الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن دعاتها الذين يجوسون خلال ديار الإسلام إنما يثيرون في نفوس شبابنا فتنة، والفتنة أشد من القتل.
*
غلام أحمد: أصله، وولادته، ونشأته:
ساق غلام أحمد نسبه، فذكر أن آباءه كانوا يسكنون "سمرقند"، ثم رحلوا إلى الهند، واستوطنوا "قاديان"، وصارت لهم الرياسة في تلك الناحية. ثم دارت عليهم الدوائر، وانهالت عليهم المصائب، وذهبت عنهم تلك الرياسة، ونهبت أموالهم، وقال:"ثم ردّ الله إلى أبي بعض القرى في عهد الدولة البريطانية".
ولد غلام أحمد سنة 1252 هـ، ولما بلغ سن التعليم، شرع في قراءة القرآن، وبعض الكتب الفارسية، ولما بلغ العاشرة من عمره، تعلم اللغة العربية، ولما بلغ السابعة عشرة، اتصل بأستاذ، فتلقى عنه النحو والمنطق والفلسفة. وقرأ على أبيه كتباً في علم الطب. أنها العلوم الدينية، فلم يدرسها على أي معلم، وإنما كان له ولوع بمطالعتها (1).
وعندما قطع مسافة في التعلم، كانت السلطة البريطانية قد امتدت على "البنجاب"، وكان الشبان يطمحون إلى المناصب، فاندفع غلام أحمد يبحث عن وظيفة، فذهب إلى "سيلكوت"، وتقلد وظيفة في إدارة نائب المندوب السامي، ثم استقال منها بعد أربعة أعوام؛ إجابة لرغبة أبيه الذي رأى نفسه في حاجة إلى مساعدته له في إدارة شؤونه الخاصة.
(1) عن كتاب باللسان الإنجليزي لمحمود بن غلام أحمد اسمه: "أحمد رسول آخر الزمان".
وفي سنة 1876 م (1) مرض أبوه، فزعم غلام أحمد أنه نزل عليه وحي من الله بأن أباه سيموت بعد الغروب، وكان هذا الإخبار في زعمهم أول وحي نزل عليه. وأخذ بعد هذا يصرح ببعض آراء زاعماً أنه يتلقاها من طريق الوحي، وكان المسلمون يلاقون هذه المزاعم بالإنكار الشديد، فرحل إلى بلدة "لودهيانة"، وأذاع منشوراً أعلن فيه أنه المسيح المنتظر، فقام في وجهه علماء الشريعة بالإنكار، ومن بين هؤلاء العلماء: مولوي محمد حسين صاحب جريدة "إشاعة السنّة".
ودعا مولوي محمد حسين كثيراً من العلماء إلى "لودهيانة" لمناظرة غلام أحمد، ولكن الوالي (الكوميسر) في هذه الناحية كان في جانبه؛ فمنع من عقد المناظرة، وأرغم مولوي محمد حسين ومن معه من العلماء على مغادرة البلد في اليوم نفسه.
ثم انتقل غلام أحمد إلى "دهلي" داعياً إلى نحلته، فواجهه العلماء بالإنكار، وطلبوه للمناظرة فيما يدعو إليه، وقرروا أن يتولى مناظرته مولوي نظير حسين أستاذ الحديث، فلم يجب غلام أحمد للمناظرة، ولكن -كما يقول أتباعه- دعا مولوي نظير حسين إلى المباهلة: بأن يحلف هذا الأستاذ على أن عيسى بن مريم عليه السلام لم يزل حياً، وإذا حلف، ولم ينزل عليه في خلال سنة بلاء، يكون غلام أحمد كاذباً في نبوته، ولكن مولوي نظير حسين ومن معه من العلماء أبوا أن يسلكوا مع غلام أحمد هذه الطريقة بدل ما دعوه إليه من المناظرة.
وبعد هذا دعا أهالي "دهلي" مولوي محمود بشير من مدينة "بهوبال"
(1) نستعمل التاريخ الإفرنجي؛ لأنه الوارد في كتبهم التي ننقل عنها هذه الحوادث.
لمناظرة غلام أحمد، حكى هذا محمود بن غلام أحمد، ولم يزد على أن قال: وطبعت هذا المناظرة.
وفي سنة 1892 ذهب إلى "لاهور" أيضاً، فجرت بينه وبين مولوي عبد الحكيم مناظرة؛ ذكر هذه المناظرة أيضاً محمود بن غلام أحمد، ولم يتعرض لوصفها، أو لمن كان له الفوز في نهايتها وفي سنة 1896 عقد مؤتمر الأديان في "لاهور"، وحضره ممثلو ملك كثيرة، ويقول محمود بن غلام أحمد: إن غلام أحمد هو الذي اقترح عقد هذا، المؤتمر، وغرضه من هذا الاقتراح: تعريف العالم بحقيقة رسالته، وقالوا: إنه كان عندما شرع في كتابة المقال الذي أراد إلقاءه في المؤتمر، أخذه إسهال عنيف، ثم أتمه، وزعموا أنه أوحي إليه بأن مقاله سيفوق كل ما يلقى في المؤتمر، ولا ينتظر منهم بعد هذا إِلا أن يقولوا: إن مقاله في الموّتمر كان فوق كل مقال، وذكروا أن أتباعه لذلك الحين لا يزيدون على ثلاث مئة شخص.
وفي سنة 1897 دعا حسين كامي سفير تركيا في البنجاب غلام أحمد للاجتماع، فلم يجب، فذهب إليه بنفسه، وسمع منه ما يدَّعيه من نزول الوحي، وبعد انصرافه عنه، نشر في صحف "لاهور" مقالاً أنكر فيه ما يدعيه غلام أحمد أشد الإنكار، وكان لهذا المقال أثر في ازدياد حنق المسلمين على غلام أحمد في تلك البلاد.
وفي تلك السنة نشر غلام أحمد تحت عنوان: (الصلح خير) خطاباً لعلّماء الإسلام يدعوهم فيه أن يكفوا عن معارضته، والتشنيع عليه مدة عشر سنين، فإذا كان كاذباً، فسيصادفه ما يظهر كذبه، وإذا تبين صدقه، فستكون هذه الهدنة سبباً لمعرفتهم للحق، ونجاتهم من العقاب الذي
ينزله الله على من يناوئونه.
ولم تجد هذه المكيدة عند علماء الإسلام غباوة، فرفضوا هذا الاقتراح، واستمروا على تفنيد آرائه، وتحذير الناس من السقوط في ضلالته.
وفي هذه السنة قصد غلام أحمد إلى التخلص من حملة المنكرين عليه، فلجأ إلى حكم الهند العام، وقدم له مطلبًا قال فيه: إن أصل اضطراب الهند هو المشاغبات الدينية، فيجب وضع قانون يسوغ لأتباع كل دين إظهار حقائق دينهم، ويحميهم من تعرض غيرهم له.
وفي سنة 1898 وضع لأتباعه قانوناً هو أن لا يزوجوا بناتهم لمن لم يكن مصدقا بنبوته، وفي هذه السنة أسس مدرسة بقاديان لتعليم أبناء شيعته حتى يشبوا على مبادى نحلته.
وفي سنة 1900 بنى مسجداً بقاديان، ولكن أقاربه الذين سلمهم الله من نزعاته بنوا أمام هذا المسجد جداراً جعل أشياعه لا يصلون إلى المسجد إِلا بعد أن يمشوا مسافة طويلة، فرفع غلام أحمد عليهم دعوى، فقضت المحكمة لإزالة الجدار.
وفي هذه السنة ألقى على طائفته الخطبة التي يسميها: "الخطبة الإلهامية"، وأتباعه يعدونها من معجزاته، وسننقل فيما بعد شيئاً من هذيانها وضلالاتها.
وفي سنة 1901 أمر أتباعه بإحصاء عددهم، وتقييد أسمائهم في سجل، قال ابنه محمود بشير: هذه السنة مبدأ التفريق بينهم وبين المسلمين.
وفي سنة 1902 أصدر مجلة لنشر مذهبه سماها مجلة: "الأديان"، وهي تنشر باللغتين: الأوردية والإنكليزية، وكان يكتب فيها بعض مقالات بنفسه. وفي هذه السنة أقام عليه السيد كريم الدين قضية ادعى فيها أنه تناوله
بالقذف، واستدعي غلام أحمد إلى المحاكمة ببلدة "جهلوم"، وحضر لدى المحكمة، فقضت ببراءته.
وفي سنة 1903 قتل أحد دعاة مذهبه، وهو سيد عبد اللطيف بمدينة "كابل" بسبب مروقه من الدين، وفي هذه السنة كتب غلام أحمد مقالاً خرج فيه إلى شتم السيد كريم الدين حتى قال عنه: إنه كذاب لئيم، فرفع عليه السيد كريم الدين قضية قذف ثانية، واستدعي غلام أحمد إلى المحاكمة ببلدة "جردسبور"، فقضت عليه المحكمة بغرامة قدرها 500 روبية، فاستأنف القضية لدى محكمة "أمرتسر"، وكان القاضي إنجليزياً، فنقض الحكم الأول، وقضى ببراءته.
وسافر بعد إلى، "لاهور"، و"سيلكوت، ليخطب داعياً إلى مذهبه، فأصدر العلماء هنالك منشوراً ينصحون فيه الناس بأن لا يستمعوا إلى خطبه، وخطب مرّة واحدة، فثار الناس عليه بالإنكار، وحاولوا رميه بالحجارة، ولكنه كان -كما هو شأنه في هذه المواقع- محاطاً بالشرطة (البوليس)، فحموه حتى ركب القطار هارباً.
وفي سنة 1955 أسس مدرسة دينية عربية في "قاديان" لتخريج دعاة عارفين بمقاصد نحلته، وفي هذه السنة سافر إلى "دهلي"، فقام العلماء في وجهه، ولم يتمكن من الخطابة في محل عام، إِلا أن دعا طائفة إلى المنزل الذي يقيم فيه؛ ليبث بينهم مبادئ مذهبه، فلقي من بعض الحاضرين معارضة وإنكاراً، فغادر المدينة خائباً.
وعند عودته من "دهلي" مر على بلد "أمرتسر"، وعزم على إلقاء خطبة في قاعة المحاضرات، وجاء العلماء يحذرون الناس من الاستماع إليه، ولما
دخل قاعة المحاضرات، وأخذ يخطب، قدم له أحد أتباعه قدح شاي، وكان الاجتماع في نهار رمضان، فأخذ منه الرشفة الأولى، فصاح الحاضرون بالإنكار عليه، فأجاب بأنه مسافر، وقد رخص للمسافر الفطر في رمضان، ووقع عقب هذا هياج، فانقطع عن الخطابة، وانصرف في حماية الشرطة (البوليس)، واضطر إلى مغادرة المدينة.
وفي سنة 1905 زعم أنه أوحي إليه أن أجله قد قرب، وكتب الكتاب المعروف عندهم بالوصاية، ولكن أجله امتد بعد هذا نحو ثلاث سنين، وفي هذه السنة زعم أنه أوحي إليه بإنشاء مقبرة خاصة لأتباعه، وفرض على من يريد الدفن فيها أن يهب لخزنتهم ربع ماله.
وفي سنة 1907 قامت حركة وطنية في "البنجاب"، فانحاز غلام أحمد إلى جانب الحكومة، وأذاع منشوراً دعا فيه أتباعه إلى موالاة الحكومة ومساعدتها على إخماد الحركة الوطنية، ففعلوا.
وفي هذه السنة انعقد مؤتمر الأديان في "لاهور"، وحضره مندوبو الديانات، وبعث غلام أحمد مقالاً ليقرأ في المؤتمر، ولما قام أحد أتباعه لقراءته، قابله جماعة من الحاضرين بالازدراء، ورموه بكلمات الاستهزاء.
وفي سنة 1908 ذهب إلى "لاهور"، وعندما وصل إليها، أنكر المسلمون مجيئه، وصار العلماء يجتمعون كل يوم بعد صلاة العصر في براح حول منزله، ويلقون خطباً يحذرون فيها الناس من الاغترار بمزاعمه.
وكان غلام أحمد مبتلى بإسهال مزمن، فاشتد عليه وهو في "لاهور"، ومات في مايو من هذه السنة 1908 الموافقة لسنة 1326 هجرية، ونقل إلى "قاديان"، ودفن بها، وانتخب أتباعه لرياسة المذهب حكيم نور الدين حتى