المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الجنب يريد النوم أو الأكل أو الشرب أو الجماع - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: الجنب يريد النوم أو الأكل أو الشرب أو الجماع

‌ص: باب: الجنب يريد النوم أو الأكل أو الشرب أو الجماع

ش: أي هذا باب في بيان الجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب كيف يكون حكمه.

قوله: "يريد النوم": جملة وقعت حالًا لأن الجملة بعد المعرفة حال، وبعد النكرة صفة على ما عُرف في موضعه، ووجه المناسبة بين الناس غير خفي.

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: أنا أبو عامر، قال: نا سفيان ح.

وحدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو عاصم، قال: نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي عليه السلام "أنه كان ينام وهو جنب لا يَمسّ الماء".

حدثنا ابن أبي داود، قال: أنا مسدد، قال: نا أبو الأحوص، قال: نا أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله عليه السلام إذا رجع من المسجد صلى ما شاء الله، ثم مال إلى فراشه، وإلى أهله فإن كانت له حاجة قضاها، ثم نام كهيئته، ولا يمسُّ طيبًا".

حدثنا مالك بن عبد الله بن سيف، قال: أنا عليُّ بن مَعْبد، قال: نا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت:"كان النبي عليه السلام يجنب ثم ينام، ولا يمس ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: نا الحجاج بن إبراهيم، قال: نا أبو بكر بن عياش فذكر مثله بإسناده.

حدثنا صالح، قال: نا سعيد بن منصور، قال: أنا هُشَيم، قال: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق فذكر مثله بإسناده.

حدثنا صالح، قال: أنا علي بن مَعْبد، قال: نا عبيد الله بن عَمرو، عن الأعمش، عن أبي إسحاق فذكر مثله بإسناده.

ص: 531

ش: هذه سبعة طرق رجالهم كلهم ثقات، ولكن في الحديث مقال كثير نذكره عن قريب إن شاء الله.

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العَقدي، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عمرو السَّبيعي، عن الأسود بن يزيد النخعي، عن عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه ابن ماجه (1): [ثنا على بن محمَّد]، (2)، نا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة:"أن رسول الله عليه السلام كان يجنُب ثم ينام كهيئته لا يمسّ ماءً".

الثانى: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن أبي إسحاق

إلى آخره.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(3): عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت:"كان رسول الله عليه السلام ينام جنبًا، ولا يمس ماءً".

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود، عن مُسدّد بن مسرهد، عن أبي الأحوص سلام بن سُليم الحنفي، عن أبي إسحاق عمرو، عن الأسود، عن عائشة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت:"إن رسول الله عليه السلام إن كانت له إلى أهله حاجة قضاها ثم ينام كهيئته لا يمس ماء".

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 192 رقم 583).

(2)

سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن ابن ماجه".

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 280 رقم 1082).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 64 رقم 682) بنحوه.

ص: 532

وأخرجه ابن ماجه (1)، عن أبي بكر بن أبي شيبة.

قوله: "إن كانت له حاجة" أرادت بها الجماع.

قوله: "كهيئته" أي على حالته وهو جنب.

قوله: "ولا يمس طيبًا" أرادت به الماء كما قد وقع في رواية ابن أبي شيبة، وذلك أن الماء يطلق عليه الطيب، كما ورد في الحديث "فإن الماء طيب"(2) لأنه يطيب، ويطهر، وأيّ طيب أقوى فعلًا في التطهير من الماء؟.

الرابع: عن مالك بن عبد الله بن سيف، عن عبد الله بن شهاب التجيبي، عن علي بن معبد بن شداد العبدي.

عن أبي بكر بن عياش -بالياء آخر الحروف، والشين المعجمة- بن سالم الأسدي الكوفي الحفاط -بالنون- المقرئ، قيل: إسمه محمَّد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم، وقيل: شعبة، وقيل: رُؤْبَة، وقيل: مسلم، وقيل: خداش، وقيل: حماد، وقيل: حَبيب، والصحيح أن اسمه كنيته.

عن الأعمش وهو سليمان، عن أبي إسحاق عمرو، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة.

وأخرجه ابن ماجه (3): ثنا محمد بن الصباح، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت:"كان رسول الله عليه السلام يجنب ثم ينام، ولا يمسّ ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل".

الخامس: عن صالح بن عبد الرحمن الحضرمي، عن الحجاج بن إبراهيم الأزرق، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 192 رقم 582).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 192 رقم 581).

ص: 533

وأخرجه الترمذى (1): ثنا هناد، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت:"كان النبي عليه السلام ينام وهو جنب، ولا يمس ماء".

السادس: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور المروزيّ، عن هشيم بن بشير، عن إسماعيل بن أبي خالد أبي عبد الله البجلي الكوفي، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة.

السابع: عن صالح بن عبد الرحمن، عن علي بن معبد، عن عبيد الله بن عمرو الأسدي الرَّقي، عن سليمان الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة.

وأخرجه أحمد (2) أيضًا: من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله عليه السلام يجنب، ثم ينام، ولا يمسّ ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل".

ص: فذهب قوم إلى هذا، وممن ذهب إليه أبو يوسف:، فقالوا: لا نرى بأسًا أن ينامَ الجنب من غير أن يتوضأ؛ لأن التوضأ لا يخرجه من حال الجنابة إلى حال الطهارة.

شَ: أي إلى هذا الحديث المذكور، وهو حديث عائشة، وأراد بالقوم هؤلاء: الثوري، والحسن بن حيّ، وابن المسيب، وأبا يوسف من أصحاب أبي حنيفة.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: ينبغي له أن يتوضأ للصلاة قبل أن ينام.

شَ: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون في هذا الحكم، وأراد بهم: الأوزاعي، والليث، وأبا حنيفة، ومحمدًا، والشافعي، ومالكًا، وأحمد، وإسحاق، وابن المبارك، وآخرين.

(1)"جامع الترمذي"(1/ 202 رقم 118).

(2)

"مسند أحمد"(6/ 43 رقم 24207).

ص: 534

ولكنهم اختلفوا في صفة هذا الوضوء وحكمه، فقال أحمد: يستحب للجنب إذا أراد أن ينام أو يطأ ثانيًا أو يأكل أن يغسل فرجه ويتوضأ، روي ذلك عن علي، وعبد الله بن عمر.

وقال سعيد بن المسيب: إذا أراد أن يأكل يغسل كفيه، ويتمضمض، وحكي نحوه عن أحمد، وإسحاق، وابن الحنفية، وقال مجاهد: يغسل كفيه، وقال مالك: يغسل يديه إن كان أصابهما أذى.

وقال أبو عمر في "التمهيد": وقد اختلف العلماء في إيجاب الوضوء عن النوم على الجنب فذهب أكثر الفقهاء إلى أن ذلك على الندب والاستحسان لا على الوجوب، وذهبت طائفة إلى أن الوضوء المأمور به الجنب هو غسل الأذى منه، وغسل ذكره، ويديه، وهو التنظيف، وذلك عند العرب يسمى وضوءًا، قالوا: وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يتوضأ عند النوم الوضوء الكامل للصلاة، وهو روى الحديث، وعلم مخرجه.

وقال مالك: لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة، قال: وله أن يعاود أهله، ويأكل قبل أن يتوضأ، إلا أن يكون في يديه قذر فيغسلهما، قال: والحائض تنام قبل أن تتوضأ، وقال الشافعي في هذا كله: نحو قول مالك. وقال أبو حنيفة، والثوري: لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء، وأحب إلينا أن يتوضأ، قالوا: فإذا أراد أن يأكل مضمض، وغسل يَديْه، وهو قول الحسن بن حيّ، وقال الأوزاعي: الحائض والجنب إذا أرادا أن يطعما غسلا أيديهما، وقال الليث بن سعد: لا ينام الجنب حتى يتوضأ رجلًا كان أو امرأة. انتهى.

وقال القاضي عياض: ظاهر مذهب مالك أنه ليس بواجب، وإنما هو مُرغّب فيه، وابن حبيب يرى وجوبَه، وهو مذهب داود.

وقال ابن حزم في "المحلى": ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم، ولرّد السلام، ولذكر الله تعالى وليس ذلك بواجب.

ص: 535

قلت: قد خالف ابن حزم داود في هذا الحكم.

وفي "البدائع": ولا بأس للجنب أن ينام، ويعاود أهله قبل أن يتوضأ، وإن أراد أن يأكل أو يشرب يتمضمض ويغسل يديه، ثم يأكل ويشرب؛ لأن الجنابة حلّت الفم فلو شربَ قبل أن يتمضمض صار الماء مستعملًا فيصير شاربًا الماء المستعمل، ويده لا تخلو عن نجاسة فينبغي أن يغسلها ثم يأكل.

قلت: فيه نظر من وجوه لا تخفى:

الأول: أن هذا ليس مذهب أبي حنيفة، وإنما هو مذهب أبي يوسف على ما صّرح به الطحاوي، وكل من ذكر أبا حنيفة ومحمدًا مع من لا يرى بأسًا للجنب إذا أراد النوم، فقد ذكر عن غير علم بمذهب أبي حنيفة، وإنما مذهبه أنه يرى باستحباب الوضوء للجنب إذا أراد النوم للأحاديث الصحيحة الواردة فيه، ألا ترى كيف صرح الطحاوي بذكر أبي يوسف مع الطائفة الأولى وسكت عن ذكر أبي حنيفة ومحمد، وهو أعلم الناس باختلاف العلماء من غير منازعة فيه:

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

والثاني: لا نسلم صيرورة الماء مستعملا للشرب، لعدم النية، وإزالة الحدث بالكلية.

والثالث: يفهم من كلامه أن شرب الماء المستعمل ممنوع، وليس كذلك؛ لأنه ماء طاهر بالإجماع، بل طهور أيضًا عند البعض حتى قالوا: إنه يجوز الطبخ والعَجْنُ بالماء المستعمل، فإذا كان هذا جائزًا فالشرب كذلك.

ص: وقالوا: هذا الحديث غلط؛ لأنه حديث مختصر، اختصره أبو إسحاق من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه، وذلك أن فهدًا حدثنا، قال: أنا أبو غسّان، قال: أنا زهيرٌ، قال: نا أبو إسحاق، قال: أتيتُ الأسود بن يزيد، وكان لي أخًا وصديقًا، فقلت له: يا أبا عُمر، حدثني ما حدّثتك عائشةُ أم المؤمنين عن صلاة النبي عليه السلام، فقال: قالت: "كان النبي عليه السلام ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له

ص: 536

حاجة قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يَمسّ ماءً، فإذا كان عند النداء الأول وثبَ -وما قالت: قامَ- فأفاض عليه الماء -وما قالت: اغتسل وأنا أُعلَمُ ما تُريد- وإن نام جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة".

فهذا الأسود بن يزيد قد بان في حديثه لمَّا ذُكِرَ -بطوله- أنه كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وأما قولُها:"فإن كانت له حاجة قضاها، ثم نام قبل أن يمس ماء" فيحتمل أن يكون ذلك على الماء الذي يغتسل به لا على الوضوء.

ش: أي قال الجماعة الآخرون -في جواب الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى-: هذا الحديث غلط؛ لأن أبا إسحاق عمرو بن عبد الله اختصر هذا الحديث من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه، وقال الترمذي، وأبو علي الطوسي: روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة:"أنه كان يتوضأ قبل أن ينام"، وهذا أصح أن حديث أبي إسحاق، قال: وكانوا يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق.

وبين الطحاوي ذلك بقوله: "وذلك أن فهدًا

" إلى آخره، فإن هذا الحديث لما ذكر بطُوله من غير اختصار ظهر أنه كان إذا أراد أن ينام وهو جنب يتوضأ وضوء الصلاة، فيكون معنى قولها في الحديث المختصر: "ثم نام قبل أن يمسّ ماء" أي الماء الذي يغتسل به لا الماء الذي يتوضأ به.

واعلم أن الأئمة اختلفوا في حديث أبي إسحاق عن الأسود، فصححه قوم، وضعفه آخرون، فقال أبو داود: حدثنا الحسين الواسطي: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني حديث أبي إسحاق، وفي رواية ابن العبد عنه: ليس بالصحيح، وفي موضع آخر: وهم أبو إسحاق في هذا الحديث.

وفي كتاب "العلل"(1) لأبي حاتم: قال شعبة: سمعت حديث أبي إسحاق أن النبي عليه السلام كان ينام جنبًا، ولكني أتقيه.

(1)"علل ابن أبي حاتم"(1/ 49 رقم 115).

ص: 537

وقال مُهنّى: سألت أبا عبد الله عنه، فقال: ليس صحيحًا. قلت: ثم قال لأن شعبة روى عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة". قلت: من قِبَل مَنْ جاء هذا الاختلاف؟ قال: من قِبل أبي إسحاق، قال مُهنّى: وسمعت يزيد بن هارون يقول: [جَرْمَزَ](1) أبو إسحاق في هذا الحديث.

قال: وسألت أحمد بن صالح عن هذا الحديث فقال: لا يحل أن يروى.

قال أبو عبد الله: الحكم يرويه مثل قصة أبي إسحاق ليس عن الأسود "الجنب يأكل".

وفي كتاب الأثرم: لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكان يكفي وإبراهيم كان أثبت وأعلم بالأسود، ثم وافق إبراهيم عبد الرحمن، ووافقهما أبو سلمة، وعروة عن عائشة، ثم وافق ما صح من ذلك عن عائشة رواية عمر، وما روي عن أبي سعيد، وعمار فتبين أن حديث أبي إسحاق إنما هو وهم، قيل: رَوى هشيم، عن عبد الله، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي عليه السلام، مثل ما رواه أبو إسحاق عن الأسود، قال: ورواية عطاء عن عائشة مما لا يحتج به إلا أن يقول: سمعت، ولو قال في هذا: سمعت كانت تلك الأحاديث أقوول، ولقائل أن يقول: قد صرّح جماعة من العلماء بسماعه من عائشة، وخرّج له الشيخان في صحيحها أحاديث صرح في بعضها بسماعه منها، ولم يَرمه أحد بالتدليس فيما علمنا حتى يتوقف في روايته إذا لم يبيّن سماعه، فلا يقدح هذا في حديثه، ويكون سنده على هذا صحيحًا، لاسيّما مع ما يذكر له من الشواهد.

وفي "المغني" لابن قدامة: قال أحمد: خالف أبو إسحاق الناسَ فلم يقل أحد: عن الأسود مثل ما قال، فلو أحاله على غير الأسود.

(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي لسان العرب (جرمز): جرمز الرجل: نكص، وقيل: أخطأ.

ص: 538

وقال مسلم في كتاب: "التمييز"(1): ذكر الأحاديث التي نقلت على الغلط في متونها، ثنا أحمد بن يونس، نا زهير، نا أبو إسحاق

فذكره، قال: فهذه الرواية عن أبي إسحاق [خَاطئة](2)، وقد جاء النخعي وعبد الرحمن بخلاف ذلك.

فيه نظر، من حيث أنه روى في "صحيحه" عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس، قالا: ثنا زهير فذكر حديث أبي إسحاق دون قوله: "قبل أن يَمسّ ماء"، وقال ابن ماجه عقب روايته هذا الحديث: قال سفيان: ذكرت الحديث -يعني هذا- يومًا فقال لي إسماعيل: شُدَّ هذا الحديث يا فتى بشيءٍ.

وأما المصححون فقد قال الدارقطني: يشبه أن يكون الخبران صحيحين؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: ربما قدّم الغسل، وربما آخره كما حكى ذلك غُضَيف، وعبد الله بن أبي قيس، وغيرهما عن عائشة، وأن الأسود حفظ ذلك عنها فحفظ أبو إسحاق عنه تأخير الوضوء والغسل، وحفظ إبراهيم وعبد الرحمن تقديم الوضوء على الغسل.

وقال البيهقي: طعن الحفاظ في هذه اللفظة، يعني:"قبل أن يَمسّ ماء" وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس، فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك برواية النخعي وعبد الرحمن بن الأسود بخلاف رواية أبي إسحاق، قال أبو بكر: وحديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية وذلك أنه بيّن فيه سماعه من الأسود في رواية زهير عنه، والمدلّس إذا بيّن سماعه ممن روى عنه، وكان ثقة فلا وجه لردّه، ووجهُ الجمع بين الروايتين على وجه يحتمل، وقد جمع بينهما أبو العباس بن سريج فأحسن الجمع، وسئل عنه، وعن حديث عمر:"ينامُ أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ"، فقال: الحكم لهما جميعًا؛ أما حديث عائشة فإنما أرادت أنه كان لا يمسّ ماءً للغسل، وأما حديث عمر: "أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا

(1)"التمييز"(1/ 181 رقم 40).

(2)

في "الأصل، ك": خاصة، وهو تحريف، والمثبت من كتاب "التمييز".

ص: 539

توضأ أحدكم فليرقد" مفسّر ذكر فيه الوضوء، وبه نأخذ. انتهى.

ولو حمل على الاستحباب، والفعل على الجواز لكان حسنًا إذ الفعل لا يدل على الوجوب بمجرده، ويمكن أن يكون الأمران جميعًا وقعا، فالفعل لبيان الاستحباب، والترك لبيان الجواز، وقد أشار إلى هذا ابن قتيبة في كتاب "مختلف الحديث"، ولما ذكره ابن حزم مصححًا له من حديث سفيان عن أبي إسحاق قال: هذا لفظ يدل على مداومته عليه السلام لذلك، وهي أحدث الناس عهدًا بمبيته ونومه، جنبًا وطاهرًا.

فإن قيل: إن هذا الحديث أخطأ فيه سفيان؛ لأن زهيرا خالفه.

قلنا: بل أخطأ بلا شك من خَطَّأَ سفيان بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك. انتهى كلامه.

وفيه نظر من حيث أن زهيرًا رواه كما رواه سفيان عن أبي إسحاق فيما ذكره مسلم في "التمييز"، ومن حيث أن سفيان لم يتفرد بل قد تابعه غير واحد، منهم شعبة بن الحجاج -ذكره الترمذي- وأبو حنيفة، وموسى بن عقبة، وإسماعيل بن أبي خالد -عند الطحاوي- وسليمان بن مهران، وأبو الأحوص -عند ابن ماجه- وحمزة الزيّات -ذكره الطبراني في "الأوْسط"- ثم قالوا: إنا وجدنا لحديث أبي إسحاق شواهد ومتابعين، فممن تابعه: عطاء، والقاسم، وكريب، فيما ذكره أبو إسحاق الحربيّ في كتاب "العلل"، قال: وأحسن الوجوه في ذلك -إن صح حديث أبي إسحاق فيما رواه ووافقه هؤلاء-: أن تكون عائشة أخبرت الأسود أنه كان ربما توضأ، وربما أخر الوضوء والغسل حتى يصبح، فأخبر الأسود إبراهيم أنه كان يتوضأ، وأخبر أبا إسحاق أنه كان يؤخر الغسل، وقد حكى مثل ذلك غضيف، وعبد الله بن أبي قيس، ويحيي بن يَعُمر الصنابحي، عن عائشة، وهذا أحسن وجوهه، قال: ولم يزل المتفقهة من أصحاب الحديث تكلّم في حديث أبي إسحاق، يقولون: إنه حكى عن عائشة ما خالف ما حكاه إبراهيم وعبد الرحمن، وقد وافق إبراهيم

ص: 540

وعبد الرحمن على روايتهما: أبو سلمة، وعروة، وأبو عمر، وذكوان، وقوّى هذا القول رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما سأل، وأبي سعيد، وعمار، وابن عباس، وجابر، وأم سلمة. انتهى كلامه.

وفيه نظر من حيث أن ابن عباس وعمار وأم سلمة حديثهم موافق لما رواه أبو إسحاق.

أما حديث [أم]، (1) سلمة فرواه أحمد (2) بسند جيّد "كان النبي عليه السلام يجنب، ثم ينام، ثم ينتبه، ثم ينام".

وحديث ابن عباس "خرج النبي عليه السلام من الخلاء فأتى بطعام فقالوا: ألا نأتيك بطهُر، فقال: أأصلي فأتطهر؟! ثم تناول عَزقًا فأكل ولم يمسّ ماء"(3).

قال أبو عمر: صحيح، وفيه دلالة أن الوضوء لا يكون إلا لمن أراد الصلاة.

وحديث عمار صححه الترمذي (4): "أن النبي عليه السلام رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ".

قال أبو عمر: احتج به أهل الكوفة على أن الجنب لا بأس أن ينام قبل أن يتوضأ، قالوا: معناه: أي لا يتوضأ؛ لأنه في ذلك وردت الرخصة.

وقال ابن أبي شيبة (5): ثنا شريك، عن إبراهيم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل".

وقال ابن الحصّار في كتابه "تقريب المدارك على موطأ مالك": رواه عن

(1) في "الأصل، ك": أبي، وهو وهم أو سبق قلم من المؤلف رحمه الله وجاء على الصواب في "مسند أحمد". وانظر الكلام قبله.

(2)

"مسند أحمد"(6/ 298 رقم 26594).

(3)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 283 رقم 374)، وانظر "التمهيد" لابن عبد البر (17/ 43).

(4)

"جامع الترمذي"(2/ 511 رقم 613).

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 64 رقم 683).

ص: 541

أبي إسحاق أئمة عدول، وهذه رخصة، ورفق من الله تعالى لا ينبغي أن يُطرح مثل هذا لأجل انفراد رَاويةِ العدل برواية لا تعارض رواية من روى عن الأسود ذكر الوضوء، إذ قد يصح أن يفعل الأمرين في وَقتين، والله أعلم.

ثم رجال حديث فهد رجال الصحيح، وأبو غسّان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي شيخ البخاري، وزهير هو ابن معاوية بن [حديج](1)، وأبو إسحاق عمرو.

وأخرجه مسلم (2): ثنا أحمد بن يونس، قال: نا زهير، قال: نا أبو إسحاق.

وحدثنا يحيى بن يحيى، قال: أنا أبو خثيمة، عن أبي إسحاق، قال: سألت الأسود بن يزيد عما حدثته عائشة عن صلاة رسول الله عليه السلام، قالت:"كان ينام أول الليل، ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب -ولا والله ما قالت: قام- فأفاض عليه الماء -ولا والله ما قالت: اغتسل- وأنا أعلم ما تريد -وإن لم يكن جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلّى" وليس في روايته: "قبل أن يَمسّ ماء".

ورواية البيهقي (3) نحو رواية الطحاوي، وقال الذهبي: إنما ترك مسلم لمس الماء لأن الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة من غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلّس فرأوها من تدليساته.

قوله: "كان ينام أول الليل، ويحيى آخره" لما جاء في إحياء آخر الليل من الآثار والفضل، وأنه أسمع وأقرب للإجابة، ثم نومه بعد ذلك ليستريح من تعب القيام، وينشط لصلاة الصبح، والنوم بعد القيام آخر الليل مستحسن مُذهِب لكلل السّهر، وذبول الجسم، وصفرة اللون بسببه، بخلاف إيصال السهر بالصباح، وقد يكون

(1)"في الأصل، ك": حرب، وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله. وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال".

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 510 رقم 739).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(1/ 201 رقم 922).

ص: 542

فعل النبي عليه السلام هذا في الليالي الطوال.

قوله: "ثم إن كانت له حاجة" أرادت عائشة بهذا الكلام الجماع، ولكنها ذكرته بالكناية للأدب.

قوله: "ثم ينام قبل أن يمسّ ماء" أرادت به الماء الذي يغتسل به لا الماء الذي يتوضأ.

فإن قيل: من أين قلت: إنها أرادت به الماء الذي يغتسل به؟ ولم لا يجوز أن تكون أرادت الماء الذي يتوضأ به؟

قلت: قالوا هذا حتى لا تتضادّ الآثار؛ لأنه قد أخبر في هذا الحديث نفسه أنه إذا كان جنبًا توضأ ثم نام، وكذلك الأحاديث الصحاح عن عائشة وغيرها أنه كان لا ينام إذا كان جنبًا حتى يتوضأ وضوئه للصلاة.

فإن قيل: كيف يجوز النوم على الجنابة وقد جاء في حديث علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب".

أخرجه أبو داود (1)، والنسائي (2)، فما وجه التوفيق بين الحديثين؟.

قلت: المراد بالجنب الذي لا تدخل الملائكة بيتًا هو فيه هو الذي يجنب فلا يغتسل، ويتهاون به، ويتخذه عادةً، وأما الجنب الذي لا يتخذ هذا عادة، ولا يترك الاغتسال إلى أن تفوته الصلاة لا يضرّ دخول الملائكة البيت؛ فإنه عليه السلام كان ينام وهو جنب، وقال الخطابي: قوله: ولا جنب، ولا جِبْت بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة، وبالتاء المثناة من فوق، وجُنب تصحيف.

فإن كان هذا صحيحًا فلا اعتراض حينئذ.

وقال الصغاني في "العباب": الجبت كلمة تقع على الصنم، والكاهن،

(1)"سنن أبي داود"(1/ 58 رقم 227).

(2)

"المجتبى"(1/ 141 رقم 261).

ص: 543

والساحر، ونحو ذلك. وقال ابن عرفة: كل ما عبد من دون الله فهو جبت، وقيل: الجبت والطاغوت: الكهنة والشياطين.

وقال سعيد بن جبير: هي كلمة حبشية، وليست من محض العربيّة لاجتماع الجيم والتاء.

فإن قيل: فلم تمتنع الملائكة من البيت الذي فيه الجنب؟

قلت: لكون الجنب بعيدًا عن التلاوة والعبادة، وهو متصف بالنجاسة الحكمية، والملائكة يكرهون ذلك، وأيضًا المراد منه الملائكة غير الحفظة؛ لأن الحفظة لا يفارقون بني آدم جنبًا وغيره، والله أعلم.

ص: وقد روى ذلك غير أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام كان يتوضأ وضوئه للصلاة".

حدثنا ابن مرزوق، قال: أنا بشر بن عُمر، قال: أنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت:"كان النبي عليه السلام إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب يتوضأ".

ش: أي قد روى الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل غير أبي إسحاق عمرو السَّبيعي، عن الأسود بن يزيد النخعي، عن عائشة.

ثم بَيَّن ذلك بقوله: "حدثنا ابن مرزوق

" إلى آخره.

وإسناده صحيح.

وأخرجه مسلم (1): نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا ابن عُليّة ووكيع وغندر، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: "كان النبي عليه السلام

(1)"صحيح مسلم"(1/ 248 رقم 305).

ص: 544

إذا كان جنبًا وأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه" (1).

فإن قيل: كيف قال الطحاوي: يتوضأ وضوءه للصلاة، وليس في الحديث الذي خرجه إلَّا يتوضأ فقط، وكذا في رواية غيره:"توضأ وضوءه للصلاة".

أخرجه النسائي (2): أنا حُميد بن مسعده، عن سفيان بن حبيب، عن شعبة ح.

وأنا عَمْرو بن علي، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"كان النبي عليه السلام وقال عَمر وكان رسول الله عليه السلام إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ" زاد عمرو في حديثه: "وضوءه للصلاة".

ص: ثم روي عن الأسود -عن رأيه- مثل ذلك، حدثنا روح بن الفرج، قال: أنا يوسف بن عدي، قال: نا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال الأسود: "إذا أجنب الرجل فأراد أن ينام فليتوضأ".

فاستحال عندنا -والله أعلم- أن تكون عائشة رضي الله عنها قد حدّثته عن النبي عليه السلام أنه كان ينام ولا يمسّ ماء، ثم يأمر هو بعد ذلك بالوضوء، ولكن الحديث في ذلك ما رواه إبراهيم.

ش: أي روي عن الأسود بن يزيد، عن اجتهاده ورأيه مثل ما روى عنه إبراهيم، عن عائشة، عن النبي عليه السلام:"أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة" فهذا يدل على أن الصحيح ما رواه إبراهيم عنه لا ما رواه أبو إسحاق عنه؛ لأنه من المحال أن يروي عن عائشة عن النبي عليه السلام: "أنه كان ينام ولا يمسّ ماء" ثم يأمر هو بعد ذلك بالوضوء، وذلك أن. الراوي إذا أفتى أو عمل بخلاف ما روى -في غير باب النسخ- يدل ذلك على قلة المبالاة والتهاون بالحديث؛ فيصير به

(1) كذا في "الأصل، ك"، والذي في صحيح مسلم -النسخة التي عندي- "وضوءه للصلاة"، وأنكر المؤلف بعد قليل وقوع لفظة وضوءه للصلاة في "صحيح مسلم"!.

(2)

"المجتبى"(1/ 138 رقم 255).

ص: 545

فاسقًا، فلا تقبل روايته أصلًا، وحاشى الأسود عن مثل ذلك، فإنه إمام جليل الشأن كثير العبادة، حتى قيل أنه حج ثمانين حجة، وكان ابنه عبد الرحمن يصلي كل يوم سبعمائة ركعة، وكانوا يستقلون ذلك بالنسبة إلى عبادة والده فإذا كان الأمر كذلك صار الحديث ما رواه إبراهيم النخعي عن الأسود لا ما رواه أبو إسحاق عنه، وهو معنى قوله:"ولكن الحديث من ذلك ما رواه إبراهيم".

وإسناد هذا الخبر صحيح، ويوسف بن عدي بن زريق الكوفي شيخ البخاري، وأبو الأحوص سلاّم بن سليم الحنفي، ومغيرة بن مقسم الضبيّ الفقيه الأعمى.

ص: وقد روى غير الأسود عن عائشة رضي الله عنها ما يوافق ذلك:

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس والليث، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت:"كان النبي عليه السلام إذا أراد أن ينام وهو جنب يتوضأ وضوءه للصلاة".

حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود، قال: أنا هشام بن أبي عبد الله، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا محمَّد بن عبد الله بن ميمون، قال: أنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى

فذكر يإسناده مثله.

حدثنا ربيعُ المؤذن، قال: نا بشر بن بكر، قال: أخبرني الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا عليُّ بن شيبة، قال: أنا يزيد بن هارون، قال: أنا محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام

مثله، وزاد:"ويغسل فرجه".

حدثنا ربيعٌ المؤذن، قال: نا أسد، قال: أنا ابن لهيعة، قال: أنا أبو الزبير، عن جابر، أن أبا عمرو مولى عائشة أخبره، عن عائشة، عن رسول الله عليه السلام

مثل حديث الزهري عن أبي سلمة.

ص: 546

فهذا غير الأسود قد روى عن عائشة، عن النبي عليه السلام ما يُوافق ما روى إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، عن النبى عليه السلام.

ش: أي قد روى غير الأسود بن يزيد، عن عائشة ما يوافق ما رواه الأسود عنها من أنه عليه السلام إذا أراد أن ينام وهو جنب كان يتوضأ وضوءه للصلاة، فهذا مما يقويّ رواية غير أبي إسحاق عن الأسود، عن عائشة، عن النبي عليه السلام أنه كان يتوضأ إذا أراد أن ينام وهو جنب، ثم إنه أخرج ذلك من ستة طرق صحاح، غير أن الطريق السادس فيه عبد الله بن لهيعة؛ فإن فيه مقالًا.

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي والليث بن سعيد كلاهما، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، عن عائشة.

وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى التميمي، ومحمد بن رمح، قالا: نا الليث.

ونا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا أراد أن ينام وهو جنب، توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام".

وأخرجه النسائي (2) نحوه سواء: عن قتيبة بن سعيد.

وابن ماجه (3): عن محمَّد بن رمح، عن الليث.

والحكمة في وضوئه عليه السلام تخفيف بعض الحدث.

قال ابن أبي شيبة (4): نا ابن مهدي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن شداد بن أوس قال:"إذا أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام فليتوضأ؛ فإنه نصف الجنابة".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 248 رقم 305).

(2)

"المجتبى"(1/ 139 رقم 258).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 193 رقم 584).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 62 رقم 663).

ص: 547

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير الطائي أبي نصر اليمامي

إلى آخره.

وأخرجه البخاري (1): ثنا أبو نعيم، قال: نا هشام وشيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة قال:"سألت عائشة أكان النبي عليه السلام يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم ويتوضأ".

الثالث: عن محمَّد بن عبد الله بن ميمون، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة.

وأخرجه أحمد (2): من حديث يحيى، عن أبي سلمة، قال:"سألتُ عائشة هل كان النبي عليه السلام يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم، ويتوضأ وضوءه للصلاة".

الرابع: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن بشر بن بكر التِّنِّيسي، عن عبد الرحمن ابن عمرو الأوزاعي، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، عن النبي عليه السلام

مثل الحديث المذكور.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا بهلول بن حكيم القرقساني، ثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت:"كان رسول الله عليه السلام إذا أراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة".

الخامس: عن علي بن شيبة بن الصلت السَدُوسي، عن يزيد بن هارون الواسطي، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام، وزاد في روايته:"ويغسل فرجَه".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 109 رقم 282).

(2)

"مسند أحمد"(6/ 128 رقم 25013).

(3)

"مسند أحمد"(6/ 85 رقم 24599).

ص: 548

السادس: عن ربيع المؤذن، عن أسد بن موسى، عن عبد الله بن لهيعة، عن أبي الزبير محمَّد بن مسلم المكي، عن جابر بن عبد الله، عن أبي عَمرو ذكوان مولى عائشة، أخبره عن عائشة، عن رسول الله عليه السلام

مثل حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة.

ص: وقد روي عن عائشة رضي الله عنها من قولها مثل ذلك أيضًا: حدثنا يونس، قاله: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها كانت تقول:"إذا أصاب أحدكم المرأة ثم أراد أن ينام، فلا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: حدثنا يحيي بن سعيد القطان، قال: أنا هشام، قال: أخبرني أبي، عن عائشة رضي الله عنها مثله، وزاد:"فإنه لا يدري لعل نفسه تُصابُ في نومه".

فمحال أن يكونَ عندَها من رسول الله عليه السلام خلافُ هذا، ثم تفتي بهذا، فثبت بما ذكرنا فساد ما روي عن الأسود مما ذكرنا، وثبت ما روي عن إبراهيم، عن الأسود.

ش: أي قد روي عن عائشة من قولها عن نفسها وفتواها مثل ما روي عنها عن النبي عليه السلام أنه كان يتوضأ إذا أراد أن ينام وهو جنب.

وأخرج ذلك عن طريقين صحيحين:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن هشام ابن عروة، عن أبيه عروة، عن عائشة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن عثام بن علي، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة:"في الرجل تصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام، قالت: يتوضأ أو يتيمم".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 63 رقم 676).

ص: 549

الثاني: عن يزيد بن سنان القزّاز البصري، عن يحيى بن سعيد القطان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:"إذا أراد أحدكم أن يرقد وهو جنب فليتوضأ؛ فإنه لا يدري لعله يُصابُ في منامه".

قوله: "فإنه تعليل لقولها فليتوضأ" وأرادت بقولها "لعل نفسه تصاب" أنه يموت فجأة، أو يقع عليه هدم فيموت، أو يلذعه حيوان، ونحو ذلك من أسباب الموت، وهي كثيرة.

قوله: "فمحال" مرفوع على أنه خبر لقوله: "أن يكون" لأن "أن" مصدرية في محل الرفع على الابتداء، والتقدير: كون حدوث هذا عندها محالٌ، فافهم.

قوله: "فثبت بما ذكرنا" أي إذا كان الأمر كذلك فثبت بما ذكرنا فساد حديث أبي إسحاق، عن الأسود، وثبت حديث إبراهيم النخعي عن الأسود، عن عائشة.

ص: وقد يحتمل أيضًا أن يكون ما أراده أبو إسحاق في قوله: ولا يمسّ ماء يعني الغسل، فإن أبا حنيفة قد روي عنه من هذا شيء:

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: نا معاذ بن فضالة، قال: نا يحيى بن أيوب، عن أبي حنيفة وموسى بن عقبة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، أنها قالت:"كان رسول الله عليه السلام يُجامعُ، ثم يَعُود ولا يتوضأ، وينام ولا يغتسل" فكان ما ذُكِر أنه عليه السلام لم يكن يفعله إذا جامع قبل نومه هو الغسل، فذلك لا ينفي الوضوء.

ش: إلى هنا حكم بضعف حديث أبي إسحاق عن الأسود، وبَيَّنَ ذلك بوجوه كثيرة، ثم أشار إلى تأويل حديثه -على تقدير تسليم صحته-: تحريره أن يقال:

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 62 رقم 661).

ص: 550

سلمنا أن ما رواه أبو إسحاق عن الأسود صحيح، ولكن تأويل قوله:"ولا يمسّ ماء" يعني لأجل الغسل لا لأجل الوضوء، وعدم مسّ الماء لأجل الغسل لا ينفي مسه لأجل الوضوء، وقد روي عن أبي حنيفة ما يقوي هذا التأويل، فعل كلا التقديرين يثبت المدعى وهو أن الجنب لا ينبغي له أن ينام إلا بعد أن يتوضأ.

وقد قيل: إن المراد به أنه كان في بعض الأوقات لا يَمسّ ماءً أصلًا؛ لبيان الجواز، إذْ لو واظب عليه لَتُوهِّم الوجوبُ.

ثم إسناد حديث أبي حنيفة صحيح؛ لأن رجاله ثقات يحتج بهم، ولا يلتفت إلى كلام ابن حزم في تضعيفه هذا الخبر.

قوله: "يجامع" مفعوله محذوف، أي يجامع أهله، وأراد بالمجامعة الوطء، على سبيل الكناية.

قوله: "ثم يعود" أي إلى الجماع مرة أخرى من غير تخلل بين الجماعين بوضوء، وهو معنى قوله ولا يتوضأ أي بين الجماعين.

قوله: " وينام ولا يغتسل" أي على الفور، ولكن نومه قبل الاغتسال لا ينافي وضوءه قبل النوم، فيحمل على هذا حديث أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة في قوله:"لا يمسّ ماء" يعني الغسل، وهو لا ينافي الوضوء.

فإن قيل: روى مسلم (1) من حديث أبي سعيد: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود، فليتوضأ".

ورواه الأربعة (2) أيضًا ورواه ابن خزيمة (3) بزيادة: "وضوءه للصلاة"، ثم قال: هذه لفظة تفرد بها شعبة، عن عاصم، والتفرد من مثله مقبول عندهما، وهذا

(1)"صحيح مسلم"(1/ 249 رقم 308).

(2)

أبو داود (1/ 56 رقم 220)، والترمذي (1/ 261 رقم 141)، والنسائي في "المجتبى"(1/ 142 رقم 262)، وابن ماجه (1/ 193 رقم 587).

(3)

"صحيح ابن خزيمة"(1/ 109 رقم 220).

ص: 551

يدل على أنه لا بد من الوضوء بين الجماعين، وحديث أبي حنيفة لا يدل على هذا.

قلت: هذا الأمر للندب عند الجمهور، والدليل عليه حديث الطواف على ما نذكره، فإذن لا تعارض بين الحديثين؛ لأن حديث أبي حنيفة يبيِّن الجواز، وحديث غيره يبين استحباب الوضوء بين الجماعين، وتعلقت الظاهرية بظاهر الأمر، وقالوا: إنه واجب، وبه قال ابن حبيب المالكي.

وقال ابن حزم في "المحلى": والوضوء فرض بين الجماعين، ثم قال: وبإيجاب الوضوء في ذلك قال عمر بن الخطاب، وعطاء، وعكرمة، وإبراهيم، والحسن، وابن سيرين.

وقال أبو عمر بن عبد البر: ما أعلم أحدًا من أهل العلم أوجبه إلا طائفة من أهل الظاهر، وأما سائر الفقهاء بالأمصار فلا يوجبونه، وأكثرهم يأمرون به، ويستحبونه.

قلت: في كلام كل واحد من ابن حزم، وأبي عمر نظر، أما كلام ابن حزم فيعارضه ما أخرجه ابن أبي شيبة (1)، ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن:"أنه كان لا يرى بأسًا أن يجامع الرجل امرأته، ثم يعود قبل أن يتوضأ، قال: وكان ابن سيرين يقول: لا أعلم بذلك بأسًا".

وأما كلام أبي عمر فيرده ما حكاه النووي من أن ابن حبيب المالكي يرى بوجوب الوضوء بين الجماعين، على ما ذكرناه.

فإن قيل: يعارض ما رواه مسلم وغيره ما رواه ابن عباس أنه عليه السلام[قال](2)"إنما أمُرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 79 رقم 873).

(2)

ليست في "الأصل، ك".

ص: 552

أخرجه أبو عوانة في"صحيحه"(1).

قلت: أجاب بعضهم بأن هذا كله مشروع جائز، فمن شاء أخذ بهذا، ومن شاء أخذ بالآخر، وأجاب بعضهم بأن المراد من قوله في رواية مسلم:"فليتوضأ" هو الوضوء اللغوي، والدليل عليه حديث [ابن عمر] (2) قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا أقول أحدكم أهله فأراد أن يعود فليغسل فرجه". وقال ابن أبي شيبة (3)، ثنا عبدة بن سليمان، عن يحيي بن سعيد، عن نافع:"أن ابن عمر كان إذا أتى أهله ثم أراد أن يعود غسل وجهه وذراعيه".

قلت: فيه نظر لأن زيادة ابن خزيمة "وضوءه للصلاة" تنافي هذا الكلام، وأيضًا معنى قوله:"فليتوضأ" الوضوء المعهود؛ لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، وحديث ابن عمر الصحيح أنه موقوف عليه، قاله الترمذي عن البخاري (4).

أما حديث الطواف فما أخرجه البخاري وغيره، فقال البخاري (5):

حدثنا محمَّد بن بشار، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، ثنا أنس رضي الله عنه:"كان النبي عليه السلام يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قلت لأنس: أَوَ كان يُطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطيَ قوة ثلاثين". وقال سعيد، عن قتادة، أن أنسًا حدثهم:"تسع نسوة".

(1)"مسند أبي عوانة"(1/ 236 رقم 799)، وأخرجه أبو داود (345/ 3 رقم 3760)، الترمذي (4/ 282 رقم 1847)، والنسائي (1/ 85 رقم 132) و"أحمد في مسنده"(1/ 282 رقم 2549) و (1/ 359 رقم 3381) وغيرهم من حديث ابن عباس.

(2)

كذا في "الأصل، ك": والصواب أن هذا الحديث حديث عمر وليس ابنه كما في "سنن البيهقي الكبرى"(7/ 192 رقم 1847)، والترمذي في "العلل"(1/ 61)، و"علل ابن أبي حاتم"(1/ 34 رقم 67)، و"علل الدارقطني"(2/ 240 رقم 242).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 79 رقم 871).

(4)

كذا في "الأصل، ك"، والذي في "علل الترمذي" للقاضي أبي طالب:(1/ 61) قال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال هو خطأ، ولا أدري من أبي المستهل، وإنما روى عاصم، عن أبي عثمان، عن سلمان بن ربيعة عن عمر قوله، وهو الصحيح.

(5)

"صحيح البخاري"(1/ 105 رقم 265).

ص: 553

وجاء في صحيح الإسماعيلي: من حديث أبي يعلى، عن أبي موسى، عن معاذ:"قوة أربعين" وفي "الحلية"(1) لأبي نعيم، عن مجاهد:"أعطي قوة أربعين رجلًا كل رجل من رجال أهل الجنة".

وزعم المهلب أن دورانه عليه السلام هذا يحتمل أن يكون في يوم من القسمة ينتهي فيقرع في هذا اليوم لهن كلهن يجمعهّن فيه، ثم يستأنف بعد ذلك.

وقيل: يحتمل أن يكون ذلك عند إقباله من سفر حيث لا قسمة تلزم، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك بإذنهن أو بإذن صاحبة النوبة، هذا على قول مَن يرى أن القسم كان عليه واجبًا، وأما من لا يُوجبه فلا يحتاج إلى تأويل.

وذكر ابن العربيّ: أن الله خصّ نبيّه عليه السلام في النكاح بأشياء، منها أنه أعطاه ساعةً لا يكون لأزواجه فيها حق، يدخل فيها على جميع أزواجه فيفعل ما يُريد بهن، ثم يدخل عند التي يكون الدور لها.

وفي "مسلم": عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر فلو اشتغل عنها لكانت بعد المغرب وغيره، والله أعلم.

ص: وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام مثل ذلك أيضًا.

حدثنا علي بن زيد الفرائضي، قال: أنا محمَّد بن كثير، عن الأوزاعي، عن الزهريّ، عن سالم، عن ابن عمر:"أن عُمر قال: يا رسول الله، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم ويتوضأ".

ش: أي قد روي عن عبد الله بن عمر، عن النبي عليه السلام مثل ما روي عن عائشة رضي الله عنها وعلي بن زيد الفرائضي أبو الحسن الطرسوسي.

ومحمد بن كثير أبو يوسف المِصيصي، فيه مقال لكن ابن مَعين صدّقه، وابن حبان وثقه.

(1) لم أجده في "الحلية"، وعزاه الحافظ في "الفتح"(1/ 378) لأبي نعيم في "صفة الجنة" وهو أشبه بالصواب.

ص: 554

والأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، والزهري محمَّد بن مسلم.

وهذا الحديث أخرجه الجماعة على مما يأتي.

ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: أنا يزيد بن هارون، قال: أنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله، وزاد:"وضوئه للصلاة".

ش: إسناده حسن جيّد.

وأخرجه النسائي (1): عن عبيد الله بن سعيد، عن يحيى، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع، عن عبد الله بن عمر، قال:"يا رسول الله، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا توضأ".

وأخرجه عبد الرزاق (2) بهذا الزيادة، ولكن بغير هذا الإسناد عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر سأل النبي عليه السلام:"أنامُ وأنا جُنب؟ فقال: توضأ وضوءك للصلاة".

ص: حدثنا يزيد بن سنان، قال: أنا سعيدُ بن سفيان الجحدري، قال: أنا ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام مثله.

ش: إسناده حسن، وابن عون اسمه عبد الله بن عون بن أرطبان البصري.

أخرجه ابن ماجه (3): نا نصر بن علي الجهضميّ، نا عبد الأعلى، نا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله عليه السلام:"أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ".

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: أنا وهب بن جرير، قال: أنا شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله، وزادَ:"واغسل ذكرك".

ش: إسناده صحيح.

(1)"المجتبى"(1/ 139 رقم 259).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 282 - رقم 1088).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 193 رقم 585).

ص: 555

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1): نا شعبة، عن عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر، "أن عمر رضي الله عنه: سأل النبي عليه السلام عن الجنب ينام، فقال: اغسل ذكرك وتوضأ، ثم ارقد".

وأخرجه النسائي (2): أنا قتيبة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال:"ذكر عمر لرسول الله عليه السلام أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال رسول الله عليه السلام: توضأ واغسل ذكرك، ثم نم".

وكذا أخرجه أبو داود (3): عن عبد الله بن مسلمة عن مالك

إلى آخره.

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: أنا أبو حذيفة ح.

وحدثنا علي بن شيبة، قال: نا أبو نعيم ح.

وحدثنا حسين بن نصر، قال: نا الفريايّ.

ثم أجمعوا جميعًا فقالوا: عن سفيان، عن عبد الله بن دينار

فذكروا مثله بإسناده.

ش: هذه ثلاث طرق صحاح.

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النَهْدي أحد مشايخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن رسول الله عليه السلام.

وأخرجه أبو عبد الله العدني في "مسنده": نا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر "أن عمر سأل النبي عليه السلام أيرقُد أحدنا وهو جنب؟ قال: إذا أراد أن ينام فليتوضأ، ويطعم إن شاء".

(1)"مسند الطيالسي"(1/ 256 رقم 1878).

(2)

"المجتبى"(1/ 140 رقم 260).

(3)

"سنن أبي دود"(1/ 57 رقم 221).

ص: 556

الثاني: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان

إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا الفضل بن دكين، نا سفيان، عن عبد الله بن دينار، سمعت ابن عمر قال:"سأل عمر رضي الله عنه رسول الله عليه السلام وقال: تصيبني الجنابة من الليل، فأمره أن يغسل ذكره ويتوضأ ويرقد".

الثالث: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن محمَّد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري

إلى آخره.

وأخرجه الدارمي في "مسنده"(2): أنا عبد الله بن موسى، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال:"سأل عمر النبي عليه السلام فقال: تصيبني الجنابة من الليل فأمره أن يغسل ذكره ويتوضأ ثم يرقد".

قوله: "ثم أجمعوا" أي أبو حذيفة، وأبو نعيم، والفريابي، و"جميعًا" نصب على الحال، أي مجتمعين.

ص: حدثنا يونس، قال: نا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن عبد الله بن دينار

فذكر بإسناده مثله.

ش: إسناده على شرط الشيخين.

وأخرجه البخاري (3): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أنه قال:"ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله عليه السلام أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله عليه السلام: توضأ واغسل ذكرك ثم نَمْ".

وأخرجه مسلم (4): عن يحيى بن يحيى، عن مالك.

(1)"مسند أحمد"(2/ 116 رقم 5967).

(2)

"سنن الدارمي"(1/ 212 رقم 756).

(3)

"صحيح البخاري"(1/ 110 رقم 286).

(4)

"صحيح مسلم"(1/ 249 رقم 306).

ص: 557

وأبو داود (1): عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك.

والنسائي (2): عن قتيبة، عن مالك ونحوه.

ص: وقد روي عن عمّار بن ياسر، وأبي سعيد، عن النبي عليه السلام أيضًا مثل ذلك.

حدثنا أبو بكرة، قال: نا مؤملٌ، قال: نا حماد بن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن يحيي بن يعمر، عن عمار بن ياسر، قال:"رخصّ رسول الله عليه السلام للجنب إذا أراد أن ينام أو يشرب أو يأكل أن يتوضأ وضوءه للصلاة".

حدثنا ربيعُ الجيزي، قال: أنا ابن أبي مريم، قال: أنا ابن لهيعة ويحيى بن أيوب ونافعُ بن يزيد -نحو ذلك- عن ابن الهَاد، عن عبد الله بن خَبّاب، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال:"قلت: يا رسول الله عليه السلام، أصيب أهلي وأريد النومَ، قال: توضأ وارقد".

فقد تواترت الآثار عن النبي عليه السلام في الجنب إذا أراد النوم بما ذكرنا، وقد قال بذلك نفر من الصحابة من بعده، منهم عائشة رضي الله عنها، قد ذكرنا ذلك عنها من رأيها فيما تقدم من هذا الباب.

ش: أي قد روي عن عمار، وأبي سعيد الخدري مرفوعًا مثل ما روي عن ابن عمر في وضوء الجنب إذا أراد النوم.

وإسناد الحديثين صحيح، ومؤمل بن إسماعيل القرشي.

وابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم شيخ البخاريّ.

وابن لهيعة هو عبد الله، فيه مقال ولكنه ذكر متابَعًا.

ويحيي بن أيوب الغافقي المصريّ.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 57 رقم 221).

(2)

"المجتبى"(1/ 140 رقم 260).

ص: 558

ونافع بن يزيد الكلاعي المصري روى له الجماعة سوى الترمذي، البخاري مستشهدًا.

وابنُ الهاد هو يزيد بن عبد الله بن شداد بن الهاد المدني، روى له المجماعة.

وعبد الله بن خباب الأنصاري، روى له الجماعة، وخَبّاب بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة، وفي آخره باء أخرى.

وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك، مشهور باسمه وكنيته.

وحديث عمار أخرجه أبو داود (1): نا موسى بن إسماعيل، قال: نا حماد، قال: أنا عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام رخّص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ".

قال أبو داود: بين يحيى وعمار رجل.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة

" إلى آخره نحوه، وفي آخره: "أن يتوضأ وضوءه للصلاة" كرواية الطحاوي.

وحديث الخدريّ أخرجه ابن ماجه (3): نا أبو مروان الدمشقي محمَّد بن عثمان، نا عبد العزيز بن محمَّد، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن عبد الله بن خبّاب، عن أبي سعيد الخدريّ:"أنه كان تصيبه الجنابة بالليل، فيريد أن ينام: فأمره رسول الله عليه السلام أن يتوضأ ثم ينام".

قوله: "فقد تواترت الآثار" أي تكاثرت وتتابعت عن النبي عليه السلام ولم يرد به التواتر المصطلح عليه.

قوله: "نفر" أي جماعة من الصحابة.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 57 رقم 225).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 63 رقم 678).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 193 رقم 586).

ص: 559

قوله: "قد ذكرنا عنها من رأيها" أي عن عائشة، وهو الذي أخرجه عن يونس بن الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، وقد ذكره فيما مضى في هذا الباب.

ص: وقد روي ذلك أيضًا عن زَيْد بن ثابت:

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني ابنُ لهيعة، عن ابن هُبَيْرة، عن قييصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت، قال:"إذا توضأ الجنب قبل أن ينام باتَ طاهرًا".

فهذا زَيدُ بن ثابت يُخبر أنه إذا توضأ قبل أن ينام، ثم نام كان كمن اغتسل قبل أن ينام في الثواب الذي يكتب كمن بات على طهر.

وقد ذكرنا في حديث الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة "أن النبى عليه السلام كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب توضأ"، وعن عمار بن ياسر ما يُوافق ذلك.

ش: أي قد روي الوضوء للجنب الذي يريد النوم أيضًا، عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.

ويونس هو ابن عبد الأعلى.

وابن وهب هو عبد الله.

وكذلك ابن لهيعة هو عبد الله، فيه مقال، وابن هبيرة أيضًا اسمه عبد الله، روى له الجماعة سوى البخاري، وقبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي أبو إسحاق المدني، قال البخاريّ: في حديثه نظر (1)، ووثقه ابن حبان.

قوله: "بات طاهرًا" أي بات كالطاهر في حصول الثواب بالوضوء الذي توضأ،

(1) هذا خطأ من المؤلف رحمه الله، فإن الذي قال فيه البخاري:"في حديثه نظر" هو قبيصة بن حريث وهو مذكور قبل هذا في كتاب "الكمال" لعبد الغني المقدسي وهو عمدة المؤلف في نقل تراجم أصحاب الكتب الستة كما تبين لي بالاستقراء من عملي في هذا الكتاب، وكتاب "شرح سنن أبي داود" للمؤلف أيضًا. أما قبيصة بن ذؤيب فهو عالم فقيه مشهور قال مكحول: ما رأيت أعلم من قبيصة بن ذؤيب، وقال ابن حبان: كان من فقهاء أهل المدينة وصالحيهم. وقال ابن عبد البر: وكان له فقه وعلم، وله ترجمة حافلة في "تهذيب الكمال"(23/ 487).

ص: 560

وليس المراد أنه يبيت طاهرًا حقيقةً، ولا يطهر حقيقة إلا بالاغتسال، وفيه ترغيب عظيم للجنب الذي يريد النوم أن لا ينام إلا بعد الوضوء.

قوله: "وقد ذكرنا في حديث الحكم" أشار بهذا الكلام إلى أنه كما بيّن حكم الجنب إذا أراد النوم هل يتوضأ أم لا، يُريدُ أن يُبيّن حكمه أيضًا إذا أرادَ أن يأكل، وقد كان ذكرَ الأكل في الحديث الذي رواه عن ابن مرزوق، عن بشر بن عمر، عن شعبة، عن الحكم بن عُتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت:"كان النبي عليه السلام إذا أرادَ أن ينامَ أو يأكل وهو جنب توضأ"، ومَهّد هذا الكلام حتى يُوطئ عليه الخلاف المذكور فيه بين العلماء.

قوله: "وعن عمار بن ياسر ما يوافق ذلك" أي وقد ذكرنا أيضًا عن عمار بن ياسر ما يوافق حديث الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، وهو الذي رواه الآن عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر، قال:"رخّص رسول الله عليه السلام للجنب إذا أراد أن ينام أو يشرب أو يأكل أن يتوضأ".

روى الطيالسي في "مسنده"(1): ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر، قال:"قدمت على أهلي من سفر، فضمخوني بالزعفران، فلما أصبحتُ أتيتُ رسول الله عليه السلام، فسلمت عليه فلم يُرحّب بي ولم يَبُش بي، وقال: أذهَبْ فاغِسلْ هذا عنك، فغسلتُه عني فجئته وقد بقي علي منه شيء، فسلمت عليه فلم يُرحّب بي، ولم يَبُشّ بي، وقال: اذهب فاغسل هذا عنك، فغسلته ثم أتيتُ رسول الله عليه السلام فسَلّمتُ عليه، فَردّ عليّ السلام ورحّبَ بي، فقال: إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمّخَ بالزعفران، ولا الجنب، ورخّصَ للجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام أن يتوضأ".

(1)"مسند الطيالسي"(1/ 90 رقم 646).

ص: 561

وأخرجه البيهقي (1) من طريق الطيالسي، وأخرج أبو داود (2) منه ترخيص الجنب فقط (3)، وقد ذكرناه، وكذا الطحاوي كما ذكر.

ص: فذهب إلى هذا قومٌ فقالوا: لا ينبغي للجنب أن يطعم حتى يتوضأ.

ش: أي إلى ما في حديث الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة من الوضوء للجنب إذا أراد أن يأكل، وأراد بالقوم هؤلاء: داود من الظاهرية، وأحمد بن حنبل، وبعض المالكيّة؛ فإنهم قالوا: لا ينبغي للجنب أن يأكل حتى يتوضأ.

قوله: "أن يطعم" من باب عَلِمَ يَعْلَمُ، ومعناه أكل، ومصدره طُعْم بالضم، وأما الطعم بالفتح فهو ما يؤديه الشيء من حلاوة ومرارة وغيرهما.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس أن يطعم وإن لم يتوضأ.

ش: أي وخالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن المسيّب، ومجاهدًا، وأبا حنيفة، ومالكًا، والشافعي، وإسحاق؛ فإنهم قالوا: لا بأس للجنب أن يأكل وإن لم يتوضأ، وقد بَسطنا الكلام فيه في هذا الباب عند قوله:"فذهب قوم إلى هذا".

ص: وكان لهم من الحجة في ذلك: أن فهدًا قد حدثنا، قال: حدثنا سُحَيم الحراني -وهو محمَّد بن القاسم- قال: أخبرنا عيسى بن يونس، قال: نا يونس بن يزيد الأيليّ، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله عليه السلام إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل كفيّه".

(1)"السنن الكبرى"(1/ 203 رقم 928).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 57 رقم 225).

(3)

بل أخرجه كاملًا كرواية الطيالسي مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه، انظر "سنن أبي داود"(4/ 79 رقم 4176).

ص: 562

وقد روى عن عائشة رضي الله عنها ما ذكرنا، ورَوي عنها خلافُ ذلك أيضًا مما روَينا عنها أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة، فلما تضادّ ذلك عنها احتمل ذلك عندنا -والله أعلم- أن يكون وضوءه حين كان يتوضأ في الوقت الذى ذكرنا في غير هذا الباب أنّه كان إذا رأى الماء يتكلّم، وكان يتوضأ ليتكلم، فيُسمي ويأكل، ثم نُسِخَ ذلك بغسل كفيه للتنظيف وتركَ الوضوءَ، وكذلك وضوءه عليه السلام عند النوم يحتملُ أن يكون كان يَفعلهُ أيضًا لينام على ذكر، ثم نُسِخَ ذلك، فأبيح للجنبُ ذكر الله عز وجل فارتفع المعنى الذي له تَوضّأ، وقد روينا في غير هذا الموضع عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي عليه السلام خرج من الخلاء، فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: أأريد الصلاة فأتوضأ؟! ".

فأخبر أنه لا يتوضأ إلا للصلاة، ففى ذلك أيضًا نفي الوضوء عن الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو الشرب.

ش: أي كان للآخرين من الحجة والبرهان فيما ذهبوا إليه حديث فهد الذي رواه عن عائشة، وقوله:"أن فهدًا" في تأويل المصدر في محل الرفع على أنه اسم "كان" وخبره مقدم، والتقدير: وكان تحديثُ فهدٍ إيانا بإسناده عن عائشة ثبت لهم من الحجة.

وإسنادُه حسن، ورجاله ثقات.

وسُحَيْم بضم السين وفتح الحاء المهملتين، وسكون الياء آخر الحروف، وهو لقب محمَّد بن القاسم، قال أبو حاتم: صدوق.

وأخرجه أبو داود (1) ولكن عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة وقال: ثنا محمَّد بن الصباح البَزَّاز، قال: نا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة، وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 57 رقم 223).

ص: 563

وقال أبو داود: رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة.

وأخرجه النسائي (1)، وابن ماجه (2) أيضًا كرواية أبى داود، وليس في روايتهما ذكر الوضوء للجنب إذا أراد النوم.

قوله: "وقد روي عن عائشة ما ذكرنا وروي عنها خلاف ذلك أيضًا" أشار بذلك إلى أن الحديث الذي رواه هنا يُضَادِدُ الحديث الذي رواه عنها فيما سلف من أنه عليه السلام كان يتوضأ وضوءه للصلاة.

ثم أشار إلى وجه التوفيق بينهما بقوله: "فلما تضاد ذلك عنها

" إلى آخره، وتحريره: أن عائشة رضي الله عنها رَوَت عن النبي عليه السلام فعلين متضادين، حيث أخبرت في أحدهما: الوضوء كوضوء الصلاة، وفي الآخر الاقتصار على غسل الكفين، وهو وضوء غير تام، فإخبارها، بغسل الكفين بعد أن كانت علمت أنه عليه السلام أمر بالوضوء التامّ يدلّ على ثبوت النسخ عندها؛ لأن وضوءه عليه السلام كان فيما إذا كان رأى الماء لم يتكلّم، فيتوضأ ليتكلّم، فيسمِّي ويأكل، وغَسْلُ كفيه كان بعدَ ذلك، فاكتفاؤه عليه السلام بذلك بعد ذلك يَدلُّ على ثُبوت نسخ الأول.

وكذلك وضوءه عليه السلام عند النوم كان لينام على ذكر، وذلك حين كانَ ذكر الله مُحرَّمًا على الجنب، ثم نُسخ بحديث عائشة:"كان رسول الله عليه السلام يذكر الله على كل أحيانه".

أخرجه مسلم (3)، وغيره فأبيح للجنب أن يذكر الله تعالى.

قوله: "وقد روينا في غير هذا الموضع عن ابن عباس إلى آخره" تأييد لما ذكره من ثبوت النسخ في وضوء الجنب للأكل، بيانُه: "أنه عليه السلام لما خرج من الخلاء، فقيل

(1)"المجتبى"(1/ 139 رقم 256، 257).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 193 رقم 584).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 282 رقم 373).

ص: 564

له: ألا تتوضأ؟ فقال: أأريد الصلاة فأتوضأ؟! " فأخبر أنه لا يتوضأ إلا لأجل الصلاة، ففيه نفي الوضوء عن الجنب مطلقًا، سواء أراد النومَ أو الأكل أو الشرب، فإذا ارتفع الوجوب، يبقى الندب والاستحباب.

ص: ومما يدل على نسخ ذلك أيضًا أن ابن عمر رضي الله عنهما قد روى ما ذكرنا "عن النبي عليه السلام في جوابه لعمر رضي الله عنه، ثم جاء عنه أنه قال بعد النبي عليه السلام ما حدثنا به محمد بن خزيمة، قال: أنا حجاج، قال: أنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: "إذا أجنب الرجل، وأراد أن يأكل أو يشرب أو ينَام غسل كفَّيه، وتمضمض، واستنشق، وغسل وَجْهه، وذراعيه، وغسل فرجه، ولم يغسل قدميه".

فهذا وضوء غير تامّ، وقد عَلِمَ أن النبي عليه السلام أمر في ذلك بوضوء تامّ، ولا يكون هذا إلا وقد ثبت النسخ كذلك عنده. ش: أي من جملة ما يدل على نسخ الوضوء التام للجنب إذا أراد أن يأكل: ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إذا أجنب الرجل

إلي آخره"، فإن قوله هذا بعد علمه أن النبي عليه السلام أمَر بالوضوء التامّ للجنب وذلك في جواب النبي عليه السلام لعمر بن الخطاب لما سأله عليه السلام "أيرقد أحدنا وهو جنب، قال: نعم؛ إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب" وفي رواية: "وضوءه للصلاة" على ما مَرَّ عن قريب في هذا الباب يدل على ثبوت النسخ عنده؛ لأن الراوي إذا روى شيئًا عن النبي عليه السلام أو علمه منه، ثم فعل أو أفتى بخلافه يَدُلّ على أن ذلك قد أنتسخ، إذْ لو لم يثبتا ذلك لما كان له الإقدام على خلافه.

ثم إسنادُ ما روي عن ابن عمر صحيح، وحجاج هو ابن المنهال، وحماد هو ابن سلمة، وأيّوب السختياني.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1)[عن](2) إسماعيل بن عليّة، عن أيوب، عن

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 62 رقم 660).

(2)

تكررت في "الأصل".

ص: 565

نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"أنه كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب، غسل وجهَه ويديه، ومسح برأسها".

وروى مالك (1) عن نافع: "أن ابن عمر كان إذا أراد أن يطعم أو ينام وهو جنب، غسل وجهه، ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم طعم أو نام".

ص: وقد روي عن النبي عليه السلام في الرجل يجامعُ أهله ثم يريد المعاودة، ما قد حدثنا حسين بن نصر، قال: نا يحيى بن حسان، قال: نا أبو الأحوص، عن عاصم، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أتى أحدكم أهله ثم أرادَ أن يعود فلا يعود حتى يتوضأ".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: نا يوسف بن يعقوب، قال: نا شعبة، عن عاصم

ثم ذكر مثله بإسناده.

فقد يجوز أن يكون أمر: بهذا في حال ما كان الجنب لا يستطيع ذكر الله حتى يتوضأ، فأمر بالوضوء ليُسَمّي عند جماعه كما أمرهم النبي عليه السلام في غير هذا الحديث، ثم رخص لهم أن يتكلموا بذكر الله وهم جنب، فارتفع ذلك وقد روي عن عائشة رضي الله عنها:"أنه كان يجامع ثم يعود ولا يتوضأ" وقد ذكرنا ذلك في هذا الباب فهذا عندنا نسخ لذلك.

ش: ذكر هذا جوابًا عن سؤال مقدَّر تقريره: أن يُقال: إنكم قلتم: إن الجنب ليس عليه وضوء إلى أن يغتسل، وهذا حديث أبي سعيد يخبر أن الجنب إذا أراد أن يعود إلى أهله فلا يعود حتى يتوضأ، فأجاب عنه بقوله فقد يحتمل أن يكون النبي عليه السلام أمر بالوضوء للجنب إذا أراد العود حين كان ذكر الله محرمًا عليه بلا وضوء، فأمره بالوضوء لأنه يُسمّي عند جماعه، كما أمر للجنب في غير هذا الحديث أن يتوضأ عند الأكل أو الشرب أو النوم، ثم لَمَّا رخصّ لهم بذكر الله وهم جنب،

(1)"موطأ مالك"(1/ 48 رقم 109).

ص: 566

عُلِمَ أن ما كان من ذلك أولًا قد انتسخ وارتفع؛ لأن الحكم المتأخر ينسخ الحكم المتقدم بلا شك في قضيتين متنافيتين.

ثم إنه أخرج الحديث المذكور من طريقين صحيحين ورجاله رجال الصحيح ما خلا حسين بن نصر ويزيد بن سنان.

وأبو الأحوص سلاّم بن سُليم الحنفي الكوفي.

وعاصم هو ابن سليمان الأحول.

وأبو المتوكل الناجي اسمه علي بن داود، وقيل دُؤاد.

وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك.

وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا حفص بن غياث.

ونا أبو كريب، قال: أنا ابن أبي زائدة.

وحدثني عَمرو الناقد وابن نمير، قالا: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، كلهم عن عاصم، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ".

زاد أبو بكر في حديثه: "بينهما وضوءًا"، وقال:"ثم أراد أن [يُعاود] (2) ".

وأخرجه أبو داود (3): ثنا عمرو بن عون، قال: نا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي عليه السلام قال:"إذا أتى أحدكم أهله، ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءًا".

وأخرجه الترمذي (4): عن هناد، عن حفص

إلى آخره نحوه.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 249 رقم 308).

(2)

في "الأصل، ك": يعاوده، والمثبت من "صحيح مسلم".

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 56 رقم 220).

(4)

"جامع الترمذي"(1/ 261 رقم 141).

ص: 567

والنسائي (1): عن الحسين بن حريث، عن سفيان، عن عاصم

إلى آخره.

وابن ماجه (2): عن محمَّد بن عبد الملك، عن عبد الواحد بن زياد، عن عاصم

إلى آخره.

قوله: "ثم بدا له" أي ثم ظهر له أن يعاود في الجماع.

ص: فإن قال قائل: فقد روي عنه أنه كان يطوف على نسائه، فيغتسل كلما جامع واحدةً منهن، وذكر في ذلك ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: أنا عفان وأبو الوليد، قالا: ثنا حماد بن سلمة ح.

وحدثنا سليمان بن شعيب، قال: أنا يحيى بن حسان، قال: نا حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا طاف على نسائه في يوم، فجعل يغتسل عند هذه وعند هذه، فقيل: يا رسول الله، لو جعلته غسلًا واحدًا، فقال: هذا أزكى وأطهر وأطيب".

قيل له: في هذا ما يدلّ على أن ذلك لم يكن على الوجوب لقوله عليه السلام: "هذا أزكى وأطهر وأطيب".

ش: تحرير السؤال أن يقال: إنكم نفيتم وجوب الوضوء بين الجماعين وادعيتم أن ما كان منه قد انتسخ حكمه فهذا عندنا ما ينافي كلامكم، وهو أن النبي عليه السلام كان يطوف على نسائه كلهن في يوم واحد يغتسل عقيب كل جماع، ولا يعاود إلى الأخرى إلا بالطهارة، فهذا يدل على أن الوضوء واجب؛ لأنه عليه السلام لما لم يترك في هذه الحالة الطهارة الكبرى فبالطريق الأولى أن لا يترك الطهارة الصغرى.

والجواب: أنه عليه السلام ما كان إلى هذا على أنه واجب، بل لكونه أزكى أي أمدح إلى الله تعالى وأطهر للبدن، وأطيب للقلب، وليس فيه ما يدل على الوجوب، ويؤيد

(1)"المجتبى"(1/ 142 رقم 262).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 193 رقم 587).

ص: 568

ذلك ما روي أنه عليه السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد على ما يجيء الآن، ثم إنه أخرج حديث أبي رافع من طريقين:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عفان بن مسلم وأبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى أخت أبي رافع، عن أبي رافع مولى النبي عليه السلام، واسمه إبراهيم، وقيل: أسلم، وقيل: هرمز، وقيل: ثابت، القبطي.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا موسى بن إسماعيل، قال: نا حماد، عن عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع:"أن النبي عليه السلام طاف ذات ليلة على نسائه، يغتسل عند هذه، وعند هذه، فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر".

والثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن يحيى بن حسان التنيسي، عن حماد

إلى آخره.

وأخرجه البيهقي لي "سُننه"(2): من حديث حماد بن سلمة

إلى آخره نحوه.

فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟

قلت: صححه ابن حزم، ويفهم من كلام أبي داود أيضًا أنه صحيح عنده؛ لأنه لما روى حديث أنس الذي رواه مسلم عن مسكين بن بكير، عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس:"أن- النبي عليه السلام كان يَطوفُ على نسائه بغسل واحد"، قال: حديث أنس أصح؛ فيفهم منه أن حديث أبي رافع صحيح، ولكن حديث أنس أصح منه (3)، فلا يلتفت إلى تضعيف ابن القطان إياه.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 56 رقم 219).

(2)

"السنن الكبرى"(1/ 204 رقم 933).

(3)

في هذا الكلام نظر، فقد يكون حديث أبي رافع ضعيف عنده ولذلك قال؛ حديث أنس أصح منه، وقد يكون الحديثان ضعيفان عنده أيضًا ولكن حديث أنس أخف ضعفًا؛ فقال: =

ص: 569

ص: وقد روي أنه عليه السلام طاف على نسائه في غسل واحد: حدثنا يونس بن عبد الأعلى وبحرٌ، قالا: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا عيسى بن يونس ح.

وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا عيسى، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أنس:"أن النبي عليه السلام طاف على نسائه بغسل واحدٍ".

حدثنا علي بن شيبة، قال: حدثنا قييصة بن عقبة، قال: أنا سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، عن النبي عليه السلام مثله.

وحدثنا فهد، قال: نا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان فذكر بإسناده مثله.

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، نا هُشَيْم، عن حميد، عن أنس، عن النبي عليه السلام مثله.

وحدثنا أحمد بن داود، قال: نا سُليْمان بن حَربْ، قال: نا حماد بن سلمة ح.

وحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: نا عبيد الله بن محمَّد التيمي، قال: أنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، النبي عليه السلام مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا حيوة بن شريح، قال: ثنا بقية بن الوليد، عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن النبي عليه السلام مثله.

ش: ذكر هذا الحديث تأييدًا لقوله: إن غُسله عليه السلام عند جماع كل امرأة في طوافه في يوم واحد كان على طريق الاستحباب لا الوجوب، إذا لو كان ذاك واجبًا لفعله دائمًا، وحديث أنس أنه كان يطوف على نسائه بغسل واحد صريح على أن الغسل عند كل جماع ليس بواجب.

= حديث أنس أصح منه ومن المعلوم في علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل أن قول العالم: هذا الحديث أصح من هذا، ليس معناه أنه صحيح بل قد يكون الحديثان ضعيفين ولذلك فهم الحافظ ابن حجر أن قول أبي داود هذا طعن في حديث أبي رافع فقال في "تلخيص الحبير" (1/ 141): وهذا الحديث طعن فيه أبو داود فقال حديث أنس أصح منه. وهذا أيضًا غير مسلم.

ص: 570

ثم إنه أخرج حديث أنس من ثمان طرق:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، وبحر بن نصر بن سابق الخولاني، كلاهما عن يحيى بن حسان التنيسي.

عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.

عن صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام ابن عبد الملك، ضعّفه ابن معين وأبو زرعة، وعن البخاريّ: لين، وعنه: ليس بشيء.

عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن أنس بن مالك.

وأخرجه أبو داود (1): من طريق صالح بن أبي الأخضر معلقًا.

الثانى: عن إبراهيم بن أبي داود البرلُّسي.

عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري.

عن عيسى بن يونس.

عن صالح

إلى آخره.

الثالث: عن علي بن شيبة بن الصلت.

عن قبيصة بن عقبة شيخ البخاري.

عن سفيان الثوري.

عن معمر بن راشد.

عن قتادة بن دعامة، عن أنس، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): عن عبد الرحمن بن مهديّ، عن سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام طاف على نسائه في غسل واحد".

الرابع: عن فهد بن سليمان.

عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان

إلى آخره.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 56 رقم 218).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 185 رقم 12948).

ص: 571

وأخرجه ابن ماجه (1): عن محمَّد بن المثنى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن معمر، عن قتادة، عن أنس:"أن النبي عليه السلام كان يطوف على نسائه في غسل واحد".

الخامس: عن علي بن شيبة، عن يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ البخاري، عن هشيم بن بشير، عن حميد الطويل، عن أنس، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه ابن أبى شيبة في "مصنفه"(2): ثنا هشيم وابنُ علية، عن حميد، عن أنس:"أن النبي عليه السلام طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد".

السادس: عن أحمد بن داود المكي، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه الدارمي في "مسنده"(3): أنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس "أن رسول الله عليه السلام طاف على نسائه في يوم واحد".

السابع: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد.

عن عبيد الله بن محمَّد بن حفص بن عمر القرشي التيمي أبي عبد الرحمن البصري المعروف بالعيشي، وبالعايشي، وبابن عائشة.

عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(4)، ثنا أبو كامل، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس:"أن النبي عليه السلام طاف على نسائه جمع في يوم واحد".

الثامن: عن إبراهيم بن أبي داود، عن حيوة بن شريح، عن بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي، عن شعبة، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن جده أنس.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 194 رقم 588).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 136 رقم 1561).

(3)

"سنن الدارمي"(1/ 211 رقم 753).

(4)

"مسند أحمد"(3/ 160 رقم 12653).

ص: 572

وأخرجه مسلم (1): ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، قال: نا مسكين -يعني ابن بكير الحذّاء- عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس "أن النبي عليه السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد".

وهذه الطرق كلها صحاح، غير أن في الطريق الأول صالح بن أبي الأخضر فإن فيه مقالا، وقد ذكرناه.

قوله: "طاف على نسائه" من طاف حول الشيء إذا دار، وأراد بنسائه جميع نسائه، وهن إحدى عشرة على ما صرّح به البخاري في روايته، وعن سعيد، عن قتادة:"تسع نسوة"، وعن ابن خزيمة: لم يقل أحد من أصحاب قتادة: "إحدى عشرة" إلا معاذ عن أبيه.

قلت: الروايتان ليس بينهما خلاف؛ لأن نسوته عليه السلام كنّ تسعًا، وريحانة، ومارية سريتان، فسعيد لمح إلى المدخول بهن من الحرائر، وهشام أراد الموطوءات مطلقًا.

وقال أبو عبيدة: إن فاطمة بنت شريح، وريحانه زوجتان؛ فحينئذ يصرن إحدى عشرة.

وقال ابن حبان: حكى أنس رضي الله عنه هذا الفعل منه عليه السلام في أول قدومه المدينة، حيث كان تحته تسع نسوة؛ لأن هذا الفعل كان منه مرارًا لا مرةً واحدةً، ولا نعلم أنه كان تزوّج نسائه كلهن في وقت واحد، ولا يستقيم هذا إلا في آخر أمره، حيث اجتمع عنده تسع نسوة، وجاريتان، ولا نعلم أنه اجتمع عنده إحدى عشرة امرأةً بالتزويج، فإنه تزوج بإحدى عشرة أولهن خديجة، ولم يتزوج بعدها حتى ماتت.

قلت: لا خلاف أنه عليه السلام توفي عن تسع نسوة، وهن عائشة بنت أبي بكر الصديق التَيْميّة، وحفصةُ بنت عمر بن الخطاب العَدوّية، وأم حبيبة رَملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب الأُمَوّية، وزينب بنت جحش الأسدية، وأم سلَمة هِند بنت أبي أمية المخزومية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وسَوَدةُ بنت زمعة

(1)"صحيح مسلم"(1/ 249 رقم 309).

ص: 573

العامِرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصَفِيَّةُ بنت حييّ بن أخطب النضريّة الإسرائيلية الهارُونيّة رضي الله عنهن.

وقد اختلفوا في عِدّة أزواج النبي عليه السلام، وفي ترتيبهن، وعدة من مات منهن قبله، ومن دخل بها، ومَنْ لم يدخل بها، ومن خطبها ولم ينكحها، ومَنْ عرضت نفسها عليه.

فقالوا: أول امرأة تزوجها خديجة بنت خويلد، ثم سودة بنت زمعة، ثم عائشة، ثم حفصة، ثم أم سلمة، ثم جويرية، ثم زينب [بنت](1) جحش، ثم زينب بنت خزيمة، ثم ريحانة بنت زيد، ثم أم حبيبة، ثم صفية، ثم ميمونة، وتزوج فاطمة بنت الضحاك، وأسماء بنت النعمان.

وفيه اختلاف كثير، إلا أن المتفق عليه: أنهن إحدى عشرة امرأةً: خديجة، وسودة، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وميمونة، وصفيّة.

مات منهن في حياته عليه السلام خديجة، وزينب بنت خزيمة، ومات رسول الله عليه السلام عن الباقيات، وهن تسع كما ذكرنا.

ماتت خديجة بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربع، وقيل: بثلاث، وهو الصحيح، وكان لها من العمر خمس وستون سنة، وكانت مدة مقامها مع رسول الله عليه السلام خمسًا وعشرين سنة، ودفنت بالحَجُون.

وماتت سودة بنت زمعة بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين.

وماتت عائشة بالمدينة سنة سبع وخمسين، وقيل: ثمان وخمسين لسبع عشرة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن ليلًا فدفنت بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة، وكان يومئذ خليفة مروان على المدينة في أيام معاوية بن أبي سفيان.

وماتت حفصة بنت عمر بن الخطاب في شعبان سنة خمس وأربعين، وهي ابنة ستين سنة.

(1) سقط من "الأصل".

ص: 574

وماتت زينب بنت خزيمة في ربيع الآخر سنة أربع، ودفنت بالبقيع.

وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين، ودفنت بالبقيع وصلى عليها أبو هريرة، وكان عمرها أربعًا وثمانين سنة.

وماتت زينب بنت جحش بالمدينة سنة عشرين، ولها ثلاث وخمسون سنة، وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وماتت أم حبيبة بنت أبي سفيان بالمدينة سنة أربع وأربعين.

وماتت جويرية بنت الحارث في ربيع الأول سنة ست وخمسين ولها خمس وستون سنة.

وماتت ميمونة بنت الحارث بسَرف على عشرة أميال من مكة سنة ست وخمسين، ولها خمس وستون سنة.

وماتت صفية بنت حُييّ بالمدينة سنة خمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين والله أعلم.

ثم يستفاد من هذا الحديث: أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بالإجماع.

فإن قيل: ما يثبت وجوب الغسل؟

قلت: الجنابة مع إرادة القيام إلى الصلاة كما أنه سبب الوضوء الحدث مع إرادة القيام إلى الصلاة، وليست الجنابة وحدها كما هو مذهب بعض الشافعية، وإِلَّا يلزم أن يجب الغسل عقيب الجماع، والحديث ينافي هذا، ولا مجرد إرادة الصلاة وإِلَّا يلزم أن يجب الغسل بدون الجنابة.

ويستفاد أيضًا: عدم كراهة كثرة الجماع عند القدرة، وجواز الاكتفاء بغسل واحد عقيب جماع متعدد، وفيه تلويح إلى أن الوضوء بين الجماعين ليس بواجب، وما روي [من](1) الأمر به فمنسوخ، كما قد بيناه مستقصىً.

(1) في "الأصل، ك": عن.

ص: 575