المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: حكم بول الغلام والجارية قبل أتى يأكلا الطعام - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: حكم بول الغلام والجارية قبل أتى يأكلا الطعام

‌ص: باب: حكم بول الغلام والجارية قبل أتى يأكلا الطعام

ش: أي هذا باب في بيان حكم بول الصغير والصغيرة قبل أن يأكلا الطعام، وجه المناسبة بين البابين: أن الأول يشتمل على أحكام النجس الحكمي، وهذا على أحكام النجس الحقيقي.

"الغلام" هو من حين يُولد إلى أن يَشِبَّ، وقيل: هو الذي طَرّ شاربُه، وفي "المخصّص": هو غلام من لدن فطامه إلى سبع سنين.

وعن أبي عُبَيد: هو المترعرع.

وفي "أساس البلاغة" للزمخشري: الغلام هو الصغير إلى حدَّ الالتحاء، فإن أجرى عليه بعد ما صار مُلتحيا اسم الغلام فهو مجاز (1).

ويروى عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض أراجيزه.

أنا الغلام الهاشمي المؤتمن (2).

وقالت ليلى الأخيلية في الحجاج:

غلام إذا هزَّ القناة ثَناها (3).

وقال بعضهم: يستحق هذا الاسم إذا ترعرع وبلغ الاحتلام بشهوة النكاح؛ كأنه يشتهي النكاح ذلك الوقت، ويُسمى قبل ذلك: الغلام، تفاؤلا، وبعد ذلك مجازا.

(1) لم أقف عليه في النسخة المطبوعة من أساس البلاغة.

(2)

المؤتمن تحرفت في "الأصل، ك"، فلم تَظهر، وفرأها بعض الباحثين:"المكي"، كما في رسالة "بدر الدين العيني، وأثره في علم الحديث"(ص 207)، وهو غلط وزنًا ومعنى. والصواب ما أثبتناه، وعجزُه: أبو حسين، فاعلمنَّ.

انظر "نيل الأوطار"(1/ 57).

(3)

صَدْرُ البيت: شفاهًا من الداء العُقام الذي بها.

انظر: "الكامل للمبرد"(1/ 306)، "زهرالآداب" للحُصْري (2/ 935) وغيرهما.

ص: 242

وفي "الموعب" لأبي غالب بن التياني: لا يقال للأنثى: غلامة إلَّا في كلام قد ذهب في ألسنة الناس.

وفي "الجمهرة": غلام رَعرعٌ، ورعراع، ولا يكون ذلك إلَاّ مع حسن الشباب، ويجمع على أَغْلِمة، وغِلْمة، وغِلْمان.

وفي "الصحاح": استغنوا بغلمة عن أغلمة، وتصغير الغلمة: أُغَيْلِمَة على غير مُكَبَّره؛ كأنهم صغروا أغلمة، وإن كانوا لم يقولوا.

وفي كتاب "خلق الإنسان": قال الأصمعي: يقال: غلام طفل، وجارية طِفْلة، وفيه: قال بعضهم: ما دام الولد في بطن أمه فهو جنين، فإذا ولدته سمى صبيّا ما دام رضيعا، فإذا فُطِمَ سُمِّي غلاما إلى سبع سنين، ثم يصير يافعا إلى عشر حجج، ثم يصير حَزَوّرا إلى خمس عشرة سنة، ثم يصير قُمُدا إلى خمس وعشرين سنة، ثم يصير عَنَطْنَطا إلى ثلاثين سنة، ثم يصير صُمّلا إلى أربعين سنة، ثم يصير كهلا إلى خمسين سنة، ثم يصير شيخا إلى ثمانين سنة، ثم يصير هِمَّا بعد ذلك فانيا كبيرا (1).

ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: نا بكر بن خلف، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: أخبرني أبي، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن عليّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرضيع:"يُغْسل بول الجارية، وينضح بول الغلام".

ش: بكر بن خلف البصري شيخ البخاري وأبي داود وابن ماجه.

وأبو حرب روى له مسلم، وأبوه: أبو الأسود اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان، روى له الجماعة، وهو أول من تكلم في النحو.

وأخرجه أبو داود (2)، نا مُسدد، قال: نا يحيى، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال:"يغسل بول الجارية، وينضح بول الغلام ما لم يطعم".

(1) انظر فتح الباري (8/ 698).

(2)

"سنن أبو داود"(1/ 103 رقم 377).

ص: 243

نا (1) ابن المثنى، نا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود، عن علي بن أبي طالب:"أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال .. " فذكر معناه، لم يذكر:"ما لم يطعم".

زاد: قال قتادة: "هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسلا جميعًا".

وأخرجه ابن ماجه (2)، والترمذي (3)، وقال: حديث حسن، وذكر أن هشاما الدستوائي رفعه عن قتادة، وأن سعيد بن أبي عروبة وقفه عنه ولم يرفعه، وقال البخاري: وسعيد بن أبي عروبة لا يرفعه، وهشام الدستوائي يرفعه وهو حافظ.

وأخرجه الدارقطني (4): عن أحمد بن محمَّد بن إسماعيل الآدمي، عن الهيثم العبدي، عن معاذ بن هشام

إلى آخره نحو رواية الطحاوي، وفي آخره: قال قتادة: "هذا ما لم يطعما فإذا طعما الطعام غسلا جميعا".

قوله: "في الرضيع" وهو اسم للمولود الذي يرضع، يقال: رَضِعَ الصبيّ أمّه يَرْضَعُها رضاعا مثل سَمِع يسْمَع سماعا، وأهل نجد يقولون: رَضَع يرضِع رَضْعا مثل: ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبا، وأرْضَعَتْه أمّه، وامرأة مُرضع أي لها ولد ترضعه، فإن وصفتها بإرضاع الولد، قلت: مرضعة.

قوله: "ويُنضح" من نَضَحَ الماء عليه يَنْضَحُهُ نَضْحا إذا ضربه بشيء فأصابه منه رشاش، ونَضَحَ عليه الماءُ رَش، قاله ابن سيدة.

وقال الأصمعي: نَضَحْتُ عليه الماء نَضْحا، وأصابه نَضَحٌ من كذا.

(1)"سنن أبو داود"(1/ 103 رقم 378).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 174 رقم 525).

(3)

"جامع الترمذي"(2/ 509 رقم 610).

(4)

"سنن الدارقطني"(1/ 129 رقم 2).

ص: 244

وقال ابن الأعرابي: النضح ما كان على اعتماد (1)، والنضخ ما كان على غير اعتماد، وقيل: هما لغتان بمعنى، وكله رَشٌّ.

وقال أبو علي: النضح ما كان من علو إلى سفل، ونضح البيت يَنْضِحُه نضحا، رشه رشا خفيفا، وفي "الجامع للقزاز": نضحت الشيء بالماء إذا رششته، والنضح أكثر من النضخ في رش الماء، ومنه قول قتادة: النَّضْحُ من النضح (2)، وقالوا: النضح ما بقي له أثر، وقيل: النضخ بما غلظ كالدم والطيب، والنضح بالحاء المهملة بما رق، وفي "المنتهى" لأبي المعالي: النضح الرش، وأصابنا نضح من مطر، ونضْحُه، أي: مطر خفيف، وفي "الواعي" لأبي محمَّد، و"الصحاح" لأبي نصر، و"المجمل" لابن فارس، و"الجمهرة" لابن دريد، وابن القوطية، وابن القطاع، وابن طريف في "الأفعال"، والفارابي في "ديوان الأدب"، ويعقوب في "الألفاظ"، وكراع في "المنتخب"، وغيرهم: النضح: الرش.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قابوس بن المخارق، عن لُبَابة بنت الحارث:"أن الحسين بن عليّ رضي الله عنهما بال على النبي عليه السلام، فقلت: أعطني أغسله. فقال: إنما يغسل من الأنثى وينضح من بول الذكر".

ش: إسناده صحيح، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي.

وقابوس بن المخارق الكوفي ثقة.

(1) جاء بَعْده -كما في "اللسان"-: "وهو ما نضحته بيدك مُعْتَمِدًا" وفي "النهاية"(5/ 70): "وقيل: هو -بالمعجمة- ما فُعل تَعَمُّدًا، وبالمهملة: من غير تعمد وهو قريب مما في اللسان (نضخ) -بالمعجمة- عن الأصمعي.

(2)

النضخ كذا هنا بالخاء المعجمة، وهذا الأثر في النهاية (5/ 70) -وعنه: اللسان-: بالحاء المهملة في الكلمتين.

ص: 245

ولُبَابَة بنت الحارث بن حزن أم الفضل الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي عليه السلام وهي زوجة العباس بن عبد المطلب.

وأخرجه أبو داود (1): نا مسدد والربيع بن نافع أبو توبة، قالا: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن قابوس، عن لُبَابَة بنت الحارث قالت:"كان الحسن بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه، فقلت: الْبس ثوبا، وأعطني إزارك حتى أغسله، قال: إنما يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذكر".

وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من وجوه، وفي أحدها: "جاءت أم الفضل -يعني لُبَابَة- إلى النبي عليه السلام.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا أبو الأحوص

فذكره مثله بإسناده.

ش: هذا طريق اخر، وهو أيضًا صحيح، عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة صاحب "المصنف" و"المسند"، عن أبي الأحوص سلام

إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه (3): نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قابوس بن أبي المخارق، عن لُبَابَة بنت الحارث، قالت:"بال الحسين بن علي في حجر النبي عليه السلام فقلت: يا رسول الله، أعطني ثوبك والبَسْ ثوبا غيره، فقال: إنما ينضح من بول الذكر، ويغسل من بول الأنثى".

وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(4) والكجي في "سننه".

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابنُ وَهْب، قال: أخبرني مالكٌ والليث وعمرو ويونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس ابنة محصن:

(1)"سنن أبي داود"(1/ 102 رقم 375).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 414 رقم 3957).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 174 رقم 522).

(4)

"صحيح ابن خزيمة"(1/ 143 رقم 282) من طريق أبي الأحوص به.

ص: 246

"أنها أتت بابن لها لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله عليه السلام في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه، وثم يغسله".

ش: هؤلاء كلهم رجال الصحيح، ويونس هو ابن عبد الأعلى، وابن وهب عبد الله، وعمرو هو ابن الحارث المصري، ويونس هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب هو محمَّد بن مسلم الزهري، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله الفقيه الأعمى المدني أحد الفقهاء السبعة بالمدينة.

وأخرجه الجماعة: فالبخاري (1): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله

إلى آخره نحوه.

ومسلم (2) عن محمَّد بن عبيد الله بن المهاجر، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أم قيس بنت محصن:"أنها أتت رسول الله عليه السلام بابن لها لم يأكل الطعام، فوضعته في حجره فبال، قال: فلم يزد على أن نضح بالماء".

وفي رواية لمسلم (3): "فدعا بماء فرشه".

وأبو داود (4)، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب

إلى آخره نحو رواية الطحاوي.

والترمذي (5): عن قتيبة وابن منيع، كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس بنت محصن، قالت:"دخلت بابن لي على النبي عليه السلام لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء فرشه عليه".

والنسائي (6): عن قتيبة، عن مالك، عن ابن شهاب

إلى آخره نحو رواية الطحاوي.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 90 رقم 221).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 238 رقم 287).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

"سنن أبو داود"(1/ 102 رقم 274).

(5)

"جامع الترمذي"(1/ 104 رقم 71).

(6)

"المجتبى"(1/ 157 رقم 302).

ص: 247

وابن ماجه (1): عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح، كلاهما عن سفيان ابن عيينة، عن الزهري .. إلى آخره، نحو رواية الترمذي.

وأخرجه الطبراني (2): بأتم منه، نا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر وابن جريج وابن عيينة، عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة: "أن أم قيس بنت محصن، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله عليه السلام فأخبرتني أنها أتت رسول الله عليه السلام بابن لها لما يبلغ أن يأكل الطعام، وقد أغلَقَت عليه من العُذرة رفعتها بيدها فقال رسول الله عليه السلام: عَلامَ تذعرن أولادكن بهذه العلائق، عليكم بهذا العود الهذي يعني القُسط، فإن فيه سبعة أشفية، منها ذات الجنُب.

قال عبيد الله: فأخبرتني أم قيس أن ابنها بال في حجر النبي عليه السلام، فدعا رسول الله عليه السلام بماء، فصبه على بوله ولم يغسله".

قوله: "أم قيس" قال السهيلي: اسمها آمنة بنت وهب بن مِحْصن، وقال أبو عمر: اسمها جُذامة، وهي أخت عكاشة بن محصن.

قوله: "في حجره" بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان.

قوله: "فبال على ثوبه" الظاهر أن الضمير في "ثوبه" يرجع إلى النبي عليه السلام، وقد قيل: إنه يرجع إلى الابن، أي بال الابن على ثوب نفسه، وهو في حجره عليه السلام، فنضح عليه الماء خوفا أن يكون طار على ثوبه منه شيء.

قلت: وهذا تأييد لقول الحنفية، فافهم.

قوله: "أعلقت عليه" رفعتها بيدها.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 174 رقم 524).

(2)

"المعجم الكبير"(25/ 177 رقم 435).

ص: 248

"والعذرة" بضم العين المهملة، وسكون الذال المعجمة: وجع الحلق من الدم، وذلك الموضع أيضًا سمي عذرة، وهو قريب من اللَّهاة.

قوله: "تذعرن" من ذَعَرْتُه أَذْعَره ذَعْرا: أفزعته، والاسم الذُّعر بالضم.

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن الزهري

فذكر مثله بإسناده.

ش: هذا طريق آخر عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن محمَّد ابن مسلم الزهري .... إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا سفيان بن عُيينة، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أم قيس بنت محصن قالت:"دخلتُ على النبي عليه السلام بابن لي لم يطعم فبال عليه، فدعا بماء، فرشه عليه".

وأخرجه الدارمي في "سننه"(2): أنا عثمان بن عمر، أنا مالك بن أنس، وحدثناه عن يونس أيضًا، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس بنت محصن:"أنها أتت النبي عليه السلام بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام، فأجلسته في حجره، فبال عليه، فدعا بماء فنضحه، ولم يغسله".

ص: حدثنا ابن خزيمة، قال: نا عبد الله بن رجاء، قال: نا زائدة، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"أتى النبي عليه السلام بصبي يحنكه، ويدعو له، فبال عليه، فدعى بماء فنضحه، ولم يغسله".

ش: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه البخاري (3): نا عبد الله بن يوسف، أنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت:"أتى النبي عليه السلام بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه".

(1) "مسند أحمد (6/ 355 رقم 27041).

(2)

"سنن الدارمي"(1/ 206 رقم 741).

(3)

"صحيح البخاري"(1/ 89 رقم 220).

ص: 249

ومسلم (1): عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، قالا: نا عبد الله بن نُمَيْر، قال: نا هشام، عن أبيه، عن عائشة:"أن رسول الله عليه السلام كان يؤتى بالصبيان فيُبرِّك عليهم ويحنِّكهم، فأتى بصبي فبال عليه، فدعاء بماء فأتبعه بوله ولم يغسله" وفي رواية: "فصبَّه عليه".

والنسائي (2): عن قتيبة، عن مالك

إلى آخره نحو رواية البخاري.

وابن ماجه (3): عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمَّد، قالا: ثنا وكيع، نا هشام بن عروة .. إلى آخره نحو رواية مسلم.

قوله: "بصبي" ذكر الدارقطني (4): من حديث الحجاج بن أرطاة أن هذا الصبي هو عبد الله بن الزبير، وأنها قالت:"فأخذته أخذا عنيفا، فقال عليه السلام: إنه لم يأكل الطعام فلا يضر بوله" وفي لفظ: "فإنه لم يطعم الطعام فلا يقذر بوله".

وقد قيل: إنه الحسن. وقيل: إنه الحسين.

قلت: كل ذلك يحتمل، لروايات جاءت في ذلك.

الصبيُّ اسم لمن يولد إلى أن يبلغ، وذكر ابن سيدة في "المخصص"، عن ثابت: يكون صبيا ما دام رضيعا، وقال كراع في "المنتخب": أول ما يولد الولد يقال له: وليد، وطفل، وصبي، وعن الأصمعي: أول ما يولدُ: صبيُّ، ثم طفل.

وقال ابن دريد: جمعه صبيان، وصبوان وهذه أضعفها بناء مُكبَّره. وقال ابن السكيت: صبية، وصبوة.

وقال سيبويه: ومما حقر على غير بناء مُكبره قولهم في صِبْيَة: أُصَيبية.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 237 رقم 286).

(2)

"المجتبى"(1/ 157 رقم 303).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 174 رقم 523).

(4)

"سنن الدارقطني"(1/ 129 رقم 1).

ص: 250

وفي "المحكم": صبية، وصُبية، وصبوان، وصُبْوان، وأما قول بعضهم: صُبْيان بضم الصاد، والياء (1)، ففيه من النظر (2) وفي "الجامع": صبي بين الصباء ممدودا، وفي "الصحاح" إذا مددت فتَحَت، وإذا كسرت قصرت، ولم يقولوا: أصبية استغناء بصِبْيَة، وجمع الصَّبيَّة صَبَايَا.

قوله: "يحنكه" من حَنَكَ الصَّبي، وحنَّكه بالتخفيف، والتشديد، وهو أن يمضغ التمر ونحوه، وذلك به حنكه.

وهذا كما رأيت أخرج الطحاوي في هذا الباب، عن علي، ولبابة بنت الحارث، وأم قيس، وعائشة، وابن أبي ليلى، وقال الترمذي: وفي الباب، عن علي، وعائشة، وزينب، وأبي السمح، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس، وأبي ليلى.

قلت: وفي الباب، عن أنس، وأبي أمامة، وأم سلمة، وأمر كرز رضي الله عنهم.

فحديث زينب بنت جحش عند الطبراني في "الكبير"(3): نا علي بن عبد العزيز، نا أبو نعيم، نا عبد السلام بن حرب، عن ليث، عن ابن القاسم مولى زينب، عن زينب بنت جحش: "أن النبي عليه السلام كان نائما عندها، وحسين يحبو في البيت، فغفلت عنه، فحبا حتل بلغ النبي عليه السلام فصعد على بطنه ثم وضع ذكره في سرته، قالت: واستيقظ النبي عليه السلام، فقمت إليه فحططته عن بطنه، فقال النبي عليه السلام: دعي ابني، فلما قضى بوله أخذ كوزا من ماء فصبه عليه، ثم قال: إنه يُصَبُّ من الغلام ويُغْسل من الجارية. قالت: ثم توضأ، ثم قام يصلي واحتضنه، فكان إذا ركع وسجد وضعه، وإذا قام حمله، فلما جلس جعل يدعو، ويرفع يديه، ويقول، فلما

(1) قوله: والياء، ليس يعني: وضم الياء، كما قد يُتَوَهَّم، فهذا مُتَعذَّر، وإنما مراده أنه بالياء، وليس بالواو.

(2)

وفي "اللسان"(مادة: صبا) أنه ضم الصاد بعد أن قُلبت الواو ياءً في لغة من كسر فقال: صِبْيان، فلما قلبت الواو ياءً للكسرة، ضُمت الصاد بعد ذلك، وأُقرت الياء بحالها التي هي عليها في لغة من كسر.

(3)

"المعجم الكبير"(24/ 54 رقم 141).

ص: 251

قضى الصلاة قلت: يا رسول الله، لقد رأيتك تصنع اليوم شيئًا من رأيتك تصنعه! قال: إن جبريل عليه السلام أتاني، وأخبرني أن ابني يقتل، قلت: فأرني إذا فأتاني تربة حمراء".

قلت: وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.

وحديث أبي السمح عند أبي داود (1): نا مجاهد بن موسى وعباس بن عبد العظيم العنبري، قالا: نا عبد الرحمن بن مهدي، قال: نا يحيى بن الوليد، قال: حدثني مُحِلّ بن خليفة، قال: حدثني أبو السَمْح، قال:"كنت أخدم النبي عليه السلام فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولِّني قفاك، فأوليه قفاي فأستره به، فأتى بحسن أو حسين فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: يُغسل من بول الجارية، ويُرش من بول الغلام".

وأخرجه النسائي (2)، وابن ماجه (3).

وأبو السمح لا يعرف له اسم، ولا يعرف له غير هذا الحديث، كذا قال أبو زرعة الرازي، وقال غيره، اسمه إيادُ، والله أعلم.

وحديث عبد الله بن عمرو وعند الطبراني في "الأوسط"(4) بإسناد حسن عنه: "أن رسول الله عليه السلام أتي بصبي فبال عليه فنضحه، وأتى بجارية فبالت عليه فغسله".

وحديث ابن عباس عند الدارقطني (5): نا محمَّد بن عمرو بن البختري، نا أحمد بن الخليل، نا الواقدي، نا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"أصاب النبي عليه السلام أو جلده بول صبي وهو صغير، فصب عليه من الماء بقدر البول".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 102 رقم 376).

(2)

"المجتبى"(1/ 158 رقم 304).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 175 رقم 526).

(4)

"المعجم الأوسط"(1/ 251 رقم 824).

(5)

"سنن الدارقطني"(1/ 130 رقم 5).

ص: 252

وحديث أنس بن مالك عند الطبراني في "الكبير"(1): بإسناده عنه، قال:"بينا رسول الله عليه السلام راقد في بعض بيوته على قفاه، إذ جاء الحسن بدرج حتى قعد على صدر النبي عليه السلام ثم بال على صدره، فجئت أميُطه عنه، فانتبه رسول الله عليه السلام فقال لي: ويحك يا أنس، دع ابني وثمرة فؤادي، فإنه من آذى هذا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ثم دعا رسول الله عليه السلام بماء فصبه على البول صبَّا، فقال: يُصَبُّ على بول الغلام، ويغسل بول الجارية".

قلت: وفي إسناده نافع أبو هرمز، وقد أجمعوا على ضعفه.

وحديث أبي أمامة عند الطبراني أيضًا في "الكبير"(2) عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بالحسين فجعل يقبله، فبال، فذهبوا ليتناولوه، فقال: ذروه، فتركه حتى فرغ من بوله" وفي إسناده [عفير](3) بن معان، وقد أجمعوا على ضعفه.

وحديث أم سلمة عند الطبراني أيضًا في "الأوسط"(4)، عنها:"أن الحسن أو الحسين بال على بطن النبي عليه السلام فقال النبي عليه السلام لا تُزرموا ابني أو لا تستعجلوه، فتركه حتى قضى بوله، فدعى بماء فصبه عليه" وإسناده حسن.

وحديث أم كرز عند ابن ماجه (5): نا محمَّد بن بشار، نا أبو بكر الحنفي، نا أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أم كرز، أن رسول الله عليه السلام قال:"بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل".

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(6).

(1)"المعجم الكبير"(3/ 42 رقم 2627).

(2)

"المعجم الكبير"(8/ 167 رقم 7699).

(3)

في "الأصل، ك": عمرو، وهو تحريف، والمثبت من "المعجم الكبير" ومصادر ترجمته، وانظر "تهذيب الكمال"(20/ 176).

(4)

"المعجم الأوسط"(6/ 204 رقم 6197).

(5)

"سنن ابن ماجه"(1/ 175 رقم 527).

(6)

"المعجم الكبير"(25/ 168 رقم 408).

ص: 253

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى التفريق بين حكم بول الغلام، وبول الجارية قبل أن يأكلا الطعام، فقالوا: بول الغلام طاهر، وبول الجارية نجس.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن، والأوزاعي، وابن وهب، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور؛ فإنهم فرقوا بين حكم بول الصغير، وبول الصغيرة.

وأعلم أنه أجمع المسلمون أن بول كل آدمي يأكل الطعام نجس، واختلفوا في بول الصبي والصبيَّة إذا كانا رضيعين لا يأكلان الطعام.

فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: بول الصبي والصبية كبول الرجل. وبه قال الثوري، والحسن بن حيّ.

وقال الأوزاعي: لا بأس ببول الصبي مادام يشرب اللبن ولا يأكل الطعام. وهو قول ابن وهب.

وقال الشافعي: بول الصبي ليس بنجس، ولا يبين لي فرق ما بين الصبي والصبية، ولو غُسل كان أحبَّ إلي.

وقال الطيبي: بول الصبية يغسل غسلا، وبول الصبي يتبع بماء، وهو قول الحسن البصري.

وقال النووي: الخلاف في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبي، ولا خلاف في نجاسته، وقد نقل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبي، وأنه لم يخالف فيه إلَّا داود الظاهري، وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض، عن الشافعي وغيره أنهم قالوا: بول الصبي طاهر وينضح فحكاية باطلة قطعا.

قلت: هذا إنكار من غير برهان، ولم يُنْقَل هذا عن الشافعي وحده، بل نُقِل عن مالك أيضًا، أن بول الصغير الذي لا يطعم طاهر، وكذا نُقِلَ عن الأوزاعي وداود الظاهري.

ص: 254

ثم قال النووي (1): وكيفية طهارة بول الصبي والجارية على ثلاثة مذاهب، وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا:

الصحيح المشهور المختار: أنه يكفي النضح في بول الصبي، ولا يكفي في بول الجارية بل لا بد من غسله كغيره من النجاسات.

والثاني: أنه يكفي النضح فيهما.

والثالث: لا يكفي النضح فيهما، وهما شاذان ضعيفان.

وممن قال بالفرق: علي بن أبي طالب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وابن وهب من أصحاب مالك، ورُوي عن أبي حنيفة.

وأما حقيقة النضح هنا فقد اختلف أصحابنا فيها، فذهب الشيخ أبو محمَّد الجويني والقاضي حسين والبغوي إلى أن معناه: أن الشيء الذي أصابه البول يغمر بالماء كسائر النجاسات، بحيث لو عصر لا يعصر، وذهب إمام الحرمين والمحققون إلى أن النضح: أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء [وتَردُّده](2) وتقاطره، بخلاف المكاثرة في غيره، فإنه يشترط فيها أن تكون بحيث يجري بعض الماء ويتقاطر في المحل، وإن لم يشترط عصره، وهذا هو الصحيح المختار.

ثم إن النضح إنما يجزئ ما دام الصبي يُقْتَصَر به على الرضاع، أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف.

وقال ابن حزم في "المحلى": وممن فرق بين بول الغلام وبول الجارية أم سلمة: -أم المؤمنين- وعلي بن أبي طالب ولا مخالف لهما من الصحابة، وبه يقول قتادة، والزهري وقال: مضت السُّنة بذلك، وعطاء بن أبي رباح والحسن والأوزاعي

(1) في "الأصل، ك": وترده، والمثبت من "شرح مسلم" للنووي (3/ 257).

(2)

سبق تخريجه.

ص: 255

والشافعي وأحمد إلَّا أنه قد رُوي عن الحسن: التسوية بين بول الغلام والجارية في الرش عليهما جميعا.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فسووا بين بولهما جميعا وجعلوهما نجسين.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم: إبراهيم النخعي، وسعيد بن المسيب، والحسن بن حي، والثوري، وأبا حنيفة وأصحابه، ومالكا وأكثر أصحابه، فإنهم لم يفرقوا بين بولي الصغير والصغيرة في نجاسته، وجعلوهما سواء في وجوب غسله منهما.

وقال القاضي عياض: في مذهبنا ثلاثة أقوال:

- قول بنجاسة بولهما وغسلهما، وهو المشهور عن مالك وأصحابه، وهو قول أبي حنيفة والكوفيين.

- وقول بطهارة بول الصبي وحدة ونضحه، ونجاسة بول الجارية، وهو قول الشافعي وأحمد وجماعة من السلف وأصحاب الحديث، وابن وهب من أصحابنا.

- والقول الثالث: رواه الوليد بن مسلم عن مالك، وهو قول الحسن البصري، وقد ذكرنا قوله عن قريب.

ص: وقالوا: قد يحتمل قول النبي عليه السلام: "بول الغلام ينضح" إنما أراد بالنضح صب الماء عليه؛ فقد تُسمي العرب ذلك نضحا، ومنه قول النبي عليه السلام:"إني لأعرف مدينة ينضح البحر بجانبه" فلم يعن بذلك النضح الرش، ولكنه أراد: يلزق بجانبها.

قالوا: وإنما فوق بينهما لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لضيق مخرجه، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه، فأمر في بول الغلام بالنضح، ويريد: صب الماء في موضع واحد، وأراد بغسل بول الجارية أن يتتبع بالماء؛ لأنه يقع في مواضع متفرقة، وهذا محتمل لما ذكرناه.

ص: 256

ش: أي قال هؤلاء الآخرون: وأشار به إلى الجواب عن ما قاله أهل المقالة الأولى من تعين النضح لبول الغلام؛ محتجين بحديث علي رضي الله عنه وغيره.

تحريره: أن يقال: يحتمل أن يراد من النضح صب الماء عليه؛ لأن العرب تُسمي ذلك نضحا، كما في قوله عليه السلام "إني لأعرف مدينة ينضح البحر بجانبها" فإنه عليه السلام لم يرد بذلك النضح الرش، ولكنه أراد أنه يلزق بجانبها ويضربه.

وهذا الحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا يزيد، أنا جرير، أنا الزبير بن خرِّيت، عن أبي لبيد قال:"خرج رجل من ضاحية مهاجرا -يقال له: بَيْرَح بن أسد- فقدم المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيام، فرآه عمر رضي الله عنه فعلم أنه غريب، فقال له: ممن أنت؟ فقال: من أهل عمان. قال: من أهل عمان؟ قال: نعم. قال: فأخذ بيده فأدخله على أبي بكر رضي الله عنه فقال: هذا من أهل الأرض التي سمعت رسول الله عليه السلام يقول: إني لأعلم أرضا يقال لها: عمان، ينضح بناحيتها البحر، لو أتاهم رسول (2) ما رموه بسهم ولا حجر".

قلت: رجاله رجال الصحيح.

وأخرجه أبو يعلى أيضًا في "مسنده"(3): وفيه لمازة بن زبار وهو ثقة.

ومن الدليل على أن النضح هو صب الماء والغسل من غير عرك: قول العرب: [غسلتني](4) السماء، وإنما يقولون ذلك عند إنصباب المطر عليهم.

وكذلك يقال: غسلني التراب إذا انصب عليه.

وقال أبو عمر: الظاهر من معنى النضح صب الماء دون الرش؛ لأن الرش لا يزيد النجاسة إلَّا نثرا.

(1)"مسند أحمد"(1/ 44 رقم 358).

(2)

كذا في "الأصل، ك"، وفي "مسند أحمد":"بها حيّ من العرب، لو أتاهم رسولي .. ".

(3)

"مسند أبي يعلى"(1/ 101 رقم 106).

(4)

في "الأصل، ك" غسلني.

ص: 257

وقد قال بعض من ينصر قول أهل المقالة الثانية: إن النضح قد يذكر ويراد به الغسل، وكذلك الرش يذكر ويراد به الغسل.

أما الأول: فيدل عليه ما رواه أبو داود (1) وغيره: عن المقداد بن الأسود: "أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله عليه السلام عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ قال علي: فإن عندي ابنته وأنا استحي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول عليه السلام عن ذلك فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة".

ثم الذي يدل على أنه أريد بالنضح ها هنا الغسل ما رواه مسلم (2): وغيره عن علي رضي الله عنه قال: "كنت رجلًا مذاءا، فاستحييت أن أسأل رسول الله عليه السلام لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن أسود، فسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ".

والقضية واحدة، والراوي عن رسول الله عليه السلام واحد.

ومما يدل على أن النضح يذكر ويراد به الغسل: ما رواه الترمذي (3): وغيره عن سهل بن حنيف قال: "كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر منه الاغتسال، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما يجزئك ذلك الوضوء.

قلت: يا رسول الله، فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ فقال: يكفيك أن تأخذ كفّا من ماء فتنضح به من ثوبك حيث ترى أنه أصابه" وأراد بالنضح ها هنا الغسل، فافهم.

وأما الثاني: وهو أن الرش يذكر ويراد به الغسل فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه لما حكى وضوء رسول الله عليه السلام أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، وأراد بالرش ها هنا: صب الماء قليلا قليلا، وهو الغسل بعينه.

(1)"سنن أبو داود"(1/ 53 رقم 207).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 247 رقم 303).

(3)

"جامع الترمذي"(1/ 197 رقم 115).

ص: 258

ومما يدل على أن النضح والرش يذكران ويراد بهما الغسل: قوله عليه السلام في حديث أسماء رضي الله عنها: "تحتُّه، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه" معناه تغسله، هذا في رواية الشيخين (1)، وفي رواية الترمذي (2):"حُتيَّه، ثم اقرصيه، ثم رشِّيه وصلي فيه" أراد اغسليه، قاله البغوي.

فلما ثبت أن النضح والرش يذكران ويراد بهما الغسل، وجب حمل ما جاء في هذا الباب من النضح والرش على الغسل، بمعنى إسالة الماء عليه من غير عرك؛ لأنه متى صب الماء عليه قليلا قليلا حتى تقاطر وسال، حصل الغسل؛ لأن الغسل هو الإساله، فافهم.

فإن قيل: قد صرح في رواية مسلم وغيره: "فأتبعه بوله، ولم يغسله"، فكيف تحمل النضح والرش على الغسل؟

قلت: معناه: ولم يغسله بالعرك كما يغسل سائر الثياب إذا أصابتها النجاسة، ونحن نقول به.

قوله: "قالوا: وإنما فرق بينهما .. الخ" أي قال أهل المقالة الأولى: إنما فرق في الحديث بين الصغير والصغيرة؛ "لأن بول الغلام

إلى آخره"، إنما ذكر هذا تأكيدا لما قاله، إنما أراد بالنضح صب الماء عليه؛ لأنهم قالوا في هذه التفرقة: إن المراد بالنضح في بول الغلام صب الماء في موضع واحد، ومن الغسل في بول الجارية أن يتتبع بالماء لأنه يقع في مواضع متفرقة.

وهذا بعينه يؤيد ما ذكرنا من أن المراد بالنضح صب الماء، فلذلك قال:"وهذا محتمل لما ذكرنا"، أي هذا الذي ذكروه من الصب في بول الغلام، وتتابع الماء في بول الجارية مُحْتَمَلُ لما ذكرناه، وهو بفتح الميم، فافهم.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 91 رقم 225)، ومسلم (1/ 240 رقم 291).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 254 - 255 رقم 138).

ص: 259

ثم وجه التفرقة بينهما: هو ما ذكروه من أن بول الغلام يقع في موضع واحد لضيق مخرجه وهو الإحليل، وبول الجارية يقع في مواضع لسعة مخرجه، وهو ما بين "اسكتي"(1) الفرج، فأمر في بول الغلام بالنضح، أي الصب في موضع واحد، وبالغسل في بول الجارية لتفرقه.

وقد يقال: إن بول الغلام مثل الماء، وبول الجارية ثخين أصفر يلتصق بالمحل، فقال:"ينضح بول الغلام" أي يسال عليه الماء من غير عرك؛ لسرعة زواله، كما أمر بالنضح على الثوب الذي أصابه المذي، وقال:"يغسل بول الجارية"، أي يصب الماء عليه ويعرك لبُطْء زواله، كما أمر به في غسل الثوب من دم الحيض بقوله عليه السلام:"حُتيَّه ثم اقرصيه بالماء".

وقال القاضي عياض: وجه التفرقة بين الغلام والجارية: اتباع ما وقع في الحديث، فلا يعلى به ما ورد به، وهذا أحسن من التوجيه بغير هذا المعنى مما ذكروه.

وقال أبو عمر بن عبد البر: حجة من قال بالتفرقة قوله عليه السلام: "يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام" وهذا عند جميعهم ما لم يأكل الطعام. قال: والقياس أنه لا فرق بين بول الغلام والجارية، كما أنه لا فرق بين بول الرجل والمرأة، إلَاّ أن هذه الآثار -إن صحت ولم يعارضها مثلها- وجب القول بها إلَّا أن رواية من روى الصب على بول الصبي واتباعه الماء أصح وأولى.

وأحسن شيء في هذا الباب ما قالته أم سلمة قالت: "يغسل بول الغلام، يصب عليه الماء صبّا، وبول الجارية يغسل طَعِمَت أو لم تطعم" ذكره البغوي وهو حديث مفسر للأحاديث كلها، مستعمل لما حاشا حديث المُحِل بن خليفة الذي ذكر فيه الرش، وهو حديث لا تقوم به حجة، والمُحِلُّ: ضعيف، انتهى.

(1) قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"(3/ 8): هما بكسر الهمزة وفتح الكاف، هكذا ذكره الجوهري في صحاحه، وأهل اللغة مطلقًا، قال الأزهري: هما حرفًا فرجها، قال وتفترق الإسكتان والشفران بأن الإسكتين ناحيتا الفرج، والشفرين طرفا الناحيتين.

ص: 260

قلت: في كلامه نظر من وجوه:

الأول: أن قوله: "إن الذي ذكر فيه الرش ضعيف" غير جيد؛ لأن ابن خزيمة خرجه في "صحيحه"(1) من حديث المحل، وابن حزم (2) والحاكم (3)، ورواه ابن ماجه أيضًا (4) بسند صحيح من غير حديث المحل وفيه:"فدعا بماء فرش عليه"، وكذا في رواية أحمد على ما ذكرناها عن قريب.

الثاني: تضعيفه المحل بن خليفة غير جيد؛ لأنه ممن احتج به البخاري في "صحيحه" في غير موضع، وقال فيه يحيى (وأبو زرعة)(5) والنسائي والدارقطني، ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات.

الثالث: ذكره قول أم سلمة موقوفا عليها غير جيد؛ لأن الطبراني في "الأوسط"(6): رواه من حديث عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أمه، عنها مرفوعا:"إذا كان الغلام لم يطعم الطعام صب على بوله، وإذا كانت الجارية غسل".

ورواه أيضًا (7): من حديث هشيم، عن يونس، عن الحسن، عن أمه، عنها: "أن الحسن -أو الحسين- بال على النبي عليه السلام فذهبوا ليأخذوه، فقال: لا تزرموا ابني أو (لا تعجلوه، فتركه)(8) حتى قضى بوله، فدعا بماء

" الحديث.

(1)"صحيح ابن خزيمة"(1/ 143 رقم 283).

(2)

"المحلى"(1/ 101).

(3)

"المستدرك"(1/ 271 رقم 589).

(4)

"سنن ابن ماجه"(1/ 174 رقم 524) من حديث أم قيس بنت محصن وهو عند البخاري أيضًا في "صحيحه"(5/ 2155 رقم 5368) من طريقها.

(5)

لعل الصواب: أبو حاتم، فقال في "الجرح" (8/ 413): صدوق ثقة، وانظر "تهذيب التهذيب" (10/ 54) وقال الحافظ: ولم يتابع ابن عبد البر على ذلك، أي تضعيفه.

(6)

"المعجم الأوسط"(3/ 143 رقم 2742).

(7)

"المعجم الأوسط"(6/ 204 رقم 6197).

(8)

كذا في "الأصل، ك"، وفي "المعجم الأوسط":"لا تستعجلوه، فتركوه".

ص: 261

ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده"(1) من حديث المبارك بن فضالة عن الحسن بلفظ: "يصب عليه الماء صبّا ما لم يطعم، وبول الجارية يغسل غسلا طعمت أو لم تطعم".

قلت: وبهذا يُرَدُّ ما نقله القاضي عياض أيضًا من قوله: قال بعض علمائنا: ليس قوله في الحديث: "لم يأكل الطعام" لا علة للحكم، وإنما هو وصف حال وحكاية قصة، كما قال في الحديث:"صغير"، وفي الحديث الآخر:"رضيع"، واللبن طعام وحكمه حكمه في كل حال، فأي فرق بينه وبين الطعام؟ والنبي عليه السلام لم يعلل بهذا ولا أشار إليه فنكل الحكم فيه إليه.

ويقال: احتمل قوله: "لم يأكل الطعام" أي لم يرضع بعد، وأن المسلمين كانوا يوجهون أبناءهم للنبي عليه السلام ليدعو لهم ويتفل في أفواههم؛ ليكون أول ما يدخل في أفواههم ريق النبي عليه السلام فيكون قوله عليه السلام، على هذا:"أجلسه في حجره"، مجازا لوضعه فيه ويحتمل أن يكون الصبي بلغ حد الجلوس وأحضر ليدعو له النبي عليه السلام ولكنه بعد لم يفصل عن الرضاع، ولا أكل الطعام انتهى.

فإن قيل: قد قال الكرخي عكس ما نقل الطحاوي عنهم؛ من أن بول الغلام يكون في موضع واحد وبول الجارية متفرق، وهو أن بول الصبي يقع في مواضع وبول الجارية يقع في موضع واحد، فأمر بالرش في بول الصبي والغسل في بول الجارية.

قلت: الذي نقله الطحاوي أقرب إلى الحكمة؛ لأن فم الرحم منكوس، فيخرج منه بالبول متفرقا لسعة المحل، بخلاف إحليل الذكر، فإن مسلك البول فيه مستقيم، فإذا خرج يخرج مجتمعا.

فإن قيل: قول من قال: إن بول الغلام مثل الماء وبول الجارية ثخين، ويؤيد قول الكرخي؛ لأنه وصف بول الجارية بالثخانة، ولا يكون ذلك إلَّا في موضع واحد،

(1)"مسند أبي يعلى"(12/ 355 رقم 6923).

ص: 262

ووصف بول الغلام بأنه كالماء، فإنه يتفرق في مواضع، ولأن الذكر يتحرك، فبالضرورة يتفرق ما يخرج منه، بخلاف الفرج.

ويؤيد هذا أيضًا ما رواه ابن ماجه (1): ثنا أحمد بن موسى بن معقل، نا أبو اليمان المصري، قال: سألت الشافعي، عن حديث النبي عليه السلام:"يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية" والماءان جميعا واحد، قال: لأن بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم. ثم قال لي: فهمت؟ قلت: لا. قال: إن الله لما خلق آدم خلق حواء من ضلعه القصير، فصار بول الغلام من الماء والطين، وصار بول الجارية من اللحم والدم، قال: قال لي: فهمت؟ قلت: نعم. قال: نفعك الله به.

قلت: لا يضرنا ذلك؛ لأن النظر فيما نقله الطحاوي إلى مخرجي بولهما، ولا شك أن مخرج بول الغلام ضيق، فبالضرورة الذي يخرج منه ينزل في موضع واحد، وإن كان في نفسه مائعا كالماء، ومخرج بول الجارية واسع، فبالضرورة الذي يخرج منه يتفرق وينتشر وإن كان في نفسه ثخينا.

ص: وقد روي عن بعض المتقدمين ما يدل على ذلك؛ فمن ذلك ما حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أنه قال:"الرش بالرش والصب بالصب من الأبوال كلها".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن حميد، عن الحسن أنه قال:"بول الجارية يغسل غسلا، وبول الغلام يتتبع بالماء".

أفلا ترى أن سعيدا قد سوى بين حكم الأبوال كلها من الصبيان وغيرهم، فجعل ما كان منه رشا يطهر بالرش، وما كان منه صبّا يطهر بالصب، ليس لأن بعضها عنده طاهر وبعضها غير طاهر، ولكنها كلها عنده نجسه، وفرق بين التطهير من نجاستها عنده بضيق مخرجها وسعته.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 174 رقم 525) وفيه: "قال أبو الحسن بن سلمة، حدثنا أحمد بن موسى بن معقل .. ".

ص: 263

ش: أي قد روي عن بعض المتقدمين من التابعين ما يدل على أن الأبوال كلها سواء في النجاسة، وأنه لا فرق بين بول الذكر والأنثى، فمن ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب.

أخرجه بإسناد صحيح: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن قتادة عنه.

ومنه ما رُوي عن الحسن البصري، أخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن ابن خزيمة، عن الحجاج، عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل.

وذلك أن سعيد بن المسيب قد سوى بين حكم الأبوال كلها، سواء كانت من الصغار أو من الكبار، من الذكور والإناث؛ فَحَكَم بأن الذي يرش منه يطهر بالرش، والذي يصب منه يطهر بالصب، وهو معنى قوله:"الرش بالرش" أي الرش من البول يطهر بالرش من الماء، والصب منه يطهر بالصب من الماء، وقوله:"من الأبوال كلها" بيان لهذا.

ثم إنه لم يقل هكذا لكون بعض الأبوال عنده طاهرا وبعضها نجسا، بل الكل عنده نجسة، ولكن الفرق بين التطهير من نجاستها عنده لأجل ضيق مخرج الأبوال وسعته، فإن مخرج بول الصبي ضيق كما قلنا فيرش البول، ومخرج بول الجارية واسع فيصب البول صبّا، فيقابل الرش بالرش، والصب بالصب.

ومن ذلك قال الحسن البصري أيضًا: بول الجارية يغسل غسلا؛ لأنه ينصب فيحتاج إلى صب الماء عليه، وبول الغلام يتتبع بالماء؛ لأنه يرتش، ولا فرق عنده أيضًا في الأبوال، فقال أبو داود: قال هارون بن تميم الراسبي، عن الحسن قال:"الأبوال كلها سواء".

ص: ثم أردنا بعد ذلك أن ننظر في الآثار المأثورة عن رسول الله عليه السلام: هل فيها ما يدل على شيء مما ذكرنا؟ فنظرنا في ذلك، فإذا محمَّد بن عمرو بن يونس قد حدثنا قال: أنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان

ص: 264

رسول الله عليه السلام يؤتى بالصييان فيدعو لهم، فأتي بصبي مرة فبال عليه، فقال: صُبُّوا عليه ماء صبّا".

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا محمَّد بن خازم

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: نا أسد، قال: نا عبدة بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام أتُي بصبي فبال عليه، فأتبعه الماء ولم يغسله".

حدثنا يونس، قال: نا ابن وهب، أن مالكا حدثه عن هشام

فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يقل: "ولم يغسله".

واتباع الماء حكمه حكم الغسل؛ ألا ترى أن رجلًا لو أصاب ثوبه عذرة فاتبعها الماء حتى ذهب بها أن ثوبه قد طهر.

وقد روى هذا الحديث زائدة، عن هشام بن عروة، قال فيه:"فدعا بماء فنضحه عليه".

وقال مالك وأبو معاوية وعَبْدَة، عن هشام بن عروة:"فدعا بماء فصبه عليه" فدل ذلك أن النضح عندهم هو الصب.

ش: "هل فيها" أي في الآثار المذكورة "ما يدل على شيء مما ذكرنا"، من أن النضح في هذه الآثار بمعنى الصب، فوجدنا ذلك في الحديث الذي رواه عروة عن عائشة، حيث صرح فيه بقوله:"صبوا عليه ماء صبا".

وقد مضى في روايتها الأخرى: "فدعا بماء فنضحه عليه" فعلم أن الراد من النضح هو الصب؛ لأن هذا الحديث قد روي بألفاظ مختلفة كما قد ذكرت، ولكن كلها ترجع إلى معنى واحد وهو الصب؛ لأن بعضها يفسر بعضا، ولأن ما قلنا أقرب إلى المعقول وللمنقول.

وكذلك معنى اتباع الماء في روايتها الأخرى هو معنى الغسل، والدليل عليه: أن رجلًا إذا أصاب ثوبه شيء من النجاسة ثم أتبعه الماء حتى أذهبه، فإن ثوبه قد تطهر بلا خلاف. فعُلم أن معنى هذا أيضًا يرجع إلى الغسل والصب.

ص: 265

قوله: "وقد روى هذا الحديث" أي حديث عائشة الذي رواه عروة عنها: زائدة ابن قدامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة وقال فيه "فدعا بماء فنضحه عليه".

وقد مر هذا فيما مضى في هذا الباب، رواه الطحاوي عن ابن خزيمة، عن عبد الله ابن رجاء، عن زائدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

وقال مالك في روايته: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:"فصبه عليه".

وكذا روى أبو معاوية محمَّد بن خازم الضرير في روايته عن هشام، عن أبيه، عن عنها.

وكذا روى عَبْدَة بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عنها.

فهذه ألفاظ مختلفة والمعنى واحد.

ومن هذا قال أبو عمر في "التمهيد": هذه الآثار المرفوعة في هذا الباب غير متدافعة ولا متضادة.

يشير به إلى أن حاصل الجميع يرجع إلي معنى واحد وهو الصب.

ويؤيد ذلك أيضًا ما روي عن بعض الصحابة ومن بعدهم، فقد روي عن أم سلمة قالت:"بول الغلام يصب عليه الماء صبّا، وبول الجارية يغسل، طعمت أو لم تطعم"(1) ذكره البغوي والقرطبي في "مختصر التمهيد".

وذكره الطبراني في "الأوسط" مرفوعا (1)، وقد ذكرناه عن قريب.

وروى أبو داود في "سننه"(2): ثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث، عن يونس، عن الحسن، عن أمه:"أنها أبصرت أم سلمة تصب على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية".

(1) سبق تخريجه.

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 103 رقم 379).

ص: 266

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا وكيع، عن معن، عن منصور، عن إبراهيم قال:"إن كان طَعِمَ غُسِل، وإن لم يكن طَعِمَ صُبَّ عليه الماء".

ثنا وكيع، عن واقد، عن عطاء قال:"قال له رجل: يحمل أحدنا الصبي فيصيبه من أذاه، قال: إن كان طَعِمَ غُسل، وإن لم يكن طَعِمَ صُبَّ عليه الماء".

ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال:"يُصَّبُّ الماء على بول الصبي".

ثنا محمَّد بن بكر، عن ابن جريج قال:"قلت لعطاء: الصبي ما لم يأكل الطعام تغسل ثوبك من بوله وسَلْحِه (2) أيضًا؟ قال: اَرشش عليه الماء، أو أصبب عليه قال: قلت: فالصبي يلعق قبل أن يأكل الطعام من السمن والعسل وذاك طعام؟ قال: اَرْشُش عليه أو أَصبب عليه".

ثم إنه أخرج حديث عائشة رضي الله عنها هذا من أربع طرق صحاح:

الأول: عن محمد بن عمرو بن يونس التغلبي المعروف بالسُّوسي، عن أبي معاوية محمَّد بن خازم -بالمعجمتين- الضرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، عن عائشة قالت:"أتي رسول الله عليه السلام بصبي يرضع، فبال في حجره، فدعا بماء فصبه عليه".

الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن محمَّد بن خازم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

الثالث: عن ربيع، عن أسد، عن عبدة بن سليمان الكلابي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

وأخرجه العدني في "مسنده"(3): ثنا محمَّد، ثنا ابن عيينة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:"كان رسول الله عليه السلام يؤتى بالصبيان يدعو لهم، فأتي بصبي فبال عليه، فأتبع النبي عليه السلام الماء بوله".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 114 رقم 1296 - 1299).

(2)

السَّلْحُ: الغائط. انظر: "اللسان" و"المصباح" سلح.

(3)

وأخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 237 رقم 286) من طريق ابن نمير عن هشام به.

ص: 267

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمرو، ثنا يحيى بن سعيد، نا هشام بن عروة، حدثني أبي، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام أتي بصبي فبال في حجره، فأتبع النبي عليه السلام الماء بوله".

وأخرجه أحمد (1): أيضًا عن يحيى عن هشام إلى آخره.

قوله: "ولم يغسله" أراد أنه لم يغسله بالعرك والعصر، كما في سائر النجاسات، والغرض هو الإزالة، فقد حصلت به.

الرابع: عن يونس بن عبد الأعل، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن هشام، عن عروة، عن عائشة.

وأخرجه في "موطئه"(2)، وكذا أخرجه النسائي (3)، وليس فيه "ولم يغسله".

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا ابن شهاب، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي ليلى قال:"كنت عند رسول الله عليه السلام فجيء بالحسن رضي الله عنه فبال عليه، فأراد القوم أن يُعْجِلُوه، فقال: ابني ابني. فلما فرغ من بوله صب عليه الماء".

حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن سعيد قال: أنا وكيع، عن ابن أي ليلى

فذكر مثله بإسناده.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا يحيى بن صالح، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن عبد الله بن عيسى، عن جده عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال:"كنت جالسا عند رسول الله عليه السلام وعلى بطنه أو على صدره حسن أو حسين، فبال عليه حتى رأيت بوله أساريع، فقمنا إليهن، فقال: دعوه. فدعا بماء فصبه عليه".

(1)"مسندأحمد"(6/ 52 رقم 24301).

(2)

"الموطأ"(1/ 63 رقم 111).

(3)

"المجتبى"(1/ 157 رقم 303).

ص: 268

ش: حديث أبي ليلى هذا أيضًا قد دل على أن المراد من النضح الصب؛ لأنه صرح فيه بالصب كما صرح في غيره بالنضح، فمعناهما واحد لأن الحكم واحد، والقضية واحدة.

وأخرجه من ثلاثة طرق:

الأول: عن فهد بن سليمان.

عن أحمد بن عبد الله بن يونس، شيخ البخاري ومسلم، وينسب إلي جده غالبا.

عن محمد بن مسلم بن أبي ليلى الفقيه الكوفي قاضيها، فيه مقال، وروى له الأربعة.

عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أخو محمَّد المذكور، وثقه ابن معين، وروى له الترمذي وأبو داود وابن ماجه.

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، والد عيسى المذكور.

عن أبي ليلى، واسمه يسار ويقال: بلال، ويقال: داود بن بلال بن بُلَيْل بن أحيحة الأنصاري من الأوس قتل بصفين مع علي رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده أبي ليلى قال:"كنا جلوسا عند النبي عليه السلام فجاء الحسين بن علي رضي الله عنهما يحبو حتى جلس على صدره فبال عليه، قال فابتدرناه لنأخذه، فقال: ابني ابني، ثم دعا بماء فصبه عليه".

قوله: "ابني ابني" كرر للتأكيد في محل النصب؛ معناه: دعوا ابني، دعوا ابني، ولا تتعرضوا له. وإنما قال ذلك لغاية شفقته وحبه له، ولأن فيه قطع بوله وذلك مما يضره، كما قد نهى [عنه] (2) أم الفضل في حديث آخر بقوله: "لا تزرمي ابني

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 113 رقم 1290).

(2)

في "الأصل، ك": عن، والمثبت هو الذي يقتضيه السياق.

ص: 269

لا تُزْرِمي ابني" (1) أي لا تقطعي عليه البول، وكما قد نهى عن قطع بول الأعرابي لما بال في مسجده.

الثاني: عن فهد، عن محمد بن سعيد الأصبهاني، عن وكيع، عن محمد بن أبي ليلى، عن عيسى بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي ليلى.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا وكيع، ثنا ابن أبي ليلى

إلى آخره نحو رواية ابن أبي شيبة [المذكورة](3) آنفا.

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي.

عن يحيى بن صالح الوحاظي روى له الجماعة.

عن زهير بن معاوية بن حُدَيْج الكوفي، روى له الجماعة.

عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، روى له الجماعة.

عن جده عبد الرحمن بن أبي ليلى، روى له الجماعة.

عن أبي ليلى.

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه أحمد "مسنده"(4): ثنا حسن بن موسول، نا زهير، عن عبد الله بن عيسى

إلى آخره نحوه، غير أن روايته:"دعوا ابني، لا تُفْزِعُوه حتى يقضي بوله، ثم أتبعه الماء، ثم قام فدخل بيت تمر الصدقة ودخل معه الغلام، فأخذ تمرة فجعلها في فيه، فاستخرجها النبي عليه السلام وقال: إن الصدقة لا تحل لنا".

(1) أخرجه الحاكم في "مستدركه "(3/ 197 رقم 4829)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 114 رقم 1291).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 347 رقم 19079).

(3)

في "الأصل، ك": المذكور.

(4)

"مسند أحمد"(4/ 348 رقم 19082).

ص: 270

قوله "أساريع" أي طرائق، واحدها أُسروع ويسروع (1) قاله في "النهاية"، وقال الجوهري: الأسروع واحد أساريع القوس، وهي خطوط فيها وطرائق.

قلت: المعنى رأيت بوله ذا طرائق وخطوط.

وانتصابه على الحال؛ لأن "رأيت" بمعنى أبصرت فلا تقتضي إلَّا مفعولا واحدا، ولكنه بتأويل مخططا كما تقول رأيت زيدا أسدا، أي: شجاعا، وبعت البُرَّ قفيزا بدرهم، أي: مسعرا وبعته يدا بيدٍ، أي متناجزين. ومنه قوله تعالى:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} (2) و {نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} (3) ونظائره كثيرة.

ص: حدثنا فهد قال: ثنا أبو غسان: قال: ثنا شريك، عن سماك، عن قابوس، عن أم الفضل قالت: "لما ولد الحسين رضي الله عنه قلت: يا رسول الله، أعطنيه -أو ادفعه إليَّ- فلأكفله، أو أرضعه بلبني، ففعل، فأتيته به، فوضعه على صدره، فبال عليه فأصاب إزاره، فقلت له: يا رسول الله، أعطني إزارك أغسله. قال: إنما يصب على بول الغلام ويغسل بول الجاريه.

قال أبو جعفر رحمه الله: فهذه أم الفضل في حديثها هذا: "إنما يصب بول الغلام" وفي حديثها الذي ذكرناه في الفصل الأول: "إنما يُنْضح من بول الغلام، فلما ذكرنا كذلك ثبت أن النضح الذي "أراد به" (4) في الحديث الأول، هو الصب المذكور ها هنا؟ حتى لا يتضاد الأثران.

وهذا أبو ليلى رضي الله عنه فلم يختلف عنه أنه رأى النبي عليه السلام صب على البول الماء.

(1) يَسروع: كذا ضبطها في الأصل، ك بفتح الياء، والذي في "النهاية"(2/ 361) بضمها بضبط القلم، وفتح الياء هو الأصل، إلا أنهم ضموها هنا اتباعًا لضمة الراء، وانظر "اللسان"، و"القاموس"(سرع).

(2)

سورة النساء، آية:[88].

(3)

سورة الأعراف، آية:[73]، وسورة هود، آية:[64].

(4)

كذا في "الأصل، ك"، و"شرح معاني الآثار"(1/ 94).

ص: 271

فثبت بهذه الآثار أن حكم بول الغلام هو الغسل؛ إلا أن ذلك الغسل يجزئ منه الصب، وأن حكم بول الجارية هو الغسل أيضًا، وفرق في اللفظ بينهما وإن كانا مستويين في المعنى التي ذكرنا: من ضيق المخرج وسعته، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.

وأما وجهه من طريق النظر: فإنا رأينا الغلام والجارية حكم أبوالهما سواء بعدما يأكلان الطعام، فالنظر في ذلك أن يكونا أيضا سواء قبل أن يأكلا الطعام، فإذا كان بول الجارية نجسا، فبول الغلام أيضا نجس وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

ش: أشار بهذا إلى تأكيد ما ادعى من أن النضح في هذا الباب بمعنى الصب والبرهان عليه: أن أم الفضل لبابة بنت الحارث قد روي عنها حديثان: أحدهما فيه النضح وهو الذي مر في أول هذا الباب، والثاني فيه الصب، فحمل النضح على الصب الذي في هذا الحديث؛ دفعا لتضاد الأثرين كما هو الأصل في باب التعارض، وعملا بالحديثين.

وإسناد هذا حسن جيد.

وأبو غسان اسمه مالك بن إسماعيل النهدي، شيخ البخاري.

وشريك هو ابن عبد الله النخعي، روى له مسلم في المتابعات واحتج به الأربعة.

وسماك -بكسر السين- هو ابن حرب، روى له الجماعة إلَّا البخاري، وقابوس ابن المخارق الكوفي، وثقه ابن حبان.

وأم الفضل هي لبابة بنت الحارث، أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي عليه السلام.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عفان، نا وهيب، ثنا أيوب، عن صالح أبي الحليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أم الفضل قالت: "أتيت النبي عليه السلام فقلت: إني رأيت في منامي أن في بيتي -أو في حجرتي- عضوا من

(1)"مسند أحمد"(6/ 339 رقم 26921).

ص: 272

أعضائك. قال: تلد فاطمة -إن شاء الله- غلاما فتكفلينه، فولدت فاطمة رضي الله عنها حسينا، فدفعه إليها، فأرضعتُهُ بلبن قثم، وأتيت به النبي عليه السلام يوما أزوره، فأخذه النبي عليه السلام فوضعه على صدره فبال، فأصاب إزاره [فزخخت](1) بيدي بين كتفيه، فقال: أوجعت ابني أصلحك الله- أو قال: -رحمك الله- فقلت: أعطني إزارك أغسله. قال: إنما يغسل بول الجارية، ويصب على بول الغلام".

وأخرجه الطبراني (2): أيضا نحوه، وفي آخره:"دعي ابني، فإن ابني ليس بنجس، ثم دعا بماء فصبه عليه".

قلت: ميلاد الحسن بن علي رضي الله عنهما في السنة الثالثة من الهجرة في رمضان.

قوله: "وهذا أبو ليلى

إلى آخره" كأنه جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: ما وجه ترجيح معنى الصب على معنى النضح، فلم لا يجعل الأمر بالعكس؟ فأجاب عنه بأن أبا ليلى رضي الله عنه لم يُختلف عنه فمرة روى بالصب، ومرة بالنضح، فعلم من ذلك أن الصب هو الأصل وأن ما ورد في لفظ النضح وغيره ففي الحقيقة يرجع إلى معنى الصب.

قوله: "وفرق في اللفظ بينهما" أي بين الغلام والجارية. وهذا أيضًا كأنه جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: إذا كان حكم بول الغلام الغسل كبول الجارية، فما الفائدة في أنه عليه السلام فرق بينهما حيث قال في الغلام بالنضح أو الرش أو الصب أو الاتباع بالماء، وقال في حق بول الجارية بالغسل؟

فأجاب عنه بقوله: وقد فرق رسول الله عليه السلام بينهما وإن كانا مستويين في المعنى للعلة التي ذكرنا فيما مضى، أن مخرج بول الغلام ضيق فيخرج بوله مستقيما ويقع مجتمعا، وأن مخرج بول الجارية واسع فيخرج بولها مترششا، فيقع متفرقا، كما قد قررناه فيما مضى، والباقي ظاهر، والله أعلم.

(1) في "الأصل، ك": "فدححت"، وهو تحريف، والمثبت من "مسند أحمد"، والزَّخ: هو الدفع. انظر "النهاية"(2/ 298).

(2)

"المعجم الكبير"(25/ 27 رقم 42).

ص: 273