، ولم يخطر على بالهم ادعاء أنه وحي كلمهم به الله تعالى، أو نزل عليهم به الرُّوح الأمين! ومن خطله المكشوف: أنه يأتي إلى آيات أو جمل من القرآن المجيد، فينقلها كما هي، ويضم بعضها إلى بعض في صحائف، ويزعم أنها وحي نزل عليه.
ينكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ويوردون على هذا شبهاً لا تزن عند أولي العلم جناح بعوضة، كما استدلوا بقوله تعالى:
{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75].
متشبثين بأن قوله: {يَصْطَفِي} فعل مضارع، والمضارع للاستقبال.
ودفعُ هذه الشبهة أن الفعل الواقع في الماضي قد يعبر عنه بصيغة المضارع لمقتضيات بلاغية، منها: أن يكون المعنى موضع غرابة؛ فإن المضارع من جهة دلالته على الحال يتوسل به المتكلم البليغ إلى إخراج الحادث الغريب في صورة الواقع في الحال؛ ليبلغ تعجب المخاطب من وقوعه مبلغ تعجبه من الصورة البديعة في حال مشاهدتها. وعلى هذا الوجه ورد قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59].
قال: {فَيَكُونُ} ، والموضع في الظاهر للماضي؛ لأن وجود إنسان من غير أب حادث غريب، فحاله يقتضي أن يعبر عنه بالمضارع؛ لإحضاره في ذهن المخاطب حتى فإنه مشاهد له.
ومن دواعي التعبير عن الماضي بصيغة المضارع: الإشارة إلى استمرار الفعل وتجدده فيما مضى حيناً بعد حين؛ فإن الاستمرار التجددي يستفاد من المضارع على ما جرى عليه استعمال البلغاء، وصيغة الماضي لا تعرج على هذا المعنى. فالتعبير بصيغة المضارع في قوله تعالى:
{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75].
يدل على معنى زائد على أصل الاصطفاء الذي يدل عليه الماضي، ويقف عنده.
وذلك المعنى هو أن اصطفاء الرسل كان يتجدد، ويقع مرّة بعد أخرى، والقرينة الشّاهدة بأن {يَصْطَفِي} مراد منه الاصطفاء الواقع قبل نزول هذه الآية هي آية:{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، والأحاديث المستفيضة في إغلاق باب الرسالة والنبوة.
فاستعمال المضارع موضع الماضي في كلام البلغاء خارج عن حد الإحصاء، وًايات الكتاب يفسر بعضها بعضاً، كما أن السنّة تبين الكتاب. ويزعم غلام أحمد أنه رسول، وانه هو المراد من الحديث الوارد في نزول ابن مريم حكماً عدلاً، وأخذ يمشي في تأويل ألفاظ الحديث على عوج، على أنه حاول في الخطبة الإلهامية صرف الناس عن العمل بالأحاديث النبوية، وحرّف كثيراً من آيات القرآن المجيد على زعم أنه نزلت لتخبر بظهوره، وتنوه بشأنه، منها قوله في آية:
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12]:
"هذه بشارة بأنه سيكون في هذه الأمة الإسلامية رجل في درجة مريم الصديقة، ثم ينفخ فيه روح عيسى، فبهذا مريم يخرج منه عيسى؛ أي: أن الرَّجل ينتقل من صفاته المريمية إلى صفاته العيسوية، فكأنما كينونته المريمية أنتجت كينونته العيسوية، وبهذا المعنى يسمى ذلك الرجل: ابن مريم).
ولا نريد أن نكثر في هذا المقام من ذلك اللغو والهزل، إِلا أن تدعو الحاجة إلى زيادة الكشف عن فضائح هذه النحلة من بعد.
بدا لغلام أحمد أن يدّعي النبوة والرسالة، وخشي خيبة دعوته حتى لدى العامة الذين يأبون الخروج من الإسلام إلى نحلة تعلن أنها ناسخة له، فادّعى أن رسالته مؤيدة للإسلام، لا ناسخة لشريعته، فقال في الخطبة الإلهامية:"أم يقولون: إنا لا نرى ضرورة مسيح ولا مهدي، وكفانا القرآن، وأنا مهتدون، ويعلمون أن القرآن لا يمسه إِلا المطهرون، فاشتدت الحاجة إلى مفسر زكي من أيدي الله، وأدخل في الذين يبصرون".