الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْأَلَة الأولى تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِفعل أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ
إِحْدَاهَا أَنه لَا بُد من تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِفعل مَاض أَو مضارع أَو أَمر أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ من مصدر أَو صفة اَوْ نَحْوهمَا
وَالْمرَاد بِالتَّعْلِيقِ الْعَمَل فِي مَحل الْجَار وَالْمَجْرُور نصبا أَو رفعا
مِثَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِالْفِعْلِ نَحْو مَرَرْت بزيد فالجار وَالْمَجْرُور فِي مَحل نصب بمررت
وَمِثَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِمَا فِي معنى الْفِعْل نَحْو زيد ممرور بِهِ فالجار وَالْمَجْرُور فِي مَحل رفع على النِّيَابَة عَن الْفَاعِل بممرور
وَقد اجْتمعَا أَي التَّعَلُّق بِالْفِعْلِ والتعلق بِمَا فِي مَعْنَاهُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم} فَعَلَيْهِم الأول مُتَعَلق بِفعل وَهُوَ أَنْعَمت وَمحله نصب وَعَلَيْهِم الثَّانِي يتَعَلَّق بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ المغضوب وَمحله رفع على النِّيَابَة عَن الْفَاعِل
وَقد اجْتمعَا أَيْضا فِي قَول أبي بكر بن دُرَيْد فِي مقصورته
(واشتعل المبيض فِي مسوده
…
مثل اشتعال النَّار فِي جزل الغضا)
فَفِي مسودة مُتَعَلق بِفعل وَهُوَ اشتعل وَفِي جزل مُتَعَلق بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ اشتعال وَإِن علقت الْجَار وَالْمَجْرُور الأول وَهُوَ فِي مسوده بالمبيض أَو جعلته حَالا مِنْهُ مُتَعَلقا ب كَائِنا محذوفا فَلَا دَلِيل فِيهِ على اجْتِمَاعهمَا لِأَن الْمَجْرُور الأول وَالثَّانِي متعلقان بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ المبيض أَو كَائِنا واشتعل مَعْنَاهُ انْتَشَر والمبيض شَدِيد الْبيَاض وَالضَّمِير فِي مسوده عَائِد على الرَّأْس فِي الْبَيْت قبله وَمثل بِالنّصب مفعول مُطلق والجزل الغليظ من الْحَطب الْيَابِس والغضا شجر مَعْرُوف إِذا وَقع فِيهِ النَّار يشتعل سَرِيعا وَيبقى زَمَانا شبه بَيَاض الشيب وانتشاره فِي رَأسه باشتعال النَّار فِي الْحَطب الغليظ وانتشارها فِيهِ
وَيسْتَثْنى من حُرُوف الْجَرّ أَرْبَعَة فَلَا تتَعَلَّق بِشَيْء
أَحدهَا الْحَرْف الزَّائِد كالباء الزَّائِدَة فِي الْفَاعِل نَحْو {كفى بِاللَّه شَهِيدا} وَنَحْو أحسن بزيد عِنْد الْجُمْهُور وَالْأَصْل كفى الله شَهِيدا واحسن زيد بِالرَّفْع
فزيدت الْبَاء فِي الْفَاعِل وَأحسن بِكَسْر السِّين فعل تعجب والزائدة فِي الْمَفْعُول نَحْو {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ} وَفِي الْمُبْتَدَأ نَحْو
بحسبك دِرْهَم وَفِي خبر النَّاسِخ الْمَنْفِيّ نَحْو {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}
وَكَمن الزَّائِدَة فِي الْفَاعِل نَحْو {أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير} وَفِي الْمَفْعُول نَحْو {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} وَفِي الْمُبْتَدَأ نَحْو {مَا لكم من إِلَه غَيره} و {هَل من خَالق غير الله} واستفيد من الْأَمْثِلَة أَن الْبَاء تزاد فِي الْإِثْبَات وَالنَّفْي وَتدْخل على المعارف والنكرات وَأَن من لَا تزاد فِي الْأَثْبَات وَلَا تدخل على المعارف على الصَّحِيح
وَإِنَّمَا لم يتَعَلَّق الزَّائِد بِشَيْء لِأَن التَّعَلُّق هُوَ الارتباط الْمَعْنَوِيّ وَالزَّائِد لَا معنى لَهُ يرتبط بِمَعْنى مدخوله وَإِنَّمَا يُؤْتى بِهِ فِي الْكَلَام تَقْوِيَة وتوكيدا والحرف الثَّانِي مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لَعَلَّ الجارة فِي لُغَة من يجر بهَا الْمُبْتَدَأ وهم عقيل بِالتَّصْغِيرِ وَلَهُم فِي لامها الأولى الْإِثْبَات والحذف فهاتان لُغَتَانِ وَلَهُم فِي لامها الْأَخِيرَة الْفَتْح وَالْكَسْر فهاتان لُغَتَانِ أَيْضا وَإِذا ضربت اثْنَيْنِ فِي مثلهمَا يحصل من ذَلِك أَربع لُغَات وَهِي لَعَلَّ وَلَعَلَّ وعل بِفَتْح الْأَخِيرَة وَكسرهَا فِيهِنَّ
واشتهر أَن عقيلا يجرونَ ب لَعَلَّ قَالَ شَاعِرهمْ وَهُوَ كَعْب بن سعد الغنوي
(وداع دَعَا يَا من يُجيب إِلَى الندى
…
فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب)
(فَقلت ادْع أُخْرَى وارفع الصَّوْت جهرة
…
لَعَلَّ أبي المغوار مِنْك قريب)
فجر بهَا أبي المغوار تَنْبِيها على أَن الأَصْل فِي الْحُرُوف المختصة بِالِاسْمِ أَن تعْمل الْعَمَل الْخَاص بِهِ وَهُوَ الْجَرّ وَإِنَّمَا قيل بِعَدَمِ التَّعَلُّق فِيهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْحَرْف الزَّائِد الدَّاخِل على الْمُبْتَدَأ
والحرف الثَّالِث مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لَوْلَا الامتناعية إِذا وَليهَا ضمير مُتَّصِل لمتكلم أَو مُخَاطب اَوْ غَائِب فِي قَول بَعضهم لولاي ولولاك ولولاه كَقَوْل زيد بن الْحَكِيم
(وَكم موطن لولاي طحت
…
)
وكقول الآخر (لولاك فِي ذَا الْعَام لم أحجج
…
)
وكقول جحدر (ولولاه مَا قلت لدي الدَّرَاهِم
…
)
فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَن لَوْلَا فِي ذَلِك كُله جَارة للضمير وَأَنَّهَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء وَأَنَّهَا بِمَنْزِلَة لَعَلَّ الجارة فِي أَن مَا بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل بِالِابْتِدَاءِ
وَذهب الْأَخْفَش إِلَى أَن لَوْلَا فِي ذَلِك غير جَارة وَأَن الضَّمِير بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل على الِابْتِدَاء وَلَكنهُمْ استعاروا ضمير الْجَرّ مَكَان ضمير الرّفْع وَالْأَكْثَر أَن يُقَال لَوْلَا أَنا وَلَوْلَا أَنْت وَلَوْلَا هُوَ بانفصال الضَّمِير فِيهِنَّ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {لَوْلَا أَنْتُم لَكنا مُؤمنين}
والحرف الرَّابِع كَاف التَّشْبِيه نَحْو قَوْلك زيد كعمرو فَزعم الْأَخْفَش الْأَوْسَط وَهُوَ سعيد بن مسْعدَة وَأَبُو الْحسن بن عُصْفُور أَنَّهَا أَي كَاف التَّشْبِيه لَا تتَعَلَّق بِشَيْء محتجين بِأَن الْمُتَعَلّق بِهِ إِن
كَانَ اسْتَقر فالكاف لَا تدل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فعلا مناسبا للكاف وَهُوَ أشبه فَهُوَ مُتَعَدٍّ لَا بالحرف
وَفِي ذَلِك بحث وَفِي بعض النّسخ نظر وَبَينه المُصَنّف فِي المغنى بِمَنْع انْتِفَاء دلَالَة الْكَاف على اسْتَقر فَقَالَ وَالْحق إِن جَمِيع الْحُرُوف الجارة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْخَبَر وَنَحْوه تدل على الِاسْتِقْرَار وَهُوَ فِي ذَلِك تَابع لأبي حَيَّان