الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوْع السَّادِس مَا يَأْتِي من الْكَلِمَات على سَبْعَة أوجه
وَهُوَ قد لَا غير فأحد أوجهها أَن تكون اسْما بِمَعْنى حسب أَي كَافِي وفيهَا مذهبان أَحدهمَا أَنَّهَا معربة رفعا على الِابْتِدَاء وَمَا بعْدهَا خبر وَإِلَيْهِ ذهب الْكُوفِيُّونَ وعَلى هَذَا فَيُقَال فِيهَا إِذا أضيفت إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم قدي دِرْهَم بِغَيْر نون للوقاية كَمَا يُقَال حسبى دِرْهَم بِغَيْر نون وجوبا
وَالثَّانِي أَنَّهَا مَبْنِيَّة على السّكُون لشبهها بالحرفية لفظا وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وعَلى هَذَا يُقَال قدي بِغَيْر نون حملا على حسبى وقدني بالنُّون حفظا للسكون لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْبناء
الْوَجْه الثَّانِي من أوجه قد أَن تكون اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي وَهِي مَبْنِيَّة اتِّفَاقًا ويتصل بهَا يَاء الْمُتَكَلّم فَيُقَال قدني دِرْهَم بالنُّون وجوبا كَمَا يُقَال يَكْفِينِي دِرْهَم فياء الْمُتَكَلّم فِي مَحل نصب على المفعولية وَدِرْهَم فَاعل
الْوَجْه الثَّالِث من أوجه قد أَن تكون حرف تَحْقِيق لكَونهَا تفِيد تَحْقِيق وُقُوع الْفِعْل بعْدهَا فَتدخل على الْفِعْل الْمَاضِي اتِّفَاقًا
نَحْو {قد أَفْلح من زكاها} فحققت حُصُول الْفَلاح لمن اتّصف بذلك قيل وَتدْخل أَيْضا على الْفِعْل الْمُضَارع نَحْو {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} أَي قد علم فحصول الْعلم مُحَقّق لله تَعَالَى وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول التسهيل وَعَلَيْهِمَا للتحقيق
الْوَجْه الرَّابِع من أوجه قد أَن تكون حرف توقع لكَونهَا تفِيد توقع الْفِعْل وانتظاره فَتدخل عَلَيْهِمَا أَي على الْمَاضِي والمضارع على الْأَصَح فيهمَا وَفِي قَوْله أَيْضا تسمح لِأَن قد الَّتِي للتحقيق لَا تدخل على الْمُضَارع إِلَّا فِي قَول ضَعِيف عبر عَنهُ بقيل تَقول فِي الْمُضَارع قد يخرج زيد إِذا كَانَ خُرُوجه متوقعا منتظرا فَدلَّ على أَن الْخُرُوج منتظر متوقع وَتقول فِي الْمَاضِي قد خرج زيد لمن يتَوَقَّع خُرُوجه وَفِي التَّنْزِيل {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} لِأَنَّهَا كَانَت تتَوَقَّع سَماع شكواها هَذَا مَذْهَب الْأَكْثَر من النَّحْوِيين
وَزعم بَعضهم أَنَّهَا أَي قد لَا تكون للتوقع مَعَ الْمَاضِي لِأَن التوقع انْتِظَار الْوُقُوع فِي الْمُسْتَقْبل والماضي قد وَقع فَكيف يتَوَقَّع وُقُوع مَا وَقع
وَقَالَ الَّذين أثبتوا معنى التوقع مَعَ الْمَاضِي أَنَّهَا تدل على أَنه أَي الْفِعْل الْمَاضِي كَانَ منتظرا تَقول قد ركب الْأَمِير لقوم ينتظرون هَذَا الْخَبَر وَهُوَ ركُوب الْأَمِير ويتوقعون الْفِعْل وَهُوَ الرّكُوب وَذهب المُصَنّف فِي المغنى أَن قد لَا تفِيد التوقع أصلا
الْوَجْه الْخَامِس من أوجه قد تقريب الزَّمن الْمَاضِي من الزَّمن الْحَال نَحْو قد قَامَ فَإِنَّهَا قربت الْمَاضِي من الْحَال وَلِهَذَا التَّقْرِيب تلْزم قد مَعَ الْمَاضِي الْوَاقِع حَالا اصطلاحية إِمَّا ظَاهِرَة فِي اللَّفْظ نَحْو {وَقد فصل لكم مَا حرم عَلَيْكُم} {وَقد فصل لكم} حَالية أَو مقدرَة نَحْو {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا} أَي قد ردَّتْ إِلَيْنَا وَالْجُمْلَة حَالية
وَذهب الْكُوفِيُّونَ والأخفش إِلَى أَن اقتران الْمَاضِي الْوَاقِع حَالا ب قد لَيْسَ بِلَازِم لِكَثْرَة وُقُوعه حَالا بِدُونِ قد وَالْأَصْل عدم التَّقْدِير هَذَا هُوَ الظَّاهِر إِذْ لَيْسَ بَين الْحَال الاصطلاحية وَالْحَال الزمانية ارتباط معنوي بِدَلِيل أَنهم قسموا الْحَال الاصطلاحية إِلَى ماضوية ومقارنة ومستقبلة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الْكَلَام فِي الْحَال الْمُقَارنَة لِأَنَّهَا المتبادرة إِلَى الذِّهْن عِنْد الْإِطْلَاق
وَقَالَ ابْن عُصْفُور إِذا أُجِيب الْقسم بماض معنى مُثبت لَا منفي متصرف لَا جامد فَإِن كَانَ الْمَعْنى قَرِيبا من الْحَال جِئْت قبل الْفِعْل الْمَاضِي بِاللَّامِ وَقد جَمِيعًا منحو تالله لقد قَامَ زيد وَفِي التَّنْزِيل {تالله لقد آثرك الله علينا} وَإِن كَانَ الْمَعْنى بَعيدا من الْحَال جِئْت قبل الْفِعْل الْمَاضِي بِاللَّامِ فَقَط كَقَوْلِه وَهُوَ امْرُؤ الْقَيْس
(حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر
…
لناموا فَمَا إِن من حَدِيث وَلَا صال)
قَالَ المُصَنّف فِي المغنى وَالظَّاهِر فِي الْآيَة وَالْبَيْت عكس مَا قَالَ إِذْ المُرَاد فِي الْآيَة لقد فضلك الله علينا بِالصبرِ وَذَلِكَ مَحْكُوم لَهُ بِهِ فِي الْأَزَل وَهُوَ متصف بِهِ مذ عقل وَالْمرَاد فِي الْبَيْت أَنهم نَامُوا قبل مَجِيئه انْتهى
وَزعم جَار الله الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه عِنْدَمَا تكلم على قَوْله {لقد أرسلنَا نوحًا} فِي تَفْسِير سُورَة الْأَعْرَاف أَن قد الْوَاقِعَة مَعَ لَام الْقسم تكون بِمَعْنى التوقع وَهُوَ الِانْتِظَار لِأَن السَّامع يتَوَقَّع الْخَبَر وينتظره عِنْد سَماع الْمقسم بِهِ هَذَا معنى كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ وَلَفظه فَإِن قلت فَمَا بالهم لَا يكادون ينطقون بِهَذِهِ اللَّام إِلَّا مَعَ قد وَقل عَنْهُم نَحْو قَوْله حَلَفت بِاللَّه الْبَيْت قلت الْجُمْلَة القسمية لَا تساق إِلَّا توكيدا للجملة الْمقسم عَلَيْهَا الَّتِي هِيَ جوابها فَكَانَت فطنة لِمَعْنى التوقع الَّذِي هُوَ معنى قد عِنْد اسْتِمَاع الْمُخَاطب كلمة الْقسم انْتهى وَلَا يُنَافِي ذَلِك كَونهَا للتقريب قَالَ فِي التسهيل وَتدْخل على فعل مَاض متوقع لَا يشبه الْحَرْف لتقريبه من الْحَال انْتهى وَاحْترز بقوله لَا يشبه الْحَرْف من الْفِعْل الجامد نَحْو نعم وَبئسَ وَافْعل التَّعَجُّب فَلَا تدخل عَلَيْهَا قد لِأَنَّهَا سلبت الدّلَالَة على الْمُضِيّ
الْوَجْه السَّادِس من أوجه قد التقليل بِالْقَافِ وَهُوَ ضَرْبَان الأول تقليل وُقُوع الْفِعْل نَحْو قَوْلهم فِي الْمثل قد يصدق الكذوب وَقد يجود الْبَخِيل فوقوع الصدْق من الكذوب والجود من الْبَخِيل قَلِيل
وَالثَّانِي تقليل مُتَعَلّقه أَي مُتَعَلق الْفِعْل نَحْو قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} فمتعلق الْفِعْل الْعلم بِمَا هم عَلَيْهِ أَي أَن مَا هم منطوون عَلَيْهِ من الْأَحْوَال والمتعلقات هُوَ أقل معلوماته وَزعم بَعضهم أَنَّهَا أَي قد فِي ذَلِك أَي فِي قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} للتحقيق لَا للتقليل كَمَا تقدم فِي قَوْله وَقد تدخل على الْمُضَارع نَحْو قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} وَزعم هَذَا الْبَعْض أَيْضا أَن التقليل فِي المثالين وهما قد يصدق الكذوب وَقد يجود الْبَخِيل لم يستفد من لفظ قد بل من نفس قَوْلك الْبَخِيل يجود وَمن قَوْلك الكذوب يصدق فَإِنَّهُ أَي الشَّأْن إِن لم يحمل على أَن صُدُور ذَلِك أَي الْجُود من الْبَخِيل والصدق من الكذوب قَلِيل على جِهَة الندور كَانَ متناقضا لِأَن الْبَخِيل والكذوب صِيغَة مُبَالغَة تَقْتَضِي كَثْرَة الْبُخْل وَالْكذب فَلَو كَانَ كل من يجود وَيصدق بِدُونِ قد يَقْتَضِي كَثْرَة الْجُود والصدق لزم تدافع الكثيرين لِأَن آخر الْكَلَام وَهُوَ الْبَخِيل والكذوب يدْفع أَوله وَهُوَ يجود وَيصدق
الْوَجْه السَّابِع من أوجه قد التكثير قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله وَهُوَ الْهُذلِيّ
(قد أترك الْقرن مصفرا أنامله
…
كَأَن أثوابه مجت بفرصاد)
والقرن بِكَسْر الْقَاف الْكُفْء فِي الشجَاعَة والأنامل جمع أنمله وَهِي رَأس الْأصْبع ومجت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي رميت يُقَال مج الرجل من فِيهِ إِذا رمى بِهِ والفرصاد بِكَسْر التَّاء التوت الْأَحْمَر
وَقَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ أَي قَالَ إِنَّهَا ترد للتكثير فِي قَوْله تَعَالَى {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} وَالْكَثْرَة هُنَا فِي مُتَعَلق الْفِعْل لَا فِي نَفسه وَإِلَّا لزم تَكْثِير الرُّؤْيَة وَهِي قديمَة وتكثير الْقَدِيم بَاطِل عِنْد أهل السّنة