المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في تعوت الخيل الممدوحة - نخبة عقد الأجياد في الصافنات الجياد

[محمد بن عبد القادر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة في نشأة الخيل وأول من ركبها من العرب

- ‌الباب الأول فيما جاء في فضلها وتكريمها وكراهة التشاؤم منها والنهي عن أكل لحومها

- ‌الفصل الأول فيما يدل على فضلها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

- ‌الفصل الثاني في تكريم العرب لها وحبهم إياها وما ورد عنهم في ذلك

- ‌الفصل الثالث فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهة التشاؤم بها

- ‌الفصل الرابع فيما ورد من النهي عن أكل لحومها وإخصائها وجز نواصيها وأذنابها

- ‌تتمة قي سقوط الزكاة عنها

- ‌الباب الثاني في بيان أنواعها وفضل الذكر منها على الأنثى

- ‌الفصل الأول في العربي

- ‌الفصل الثاني في الهجين

- ‌الفصل الثالث في المقرف

- ‌الفصل الرابع في البرذون

- ‌الفصل الخامس في فضل الذكر على الأنثى

- ‌الباب الثالث في ألوانها وفيه خمسة فصول

- ‌الفصل الأول في الأشقر

- ‌الفصل الثاني في الأحمر وهو الكميت

- ‌الفصل الثالث في الأدهم

- ‌الفصل الرابع في الأشهب

- ‌الفصل الخامس في الأصفر

- ‌تتمة في ذكر بعض ما قاله الأدباء في أوصافها من التشبيهات والاستعارات البديعة في

- ‌الباب الرابع في الغرة والتحجيل والدوائر وأسماء المفاصل والطبائع والصهيل وفيه ستة

- ‌الفصل الأول في الغرة

- ‌الفصل الثاني في التحجيل

- ‌الفصل الثالث في الدوائر وتسمى في المشرق بالنياشين وفي المغرب بالنخلات

- ‌الفصل الرابع في أسماء مفاصل الرأس ومنابت شعره وأسنانه وما يتعلق بذلك

- ‌نادرة

- ‌الفصل الخامس في طبائعها

- ‌الفصل السادس في الصهيل

- ‌الباب الخامس في نعوت الخيل الممدوحة والمذمومة واختلافها باختلاف الأقاليم وفيه

- ‌الفصل الأول في تعوت الخيل الممدوحة

- ‌الغدر الشعر المتدلي من أمام القربوس إلى آذانها، شبهه بذوائب النساء في الكثرة إذا

- ‌الفصل الثاني في بيان اختلاف أوصافها باختلاف أقاليمها

- ‌الباب السادس في تقفيزها وأطوارها وخدمتها والإنفاق عليها وتأديبها وكيفية تضميرها

- ‌الفصل الأول في التقفيز

- ‌الفصل الثاني في الأطور وعلاماتها

- ‌الفصل الثالث في خدمتها والإنفاق عليها

- ‌الفصل الرابع في تأديبها وتدريبها

- ‌الفصل الخامس في كيفية التضمير

- ‌الفصل السادس في معالجة بعض أمراضها، وإن كانت مذكورة في كتب البيطرة

- ‌تتمة

- ‌خاتمة في المسابقة وما يتعلق بها وفيها خمسة مطالب

- ‌المطلب الأول فيما يدل على فضلها وحسن نتيجتها في الشرع والسياسة

- ‌المطلب الثاني فيما اتفق الأئمة على جوازه من أنواعها وما اختلفوا فيه

- ‌فائدة

- ‌المطلب الثالث في ترتيب خيل الحلبة وذكر أسمائها

- ‌المطلب الرابع فيما ورد فيها عن الملوك والأمراء

- ‌المطلب الخامس في اسماء خيل النبيّ صلى الله عليه وسلم والمشهور من خيل العرب

- ‌تتمة في ذكر ما وقع فيها من الفكاهات والمنادمة

الفصل: ‌الفصل الأول في تعوت الخيل الممدوحة

أيقنت أن سيكون عند لقائهم

طعن تخر له فروخ الحوم

وكأن غارة ناجز بنسيمه

شبت عوارضها إليك من الفم

ودعوت فهداً للنزال فأقحموا

عند الطعان بكل ليث ضيغم

تحت الأغر وفوق جلدي تبرة

تحكي لقعقعة الغدير الملجم

فكشفت عنهم والسيوف كأنها

برق الأوادع بالرماح الحطم

مازلت أرميهم بغرة وجهه

وثباته حتى تسربل بالدم

فازور من وقع القنا فزجرته

فشكى إلي بعبرة وتحمحم

لو كان يدري ما المحاورة اشتكى

ولكان لو علم الكلام مكلمي

لما رآني لا أنفذ كربه

عض الشفاه على اللجام وقمقم

والخيل عابسة الوجوه كأنما

سقيت فوارسها نقيع العلقم

وقال:

وفرقت جيشاً كان في جنباته

دمادم رعد تحت برق الصوارم

على مهرة منسوبة عربية

تطير إذا اشتد الوغى بالقوائم

وتصهل خوفاً والرماح قواصد

إليها وتنسل انسلال الأراقم

قحمت بها بحر المنايا فحمحمت

وقد عرفت في موجه المتلاطم

وقال عبد عمر بن شريح:

طلقت إذا لم تسألي أي فارس

حليلك إذ لاقى صداء وخثعما

أكر عليهم دعلجاً ولبانة

إذا ما اشتكى وقع السلاح تحمحما

وقال سيدي الوالد قدس الله سره:

تسائلني أم البنين وإنها

لأعلم من تحت السماء بأحوالي

ألم تعلمي يا ربة الخدر أنني

أجلي هموم القوم في يوم تجوالي

وأغشى مضيق الموت لا متهيباً

وأحمي نساء الحي في يوم تهوال

يثقن النسابي حيث ما كنت حاضراً

ولا تثقن في زوجها ذات خلخال

أمير إذا ما كان جيشي مقبلاً

وموقد نار الحرب إذ لم يكن صالي

إذا ما لقيت الخيل إني لأول

وإن جال أصحابي فإني لها تالي

أدافع عنهم ما يخافون من ردى

فيشكر كل الخلق من حسن أفعالي

وأورد رايات الطعام صحيحةً

وأصدرها بالرمي تمثال غربال

ومن عادة السادات بالجيش تحتمي

وبي يحتمي جيشي وتمنع أبطالي

وبي تثقن يوم الطعان فوارس

تخالينهم في الحرب أمثال أشبال

إذا تشتكي خيلي الجراح تحمحماً

أقول لها صبراً كصبري وإجمالي

وأبذل يوم الروع نفساً كريمة

على أنها في السلم أغلى من الغالي

سلي الليل عني كم شققت أديمه

على ضامر الجنبين معتدل عالي

سلي البيد عني والمفاوز والربى

وسهلاً وحزناً كم طويت بترحالي

فما همتي إلا مقارعة العد

وهزمي لأبطال شداد بأبطالي

فلا تهزئي بي واعلمي أنني الذي

أهاب ولو أصبحت تحت الثرى بالي

تتمة: قد وضعت العرب لأصوات الحيوانات على اختلاف أجناسها أسماء، فيقولون صهل الفرس، وزأر الأسد، وثغت الشاة، ونهق الحمار، وشحج البغل، ورغا الجمل، وعوى الذين، ووعوع ابن آوى، ونبح الكلب، وضبح الثعلب، وقبع الخنزير، وضغا السنور، وبغم الظبي، وفحت الأفعى، ونقنقت الضفادع، وصأى الفرخ، ونعب الغراب، وصقع الديك، وهدر الحمام، وغرد، وهتفت الحمامة، وزقزق العصفور، ونقض العقاب، وهكذا يسمى صوت كل حيوان باسمه المختص به.

‌الباب الخامس في نعوت الخيل الممدوحة والمذمومة واختلافها باختلاف الأقاليم وفيه

فصلان

‌الفصل الأول في تعوت الخيل الممدوحة

وقد التزمت أن أذكر لكل وصف شاهداً من كلام العرب إما نظماً أو نثراً، وأن استقصي أوصافها تفصيلاً أو إجمالاً

ص: 29

ذكر الأصمعي أن ثلاثة من العرب لا يقاربهم أحد في وصف الخيل: أبو دؤاد، والطفيل، والجعدي، فأما أبو دؤاد فكان على خيل النعمان بن المنذر، والطفيل كان يركبها وهو أعزل إلى أن كبر، والجعدي سمع أوصافها من أشعار أهلها فأخذها عنهم، وقال أبو عبيدة: إن أبا دؤاد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام وبعده طفيل الغنوي والنابغة الجعدي، وقال عمر بن شيبة: كان أبو عبيدة عالماً بأوصاف الخيل وكان يقول: ما التقى فرسان في جاهلية ولا إسلام إلاّ عرفتهما وعرفت فارسيهما. وعن ابن الأعرابي قال: لم يصف أحد قط الخيل إلاّ احتاج إلى أبي دؤاد، والخمر إلاّ احتاج إلى أوس بن حجر، ولا النعامة إلاّ احتاج إلى علقمة بن عبدة، ولا الاعتذار في الشعر إلاّ احتاج إلى النابغة.

وروى المسعودي عن محمد بن عبد الله الدمشقي قال: "لما انحدرنا مع المتقي بالله من الرحبة وسرنا إلى مدينة غانه فدعا بالرقي وغلامه للمسامرة فاتصل بهما الحديث إلى ذكر الخيل فقال المتقي أيكم يحفظ خبر سلمان بن ربيعة الباهلي، قال الغلام: ذكر عمرو بن العلاء أن سلمان كان يهجن الخيل ويعديها في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاءه عمرو بن معدي كرب بفرس كميت فهجنه فاستعدى عليه عمرو وشكاه إليه فقال سلمان ادع بإناء رحراح قصير الجدر، فدعا به، فصب فيه ماء، ثم أتى بفرس عتيق فمد عنقه وشرب ثم أتي بفرس عمرو الذي هجن فمد عنقه كما فعل العتيق ثم ثنى أحد السنبكين قليلاً فشرب فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه قال أنت سلمان الخيل. أقول: ومن العلامات أيضاً أن العتيق يضع منخريه في الماء حين الشرب، وغيره يضع طرف منخره فيه - ثم قال المتقي: فما عندكم عن علماء العرب في صفاتها؟ قال الرقي: ذكر الرياشي عن الأصمعي قال: إذا كان الفرس طويل أوظفة اليدين قصير أوظفة الرجلين طويل الذراعين قصير الساقين طويل الفخذين والعضدين منفرج الكتفين، لم يكن يسبق وإذا سلم منه شيئان لم يضرع عيب، عنقه مغروز في كاهله، ومغروز عجزه في صلبه، وإذا جادت حوافره فهو هو". وأنشد المبرد:

ولقد شهدت الخيل تحمل شكتي

عنه كسرحان القضيمة مهنب

فرس إذا استقبلته فكأنه

في العين جذع من أوائل مشرب

وإذا اعترضت له استوت أقطاره

فكأنه مستدبر المتصوب

وسأل معاوية بن أبي سفيان مطر بن دراج فقال له: "أخبرني أي الخيل أفضل وأوجز. فقال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استدبرته قلت زاخر، وإذا استعرضته قلت زافر، سوطه عنانه، وهواه أمامه". (الزاخر: المشرف العالي، والزافر: عظيم الجنبين) . وكان لعمرو بن معدي كرب فرس تسمى الكاملة من بنات البعيث، فعرضها على سلمان بن ربيعة فهجنها، فقال عمرو: أجل هجين يعرف الهجين وقال:

يهجن سلمان بنت البعي

ث جهلاً لسلمان بالكامله

فإن كان أبصر مني بها

فأمي لا أمه هابله

ص: 30

فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إليه: بلغني ما قلت لأميرك، وبلغني أن لك سيفاً تسميه الصمصامة، وعندي سيف اسمه مصمصم، وابم الله لئن وضعته على هامتك لا أقلعه حتى أبلغ رهايتك فإن سرك أن تعلم ما أقول فأعد (الرهاية: عظم في الصدر بشرف على البطن) . وحكى أبو عمرو بن العلاء قال: كان لرجل من مقاول حمير ولدان عمرو وربيعة، وقد برعا في العلم والأدب، فلما بلغ أبوهما أقصى عمره، وأشفى على الفنا، دعاهما ليبلو عقلهما ويعرف مبلغ علمهما، فلما حضرا لديه، سألهما عن أشياء، من جملتها عن الخيل قال: فأخبرني يا عمرو أي الخيل أحب إليك عند الشدائد إذا التقى الأقران للتجالد؟ قال: الجواد الأنيق، الحصان العتيق، الكفيت العريق، الشديد الوثيق، الذي يفوت إذا هرب ويلحق إذا طلب قال والله نعم الفرس نعت، فما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أحب إلي منه. قال: فما هو؟ قال: الحصان الجواد الثبت القياد الشهم الفؤاد، الصبور إذا سرى، السابق إذا جرى، قال: فأي الخيل أبغض إليك يا عمرو؟ قال: الجموح الطموح النكول الأنوح الصردل الضعيف، الملول العنيف الذي إذا جاريته سبقته. قال ما تقول يا ربيعة؟ قال: غيره أبغض إلي منه. قال وماهو؟ قال البطيء الثقيل، الذي إذا ضربته قمص، وإن دنوت منه شمص، يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب، وغيره أبغض إلي منه قال: فما هو؟ قال الجموح الخبوط، الركوض الشموص الضروط، القطوف في الصعود والهبوط، الذي لا يسلم الصاحب ولا ينجو من الطالب.

وقيل لأعرابي صف لنا الجواد من الخيل فقال: إذا اشتد نفسه ورحل متنفسه، وطال عنقه واشتد حقوه، وأبهر شدقه، وعظمت فصوصه، وصلبت حوافره فهو من الجياد. وسئل غيره عنه فقال: إذا عدا اسعلب وإذا قيض اجلعب وإذا انتصب اتلأب أي إذا ركض كان كالسابح (وقوله اجلعب أي مضى وجد في سيره وقوله اتلأب أي استقام) قال أبي بن سلمى الضبي:

وخيل تلافيت ريعانها

بعجلزة جمزى المدخر

جموم الجراء إذا عوقبت

وإن نوزقت برزت بالحضر

سبوح إذا اعترضت في العنان

مروح ململمة بالحجر

دفعن على نعم بالعرا

ق من حيث أفضى به ذو شمر

فلو طار ذو حافر قبلها

لطارت ولكنه لم يطر

وعرضت على ابن قيصر من بني أسد بن خزيمة خيل فأومأ إلى بعضها وقال تجيء هذه سابقة. فسئل ما الذي رأيت فيها؟ فقال: رأيتها مشت فكتفت، وخبت فرجفت، وعدت فنسفت، فجاءت كما قال سابقة. وسئلت ابنة الخس: أي الخيل أحب إليك؟ فقالت: ذو المائعة الصنيع، السليط التليع، الأيد الضليع، الملهب السريع، فقيل لها: أي الغيوث أحب إليك؟ قالت ذو الهيدب المنبعق، الأضخم المؤتلق، الصخب المنبثق. (قولها: المائعة: ناصية الفرس إذا طالت وسالت، والصنيع السمين والسليط الشديد، والتليع الرافع رأسه والأيد القوي والصليع شديد الأضلاع، والملهب مثير الغبار في عدوه، والسريع ما يكون في أوائل الخيل، والهيدب السحاب المتدلي، والمنبعق المنبعج بالمطر، والأضخم الثقيل، والمؤتلق البرق اللامع، والصخب شدة الصوت، والمنبثق المنفجر.

وقيل لها: ما مئة من المعز؟ قالت: مويل يشف الفقر من ورائه، مال الضعيف وحرفة العاجز، قيل لها فما مئة من الضأن؟ قالت: قرية لا حمى لها، قيل لها فما مئة من الإبل؟ قالت: بخٍ جمال ومال ومنى الرجال، قيل لها: فما مئة من الخيل؟ قالت طغى من كانت له ولا توجد، قيل لها فما مئة من الحمر؟ قالت: عارية الليل وخزي المجلس، لا لبن لها فيحلب، ولا صوف فيجز، إن ربط عيرها أدلى، وإن ترك ولى. واجتمع خمس جوار من العرب وقلن: هلمن ننعت خيل آبائنا، فقالت الأولى: فرس أبي وردة، وما وردة؟ ذات كفل مزحلق، ومتن أخلق، وجوف أخرق، ونفس مروح، وعين طروح، ورجل ضروح، ويد سبوح، بداهتها إهداب، وعقبها غلاب.

وقالت الثانية: فرس أبي اللعاب، وما اللعاب، غيبة سحاب، واضطرام غاب، مرقص الأوصال، أشم القذال، ملاحك المحال، فارسه مجيد، وصيده عتيد، إن أقبل فظبي معاج، وإن أدبر فظليم هداج، وإن أحضر فعلج هراج.

وقالت الثالثة: فرس أبي خدمة، وما خدمة؟ إن أقبلت فقناة مقومة، وإن أدبرت فأثفية ململمة، وإن أعرضت فذيبة معجرمة، أرساغها مترقصة، وفصوصها ممحصة، جريها انشرار، وتقريبها انكدار.

ص: 31

وقالت الرابعة: فرس أبي خيفق، وما خيفق؟ ذات ناهق معرق، وشدق أشدق، وأديم مملق، لها خلق أشرف، ودسيع منفنف وتليل مسيف، وثابة ولوج، خيفانة رهوج، تقريبها إهماج، وحضرها ارتعاج.

وقالت الخامسة: فرس أبي هذلول؟ طريده محبول، وطالبه مشكول، دقيق الملاغم، أمين المعاقم، عبل المحزم، مخد مرجم، منيف الحارك، أشر السنابك، مجدول الخصائل، سبط الغلائل، معوج التليل، صلصال الصهيل، أديمه صاف، وسبيبه ضاف، وعلوه كاف.

فوردة في كلام الأولى: اسم الفرس، والمزحلق: الأملس، والأخلق: ناعم الجلد، والأحرق: واسع البطن، والمروح: السهل، والطروخ: حديد البصر، والضروح: قوة الجري التي تمد يديها في الجري كما يمد السابح في الماء يديه، والإهداب: نوع من الركض، والغلاب: إدامة الجري بلا تعب، والسحاب في قول الثانية: المطر، أي هو كالمطر في شدة الجري، ومرقص الأوصال: أي محكم الأعضاء، والقذال: محل عقد العذار، أي: مرتفعه، وملاحك المحال: أي متقارب فقرات الظهر، والظبي المعاج: الغزال المسرع، أي أنه كالظبي إذا أقبل، وكالظليم إذا أدبر، وكحمار الوحش إذا أحضر. والأثفية الململمة في قول الثالثة: أي الحجرة المدورة والمعجرمة المسرعة. والناهق في قول الرابعة: العظم الشاخص في الخد، والمعرق: قليل اللحم وأديم مملق: أي ناعمة الجلد، والدسيع: مركب العنق في الحارك، وثابة ثلوج: أي سريعة الوثب، وخيفانة رهوج: أي كالجرادة في سرعة جريها، والإهماج: أسرع العدو. والملاغم في قول الخامسة: الحجافل، والمعاقم المفاصم ومخد مرجم: أي قوي على السير كأنه يشق الأرض بحوافره.

وقال ابن الأثير: وطالما امتطيت صهوة مطهم فغنيت عن نشوة الكميت من ذات نهد يسابق الريح فيغبر وجهها دون شق غباره، وإذا ظهر عليها رجعت حسرى في مضماره، نسب إلى الأعوج وهو مستقيم في الكر والفر وقد حنقت عليه عين الشمس إذ لا يمكنها أن ترسم ظله على الأرض إذا مر، ليلي الإهاب لطم جبينه الصباح ببهائه، فعدا عليه وخاض يقتص منه في أحشائه كما قال ابن نباتة السعدي:

وكأنما لطم الصباح جبينه

فاقتص منه فخاض في أحشائه

وقد أغتدي عليه والطير في وكناتها فلايفوتني الأجدل

وإذا أطلقته لصيد الوحوش رأيتني على منجرد قيد الأوابد هيكل وقال في وصف فرس: له من العربية حسب ومن الكردية نسب فهو من بينهما مستنتج لا ينتسب إلى خبيب ولا إلى أعوج. ومن صفاته أنه رحب اللبان، عريض البطان، سلس العنان، ينثني على قدر الطعان، وعلى قدر الكرة والصولجان، قد استوت حالاته قادماً ومتأخراً، وإذا أقبل خلته مرتفعاً وإذا أدبر خلته منحدراً كأنه في حسنه دمية محراب، وفي خلقه ذروة هضاب، وهو في سباقه ولحاقه مخلق بخلق المضمار وبدم الصراب والصوار فهو منسوب إلى ذوات القوادم، وإن كان محسوباً في ذوات القوائم، كأنما ثنى لجامه على سالفة عقاب وشد حزامه على بارقة سحاب، فقوله لا يتنسب إلى خبيب ولا إلى أعوج فالأول فرس كريم للأكراد والثاني فرس مشهور من العراب) .

وكتب عبد الله بن طاهر إلى المأمون: قد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس يلحق الأرانب في الصعداء، ويجاوز الظباء في الاستواء، ويسبق في الحدور جري الماء كما قال تأبط شراً:

ويسبق وقد الريح من حيث تنتحي

بمنخرق من شدة المتدارك

وقال محمد بن الحسن في وصف فرس: حسن القميص، جيد الفصوص، وثيق القصب، نقي العصب، يبصر بأذنيه، ويتبوع بيديه، ويداخل برجليه، كأنه موج في لجة، أو سيل في حدور، يناهب المشي قبل أن يبعث ويلحق الأرانب في الصعداء ويجاوز جواري الظباء في الاستواء ويسبق في الحدور جري الماء إن عطف جار وإن أرسل طار وإن كلف السير أمعن وسار وإن حبس صفن، وإن استوقف قطن، وإن رعي ابن.

وقال ابن المعتز: ساد فلان في جيوش عليهم أردية السيوف وأقمصة الحديد، وكأن رماحهم قرون الوعول، وكأن أدراعهم زبد السيول، على خيل تأكل الأرض بحوافرها، وتمد بالنقع سرادقها، قد نشرت في وجوهها غرر كأنها صحائف الورق، وأمسكها تحجيل كأنه إسورة اللجين، وقرطت عذاراً كأنها الشنف، تتلقف الأعداء أوائله ولم تنهض أواخره، قد صب عليهم وقار الصبر، وهبت معهم ريح النصر.

ص: 32

وسئل أعرابي عن سوابق الخيل فقال: إذا مشى ردى وإذا عدا دحا، وإذا استقبل أقعى وإذا استدبر حبا، وإذا اعترض استوى (دحا: انبسط على الأرض، وأقعى: تساند إلى وراء، والحبو: ارتفاع المنكبين إلى العنق) .

وروي أن رجلاً خرج في الشهر الحرام لحاجة، فدخل في الحل فطلب رجلاً يستجير به، فرأى أغلمة يلعبون فقال لهم: من سيد هذا الحي؟ فقال له غلام: هو أبي. قال: ومن أبوك؟ قال باغث بن عويص، قال: صف لي بيت أبيك. قال: بيت كأنه حرة سوداء أو غمامة جماء بفنائه ثلاثة أفراس: أما أحدهم فمفزع الأكتاف، متماحل الأكناف، متماثل الأطراف؛ وأما الآخر فذيال جوال صهال أمين الأوصال أشم القذال؛ وأما الثالث فمغار مدمج محبوك مجملج كالقهق الأدعج، فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخباء وقال: يا باغث جار علقت علائقه، واستحكمت وثائقه، فخرج إليه وأجاره.

وروي أن شاباً ابتاع فرساً فجاء إلى أمه، وقد كف بصرها، وقال: يا أماه قد اشتريت فرساً فقالت: صفه لي. قال: إذا استقبل فظبي ناصب وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيد قارب، مؤلل المسمعين، طامح النظرين، فقالت: أجدت إن كنت أعربت، قال: إنه مشرف التليل، سبط الخصيل، وهواه الصهيل، فقالت: أكرمت فارتبط. وحكى زهير بن حباب أن علقمة بن جندل الطعان أغار على عبد الله بن كنانة بن بكر وهم بعسفان، فقتل عبد الله بن هبل ومالك بن عبيدة وصريم بن قيس بن هبل، وأسر مالك بن عبد الله بن هبل وأفلت من أفلت، فأقبلت جارية من عبد الله بن كنانة فقالت لزهير: يا عماه! ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان أبوك؟ قالت: على شفاء ثفاء طويلة الإنقاء تمطق الشيخ بالمرق. قال: نجا أبوك. ثم أتته أخرى وقالت: يا عماه ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان؟ قالت: على طويل بطنها قصير ظهرها هاديها شطرها يكبها حضرها فقال: نجا أبوك. ثم أتتع بنت مالك بن عبيدة فقالت: يا عماه ما ترى ما فعل أبي؟ قال: وعلى أي فرس كان؟ قالت: على الكزة الأنوح، التي يكفيها لبن اللقوح، فقال: هلك أبوك. فقال رجل: ما أسوأ بكاها فقال: لا تعلم اليتيم البكا فأرسلها مثلاً.

وروى أبو الفرج الأصبهاني أن خالد بن كلاب أتى النعمان بن المنذر بفرس فوجد عنده الحارث بن ظالم والربيع بن زياد فقبله منه وأكرمه فقام الحارث وقد له فرسه وقال أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك، هذا فرس من خيل بني قرة فلن تؤتى بفرس يشق غباره، إن لم تنسبه انتسب، كنت ارتبطه لغزو بني عامر بن صعصعة، فلما أكرمت خالداً أهديته إليك، فقام الربيع بن زياد وقدم له فرسه ثم قال: أبيت اللعن نعم صباحك وأهلي فداؤك، هذا فرس من خيل بني عامر ارتبطت أباه عشرين سنة لم يخفق في غزوة، ولم يعتلك في سفر، وفضله على هذين الفرسين، كفضل بني عامر على غيرهم، فغضب النعمان عند ذلك وقال: يا معشر قيس أي خيلكم أشباهنا؟ أين اللواتي كان أذنابها شقاق أعلام ومناخرها وجار الضباع، وعيونها بغايا النساء، رقاق المستطعم، تعالك اللجم في أشداقها، تدور على مذاودها، كأنما يقضمن حصى. فقال خالد: زعم الحارث أبيت اللعن أن تلك خيله وخيل آبائه فغضب النعمان عند ذلك على الحارث. وروي أن الحجاج سأل ابن القرية عن صفة الجواد فقال: هو الطويل الثلاث القصير الثلاث الرحب الثلاث العريض الثلاث الصافي الثلاث الأسود الثلاث الغليظ الثلاث فقال صفهن وبين قال: أما الطويل الثلاث فالأذن والعنق والذراع، وأما القصير الثلاث فالعسيب والرسغ والظهر، وأما الرحب الثلاث فالجوف والمنخر واللبب، وأما العريض الثلاث فالجبهة والصدر والكفل، وأما الصافي الثلاث فالأديم والعين والحافر، وأما الأسود الثلاث فالحدقة والحجفلة والحافر، وأما الغليظ الثلاث فالفخذ والوظيف والرسغ وقد نظم الصفي الحلي بعضها بقوله:

وطرف تخيرته طرفة

وأحببته من جميع التراث

إذا انقض كالصقر في حلبة

ترى الخيل في إثره كالبغاث

حوى ببدائع أوصافه

مضاء الذكور وصبر الإناث

طويل الثلاث قصير الثلاث

عريض الثلاث فسيح الثلاث

وقال آخر:

وقد أغتدي قبل ضوء الصباح

وورد القطا في القطاة الحثاث

بصافي الثلاث عريض الثلاث

قصير الثلاث طويل الثلاث

ص: 33

قال البديع الهمذاني: حدثنا عيسى بن هشام قال: حضرنا مجلس سيف الدولة يوماً وقد عرض عليه فرس فقال لجلسائه أيكم أحسن صفته جعلته صلته. فكل جهد جهده وبذل ما عنده، فقال بعض غلمانه: أصلح الله الأمير، إني رأيت بالأمس رجلاً يطأ الفصاحة بنعليه، وتقف الأبصار عليه، يسلي الناس ويشفي الباس، فلو أمر الأمير بإحضاره لفضلهم بأحضاره، فقال سيف الدولة: علي به في هيئته فسار الغلمان في طلبه، ولما جاؤوا به، أدخلوه وهو في طمرين فسلم، ولما رآه سيف الدولة أمر له بالجلوس وأدنى مجلسه وقال: بلغنا عناك حاضرة فاعرضها بهذا الفرس ووصفه. فقال: أصلح الله الأمير، كيف أصفه قبل ركوبه وكشف محاسنه وعيوبه. فقال: اركبه فركبه وأجراه ولما نزل عنه قال: هو طويل الأذنين قليل لحم الاثنين، لين الثلاث غليظ الأكرع، غامض الأربع، شديد النفس، لطيف الخمس، ضيق القلت رقيق الست، حديد السمع، غليظ السبع رقيق اللسان، عريض الثمان، شديد الضلع، قصير التسع، واسع الشجر، بعيد العشر، يأخذ بالسانح، ويطلق بالرامح، ويطلع بلائح، ويضحك عن قارح، بخروجه الكديد بمذاق الحديد، يحضر كالبحر إذا ماج، والسيل إذا هاج، فقال: خذه مباركاً عليك، فقال له: لا زلت تأخذ الأنفاس وتمنح الأفراس. قال عيسى فلما انصرف تبعته وقلت له: لك علي ما يليق بك من الحلل لركوب هذا الفرس إن فسرت ما وصفت، فقال: سل عما أحببت، فقلت ما معنى قولك قليل لحم الاثنين؟ قال: لحم الوجه والمتنين. قلت: فما معنى لين الثلاث؟ قال: المردغتين والفرق والعناق، قلت: فما معنى غامض الأربع؟ قال: أعلى الكتفين والمرفقين والحجاجين والشظا، فقلت: أحسنت. فما معنى لطيف الخمس؟ قال: الزور والنسر والجبة والعجاية والركبة، فقلت: أجدت ما معنى رقيق الست؟ قال: الجفن والسالفة والحجفلة والأديم وأعلى الأذنين والفرضين، فقلت: لله أبوك، فما معنى غليظ السبع؟ قال: الذراع والمخرم والعكوة والشوى والرسغ والفخذين والحبال، فقلت: حياك الله فما معنى عريض الثمان؟ قال: الجبهة والصهوة والكتف والجنب والعصب والبلدة وصفحة العنق، فقلت: لله درك فما معنى قصير التسع؟ قال: الشعرة والأطرة والعسيب والقضيب والعضدين والرسغين والنسا والظهر والوظيف، فقلت: ما معنى بعيد العشر؟ قال: بعيد النظر والخطو وأعالي الجنبين وما بين الوقبين والجاعرتين وما بين القرابين والمنخرين وما بين الرجلين، وما بين النقبة والصفاق، والقامة في السباق، فقلت له: من أين أخذت هذا العلم؟ قال: من الثغور الأموية وبلاد الاسكندرية، فقلت له: أنت مع هذا الفضل تعرض وجهك لهذا البذل، فقال:

ساخف زمانك جدا

فالدهر جد سخيف

دع الحمية نسياً

وعش بخير وريف

وقل لعبدك هذا

يجيء لنا برغيف

وقال ابن عائشة:

قصرت له تسع ةطالت أربع

وزكت ثلاث منه للمتأمل

وكأنما سأل الظلام بمتنه

وبد الصباح بوجهه المتهلل

وكأن راكبه على ظهر الصبا

من سرعة أو فوق ظهر الشمأل

فقوله زكت: أي نمت وطالت.

ومن أوصافها الممدوحة أن يكون شق شدقيها واسعاً. قال الشاعر:

هريت قصير عذار اللجام

أسيل طويل عذار الرسن

الهريت: واسع الفم، وقصير عذار اللجام: دليل أسل الخد، وطول عذار الرسن: دليل طول العنق. وقال آخر:

طويل متن العنق أشرف كاهلاً

أشق رحيب الجوف معتدل الجرم

وقال أبو دؤاد:

فهي شوهاء كالجوالق فوهاً

مستجاف يضل فيه الشكيم

الشوهاء: واسعة الأشداق، ولا يقال للذكر أشوه. وقال آخر:

إذا ما نتبشت طرحت اللجا

م في شدق الجرد والسلهب

يبذ الجياد بتقريبه

ويأوي إلى حضر ملهب

كميت كأن على متنه

سبائك من قطع المذهب

كأن القرنفل والزنجبي

ل يعلو على ريقه الأطيب

ومنها أن تكون رحبة المنخر، قال امرؤ القيس:

وقد اغتدي ومعي القانصان

فكل بمربأةٍ مقتفر

فيدركنا فعم داجن

سميع بصير طلوب نكر

ألص الضروس حبي الضلوع

تبوع طلوب نشيط أشر

فأنشب أظفاره في النسا

فقلت هبلت ألا تنتصر

فكر إليه بمبراته

كما خل اللسان المجر

فظل يرنح في غيظل

كما يستدير الحمار النعر

ص: 34

وأركب في الروع خيفانةً

كسا وجهها سعفٌ منتشر

لها حافرٌ مثل قعب الولي

د ركب فيه وظيف عجر

وساقان كعباهما أصمعا

ن لحم حماتيهما منبتر

لها عجز كصفاة المسي

ل أبرز عنها حجاف مضر

لها متنتان خطاتا كما

أكب على ساعديه النمر

وسالفةٌ كسحوق اللبا

ن أضرم فيها الغوي السعر

لها غدرٌ كقرون النسا

ء ركبن في يوم ريح وصر

لها جبهة كسراة المج

ن حذقه الصانع المقتدر

لها منخر كوجار السباع

فمنه تريح إذا تنبهر

لها ثننٌ كخوافي العقا

ب سودٌ يفئن إذا تزبئر

وعين لها حدرة بدرة

فشقت مآقيهما من أخر

إذا أقبلت قلت دباءةٌ

من الخضر مغموسة في الغدر

وإن أدبرت قلت أثفيةٌ

ململمةٌ ليس فيها أثر

وإن أعرضت قلت سرعوفةٌ

لها ذنب خلفها مسبطر

وللسوط فيها مجالٌ كما

تنزل ذو بردٍ منهمر

وتعدو كعدو نجاة الظبا

ء أخطأها الحاذف المقتدر

لها وثبات كصوب السحاب

فؤادٍ خطاءٌ وواد مطر

الوِجار: جحر الضبع، وضيق المنخر: عيب في الخيل، مدح في الصقر.

وقال بشر:

كأن حقيف منخره إذا ما

كتمن الربو كير مستعار

يقال ربا الفرس إذا انتفخ منخره من عدو أو فزع وقال عدي بن زيد:

له ذنب مثل ذيل العروس

ومنخره مثل جحر اللجم

اللجم: دويبة أصغر من العضاية، ومنها أن تكون واسعة الجبهة.

قال الأخطل:

صلت الجبين كأن رجع صهيله

زجر المحاول أو غنا متوالي

وقال النابغة:

بعار النواهق سلط الجبي

ن يستن كالتيس ذي الحلب

وقال يزيد بن ضبة يصف السندي فرس الوليد بن عبد الملك لما خرج إلى الصيد ولحق عليه حماراً فصرعه، ثم قال الوليد ليزيد صفه فقال:

وأحوى سلس المرس

ن مثل الصدع الشعب

سما فوق منيفاتٍ

طوال كالقنا سلب

طويل الساق عنجوجٍ

أشق أصمع الكعب

على لام أصم مض

مر الأشعر كالقعب

ترى بين حواميه

نسوراً كنوى القسب

معالي شنج الأنسا

ء سام جرشع الجنب

طوى بين الشراسيف

إلى المنقب فالقنب

يغوص الملحم القائم

ذو حد وذو شغب

عتيد الشد والتقري

ب والإحضار والعقب

صليب الأذن والكاه

ل والموقف والعجب

عريض الجبهة والخد

والبركة واللهب

إذا ما حثه حاث

يباري الريح في غرب

وإن وجهه أسر

ع كالخذروف في النقب

وقفاهن كالأجد

ل لما انضم للضرب

ووالى الضرب يختار

جواشن بدن قب

ترى كل مدل قا

ئماً يلهث كالكلب

كأن الدم في النحر

قذال علّ بالخضب

يزين الدار موقوفاً

ويشفي قدم الركب

فقال له الوليد: أحسنت الوصف وأجدت. وقال امرؤ القيس:

لها جبهةٌ كسراة المج

ن حذقه الصانع المقتدر

ومنها أن يكون في عينيها السمو والحدة والاتساع، قال امرؤ القيس:

وعين لها حدرةٌ بدرة

فشقت مآقيهما من أخر

الحدرة العظيمة والبدرة التي تبدر بالنظر والمآقي طرف العين الذي يلي الأنف وتوصف بالقبل وهو ميل النظر إلى طرف الأنف من عزة النفس لا من أصل الخلقة. قالت ليلى الأخيلية في فائض بن أبي عقيل وكان فر عن ثوبة حين قتل:

ولما أن رأيت الخيل قبلاً

تبارة بالخدود شبا العوالي

نسيت وصاله وصددت عنه

كما صد الأذب عن الضلال

وقال أبو الفضل ابن شرف يمدح المعتصم بالله الأندلسي:

أشوس الطرف علته نخوة

يتهادى كالغزال الخرق

وامتطى من طرفه ذا خبب

يلثم الغبراء إن لم يعنق

لو تمطى بين أسراب المهى

نازعته في الحشا والعنق

حسرت دهمته عن غرة

كشفت ظلماؤها عن يقق

لبست أعطافه ثوب الدجى

وتحلى خده باليقق

وانبرى تحسبه أجفل عن

لسعةٍ أو جنةٍ أو أولق

مدركاً بالمهل ما لا ينتهي

لاحقاً بالرفق ما لم يلحق

ص: 35

ذو رضا مستتر في غضب

ذو وقار منطوٍ في خرق

وعلى خدٍ كعضبٍ أبيض

أذن مثل سنان أزرق

كلما نصبها مستمعاً

بدت الشهب إلى مسترق

حاذرت منه شبا خطيةٍ

لا يجيد الخط ما لم يمشق

كلما شامت عذار خده

خفقت حفق فؤادٍ أفرق

في ذرى ظمآن فيه هيف

لم يدعه للقضيب المورق

يتلقاني بكف مصقعٍ

يقتفي شأو عذارٍ مقلق

إن يدر دورة طرفٍ يلتمح

أو يجل جول لسان ينطق

عصفت ريح على أنبوبه

وجرت أكعبه في زنبق

كلما قلبه باعد عن

متن ملساء كمثل البرق

جمع السرد قوى أزرارها

فتآخذن بعهدٍ موثق

أوجبت في الحرب من وخز القنا

فتوارت حلقاً في حلق

كلما دارت بها أبصارها

صورت منها مثال الحدق

زل عنه متن مصقول القوى

يرتمي في مائها بالحرق

لو نضى وهو عليه ثوبه

لتعرى عن شواظٍ محرق

أكهب من هبوات أخضر

من فرند أحمر من علق

وارتوت صفحاه حتى خلته=بحميا من لكفيك سقي

يا بني معن لقد ظلت بكم

شجر لولاكم لم تورق

لو سقي حسان من إحسانكم

ما بكى ندمانه في جلق

أو دنا الطائي من حيكم

ما حدا البرق لربع الأبرق

وقال امرؤ القيس:

وعين كمرآة الصناع تديرها

بمحجرها من النصيف المنقب

الصناع: الحاذقة، والمحجر من العين: ما دار بها، والنصيف: شعر الجبهة.

وقال المتنبي:

تنام لديك الرسل أمناً وغبطةً

وأجفان رب الرسل ليس تنام

حذاراً لمعروري الجياد فجاءةً

إلى الطعن قبلاً ما لهن لجام

تعطف فيه والأعنة شعرها

وتضرب فيه والسياط كلام

وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا

إذا لم يكن فوق الكرام كرام

وقال ابن دريد:

شعثاً تعادى كسراحين الفضا

قبل حماليق يبارين الشبا

الشعث: المغبرة، وتعادى: من العدو، والسراحين: الذئاب، والحماليق: بواطن الأجفان، والقبل: ميل النظر إلى الأنف في الخيل، وإذا كان في الإنسان سمي خزراً. قال المتنبي:

والقوم في أعينهم خزر

والخيل في أعيانها قبل

وقال آخر:

إذا تخازرت وما بي من خزر

ثم كسرت العين من غير عور

ألفيتني ألوي بعيد المستمر

كالحية الصماء في أصل الشجر

وقال ابن الأطنابة:

إني من القوم الذين إذا انتدوا

بدؤوا بحق الله ثم النائل

المانعين من الخنا جاراتهم

والحاشدين على طعام النازل

والخالطين فقيرهم بغنيهم

والباذلين عطاءهم للسائل

والضاربين الكبش يبرق بيضه

ضرب المهجهج عن حياض الآبل

والقاتلين لدى الوغى أقرانهم

إن المنية من وراء القاتل

والقائلين فلا يعاب كلامهم

يوم المقامة بالقضاء الفاصل

خزر عيونهم إلى أعدائهم

يمشون مشي الأسد تحت الوابل

ليسوا بأنكاسٍ ولا ميل إذا

ما الحرب شبت أشعلوا بالشاعل

وقال عنترة العبسي:

ولرب مشعلة وزعت رعالها

بمقلص نهد المراكل هيكل

سلس المعذر لاحق أترابه

متقلب عبثاً بفأس المهجل

وكأن هاديه إذا استقبلته

جذع أذل وكان غير مذلل

وكأن مخرج روحه في وجهه

سربان كانا مولجين لجيال

وكأن متنيه إذا جردته

ونزعت عنه الجل متنا أيل

وله حوافر موثق تركيبها

صم الصخور كأنها من جندل

وله عسيب في سبيبٍ سابغ

مثل الرداء على الفتى المتفضل

سلس العنان إلى القتال وعينه

قبلاء شاخصةٌ كعين الأحول

وكأن مشيته إذا نهنهته

بالنكل مشية شارب مستعجل

فعليه اقتحم الوقيعة خائضاً

فيها وأنقض انقضاض الأجدل

وتوصف بحدة النظر قال المتنبي:

وينظرن من سود صوادق في الدجى

يرين بعيدات الشخوص كما هيا

ومن ذلك قول العرب أبصر من فرس دهماء في ليلة ظلماء، ويقال أسمع من فرس بهماء. وقال عدي بن زيد:

له قصة فشغت حاجبيه

والعين تبصر ما في الظلم

ص: 36

القصة: - بالضم - شعر الناصية، وفشغت: أي انتشرت. ومنها أن يكون شعر ناصيتها طويلاً. قال امرؤ القيس:

وأركب في الروع خيفانة

كسا وجهها سعف منتشر

الخيفانة: الفرس الطويلة القوائم الضامرة، ولا يقال للذكر خيفان. وقد غلط من علماء هذا الفن من غلط امرأ القيس في تشبيه ناصيتها بالطول بسعف النخلة حيث زعم أن شعر الناصية إذا غطى العين سمي غمماً والحق مع امرئ القيس ويؤيده قول عدي بن زيد:

غدا بتليل كجذع الخضا

ب حر القذال طويل الغسن

لأن الغسن شعر الناصية، والذؤابة شعر في أعلاها، والحر من الفرس سواد في ظاهر الأذنين، ومنها أن تكون أذناها محددتين رقيقتين منتصبتين كثيرة التحريك لهما وإذا أميلت أذنها بلغت طرف عينها مما يلي الصدغ، قال ابن دريد:

يدير إعليطين في ملمومة

إلى لموجين بألحاظ اللئا

الإعليط: وعاء ثمر المرخ - بالخاء المعجمة - شبه به أذني الفرس في الانتصاب والحدة، والملمومة: الهامة المجتمعة، كالحجر الملموم، واللموخ: العين، واللئا: البقر. وقال عتبة:

وترى أذنها كإعليط مرخ

حدة في لطافة وانتصاب

وقال النمر بن تولب:

لها أذن حشرة مشرة

كإعليط مرخ إذا ما صقر

وقال ابن مقبل:

يرخي العذار وإن طالت قبائله

عن حشرة مثل سنف المرخة الصقر

الحشرة: الأذن اللطيفة المحددة. وقال حازم:

كم قد هدى هوادي الخيل إلى

من ضل عن سبل الرشاد أو غوى

من كل سامي الطرف ما في لحظه

من خذء ولا بأذنيه خذا

هوادي الخيل: أعناقها، وسامي الطرف: عاليه، روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا رأيتم خيل القوم رافعة رؤوسها، كثيراً صهيلها، فاعلموا أن الدائرة لهم. وإذا رأيتم خيل القوم ناكسة رؤوسها، قليلاً صهيلها، تحرك أذنابها، فاعلموا أن الدائرة عليهم"، ويكنى بسامي الطرف عن حدة نظر العين وطموحها، وهو مستحسن في الخيل.

قال أبو دؤاد:

حديد الطرف والمنكب

والعرقوب والقلب

والخذا: استرخاء الأذن، وهو مكروه في الخيل، وهو غير مهموز. روي أن العماني دخل على الرشيد فأنشده في وصف فرس قوله:

كأن أذنيه إذا تشوّفا

قادمةً أو قلماً محرفا

فلحن ولم يهتد منهم لإصلاحه إلاّ الرشيد، فإنه أبدل (كأن) ب (تخال) فقال:

تخال أذنيه إذا تشوفا

قادمةً أو قلماً محرفا

وروي عن الأصمعي قال: سمعت أعرابياً يقول: خرجت علينا خيل مستطيرة النقع كأن هواديها أعلام وآذانها أطراف أقلام وفرسانها أسود آجام، فأخذ عدي هذا المعنى فقال:

يخرجن من مستطير النقع داميةً

كأن آذانها أطراف أقلام

وقال عدي بن زيد:

له عنق مثل جذع السحوق

وأذن مصنعة كالقلم

وقال ابن هاني:

وجاءت عتاق الخيل تردى كأنما

تخط لها أقلام آذانها صحفا

والعرب تصف آذان الخيل بصدق السمع فتقول آذان الخيل أصدق من عينها، أي أنها إذا أحست بشيء تشوفت بآذانها وتوجست بهما فيتأهب فارسها لما عساه أن يحدث وأكثر البينات وإدلاج الليل قال الشاعر:

يصهلن للنظر البعيد كأنما

إرنانها ببوائن الأشطان

أي أنها إذا رأت شخصاً بعيداً طمحت إليه وصهلت فكأن صهيلها في آبار بعيدة القعر لسعة جوفها. قال كثير عزة:

تشوف من صوت الصدى كلما

تشوف جيداء المقلد مغيب

تشوف الفرس: أي نصب عنقه وجعل ينظر، وروي أن بعض العرب أمر ولده بشراء إلى شيء، وأعضاؤه حشيت شيئاً في شيء، فقال له ابنه: من ملك مثل هذا لا يبيعه. وقال أبو العلاء المعري:

كأن أذنيه أعطت قلبه خبراً

عن السماء بما يلقى من الغير

وقال: وأثبت الناس قلباً في الظلام سرى=ولا ربيئة إلاّ مسمع الفرس الربيئة: الطليعة، أي أربط الناس جأشاً من يسري في الظلام ولا لاطليعة له ترقبه إلاّ آذان فرسه. وقال أيضاً:

وأبصرت الذوابل منه عدلاً

فأصبح في عواملها اعتدالا

وجنح يملأ الفودين شيباً

ولكن يجعل الصحراء خالا

أردنا أن نصيد به مهاة

فقطعت الحبائل والحبالا

ونم بطيفها الساري جواد

فجنبنا الزيارة والوصالا

وأيقظ بالصهيل الركب حتى

ظننت صهيله قيلاً وقالا

ص: 37

ولولا غيرة من أعوجي

لبات يرى الغزالة والغزالا

يحس إذا الخيال دنا إلينا

فيمنع من تعهدنا الخيالا

وقال المتنبي:

قاد الجياد إلى الطعان ولم يقد

إلاّ إلى العادات والأوطان

كل ابن سابقة يغير بحسنه

في قلب صاحبه على الأحزان

إن خليت ربطت بآداب الوغى

فدعاؤها يغني عن الأرسان

في جحفل ستر العيون غباره

فكأنما يبصرن بالآذان

الجحفل: الجيش العظيم كثيف الغبار الذي يستر الأعين حتى لا يرى، والخيل مع صدق حاسة نظرها إذا أحست بشيء نصبت آذانها كأنها تبصر بها. وقال أيضاً:

وتنصب للجرس الخفي مسامعاً

يخلن مناجاة الضمير تناديا

وقال:

ويوم كليل العاشقين كمنته

أراقب فيه الشمس إبان تغرب

وعيني إلى أذني أغر كأنه

من الليل باق بين عينيه كوكب

له فضلة عن جسمه في إهابه

تجيء على صدر رحيب وتذهب

شققت به الظلماء أدني عنانه

فيطغى وأرخيه مراراً فيلعب

وأصرع أي الوحش قفيته به

وأنزل عنه مثله حين أركب

وما الخيل إلاّ الصديق قليلة

وإن كثرت في عين من لا يجرب

إذا لم تشاهد غير حسن شياتها

وأعضائها فالحسن عنك مغيب

والمعنى: أنك لا تغتر بحسن شياتها فإنه لا فائدة فيه، إذا لم تكن ذات عدوٍ وجري وأدب، ومعنى قوله: دعيني إلى أذني، أنه كان ينظر إلى آذان فرسه، لأنه الفرس إذا أحس بشخص من بعيد نصب أذنيه نحوه، فيعلم أنه أبصر شيئاً، ثم وصفه بأنه كقطعة من الليل بقي كوكب منه بين عينيه، وهذا المعنى أخذه من قول أبو دؤاد:

ولها جبهة تلألأ كالشع

رى أضاءت وعم منها النجوم

وقال البحتري: ومقدم الأذنين تحسب أنه=بهما يرى الشيء الذي لا يأمنه وقال آخر:

وجبت له أذنان يرقب سمعها

بصر كناصية الشجاع المرصد

وقال حازم:

توحي إلى من يمتطيه أذنه

بكل ما يسمع من أخفى الوحى

يكاد لا يبصره ذو مقلة

من خفة وسرعة إذا دأى

الوحى: الإشارة والكلام الخفي. وقال أبو القاسم بن هاني الأندلسي يمدح المعز لدين الله:

وصواهل لا الهضب يوم مغارها

هضب ولا البيد الحزون حزون

جنب الحمام، وما لهن قوادم

وعلى الربود وما وما لهم وكون

فلهن من ورق اللجين توجس

ولهن من مقل الظباء شفون

فكأنها تحت النضار كواكب

وكأنها تحت الحديد رجون

عرفت بساعة سبقها لا إنها

علقت بها يوم الرهان عيون

وأجل علم البرق فيها أنها

مرت بجانحتيه وهي ظنون

فأمر له بدست قيمته ستة آلاف دينار. فقال له: يا أمير المؤمنين? ما لي موضع يسع الدست إذا بسطت، فأمر له ببناء قصر فغرم عليه ستة آلاف دينار، وحمل له آلة تشاكل القصر والدست قيمتها ثلاثة آلاف دينار.

وقال ابن حمديس الصقلي:

ومنقطع بالسبق من كل حلبةٍ

فتحسبه يجري إلى الرهن مفردا

كأن له في أذنه مقلةٌ يرى

بها اليوم أشخاصاً تمر به غدا

أقيد بالسبق الأوابد حوله

ولو مر في آثارهن مقيدا

وقال امرؤ القيس:

له أذنان تعرف العنق فيهما

كسامعتي مذعورةٍ وسط ربرب

العتق: الأصل والجمال، والسامعة: الأذن، والمذعورة: البقرة إذا ذعرت نصبت آذانها، والربرب: قطيع بقر الوحش، وخص المذعورة؛ لأنها أشد توخياً تسمعاً، ومنها أن تكون أسيلة الخد، ونواهقها عارية من اللحم. النواهق: مجاري الدمع، ويقال لها: سموم، قال حمد بن نور:

طرف أسيل معقد للريم

عار لطيف موضع السموم

وقال طفيل:

معرقة الألحي تلوح متونها

تثير القطافي منهل بعد مقرب

وقال امرؤ القيس:

قد أشهد الغارة الشعواء تحملني

جرداء معروقة اللحيين سرحوب

كأن صاحبها إذ قام يلجمها

مغدٌ على بكرةٍ زوراء منصوب

إذا تبصرها الرؤوان مقبلةً

لاحت لهم غرةٌ منها وتجبيب

وقافها ضرمٌ وجريها جذمٌ

ولحمها زيَمٌ والبطن مقبوب

واليد سابحةٌ والرجل ضارحةٌ

والعين قادحة والمتن ملحوب

ص: 38