الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبقي البهاء بعكة إلى أن هلك عام 1309 هـ، فتولى رئاسة الطائفة ابنه عباس الذي لقبوه بـ (عبد البهاء)، فأخذ يدعو إلى هذا المذهب، ويتصرف فيه كما يشاء، ولم يرض عن صنيعه هذا أصحاب البهاء، فانشقوا عنه، والتفوا حول أخيه الميرزا علي، وألفوا كتباً بالفارسية والعربية، وطبعوها في الهند يطعنون بها في سيرة عباس، ويصفونه بالمروق من دين البهاء.
س -
ما اعتقاد مؤسسيها وأتباعهم
؟
ج - ليست البهائية بالنحلة المحدثة التي لم يتقدم لها في النحل المارقة من الإسلام ما يشابهها، أو تتخذه أصلاً تبني عليه مزاعمها، وإنما هي وليدة من ولائد الباطنية، تغذت من ديانات وآراء فلسفية ونزعات سياسية، ثم اخترعت لنفسها صوراً من الباطل، وخرجت تزعم أنها وحي سماوي.
ولولا أن في الناس طوائف يتعلقون بذيل كل ناعق، لما وجدت داعياً ولا مجيباً لندائها، وها نحن أولاء نسوق إليك كلمة في مذهب الباطنية، ونحدثك عن البابية أو البهائية حتى تعلم أنها سلالة من ذلك المذهب الأثيم:
تقوم دعوة الباطنية على إبطال الشريعة الإسلامية، وأصل نشأة هذه الدعوة: "أن طائفة (1) من المجوس راموا عند شوكة الإسلام تأويل الشرائع على وجوه تعود إلى قواعد أسلافهم، وذلك أنهم اجتمعوا، فتذاكروا ما كان عليه أسلافهم من الملك، وقالوا: لا سبيل لنا إلى دفع المسلمين بالسيف؛ لغلبتهم، واستيلائهم على الممالك، لكنا نحتال بتأويل شرائعهم إلى ما يعود إلى قواعدنا، ونستدرج به الضعفاء منهم؛ فإن ذلك يوجب
(1) كتاب "المواقف وشرحه" للسيد الجرجاني.
اختلافهم، واضطراب كلمتهم".
وقد رسموا لهذا المذهب خطة دبروها بنوع من المكر، وهو أنهم جعلوا الدعوة مراتب:
1 -
تفرس حال المدعو، أقابل للدعوة أم لا؟
2 -
استهواء كل أحد بما يميل إليه من زهد أو خلاعة.
3 -
التشكيك في أصول الدين.
4 -
أخذ الميثاق على الشخص بأن لا يفشي لهم سراً.
5 -
دعوى موافقة أكابر رجال الدين والدنيا لهم؛ ليزداد الإقبال على مذهبهم.
6 -
تمهيد مقدمات يراعون فيها حال المدعو لتقع لديه موقع القبول.
7 -
الطمأنينة إلى إسقاط الأعمال البدنية.
8 -
سلخ المدعو من العقائد الإسلامية، ثم يأخذون بعد هذا في تأويل الشريعة على ما تشاء أهواؤهم.
اتخذ هذه الخطة وسيلة إلى محاربة الدين الإسلامي طوائف كانوا يتظاهرون بأنهم من شيعة آل البيت، وهم لا يؤمنون بنبي من الأنبياء، ولا بشيء من الكتب المنزلة، ولا بيوم الجزاء، ولا أن للعالم خالقاً، وتراهم يستدلون بالقرآن والحديث، ولكن يحرفونهما عما أراد الله ورسوله منهما.
ومن الباطنية المتظاهرين بالتشيع لآل البيت من ادّعى النبوة لبعض آل البيت.
وكم أحدث هؤلاء الذين يدعون المهدية، أو النبوة، أو الإلهية من فتن! وكم جروا على العالم الإسلامي من بلاء! وكان أهل العلم يقاومون باطلهم،
ويهتكون أستارهم، وممن تصدى للرد عليهم: أَبو حامد الغزالي، فألّف كتابه المسمى:"حجة الحق (1) "، وكتابه المسمى:"فضائح الباطنية (2) "، وذكر في مقدمة هذا الكتاب أنه طالع الكتب المصنفة فيهم، فوجدها مشحونة بفنين: فن في تواريخ أخبارهم وأحوالهم من بدء أمرهم إلى ظهور ضلالهم، وتسمية كل واحد من دعاتهم في كل قطر من الأقطار، وبيان وقائعهم فيما انقرض من الأعصار، وفن في إبطال تفاصيل مذاهبهم وعقائد تلقوها من الثنوية والفلاسفة، وحرفوها عن أوضاعها، وغيروا ألفاظها قصداً للتغطية والتلبيس، ثم بين أنه قصد في كتابه إلى الإعراب عن خصائص مذهبهم، والتنبيه على مدارج حيلهم، والكشف عن بطلان شبههم.
ولأبي بكر بن العربي مع بعض زعمائهم مناظرات ذكرها في كتاب "القواصم والعواصم"، وتناول الشيخ ابن تيمية مذهب الباطنية، وردّ على بعض فرقهم في بعض مؤلفاته.
عرفنا تاريخ الباطنية، وقرأنا بعض كتب البابية والبهائية، فوجدنا روح الباطنية حلت في جسم ميرزا علي، وميرزا حسين علي، فخرجت باسم البابية والبهائية.
الباطنية يستدلون بكلام النبوة، ويحرفون كلم القرآن والحديث عن مواضعه؛ كما فسروا حج البيت العتيق بزيارة شيوخهم، والبابية أو البهائية يستدلون بالقرآن والحديث، ويذهبون في تأويلهما إلى مثل هذا الهذيان نفسه، ولميرزا علي المسمى بـ (الباب) تفسير لسورة يوسف مشى فيه على
(1) ألفه باللسان الفارسي.
(2)
ألفه باللغة العربية وطبع في لندن.
هذا النمط، فقال في قوله تعالى:
"المراد من يوسف: حسين بن علي، والمراد بالشمس: فاطمة، وبالقمر: محمد، وبالنجوم: أئمة الحق، فهم الذين يبكون على يوسف سجّدا"!.
وهذا أحد دعاتهم المسمّى: أبا الفضل الجرفادقاني قد أورد في كتابه المسمّى: "الدرر البهية" قوله تعالى:
{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 39].
وقوله تعالى:
وقال: "ليس المراد من تأويل آيات القرآن: معانيها الظاهرية، ومفاهيمها اللغوية، بل المراد: المعاني الخفية التي أطلق عليها الألفاظ على سبيل الاستعارة والتشبيه والكناية". ثم قال بعد هذا: "قرر الله تنزيل تلك الآيات على ألسنة الأنبياء، وييان معانيها، وكشف الستر عن مقاصدها إلى روح الله حينما ينزل من السماء". وقال: "إنما بعثوا عليهم السلام لسوق الخلق إلى النقطة المقصودة، واكتفوا منهم بالإيمان الإجمالي حتى يبلغ الكتاب أجله، وينتهي سير الأفئدة إلى رتبة البلوغ، فيظهر روح الله الموعود، ويكشف لهم الحقائق المكنونة في اليوم المشهود"، وقال:"وفي نفس الكتب السماوية تصريحات بأن تأويل آياتها إلى معانيها الأصلية المقصودة لا تظهر إلا في اليوم الآخر؛ يعني: القيامة، ومجيء مظهر أمر الله، وإشراق آفاق الأرض ببهاء وجه الله".
ثم قال: "ولذلك جاءت تفاسير العلماء من لدن نزول التوراة إلى نزول البيان (1) تافهة باردة عقيمة جامدة، بل مضلة مبعدة محرفة مفسدة،.
كنا نود أن نصرف القلم عن نقل مثل هذا السخف، ونصون صحف الكتاب عن أن تحمل لقرائه شيئاً من الزيغ والالحاد في آيات الله، والاعتداء على علماء الإسلام الذين رفعوا منار الحق، وأذاقوا بحججهم أعداء الإنسانية عذاباً أليماً، ولكن دعاة هذا المذهب قد استهووا فريقاً من أبناء المسلمين، وأصبحوا يدعون إلى مذهبهم في النوادي، ويتحدثون عنه في الصحف، وألفوا كتباً تقع في أيدي بعض الشباب، فذلك ما اضطرنا إلى أن نبسط القول في بيان نحلتهم، وسرد أقوالهم؛ حتى يكون المسلمون على بينة من أمرهم.
لهج البابية البهائية مقتفين أثر إخوانهم الباطنية بهذا النوع من التأويل؛ ليدخلوا منه إلى العبث في تفسير القرآن والحديث، وصرفهما عما يراد بهما من حكمة وهداية.
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
أنزل الله القرآن بلسان عربي مبين، ودلنا على أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يقوم ببيان ما خفي على الناس علمه، فقال تعالى:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
وما زال السلف من الصحابة والراسخين في العلم من بعدهم، يفسرون القرآن بما يووونه عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبما يفهمونه منه
(1) هو الكتاب الذي وضعه ميرزا علي محمد الملقب بالباب.
على مقتضى استعمال لغتهم وأساليب بلاغتهم، فجاؤوا بعلم كثير، وأدب غزير، وتركوها حكماً رائعة، وشريعة سمحة باهرة، وقوانين اجتماع طاهرة، حتى قام جماعة من أوشاب الناس يزعمون أن هذا القرآن الذي أنزله الله بلسان العرب لم يوكل بيانه إلى من كان يقرؤه على الناس بكرة وعشياً، ولم يفهم المراد منه أولئك الذين يتهجدون به في الأسحار سجداً لله وبكياً، وإنما وكل بيانه إلى أمثال ميرزا علي محمد، وميرزا حسين، وعباس، وأبي الفضل الجرفادقاني ليخوضوا فيه بلغو من القول، ويعثوا في تأويله مفسدين.
قال أَبو بكر بن العربي في كتاب "القواصم والعواصم" يرد على إخوانهم الباطنية قولهم: إن خليفة الله هو الذي يبلغ عنه "الخليفة هو النبي الذي بين، ثم استأثر الله به، ولا معصوم بعده".
وفي كتاب "فضائح الباطنية" بسطة في رد ما يدعونه من ظهور الإمام المعصوم، وحصر مدارك الحق في أقواله، وقد عرفت أن الإمام المعصوم الذي يدعيه الباطنية هو ما يسميه البابية والبهائية بـ"من يظهره الله"، ويزعمون أنه هو الذي يعرف تأويل ما جاء به الرسل عليهم السلام، ويصرح هذا الإيراني في كتابه هذا بأن قصص القرآن غير واقعة، وقال:"لا يمكن للمؤرخ أن يستمد في معارفه التاريخية من آيات القرآن". وقال: "إن الأنبياء عليهم السلام تساهلوا مع الأمم في معارفهم التاريخية، وأقاصيصهم القومية، ومبادئهم العلمبة، فتكلموا بما عندهم، وستروا الحقائق تحت أستار الإشارات، وسدلوا عليها ستائر بليغ الاستعارات".
دعوى أن في اقرآن قصصاً غير واقعة بزعم أنه رمز إلى معان خفية، ليس لها من داع سوى ما يضمره أصحابها من الكيد للقرآن الكريم، وإدخال
الريب في أنه تنزيل من لدن حكيم عليم.
لم يقم حتى الآن دليل تاريخي أو نظري يطعن في صحة قصة ساقها القرآن الحكيم، ونحن نستند في صحتها إلى الآيات الدالة على أن المبعوث به لا ينطق عن الهوى، فالمؤرخ المسلم، ومعلم التاريخ لأبناء المسلمين يستمد في معارفه التاريخية من آيات الذكر الحكيم، وهي عندنا أصدق قيلاً، وأقوى سنداً مما يقصه المؤرخ من حوادث تقع في عصره، أو قريب منه، وهذه الثقة بالطبيعة لا تحصل لمن ينكر أو يرتاب في أن القرآن حجة الله على العالمين، فلا تطالب المجوسي أو البهائي بأن يدخلوا في مؤلفاتهم التاريخية ما جاء في القرآن من أنباء الأولين، وهم لم يطمئنوا إلى أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق أمين.
يزعم هذا الإيراني أن الرسول ينطق ببعض المبادئ العلمية مجاراة لقومه، وهي في الواقع غير صحيحة، وهذه جهالة غبي، وجراءة غوي، والرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يُبعث لتقرير المسائل العلمية التي تدركها عقول البشرية بسهولة، أو بعد جهد؛ كالطبيعيات والرياضيات لا يتحدث عن شيء منها حديث من يصدق بها إلا أن تكون صواباً، ودعوى أن لها رموزاً إنما اخترعها الإيراني وأمثاله ليستروا بها وجه جحودهم، والبرقع الشفاف لا يحجب ما وراءه.
ولم يكن تأويل البهائية وأسلافهم الباطنية لنصوص الشريعة على هذا الوجه الناقض لأصولها بشيء ابتدعوه من أنفسهم ابتداعاً، وإنما هو صنع عملوا فيه على شاكلة طائفة من فلاسفة اليهود من قبل؛ فأنا نقرأ في ترجمة "فيلون" الفيلسوف اليهودي المولود ما بين عشرين وثلاثين قبل ميلاد المسيح
أنه ألف كتاباً في تأويل التوراة ذاهباً إلى أن كثيراً مما فيها رموز إلى أشياء غير ظاهرة، ويقول الكاتبون في تاريخ الفلسفة: إن هذا التأويل الرمزي كان موجوداً معروفاً عند أدباء اليهود بالإسكندرية قبل زمان "فيلون"، ويذكرون أمثلة تأويلهم أنهم فسروا آدم بالعقل، والجنة برياسة النفس وإبراهيم بالفضيلة الناتجة من العلم، وإسحاق عندهم هو الفضيلة الغريزية، ويعقوب هو الفضيلة الحاصلة من التمرين، إلى أمثال هذا من التأويل الذي لا يحوم عليه إلا الجاحدون المراؤون، ولا يقبله منهم إلا قوم هم عن مواقع الحكمة ودلائل الحق غافلون.
وأبو الفضل هذا من أبعد دعاة البهائية في الهذيان شأواً، وأشدهم لعلماء الإِسلام ضغينة، وإذا أخذ في شتمهم، لا يشفى غليله إلا أن يصب كل الجمل التي يعرفها في المعنى الذي أراد شتمهم به، انظروا إلى قوله في (صفحة 147) من ذلك الكتاب المسمى: بالدرر البهية: "فتمادوا في غيهم، وأصروا على باطلهم، وتاهوا في ضلالتهم، ومردوا في جهالاتهم، وعموا في سكرتهم، وانهمكوا في غوايتهم"، فالرجل حفظ جملاً التقطها من بعض الصحف السائرة، أو من الكتب الغابرة، وصار يلقيها فيما يكتب من غير وزن، حاسباً أن هذا الصنيع من تزويق القول ينقل الناس من الجد إلى الهزل، وكان الحق إلى الضلال!.
في الباطنية من يدعي أنه نبي، أو يعتقد في آخر أنه نبي يوحي إليه، وميرزا علي الملقب (بالباب) يدعي أنه رسول من الله؛ ووضع كتاباً ادعى أن ما فيه شريعة منزلة، وسماه:"البيان" وقال في رسالة بعث بها إلى الشيخ محمود الألوسي صاحب التفسير المشهور المسمى: "روح المعاني" يدعوه
فيها إلى مذهبه: "إنني أنا عبد الله قد بعثني الله بالهدى من عنده". وسمى في هذه الرسالة مذهبه: دين الله، فقال:"ومن لم يدخل في دين الله، مثله كمثل الذين لم يدخلوا في الإِسلام"!.
وكذلك يدعي زعيمهم المسمى: (بهاء الله)، ففي كتاب "بهاء الله والعصر الجديد":"وقرر بهاء الله أن رسالته هي لتأسيس السلام على الأرض". وقال صاحب هذا الكتاب يتحدث عن الباب والبهاء: "من المستحيل إيجاد أي تغيير لعظمهما إلا بالاعتراف بأنهما إنما عملا بوحي من الله".
يدّعي الباب الرسالة، ويزعم أن شريعته ناسخة للشريعة الإِسلامية، فابتدع لأتباعه أحكاماً خالف بها أحكام الإِسلام وقواعده، فجعل الصوم تسعة عشر يوماً من شروق الشمس إلى غروبها. وعين لهذه الأيام وقت الاعتدال الربيعي؛ بحيث يكون عيد الفطر عندهم يوم النيروز على الدوام، وفي كتابه "البيان":"أيام معدودات، وقد جعلنا النيروز عيداً لكم بعد إكمالها". وجعل ميرزا حسين الملقب ببهاء الله الصلاة تسع ركعات في اليوم والليلة، وكان عبد الله بن الخراب الكندي الذي اعتقد إلهيته كثير من أشباه الناس قد جعلها تسع عشرة صلاة في اليوم والليلة.
وقبلة البهائيين في صلاتهم التوجه أين يكون ميرزا حسين المسمى: بهاء الله، فإنه يقول لهم:"إذا أردتم الصلاة، فولوا وجوهكم شطري الأقدس"! وقال ابنه عباس: "يلزمنا التوجه إلى مركز معلوم، وهو مظهر الله". ومظهر الله في زعمهم هو هذا المسمى: بهاء الله.
أما الحج، فقد أبطله البهاء، وأوصى بهدم بيت الله الحرام عند ظهور رجل مقتدر من أشياعه.
ومن الباطنية من منع العوام من مدارسة العلوم، والخواص من النظر في الكتب المتقدمة؛ حتى يبقوا في عماية، وهو الحسن بن محمد الصباح. ونجد ميرزا علي المسمى: الباب قد حرّم في كتابه "البيان" التعلم، وقراءة كتب غير كتبه، فكان كل من يؤمن بالباب يحرق القرآن الكريم وما وقع في يده من كتب العلم، ولكن الميرزا حسين المسمّى:(بهاء الله) أدرك ما في هذا التحجير من خطأ مكشوف، وأنه مما يصرف عنهم ذوي العقول النابهة، فأتى في كتابه الذي سمّاه:"الأقدس" بما ينسخه، فقال:"قد عفا الله عنكم ما نزل في "البيان" من محو الكتب، وأذنَّاكم بأن تقرؤوا من العلوم ما ينفعكم".
وفي الباطنية من يدعي حلول الإله في بعض الأشخاص، كما قال القرامطة بإلهية محمد بن إسماعيل بن جعفر، وهذه الدعوى -أعني: دعوى الحلول- تظهر في بعض مقالات البهائية.
قال عباس الملقب بـ (عبد البهاء): "وقد أخبرنا بهاء الله بأن مجيء رب الجنود، والأب الأزلي، ومخلص العالم الذي لابد منه في آخر الزمان، كما أنذر جميع الأنبياء، عبارة عن تجليه في الهيكل البشري، كما تجلى في هيكل عيسى الناصري، إلا أن تجليه في هذه المرة أتم وكمل وأبهى، فعيسى وغيره من الأنبياء هيؤوا الأفئدة والقلوب لاستعداد هذا التجلي الأعظم".
يريد بهذا: أن الله تجلى فيه بأعظم من تجليه في أجسام الأنبياء على ما يزعم، وقال مهذارهم أبو الفضل الإيراني: "فكل ما توصف به ذات الله، ويضاف ويستند إلى الله من العزة والعظمة، والقدرة والعلم والحكمة، والإرادة والمشيئة، وغيرها من الأوصاف والنعوت، إنما يرجع بالحقيقة إلى مظاهر
أمره، ومطالع نوره، ومهابط وحيه، ومواقع ظهوره".
ويظهر هذا من اللوح الذي كتبه المسمى (بهاء الله) في التنويه بشأن ابنه عباس؛ فإنه قال: "إن لسان القدم (1) يبشر أهل العالم بظهور الاسم الأعظم (2) الذي أخذ عهده بين الأمم، أنه نفسي، ومطلع ذاتي، ومشرق أمري، من توجه إليه، فقد توجه إلى وجهي، واستضاء من أنوار جمالي، واعترف بوحدانيتي، وأقر بفردانيتي
…
إلخ)!.
وقلد البهائية الفلاسفة فيما يدعونه من قدم العالم، ففي كتاب "بهاء الله والعصر الجديد":"علم بهاء الله أن الكون بلا مبدأ زمني، فهو صادر أبدي من العلة الأولى، وكان الخلق دائماً مع خالقه، وهو دائماً معهم".
وقد تصدى أهل العلم الراسخ لتزييف ما تعلق به هؤلاء في الاستدلال على هذا الرأي، وحققوا أن المعلول لابد أن يتأخر عن العلة في الوجود، إذ معنى العلة: ما أفاض على الشيء الوجود، والمعلول: ما قبل منه هذا الوجود، ولا معنى لإفاضة الوجود على الممكن إلا إخراجه إلى الوجود بعد أن كان في عدم، وذلك معنى الحدوث.
ومن عجيب أمر هذه الطائفة: أنهم يدعون النبوة والرسالة، وما فوق الرسالة، وينكرون المعجزات بدعوى أنها غير معقولة، تجدون هذا الإنكار في كتاب داعيتهم المسمّى: أبا الفضل، فقد ذكر انفلاق البحر، وانفجار العيون من الحجر لموسى عليه السلام، وإبراء عيسى عليه السلام للاكمه والأبرص، وإحياءه الموتى بإذن الله، ونبع الماء من بين أصابع
(1) يفسره البهائية ببهاء الله.
(2)
يفسرونه بعباس عبد البهاء.
محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: وكثير من أهل الفضل، وفرسان مضمار العلم اعتقدوا بأن جميع ما ورد في الكتب والأخبار من هذا القبيل كلها استعارات عن الأمور المعقولة، والحقائق الممكنة مما يجوزه العقل المستقيم، ثم أخذ يؤول ما ورد في تلك المعجزات من قرآن وحديث، ويحمله على معان لا يقبلها منه إلا من فقد عقله قبل أن يفقد إيمانه، وإنكارهم للمعجزات ينبئكم أن القوم يمشون مكبين على وجوههم وراء الفلسفة التي لا تؤمن بأن لهذا العالم خالقاً فعالاً لما يريد.
وملخص القول في البابية والبهائية: أنه مذهب مصنوع من ديانات ونحل وآراء فلسفية، قال صاحب كتاب "مفتاح باب الأبواب" يصف البابيين:"لهم دين خاص مزيج من أخلاط الديانات البوذية (1)، والبرهمية الوثنية (2)، والزرادشتية (3)، واليهودية، والمسيحية، والإِسلامية، ومن اعتقادات الصوفية، والباطنية".
وما زالت البهائية مذهباً قائماً على أطلال الباطنية يحمل في سريرته القصد إلى هدم الإِسلام بمعول التأويل، ودعوى الرسالة والوحي بشريعة ناسخة لأحكامه، حتى جاء عباس عبد البهاء إلى هذا المذهب المصنوع، وأراد أن يكسوه ثوباً جديداً، فخلطه بآراء التقطها مما يتحدث به بعض الناس على أنها من مقتضيات المدنية، أو مما اكتشفه العلم حديثاً، نحو:
(1) دين الصينيين واليابانيين.
(2)
أصل ديانة الهنود.
(3)
ديانة قديمة تنسب إلى إبراهيم زرداشت الإيراني، ولا يزال لأتباعها طائفة بالبلاد الهندية، وأخرى بالبلاد الايرانية.
التساوي بين الرجال والنساء في التعليم، ونزع السلاح، واتفاق الأمم على لغة واحدة تدرس في العالم كله، وتأسيس محكمة عمومية تحل مشاكل الأمم، وأن الإنسان تدرج بالارتقاء من أبسط الأنواع حتى وصل إلى شكله الحالي (نظرية داروين)، ولهجوا بعد هذا بكلمة نشر السلام العام، ونبذ التعصبات الدينية.
وقد تخيل عباس أنه بإدخال مثل هذه الآراء في مذهب البهائية يستدرج المولعين بالجديد من النابتة الحديثة، ولهذا الطمع ترونه يقول:"تحتوي تعاليم بهاء الله على جميع آمال ورغائب فرق العالم، سواء كانت دينية أو سياسية أو أخلاقية، وسواء كانت من الفرق القديمة أو الحديثة، فالجميع يجدون فيها ديناً عمومياً في غاية الموافقة للعصر الحاضر (1)، وأعظم سياسة للعالم الإنساني".
وصرح في مقال آخر بأنه يريد أن يوحد بين المسلمين والنصارى واليهود، ويجمعهم على أصول نواميس موسى عليه السلام الذين يؤمنون به جميعاً (2).
ولا أحسب عبد البهاء عباساً يقصد من هذا الحديث إلا التزلف لليهود، والتظاهر بموالاتهم؛ ليجعلهم من أشياعه، وإلا، فكيف يقع في خاطر من عرف القرآن أن يعمل على صرف الناس عن شريعة الإِسلام، ويرجع بها إلى شفا حفرة من النار بعد أن أنقذهم الله منها؟!.
يذكر الشيخ ابن تيمية: أن الباطنية "هم دائماً مع كل عدو للمسلمين"، وقال: "إن التتار ما دخلوا بلاد الإِسلام، وقتلوا خليفة بغداد وغيره من
(1) كتاب "عبد البهاء والبهائية"(ص 87).
(2)
كتاب "عبد البهاء والبهائية"(ص 93).