المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: مس الفرج هل يجب فيه الوضوء أم لا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: مس الفرج هل يجب فيه الوضوء أم لا

‌ص: باب: مس الفرج هل يجب فيه الوضوء أم لا

؟

ش: أي هذا باب في بيان مس الفرج هل يوجب الوضوء أم لا؟ وهل ينقضه أم لا؟ والمناسبة بين البابين ظاهرة.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: نا الحسين بن مهدي، قال: نا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري (عن) (1) عروة:"أنه تذاكر هو ومروان الوضوء من مس الفرج، فقال مروان: حدثتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله عليه السلام يأمر بالوضوء من مس الفرج، وكان عروة لم يرفع بحديثها رأسا، فأرسل مروان إليها شرطيّا فرجع فأخبرهم أنها قالت: سمعت رسول الله عليه السلام يأمرنا بالوضوء من مس الفرج".

ش: أبو بكرة بكَّار القاضي، والحسين بن مهدي شيخ الترمذي وابن ماجه، وبقية الرواة روى لهم الجماعة.

وأما مروان فهو ابن الحكم بن العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو عبد الله المدني، ولد بعد الهجرة بسنتين، وقيل: بأربع، ولم يصح له سماع من النبي عليه السلام روى له الجماعة سوى مسلم.

وأما بُسرة: فهي -بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة- بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، بنت أخي ورقة بن نوفل، وأخت عقبة بن أبي مُعَيْط لأمه، وهي خالة مروان بن الحكم، وجدّه عبد الملك بن مروان، روى لها الجماعة.

والحديث أخرجه الأربعة، فأبو داود (2): عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه سمع عروة يقول: "دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما

(1) تكررت في "الأصل".

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 46 رقم 181).

ص: 68

يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مس الذكر. فقال عروة: ما علمت ذاك. فقال مروان: أخبرتني بُسْرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من مس ذكره فليتوضأ".

والترمذي (1): عن إسحاق بن منصور، أنا يحيى بن سعيد القطان، عن هشام ابن عروة، قال: أخبرني أبي، عن بسرة بنت صفوان، أن النبي عليه السلام قال:"من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ".

والنسائي (2): عن هارون بن عبد الله، حدثنا معن، أنبأنا مالك (ح).

والحارث بن مسكين -قراءة عليه وأنا أسمع-[عن ابن القاسم](3) عن عبد الله ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: "دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: مِن مس الذكر الوضوء. فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بُسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله عليه السلام يقول: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ".

وابن ماجه (4): عن محمَّد بن عبد الله بن نمير، عن عبد الله بن إدريس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن بسُرة بنت صفوان، قالت: قال رسول الله عليه السلام: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ".

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(5): عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق

إلى آخره نحو رواية الطحاوي.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(6): عن أبي زكرياء يحيى بن إبراهيم، عن أبي العباس

(1)"جامع الترمذي"(1/ 126 رقم 182)، وقال الترمذي: حسن صحيح.

(2)

"المجتبى"(1/ 100 رقم 163).

(3)

ليس في "الأصل" ولعله انتقال نظر من المؤلف:، والمثبت من "سنن النسائي".

(4)

"سنن ابن ماجه"(1/ 161 رقم 479).

(5)

"معجم الطبراني الكبير"(24/ 193 رقم 485).

(6)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 128 رقم 610).

ص: 69

محمَّد بن يعقوب، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي، عن مالك

إلى آخره نحو رواية أبي داود.

وقال عبد الله بن أحمد (1): وجدت في كتاب أبي بخط يده: نا أبو اليمان، أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، أنه سمع عروة بن الزبير يقول:"ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك [عليه] (2) وقلت: لا وضوء على من مَسَّهُ. فقال مروان: أخبرتني بُسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله عليه السلام يذكر ما يُتوَضَّا منه، قالت: فقال رسول الله عليه السلام: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلًا من حرسه، فأرسله إلى بسرة فسألها عما حدثت من ذلك، فأرسلت إليه بسرة مثل الذي حدثني عنها مروان".

ولما أخرج الترمذي هذا الحديث قال: وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى ابنة أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو.

قلت: وفي الباب عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وطلق بن علي رضي الله عنهم.

فحديث أم حبيبة عند ابن "ماجه"(3): نا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، نا مروان بن محمَّد، نا الهيثم بن حميد، نا العلاء بن حارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من مس فرجه فليتوضأ".

وأخرجه الطبراني (4): عن بكر بن سهل، عن عبد الله بن يوسف، عن الهيثم ابن حميد

إلى آخره نحوه.

(1)"مسند أحمد"(6/ 407 رقم 27337).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "مسند أحمد".

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 162 رقم 481).

(4)

"المعجم الكبير"(23/ 234 رقم 447).

ص: 70

وأخرجه الطحاوي (1): أيضًا، وأعلّه بأنه منقطع على ما يأتي.

وحديث أبي أيوب عند ابن ماجه (2) أيضًا: نا سفيان بن وكيع، نا عبد السلام ابن حرب، عن إسحاق بن أبي فروة، عن الزهري، عن عبد الله بن عبد القاري، عن أبي أيوب قال: سمعت النبي عليه السلام يقول: "من مس فرجه فليتوضأ".

وإسحاق ابن أبي فروة متروك باتفاقهم وقد اتهمه بعضهم بالوضع.

وحديث أبي هريرة عند ابن حبان في "صحيحه"(3): عن يزيد بن عبد الملك ونافع بن أبي نعيم القاري، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا (حائل) (4) فليتوضأ".

ورواه الحاكم في "مستدركه"(5): وصححه، ورواه أحمد في "مسنده" (6): والدارقطني في "سننه"(7) والبيهقي (8) أيضًا ولفظه فيه: "من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة".

وأخرجه الطحاوي (9): أيضًا وعلله بيزيد بن عبد الملك وقد أغلظ العلماء القول فيه، فقال أبو زرعة: واهي الحديث. وغلظ فيه القول جدّا، وقال النسائي: متروك الحديث وقال الساجي: ضعيف منكر الحديث واختلط بأخرة؛ فإذن عرفت تساهل ابن حبان والحاكم في الصحيح (10).

(1)"شرح معاني الآثار"(1/ 75).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 162 رقم 482)، وأخرجه الطبراني في "الكبير"(4/ 170 رقم 3928) من طريق إسحاق بن أبي فروة به.

(3)

"صحيح ابن حبان"(3/ 401 رقم 1118) من طريق عبد الرحمن بن القاسم عنهما.

(4)

كذا في "الأصل، ك"، وفي "صحيح ابن حبان": حجاب.

(5)

"مستدرك الحاكم"(1/ 233).

(6)

"مسند أحمد"(2/ 333 رقم 8385).

(7)

"سنن الدارقطني"(1/ 147 رقم 6).

(8)

"السنن الكبرى"(1/ 133 رقم 630).

(9)

"شرح معاني الآثار"(1/ 74).

(10)

أما ابن حبان فقد أخرجه من طريق يزيد بن عبد الملك ونافع بن أبي نعيم، ثم قال عقب =

ص: 71

وحديث أروى عند ابن منده وأبي نعيم الأصبهاني (1): عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أروى بنت أنيس، عن النبي عليه السلام أنه قال:"من مس فرجه فليتوضأ".

وذكرها ابن الأثير (2): في الصحابيات وذكر هذا الحديث أيضًا ثم قال: وقيل: أبو أروى.

وذكره في الكنى (3): أبو أروى الدوسي حجازي.

وهذا كما ترى فيه خلاف.

وحديث عائشة عند الدارقطني في "سننه"(4): نا الحسين بن إسماعيل، نا يحيى ابن معلى بن منصور، نا عتيق بن يعقوب، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر ابن حفص العمري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله عليه السلام قال:"ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضئون. قالت عائشة: بأبي وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة" وهو معلول بعبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، قال أحمد: كان كذابا. وقال النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة: متروك. زاد أبو حاتم: وكان يكذب.

= الحديث: احتجاجنا في هذا الخبر بنافع بن أبي نعيم دون يزيد بن عبد الملك النوفلي؛ لأن يزيد تبرأنا من عهدته في كتاب "الضعفاء".

وأما الحاكم فقد أخرجه من طريق نافع أيضًا وصححه، ثم قال: وشاهده الحديث المشهور عن يزيد بن عبد الملك

إلخ.

ونافع هو أحد القراء السبعة، وثقه ابن معين، وقال ابن المديني: هو عندنا لا بأس به. وقال ابن عدي: ولم أر في حديثه شيئًا منكرا وأرجو أنه لا بأس به.

وأما أحمد فقال: ليس بشيء في الحديث. انظر "الميزان"(7/ 7).

(1)

"معرفة الصحابة" لأبي نعيم (6/ 3270 رقم 7527) من طريق هشام بن زياد، عن هشام بن عروة به.

(2)

"أسد الغابة"(7/ 6 رقم 6696).

(3)

"أسد الغابة"(6/ 9 رقم 5668).

(4)

"سنن الدارقطني"(1/ 147 رقم 9).

ص: 72

وقد روى أبو يعلى في "مسنده"(1) حديثا يعارض هذا وينافيه، فقال: نا الجراح ابن مخلد، نا عمر بن يونس اليمامي، ثنا المفضل بن أثواب، (2) حدثني حسين بن أوزع، عن أبيه، عن سيف بن عبد الله الحميري قال:"دخلت أنا ورجال معي على عائشة رضي الله عنها فسألناها عن الرجل يمس فرجه أو المرأة تمس فرجها، فقالت: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: ما أبالي إياه مسست أو أنفي".

وأخرج الطحاوي حديث عائشة في نقض مس الفرج الوضوء، وأجاب عنه كما يأتي إن شاء الله تعالى.

وحديث جابر عند ابن ماجه (3): نا إبراهيم بن المنذر الحزامي، نا معن بن عيسى (ح).

ونا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، نا عبد الله بن نافع، جميعًا عن ابن أبي [ذئب](4) عن عقبة بن عبد الرحمن، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء".

وأخرجه الطحاوي (5): أيضًا، وأعله بالإرسال، وقد قال الشافعي أيضًا: وسمعت جماعة من الحفاظ عن ابن نافع يروونه لا يذكرون فيه جابرا.

وهم لا يحتجون بالمرسل.

وحديث زيد بن خالد عند أحمد في "مسنده"(6): عن ابن إسحاق، حدثني

(1)"مسند أبي يعلى"(8/ 286 رقم 4875).

(2)

في "الأصل، ك": أيوب، وهو تحريف، والمثبت من "مسند أبي يعلى"، وكذا ذكره الحافظ في "تلخيص الحبير"(1/ 127)، وقال: إسناده مجهول.

وذكره أيضًا على الصواب الحافظ الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 60). وانظر "الإكمال" لابن ماكولا (1/ 562).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 162 رقم 480).

(4)

في "الأصل، ك": كرب، وهو تحريف، والمثبت من "سنن ابن ماجه" وغيره.

(5)

"شرح معاني الآثار"(1/ 74).

(6)

"مسند أحمد"(5/ 194 رقم 21735).

ص: 73

محمَّد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد الجهني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من مس فرجه فليتوضأ".

ورواه البزار (1) والطبراني (2) أيضًا.

وأخرجه الطحاوي (3): أيضًا وأجاب عنه على ما يأتي.

وحديث عبد الله بن عمرو عند أحمد (4) والبيهقي (5): عن بقية بن الوليد، عن محمَّد بن الوليد الزبيدي، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ".

وأخرجه الطحاوي (6): أيضًا على ما يأتي إن شاء الله.

وحديث عبد الله بن عُمر عند الدارقطني في "سننه"(7): عن إسحاق بن محمَّد الفَرَوي، نا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله عليه السلام قال:"من مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة".

ورواه الطبراني في "الكبير"(8) والبزار في "مسنده"(9): ولفظهما "من مس فرجه فليتوضأ".

(1)"مسند البزار"(9/ 219 رقم 3762).

(2)

"المعجم الكبير" للطبراني (5/ 243 رقم 5221، 5222).

(3)

"شرح معاني الآثار"(1/ 73).

(4)

"مسند أحمد"(2/ 223 رقم 7076).

(5)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 132 رقم 626).

(6)

"شرح معاني الآثار"(1/ 75).

(7)

"سنن الدارقطني"(1/ 147 رقم 5).

(8)

"المعجم الكبير"(12/ 281 رقم 13118) من طريق العلاء بن سليمان، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.

ولفظه: "من مس ذكره فليتوضأ". وأعله الهيثمي في "المجمع"(1/ 245) بالعلاء بن سليمان.

(9)

عزاه الهيثمي في "المجمع"(1/ 245) للبزار والطبراني في "الكبير" وقد ذكرناه، وقال: وفي سند "الكبير" العلاء بن سليمان، وهو ضعيف جدًّا، وفي سند البزار هاشم بن زيد، وهو ضعيف جدًّا.

ص: 74

وأخرجه الطحاوي أيضًا وأعله بصدقة بن عبد الله على ما يأتي، وفي سند الطبراني العلاء بن سليمان، وفي سند البزار هاشم بن زيد، وكلاهما ضعيفان جدًّا.

وحديث طلق بن علي عند الطبراني في "الكبير"(1): نا الحسن بن علي الفسوي، نا محمَّد بن حماد بن محمَّد الحنفي، نا أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي -وكان من الوفد الذين وفدوا على رسول الله عليه السلام- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار".

وبه عن أبيه أن النبي عليه السلام قال: "من مس ذكره فليتوضأ" انتهى.

قلت: ويعارضه حديثه الآخر وهو ما رواه الطحاوي وغيره على ما يأتي: "أنه سأل رسول الله عليه السلام أمن مس الذكر وضوء؟ قال: لا".

والقياس يشهد لترجيح هذا؛ فيكون ناسخا للأول على تقدير صحته، والله أعلم.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا الأثر، وأوجبوا الوضوء من مس الفرج.

ش: أراد بهؤلاء القوم: الأوزاعي، والزهري، وعطاء بن أبي رباح، وأبان بن عثمان، وعروة، وسليمان بن يسار، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وفي "المغني"(2) لابن قدامة: وقد روي أيضًا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة، وهو المشهور عن مالك.

وفي "الجواهر" للمالكية: النوع الثالث مس الذكر، وينقض الوضوء به في الرواية الأخيرة، ولكن اختلف فيه على صفة مخصوصة، فرأى العراقيون أنها اللذة، واعتبر أشهب مسه بباطن الكف، واعتبر في "اللباب" باطن الكف أو باطن الأصابع، قال

(1)"المعجم الكبير"(8/ 334 رقم 8252).

(2)

"المغني"(1/ 116 - 117) بتصرف واختصار.

ص: 75

الشيخ أبو طاهر: والكل على مراعاة وجود اللذة وفقدها، ولو مسَّه من فوق ثوب أو من تحته انتقضت طهارته، ولا حكم لمسّ الذكر المبان ولا لمسّ ذكر الغير إلَّا من باب الملامسة، ولا ينقض وضوء من مس ذكر غيره، وفي مس المرأة فرجها ثلاث روايات: النقض، ونفيه، والتفرقة بين أن تلطف فيجب الوضوء وبين ألَّا تلطف فلا يجب.

وفي "المغني"(1): الفرج اسم لمخرج الحدث، فيتناول الذكر والدبر وقبل المرأة، وفي نقض الوضوء بجميع ذلك خلاف في المذهب وآكدها مس الذكر، وعن أحمد فيه روايتان:[إحداهما](2) ينقض الوضوء وهي المشهورة من مذهبه، والرواية الثانية: لا وضوء فيه بحال.

فعل رواية النقض: لا فرق بين العامد وغيره، وبه قال الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو أيوب، وأبو خيثمة.

وعن أحمد رواية أخرى: لا ينقض إلَّا بمسّه قاصدا مسَّه، قال أحمد بن الحسين: قيل لأحمد: الوضوء من مس الذكر؟ قال: أحب إليَّ أن أتوضأ. قلت: يا أبا عبد الله ربما مرت يده في إحليله فكيف يجب الوضوء من مس الذكر؟!

فقال: هكذا -وقبض على يده يعني إذا قبض عليه- وهذا قول مكحول، وطاوس، وسعيد بن جبير، وحميد الطويل.

قالوا: إن مسّه ولا يريد وضوءا فلا شيء عليه، ولا فرق بين رأس الذكر وأصله.

وفيه رواية أخرى: لا ينقض إلَّا مسّ موضع الثقب، والأول هو الصحيح عملا بظاهر اللفظ.

ولا فرق بين بطن الكف وظهره، وهو قول عطاء، والأوزاعي.

وقال مالك والليث والشافعي وإسحاق: لا ينقض مسّه إلَّا بباطن الكف.

(1)"المغني"(1/ 116 - 117) بتصرف واختصار.

(2)

في "الأصل، ك": إحديهما، والمثبت من "المغني" لابن قدامة.

ص: 76

ولا ينقض مسّه بذراعه، وعن أحمد أنه ينقض؛ لأنه من يده، وهو قول عطاء والأوزاعي، والصحيح الأول.

ولا فرق بين ذكره وذكر غيره، وقال داود: لا ينقض مسّ ذكر غيره؛ لأنه لا نص فيه.

ولا فرق بين ذكر الصغير والكبير وبه قال عطاء، والشافعي، وأبو ثور، وعن الزهري والأوزاعي ومالك: لا وضوء على [من](1) مسّ ذكر الصغير؛ لأنه يجوز مسّه والنظر إليه. وقد روي عن النبي عليه السلام مسّ زبيبة رضي الله عنه ولم يتوضأ.

وفرج الميت كفرج الحي. وهو قول الشافعي، وقال إسحاق: لا وضوء عليه.

وفي الذكر المقطوع وجهان، ولو مسّ القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها نقض وضوءه، وإن مسّها بعد القطع فلا وضوء.

فأما مسّ حلقة الدبر ففيه روايتان:

إحداهما: ينقض، نقلها أبو داود، وهو مذهب عطاء والزهري والشافعي وإسحاق.

والثانية: لا ينقض، وهو مذهب مالك.

فأما مسّ المرأة فرجها ففيه أيضًا روايتان.

وأما لمس فرج الخنثى المشكل فينقض إذا تيقنا أنه مسّ فرجا، أو كان لمسا بين رجل وامرأة لشهوة، ومتى جوزنا عدم ذلك لم ينقض وضوء، فعلى هذا إذا مسّ أحدَ فَرْجَيْ نفسه لم ينتقض وضوءه، لاحتمال أن يكون خلقة زائدة، وإن جمع بينهما انتقض وضوءه لأنه لا بد أن يكون أحدهما فرجا؛ إلَّا على الرواية التي لا تنقض وضوء المرأة مسّها لفرجها.

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المغني".

ص: 77

وإن مس رجل ذكره لغير شهوة لم ينتقض وضوءه، وإن مسّه لشهوة انتقض؛ لأنه إن كان رجلا فقد مسّ وإن كان امرأة فقد مسّ امرأة لشهوة، وإن مسّه لغير شهوة لم ينتقض لاحتمال أن يكون الذي مسّه خلقة زائدة، وإن مسّ فرجه لم ينتقض بحال لشهوة كان أو لا، وإن جمع بين الفرجين انتقض.

وإن كان اللامس امرأة، فلمست الفرج لشهوة أو جمعت بينهما في اللمس انتقض وضوءها. وإلَّا فلا، وإن كان اللامس خنثى مشكلا لم ينتقض وضوءه بحال إلَّا أن يجمع بين الفرجين في اللمس، ولو مسّ أحد الخنثيين ذكر الآخر ومسّ الآخر فرجه وكان اللمس منهما لشهوة فلا وضوء على واحد منهما.

وقال أيضًا (1): ولا وضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن كالرفغ والأنثيين والإبط في قول عامة أهل العلم؛ إلَّا أن عروة قال: من مس أنثييه فليتوضأ.

وقال الزهري: أحب إليّ أن يتوضأ.

وقال عكرمة: من مس [ما](2) بين الفرجين فليتوضأ.

ولا ينتقض الوضوء بمس فرج البهيمة.

وقال الليث بن سعد: عليه الوضوء.

وقال عطاء: من مسّ قُنْبَ حمار عليه الوضوء، ومن مس ثيل جمل لا وضوء عليه، انتهى.

قلت: "الرُّفغْ" بضم الراء، وسكون الفاء، وفي آخره غين معجمة: واحد الأرفاغ، وهي المغابن من الأباط وأصول الفخذين.

و"القُنْب" -بضم القاف، وسكون النون، وفي آخره باء موحدة- وهي وعاء قضيب الفرس وغيره من ذوات الحوافر.

(1)"المغني"(1/ 119) بتصرف واختصار أيضًا.

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المغني".

ص: 78

والثِيل -بكسر الثاء المثلثة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره لام- وهي وعاء قضيب البعير.

وقال ابن حزم في "المحلى": وأما قول الأوزاعي والشافعي ومالك في مراعاة باطن الكف دون ظاهرها فقول لا دليل عليه لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من إجماع، ولا من قول صاحب، ولا قياس، ولا من رأي صحيح، وشغب بعضهم بأن قال: في بعض الآثار "من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ" قال علي: وهذا لا يصح أصلا، ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون؛ لأن الإفضاء باليد يكون بظهر اليد كما يكون بباطنها، وحتى لو كان الإفضاء بباطن اليد لما كان في ذلك. ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، كيف والافضاء يكون بجميع الجسد، وقال تعالى:{وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (1).

وأما [قول مالك في إيجاب الوضوء منه ثم لم ير الإعادة إلَّا في الوقت؛ فقول متناقض؛ لأنه لا يخلو أن يكون انتقض وضوءه أو لم ينتقض، فإن كان انتقض فعلى أصله يلزمه أن يعيد أبدا، وإن كان لم ينتقض فلا يجوز له أن يصلي صلاة فرض واحدة في يوم مرتين وكذلك](2) فرق مالك بين مس الرجل فرجه وبين مس المرأة فرجها؛ فهو قول لا دليل عليه، فهو ساقط.

وأما إيجاب الشافعي الوضوء من مس الدبر فخطأة؛ لأن الدُّبر لا يُسمى فرجا، فإن قال: قسته على الذكر.

قيل له: القياس عند القائلين به لا يكون إلَّا على علة جامعة بين الحكمين، ولا علة جامعة بين مس الذكر ومس الدبر.

فإن قال: كلاهما مخرج للنجاسة.

(1) سورة النساء، آية، [21].

(2)

ليس في "الأصل، ك"، ولعله انتقال نظر من المؤلف، والمثبت من "المحلى"(1/ 238).

ص: 79

قيل: ليس كون الذكر مخرجا للنجاسة هو علة انتقاض الوضوء من مسّه، ومن قوله: إن مس النجاسات لا ينقض الوضوء فكيف مسّ مخرجها.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا وضوء فيه.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري، والنخعي، وطاوس، وسعيد بن جبير، وأبا حنيفة، وأصحابه، وربيعة؛ فإنهم قالوا: لا وضوء في مس الفرج أصلا.

وبه قال ابن المنذر، وأحمد في رواية، وروي أيضًا عن علي، وعَمَّار، وابن مسعود، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبي الدرداء رضي الله عنهم وذكر ابن أبي شيبة أنه قول طلق بن علي وأبي أمامة الباهلي.

ص: واحتجوا في ذلك على أهل المقالة الأول، فقالوا: في حديثكم هذا أن عروة لم يرفع بحديث بسرة رأسا، فإن كان ذلك لأنها عنده في حال من لا يؤخذ ذلك عنها، ففي تضعيف من هو أقل من عروة لِبُسْرة ما يسقط حديثها، وقد تابعه على ذلك غيره.

حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن زيد، عن ربيعة أنه قال: لو وضعت يدي في دم أو حيضة ما نقض وضوئي، فمسّ الذكر أيسر أم الدم أم الحيضة؟! قال: وكان ربيعة يقول لهم: ويحكم مثل هذا يأخذ به أحد ويعمل بحديث بسرة؟ والله لو أن بسرة شهدت على هذا الفعل لما أجزت شهادتها، إنما قوام الدين الصلاة، وإنما قوام الصلاة الطهور، فلم يكن في صحابة رسول الله عليه السلام من يقيم بهذا الدين إلَّا بسرة؟!

قال ابن زيد: على هذا أدركنا مشيختنا، ما منهم أحد يرى في مسّ الذكر وضوءا، وإن كان إنما ترك أن يرفع بذلك رأسا؛ لأن مروان عنده ليس في حال من يجب القبول عن مثله، فإن خبر شرطي مروان عن بسرة دون خبره هو عنها، فإن كان مروان خبره في نفسه عند عروة غير مقبول، فخبر شرطيه إياه عنها بذلك أحرى ألَّا يكون مقبولا.

ص: 80

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون على أهل المقالة الأولى.

"في ذلك" أي في عدم انتقاض الوضوء من مس الفرج.

"فقالوا: في حديثكم هذا" أشار به إلى حديث بسرة بنت صفوان الذي احتجوا به.

"أن عروة بن الزبير لم يرفع بحديث بسرة رأسا" أراد أنه لم يعتبره ولم يلتفت إليه، ثم بين الطحاوي ذلك بأنه لا يخلو عن وجهين:

الأول: أن يكون ذلك لكون بسرة بنت صفوان عنده ممن لا يؤخذ مثل ذلك الحكم عنهم؛ وذلك لكونها انفردت بهذه الرواية مع عموم الحاجة إلى معرفته، فصار ذلك كشهادة الواحد من أهل المصر على رؤية هلال رمضان إذا لم يكن بالسماء علّة.

وقال السرخسي في "المبسوط": وحديث بسرة لا يكاد يصح، وقد قال يحيى بن معين: ثلاث لا يصح منهن حديث عن رسول الله عليه السلام منها هذا، وما بال رسول الله عليه السلام لم يقل هذا بين يدي كبار الصحابة حتى لم ينقله أحد منهم، إنما قاله بين يدي بسرة، وقد كان رسول الله عليه السلام أشد حياء من العذراء في خدرها، وتأويله على تسليم ثبوته:"من بال" فجعل مسّ الذكر كناية عن البول؛ لأن من يبول مس ذكره عادة كقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (1) والغائط المطمئن من الأرض، وكَنَّى عن الحدث؛ لأنه يكون في مثل هذا الموضع عادة.

فإن قيل: كيف تقول: لا يكاد يصح وقد قال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح.

وقال محمَّد بن إسماعيل: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب؟!

قلت: محمَّد بن إسماعيل هو البخاري لو رضي به لأخرجه في "صحيحه" فلم

(1) سورة المائدة، آية:[6].

ص: 81

يخرجه هو ولا مسلم (1)، وقول البخاري هذا لا يدل على صحته، وإنما مراده هو على علاته أصح من غيره من أحاديث الباب، وقد اغترّ ابن العربي بهذه العبارة فحكى عن البخاري تصحيحه وليس كذلك، وأما قول الترمذي فيعارضه قول يحيى بن معين الذي هو العمدة في هذا الشأن وإليه المرجع في باب التصحيح والتضعيف.

ومع هذا كله يخالف حديث بسرة ما روي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين، وحذيفة بن اليمان، وأبي الدرداء، وعمّار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أمامة، وسعيد بن المسيب، وسعيد ابن جبير، وإبراهيم النخعي، وربيعة بن عبد الرحمن، وسفيان الثوري، وجماعة أخرى، فهل يسع للمنصف في دينه أن يترك قول هؤلاء الأعلام من الصحابة الأجلاء ومن التابعين العظماء، ويعمل بحديث بسرة الذي لما جرى أمره في زمن مروان بن الحكم، وشاور من بقي من الصحابة في زمانه قالوا: لا ندع كتاب ربنا ولا سُنة نبيه بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت؟ ولهذا قال ربيعة: والله لو شهدت بُسرة على هذا الفعل لما أجزت شهادتها. ذكره الطحاوي بقوله: "وقد تابعه على ذلك غيره" أي قد تابع عروة في كونه لم يرفع بحديث بسرة رأسا غيره من العلماء وهو ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإِمام مالك بن أنس، وهو تابعي كبير، قال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت أحد مفتي المدينة، وروى له الجماعة.

وقال أبو عمر بن عبد البر: كان أحد الفقهاء بالمدينة الذين كانت الفتوى تدور عليهم بها.

(1) من المعلوم أن البخاري ومسلمًا لم يشترطا أن يخرجا في "صحيحيهما" كل ما صح عندهما من حديث؛ إنما أخرجا في "صحيحيهما" ما وافق شرطهما في كتابيهما، وقد اشترطا أعلى درجات الصحة، وإنما يسلم له قوله: إن قول البخاري: "أصح شيء في الباب" لا يلزم منه أن يكون صحيحًا، بل قد يكون ضعيفًا ضعفًا أخف مما ورد في هذا الباب، والله أعلم.

ص: 82

وروى الطحاوي ذلك عنه عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم والنسائي وابن ماجه وبقي بن مخلد وأبي زرعة الرازي وأبي عوانة الإسفرايني، وهو يرويه عن عبد الله بن وهب المصري روى له الجماعة، وهو يرويه عن ابن زيد، وهو أسامة بن زيد الليثي أبو زيد المدني، روى له الجماعة -البخاري مستشهدا- وقال أحمد بن سعيد عن يحيى بن معين: هو ثقة حجة، وهو يرويه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن القرشي التيمي أبي عبد الرحمن المدني، المعروف بربيعة الرأي أنه قال: "لو وضعت يدي في دم أو حيضة

" إلى آخره، فهذا دليل صريح على أنه قد حكم بسقوط هذا الحديث، ولقد بالغ في وجه تركه حيث أقسم وقال: "والله لو أن بسرة شهدت

" إلى آخره، ولعمري إنه صادق في قوله: لأن هذا حكم يتعلق به الرجال، فكيف تختص به امرأة؟ وهذه تهمة توجب التوقف، وقبول الصحابة خبر عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين لا يناقض هذا؛ لأنه حكم مشترك بين الرجال والنساء، وحديث التقاء الختانين ثبت في الصحيح عن أبي هريرة، وعكسه عن عثمان رضي الله عنه وحديث عائشة كان مرجِّحا مُثبِتا.

ثم أشار الطحاوي أن عدم إلتفات عروة لحديث بسرة إن كان لأجل أنهما عنده في عداد من لا يؤخذ ذلك عنهم؛ ففي تضعيف من هو أقل من عروة إياها ما يَسقط به حديثها، فكيف في تضعيف مثل عروة وهو حجة متقن ثبت عالم أمين؟ وتضعيفه أولى وأجدر أن يسقط به حديثها، على أن بعضهم قالوا: إن بسرة غير مشهورة؛ لاختلاف الرواة في نسبها، لأن بعضهم يقول: هي كنانية، وبعضهم يقول: هي أسدية.

قوله: "أو حيضة" بكسر الحاء، وهي الحالة التي هي عليها، والحيضة بالكسر أيضًا الخرقة التي تستثفر بها المرأة.

قوله: "الطهور" بفتح الطاء، اسم لما يتطهر به، ويجوز بالضم أيضًا وهو التطهر.

قوله: "قال ابن زيد" أبي أسامة بن زيد.

ص: 83

قوله: "مشيختنا" أي مشايخنا، جمع شيخ، ومن جملة مشايخه: محمَّد بن مسلم الزهري ويعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة، ونافع مولى ابن عمر، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق، وابنه عبد الرحمن بن القاسم، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن حنين، وحفص بن عبيد الله بن أنس، وأبو عبد الله دينار القراظ، وأبو حازم سلمة بن دينار.

الوجه الثاني لعدم رفع عروة رأسه لحديث بسرة هو ما أشار إليه بقوله: "وإن كان إنما ترك أن يرفع بذلك رأسا

" إلى آخره، تحريره: أن الذي أخبر عن بُسرة هو شُرطي مروان، فإذا كان مروان عند عروة ممن لا يؤخذ عنهم؛ فخبر شرطيه أولى ألَّا يؤخذ؛ لأن خبره عن بسرة دون خبر مروان عنها، وأما مروان فإنما رد عروة خبره لعلّةٍ فيه قد ظهرت لعروة، ولا سيما حين خرج على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ولهذا قال ابن حزم في "المحلى": مروان ما يعلم له جرح قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ثم قال: ولم يلقه قط عروة إلَّا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه.

قلت: فيه نظر؛ لعدم الدليل على هذ الدعوى، وأما شرطي مروان فإنه مجهول، وقول البيهقي في كتاب "المعرفة": ولولا ثقة الحَرَسِيِّ عنده -أبي عند عروة بن الزبير- لما صار إليه -أي إلى حديث بسرة- غير مُسَلَّم؛ لأن عروة لم يقنع بخبره، ولو كان ثقة عنده لاكتفى بمجرد خبره، ولا كان يسأل عن بسرة بنفسه، ثم هو لم يقنع بخبره مروان الذي هو أقوى من خبر شرطيه، فكيف يقنع بخبر وهو أدنى من خبر مروان؟!

ثم الشرطي منسوب إلى الشَرَطِ -بفتح الشين والراء- وشَرَط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، وأصل الشَرَط -بالتحريك-: العلَّامة.

قال ابن الأثير: وبه سميت شرط السلطان؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها.

ص: 84

وقال ابن الأعرابي: هم الشَرَطُ والشُرَطة، فالنسبة إلى الأول: شَرَطي -بفتحتين- والنسبة إلى الثاني: شُرْطي -بضم الشين وسكون الراء-.

وقال الأصمعي: واحد الشُرَط شُرْطة وشُرْطي.

ص: وهذا الحديث أيضًا فلم يسمعه الزهري من عروة، إنما دلس به؛ وذلك أن يونس حدثنا قال: نا شعيب بن الليث، عن أبيه، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم قال:"الوضوء من مس الذكر. قال مروان: أخبَرَتْنيه بسرة بنت صفوان. فأرسل إلى بسرة، فقالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتوضأ منه فذكر مسّ الذكر".

قال أبو جعفر رحمه الله: فصار هذا الأثر إنما هو عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، فقد حط بذلك درجة؛ لأن عبد الله بن أبي بكر ليس حديثه عن عروة كحديث الزهري عن عروة، ولا عبد الله بن أبي بكر في حديثه بالمتقن، ولقد حدثني يحيى بن عثمان قال: حدثنا ابن وزير قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت ابن عيينة يقول: كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عند واحد من نفر سماهم منهم: عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر، سخرنا منه؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الحديث، وأنتم فقد تُضَعِّفُون ما هو مثل هذا بأقل من كلام مثل ابن عيينة.

ش: هذه إشارة إلى وجه آخر في سقوط العمل بحديث بسرة المذكور، وهو كونه مدلَّسا؛ وذلك لأن الزهري لم يسمعه من عروة، وإنما دلّس به، بيّن ذلك ما رواه يونس بن عبد الأعلى المصري، عن شعيب بن الليث

إلى آخره، فصار هذا الحديث عن الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، وانحط بذلك درجة؛ وذلك لأن حديث عبد الله بن أبي بكر عن عروة ليس كحديث الزهري عن عروة في القوة، ولا عبد الله بن أبي بكر بالمتقن في حديثه.

واستدل على ذلك بما رواه الشافعي، عن سفيان بن عُيينة.

ص: 85

رواه عن الشافعي محمَّد بن الوزير أحد مشايخ أبي داود، واحد من أخذ عن الشافعي، روى عنه يحيى بن عثمان بن صلاح بن صفوان القرشي أبو زكريا المصري أحد مشايخ الطبراني وابن ماجه.

قال ابن يونس: كان حافظا للحديث عالما.

فإن قيل: عبد الله بن أبي بكر قد أخرج له الجماعة حتى قال النسائي فيه: ثبت.

قلت: لا يلزم من إخراج الجماعة له ولا من قول النسائي أنه ثبت أن ينفي عنه ما تكلم فيه غيره ممن هو كبر منهم، وكفى في ذلك قول الشافعي عن شيخه سفيان بن عيينة، ولا يعادل أحد منهم ابن عيينة، ولقد سقط بذلك أيضًا ما ذكره البيهقي من حطه على الطحاوي في تضعيفه هذا الحديث قلت أيضًا: ولم يخطر ببالي أن يكون إنسان يدعي معرفة الآثار والرواية ثم يطعن في أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم وابنه عبد الله.

وليت شعري لِمَ لَمْ يخطر ببال البيهقي ما نقله إمامه الشافعي عن ابن عيينة؟

ثم اعلم أن التدليس على قسمين:

الأول: تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه لقيه وسمعه منه، ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر، ومن شأنه ألَّا يقول في ذلك: أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما، وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان، وهذا الحديث من هذا القبيل؛ لأن الزهري لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد عن عروة عن مروان، فبينهما واحد وأسقطه في تلك الرواية ودلّس به، وهذا القسم مكروه جدّا ذمّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذمّا له، وعن الشافعي أن التديس أخو الكذب (1).

(1) هذا ليس كلام الشافعي، إنما هو كلام شعبة، رواه عنه الإِمام الشافعي كما نقله عنه الخطيب في "الكفاية"(1/ 35).

ص: 86

والقسم الثاني: تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يُعْرَف به؛ كي لا يعرف، وهذا القسم أخف من الأول.

ثم هذا الطريق الذي فيه عبد الله بن أبي بكر أخرجه النسائي (1) أيضًا: أنا أحمد بن محمَّد بن المغيرة، قال: نا عثمان بن سعيد، عن شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول:"ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك، فقلت: لا وضوء على من مسّه. فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله عليه السلام ذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله عليه السلام: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلًا من حرسه فأرسله إلى بسرة، فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان".

قوله: "من نفر" قال الجوهري: النَّفَر -بالتحريك- عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة و [كذا](2) النفير.

قوله: "سماهم" جملة في محل الجَرِّر؛ لأنها وقعت صفة للنفر.

قوله: "سخرنا منه" من سخرت منه أسخر، من باب عَلَمِ يَعْلَمُ، والمصدر: سَخَر بالتحريك، والاسم السُخرية، والسُخرى والسِخرى -بالضم والكسر- يقال: سخرت منه وبه، وضحكت منه وبه، وهزئت منه وبه، كل ذلك يقال.

ص: وقال آخرون: إن الذي بين الزهري وعروة في هذا الحديث أبو بكر بن محمَّد، حدثنا سليمان بن شعيب قال: نا بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال: أخبرني ابن شهاب قال: حدثني أبو بكر محمَّد بن عمرو بن حزم، قال:

(1)"المجتبى"(1/ 100 رقم 164).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "مختار الصحاح"(1/ 280).

ص: 87

حدثني عروة، عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت النبي عليه السلام يقول:"يتوضأ الرجل من مسّ الذكر".

ش: أي قال جماعة آخرون من أهل الحديث: إن الرجل الذي بين الزهري وعروة بن الزبير هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، وبَيَّن ذلك الطحاوي بقوله: "حدثنا سليمان بن شعيب

". إلى آخره.

وسليمان بن شعيب هذا من أصحاب محمَّد بن الحسن، وثقه السمعاني وغيره.

وبشر بن بكر: التنيسي، روى له الجماعة.

والأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، الإِمام المشهور.

وابن شهاب هو محمَّد بن مسلم الزهري.

وأبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي المدني، روى له الجماعة.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): نا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، نا يحيى بن عبد الله البابلي، ثنا الأوزاعي، حدثني الزهري، حدثني أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم

إلى آخره نحوه.

وأشار الطحاوي بذلك إلى اضطراب هذا الحديث؛ لأن الزهري تارة يروي عن عروة، وتارة عن عبد الله بن أبي بكر عن عروة، وتارة عن أبي بكر بن محمَّد عن عروة، فهذه علة أخرى انضمت إلى غيرها من العلل.

ص: فإن قالوا: فقد روى هذا الحديث أيضًا هشام بن عروة عن أبيه، وهشام فليس ممن يتكلم في روايته بشيء، ثم ذكروا في ذلك ما حدثنا ابن أبي عمران قال: ثنا عبيد الله بن محمَّد التيمي، قال: أنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: "سألني مروان عن مس الذكر، فقلت: لا وضوء فيه. فقال مروان: فيه الوضوء

".

(1)"المعجم الكبير" للطبراني (24/ 193 رقم 487).

ص: 88

ثم ذكر مثل حديث أبي بكرة الذي في أول هذا الباب عن حسين بن مهدي، حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: نا حجاج بن المنهال، قال: نا حماد، عنه هشام

فذكر بإسناده نحوه، غير أنه قال:"فأنكر ذلك عروة".

حدثنا حسين بن نصر قال: نا يوسف بن عدي، قال: نا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه

فذكر مثله بإسناده.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة، عن النبي عليه السلام قال:"إذا مس أحدكم ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ".

حدثنا ابن أبي داود قال: نا يحيى بن صالح، قال: نا ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، عن النبي عليه السلام مثله.

قيل لهم: إن هشام بن عروة لم يسمع هذا من أبيه وإنما أخذه من أبي بكر أيضًا، فدلّس به عن أبيه.

حدثنا سليمان بن شعيب قال: نا الخصيب بن ناصح، قال: نا همام، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن عروة: "أنه كان جالسا مع مروان

" ثم ذكر الحديث على ما ذكره ابن أبي عمران ومحمد بن خزيمة. فرجع الحديث إلى أبي بكر أيضًا.

ش: هذا إيراد من أهل المقالة الأولى، على ما ذكره أهل المقالة الثانية، بيانه: أنكم أثبتم الاضطراب في حديث الزهري عن عروة، وأن الزهري دلّس به، وادعيتم عدم إتقان عبد الله بن أبي بكر، فقد سلمنا لكم هذه، ولكن ما تقولون في رواية هشام بن عروة عن أبيه، فإنه روى هذا الحديث عن أبيه [عروة](1) عن مروان، عن بسرة، وعن عروة عن بسرة، وهشام ليس ممن يتكلم في روايته بشيء.

(1) في "الأصل، ك": عن عروة، ولفظة "عن" زائدة؛ فعروة هو والد هشام بن عروة.

ص: 89

ثم بيّن الطحاوي رواية هشام عن أبيه من خمس طرق:

الأول: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن عبيد الله بن محمَّد ابن حفص التيمي أبي عبد الرحمن البصري، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه

إلي آخره، وهؤلاء كلهم ثقات.

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد البصري، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (1) نحوه، نا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن مروان بن الحكم قال:"من مس فرجه فليتوضأ. فأنكر ذلك عليه عروة، فقال: يا شرطي، أثبت بسرة بنت صفوان فسلها (فأتاها فسألها، فقالت) (2): سمعت عليه السلام يقول: من مس ذكره فليتوضأ".

الثالث: عن حسين بن نصر، عن يوسف بن عدي، عن علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه

إلي آخره وهؤلاء كلهم ثقات.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(3): نا علي عبد العزيز، نا محمد بن سعيد الأصبهاني، أنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أخبرني مروان بن الحكم، عن بسرة بنت صفوان، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مس أحدكم فرجه فليتوضأ".

قال: فأنكرت عليه، فأرسل إليها بحديثه عن رسول الله عليه السلام وأنا حاضر".

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن وهب، عن سعيد ابن عبد الرحمن الجمحي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة

إلي آخره، وهؤلاء أيضًا ثقات.

(1)"المعجم الكبير"(24/ 199 رقم 509).

(2)

في "المعجم الكبير": (فإنها قالت).

(3)

"المعجم الكبير": (24/ 199 رقم 506).

ص: 90

وأخرجه الييهقي في "سننه الكبير"(1): أنا أبو زكريا و [أبو](2) عبد الرحمن السلمي وغيرهما قالوا: أنا أبو العباس بن يعقوب، نا بحر بن نصر، قال: قرئ على ابن وهب: أخبرك سعيد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة بنت صفوان- قال: وكانت صحبت النبي عليه السلام- أن رسول الله عليه السلام قال: "إذا مس أحدكم ذكره فلا يصلين حتى يتوضأ".

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يحيى بن صالح الوحاظي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد -بالنون- القرشي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، عن النبي عليه السلام وهؤلاء أيضًا ثقات.

قوله: "قيل لهم

" إلى آخره جواب عن الإيراد المذكور، بيانه: أن هشام بن عروة لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة وإنما أخذه من أبي بكر محمَّد بن عمرو بن حزم، فدلَّس به عن أبيه، فيكون هذا الطريق أيضًا مدلسًا، وقال يعقوب بن شيبة: هشام بن عروة ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلَاّ بعد ما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، وكان تَسَهُّله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه.

وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقا تدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق.

ونقل البيهقي في كتابه "المعرفة" قول: الطحاوي: "فإن قالوا قد روى هذا الحديث

إلى آخره" ثم قال: ونسبه في ذلك -أي نسب هشاما في ذلك- إلى التدليس، وأيش يكون إذا كان يرويه عن أبي بكر، وأبو بكر ثقة حجة عند كافة أهل العلم بالحديث؟! إنما يضعف الحديث بأن يُدخل الثقة بينه وبين من فوقه مجهولا أو ضعيفًا، فإذا أدخل ثقة معروفا قامت به الحجة.

(1)"السنن الكبرى"(1/ 128 رقم 611).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "السنن الكبرى"، وهو الصواب.

ص: 91

قلت: قد اعترف البيهقي بالتدليس في الحديث المذكور ولكن تحامله على الطحاوي الذي دعاه بأن قال: وأيش يكون إذا كان يرويه عن أبي بكر

إلى آخره، وكيف يقول البيهقي هذا القول وهو لا يخلّصه عن القول بالتدليس، فإنك قد عرفت أن التدليس أن يكون بين الراوي وبين المروي عنه واحد أو أكثر، سواء كان الواسطة ثقة أو ضعيفًا، ألا ترى إلى ما مثَّل ابن الصلاح لصورة التدليس في الإسناد بقوله (1): مثال: ما روينا عن علي بن خشرم، قال: كنا عند ابن عيينة، فقال: الزهري. فقيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت، ثم قال: الزهري. فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.

فانظر الواسطة بين ابن عُيينة وبين الزهري، وهما إمامان ثقتان: عبد الرزاق، ومعمر بن راشد، ومع هذا فهو تدليس، وقد عرف أن المدلّس غير مقبول ولا محتج به إلَاّ إذا كان بلفظ مبين للاتصال، كما قد وقع في الصحيحين وغيرهما عن قتادة والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم، على أن البيهقي قد قال: أنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا منصور العتكي يقول: سمعت الفضل بن محمَّد الشعراني، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: حدثني يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: لم يسمع هشام بن عروة حديث أبيه في مس الذكر. قال: يحيى فسألت هشاما فقال: أخبرني أبي. فهذا شعبة صرح بأن هشاما ما لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة فيكون قول يحيى: "سمع من أبيه" معارضا لقول شعبة: "إنه لم يسمع أباه" ثم بيّن الطحاوي تدليس هشام أيضًا كتدليس الزهري بقوله: "حدثنا سليمان بن شعيب

" إلى آخره، ورجاله ثقات.

وسليمان هذا وثقه ابن يونس وغيره.

(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 34 - 35) النوع الثاني عشر.

ص: 92

والخَصِيب -بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة- بن ناصح الحارثي نزيل مصر، وثقه ابن حبان.

وهمام بن يحيى أبو بكر البصري، روى له الجماعة.

ص: فإن قالوا: فقد رواه عن عروة أيضًا غير الزهري وغير هشام فذكروا في ذلك ما حدثنا محمَّد بن الحجاج وربيع المؤذن قالا: نا أسد قال: نا ابن لهيعة، قال: ثنا أبو الأسود أنه سمع عروة يذكر عن بسرة، عن النبي عليه السلام مثله.

قيل لهم: كيف تحتجون في هذا بابن لهيعة وأنتم لا تجعلونه حجة لخصمكم فيما يحتج به عليكم؟! قال أبو جعفر رحمه الله: ولم أرد بشيء من ذلك الطعن على أبي عبد الله بن أبي بكر ولا على ابن لهيعة ولا على غيرهما ولكني أردت بيان ظلم الخصم، فثبت وهاء حديث الزهري بالذي دخل بينه وبين عروة، ووهاء حديث الزهري أيضًا وهشام بالذي بين عروة وبسرة، ولأن عروة لم يقل ذلك ولم يرفع به رأسا، وقد يسقط الحديث بأقل من هذا.

ش: هذا إيراد آخر على أهل المقالة الثانية، بيانه: أنكم قد قلتم ما قلتم في الروايات المتقدمة، وها نحن وجدنا رواية أخرى سالمة مما ذكرتم، فذكروا في ذلك ما رواه الطحاوي عن محمَّد بن الحجاج الحضرمي ورييع بن سليمان المؤذن كلاهما عن أسد بن موسى، عن عبد الله بن لهيعة، عن أبي الأسود محمَّد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني، عن عروة

إلى آخره، وأجاب عن ذلك بقوله: "قيل لهم

" إلى آخره وهو ظاهر.

ملخصه: أنكم متى احتججتم بابن لهيعة في هذا، يلزم قلب الموضوع، وهو احتجاجكم بمن كنتم تضعفونه عند كون الحجة عليكم، وهو طلق.

فإن قلت: ابن لهيعة مرضيّ عند الطحاوي، ولهذا يحتج به في مواضع من كتابه فيكون الحديث صحيحا عنده من هذا الطريق، ويلزمه القول به.

ص: 93

قلت: لا نُسَلِّم أنه يحتج به، بل يذكره في المتابعات، ولئن سلمنا أنه يحتج به وأنه ثقة عنده؛ فالحديث ضعيف لا ضطرابه كما ذكرنا، ولكون المدار على عروة في طرق هذا الحديث، وهو لم يرفع به رأسا، وهو معنى قوله:"ولأن عروة لم يقل ذلك ولم يرفع به رأسا، وقد يسقط الحديث بأقل من هذا" بيانه أن هذا أحرى أن يسقط، وبعد التسليم بالكل فالحديث منقطع معنى بمعارضة دليل أقوى منه، فسقط به بيانه: أنه مخالف للكتاب وهو قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (1) فإن الآية نزلت في أهل قباء؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار فقال لهم النبي عليه السلام: إن الله قد أثنى عليكم، فما الذي تصنعون؟ فقالوا: نستنجي بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار" فلو جعل المس حدثا لما مدحهم الله تعالى بالماء الذي لا يتصور إلَاّ بمس الفرجين جميعا، ولو كان التطهير الذي مدحهم عليه حدثا لا يكون الاستنجاء تطهيرا؛ إذ التطهير يحصل بزوال الحدث لا بإثباته، أو نقول: أنه محمول على غسل اليدين ليس إلَاّ، كإيراد ذلك في حديث بريدة بن الخصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مس صنما فليتوضأ".

رواه البزار (2): فإن أحدا ما أوجب الوضوء من مس الصنم.

فإن قلت: قد قال ابن حبان (3): وليس المراد من الوضوء غسل اليد؛ وإن كان العرب تسمي غسل اليد وضوءا بدليل ما أخبرنا

وأسند عن عروة، عن مروان، عن بسرة قالت: قال رسول الله عليه السلام: "من مس فرجه فليتوضأ وضوءه للصلاة". وأسند أيضًا (4): عن عروة، عن بسرة قالت: قال رسول الله عليه السلام: "من مس فرجه فليعد الوضوء".

قال: والإعادة لا تكون إلَّا لوضوء للصلاة.

(1) سورة التوبة، آية:[108].

(2)

ذكره الهيثمي في "المجمع"(1/ 246)، وقال: رواه البزار، وفيه صالح بن حبان وهو ضعيف.

(3)

"صحيح ابن حبان"(3/ 400 رقم 1116).

(4)

"صحيح ابن حبان"(3/ 399 رقم 1115).

ص: 94

قلت: أكثر الروايات "فليتوضأ" فقط كما في رواية أبي داود (1) وابن ماجه (1) وغيرهما، وفي رواية الترمذي "فلا يصلي حتى يتوضأ"(1) وكل ذلك يحتمل غسل اليدين كما ذكرناه، ورواية ابن حبان:"وضوءه للصلاة" قيل: إنه مدرج من بعض الرواة.

ولئن سلمنا أنه غير مدرج، فالجواب عنه ما ذكرنا، وأما قوله:"والإعادة لا تكون إلَاّ لوضوء الصلاة" فغير مسلم؛ لأنه يجوز أن يكون المراد إعادة غسل اليدين للتنظيف طلبا للتنزه.

قوله: "ولم أرد بشيء من ذلك

" إلى آخره بسط للعذر بأنه إنما ذكر ما ذكره لعدم إنصاف الخصم وتماديه في العسف، لا لأجل الطعن على أحد، على عبد الله بن أبي بكر، ولا على عبد الله بن لهيعة، ولا على غيرهما من الأئمة، وهذا غاية الإنصاف منه؛ لشدة ورعه، وإظهار أنه بصدد طلب الحق لا لإظهار الهوى والتعصب.

ص: وإن احتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة [قال](2): نا أبو داود، قال: نا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، أنه سمع رجلًا يحدّث في مسجد رسول الله عليه السلام عن عروة، عن عائشة، عن النبي عليه السلام بذلك.

قيل لهم: كفى بكم ظلما أن تحتجوا بمثل هذا.

ش: أراد بذلك أن هذا الحديث عن عائشة غير صحيح؛ لأن فيه مجهولا، فلا يجوز الاحتجاج به، ولا يقال: حديث عائشة رواه الدارقطني من غير هذا الوجه؛ لأنا نقول: في إسناده كذاب، وقد بيناه فيما مضى.

ص: وإن احتجوا في ذلك بما حدثنا عليّ بن معبد قال: نا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد، قال: ثنا أبما، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن مسلم بن

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تكررت في "الأصل، ك".

ص: 95

عبيد الله بن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من مس فرجه فليوضأ".

حدثنا ابن أبي داود، قال: نا عياش الرقام، قال: نا عبد الأعلى، عن ابن إسحاق

فذكر بإسناده مثله.

قيل لهم: أنتم لا تجعلون محمَّد بن إسحاق حجة في شيء إذا خالفه فيه مثل من خالفه في هذا الحديث، ولا إذا انفرد، ونفس هذا الحديث منكر، وأخلق به أن يكون غلطا؛ لأن عروة حين سأله مروان عن مس الفرج، فأجابه من رأيه ألَاّ وضوء فيه، فلما قال له مروان عن بسرة عن النبي عليه السلام ما قال، قال له عروة: ما سمعت به. وهذا بعد موت زيد بن خالد بما شاء الله، فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما قد حدثه إياه زيد بن خالد عن النبي عليه السلام؟!

ش: أي إن احتج أهل المقالة الأولى في انتقاض الوضوء بمس الفرج بحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه يقال: في جوابهم وجهان:

الأول: أن يقال: إنكم لا تجعلون محمَّد بن إسحاق حجة في شيء؛ سواء خالفه أحد، أو انفرد بروايته، ثم كيف تحتجون به ها هنا وقد قال البيهقي في كتاب "المعرفة": وروى الطحاوي حديث زيد بن خالد الجهني من جهة محمَّد بن إسحاق بن يسار، ثم أخذ في الطعن علي ابن إسحاق وأنه ليس بحجة؛ ثم ذهب إلى أنه غلط وذكره إلى آخر ما ذكره الطحاوي، ثم قال: وددنا أن لو كان احتجاجه في مسائله بأمثال محمَّد بن إسحاق بن يسار، كيف وهو يحتج في كتابه بمن قد أجمع أهل العلم بالحديث على تضعيفه في الرواية؟

قلت: فيا للعجب من هذا البيهقي، كيف يفهم كلام المحققين؟ فمتى طعن الطحاوي على ابن إسحاق حتى يقول: ثم أخذ في الطعن علي ابن إسحاق؟ والذي ذكره الطحاوي ليس منه طعنا عليه، وإنما قال للخصم: أنتم لا تجعلون محمَّد بن إسحاق حجة.

ص: 96

وهذا القول لا يستلزم الطعن منه عليه؛ وإنما تبين بذلك عسف الخصم، حيث يجعل محمَّد بن إسحاق حجة عند كون الحديث له، ويتركه ويطعن فيه عند كون الحديث عليه، ولئن سلمنا أنه طعن عليه؛ فليس هو مختصا به، ولا بأول من تكلم به فيه، فإن بعض السلف قبله قد طعنوا فيه كالإمام مالك حيث قال فيه: دجال من الدجاجلة.

وقد قال الخطيب: وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأسباب منها: أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه، فأما الصدق فليس بمدفوع عنه.

وقال الحافظ ابن الذهبي: والذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث صالح الحال صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئًا.

قلت: ولهذا لم يُخرِّج له الشيخان، وإنما استشهد به البخاري، وروى له مسلم في المتابعات.

وقول البيهقي: "كيف وهو يحتج بمن قد أجمع أهل العلم بالحديث على ضعفه في الرواية" تحامل منه وتعصب؛ حيث يقول قولًا مجملا من غير بيان، فهلا بَيَّنَهُ في صُوَرِهِ حتى ننظر فيها، ذلك ولئن سلمنا أنه احتج بمن هو ضعيف عند غيره فلا نسلم أن ذلك عيب منه أو تقصير؛ لأنه ربما كان ذاك ثقة عنده، ألا ترى إلى خلق كثير قد احتج بهم الشيخان مع أن غيرهما قد تكلموا فيهم، ولم يجعلوا مثل ذلك قادحا في الصحة، فكذلك الطحاوي؛ لأنه إمام في الحديث مثلهم، بل له زيادة فضيلة معرفة وجوه المناظرات وطرق استنباط الأحكام ونحوها.

الوجه الثاني: أن هذا الحديث منكر بل الأجدر أن يكون غلطا، بيان ذلك: أن عروة أجاب مروان حين سأله عن مس الذكر بأنه لا وضوء فيه، فقال مروان: أخبرتني بسرة عن النبي عليه السلام أن فيه الوضوء. فقال له عروة: ما سمعت بهذا، حتى أرسل مروان إلى بسرة شرطيّا فأخبرته، وكان ذلك بعد موت زيد بن خالد بما

ص: 97

شاء الله، فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما قد حدثه به زيد بن خالد عن النبي عليه السلام هذا مما لا يستقيم ولا يصح.

وقال البيهقي في كتابه "المعرفة": هذا منه توهم -أراد أن الطحاوي وهم فيه- فلا ينبغي لأهل العلم أن يطعنوا في الأخبار بالتوهم، فقد بقي زيد بن خالد إلى سنة ثمان وسبعين من الهجرة، ومات مروان بن الحكم سنة خمس وستين، فيجوز أن يكون عروة لم يسمعه من أحد حين سأله مروان، ثم سمعه من بسرة، ثم سمعه بعد ذلك من زيد بن خالد الجهني، فرجع إلى روايتهما وقلد حديثهما.

قلت: ليس هذا وهما من الطحاوي، بل الذي ينسبه إلى الوهم هو الذي وهم فيه، وكيف وهو إمام في التاريخ أيضًا؟

إذا قالت حذامِ فصدقوها فإن القول ما قالت حذامِ.

وقد اختلف العلماء من أهل التاريخ في وفاة زيد بن خالد الجهني، وفي مكان موته على ما نقله ابن الأثير في كتاب "معرفة الصحابة" فقال: توفي بالمدينة، وقيل: بمصر، وقيل: بالكوفة، وكانت وفاته سنة ثمان وسبعين وهو ابن خمس وثمانين، وقيل: مات سنة خمسين وهو ابن ثمان وسبعن سنة، وقيل: توفي في آخر أيام معاوية، وقيل: سنة اثنتين وسبعين وهو ابن ثمانين سنة والله أعلم.

ويمكن أن يكون الصحيح في تاريخ وفاته سنة خمسين، ويكون قد ثبت ذلك عند الطحاوي، فيكون تاريخ وفاته متقدما على تاريخ وفاة مروان بخمسة عشرة سنة، وإنما وقف البيهقي على قول من قال بأن وفاة زيد بن خالد سنة ثمان وسبعين؛ ليتوسل به إلى الطعن علي الطحاوي، وليس هذا دأب أهل الإنصاف، ولا من قَصْدُهُ إظهار الصواب.

ثم إن الطحاوي أخرج حديث زيد بن خالد من طريقين:

الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة

إلى آخره.

ص: 98

وقد ذكرنا فيما مضى أن أحمد والبزار والطبراني قد أخرجوه (1).

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عَيَّاش -بتشديد الياء آخر الحروف وفيه آخره شين معجمة- بن الوليد الرقَّام القطان أحد مشايخ البخاري، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي القرشي البصري، عن محمَّد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة

إلى آخره.

قوله: "وأَخْلِق به أن يكون غلطا" من صيغ التعجب، وقد عرف أن الموضوع له صيغتان: ما أفعله، وأفعل به. فالصيغة الثانية لفظها لفظ الأمر، ومعناها خبر، كقوله: تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} (2) أي ما أسمعهم وأبصرهم، وحكي عن الزجاج أنه أمر حقيقة، وهو قول الفراء، واستحسنه الزمخشري وابن خروف (3)، ثم معنى "أَخْلِقْ به" أي أجعله جديرا بأن يكون غلطا، من قولهم: فلان خليق بكذا أي جدير به، وقد خَلُقَ لذلك -بالضم- أي لاق له.

ص: فإن احتج في ذلك بما حدثنا ربيع الجيزي، قال: نا إسماعيل بن أبي أويس، قال: نا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، عن عمر بن شريح، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

حدثنا ابن أبي داود قال: نا الفروي إسحاق بن محمَّد قال: نا إبراهيم

فذكر مثله بإسناده.

قيل له: أنتم لا تسوغون خصمكم أن يحتج عليكم بمثل عمر بن سريح، فكيف تحتجون به أنتم عليه؟ ثم ذلك أيضًا في نفسه منكر؛ لأن عروة لما أخبره مروان عن بسرة بما أخبره به من ذلك، لم يكن عرفه قبل ذلك لا عن عائشة ولا عن غيرها.

(1) تقدم تخريجه.

(2)

سورة مريم، آية:[38].

(3)

هو إمام النحو، أبو الحسن علي بن محمَّد بن علي بن خروف الإشبيلي مؤلف "شرح سيبويه" وغيره، مات سنة (610 هـ) وقيل:(609 هـ)، انظر "سير أعلام النبلاء"(22/ 26).

ص: 99

ش: أي فإن احتج الخصم في انتقاض الوضوء من مس الذكر بحديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله عليه السلام يقال: في جوابه وجهان أيضًا:

الأول: إنكم لا تسوّغون -أي لا تجوزون- لخصمكم أن يحتج عليكم بمثل (عمرو بن شريج)(1) الحضرمي فكيف أنتم تحتجون به على خصمكم وهو قلب الموضوع كما ذكرنا؟

فإن قلت: لِمَ عيّن الطحاوي (عمر بن سريج)(1) وفي إسناده غيره من الضعفاء كإسماعيل بن أبي أويس، فإن يحيى ضعفه وبالغ فيه النسائي وإن كان قد روى عنه الشيخان، وإبراهيم بن إسماعيل قال البخاري فيه: منكر الحديث.

وإسحاق بن محمَّد الفروي، قال النسائي فيه: ليس بثقة. وضعفه أبو داود جدًّا وكذا الدارقطني؟

قلت: لأن الخصم معترف بضعف (عمر بن شريج)(1) فلذلك عينه.

الثاني: أن هذا الحديث في نفسه منكر؛ لأن عروة بن الزبير لما أخبره مروان بن الحكم عن بسرة لم يكن عروة عرف هذا الحكم قبل هذا، لا عن عائشة ولا عن غيرها، فلو كان سمعه من عائشة قبل هذا لما أنكر على مروان خبره عن بسرة.

ثم إنه أخرج هذا الحديث عن طريقين:

الأول: عن ربيع بن سليمان الجيزي، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن إبراهيم ابن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي المدني، عن (عمر بن شريج)(1) الحضرمي، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة.

(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي بعض الطبعات من "شرح معاني الآثار". ووقع في بعض الطرق "عُمر بن شريح" وكل ذلك خطأ، والصواب:"عمر بن سريج" بالسين المهملة وآخره جيم، كما صرح بذلك الذهبي في "الميزان"(5/ 246)، والحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (4/ 311) وقالا: هو عمر بن سعيد بن سريج -بسين مهملة لا بالشين المعجمة- نسبة إلى الجد، وكذا ضبطه ابن ماكولا في "الإكمال"(4/ 273).

ص: 100

والثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن إسحاق بن محمَّد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة الفروي المدني، عن إبراهيم بن إسماعيل

إلى آخره.

والإسنادان كلاهما ضعيف، والفَرَوي -بفتح الفاء وسكون الراء- نسبة إلى جده أبي فروة، لا يقال: إنه روي عن عائشة من غير هذا الطريق، رواه الدارقطني؛ لأنا قد قلنا: إن في سنده كذابا، مع أنه روي عنها ما يخالف هذه الرواية، وقد بيناه فيما مضى.

ص: فإن احتجوا في ذلك بما حدثنا يزيد بن سنان قال: نا دحيم بن اليتيم، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله، عن هاشم بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنها عن رسول الله عليه السلام بذاك، قيل لهم: صدقة بن عبد الله هذا عندكم ضعيف فكيف تحتجون به؟! وهاشم بن زيد فليس من أهل العلم الذي يثبت بروايتهم مثل هذا.

ش: أي فإن احتج أهل المقالة الأولى أيضًا فيما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه فجوابه أنه ضعيف، معلول بصدقة بن عبد الله السمين أبي معاوية الدمشقي، قال أحمد: ضعيف ليس حديثه يسوى شيئًا، أحاديثه مناكير.

وكذا ضعفه ابن معين والبخاري والنسائي، وقال أبو حاتم: لين، يكتب حديثه ولا يحتج به.

ومعلول أيضًا بهاشم بن زيد الدمشقي، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث.

ودحيم -بضم الدال وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف- لقب عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي يعرف بدحيم بن اليتيم مولى آل عثمان بن عفان، قاضي الأردن وفلسطين، أحد مشايخ البخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه.

وعمرو بن أبي سلمة التنيسي، أبو حفص الدمشقي، روى له الجماعة.

ص: 101

وأخرجه البزار في "مسنده"(1): بهذا الطريق وقال: نا عمر بن الخطاب، نا عمرو بن أبي سلمة، نا صدقة بن عبد الله، عن هاشم بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي عليه السلام قال:"من مس فرجه فليتوضأ".

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2): وفي إسناده العلاء بن سليمان وهو أيضًا ضعيف جدًّا.

ص: وإن احتجوا في ذلك بما حدثنا يزيد بن سنان، قال: نا عمرو بن خالد، قال: نا العلاء بن سليمان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي عليه السلام أنه قال:"من مس فرجه فليتوضأ". قيل لهم: كيف تحتجون بالعلاء هذا وهو عندكم ضعيف؟!

ش: أي وإن احتج أهل المقالة الأولى فيما ذهبو إليه بحديث سالم عن أبيه، فجوابه أنه معلول بالعلاء بن سليمان الرقي، ذكره ابن الجوزي في الضعفاء وقال: قال الأسدي: ساقط لا تحل الرواية عنه.

وعمرو بن خالد بن فروخ التميمي الحنظلي، أحد مشايخ البخاري وغيره، قال العجلي: مصري ثقة ثبت.

وأخرجه الطبراني بهذا الطريق كما ذكرناه آنفا (3).

ص: وإن احتجوا في ذلك أيضًا بما حدثنا يونس، قال: نا معن بن عيسى القزاز، عن يزيد بن عبد الملك، عن المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"من أفضى بيده إلى ذكره ليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ". قيل له: يزيد هذا عندكم منكر الحديث، لا يسوى حديثه عندكم شيئًا، فكيف تحتجون به؟!.

(1) ذكره الهيثمي في "مجمع "الزوائد" (1/ 245) وقال: رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، وفي سند "الكبير" العلاء بن سليمان، وهو ضعيف جدًّا، وفي سند البزار هاشم بن زيد وهو ضعيف جدًا.

(2)

"المعجم الكبير"(12/ 281 رقم 13118) بلفظ: "من مس ذكره فليتوضأ".

(3)

سبق تخريجه.

ص: 102

ش: أي وإن احتج أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة هذا فجوابه أنه ضعيف معلول بيزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي المدني، قال أحمد ويحيى: ضعيف.

وقال النسائي: متروك الحديث ولم يخرج له غير ابن ماجه حديثا واحدا في السقط.

والمقبري هو سعيد بن أبي سعيد، ونسبته إلى مقبرة وكان ساكنا فيها.

وقد ذكرنا أن ابن حبان أخرجه في "صحيحه"(1): عن يزيد بن عبد الملك.

والحاكم في "مستدركه"(1) وصححه، وأنهما قد تخارفا جدّا في تصحيحه (2).

ص: وإن احتجوا في ذلك بما حدثنا يزيد، قال: نا دحيم، قال: نا عبد الله، عن النبي عليه السلام مثل حديث يونس، عن معن، قيل لهم: هذا الحديث كل من رواه عن ابن أبي ذئب من الحفاظ يقطعه ويوقفه على محمد بن عبد الرحمن، فمن ذلك ما حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو عامر، قال: نا ابن أبي ذئب، عن عقبة، عن محمَّد ابن عبد الرحمن، عن النبي عليه السلام بذلك.

فهؤلاء الحفاظ يوقفون هذا الحديث على محمَّد بن عبد الرحمن، ويخالفون فيه ابن نافع، وهو عندكم حجة عليه وليس هو بحجة عليهم، فكيف تحتجون بحديث منقطع في هذا وأنتم لا تثبتون الحديث المنقطع.

ش: أي وإن احتج أهل المقالة الأولى أيضًا فيما ذهبوا إليه بحديث جابر بن عبد الله، فجوابه أنه منقطع موقوف على محمَّد بن عبد الرحمن، والمنقطع ليس بحجة عندهم، فكيف يحتجون به؟! والدليل على ذلك أن الحفاظ الثقات يوقفونه على

(1) سبق تخريجه.

(2)

قد بينا قبل ذلك عند تخريجه أن ابن حبان أخرجه من طريق نافع بن أبي نعيم مع يزيد بن عبد الملك، وقال: احتجاجنا في هذا الخبر بنافع بن أبي نعيم دون يزيد بن عبد الملك

إلخ، وكذا أخرجه الحاكم من طريق نافع وصححه واستشهد بحديث يزيد، فبان بذلك أنهما لم يتخارفا؛ فرحمهما الله.

ص: 103

محمَّد بن عبد الرحمن ويخالفون فيه عبد الله بن نافع الصائغ الذي يرفعه، وكذا قال الشافعي: سمعت جماعة من الحفاظ غير ابن نافع يروونه ولا يذكرون فيه جابرا.

وقال البخاري (1): عقبة، عن ابن ثوبان، روى عنه ابن أبي ذئب مرسل عن النبي عليه السلام في مس الذكر.

قلت: فعلى هذا يئول الحديث إلى الإرسال، وهم لا يحتجون بالمرسل؛ فإذن سقط احتجاجهم بحديث جابر رضي الله عنه وقد شنع [البيهقي] (2) في هذا المقام على هذا الطحاوي بقوله: "ثم أخذ الطحاوي في رواية أحاديث لم يعتمد عليها في الوضوء من مس الذكر، وجعل يضعفها مرة بضعف الرواة ومرة بالانقطاع، وأن من أوجب الوضوء منه لا يقول بالمنقطع، ونحن إنما لا نقول بالمنقطع إذا كان منفردا، فإذا انضم إليه غيره أو انضم إليه قول بعض الصحابة أو ما يتأكد به المراسيل، ولم يعارضه ما هو أقوى منه؛ فإنا نقول به. انتهى.

قلت: هذا تشنيع من غير وجه؛ لأن الطحاوي ما ضعف حديثا قد صح فيه، ولا جعل الموصول منقطعا، وإنما ذكره على وجه يرضى به الخصم، وأراد بهذا أن هذه الأحاديث التي احتج بها الخصم لا تصلح للاحتجاج، والعجب من البيهقي أنه يصرح بأن هذه الأحاديث لا يعتمد عليها في الوضوء من مس الذكر ثم يرجع ويشنع على الطحاوي بأنه يضعفها مرة بضعف الرواية ومرة بالانقطاع!

ورجال المرفوع ثقات كلهم، ودحيم قد مض ذكره آنفا.

وعبد الله بن نافع الصائغ المخزومي القرشي أبو محمَّد المدني، روى له الجماعة إلَاّ البخاري.

وابن أبي ذئب اسمه محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، روى له الجماعة.

(1)"تاريخ البخاري الكبير"(6/ 435) وزاد بعده: وقال بعضهم: عن جابر رضي الله عنه، ولا يصح.

(2)

في "الأصل، ك": الطحاوي، وهو سبق قلم من المؤلف، والصواب ما أثبتناه، كما سيتضح في آخر التعقيب من المؤلف بقوله: والعجب من البيهقي .. الخ.

ص: 104

وعقبة هو ابن عبد الرحمن بن أبي معمر، حجازي، ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه (1).

ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي أبو عبد الله المدني، روى له الجماعة.

ورجال الموقوف أيضًا ثقات وأبو بكرة بكَّار القاضي. وأبو عامر: عبد الملك ابن عمرو العقدي، تكرر ذكره.

ص: وإن احتجوا في ذلك بما حدثنا صالح بن عبد الرحمن ويونس وربيع الجيزي، قالوا: ثنا عبد الله بن يوسف، عن الهيثم بن حميد، قال: أخبرني العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة زوج النبي عليه السلام قالت: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من مس فرجه فليتوضأ".

حدثنا ابن أبي داود، قال: نا أبو مسهر، عن الهيثم

فذكر بإسناده مثله.

قيل لهم: هذا حديث منقطع أيضًا؛ لأن مكحولا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئا.

حدثنا ابن أبي داود قال: سمعت أبا مسهر يقول ذلك، وأنتم تحتجون في مثل هذا بقول أبي مسهر.

ش: أي وإن احتج أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه بحديث أم حبيبة رضي الله عنها فجوابه: أنه أيضًا منقطع؛ وذلك لأن مكحولا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئًا، قاله أبو مسهر.

روى الطحاوي عن ابن أبي داود، عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي أنه كان يقول ذلك، يعني بأن مكحولا لم يسمع من عنبسة، وهم يحتجون بأبي مسهر، وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين، قال أبو مسهر: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، ولا أدري أدركه أم لا.

(1) الأولى أن يقال: سكت عليه، أو لم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ لأن "سكت عنه" من ألفاظ الجرح الشديد.

ص: 105

فإن قلت: قال البيهقي بعد أن ذكر هذا الحديث: بلغني عن الترمذي، سألت أبا زرعة عن هذا الحديث فاستحسنه ورأيته كأنه يعدّه محفوظا.

قلت: وقال الترمذي في كتابه: قال محمَّد -يعني البخاري-: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وروى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث. وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحا.

وفي "الإِمام" عن ابن معين قال: هذا أضعف أحاديث هذا الباب.

وأخرج النسائي (1): حديثا آخر من رواية مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة، ثم قال: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا.

وأخرج الطحاوي حديث أم حبيبة هذا من طريقين:

الأول: عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو، ويونس بن عبد الأعلى، وربيع بن سليمان الجيزي كلهم عن عبد الله بن يوسف التنيسي -أحد مشايخ البخاري- عن الهيثم بن حميد الغساني الدمشقي، عن العلاء بن الحارث بن عبد الوارث الحضرمي، عن مكحول الشامي، عن عنبسة بن أبي سفيان صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي عن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان زوج النبي عليه السلام.

وأخرجه ابن ماجه (2): نحوه، وقد ذكرناه.

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي مسهر، عن الهيثم بن [حميد](3) إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (4) نحوه.

(1)"المجتبى"(3/ 265 رقم 1815) ولفظه "من ركع أربع ركعات قبل الظهر .. " الخ.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

في "الأصل، ك" عدي، وهو سبق قلم من المؤلف: وما أثبتناه هو الصواب، كما في المتن، و"معجم الطبراني الكبير".

(4)

"المعجم الكبير"(23/ 234 رقم 447).

ص: 106

ص: وإن احتجوا في ذلك بما حدثنا يونس، قال: نا معن بن عيسى، عن عبد الله بن المؤمل المخزومي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن بسرة سألت النبي عليه السلام فقالت: المرأة تضرب بيدها فتصيب فرجها. قال: تتوضأ يا بسرة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: نا الخطاب بن عثمان الفوزي، قال: نا بقية، عن الزبيدي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ".

قيل لهم: أنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئًا، وإنما حديثه عنه عن صحيفة، فهذا على قولكم منقطع، والمنقطع لا تجب به حجة عندكم.

ش: أي وإن احتج أهل المقالة الأولى، فيما ذهبوا إليه بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن بسرة، عن النبي عليه السلام وبحديثه عن أبيه، عن جده، عن النبي عليه السلام؛ فجوابه أن يقال: إنكم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئًا وإنما حديثه عنه عن صحيفة؛ فيكون منقطعا، والمنقطع لا تقوم به حجة عندكم، وقال ابن المديني: عن يحيى بن سعيد: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عندنا واهٍ.

وقال عباس الدوري: عن يحيى بن معين: إذا حدث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده فهو كتاب، هو عمرو بن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو يقول: أي عن جدي، فمن ها هنا جاء ضعفه. أو نحو هذا من الكلام.

وقال ابن عُدي: عمرو بن شعيب في نفسه ثقة إلَاّ إذا روى عن أبيه، عن جده، عن النبي عليه السلام يكون مرسلًا.

لأن جده عنده: محمَّد بن عبد الله بن عمرو لا صحبة له، وتردد ابن حبان في عمرو وذكره في الضعفاء فقال: إذا روى عن طاوس وابن المسيب وغيرهما من الثقات غير أبيه فهو ثقة يجوز الاحتجاج به، وإذا روى عن أبيه عن جده ففيه مناكير كثيرة فلا يجوز

ص: 107

الاحتجاج بذلك، قال: فإذا روى عن أبيه عن جده؛ فإن شعيبا لم يلق عبد الله، فيكون خبره منقطعا.

وإن أراد بحده الأدنى فهو محمَّد لا صحبة له فيكون مرسلًا.

وقال الحافظ المزِّي: عمرو بن شعيب على ثلاثة أوجه:

عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، فعمرو له ثلاثة أجداد: محمَّد، وعبد الله، وعمرو بن العاص.

محمَّد تابعي، وعبد الله وعمرو صحابيان، فإن كان المراد بجده محمدا فالحديث مرسل لأنه تابعي، وإن كان المراد به عَمرا فالحديث منقطع؛ لأن شعيبا لم يدرك عمرا، وإن كان المراد به عبد الله فنحتاج إلى معرفة سماع شعيب من عبد الله.

فإن قيل: قال البخاري في تاريخه: عمرو بن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص سمع أباه وسعيد بن المسيب وطاوسا. فكيف يقول الطحاوي وأنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئًا؟ ولهذا شنع البيهقي في "المعرفة" على الطحاوي بسبب هذا الكلام.

وقال: الخلاف في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، ثم قال: وقد صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه، وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو.

قلت: الطحاوي نفسه قائل بأن عمرو بن شعيب سمع من أبيه؛ ولهذا يحتج به في كثير من المواضع، وإنما ذكر ما ذكره ناقلا عن بعض طائفة من الخصوم أنهم قالوا: إنه لم يسمع من أبيه شيئًا، وأراد به إلزامهم بذلك؛ لأنه إذا لم يكن سمع من أبيه يكون حديثه منقطعا، فكيف يجوز الاحتجاج به مع دعواهم بذلك؟! فسقط بذلك تشنيع البيهقي أيضًا.

فإن قلت: إذا كان الطحاوي يحتج بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده فما باله لم يعمل بحديثه هذا؟

ص: 108

قلت: لأنه قد عارضه حديث طلق بن علي، فلم يكن ليعمل به لتأخر حديث طلق عنه فيثبت بذلك انتساخ أحاديث انتقاض الوضوء من مس الفرج.

فإن قيل: حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في هذا الباب ناسخ لحديث طلق بن علي؛ لأن طلقا قدم على النبي عليه السلام في ابتداء الهجرة والمسجد على عرش، وأبو هريرة أسلم سنة ست من الهجرة فكان حديثه متأخرا، والأخذ بآخر الأمرين واجب لأنه ناسخ، والطبراني أيضًا مال إلى أن حديث طلق منسوخ.

قلت: روى أبو داود (1): عن قيس بن طلق، عن أبيه قال:"قدمنا على نبي الله عليه السلام فجاءه رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال: هل [هو] (2) إلَاّ مضغة منه أو بضعة منه".

ففي قوله: "ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ" دلالة على أنه كان بلغه أن النبي عليه السلام شَرَّعَ فيه الوضوء، فأراد أن يستيقن ذلك، وإلَّا فالمستقر عندهم أن الأحداث إنما كانت من الخارج النجس، وإلَّا فالعقل لا يهدي إلى أن مس الذكر يناسب نقض الوضوء، فعلى هذا يكون حديث طلق هو آخر الأمرين، ويكون أبو هريرة قد سمعه من بعض الصحابة ثم أرسله.

وجواب آخر أن دعوى النسخ إنما تصح بعد ثبوت صحة الحديث، ونحن لا نُسَلِّم صحة حديث أبي هريرة؛ فافهم.

ص: فقد ثبت فساد هذه الآثار كلها التي يحتج بها من يذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الفرج.

ش: أي إذا علم ما ذكرنا، فقد ثبت فساد هذا الأحاديث التي سلفت في هذا الباب التي يحتج بها من يذهب إلى إيجاب الوضوء من مس الفرج، وذلك لكون بعضها منكرا، وبعضها مضطربا، وبعضها ضعيفا معلولا، وبعضها منقطعا،

(1)"سنن أبي داود"(1/ 46 رقم 182).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن أبي داود".

ص: 109

وبعضها موقوفًا على ما بُيِّنَت مستقصاة مشروحة، وفي ذلك نقل شمس الأئمة السرخسي عن يحيى بن معين أنه قال: ثلاث لا يصح فيهن حديث، منها: انتقاض الوضوء من مس الفرج.

ص: وقد رويت آثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تخالف ذلك، فمنها: ما حدثنا يونس، قال: نا سفيان، عن محمَّد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه:"أنه سأل النبي عليه السلام أفي مس الذكر وضوء؟ قال: لا".

ش: أي قد رويت أحاديث عن رسول الله عليه السلام تخالف ما روي من إيجاب الوضوء من مس الفرج، ولما ذكر ما يحتج به أهل المقالة الأولى من الأحاديث وأجاب عنها، شرع يذكر ما يحتج به أهل المقالة الثانية، فمن جملة حججهم: حديث قيس بن طلق، عن أبيه، عن النبي عليه السلام.

أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن محمَّد بن جابر بن سيار اليمامي الأعمى -فيه مقال- عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي بن المنذر الحنفي اليمامي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه ابن ماجه (1): نا علي بن محمَّد، نا وكيع، نا محمد بن جابر، قال: سمعت قيس بن طلق الحنفي، عن أبيه قال:"سمعت رسول الله عليه السلام سئل عن مس الذكر، فقال: ليس فيه وضوء، إنما هو منك".

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): عن موسى بن داود، عن محمَّد بن جابر

إلى آخره نحوه.

واعلم أن حديث طلق صحيح وإن كان هذا الطريق فيه مقال؛ لأنه روي من غير وجه، وقال أبو داود: وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي عليه السلام وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك، وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 163 رقم 483).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 23 رقم 16335).

ص: 110

وقال ابن حزم في "المحلى" بعد أن ذكر حديث طَلق بن علي قال عَليٌّ: وهذا خبر صحيح.

ولكن ادعى أنه منسوخ كما ادعى الطبراني والبيهقي وصاحب "المغني" وهذه الدعوى غير صحيحة، وقد بينا فسادها عن قريب.

فإن قيل: قد ذكر البيهقي عن ابن معين أنه قال: قد أكثر الناس في قيس بن طلق ولا يحتج بحديثه.

قلت: قد ذكر البيهقي ذلك بسند فيه محمَّد بن الحسن النقاش المفسّر، وهو من المتهمين بالكذب.

وقال البرقاني: كل حديثه مناكير، وليس في تفسيره حديث صحيح.

وروى النقاش كلام ابن معين هذا عن عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، وعبد الله هذا قال فيه ابن عدي: كان متهما في روايته عن قوم أنه لم يلحقهم.

وقد ذكر ابن أبي حاتم أن ابن معين وثق قيسا بخلاف ما ذُكِرَ عنه في هذا السند الساقط، وصحح حديثه هذا ابن حبان وابن حزم كما ذكرناه.

وذكر ابن منده في كتابه: أن عمرو بن علي الفلّاس قال: حديث قيس عندنا أثبت من حديث بسرة.

فإن قيل: ذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال: سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا فيه قبول خبره.

وقد حكى الدارقطني أيضًا في "سننه"(1): عن ابن أبي حاتم أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة. ووهياه ولم يثبتاه.

قلت: هو معروف روى عنه تسعة أنفس ذكرهم صاحب الكمال وهم: عبد الله ابن بدر، ومحمد بن جابر اليمامي، وعبد الله بن النعيمان السحيمي، وعجيبة بن

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 149 رقم 15).

ص: 111

عبد الحميد بن طلق، وابنه هوذة بن قيس وأيوب بن عتبة اليمامي، وموسى بن عمير اليمامي، وسراج بن عقبة، وعيسى بن خثيم، ثم قال عبد الغني بعد ذكر هؤلاء: قال يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات" وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في "المستدرك" وروى له أصحاب السنن الأربعة، وأخرج الترمذي من طريق ملازم وقيس هذا حديث "لا وتران في ليلة" وحسنه، وقال عبد الحق: وغير الترمذي يصححه.

فإن قيل: قد روى حديث بسرة جماعة من الصحابة وكثرة الرواية مؤثرة في الترجيح، وحديث طلق بن علي لا يحفظ من طريق يوازي هذه الطرق وهو حديث فرد في هذا الباب.

قلت: كما وجد اختلاف الرواة في حديثها فكذلك وجد في حديث طلق نحو ذلك، ثم إذا وجد للحديث طريق واحد سالم من شوائب الطعن تعين المصير إليه، ولا عبرة باختلاف الباقين، وقد يقال: إن كثرة الرواة لا أثر لها في باب الترجيحات؛ لأن طريق كل واحد منها غلبة الظن؛ فصار كشهادة شاهدين مع شهادة أربعة. وقد يقال: إن بسرة غير مشهورة، لاختلاف الرواة في نسبها؛ لأن بعضهم يقول: هي كنانية، وبعضهم يقول: هي أسدية، ولو سلم عدم جهالتها فليست توازي طلقا في شهرته وكثرة روايته وطول صحبته، وبالجملة فحديث النساء لا يوازي حديث الرجال.

فإن قيل: قد أسند البيهقي عن طلق أنه قدم على النبي عليه السلام وهو يبني المسجد قلت: استدل بذلك على أن حديثه متقدم ليثبت كونه منسوخا، وفي سنده هذا محمَّد بن جابر وهو ضعيف وقد ضعفه هو أيضًا في بابه، وأيضًا فقد اختلف عليه، فرواه البيهقي عنه عن قيس بن طلق عن أبيه، وأخرجه الحازمي في الناسخ والمنسوخ عنه عن عبد الله بن بدر عن طلق.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: نا مسدد، قال: نا محمَّد بن جابر

فذكر بإسناده نحوه.

ص: 112

ش: هذا طريق آخر عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري، عن محمَّد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): نا إسحاق الدبري [عن عبد الرزاق](2) عن هشام بن حسان، عن محمَّد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه قال:"قلت: يا رسول الله، أرأيت الرجل يتوضأ، ثم يهوي فيمس ذكره أو أَرْنَبَتَهُ؟ قال: هو منك".

ص: حدثنا محمَّد بن العباس اللؤلؤي، قال: نا أسد، قال: نا أيوب بن عتبة (ح).

وحدثنا أبو بشر الرقي، قال: نا حجاج بن محمَّد، قال: نا أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق، عن أبيه، عن النبي عليه السلام نحوه.

ش: هذان طريقان آخران:

أحدهما: عن محمَّد بن العباس اللؤلؤي أحد أصحاب أبي حنيفة، عن أسد بن موسى.

عن أيوب بن عتبة اليمامي، فيه مقال كبير، وقال أبو زرعة: ما حدث باليمامة فهو مستقيم. وقال الدارقطني مرة: يعتبر به شيخ. وقال أبو داود: كان صحيح الكتاب تقادم موته. وقال العجلي: يكتب حديثه.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): نا حماد بن خالد، نا أيوب بن عتبة، عن قيس ابن طلق، عن أبيه قال:"سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيتوضأ أحدنا إذا مس ذكره؟ قال: إنما هو بضعة منك- أو من جسدك".

(1)"المعجم الكبير"(8/ 330 رقم 8233).

(2)

سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من "معجم الطبراني الكبير".

(3)

"مسند أحمد"(4/ 22 رقم 16329).

ص: 113

والآخر: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي -وثقه ابن يونس- عن حجاج بن محمَّد المصيصي، عن أيوب بن عتبة.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): نا علي بن عبد العزيز، نا أحمد بن يونس، نا أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق، عن أبيه قال:"سأل رجل رسول الله عليه السلام فقال: يا رسول الله، أرأيت إذا مس أحدنا ذكره، يتوضأ؟ قال: لا، إنما هو بضعة منك".

ص: حدثنا حسين بن نصر، قال: نا يوسف بن عدي، قال: نا ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر السحيمي، عن قيس بن طلق، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثله.

ش: هذا طريق آخر وهو صحيح، عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يوسف ابن عدي بن زريق -أحد مشايخ البخاري- عن ملازم بن عمرو بن عبد الله الحنفي السُحَيْمي اليمامي، وثقه ابن حبان وغيره وروى له الأربعة، عن عبد الله بن بدر بن عميرة الحنفي السُحَيْمي اليمامي، جد ملازم بن عمرو لأبيه -وقيل: لأمه- وثقه ابن معين وابن حبان، وروى له الأربعة.

والسحيمي نسبة إلى سُحيم -بضم السين وفتح الحاء المهملتين- بن مرة بن دول بن حنيفة بطن من بني حنيفة.

وأخرجه الثلاثة.

فأبو داود (2): عن مسدد، عن ملازم بن عمرو الحنفي، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه قال:"قدمنا على نبي الله عليه السلام فجاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال: وهل هو [إلَّا] (3) مضغة منه- أو بضعة منه؟! ".

(1)"المعجم الكبير"(8/ 334 رقم 8249).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 46 رقم 182).

(3)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن أبي داود".

ص: 114

والترمذي (1): عن هنّاد، عن ملازم بن عمرو

وإلى آخره.

والنسائي (2) أيضًا: عن هناد بن السري، عن ملازم بن عمرو

إلى آخره، ولفظه:"خرجنا وفدا حتى قدمنا على نبي الله عليه السلام فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة، جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله، ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلَاّ مضغة منك- أو بضعة منك؟! ".

ص: حدثنا أبو أميّة، قال: نا الأسود بن عامر وخلف بن الوليد وأحمد بن يونس وسعيد بن سليمان، عن أيوب، عن قيس، أنه حدثه عن أبيه، عن النبي عليه السلام نحوه.

ش: هذا طريق أخر رجاله كلهم ثقات ما خلا أيوب؛ فإن فيه مقالا مع أن بعضهم وثقوه.

وأبو أُميَّة هو محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي.

وخلف بن الوليد الجوهري البغدادي نزيل مكة، وثقة أبو زرعة.

وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس وينسب إلى جده، أحد مشايخ البخاري ومسلم وأبي داود.

وسعيد بن سليمان الضبي الواسطي المعروف بسعدويه.

وأخرجه أحمد (3) وأبو يعلى في مسنديهما.

ص: حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، نا ملازم، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، عن النبي عليه السلام: "أنه سأله رجل فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما توضأ؟ فقال النبي عليه السلام: هل هو إلَاّ بضعة منك أو مضغة منك؟!.

ش: هذا طريق أخر وهو صحيح، عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن حجاج

(1)"جامع الترمذي"(1/ 131 رقم 85).

(2)

"المجتبى"(1/ 101 رقم 165).

(3)

"مسند أحمد"(4/ 22 رقم 16329) من طريق حماد بن خالد، عن أيوب.

ص: 115

ابن المنهال الأنماطي، عن ملازم

إلى آخره.

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1): أنا ابن قتيبة بعسقلان، قال: نا محمَّد بن أبي السري، نا ملازم بن عمرو، حدثني عبد الله بن بدر، قال: حدثني قيس بن طلق، قال: حدثني أبي قال: "كنا عند النبي عليه السلام فأتاه أعرابي، فقال: يا رسول الله، إن أحدنا يكون في الصلاة فيحتك فتصيب يده ذكره. فقال رسول الله عليه السلام: وهل هو إلَاّ بضعة أومضغة منك"؟!

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(2): نا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز، نا محمَّد بن أزياد، (3) بن فروة البلدي أبو روح، نا ملازم بن عمرو

إلى آخره.

قوله: "بضعة" بفتح الباء وكسرها، وهي القطعة من اللحم، والمعنى أنه جزء منه كما في الحديث:"فاطمة بضعة مني"(4) أي جزء مني كما أن القطعة من اللحم.

قوله: "أو مُضغة" شك من الراوي، وهي بضم الميم القطعة من اللحم قدر ما يمضغ، وجمعها مُضَغ.

ص: فهذا حديث ملازم، مستقيم الإسناد، غير مضطرب في إسناده ولا في متنه، فهو أولى عندنا مما رويناه أولا من الآثار المضطربة في أسانيدها، ولقد حدثني ابن أبي عمران، قال: سمعت عباس بن عبد العظيم العنبري، يقول: سمعت علي بن المديني، يقول: حديث ملازم هذا أحسن من حديث بسرة، فإن كان هذا الباب يؤخذ من طريق الإسناد واستقامته؛ فحديث ملازم هذا أحسن إسنادا، وإن كان يؤخذ من طريق النظر؛ فإنا رأيناهم لا يختلفون أنَّ من مس ذكره بظهر كفه أو بذراعه لم يجب في ذلك وضوء، فالنظر أن يكون مسه إياه ببطن كفه كذلك،

(1)"صحيح ابن حبان"(3/ 403 رقم 1120).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 149 رقم 17).

(3)

في "الأصل": زيادة، والمثبت من "سنن الدارقطني"، و"ثقات ابن حبان"(9/ 84).

(4)

متفق عليه من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه البخاري (3/ 1361 رقم 3510)، ومسلم (4/ 1902 رقم 2429).

ص: 116

وقد رأينا لو ماسه بفخذه لم يجب عليه بذلك وضوء، والفخذ عورة، فإذا كانت مماسته إياه بالعورة لا توجب عليه وضوءا، فمماسته إياه بغير العورة أحرى ألَّا توجب عليه وضوءا.

ش: الذي قاله ظاهر، وبينته على دعواه صادقة [وهذا](1) الإِمام المبّرز في هذا الشأن صاحب التصانيف الواسعة، الذي هو أكبر مشايخ البخاري وأبي داود وأحمد بن حنبل وأبي يعلى الموصلي وأبي حاتم الرازي وغيرهم من أكابر أئمة الشأن، وهو الحافظ علي بن المديني، روى عنه مقالته هذه عباس بن عبد العظيم العنبري الحافظ شيخ الجماعة، وروى عنه شيخ الحنفية شيخ الطحاوي أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي.

فإن قيل: قال البيهقي في "المعرفة"(2): ورواه عكرمة بن عمار عن قيس بن طلق مرسلًا. ورواه بإسناده إلى أن قال: نا عكرمة بن عمار اليمامي، عن قيس بن طلق:"أن طلقا سأل النبي عليه السلام عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة. فقال: لا بأس به، إنما هو كبعض جسده" وهذا منقطع لأن قيسا لم يشهد سؤال طلق، وعكرمة بن عمار أقوى مَنْ رواه عن قيس بن طلق، وإن كان هو أيضًا مختلف في عدالته، فاحتج به مسلم بن الحجاج في غير هذا الحديث، وتركه البخاري، وضعفه يحيى بن سعيد القطان في آخرين.

وقال في "سننه الكبير"(3): بإسناده إلى رجاء بن مرجا الحافظ قال: اجتمعنا في مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين، فتناظروا في مس الذكر، فقال يحيى بن معين: يتوضأ منه. وتقلّد علي بن المديني قول الكوفيين وقال به، واحتج يحيى بن معين بحديث بسرة بنت صفوان، واحتج علي بن المديني بحديث قيس بن طلق، وقال ليحيى: كيف تتقلد إسناد بسرة ومروان أرسل شرطيا

(1) في "الأصل": وهو، وما أثبتناه هو لأليق بالسياق.

(2)

"معرفة السنن والآثار"(1/ 233).

(3)

"السنن الكبرى"(1/ 136 رقم 635).

ص: 117

حتى رد جوابها إليه؟! فقال يحيى: ثم لم يقنع ذلك عروة حتى أتى بسرة فسألها وشافهته بالحديث. ثم قال يحيى: ولقد أكثر الناس في قيس بن طلق وأنه لا يحتج بحديثه. فقال أحمد بن حنبل: كلا الأمرين على ما قلتما. فقال يحيى: مالك، عن نافع، عن ابن عمر "يتوضأ من مس الذكر" فقال علي: كان ابن مسعود يقول: "لا يتوضأ منه وإنما هو بضعة من جسدك". وقال يحيى: هذا عن من؟ فقال: عن سفيان، عن أبي قيس، عن هذيل، عن عبد الله، وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر واختلفا فابن مسعود أولى بأن يتبع. فقال أحمد بن حنبل: نعم، ولكن أبو قيس الأودي لا يحتج بحديثه. فقال علي: حدثني أبو نعيم، نا مسعر، عن عمير بن سعيد، عن عمار قال:"ما أبالي مسسته أو أنفي". فقال يحيى: بين عمير بن سعيد وعمار بن ياسر مفازة.

ثم أسند البيهقي (1): أن ابن جريج والثوري تذاكرا مس الذكر، فقال ابن جريج: يتوضأ منه. وقال سفيان: لا يتوضأ منه. فقال سفيان: أرأيت لو أن رجلًا أمسك بيده منيّا ما كان عليه؟ فقال ابن جريج: يغسل يده. فقال: أيهما أكثر المني أو مس الذكر؟ فقال: ما ألقاها عل لسانك إلَاّ الشيطان. قال: وإنما أراد ابن جريج أن السُّنة لا تعارض بالقياس، وذكر الشافعي في رواية الزعفراني عنه أن الذي قال من الصحابة لا وضوء فيه فإنما قال بالرأي، ومن أوجب الوضوء فيه فلا يوجبه إلَاّ بالاتباع. انتهى كلامه.

قلت: لا يلزم من إرسال عكرمة بن عمار عدم صحة الحديث من غيره، وقوله: عكرمة (بن)(2) عمار أقوى مَنْ رواه عن قيس. غير صحيح؛ لأن عكرمة أيضًا مختلف فيه، ولهذا لم يخرج له البخاري إلَاّ مستشهدا، وضعفه يحيى القطان في أحاديث عن يحيى بن أبي كثير، وقَدَّم مُلازِمَ بن عمرو عليه وأما حكايته رجاء بن

(1) سبق تخريجه.

(2)

تكررت في "الأصل".

ص: 118

مرجا ففي إسناده عبد الله السرخسي وكان متهما.

قوله: "ولكن أبو قيس الأودي لا يحتج بحدثيه" يعارضه قوله: في باب "لا نكاح إلَّا بولي": مختلف في عدالته. انتهى كلامه.

وأبو قيس هذا وثقه ابن معين، وقال العجلي: ثقه ثبت.

واحتج به البخاري، وأخرج له ابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه".

وقوله: "بين عمير وعمار مفازة" يعارضه ما ذكره ابن أبي شيبة (1): حدثنا ابن فضيل ووكيع، عن مسعر، عن عمير بن سعيد، قال:"كنت جالسا في مجلس فيه عمار بن ياسر، فسئل عن مس الذكر في الصلاة، فقال: ما هو إلَاّ بضعة منك"، وهذا سند صحيح، وفيه تصريح بأنه لا مفازة بينهما.

وقوله: "عمار وابن عمر استويا"، ليس كذلك؛ لأن مع عمار ابن مسعود وغيره من الصحابة رضي الله عنهم والأسانيد بذلك صحاح كما ذكر ابن عبد البر، وقد ذكر الطحاوي أنه لم يُفْتِ بالوضوء منه من الصحابة غير ابن عمر رضي الله عنهما فحينئذ لا نُسَلِّم الاستواء.

وقوله: "فإنما قال بالرأي" غير مُسَلَّم؛ لأنه كيف يكون ذلك وقد صح الحديث فيه؟! فافهم.

وأما قول الطحاوي: "فإن كان هذا الباب" أي: هذا النوع من الحكم يؤخذ من طريق إسناد الأحاديث من حيث الصحة والاستقامة، فحديث ملازم بن عمرو هذا الذي مضى أحسن إسنادا من أحاديث الخصم، فتكون أولى بالقبول وأحق بالعمل به.

وإن كان يؤخذ من طريق النظر والقياس؛ فالقياس يقضي ألَّا ينتقض الوضوء بالمس بباطن الكف، كما لا ينتقض بالمس بظاهره أو بذراعه بالإجماع والجامع أن

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 152 رقم 1743).

ص: 119

كلا منهما مَسٌّ في موضع مخصوص.

وكذا لو مسَّه بفخذه لا ينتقض الوضوء، مع أن الفخذ عورة، فبالأولى ألَّا ينتقض وضوءه بالمس بباطن كفه التي هي ليست بعورة.

وتعليل بعض الشافعية المس بباطن الكف بأنه مظنة خروج شيءٌ تعليل فاسد؛ لأنه يلزم منه ألَّا ينتقض الوضوء عند تحققه بعدم الخروج، وكذا في مسّ الدبر، وكذا في مس المرأة فرجها، وكذا في مس ذكر غيره، والله أعلم.

ص: فقال الذين ذهبوا إلى إيجاب الوضوء منه: فقد أوجب الوضوء في مماسته بالكف أصحاب النبي عليه السلام فذكروا في ذلك:

ما حدثنا أبو بكرة قال: نا أبو داود، قال: نا شعبة، قال: أنبأني الحكم، قال: سمعت مصعب بن سعد بن أبي وقاص يقول: "كنت أمسك المصحف على أبي، فمسِستُ فرجي، فأمرني أن أتوضأ".

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: نا عبد الرحمن بن زياد، قال: نا شعبة، عن قتادة قال:"كان ابن عمر وابن عباس يقولان في الرجل يَمَسُّ ذكره، قالا: يتوضأ".

قال شعبة، فقلت لقتادة: عمَّن هذا؟ فقال: عن عطاء بن أبي رباح.

حدثنا يونس، قال: نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه:"أنه رآه صلى صلاة لم يكن يصليها، قال: فقلت له: ما هذه الصلاة؟ قال: إني مسست فرجي، فنسيت أن أتوضأ".

حدثنا ابن خزيمة، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر

مثله.

حدثنا ابن خزيمة، قال: نا حجاج، قال: نا أبو عوانة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد، قال: "صلينا مع ابن عمر -أو صلى بنا ابن عمر- ثم سار، ثم أناخ بجمله، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنا قد صلينا! فقال: إن أبا عبد الرحمن قد

ص: 120

عرف ذلك؛ ولكني مَسِسْتُ ذكري، قال: فتوضأ وأعاد الصلاة".

ش: لما ذكر الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من انتقاض الوضوء بمس الفرج، وأجاب عنها؛ شرع يذكر الأخبار التي وردت من بعض الصحابة موافقة لما ذهبوا إليه ليجيب نهما، فذكر عن ثلاثة من الصحابة، وهم: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس، وعبد الله ابن عمر، رضي الله عنهم.

أما خبر سعد فأخرجه عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن الحكم بن عُتَيْبَة، عن مصعب بن سعد.

وهؤلاء كلهم ثقات أئمة أجلاء.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا وكيع، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد، قال:"كنت أمسك على أبي (في) (2) المصحف، فأدخلت يدي هكذا -يعني مَسَّ ذكره- فقال له: توضأ".

قوله: "فَمَسِسْتُ" من مَسِسْت الشيء -بالكسر- أَمَسُّه مَسًّا، فهذه اللغة الفصيحة.

وحكى أبو عُبيدة: مَسَسْتُ الشيء -بالفتح- أَمُسُّه مَسًّا- فهذه بالضم.

وربما قالوا: مِسْتُ الشيء يحذفون منه السين الأولى ويحولون كسرتها إلى الميم، ومنهم من لا يحول ويترك الميم على حالها مفتوحة (3).

قوله: "أن أتوضأ": أي: بأن أتوضأ، "وأَنْ" مصدرية، والتقدير: أمرني بالوضوء.

وأما خبر ابن عباس: وفيه ابن عمر أيضًا: فأخرجه عن سليمان بن شعيب، عن

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 151 رقم 1731).

(2)

كذا في "الأصل، ك"، وليست في "مصنف ابن أبي شيبة".

(3)

انظر "لسان العرب"(مادة: مسس).

ص: 121

عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي، عن شعبة

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا شبابة، نا شعبة، عن قتادة، عن عطاء، عن ابن عباس وابن عمر، قالا:"من مَسَّ ذكره توضأ".

وأما خبر ابن عمر رضي الله عنهما: فأخرجه من ثلاث طرق:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عُيَينة، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر

إلى آخره، وهذا على شرط مسلم.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن ابن جريج، قال: أخبرنا ابن شهاب، عن سالم: "أن ابن عمر رضي الله عنهما صلى بهم بطريق مكة العصر، ثم ركبنا فسرنا ما قُدِّر أن نسير، ثم أناخ ابن عمر فتوضأ، وصلى العصر وحده.

قال سالم: فقلت له: إنك قد صليت لنا صلاة العصر، أفنسيت؟ قال: لم أنس ولكني مَسِسْت ذكري قبل أن أصلي، فلما ذكرت ذلك توضأت فعدت لصلاتي".

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر.

وهذا أيضًا إسناد صحيح.

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (3): نا ابن عُليَّة، عن ابن عون، عن نافع:"أن ابن عمر كان إذا مسَّ فرجه؛ أعاد الوضوء".

الثالث: عن محمَّد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال، عن أبي عوانة الوضاح اليِشكري، عن إبراهيم بن المهاجر بن جابر البجلي الكوفي، عن مجاهد بن جبر المكي، عن عبد الله بن عمر.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 151 رقم 1736).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 115 رقم 418).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 151 رقم 1733).

ص: 122

وهذا أيضًا إسناد صحيح.

ص: قيل لهم: أما ما رويتموه عن سعد بن مالك، فإنه قد روى عن مصعب بن سعد، عن أبيه، خلاف ما رواه عنه الحكم.

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال ثنا عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمَّد، عن مصعب بن سعد، قال:"كنت آخذا على أبي المصحف، فاحتككت فأصبت فرجي، فقال: أصبت فرجك؟ قلت: نعم. فقال: اغمس يدك في التراب. ولم يأمرني أن أتوضأ".

وروي عن مصعب أيضًا، أن أباه أمره بغسل يده.

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: نا عبد الله بن رجاء، قال: أنا زائدة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن الزبير بن عديّ، عن مصعب بن سعد، مثله. غير أنه قال:"قم فاغسل يدك".

قال أبو جعفر رحمه الله: فقد يجوز أن يكون الوضوء الذي أراده الحكم في حديثه عن مصعب: هو غسل اليد، على ما ما بينه عنه الزبير بن عدي؛ حتى لا تتضاد الروايتان.

وقد روي عن سعد من قوله: "إنه لا وضوء في ذلك".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: نا عبد الله بن رجاء، قال: أنا زائدة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال:"سئل سعد عن مسِّ الذكر، فقال: إن كان نجسا فاقطعه، لا بأس به".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: أنا هُشَيم، قال: نا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:"قال رجل لسعد: إنه مسَّ ذكره وهو في الصلاة، فقال: اقطعه، إنما هو بضعة منك".

فهذا سعد لما كُشِفَت الروايات عنه، ثبت عنه أنه لا وضوء في مس الذكر.

ص: 123

ش: هذا جواب عما روي عن سعد بن مالك -هو سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- في وجوب الوضوء من مس الفرج، على ما روى عنه ابنه مصعب بن سعد، وعن غيره: أنَّ سعدا رضي الله عنه روي عنه الأمر بالوضوء من ذلك، وروي عنه ترك الوضوء منه، وروي عنه الأمر بغمس اليد في التراب، وروي عنه الأمر بغسل اليد فقط.

فمتى تكشف هذه الروايات يثبت عنه أنه لا وضوء في مس الذكر؛ فحينئذ يجوز أن يكون المراد في الوضوء الذي في رواية الحكَم: هو غسل اليد، كما صرح به في رواية الزبير بن عدي؛ فبهذا ينتفي التضاد الذي بين الروايتين، ثم الأخبار التي رويت عنه في ذلك أربعة:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن القرشي الزهري، عن إسماعيل بن محمَّد بن سعد ابن أبي وقاص المدني، عن مصعب بن سعد

إلي آخره.

وهؤلاء كلهم رجال الصحيحين ما خلا ابن مرزوق؛ فإنه أيضًا ثقة، وثقه الدارقطني وغيره.

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن عبد الله بن رجاء بن عمر الغداني البصري، عن زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي، عن إسماعيل بن أبي خالد هرمز أبي عبد الله الكوفي، عن الزبير بن عدي الهمداني الكوفي قاضي الريّ، عن مصعب ابن سعد

إلى آخره. وهذا أيضًا إسناد صحيح.

الثالث: عن محمَّد بن خزيمة، عن عبد الله بن رجاء، عن زائدة، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، واسم أبي حازم: حصين بن عوف البجلي الأحمسي الكوفي، قيل: له صحبة ولم يصح، وأبوه أبو حازم له صحبة، روى له الجماعة.

ص: 124

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفة"(1): نا وكيع، عن إسماعيل، عن قيس، قال: سأل رجل سعدا عن مس الذكر فقال: "إن علمت أن منك بضعة نجسة فاقطعها".

الرابع: عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث المصري، عن سعيد بن منصور -شيخ مسلم وأبي داود- عن هشيم بن بشير الواسطي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم

إلى آخره.

وهذا أيضًا إسناد صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفة"(2): عن ابن عُيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال:"سأل رجل سعد بن أبي وقاص عن مس الذكر، أَيُتوضأ منه؟ قال: إن كان منك شيء نجس فاقطعه".

ص: وأما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في إيجاب الوضوء فيه؛ فإنه قد روي عنه خلاف ذلك.

حدثنا أبو بكرة، قال: نا يعقوب بن إسحاق، قال: نا عكرمة بن عمار، قال: ثنا عطاء، عن ابن عباس قال:"ما أبالي إياه مسست أو أنفي".

حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو عامر، قال: نا ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، مثله.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: نا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أنه كان لا يرى في مسِّ الذكر وضوءا".

فهذا ابن عباس قد روي عنه غير ما رواه قتادة عن عطاء عنه، فلم نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله عليه السلام أفتى بالوضوء منه، غير ابن عمر رضي الله عنهما.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 151 رقم 1739).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 119 رقم 434).

ص: 125

ش: هذا جواب عَمَّا رُوي عن ابن عباس من وجوب الوضوء من مَسِّ الذكر.

بيانه: أن ابن عباس روى عنه عطاء بن أبي رباح وجوب الوضوء من مس الذكر، وروى عنه أيضًا عدم الوجوب، وكذا روى شعبة مولى ابن عباس عنه، وكذا روى سعيد بن جبير عنه، فهذه الرواية ترجح لموافقته الأصل والقياس؛ لأن الوضوء مما يخرج، ولأن بين روايتي عطاء تضاد؛ فتحمل روايته الأولى على غسل اليد لينتفي التضاد، والحامل عل هذا رواية شعبة مولاه، ورواية سعيد بن جبير ثم الأخبار التي رويت عنه ثلاثة:

الأول: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن يعقوب بن إسحاق بن زيد البصري المقرئ، عن عكرمة بن عمار العجلي، عن عطاء ابن أبي رباح، عن ابن عباس.

وهذا صحيح على شرط مسلم.

وأخرجه محمَّد بن الحسن في "موطأه"(1): أنا طلحة بن عمرو المكي، أنا عطاء ابن أبي رباح، عن ابن عباس، قال في مس الذكر وأنت في الصلاة، قال:"ما أبالي مَسِسْتُه أو مَسِسْتُ أنفي".

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن ابن جريج قال: أخبرني محمَّد بن يوسف، عن كثير من أهل المدينة، أن ابن عباس قال لابن عمر:"لو أعلم أن ما تقول في الذكر حقا لقطعته، ثم إذا لو أعلمه نجسا لقطعته، وما أبالي إياه مَسِسْتُ أو مَسِسْتُ أنفي".

قوله: "ما أبالي إياه" الضمير فيه يرجع إلى الذكر؛ لأن الكلام خرج (سؤالا)(3) عن سؤال وجوب الوضوء من مس الذكر.

الثاني: عن أبي بكرة بكار، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن

(1)"موطأ محمَّد بن الحسن"(1/ 36 رقم 14).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 119 رقم 435).

(3)

كذا في "الأصل، ك"، ولعله سبق قلم من المؤلف، والصواب: جوابًا.

ص: 126

محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن شعبة بن دينار القرشي مولى ابن عباس، عن ابن عباس.

وفي شعبة مقال.

الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن سليمان الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي، عن سعيد بن جبير، وهذا إسناد صحيح.

قوله: "فلم نعلم أحدا من أصحاب رسول الله عليه السلام

" إلى آخره.

فإن قيل: كيف قال ذلك وقد روى هو نفسه عن سعد بن أبي وقاص وابن عباس وجوب الوضوء من مس الذكر؟!

قلت: قد بَيَّن لك أنه روي عن كل منهما خلاف ذلك، وأن سعدا إنما أمر بغسل اليد فقط دون الوضوء الشرعي، وأن ابن عباس مذهبه أن الوضوء.

مما يخرج رواه ابن أبي شيبة (1) عنه، ورواه الدارقطني (2) بإسناده عنه مرفوعًا.

ص: وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا محمَّد بن العباس، قال: نا عبد الله بن محمَّد بن المغيرة، قال: أنا مِسْعر، عن قابوس، عن أبي ظبيان، عن علي رضي الله عنه قال:"ما أبالي أنفي مَسِسْتُ أو أُذني أو ذكري".

حدثنا أبو بكرة، قال: نا يحيى بن حماد، قال: نا أبو عوانة، عن سليمان، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، قال: قال عبد الله بن مسعود: "ما أبالي ذكري مَسِسْتُ في الصلاة أم أُذني أم أنفي".

حدثنا بكر بن إدريس، قال: نا آدم بن أبي إياس، قال: نا شعبة، قال: نا أبو قيس، قال: سمعت هُزَيْلا يحدث عن عبد الله

نحوه.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 52 رقم 535).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 151 رقم 1) من طريق شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس، مرفوعًا.

ص: 127

حدثنا صالح، قال: نا سعيد، قال: أنا هشيم، قال: أنا الأعمش، عن المنهال ابن عمرو، عن قيس بن السكن، عن عبد الله

مثله.

حدثنا صالح، قال: نا سعيد، قال: نا هشيم، قال [أنا](1) سليمان الشيباني، عن أبي قيس

فذكر بإسناده مثله.

أخبرنا أبو بكرة، قال: نا أبو أحمد الزبيري، قال: نا مسعر، عن عمير بن سعيد. ح

وحدثنا فهد، قال: نا أبو نعيم، قال: نا مسعر، عن عمير بن سعيد قال:"كنت في مجلس فيه عمار بن ياسر، فذكر مس الذكر، فقال: إنما هو بضعة منك مثل أنفي أو أنفك، وأَنَّى لكفك موضعا غيره".

أخبرنا أبو بكرة، قال نا أبو عامر، قال: نا سفيان، عن إياد بن لقيط، عن البراء بن قيس (ح).

وحدثنا أبو بكرة، قال حدثنا أبو داود، قال: نا شعبة، عن منصور، قال: سمعت سدوسا يحدث عن البراء بن قيس (ح).

وحدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود، قال: نا عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن البراء بن قيس، قال: سمعت حذيفة رضي الله عنه يقول: "ما أبالي إياه مسست أو أنفي".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن قتادة (ح).

وحدثنا سليمان بن شعيب، قال: نا الخَصِيبُ، قال نا همام، عن قتادة، عن المخارق بن أحمر، عن حذيفة نحوه.

حدثنا ابن مرزوق، قال: نا عمرو بن أبي رُزين، قال: نا هشام بن حسان، عن الحسن، عن خمسة من أصحاب النبي عليه السلام منهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن

(1) سقطت صيغة التحديث من "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 128

مسعود، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن حصين، ورجل أخر:"أنهم كانوا لا يرون في مس الذكر وضوءا".

حدثنا ابن خزيمة قال: نا حجاج، قال: نا حماد (ح).

وحدثنا سليمان بن شعيب، قال: نا عبد الرحمن، قال: نا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، نحوه.

حدثنا صالح، قال: نا سعيد، قال: نا هشيم، قال: أنا حميد الطويل، عن الحسن، عن عمران، مثله.

قال أبو جعفر: فإن كان يجب في مثل هذا تقليد ابن عمر؛ فتقليد من ذكرنا أولى من تقليد ابن عمر رضي الله عنهما.

ش: أي قد خالف عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في إيجاب الوضوء من مس الذكر أكثر الصحابة رضي الله عنهم ولما قال: لم يُفْتِ أحد من الصحابة بالوضوء من مس الذكر غير ابن عمر، ولم يرو عن ابن عمر ما يخالف ما روي عنه.

أجاب عنه بأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك، فإن كان تقليد ابن عمر في مثل هذا واجبا، فتقليد الجماعة منهم أولى؛ لأنه أقرب إلى الحق وأشبه بالقياس، ثم أخرج ذلك عن خمسة من الصحابة وهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، رضي الله عنهم.

أما ما روي عن علي رضي الله عنه فأخرجه عن محمَّد بن العباس اللؤلؤي، عن عبد الله ابن محمَّد بن المغيرة الكوفي نزيل مصر -فيه مقال- عن مسعر بن كدام، عن قابوس بن أبي ظبيان الجَنبي -مختلف فيه- عن أبيه أبي ظبيان، واسمه حصُين بن جندب، روول له الجماعة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا جرير، عن قابوس، عن أبيه قال:"سئل علي رضي الله عنه عن الرجل يمس ذكره؟ قال: لا بأس".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 151 رقم 1741).

ص: 129

وأما ما روي عن ابن مسعود فأخرجه من أربع طرق:

الأول: عن أبي بكرة بكّار، عن يحيى بن حماد بن أبي زياد الشيباني ختن أبي عوانة، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن سليمان الأعمش، عن المنهال بن عمرو الأسدي الكوفي، عن قيس بن السكن الأسدي الكوفي.

وإسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح ما خلا أبا بكرة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا ابن فضيل، عن الأعمش، عن المنهال، عن قيس بن السكن، قال: قال عبد الله: "ما أبالي مَسِسْت ذكري أو أذني أو إبهامي أو أنفي".

الثاني: عن بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي، عن آدم بن أبي إياس عبد الرحمن التيمي شيخ البخاري، عن شعبة بن الحجاج، عن أبي قيس عبد الرحمن ابن ثروان الأودي الكوفي، عن هُزيل بن شرحبيل الأودي الكوفي الأعمى، وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2): نا وكيع، عن سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل:"أن أخاه أرقم بن شرحبيب سأل ابن مسعود فقال: إني أحتك فأفضي بيدي إلى فرجي. فقال ابن مسعود: إن علمت أن منك بضعة نجسة فاقطعها".

الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن سليمان الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، عن ابن مسعود.

الرابع: عن صالح بن عبد الرحمن أيضًا، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن سليمان بن أبي سليمان فيروز الشيباني، عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، عن هذيل، عن عبد الله، وهذا أيضًا إسناد صحيح.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 152 رقم 1743).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 151 رقم 1738).

ص: 130

وأما ما روي عن عمار بن ياسر، فأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي أحمد محمَّد بن محمَّد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الكوفي، عن مسعر بن كدام، عن عمير بن سعيد النخعي الكوفي.

والثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نُعيم الفضل بن دكين، عن مسعر

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا ابن فضيل ووكيع، عن مسعر، عن عمير بن سعد، قال:"كنت جالسا في مجلس فيه عمار بن ياسر، فسئل عن مس الذكر في الصلاة، فقال: ما هو إلَاّ بَضْعة منك وأَنَّى لكفك موضعا غيره".

قوله: "بَضْعة" بفتح الباء، أي: قطعة منك، أراد أنه جزء منك مثل أنفك وأذنك.

قوله: "وأنَّى" أي: ومن أين لكفك موضعا غيره؛ وذلك لأن الرجل إذا أدخل يده إلى داخل ثوبه لم يكن لكفه غير الاشتغال بذكره.

وأما ما روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

فأخرجه من خمس طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكار، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي، عن سفيان الثوري، عن إياد بن لقيط السدوسي، عن البراء بن قيس أبي كبشة السكوني، عن حذيفة بن اليمان.

الثاني: عن أبي بكرة أيضًا، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة بن الحجاج، عن منصور بن المعتمر، عن سدوس الثوري الكوفي، عن البراء بن قيس، عن حذيفة.

وسَدُوس -بفتح السين المهملة وضم الدال وفي آخره سين أيضًا- وثقه ابن حبان.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 152 رقم 1743).

ص: 131

الثالث: عن أبي بكرة أيضًا، عن أبي داود، عن عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن البراء بن قيس، عن حذيفة.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن فضيل، عن حصين، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن حذيفة بن اليمان أنه قال:"ما أبالي مَسِسْت ذكري أو أذني".

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(2): نا أبو محمَّد بن صاعد، ثنا أبو حصين عبد الله ابن أحمد بن يونس، ثنا عَبْثَر، عن حصين، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن قال: قال حذيفة: "ما أبالي مَسِسْت ذكري في الصلاة أو مَسِسْتُ أُذني".

الرابع: عن محمَّد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن المخارق بن أحمر، عن حذيفة.

الخامس: عن سليمان بن شعيب، عن الخَصِيب -بفتح الخاء المعجمة- بن ناصح، عن همام بن يحيى بن دينار، عن قتادة، عن المخارق، عن حذيفة.

والمُخَارق -بضم الميم- وثقه ابن حبان.

وروى الطحاوي أيضًا بإسناد آخر عن الصحابة المذكورين وفيهم عمران بن حصين أيضًا ورجل آخر من الصحابة عن إبراهيم بن مرزوق، عن عمرو بن أبي رَزين -هو عمرو بن محمَّد بن أبي رزين الخزاعي البصري- عن هشام بن حسان الأزدي البصري، عن الحسن البصري.

وإسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق؛ إلَاّ أن الحسن مدلس ولم يصرح بالسماع.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(3): نا محمَّد بن النضر الأزدي، نا معاوية بن

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 151 رقم 1740).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 150 رقم 21).

(3)

"المعجم الكبير"(9/ 247 رقم 9218).

ص: 132

عمرو، نا زائدة، عن هشام، عن الحسن: أن خمسة من أصحاب النبي عليه السلام: علي ابن أبي طالب، وابن مسعود، وحذيفة، وعمران بن حصين، ورجل آخر، قال بعضهم:"ما أبالي ذكري مَسِسْت أو أَرْنَبَتي. وقال الآخر: أذني [وقال الآخر فخذي] (1) وقال الآخر: ركبتي".

وروى عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن سليمان بن مهران الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن:"أن عليًّا وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبا هريرة، لا يرون من مس الذكر وضوءا، وقالوا: لا بأس به".

قلت: يحتمل أن يكون الرجل الآخر في رواية الطحاوي والطبراني هو أبا هريرة، فحينئذ يكون مَنْ خالف عبد الله بن عمر من الصحابة في وجوب الوضوء من مس الذكر ثمانية من أعيان الصحابة وهم: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، وأبو هريرة رضي الله عنهم.

وأما ما روي عن عمران بن الحصين، فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن محمَّد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن عنه.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(3): أنا معمر، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن الحصين قال:"ما أبالي إياه مَسِسْت أو فخذي".

الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن عمران بن الحصين رضي الله عنه.

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "معجم الطبراني الكبير".

(2)

"مصنف عبد الرازق"(1/ 120 رقم 436).

(3)

"مصنف عبد الرازق"(1/ 119 رقم 433).

ص: 133

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا محمَّد بن أبي عدي، عن حميد، عن الحسن، أن عمران بن الحصين قال:"ما أبالي إياه مَسِسْت أو بطن فخذي" يعني: ذكره.

الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن حميد الطويل، عن الحسن، عن عمران رضي الله عنه.

وفي الباب عن أبي أمامة الباهلي، وأبي الدرداء رضي الله عنهما.

أما حديث أبي أمامة: فأخرجه ابن ماجه (2) مرفوعا: نا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، نا مروان بن معاوية، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال:"سئل رسول الله عليه السلام عن مس الذكر فقال: إنما هو حُذْوة منك".

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): نا وكيع، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة

إلى آخره نحوه.

وأما حديث أبي الدرداء: فأخرجه محمَّد بن الحسن في "موطأه"(4) موقوفا: أخبرنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني حَرِيزُ بن عثمان عن حبيب بن عُبيد، عن أبي الدرداء:"أنه سئل عن مس الذكر، فقال: إنما هو بَضْعَةٌ منك".

قلت: "الحذْوة" بضم الحاء المهملة -وقيل: بكسرها- وسكون الذال المعجمة، قطعة من اللحم، وكذلك الحُذْية.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 152 رقم 1744).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 163 رقم 484)، وقال البوصيري في "الزوائد": فيه جعفر بن الزبير، اتفقوا على تركه واتهموه.

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 152 رقم 1751).

(4)

"موطأ مالك": رواية محمَّد بن الحسن (1/ 38 رقم 28).

ص: 134

ص: وقد روي ذلك أيضًا عن سعيد بن المسيَّب، والحسن.

حدثنا عبد الله بن محمد بن خُشَيْش، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا هشام، قال: ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيَّب:"أنه كان لا يرى في مس الذكر وضوءا".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: نا هشام، عن قتادة، عن الحسن، مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: نا عبد الله بن حُمران، قال: نا أشعث، عن الحسن:"أنه كان يكره مسَّ الفرج، فإن فعله لم ير عليه وضوءا".

حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: نا هشيم، قال: أنا يونس، عن الحسن:"أنه كان لا يرى في مس الذكر وضوءا".

فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

ش: أي: قد روي عدم انتقاض الوضوء من مس الذكر عن بعض التابعين أيضًا، منهم سعيد بن المسيَّب.

أخرج عنه من طريقين صحيحين:

الأول: عن عبد الله بن محمَّد بن خُشَيْش -بالمعجمات أولها مضموم- عن مسلم بن إبراهيم الأزدي أحد مشايخ البخاري، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن إبراهيم بن محمَّد، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال:"مَنْ مس ذكره فليس عليه وضوء".

الثاني: عن أبي بكرة، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام

إلى آخره.

ومنهم الحسن البصري أخرج عنه من طريقين صحيحين أيضًا.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 120 رقم 437).

ص: 135

الأول: عن أبي بكرة، عن عبد الله بن حُمران بن عبد الله الأموي مولى عثمان ابن عفان، عن أشعث بن عبد الملك الحُمْراني، عن الحسن البصري

إلى آخره.

الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن يونس بن أبي إسحاق، عن الحسن البصري

إلى آخره.

وأخرجه عبد الرزاق (1): عن معمر، عن الحسن

نحوه.

ومنهم طاوس وسعيد بن جبير، أخرج عنهما ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2): نا يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، قال: قال طاوس وسعيد بن جبير: "من مس ذكره وهو لا يريد فليس عليه وضوء".

ومنهم إبراهيم، أخرج عنه ابن أبي شيبة (3) أيضًا: عن ابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال:"لا بأس أن يمس الرجل ذكره في الصلاة".

وأخرجه محمد بن الحسن في "موطأه"(4): أنا مُحِلّ الضبيِّ، عن إبراهيم النخعي، في مس الذكر في الصلاة، قال:"إنما هو بضعة منك".

قوله: "فبهذا نأخذ" أي: فبعدم انتقاض الوضوء من مس الذكر نأخذ، والله أعلم.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 120 رقم 438)، ولفظه:"كان الحسن وقتادة لا يريان منه وضوءًا".

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 152 رقم 1750).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 152 رقم 1748).

(4)

"موطأ مالك": رواية محمَّد بن الحسن (1/ 37 رقم 20).

ص: 136