المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: غسل يوم الجمعة - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: غسل يوم الجمعة

‌ص: باب: غسل يوم الجمعة

ش: أي: هذا باب في بيان حكم الغسل يوم الجمعة.

والمناسبة بين البابين أن ما قبله طهارة صغرى وهذا طهارة كبرى.

و"الجُمُعة" بضم الجيم والميم، وسكون الميم أيضًا، مشتقة من اجتماع الناس للصلاة، قاله ابن دُرَيْد. وقال غيره: بل لاجتماع الخليقة فيه وكمالها.

وفي "المطالع": وروي عن النبي عليه السلام أنها إنما سميت بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء، يعني في الأرض.

ص: حدثنا محمَّد بن علي بن محرز، قال: نا يعقوب بن إبراهيم، قال: نا أبي، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن طاوس، قال: قلت لابن عباس: "ذكروا أن النبي عليه السلام قال: اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم، وإن لم تكونوا جنُبَا، وأصيبوا من الطيب. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أعلمه".

حدثنا ابن أبى داود، قال: نا أبو اليمان، قال: أنا شعيب بن أبى حمزة، عن الزهري، قال: قال طاوس، قلت لابن عباس

ثم ذكر مثله.

حدثنا أبو بكرة قال: ثنا أبو عاصم النبيل، قال: أنا ابن جريج، عن إبراهيم بن مَيْسرة، عن طاوس، عن ابن عباس

مثله.

ش: هذه ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن محمَّد بن علي بن محرز البغدادي، وثقه ابن يونس وابن الجوزي.

عن يعقوب بن إبراهيم المدني.

عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.

عن محمَّد بن إسحاق المدني.

ص: 445

عن محمَّد بن مسلم الزهري.

عن طاوس بن كيسان اليماني.

وأخرجه البزار في "مسنده": عن الفضل بن سهل، عن يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق

إلى آخره نحوه.

الثانى: عن إبراهيم بن أبي داود، عن أبي اليمان الحكم بن نافع البَهْراني، عن شعيب بن أبي حمزة دينار القرشي الحمصي، عن الزهري عن طاوس

إلى آخره.

وأخرجه البخاري (1): عن أبي اليمان

إلى آخره، نحو رواية الطحاوي.

الثالث: عن أبي بكرة بكار، عن أبي عاصم النَّبِيل، بفتح النون وكسر الباءالموحدة، من النبالة، وهي الفضل، من: نَبُل -بضم عين الفعل- فهو نَبيل، واسمه: الضحاك بن مَخْلَد.

عن عبد الملك ابن جريج، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس.

وأخرجه مسلم (2): عن محمَّد بن رافع، عن عبد الرزاق، قال: أنا ابن جريج، قال: أخبرني إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس:"أنه ذكر قول النبي عليه السلام في الغسل يوم الجمعة، قال طاوس: فقلت لابن عباس: ويَمسّ طيبًا أو دهنًا إن كان عند أهله؟ قال: لا أعلمه".

قوله: "جُنبًا" منصوب على أنه خبر "إن لم تكونوا" وقد ذكرنا أن الجنب يطلق على الواحد والمثنى والجمع، والمذكر والمؤنث.

قوله: "وأصيبوا" أي: مِن: أَصَاب يُصِيب.

[إصابة](3) وكلمة "مِن" في: "مِن الطيب" للتبعيض، والطِيب

(1)"صحيح البخاري"(1/ 302 رقم 844).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 582 رقم 848).

(3)

تكررت في "الأصل".

ص: 446

اسم لما يُتَطَيَّب به حتى الماء فإنه يطلق عليه الطيب كما ورد في الحديث: "فإن الماء طيب"(1)، وسيجيء ذكره إن شاء الله تعالى.

وذلك لأن الطَيِّب في اللغة خلاف الخبيث، يُقال: طاب الشيء يطيب طِيبه وتَطيابَّاَ. وفي العُباب: وطِيبًا أيضًا.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: أنا عفان بن مسلم، قال: نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن يحيى بن وثَّاب، قال:"سمعت رجلًا سأل ابن عمر عن الغسل يوم الجمعة، فقال: أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم".

حدثنا فهد، قال: نا أبو نعيم، قال: نا إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن نافع وعن يحيى بن وثاب، قالا: سمعنا ابن عمر يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول ذلك.

حدثنا ابن مرزوق، قال: نا أبو داود، قال: نا شعبة، عن الحكم أنه سمع نافعًا يحدث، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام بذلك.

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: أنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الزهري عن حديث سالم بن عبد الله، عن عبد الله، عن حديث رسول الله عليه السلام بذلك.

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام، بذلك.

حدثنا ابن أبي داود، قال: نا سليمان بن حرب، قال: أنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام بذلك.

حدثنا أبو بكرة، قال: نا إبراهيم بن أبي الوزير، قال نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي عليه السلام بذلك.

(1) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 116)، والروياني في "مسنده"(1/ 241 رقم 350)، وأبو يعلى في "مسنده"(3/ 221 رقم 1659) كلهم من حديث البراء بن عازب، وسيأتي في هذا الكتاب قريبًا.

ص: 447

حدثنا عبد الرحمن بن الجارود أبو بشر البغدادي، قال: نا ابن أبي مريم، قال: نا الليث بن سعد، قال: حدثني ابن شهاب، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النبي عليه السلام بذلك.

ش: أخرج حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من ثمان طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عفان بن مسلم الصفار، عن شعبة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن يحيى بن وثاب الأسدي

إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا حجاج، أنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت يحيي بن وثاب:"سألت ابن عمر عن الغسل يوم الجمعة، قال: أمرنا به رسول الله عليه السلام".

الثانى: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق عمرو السبيعي، عن نافع، وعن يحيى بن وثاب، كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا شريك وأبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن يحيى بن وثاب، عن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه السلام: "مَنْ أتى الجمعة فليغتسل".

نا (3) ابن عياش، عن أبي إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام، بمثله.

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن الحكم بن عُتَيْبة، عن نافع.

(1)"مسند أحمد"(2/ 47 رقم 5078).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 433 رقم 4991).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 433 رقم 4992).

ص: 448

وأخرجه البزار في "مسنده": نا عمرو بن علي، نا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "من أتى الجمعة فليغتسل".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله.

وأخرجه أحمد في "مسند"(1): نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله عليه السلام وهو على المنبر يقول: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل".

الخامس: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر.

وأخرجه مالك في "موطإه"(2): عن نافع، عن عبد الله ابن عمر، أن رسول الله عليه السلام قال:"إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل".

السادس: عن إبراهيم بن أبي داود، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): نا محمَّد بن جعفر، عن شعبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام:"إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل".

السابع: عن أبي بكرة بكار، عن إبراهيم بن أبي الوزير، هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي المكي، المعروف بابن أبي الوزير، عن سفيان الثوري، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن سالم، عن أبيه عبد الله.

(1)"مسند أحمد"(2/ 35 رقم 4920).

(2)

"الموطأ"(1/ 102 رقم 231).

(3)

"مسند أحمد"(2/ 78 رقم 5488).

ص: 449

وأخرجه أبو عبد الله العدني في "مسنده": نا سفيان عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه سمع النبي عليه السلام، وهو على المنبر يقول:"من جاء منكم الجمعة فليغتسل".

الثامن: عن عبد الرحمن بن الجارود أبي بشر البغدادي، عن سعيد ابن الحكم بن سالم، المعروف بابن أبي مريم الجمحي المصري، شيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه مسلم (1): نا قتيبة بن سعيد، ثنا ليث.

ونا ابن رمح، نا ليث، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله عليه السلام أنه قال وهو قائم على المنبر:"مَنْ جاء منكم الجمعة فليغتسل".

ص: حدثنا محمَّد بن عبد الله بن ميمون، قال: أنا الوليد بن مسلم، قال: أنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: سمعت عمر رضي الله عنه على المنبر يقول: "ألم تسمعوا النبي عليه السلام يقول: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل؟ ".

ش: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

وأخرجه البخاري (2): نا أبو نعيم، نا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة:"أن عمر رضي الله عنه بينما يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل، فقال عمر: لم تحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا سمعت النداء فتوضأت، فقال: ألم تسمعوا النبي عليه السلام قال: إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل؟ ".

(1)"صحيح مسلم"(2/ 579 رقم 844).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 301 رقم 842).

ص: 450

وأخرجه مسلم (1): أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، قال حدثني يحيى بن أبي كثير، قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبو هريرة قال: "بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء، فقال عثمان: يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت. فقال عمر: والوضوء أيضًا؟! ألم تسمعوا رسول الله عليه السلام، يقول: إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل".

وأخرجه أبو داود (2): عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن معاوية، عن يحيى، عن أبي سلمة

إلي آخره، نحو رواية البخاري، وفيه:"والوضوء أيضًا" بدل قوله: "أو لم تسمعوا".

وأخرجه الترمذي من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه: "بينما عمر

" الحديث.

ص: حدثنا محمَّد بن حميد بن هشام الرعيني، قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، قال: ثنا المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن حفصة زوج النبي عليه السلام، عن النبي عليه السلام أنه قال:"على كل محتلم الرَّواح إلى الجمعة، وعلى من راح الجمعة الغسل".

ش: إسناده صحيح على شرط مسلم.

وعياش -بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين المعجمة- بن عباس -بالباء الموحدة والسين المهملة- القِتْبَانيّ.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 580 رقم 845).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 94 رقم 340).

ص: 451

وأخرجه أبو داود (1): ثنا أيزيد، (2) بن خالد الرملي، ثنا المفضل -يعني: ابن فضالة- عن عياش

إلى آخره، نحوه سواء.

قوله: "الرواح" أصل الرواح أن يكون بعد الزوال، ولكن المراد منه ها هنا الذهاب مطلقًا، يقال: راح القوم وتروّحوا، إذا ساروا أيَّ وقت كان.

وقال الأزهري: لغة العرب أن الرواح الذهاب، سواء كان أول النهار أو آخره، أو في الليل.

والمراد من "المحتلم" البالغ المدرك، وأصله من الحُلُم بضم الحاء وهو العقل، وأراد به من بلغ العقل، وجرى عليه حكم الرجال، سواء احتلم أو لم يحتلم.

ص: حدثنا روح بن الفرج القطان، قال: أنا يحيى بن عبد الله ويزيد بن مَوْهب وعبد الله بن عباد البصري، قالوا: نا المفضل فذكر بإسناده مثله.

ش: هذا طريق آخر، عن روح بن الفرج القطان أبي الزنباع المصري، عن يحيى بن عبد الله بن بكير المصري، وعن يزيد بن مَوْهب الشامي، وثقه ابن حبان. وعن عبد الله بن عباد البصري، قال في الميزان: ضعيف، ثلاثتهم قالوا: حدثنا المفضل بن فضالة فذكر روح الحديث بإسناده مثل المذكور.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(3)، وقال: ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يحين بن بكير، حدثني مفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القِتْبَانيّ، عن بُكَيْر بن عبد الله بن الأشج، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة، قالت: قال رسول الله عليه السلام: "الرواح يوم الجمعة واجب على كل محتلم، والغسل كاغتساله من الجنابة".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 94 رقم 342).

(2)

في "الأصل، ك": زيد، وهو تحريف، والمثبت من "سنن أبي داود" ومصادر ترجمته.

(3)

"المعجم الكبير"(23/ 195 رقم 334).

ص: 452

ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: نا أبو غسان، قال: أنا محمَّد بن بِشْر، قال: نا زكريا بن أبي زائدة، عن مصعب بن شيبة، عن طَلْق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنهم:"أن رسول الله عليه السلام كان يأمرنا بالغسل يوم الجمعة".

ش: إسناده صحيح، وأبو غسان مالك بن إسماعيل الكوفي شيخ البخاري في "الصحيح"، وطلق بن حبيب العنزي البصري روى له الجماعة؛ البخاري في الأدب.

وأخرجه أبو داود (1): نا محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: نا محمَّد بن بشر، قال: نا زكريا بن أبي زائدة، ثنا مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب العنزيّ، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة أنها حدثته:"أن النبي عليه السلام كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت".

ثم أخرجه في باب "الجنائز"، وقال: هذا منسوخ.

قوله: "كان يأمرنا" أرادت به أمر استحباب، لأجل التنظيف؛ لأن يوم الجمعة يوم ازدحام، فأمرهم بالغسل لئلا يتأذى بعضهم برائحة البعض، وليس المراد منه أمر الوجوب؛ لأن الأحاديث التي وردت بخلافه تدل على ذلك، على ما يجيء.

ص: حدثنا فهد، قال: نا أبو نعيم، قال: أنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن رجل من أصحابي النبي عليه السلام من الأنصار قال: قال رسول الله عليه السلام: "حق على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة ويتطيب من طيب، إن كان عنده".

ش: إسناده صحيح، وأبو نُعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): نا وكيع، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن شيخ من الأنصار، قال: قال رسول الله عليه السلام: "حق على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعه".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 96 رقم 348).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 363 رقم 23126).

ص: 453

وتعلقت الظاهرية به، فقالوا: هذه الثلاثة فرض يوم الجمعة.

والجواب عنه أنه منسوخ كما يأتي.

ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: نا مُسدد، قال: نا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، ح.

وحدثنا فهد قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا أبو خالد، عن داود بن أبي هند، عن أبى الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام، قال:"الغسل واجب على كل مسلم، في كل أسبوع يومًا، وهو يوم الجمعة".

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن أحمد بن داود المكي، عن مُسدد بن مُسَرْهَد، عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان الواسطي، عن داود بن أبي هند البصري، عن أبي الزبير محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس المكي، عن جابر.

والثانى: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد سليمان ابن حَيان -بالياء آخر الحروف- الكوفي المعروف بأبي خالد الأحمر

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن أبي خالد، إلى آخره نحوه، غير أن لفظه: فيه: "في كل سبع".

قوله: "أُسبوع" بضم الهمزة، ويقال: سُبُوع بلا ألف، وهي لغة قليلة، وهو اسم للأيام السبعة.

ص: حدثنا يونس، قال: نا سفيان، عن صفوان بن سُلَيم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري، يبلغ به النبي عليه السلام:"الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 433 رقم 4993).

ص: 454

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدَّثه، عن صفوان

فذكر بإسناده، مثله.

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عُيَيْنة، عن صفوان بن سُلَيم المدني، عن عطاء بن يسار الهلالي المدني، عن أبي سعيد الخدري، واسمه سعد بن مالك.

وأخرجه البزار في "مسنده": نا أحمد بن إياس القرشي، نا عبد العزيز بن محمَّد وعبد الله بن محمَّد بن أبي فروة، أبو علقمة الفروي، قالا: نا صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الغسل واجب على كل محتلم يوم الجمعة"، وهذا الحديث قد رواه مالك وابن عيينة.

الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن صفوان

إلى آخره.

وأخرجه البخاري (1): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.

ومسلم (2): عن يحيى بن يحيى، عن مالك.

وأبو داود (3): عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك.

والنسائي (4): عن قتيبة، عن مالك.

ص: حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث، قال: نا سعيد بن منصور، قال: نا هشيم، قال: نا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الحق على المسلم أن يغتسل

(1)"صحيح البخاري"(1/ 300 رقم 839).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 580 رقم 846).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 94 رقم 341).

(4)

"المجتبى"(2/ 93 رقم 1377).

ص: 455

يوم الجمعة، وأن يمس من طيب، إن كان عند أهله، فإن لم يكن عندهم طيب، فإن الماء طيب".

ش: إسناده حسن، ورجاله ثقات.

وأخرجه الترمذي (1): نا علي بن الحسن الكوفي، قال: نا أبو يحيي إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله عليه السلام: "حق على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة، وليمس أحدهم من طيب أهله، فإن لم يجد فالماء له طيب".

وقال: حديث البراء حديث حسن.

قوله: "إن من الحق" أي: من بَعْضه، وكلمة "من" للتبعيض.

قوله: "أن يغتسل" في محل النصب بتأويل المصدر على أنه اسم "إن"، والتقدير: أن غسل يوم الجمعة من الحق.

قوله: "وأن يمس" بالمصدر عطفا على "أن يغتسل"، من: مَسِسْتُ الشيء أَمَسُّه مسًّا: إذا لَمَسْتَه بيدك.

قوله: "إن كان عند أهله": أي: زوجته، ومنه يقال للمتزوج: الآهِل، وشرط فيه التمكن من وجوده، والتأكيد أيضًا، فإن طيب المرأة مكروه للرجل، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فأباحه ها هنا للرجل للضرورة لعدم غيره حتى لو كان عنده من طيب الرجال، وهو ما ظهر ريحه وخفي لونه لا يعدل عنه إلى طيب النساء.

قوله: "فإن الماء طيب" معناه: أنه مُطهر مُزيل للروائح الكريهة، وأيّ طيب يكون أشد إزالة للروائح الكريهة منه، والقصد منه أنه إن لم يظفر بطيب، لا يترك الاغتسال بالماء، ليكون ذلك أقوى في النظافة والطهارة.

(1)"جامع الترمذي"(2/ 407 رقم 528).

ص: 456

وهذا كما رأيت، أخرج الطحاوي هذه الأحاديث عن تسعة من الصحابة، وهم: ابن عباس، وابن عمر، وعمر بن الخطاب، وحفصة، وعائشة، ورجل من الأنصار، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب.

ولما أخرج الترمذي حديث ابن عمر في باب "ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة" قال: وفي الباب عن عمر، وأبي سعيد، وجابر، والبراء، وعائشة، وأبي الدرداء.

قلت: وفي الباب عن أنس، وبريدة بن الحُصَيْب، وثوبان، وسهل بن حبيب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن مسعود، وأبي أمامة رضي الله عنه.

فحديث ابي الدرداء عند الطبراني في "الكبير"(1)، وأحمد في "مسنده" (2): من رواية حرب بن قيس، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة ثم لبس ثيابه ومَسَّ طيبًا إن كان عنده، ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة، ولم يتخط أحدًا، ولم يؤذ، وركع ما قضى له، ثم انتظر حتى ينصرف الإِمام، غفر له ما بين الجمعتين".

وحرب بن قيس عن أبي الدرداء: مرسل، قاله أبو حاتم.

وحديث أنس عند ابن عدي في "الكامل" في ترجمة الفضل بن المختار (3)، عن أبان، عن أنس، ويْ ترجمة أبان أيضًا (4)، وفي ترجمة الفضل أيضًا عن تمام بن حسان، عن الحسن، عن أنس بلفظ:"من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل".

وأبان بن أبي عياش متروك، والفضل بن المختار لا يتابع على حديثه.

(1) عزاه له الهيثمي في "المجمع"(2/ 171)، وقال: رواه أحمد والطبراني في "الكبير" عن حرب بن قيس عن أبي الدرداء، وحرب لم يسمع من أبي الدرداء.

(2)

"مسند أحمد"(5/ 198 رقم 21777).

(3)

"الكامل" لابن عدي (6/ 15).

(4)

"الكامل" لابن عدي (1/ 385).

ص: 457

وحديث بُريدة عند البزار (1): من رواية أبي هلال، عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام، قال:"مَنْ أتى الجمعة فليغتسل".

وحديث ثوبان عند البزار (2) أيضًا: من رواية يزيد بن ربيعة، عن أبي الأشعث، عن أبي عثمان، عن ثوبان، قال: قال رسول الله عليه السلام: "حق على كل مسلم السواك، وغسل الجمعة، وأن يمس من طيب أهله إن كان".

ويزيد بن ربيعة الرحبي: ضعيف، وأبو الأشعث اسمه: شراحيل بن آدَة، وأبو عثمان اسمه: شراحيل بن مرثد.

وحديث سهل بن حنيف عند الطبراني في "الكبير"(3): من رواية يزيد بن عياض، عن أشعث بن مالك، عن عثمان بن أبي أمامة، عن سهل بن حنيف، عن رسول الله عليه السلام:"من حق الجمعة: السواك والغسل، ومَنْ وجد طيبًا فليس منه".

ويزيد بن عياض بن جُعْدُبة: ضعيف، قاله ابن المديني وابن معين وغيرهما.

وحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عند الطبراني أيضًا في "الكبير"(4): من رواية إبراهيم بن يزيد، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: قال رسول الله عليه السلام: "من أتى الجمعة فليغتسل"، وإبراهيم بن يزيد -الظاهر أنه الخوزي- وهو ضعيف.

(1) عزاه له الهيثمي في "المجمع"(2/ 173)، وللطبراني في "الأوسط" بنحوه وقال: وفي إسنادهما زكريا بن يحيى قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، قال الذهبي: وروى له حديثًا جيدًا وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ.

(2)

عزاه الهيثمي له في "المجمع"(2/ 172)، وقال: رواه البزار وفيه يزيد بن ربيعة، ضعفه البخاري، والنسائي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.

(3)

"المعجم الكبير"(6/ 88 رقم 5596).

(4)

عزاه الهيثمي له في "المجمع"(2/ 173)، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه إبراهيم بن يزيد -وأظنه الخوزي- فإنه في طبقته، روى عن التابعين، وهو متروك.

ص: 458

وحديث عبد الله بن مسعود عند البزَّار (1) من رواية وبرة، عن همام، عن عبد الله، قال:"من السنة الغسل يوم الجمعة".

وحديث أبي أمامة عند الطبراني في "الأوسط"(2): من رواية يحيى بن الحارث، عن القاسم، عن أبي أمامة:"أن رسول الله عليه السلام قام في أصحابه، قال: "اغتسلوا يوم الجمعة""،الحديث.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى إيجاب الغسل يوم الجمعة واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والمسيب بن رافع، ومالكًا -في رواية- وجماعة الظاهرية، فإنهم قالوا بوجوب الغسل يوم الجمعة بالأحاديث المذكورة.

وقال ابن حزم في "المحلى"(3): وممن قال بوجوب الغسل يوم الجمعة: عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة، لم يخالفه فيه أحد منهم، وأبو هريرة، وابن عباس وأبو سعيد الخدري، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمرو بن سليم [وعطاء](4)، وكعب، والمسيب بن رافع.

قال: ولا نعلم أنه يصح عن أحد من الصحابة إسقاط فرض الغسل يوم الجمعة.

وقال القاضي عياض: اختلف السلف والعلماء في غسل الجمعة؛ فروي عن بعض الصحابة وجوبه، وبه قال أهل الظاهر، وتأول ابن المنذر أنه مذهب مالك، وحكاه الخطابي عنه وعن الحسن.

(1)"مسند البزار"(5/ 315 رقم 1932).

(2)

"المعجم الأوسط"(7/ 135 رقم 7087).

(3)

"المحلى"(2/ 9 - 10).

(4)

ليس في "الأصل، ك" والمثبت من "المحلى".

ص: 459

وعامَّة فقهاء الأمصار على أنه سُنّة، وهو حقيقة مذهب مالك، والمعروف من قوله، ومعظم قول أصحابه وجاء عنه ما دل أنه مستحب، وقال به طائفة من العلماء.

وقال بعضهم: الطيب يجزئ عنه.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: ليس الغسل يوم الجمعة بواجب، ولكنه مما قد أمر به رسول الله عليه السلام لمعان قد كانت فمنها: ما رُوي عن ابن عباس في ذلك:

حدثنا فهد بن سليمان، قال: نا ابن أبي مريم، قال: أنا الدراورديُّ ح.

وحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: نا القعنبيُّ، قال: نا الدراوردي، قال: حدثني عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، قال:"سئل ابن عباس رضي الله عنه عن الغسل يوم الجمعة؛ أواجب هو؟ قال: لا، ولكنه طهور وخير، فمن اغتسل فحسنٌ، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب. وسأخبركم (كيف) (1) بَدْءُ الغُسْل: كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقًا مُقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله عليه السلام في يوم حرٍّ وقد عَرِقَ الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت رياح، حتى آذى بعضُهم بعضًا، فوجد رسول الله عليه السلام تلك الرياح، فقال: أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أمثل ما يجد من دُهْنه وطيبه، قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكُفُوا العملَ وَوُسِّع مسجدُهم".

فهذا ابن عباس يخبر أن ذلك الأمر الذي كان من رسول الله عليه السلام بالغسل لم يكن للوجوب عليهم، وإنما كان لعلة ثم ذهبت تلك العلة فذهب الغسل، وهو أحد من روي عنه عن رسول الله عليه السلام:"أنه كان يأمر بالغسل".

(1) تكررت في "الأصل".

ص: 460

ش: أي: خالف القوم المذكورين جماعةٌ آخرون، وأراد بهم جمهور العلماء من التابعين وغيرهم، والأئمة الأربعة وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: الغسل يوم الجمعة ليس بواجب، وإنما كان النبي عليه السلام أمر به لعلة، وقد زالت، فزال وجوب الغسل معها. وقد بيَّنها ابن عباس رضي الله عنهما في حديثه المذكور، وقد علم أن الحكم ينتهي بانتهاء علته.

قوله: "لمعان" أي لعلل، واختار لفظ المعاني كراهة لذكر اصطلاح الفلاسفة.

قوله: "فمنها" أي فمن تلك المعاني، ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن فهد بن سليمان النحاس، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري في "الصحيح"، عن عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي نسبته إلى درَاوَرْد، بفتح الدال، قرية بخراسان، عن عمرو بن أبي عمرو مَيْسرة، ابن عمار المدني.

الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، عن الدراوردي

إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (1): عن عبد الله بن مسلمة، عن الدراوردي، عن عمرو -يعني ابن أبي عمرو- عن عكرمة:"أن ناسًا من أهل العراق جائوا فقالوا: يا ابن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجبًا؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم"

إلى آخره نحوه.

قوله: "طهور" أي: مطهر للبدن، وخير لمن اغتسل في الثواب.

قوله: "كيف بَدْء الغسل" أي: كيف كان ابتداؤه.

قوله: "مجهودين" من قولهم جُهِدَ الرجل فهو مجهودٌ، إذا وجد مشقةً.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 97 رقم 353).

ص: 461

قوله: "إنما هو عريش" العريش: كُلُّ ما يُستظل به، والمراد أن سقفه كان من الجريد، والسَعَف.

قوله: "حتى ثارت" أي هاجت، من: ثار يثور ثَوْرًا، وثَوَرانًا، إذا سطع.

قوله: "أمثل ما يجد" أي: أفضل ما يجده.

قوله: "من دهنه" يتناول الزيت، ودهن السمسم، وغيرهما من الأدهان الطيبة، وكذلك الطيب: يتناول سائر أنواع الطيب، مثل المسك والعنبر، والعالية ونحوها.

قوله: "ثم جاء اللهَ بالخير" إشارة إلى أن الله تعالى فتح الشام ومصر وعراق على أيدي الصحابة رضي الله عنهم، وكثرت أموالهم وخدمهم و [حشمهم](1)، فغيروا اللَّبِنَ، والبناء وغير ذلك.

وقد خبَّط ابن حزم هنا تخبيطًا عظيمًا لترويج مذهبه، فقال (2): وأما حديث ابن عباس فقد روي من طريقين:

أحدهما: من طريق محمَّد بن معاوية النَيْسابوري، وهو معروف بوضع الأحاديث والكذب.

والثاني: من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، وهو ضعيف لا يحتج به.

ثم لو صح من حديث عمرو بن أبي عمرو فليس فيه حجة لهم بل حجة لنا عليهم؛ لأنه ليس فيه من كلام النبي عليه السلام إلا الأمر بالغسل وإيجابه، وكل ما تعلقوا به في إسقاط وجوب الغسل فليس من كلامه عليه السلام، وإنما هو من كلام ابن عباس وظنِّه، ولا حجة في أحدٍ دونه عليه السلام.

قلت: الطريق الذي أخرجه الطحاوي وأبو داود صحيح، وعمرو بن أبي عمرو احتجت به الجماعة، فلا التفات إلى تضعيف ابن حزم إياه.

(1) في "الأصل، ك": ومماشهم، وهو تحريف، والحَشَم: جماعة الإنسان اللائذون به لخدمته، انظر "النهاية "(1/ 391).

(2)

"المحلى"(2/ 12).

ص: 462

وقوله: "فليس فيه حجة لهم" كلام ساقط؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما لو لم يدر عدم وجوب الغسل يوم الجمعة لما قال: "لا"، حين سئل عنه. وكيف وقد رَوَى عنه عليه السلام: أنه كان يأمر به، ولو لم يثبت عنده أن هذا الأمر كان لعلة، وأنها قد زالت فزال الوجوب، لما علَّل عدم الوجوب بما ذكره، ولا يُظَن في حق ابن عباس أنه عرف وجوب الغسل وحقيقته، ثم ترك وذهب! إلى عدم الوجوب. وكيف وهو أعلم الناس بمواقف النصوص، وعللها ومواردها، وما يتعلق بأحكامها؟!.

ص: وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في ذلك شيء:

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنا أنس بن عياض، عن يحيي بن سعيد ح.

وحدثنا محمَّد بن الحجاج، قال: أنا علي بن معبد، قال: أنا عبيد الله -يعني ابن عمرو الجزري- عن يحيي بن سعيد قال: "سألت عمرة عن غسل يوم الجمعة، فذكرت أنها سمعت عائشة تقول كان الناس عُمَّال أنفسهم، فيروحون بهيئتهم، فقال: لو اغتسلتم".

فهذه عائشة رضي الله عنها تخبر أن رسول الله عليه السلام إنما كان ندبهم إلى الغسل للعلة التي أخبر بها ابن عباس رضي الله عنهما، وأنه يجعل ذلك عليهم حتمَا. وهي أحد مَنْ روينا عنه في الفصل الأول أن النبي عليه السلام كان يأمر بالغسل في ذلك اليوم.

ش: أي قد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في المعنى الذي ذكره ابن عباس شيء؛ حيث قالت: "كان الناس عمال أنفسهم

" إلى آخره، أرادت: إنما أمرهم رسول الله عليه السلام بالغسل للمعنى الذي ذكره ابن عباس، وذلك المعنى قد زال، فزال الوجوب؛ على أن عائشة رضي الله عنها هي أحد من روى عنه أنه عليه السلام كان يأمر بالغسل يوم الجمعة.

ثم إنه أخرج حديث عائشة من طريقين صحيحين:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن أنس بن عياض بن ضمرة المدني، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: "سألت عَمْرَة

".

ص: 463

وأخرجه البخاري (1): نا عبدان قال: أنا عبد الله، قال: أنا يحيى بن سعيد: "أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة رضي الله عنها: كان الناس مهنة أنفسهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم".

الثانى: عن محمَّد بن الحجاج الحضرمي، عن علي بن معبد بن شداد العبدي، عن عبيد الله بن عمرو أبي الوليد الجزري الرقيّ، [عن يحيى بن سعيد الأنصاري](2)، عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية.

وأخرجه مسلم (3): نا محمَّد بن رمح، قال: أنا الليث، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:"كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كُفاة، فكانوا يكون لهم التَّفَلُ، فقيل لهم: لو اغتسلتم".

وأخرجه أبو داود (4): نا مسدد، قال: نا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان [الناس] (5) مُهَّان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم".

قوله: "عُمَّال أنفسهم" بضم العين وتشديد الميم، جمع عامل، وأراد أنهم كانوا يخدمون أنفسهم ويعملون أعمالهم بأنفسهم، لم يكن لهم مَنْ يخدمهم. والإنسان إذا باشر العمل الشاق بنفسه حَمِيَ بدنه وعَرِق، ولا سيما في البلاد الحارة، فربما يكون منه الرائحة الكريهة، فأمروا بالاغتسال تنظيفًا للبدن، وقطعًا للرائحة.

و"المَهَنة" بالفتحات -جمع ماهِن، وهو الخادم، كالكتبة جمع كاتب، وكذلك المهَّان -بضم الميم وتشديد الهاء- جمع ماهِن، ككُتَّاب جمع كاتب، وقال الحافظ

(1)"صحيح البخاري"(1/ 307 رقم 861).

(2)

ليس في "الأصل، ك" وهو موجود في إسناد الطحاوي كما سبق.

(3)

"صحيح مسلم"(2/ 581 رقم 847).

(4)

"سنن أبي داود"(1/ 97 رقم 352).

(5)

ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "سنن أبي داود".

ص: 464

أبو موسى: "مِهَان" بكسر الميم والتخفيف: جمع [ماهِن](1) كصِيَام جمع صائِم، وقِيَام جمع قائِم.

قوله: "راحوا في هيئتهم" أي: في صفتهم التي كانوا عليها، والعرق والغبار والرائحة الكريهة.

قوله: "لو اغتسلتم" جوابه محذوف، أي: لو اغتسلتم لكان زال منكم ما يُكره ويؤذي جاره، أو لكان أحب.

قوله: "ولم يكن لهم كُفاة" بضم الكاف، جمع كافي، كقضاة جمع قاضي، وأراد بهم العبيد والخدم الذين يكفونهم الخدمة والعمل.

قوله: "فكانوا يكون لهم التَّفَل" بفتح التاء المثناة من فوق، وفتح الفاء، وأراد به: الرائحة الكريهة.

قوله: "يكون لهم التفل" جملة في محل النصب على أنها خبر قوله: "فكانوا".

ص: وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يدل على أن ذلك لم يقع عِنْدَهُ موقع الفرض.

حدثنا علي بن شيبة، قال: نا يزيد بن هارون، قال: أنا هشام بن حسان، عن محمَّد بن سيرين، عن ابن عباس:"أن عمر ابن الخطاب بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ أقبل رجل فدخل المسجد فقال له عمر الآن توضأت، قال: ما زدت حين سمعت الأذان على أن توضأت ثم جئت. فلما دخل أمير المؤمنين ذكَّرته، فقلت: يا أمير المؤمنين أما سمعمت ما قال؟ قال: وما قال؟ قلت: قال: ما زدت على أن توضأت حين سمعت النداء، ثم أقبلت. فقال: أما إنه قد علم أنَّا أمرنا بغير ذلك. قلت: وما هو؟ قال: الغسل، قلت: أنتم أيها المهاجرون الأولون أم الناس جميعًا. قال: لا أدري".

(1) في "الأصل، ك": مهان، وهو تحريف أو سبق قلم من المؤلف وانظر "النهاية في غريب الحديث" (4/ 376) و"لسان العرب":(مهن).

ص: 465

ش: أي قد روي عن عمر- رضي الله عنه ما يدل على أن الأمر بالغسل يوم الجمعة لم يقع موقع الفرض عنده بل وقع موقع الاستحباب؛ وذلك لأن قوله: "لا أدري"، يدل على ذلك، حين قال له ابن عباس "أنتم أيها المهاجرون الأولون أم الناس جميعًا".

ورجاله رجال "الصحيح" ما خلا علي بن شيبة.

وأخرجه ابن أبي شيبةَ في "مصنفه"(1): نا يزيد بن هارون، عن هشام

إلى آخره نحوه.

ونا هشيم (2)، عن منصور، عن ابن سيرين، قال:"أقبل رجل من المهاجرين يوم الجمعة، فقال له عمر: هل اغتسلت؟ قال: لا، قال: لقد علمت أنا أُمِرْنَا بغير ذلك، قال الرجل بم أمرتم؟ قال: بالغسل، قال: أنتم معشر المهاجرين أم الناس؟ قال: لا أدري".

قوله: "بينما" ظرف زمان، يعني المفاجأة، وأصله "بين" زيدت فيه الألف والميم.

قوله: "إذْ أقبل" جوابه: قوله "ذكّرته"، بالتشديد، وفاعله ابن عباس، أي: ذكرت عمر ما قاله ذلك الرجل.

قوله: "أما سمعت ما قال"، أي: ما قال ذلك الرجل.

قوله: "قال: قال: وما قال" أي: قال ابن عباس: قال عمر: ما قال ذلك الرجل؟

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، قال:"دخل رجل من أصحاب النبي عليه السلام المسجد يوم الجمعة، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب، فقال عمر: أيَّة ساعةٍ هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت. فقال عمر: الوضوء أيضًا، وقد علمت أن رسول الله عليه السلام كان يأمر بالغسل؟ ".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 434 رقم 5000).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 434 رقم 4999).

ص: 466

قال مالك: والرجل عثمان رضي الله عنه.

ش: هذا مرسل، وأخرجه مالك في "موطإه"(1) مرسلًا أيضًا، هكذا أكثر الرواة.

ووصله رَوْح بن عبادة، وإبراهيم بن طهْمان، والقعنبي في رواية إسماعيل بن إسحاق عنه، فجعلوه عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهم.

قال الترمذي (2): وسألت محمدًا عن هذا فقال: الصحيح حديث الزهري عن سالم عن أبيه، أراد أن المسند هو الصحيح.

قوله: "آية ساعة هذه" على طريق التقريع والبيان والتعريف للداخل.

ويستفاد منه أحكام:

الأول: جواز أمر الإِمام في خطبته بالمعروف ونهيه عن المنكر، وسؤاله من يحتاج سؤاله في أمور الناس، وجواب الآخر له، وأنه ليس أحد منهم لاغيًا، وإنما اللاغي من أعرض عن استماع الخطبة، وشغل نفسه عنها بكلام أو غيره مما يمنعه من السماع.

الثانى: فيه جواز العمل يوم الجمعة قبل النداء، والتجارة والمبايعات. وقد كان أصحاب النبي عليه السلام يكرهون ترك العمل يوم الجمعة كي لا يُتَشَبه باليهود.

الثالث: فيه حجة لمن لا يرى الأوامر على الوجوب إلا بقرينة، بدليل فعل عثمان، وإقرار عمر، وترك إنكار الصحابة رضي الله عنهم ترك الغسل مع اعترافهم بالأمر به.

الرابع: فيه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكونا بالتلطف، وترك المواجهة بخشن القول وصريح الإنكار، ألا ترى كيف قال عمر- رضي الله عنه في الحديث الآخر:"ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟ " وكثيرًا ما كان النبي عليه السلام يفعل مثل هذا، ولا سيما لأهل الفضل ولمن لا يظُن به إلا الخير، ومَنْ له عذر.

(1)"موطأ مالك"(1/ 101 رقم 229).

(2)

جامع الترمذي (2/ 366 رقم 495).

ص: 467

الخامس: فيه دليل أن السعي إنما يجب بالنداء وبسماعه؛ حيث قال عثمان رضي الله عنه: "سمعت النداء"، وأن شهود الخطبة ليس بواجب.

قال القاضي: هذا على مقتضى قول أكثر أصحابنا، ولا يشترط في صحة صلاة الجمعة، على قول آخرين.

السادس: فيه دليل على جواز شهود الأخيار والفضلاء السوق، ومعاناة التَجْر (1) فيه، وهكذا كان المهاجرون يعانون المتاجر؛ لأنهم لم تكن لهم حيطان ولا غلات يعتمرونها إلا بعد حين، وكانت الأنصار ينظرون في أموالهم ويعتمرونها.

السابع: فيه دليل على طلب الرزق والتعرض له والتحرف.

الثامن: هو المقصود منه ها هنا: أن فيه دليلًا على أن أمره عليه السلام بالغسل ليوم الجمعة ليس بفرض؛ لأن عمر- رضي الله عنه في هذا الحديث لم يأمر عثمان بالانصراف للغسل، ولا انصرف عثمان حين ذكره عمر بذلك، ولو كان الغسل واجبًا للجمعة ما أجزأت الجمعة إلا به، ما لا تجزئ الصلاة إلا بالوضوء للحديث، أو بالغسل للجنب.

وفي هذا ما يوضح (أن) قوله عليه السلام في حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم، كغسل الجنابة"، أنه وجوب سنة واستحباب وفضيلة، وأن قوله:"كغسل الجنابة"؛ أراد به الهيئة والحال، والكيفية، فمن هذا الوجه وقع التشبيه له بغسل الجنابة، لا من جهة الوجوب.

وقد أجمع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب، وفي ذلك ما يكفي ويفي عن الإكثار، ولا يجوز على الأمة بأسرها جهل معنى السنة ومعنى الكتاب (2). والله أعلم بالصواب.

(1) التَّجْر: التِّجارة، مصدر: تجر، يَتْجُر، تجرًا، من باب: قتل، انظر "القاموس"، و"المصباح".

(2)

قارن -حول دعوى الإجماع هنا-: "المحلى"(2/ 9)، "المغني"(3/ 225)، "فتح الباري"(2/ 420).

ص: 468

فائدة: قال أبو عمر- رضي الله عنه: أول من دُعِيَ بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وإنما، كان يقال لأبي بكر- رضي الله عنه: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان السبب في ذلك أنه كتب إلى عامل العراق: أن أبعث إلى برجلن "جَلِيدَيْن"(1) نبيلين نَسْأَلُهما عن العراق وأهله، فبعث إليه عاملُ العراق بلبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم. فلما قدما المدينة أناخا راحلتَيْهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد، فإذا هما بعمرو بن العاص، فقالا له: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين. فقال عمرو: أنتما والله أصبتما اسمه، نحن المؤمنون وهو الأمير. فوثب عمرو فدخل، فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال عمر- رضي الله عنه: ما بدا لك يا ابن العاص في هذا الاسم؟ قال: إن لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم قدما، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد فقالا لي: استأذن لنا يا عمرو على أمير المؤمنين، فهما والله أصابا اسمك؛ أنت الأمير ونحن المؤمنون. قال: فجرى الكتاب من يومئذ (2)، وقد روي أن عمر- رضي الله عنه هو الذي [سمي]، (3) نفسه أمير المؤمنين. والله أعلم.

ص: حدثنا ابن أب داود، قال: أنا عبد الله بن محمَّد بن أسماء جويرية، عن مالك، عن الزهري عن سالم عن أبيه مثله، غير أنه لم يذكر قول مالك: إنه عثمان رضي الله عنه.

ش: هذا طريق آخر وهو مسند صحيح.

وأخرجه البخاري (4): نا عبد الله بن محمَّد بن أسماء، قال: أنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر- رضي الله عنه، عن ابن عمر- رضي الله عنه: "أن

(1) جَلِيدين: في "الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 458) بها مش الإصابة: جَلْدين، وهما بمعى.

(2)

فجرى الكتاب من يومئذ: يعني على ذلك، والعبارة في "الاستيعاب" كما هنا، وفي "أُسْد الغابة" (4/ 170): فجرى الكتاب "من عمر أمير المؤمنين"، من ذلك اليوم، اهـ وهي أوضح.

(3)

في "الأصل": سمه، والمثبت من "ك".

(4)

"صحيح البخاري"(1/ 300 رقم 383).

ص: 469

عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين، من أصحاب رسول الله عليه السلام، فناداه عمر: أيَّه ساعة هذه؟ قال: إني شُغِلْت فلم أَنْقِلب إلى أهلي حتى سمعت المنادي، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضًا وقد علمت أن رسول الله عليه السلام كان يأمر بالغسل؟! ".

وأخرجه مسلم (1): عن حرملة بن يحيي، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني سالم بن عبد الله، عن أبيه: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة دخل رجل

الحديث".

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: نا حُسَين بن مهدي، قال: نا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، مثله.

ش: هذا طريق أخر، وهو أيضًا صحيح عن أبي بكرة بكار.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا عبد الرزاق، نا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: "أن عمر بن الخطاب بينا هو قائم يخطب يوم الجمعة، فدخل رجل من أصحاب النبي عليه السلام، فناداه عمر: أيَّة ساعة هذه

" إلى آخره نحو رواية البخاري.

ص: حدثنا محمَّد بن عبد الله بن ميمون، قال: نا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ح.

وحدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود، قال: نا حرب بن شداد، قال: حدثني يحيى -يعني ابن أبي كثير- قال: حدثني أبو سلمة، قال: حدثني أبو هريرة، قال: "بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس إذ دخل عثمان بن عفان فعرّض به عمر، فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء

" ثم ذكر مثله.

ش: هذا وجه آخر من حديث أبي هريرة.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 580 رقم 845).

(2)

"مسند أحمد"(1/ 29 رقم 202).

ص: 470

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن محمَّد بن عبد الله بن ميمون، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف، عن أبي هريرة.

وأخرجه مسلم (1): ثنا إسحاق بن إبراهيم، قالك أنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبو هريرة، قال:"بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة، إذ دخل عثمان بن عفان، فعرض به عمر، فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء، فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت، فقال عمر: والوضوء أيضًا؟! ألم تسمعوا رسول الله عليه السلام يقول: إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل؟ ".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن حرب بن شداد

إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسند"(2): نا عبد الصمد، نا حرب بن شداد، نا يحيي، نا أبو سلمة، نا أبو هريرة، قال:"بينا عمر بن الخطاب (يخطب) (3) إذْ جاء رجل فجلس، فقال عمر: لم تحتبسون عن (الصلاة) (4)؟ فقال الرجل يا أمير المؤمنين، ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم أقبلت. فقال عمر: والوضوء أيضًا؟ ألم تسمعوا رسول الله عليه السلام يقول: إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل؟ ".

(1)"صحيح مسلم"(2/ 580 رقم 845).

(2)

"مسند أحمد"(1/ 46 رقم 319).

(3)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "مسند أحمد".

(4)

كذا في "الأصل، ك": وفي "المسند": الجمعة.

ص: 471

ص: حدثنا فهد، قال: نا أبو غسان، قال: نا جويرية، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رجلًا من المهاجرين الأولين دخل المسجد وعمر رضي الله عنه يخطب، فناداه عمرك أيَّة ساعة هذه؟ فقال: ما كان إلا الوضوء ثم الإقبال. فقال عمر: والوضوء أيضًا؟ لقد علمت أنا كنا نؤمر بالغسل".

ش: هذا وجه آخر صحيح من حديث ابن عمر، عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي، عن جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، إلى آخره.

قوله: "ثم الإقبال" أي: التوجه إلى الصلاة.

ص: ففي هذه الآثار غيرُ معنى يَنْفِي وجوب الغسل:

أما أحدها: فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يغتسل، واكتفى بالوضوء، ولم يأمره عمر أيضًا بالرجوع لأمر رسول الله عليه السلام إياه بالغسل، ففي ذلك دليل على أن الغسل الذي كان أمره به لم يكن عندهما على الوجوب، وإنما كان لِعِلَّةِ ما قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، أو لغير ذلك، ولولا ذلك لما تركه عثمان ولا سكت عمر عن أمره إياه بالرجوع حتى يغتسل، وذلك بحضرة أصحاب النبي عليه السلام الذين قد سمعوا ذلك من النبي عليه السلام كما سمعه عمر، وعلموا معناه الذي أراده، فلم ينكروا من ذلك شيئًا، ولم يأمروا بخلافة، ففي هذا إجماع منهم على نفي وجوب الغسل.

ش: أي: الآثار المروية عن عمر رضي الله عنه.

قوله: "غير معنى" كلام إضافي، مبتدأ وخبره.

قوله: "ففي هذه الآثار" والمعنى: أن في هذه الآثار معانٍ كثيرةٌ تدل على نفي وجوب الغسل يوم الجمعة.

"أما أحدها" أي: أما أحد المعاني التي تدل على نفي وجوب الغسل، "فإن عثمان

" إلى آخره، وهذا المعنى ظاهر.

ص: 472

فإن قيل: من أين لكم أن عثمان لم يغتسل في صدر يومه ذلك؟ ومن أين لكم أن عمر رضي الله عنه لم يأمر بالرجوع للغسل؟

قلت: من أين لكم أنه اغتسل في صدر يومه؟ ومن أين لكم أن عمر أمره بالرجوع؟ بل القرائن دلّت على ما ادّعينا، والأصل عدم الغسل من عثمان، وعدم الأمر بالرجوع له من عمر، فمن ادعى خلافة فعليه البيان.

فإن قيل: قطع عمر الخطبة منكرًا على عثمان أن لم يوصل الغُسْلَ بالرواح، دليل على أن ذلك واجب عنده، وموافقة الصحابة أيضًا عمر رضي الله عنه على قوله ذلك، حيث لم ينكروا عليه قطع خطبته، فهذا أيضًا يدل على أنه واجب عندهم.

قلت: قَطْعُ عمر خطبته إنما كان للتعريف لعثمان بما فاته من فضل التهجير، وأنه وقت طيِّ الصحف، ولهذا قال:"أيَّة ساعةٍ هذه؟ " على طريق التوبيخ والتقريع؛ ليسمع الحاضرون ذلك ويبكروا إلى الجمعة، ولم يكن ذلك لأجل الأمر بالغسل ولا بغيره.

فإن قيل: أليس هذا لغوًا، واللغو قد نهي عنه في الخطبة؟

قلت: ليس الأمر كذلك بل إنما هو أمر بالمعروف، وترغيب بالمبادرة إلى النداء، واللاغي مَنْ أعرض عن استماع الخطبة، وشغل نفسه عنها بكلام أو غيره مما يمنعه من السماع.

ومن المعاني التي تدل على نفي وجوب الغسل: ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: "وسأخْبركم كيف كان بَدْءُ الغسل: كان الناس مجهودين

" إلى آخره.

ومنها: ما قالت عائشة رضي الله عنها: "كان الناس عُمَّال أنفسهم

" إلى آخره أشار إلى ذلك بقوله: "وإنما لعلة ما قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم".

ومنها: أن يكون ذلك لزيادة التنظيف والمبالغة في الطهارة.

ومنها: تعظيم يوم الجمعة بمباشرة الطهارة الكبرى.

ص: 473

ومنها: تفضيل صلاة الجمعة على غيرها من الصلوات حيث يبُاشرها بالغسل.

أشار إلى هذه المعاني بقوله: "أو لغير ذلك".

ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام ما يدل على أن ذلك كان من طريق الاختيار، وإصابة الفضل.

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: أنا يعقوب الحضرمى، قال: أنا الربيع بن صَبيح، عن الحسن، وعن يزيد الرقاشى، عن أنس قال: قال رسول الله عليه السلام: "مَنْ توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فحسن".

ش: أي: ما يدل على أن أمره عليه السلام بالغسل يوم الجمعة، في الآثار المذكورة، كان أمر استحباب وفضيلة؛ وهو حديث أنس رضي الله عنه فإنه صريح، بأن الغسل يوم الجمعة ليس بواجب، وإنما هو فضيلة وحسن.

لا يقال: إنه حديث ضعيف، وأحاديث الأمر بالغسل صحاح؛ لأنا نقول فيما يُخَرِّجُه أيضًا أحاديث صحاح؛ كحديث سَمُرة، على ما يأتي، وغيره.

على أنا لا نسلم أن يكون حديث أنس ضعيفًا لأجل يزيد بن أبان الرقاشي؛ فإن ابن عدي قال: أرجو أنه لا بأس به؛ لرواية الثقات عنه. وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله البكائين بالليل.

أو لأجل الربيع بن صبيح، فإن أبا زرعة قال: شيخ صالح صدوق، وقال ابن عدي: له أحاديث مستقيمة صالحة، ولم أر له حديثا منكرًا جدًّا، وأرجو أنه لا بأس به، وصَبِيح بفتح الصاد.

وأما يعقوب بن إسحاق الحضرمي أبو محمَّد البصري المقرئ النحوي فإنه من رجال صحيح مسلم.

والحديث أخرجه ابن ماجه (1): نا نصر بن علي الجهضمي، نا يزيد بن هارون،

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 347 رقم 1091).

ص: 474

أنا إسماعيل بن مسلم المكي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي عليه السلام قال:"مَنْ توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، يجزئ عنه الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

قوله: "فبها" أي: فبهذه الفعلة أو الخصلة أخذ. وقال الأصمعي: معناه فبالسنة أخذ.

و"نِعْمت" أي: نعمت الخصلة، والمخصوص بالمدح محذوف؛ أي: هي.

قوله: "فحسن" أي: فهو حسنٌ، والجملة جواب الشرط.

فإن قيل: إلام يرجع الضمير؟

قلت: إلى الغسل الذي دل عليه.

قوله: "ومن اغتسل" كما في قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (1).

أي: العدل أقرب للتقوى.

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال أنا عفان، قال: أنا همام ح.

وحدثنا فهد، قال: نا أبو الوليد، حدثنا همام، عن قَتَادَةَ، عن الحسن، عن سَمُرة عن النبي عليه السلام مثله، غير أنه قال:"ومن اغتسل فالغسل أفضل".

ش: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه من طريقين.

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عفان بن مسلم البصري، عن همام بن يحيى البصري، عن قَتَادَةَ بن دعامة، عن الحسن البصري، عن سَمُرة، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه ابن أبى شيبة؛ في "مصنفه"(2) قال: نا عفان، قال: ثنا همام، عن قَتَادَةَ،

(1) سورة المائدة، آية (8).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 436 رقم 5026).

ص: 475

عن الحسن، عن سَمُرة، أن النبي عليه السلام، قال:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فذلك أفضل".

وأخرجه الدارمي في "سننه"(1) عن عفان

إلى آخره نحوه.

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن همام

إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (2): نا أبو الوليد الطيالسي

إلي آخره نحوه.

والترمذي (3): عن ابن المثنى، عن سعيد بن سفيان الجَحْدري، عن شعبة، عن قَتَادَة، عن الحسن

إلى آخره نحوه، وقال: حديث سَمُرة حديث (حسن صحيح)(4).

والنسائي (5): عن ابن الأشعث، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن قَتَادَة؛

إلى آخره نحوه، قال أبو عبد الرحمن: الحسن عن سَمُرة (كتاب (6)) ولم يسمعِ الحسنُ من سَمُرة إلا حديث العقيقة.

قلت: في سماع الحسن من سَمُرة ثلاثة مذاهب:

الأول: أنه سمع منه مطلقًا، وهو قول ابن المدينى، ذكره عنه البخارى في أول تاريخه "الوسط"(7)، فقال: نا الحميدي، ثنا سفيان، عن إسرائيل قال: سمعت الحسن يقول: "وُلِدْتُ لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه" قال علىٌّ: سماع الحسن من سَمُرة صحيح.

(1)"سنن الدارمي"(1/ 434 رقم 1540).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 97 رقم 354).

(3)

"جامع الترمذي"(2/ 369 رقم 497).

(4)

كذا في "الأصل، ك"، والذي في نسختي من "الجامع": حسن. فقط.

(5)

"المجتبى"(3/ 94 رقم 1380).

(6)

كذا في "الأصل، ك"، وفي "سنن النسائي": كتابا. بالنصب.

(7)

وكذا في "التاريخ الصغير"(1/ 247 رقم 1199 - 1200).

ص: 476

ونقله الترمذي في "كتابه"، قال في باب: الصلاة الوسطي (1): قال محمَّد بن إسماعيل يعني البخاري، قال عليٌّ -يعني ابن المديني- سماع الحسن من سَمُرة صحيح. وقال الترمذي: سماع الحسن من سَمُرة صحيح عندي.

واختار الحاكم هذا القول، وأخرج في كتابه عدَّة أحاديث من رواية الحسن عن سَمُرة، وقال في بعضها: على شرط البخاري.

الثاني: أنه لم يسمع منه شيئًا، واختاره ابن حبان في "صحيحه"، فقال في النوع الرابع من القسم الخامس (2)، بعد أن روى حديث الحسن عن سَمُرة:"إن النبي عليه السلام كانت له سكتتان": والحسن لم يسمع من سَمُرة شيئًا، وقال صاحب التنقيح: قال ابن معين: الحسن لم يلق سَمُرة. وقال شعبة: لم يسمع من سَمُرة. وقال البَرْديجي: أحاديث الحسن عن سَمُرة كتاب، ولا يثبت عنه حديث قال فيه: سمعت سَمُرة.

الثالث: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط، قاله النسائي كما ذكرنا، وإليه مال الدارقطنى في "سننه"، فقال في حديث السكتتين: والحسن اختلف في سماعه من سَمُرة، ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة، فيما قاله قريش بن أنس.

واختاره عبد الحق في أحكامه، واختاره البزار في "مسنده"، وكذا قال ابن حزم في "المحلى": إنه ما سمع من سَمُرة إلا حديث العقيقة، والله أعلم (3).

ص: حدثنا أحمد بن خالد البغدادي، قال: نا علي بن الجعد، قال: أنا الربيع بن صبيح، وسفيان الثوري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي عليه السلام، مثله.

ش: هذا طريق آخر في حديث أنس وكان الأنسب أن يذكر عقيبه، فوق حديث سَمُرة، ولعل ذاك من النُّسَّاخ.

(1)"جامع الترمذي"(1/ 342 عقب الحديث رقم 1807).

(2)

"صحيح ابن حبان"(5/ 132 عقب الحديث رقم 182).

(3)

راجع "نصب الراية"(1/ 89).

ص: 477

وأخرجه عن أحمد بن خالد البغدادي المعروف بابن خَالوَيْه، عن علي بن الجعد ابن عبيد الجوهري، أحد مشايخ البخاري وأبي داود، واحد أصحاب أبي حنيفة، عن الربيع بن صبيح السَعْدي، وعن سفيان الثوري، كلاهما عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه البزار، وقال: هذا الحديث إنما يعرف من حديث يزيد الرقاشي عن أنس، رواه غير واحد عنه.

ص: حدثنا أحمد بن خالد، قال: نا عُبيد بن إسحاق العطار، قال: أنا قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عن النبي عليه السلام مثله.

ش: سنده ضعيف جدًّا؟ لأن عبيد بن إسحاق ضعفه يحيى والدارقطني، وقال الأزدي: متروك الحديث، وأبو حاتم رضيه.

وقيس بن الربيع الأسدي، أبو محمَّد الكوفي فيه مقال كثير وأكثرهم أسقطوه.

والأعمش هو سليمان، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(1) في ترجمة عبيد بن إسحاق العطار من روايته، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي عليه السلام، قال:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل"، وقال: لا أعلمه رواه عنه غير عبيد وهو ضعيف.

قلت: لم يتفرد به عنه بل تابعه عليه محمَّد بن الصلت وهي رواية البزار وقال: حدثني ابن الصلت، قال: حدثني عمي محمَّد بن الصلت، نا قيس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه، قال:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

(1)"الكامل لابن عدي"(5/ 347).

ص: 478

ص: حدثنا ابن أبى داود، قال: نا خالد بن خَلِيّ الحمصي، قال: نا محمَّد بن حَرْب، قال: حدثني الضحاك بن حُمزة الأملوكي، عن الحجاج بن أرطاة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أنس بن مالك، عن رسول الله عليه السلام قال:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، وقد أدى الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

فبيَّن رسول الله عليه السلام في هذا الحديث أن الفرض هو الوضوء، وأن الغسل أفضل؛ لما ينال به من الفضل لا على أنه فرض.

ش: إسناده لا بأس به، وخالد بن خَلِىّ الكلاعي الحمصي القاضي، وثقه ابن حبان، وقال البخاري: صدوق.

ومحمد بن حرب الخولاني المعروف بالأَبرْش، روى له الجماعة.

والضحاك بن حُمْرة -بضم الحاء المهملة، وسكون الميم، بعدها راء مهملة- الأَمْلوكيِ، فيه اختلاف، ووثقه ابن حبان، والأُملوكي -بضم الهمزة- نسبة إلى أملوك بطن من رَدْمان، وردمان قبيلة من رعين.

والحجاج بن أرطاة النخعي، روى له الأربعة ومسلم مقرونًا بغيره.

وإبراهيم بن المهاجر بن جابر البجلي أبو إسحاق الكوفي، روى له الجماعة إلا البخاري.

وذكر ابن حزم هذا في "المحلى"، وقال: هو من رواية الضحاك بن حُمْرة، وهو هالك، عن الحجاج بن أرطاة، وهو ساقط، عن إبراهيم بن المهاجر، وهو ضعيف.

قلت: قد تعسَّف ذلك لأجل مذهبه، ولقد بينت لك ما قالت الجماعة فيهم.

وهذا الباب كما قد رأيت قد أخرج فيه الطحاوي عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم وهم: أنس، وسمرة، وجابر رضي الله عنهم.

وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الرحمن بن سَمُرة، وابن عباس.

ص: 479

فحديث الخدري عند البيهقي (1) والبزار: عن أَسِيد بن زيد الجمال، عن شريك، عن عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله عليه السلام: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل".

قلت: أَسِيد بن زيد شيعيّ يبُالغ ولكن احتمله الناس (2)، وأبو نَضْرة، بالنون والضاد المعجمة، اسمه: المنذر بن مالك.

وحديث أيضًا هريرة عند البزار (3) أيضًا عن أبي بكر الهُذلي عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه.

ورواه ابن عدي في "الكامل"(4) وأعله بأبي بكر الهذلي، واسمه سُلْمَى بن عبد الله.

وحديث عبد الرحمن بن سَمُرة عند الطبراني في "الأوسط"(5) من حديث حفص بن عمر الرازي ثنا أبو حرة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سَمُرة مرفوعًا، نحوه.

وحديث ابن عباس عند البيهقي (6): أنا أبو عبد الله الحافظ، نا أبو أحمد بن محمَّد بن إسحاق الصفار، ثنا أحمد بن نصر، نا عمرو بن طلحة [القنّاد](7)، نا أسباط بن نصر، عن السديّ، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله عليه السلام

فذكر نحوه.

(1)"السنن الكبرى"(1/ 296 رقم 1316).

(2)

الجمهور على تضعيفه وتوهينه، واتهمه ابن معين، انظر "تهذيب التهذيب".

(3)

انظر "نصب الراية"(1/ 92).

(4)

"الكامل لابن عدي"(3/ 323).

(5)

"المعجم الأوسط"(7/ 374 رقم 7765).

(6)

"السنن الكبرى"(1/ 295 رقم 1310).

(7)

في "الأصل، ك": العباد، بالعين المهملة والباء الموحدة، وهو تحريف والمثبت من "سنن البيهقي"، ومصادر ترجمته.

ص: 480

ص: فإن احتج محتج في وجوب ذلك بما روي عن علي وسعد وأبي قَتَادَة؛ وأبي هريرة رضي الله عنهم:

حدثنا ابن مرزوق، قال: نا وهب، قال: نا شعبة، عن يزيد بن أبى زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال:"كنت قاعدًا مع سَعْدٍ، فذكر الغسل يوم الجمعة، فقال ابنه: لم اغتسل، فقال سعد: ما كنت أرى مسلمًا يدع الغسل يوم الجمعة".

حدثنا ابن مرزوق، قال: نا يعقوب بن إسحاق، قال: نا شعبة، قال: أخبرني عمرو بن مرة، عن زاذان قال:"سألت عليًّا رضي الله عنه عن الغسل، فقال: اغتسل إذا شئت، قلت: إنما أسألك عن الغسل الذي هو الغسل، قال: غسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الفطر، ويوم النحر".

حدثنا يونس، قال: نا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، قال: سمعت أبا هريرة يقول: "حقٌّ الله واجب على كل مسلم في كل سبعة أيام يغتسل، ويُغسِّل منه كل شيء، ويمس طيبا إن كان لأهله".

حدثنا ربيع المؤذن، قال: أنا شعيب بن الليث، قال: نا الليث، عن يزيد بن أي حبيب، أن مصعب بن ثابت حدثه، أن ثابت ابن أبي قَتَادَة؛ حدثه، أن أبا قَتَادَة قال له:"اغتسل للجمعة فقال: لقد اغتسلت من جنابة، قال اغتسل للجمعة فإنك إنما اغتسلت للجنابة".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا سعيد بن منصور، قال: نا سفيان عن عَبْدة بن أي لُبَابَة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزى:"أن أباه كان يُحدِثُ بعد ما يغتسل يوم الجمعة فيتوضأ ولا يعيد".

ش: أي: فإن استدل أحد ممن يدعي وجوب الاغتسال يوم الجمعة بما روي عن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم الأربعة وهم: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وأبو قَتَادَة الحارث بن ربعي الأنصاري، وأبو هريرة عبد الرحمن -على اختلاف في اسمه على ما ينيف على عشرة أسماء- فهذا كأنه اعتراض من جهة أهل المقالة الأولى أورده حتى يجيب عنه.

ص: 481

وقد أخرج عن كل واحد منهم خبرًا.

أما خبر سعد: فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير البصري، عن شعبة بن الحجاج، عن يزيد بن أبي زياد القرشي، فيه اختلاف كثير، روى له مسلم مقرونًا بغيره، والأربعة.

وأخرجه ابن أبى شيبة في "مصنفة"(1): نا هشيم، قال: نا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، قال:"كنت مع سعد، فجاء ابن له، فقال له: هل اغتسلت؟ قال: لا، توضأت ثم جئت، فقال له سعد: ما أحب أن أحدًا يدع الغسل يوم الجمعة".

واسم ابن سعد: إبراهيم.

فقدله: "ما كنت أرى مسلمًا يدع الغسل يوم الجمعة" أي: يتركه، يدل على أنه واجب، إذْ لو لم يكن واجبًا لما شدد هذا التشديد على تاركه.

وأما خبر علي رضي الله عنه: فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن يعقوب بن إسحاق المقرئ النحوي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة الجملي الأعمى، أحد مشايخ أبي حنيفة، عن زاذان الكوفي الضرير البزاز.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا حفص، عن حجاج، عن عمرو بن مرة، عن زاذان، قال:"سألت عليًّا عن الغسل يوم الجمعة، فقال: الغسل يوم الجمعة وفي العيدين ويوم عرفة".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 434 رقم 4998).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 500 رقم 5772) من طريق وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان: "أن رجلًا سأل عليًّا عن الغسل، فقال: الغسل يوم الأضحى ويوم الفطر". هكذا جاء في المصنف ولم أجد الرواية المذكورة في نسختي، والأثر أخرجه البيهقي في "سننه الكبري"(3/ 378) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة.

ص: 482

قوله: "إنما أسألك عن الغسل الذي هو الغسل" أي: الغسل الذي لا بد منه ولا ينبغي تركه قال: "غسل يوم الجمعة

" إلى آخره.

وأما خبر أبي هريرة: فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار المكي، عن طاوس، وهذا صحيح على شرط مسلم، ورواه ابن حزم في "المحلى"(1).

قوله: "حق" مرفوع بالابتداء، وهو نكرة، ولكنه تخصص بالصفة وهو قوله:"واجب"، وخبره قوله:"يغتسل" والأصوب أن يكون "يغتسل" مبتدءًا بتقدير "أن" ويكون قوله "حق" خبره.

أي أن يغتسل حق، أي: غسله حق واجب لله تعالى. كما في قوله: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (2).

قوله: "ويغسل منه" أي: من جسده كل شيء، ووقع في رواية ذكرها ابن الأثير في "جامعه":"ويغسل رأسه وجسده"، وأراد به الغسل الكامل كغسل الجنابة.

قوله: "ويمس" بالرفع عطفًا على قوله: "يغتسل" وفي بعض النسخ: "وليمس" بلام الغائب، والأول: أصح.

وأما خبر أبي قَتَادَةَ: فأخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد الأزدي المصري، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي المدني، فيه مقال ووثقه ابن حبان، عن ثابت بن أبي قَتَادَة؛ الحارث بن ربعي

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(3): من رواية يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله ابن أبي قَتَادَة؛، قال: "دخل عليَّ أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غسلك هذا من

(1)"المحلى"(2/ 20).

(2)

قال في "كشف الخفا"(1/ 559 رقم 1509): مثلٌ وليس بحديث.

(3)

"المعجم الأوسط"(8/ 130).

ص: 483

جنابة أو للجمعة؟ قلت: من جنابة، قال: أعد غسلًا آخر؛ إني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى".

وأما خبر عبد الرحمن بن أبزى فإنه خلاف خبر أبي قَتَادَة على ما نذكره عن قريب وكان ينبغي أن يذكره في الجواب عن أخبار هؤلاء، على أنه قال: وقد روينا عن عبد الرحمن بن أبزى خلاف ذلك.

ويستفاد منه شيئان:

الأول: عدم وجوب الغسل يوم الجمعة؛ لأنه لو كان واجبًا عنده لأعاده بعد الحدث، لأجل الصلاة به.

والثاني: فيه حجة لمن يرى أن غسل يوم الجمعة لليوم لا للصلاة؛ إذْ لو كان للصلاة لكان عبد الرحمن بن أبزى يعيد غسله إذا أحدث، وإليه ذهب الحسن بن زياد من أصحابنا، وقال أبو يوسف: للصلاة، وهو قول طاوس وإبراهيم التيمي ومحمد بن سيرين.

وقال ابن حزم في "المحلى": وغسل يوم الجمعة إنما هو لليوم لا للصلاة، فإن صلى الجمعة والعصر ولم يغتسل أجزأه ذلك، وأول وقته إثْر طلوع الفجر من يوم الجمعة إلى أن يبقى من قرص الشمس مقدار ما يتم غسله كله قبل غروب آخره، وأفضله أن يكون متصلًا بالرواح إلى الجمعة.

وقال أبو حنيفة والليث وسفيان وعبد العزيز بن أبي سلمة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وداود كقولنا، وقال طاوس والزهري وقَتَادَة ويحيي بن أبي كثير: من اغتسل للجمعة ثم أحدث، يستحب أن يعيد غسله.

وقال مالك والأوزاعي: لا يجزئ غسله يوم الجمعة إلا متصلًا بالرواح، إلا أن الأوزاعي، قال: إن اغتسل قبل الفجر ونهض (إلى الجمعة)(1) أجزأه.

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المحلى"(2/ 22).

ص: 484

وقال مالك: إن بال أو أحدث بعد الغسل لم ينتقض غسله ويتوضأ فقط، فإن أكل أو نام انتقض غسله.

وقال علي (1): ما نعلم مثل قول مالك عن أحد من الصحابة والتابعين ولا له حجة من قرآن أو سنة، ولا قياس ولا قول صاحب.

ثم إسناد خبر عبد الرحمن بن أبزى صحيح ورجاله من رجال الصحيح ما خلا صالحًا.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا سفيان بن عيينة، عن عبدة بن أبي لبابة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه:"أنه كان يغتسل يوم الجمعة، ثم يحدث بعد الغسل ثم لا يعيد غسلًا".

ص: قيل له: أما ما روي عن علي رضي الله عنه فلا دلالة فيه على الفرض؛ لأنه لما قال له زاذان إنما أسألك عن الغسل الذي هو الغسل، أي: الذي في إصابته الفضل، قال: يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم النحر، ويوم عرفة. فقرن بعض ذلك ببعض فكما كان ما ذكر مع غسل يوم الجمعة ليس على الفرض فكذلك غسل يوم الجمعة.

وأما ما روي عن سعد رضي الله عنه من قوله: "ما كنت أرى مسلمًا يدع الغسل يوم الجمعة" أي لما فيه من الفضل الكبير مع خفة مؤنته.

وأما ما روي عن أبي هريرة من قوله: "حق الله واجب على كل مسلم يغتسل في كل سبعة أيام" فقد قرن ذلك بقوله: "ويمس طيبًا إن كان لأهله" فلم يكن مسيس الطيب على الفرض، فكذلك الغسل.

وهو فقد سمع عمر يقول لعثمان ما ذكرنا، ولم يأمره بالرجوع بحضرته، فلم ينكر ذلك عليه؛ فذلك أيضًا دليل على أنه عنده كذلك.

(1) أي ابن حزم.

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 438 رقم 5048).

ص: 485

وأما ما روي عن أبي قَتَادَة، مما ذكرنا عنه من ذلك، فهو إرادة منه للقصد بالغسل إلى الجمعة لإصابة الفضل في ذلك. وقد روينا عن عبد الرحمن بن أبزى خلاف ذلك.

وجميع ما بيناه في هذا الباب قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى.

ش: هذا جواب عما احتج به ذاك المحتج بأخبار هؤلاء المذكورين؛ أي: قيل للمحتج المذكور: أما ما روي عن علي

إلى آخره. وهو ظاهر.

فإن قيل: قد يجمع النظم قرائن الألفاظ والأسماء المختلفة الأحكام، والمعاني تنزلها منازلها وترتبها كما في قول عائشة رضي الله عنها:"إن النبي عليه السلام كان يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت".

فأما الغسل من الجنابة فواجب بالاتفاق.

وأما الاغتسال من الحجامة إنما هو لإماطة الأذى؛ لأنه لا يؤمن أن يكون قد أصاب المحتجمَ رشاشٌ من الدم، فالاغتسال منها استظهار بالطهارة، استحباب للنظافة.

وأما الاغتسال من غَسْل الميت فقد اتفق الجمهور على أنه على غير الوجوب.

فيبقى الكلام في غسل يوم الجمعة، فلم لا يجوز أن يكون كغسل الجنابة بقرينة الأوامر الواردة فيه، وكذلك في قول علي رضي الله عنه، يكون غسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة مستحبًّا؛ لأن المراد منه الاستظهار بالنظافة في تلك الأيام، ويكون غسل يوم الجمعة فرضًا بقرنية الأوامر الدالة عليه في هذا الباب؟

قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن الدليل قد قام أنه رضي الله عنه كان يفعله ويأمر به استحبابًا، فسقط الوجوب حينئذٍ، فيكون كلام علي رضي الله عنه على نسق واحدٍ في الدلالة على الاستحباب في الجميع.

ص: 486

فإن قيل: فلم لا يجوز أن يكون الكل على نسقٍ واحدٍ في الوجوب؟

قلت: لا؛ لعدم قيام الدليل عليه؛ لأنه لم ينقل عنه عليه السلام أنه أوجب غسل يوم عرفة، أو يوم العيدين.

قوله: "لما فيه من الفضل الكبير" أي: في الاغتسال للجمعة لما روي عن أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله عليه السلام، قال:"من اغتسل يوم الجمعة واستاك ولبس أحسن ثيابه وتطيب بطيب -إن وجده- ثم جاء ولم يتخط الناس، فصلى ما شاء الله أن يصلي، فإذا خرج الإِمام سكت، فذلك كفارة إلى الجمعة الأخرى".

رواه البيهقي (1) بإسناد صالح.

قوله: "مع خفة مؤنته" أي: مع [خفه](2) مؤنة الغسل لعدم التكلف في تحصيل الماء؛ لأنه مبذول عادة.

قوله: "فقد قرن ذلك بقوله ويمس طيبًا" والقران في النظم يوجب القران في الحكم، على اختلاف فيه، فكما أن مس الطيب ليس بفرض، فكذلك الغسل يوم الجمعة.

قوله: "وهو فقد سمع": أي والحال أن أبا هريرة قد سمع عمر رضي الله عنه حين قال لعثمان ما ذكر فيما مضى، ولم يأمره بالرجوع إلى الغسل، ولم ينكر أبو هريرة ولا غيره ذلك عليه، فدل ذلك أنه أيضًا لا يرى بوجوب الغسل.

قوله: "فهو إرادة منه للقصد بالغسل إلى الجمعة لإصابة الفضل" كما روي عن أبي هريرة أنه قال: "لأغتسلن يوم الجمعة، ولو كأسٌ بدينار".

رواه ابن أبي شيبة (3): عن وكيع، عن ثور، عن زياد النميري

عنه.

(1)"السنن الكبرى"(3/ 192 رقم 5474).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 434 رقم 5004).

ص: 487

قوله: "وقد روينا عن عبد الرحمن بن أبزى خلاف ذلك". أي: خلاف ما روي عن أبي قَتَادَة، فإن أبا قَتَادَة أمر ابنه بإعادة الغسل لأجل الجمعة بعد أن اغتسل للجنابة وعبد الرحمن بن أبزى كان لا يعيده إذا أحدث، وهو خلاف ذاك. وكأنه أشار بذلك إلى أن خبر أبي قَتَادَةَ مُعَارَض بخبر عبد الرحمن بن أبزى، والمعارَض لا يصلح حجة.

ص: 488