الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهدنا الرهان غداة الرهان
…
بجمعية ضمها الموسم
نقود إليها مقاد الجميع
…
ونحن بصنعتها أقوم
غدونا بمقوورة كالقداح
…
غدت بالسعود لها الأنجم
مقابلة نسبة في الصريح
…
فها هي للأكرم الأكرم
فمنهن أحوى طمر أغر
…
يفوت الخطوط إذا يلجم
تلألأ في وجهه قرحة
…
كأن تلألؤها المرزم
ومنها كميت بهي الصفات
…
وأشقر ذو غرة أرثم
وأدهم ليس له غرة
…
لقد حاز من فضلها الأدهم
فقيدت لمدخور ما عندها
…
لمنتظري أنها تنجم
عليهم سحم صغار الشخوص
…
وكالأسد صوتاً إذا تنجم
كأنهم فوق أثباجها
…
زرازير في نعف حوم
فصفت على الحبل في محضر
…
يلي أمره ثقة مسلم
تراضوا به حكماً بينهم
…
فبالحق بينهم يحكم
وربك بالسبق عن ساعة
…
من الناس كلهم أعلم
فقلت ونحن على جدة
…
من الأرض نيرها مظلم
لقد فرغ الله مما يكون
…
ومهما يكن فهو لا يكتم
فأقبل في إثرنا نافر
…
كما يقبل الوابل المنجم
وأتبع فوضي مرفضة
…
كما أرفض من سلكه المنظم
أو السرب سرب القطا راعه
…
من الجو شواذنق أظلم
فواصل من كل سقط له
…
كأن عنابيبها العندم
وللمرء من قدح ما تستثير
…
سنابكهن سنا يحذم
فجلى الأغر وصلّى الكميت
…
وسلى فلم يذمم الأدهم
وأردفها رابع تاليا
…
وأين من المنجد المتهم
وما ذم مرتاحها خامساً
…
وقد جاء يقدم ما يقدم
وجاء الحظي لها سادساً
…
فأسهم حصته المسهم
وسابعها العاطف المستحير
…
يكاد لحيرته يحرم
وجاء المؤمل فيما نجيب
…
وغنى له الطائر الأشيم
حذى سبعة وأتى ثامناً
…
وثامنه الخيل لا تسهم
وجاء اللطيم لها تاسعاً
…
فمن كل ناحية يلطم
يخيب السكيت على إثره
…
حياؤه من خزيه أعظم
كأن جوانبه بين ذي
…
جمانة نيط بها قمقم
على ساقة الخيل يعدو به
…
مليماً وسائسه ألوم
إذا قيل من رب ذا لم يجب
…
من الخزي بالصمت مستعصم
ومن لا يقد للحلاب الجياد
…
وشيكاً لعمرك إن يندم
وما ذو اقتضاب لمحمولها
…
كمن ينتميها ويستلزم
فرحنا بسبق شهرنا به
…
ونيل به الفخر والمغنم
وأحرزنا عن قصبات الرهان
…
رغائب أمثالها تقسم
بروداً من القصب موشية
…
وأكيسة الخز والملحم
فراحت عليهن منشورة
…
كأن حواشيهن الدم
ومن ورق صامت بدرة
…
ينوء بها الأغلب الأعصم
ففضت لهن خواتيمها
…
وبدرتنا الدهر لا تختم
نوزعها بين خدامها
…
ونحن لها منهم أخدم
وإنا لنرتبط المعربا
…
ت في اللدنات فلا ترزم
نعدلها المحض بعد الثليث
…
كما يصلح الصبية المطعم
ونخلطها بصميم العيال
…
بمن لم يخب وهو المحرم
مشاربها الصافيات العذاب
…
ومطعمهن هو المطعم
فهن بأكناف أبياتنا
…
صوافهن يصلهن أو حؤم
ونظمها الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي بقوله:
قالوا المجلي أول ثم المصلي بعده
…
ثم المسلي ثالث والتالي طرف رابع
والخامس المرتاح ثم عاطف سادسهم
…
ثم الحظي بعده وهو الجواد السابق
والثامن مؤمل ثم اللطيم تاسع
…
سكيتهم عاشرهم أهلة طوالع
فكلهم آخرهم فلا يعد فيهم=إن المجلي أول وتسعة توابع ثم قال: المحفوظ عن العرب السابق ثم المصلي والسكيت الذي هو العاشر، والسابق هو الأول وهو المجلي والمبرز، وسائر ما ذكر من الأسماء؛ فإن بعض الحفاظ من أهل اللغة قال: أراها محدثة، والله أعلم.
المطلب الرابع فيما ورد فيها عن الملوك والأمراء
اعلم أن أكثر ما يتفاخرون باقتنائه ويتباهون بالاعتناء به، ارتباط كرائم الخيل يجلبونها من الآفاق، ويسبرون عتاقها بحسن السباق، ويتخذون طراد الحلبة ميدان مراحهم ومضمار انشراحهم، ويحتفلون ليومه، ويستدعون لشهوده الأعيان، ويستحضرون لمشاهدته ذوي الخبرة والفرسان. ولا ريب في أن الملوك بهذه الوسيلة يتوصلون إلى حماية ملكهم إذ لا يحامي عنه إلاّ كل شجاع جواد على متون الصافنات العتاق فبها يملؤون قلوب الأعداء رعباً، ويذيقونهم نكال الحرب طعناً وضرباً.
ذكر أبو الفرج الأصبهاني أن المهدي العباسي أجرى الخيل فسبقها فرسه الغضبان، فطلب الشعراء فلم يجد منهم أحداً غير أبي دلامة، فقال له: قلده يا يزيد، فقلده عمامته ليضحكه بذلك، فقال له المهدي: يا ابن الخنا أنا أكثر منك عمائم، إنما أردت أن تقلده شعراً، ثم قال: يا لهفي على العماني، فأحضروه فقال له: قلد فرسي هذا فقال:
قد غضب الغضبان إذ جد الغضب
…
وجاء يحمي حسباً فوق الحسب
من إرث عباس بن عبد المطلب
…
وجاءت الخيل به تشكو النصب
له عليها ما لكم على العرب
فقال المهدي: أحسنت والله! وأمر له بعشرة آلاف درهم. وقال ابن الأعرابي: أجرى هارون الرشيد خيله فجاء فرسه المشمر سابقاً، وكان معجباً به، فأمر الشعراء أن يصفوه فقال أبو العتاهية:
جاء المشمر والأفراس يقدمها
…
هوناً على رسله منها وما انبهرا
وجاء الريح حسرى وهي جاهدة
…
ومر يختطف الأبصار والنظرا
وذكر المسعودي: أن الرشيد أجرى الخيل، فلما أرسلت صار إلى مجلسه في صدر الميدان حيث توافى إليه الخيل، فكان في أوائلها سوابق من خيله، يقدمها فرسان في عنان واحد، لا يتقدم أحدهما على صاحبه فتأمل أحدهما فقال: فرسي والله، ثم تأمل الآخر فقال: فرس ابني المأمون. فكان فرسه السابق وفرس المأمون ثانية فسر بذلك. فلما انقضى المجلس وهم بالانصراف، قال الأصمعي: - وكان الفضل بن الربيع حاضراً - فقلت: يا أبا العباس! هذا يوم من الأيام، فأحب أن توصلني إلى أمير المؤمنين. فقام الفضل وقال: يا أمير المؤمنين هذا الأصمعي يذكر شيئاً من الفرسين يزيد الله بن أمير المؤمنين سروراً، فقال: هاته فلما دنا قال: ما عندك يا أصمعي؟ قال: يا أمير المؤمنين كنت وابنك اليوم والفرسين كما قالت الخنساء:
جارى أباه فأقبلا وهما
…
يتعاوران ملاءة الحضر
حتى إذا بدت القلوب وقد
…
لزت هناك القدر بالقدر
وهما كأنهما وقد برزا
…
صقران قد حطا على وكر
برزت صحيفة وجه والده
…
ومضى على غلوائه يجري
أولى فأولى أن يساويه
…
لولا جلال السن والكبر
وذكر المقريزي: أن العزيز بالله سابق بين الطيور، فسبق طائر الوزير يعقوب طائر العزيز، فشق ذلك على العزيز، ووجد أعداء الوزير سبيلاً إلى الطعن فيه، فكتبوا إلى العزيز أنه قد اختار من كل صنف أعلاه، ولم يترك لأمير المؤمنين إلاّ أدناه حتى الحمام فبلغ ذلك الوزير فكتب إلى العزيز:
قل لأمير المؤمنين الذي
…
له العلا والمثل الثاقب
طائرك السابق لكنه
…
لم يأت إلاّ وله حاجب
فأعجب العزيز ذلك، ولم يلتفت للواشي. وقال ابن ظافر: ركب المعتمد على الله أبو القاسم بن عباد للنزهة بظاهر إشبيلية في جماعة من ندمائه وخواص شعرائه: فلما أبعد أخذ في المسابقة فجاء فرسه بين البساتين سابقاً فرأى شجرة تين قد أينعت وبرزت منها ثمرة قد بلغت وانتهت، فسدد إليها عصا كانت بيده فأصابها وثبتت على أعلاها، فأطربه ما رأى من حسنها وثباتها، ثم التفت إلى ابن جامع الصباغ فقال له أجز:
كأنها فوق العصا فقال
…
هامة زنجي عصى
فزاد سروره بحسن ارتجاله وأجزل جائزته. وقال الوزير عبد الغفور الكاتب يصف فرساً أشهب للأمير يحيى بن سير جاء سابقاً:
يا ملكاً لم يزل قديماً
…
بكل علياء جد وامق
وسابقاً في الندى أتتنا
…
جياده في المدى سوابق
لله منها أسيل خدٍّ
…
أهريت شدقيه كالجوالق
حديد قلب حديد طرف
…
ذو منكب يشبه البواسق
ذو جشة في الصهيل دلت
…
منه على أكرم الخلائق
أشهب كالرجع مستطير
…
كأنه الشيب في المفارق
خب غداة الرهان حتى
…
أجهد في إثره البوارق
ما أنس لا أنس إذ شالها
…
مشربات مثل البواشق
وبدها شزباً عتاقاً
…
لم ترض عن خصرها العواتق
فقمن يمسحن منه رشحاً
…
مطيبات به المخانق
أفديه من شافع لبيض
…
قد كن عن بغيتي عوائق
أنضع منه لرأي عيني
…
سود عذار الفتى الغرانق
وحكي أن الحجاج كتب إلى قتيبة بن مسلم، أنه قد اجتمعت جياد خيل العرب بخراسان فاكتب إلى أهل الكور وأمرهم بإجراء الخيل وابعث إلي بسوابقها. فبعث إليه بفرسه الأشقر والرؤاسي وهما أبناء الحميراء، فجاءت بهما رسله، فعرض لهما لص يسمى أشكاب، فسرق الأشقر وجاؤوا بالرؤاسي إلى عبد الملك بن مروان فاستوهبه منه أخوه بشر فوهبه إياه. فكانت خيل بشر من بناء الرؤاسي، وهي سوابق الخيل في العراق. وحكي أن بشراً سابق بفرسه من بنات الرؤاسي خيل يوسف بن عمر فسبقها فشق عليه ذلك. وبعد مدة قيل ليوسف بن عمر ألا تجري الخيل؟ فقال: الآن ابعثني وابعث بالسبق إلى عبد الملك، لأن بشراً حمل بعض الرؤاسي على بعض، فرققن وضعفن، والزائدية أغلظ منها وأقوى، وسمي الرؤاسي لأن رجلاً من سليم يسمى عبد الملك رأس استوهب ما في بطن الحميراء من معقل بن عروة فوهبه إياه. فلما وضعته أعجب معقل، فقال لعبد الملك: دعه وأهب لك ما شئت، فأبى فقال معقل: إذن لا ألبؤه لك فقال: هاته. فأخذه واشترى له برزونة، حين وضعت فألبأه منها ثم خدمه حتى أجدع، فأرسله في الحلبة فلم يصنع شيئاً ثم أثنى فأرسله في الحلبة فلم يصنع شيئاً. فأعاره إلى رجل من دهاقين خراسان، فابتذله فانتسب أي رجع إلى نسبه ونزع إلى عرقه بعد ما أربع، فكان سابقاً لا يجارى، وكان معقل خبيراً بالخيل، فإذا أجريت استدبرها فأيها كان أدنى سنبكاً من الأرض سابق عليه، فالزائدية سوابق خيل الشام، والرؤاسية سوابق خيل العراق. وحكى المسعودي: أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك كان مغرماً بالخيل وجمعها للحلبة؛ وكان فرسه السندي جواداً سابقاً إلاّ أنه يقصره في الحلبة عن فرس هشام المعروف بالزائد. وربما جاء معه مصلياً، فأجرى الوليد الخيل يوماً بالرصافة، وكانت الحلبة ألف قارح، فوقف بها ينتظر الزائد ومعه سعيد بن العاص، وكان جواده المصباح فيها فلما طلعت الخيل قال الوليد:
خيلي ورب الكعبة المحرمة
…
سبقن أفراس الرجال اللومة
كما سبقناهم وحزنا المكرمه
فأقبل فرس يسمى الوضاح أمام الخيل فلما دنا صرع فارسه وأقبل المصباح فرس سعيد يتلوه وعليه فارسه فقال سعيد:
نحن سبقنا اليوم خيل اللومه
…
وصرف الله إلينا المكرمه
كذاك كنا في الدهور المقدمه
…
أهل العلا والرتب المعظمه
فضحك الوليد لما سمعه، وخشي أن يسبق فرس سعيد فركض فرسه حتى ساوى الوضاح، فقذف بنفسه عليه ودخل سابقاً. ثم عرضت على الوليد الخيل في الحلبة الثانية، فمر به فرس لسعيد فقال: لا نسابقك أبا عنيسه وأنت القائل: (نحن سبقنا اليوم خيل اللومة) فقال سعيد: ليس كذا يا أمير المؤمنين، وإنما قلت (نحن سبقنا اليوم خيلاً لومه) فضحك الوليد وضمه إلى نفسه وقال: لا عدمت قريش أخا مثلك. وقال الأصمعي: حدثني ابن قتب قال: قدم أعرابي من أهل نجد على الوليد بن عبد الملك وقد ضمر الخيل للمسابقة، فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين أريد أن أرسل خيلي مع خيلك، فقال: كيف تراها فقال: حجازية لو ضمها مضمارك ذهبت. فقال له الوليد: ما اسمك؟ قال: أسيلم بن الأحنف، فقال له: إنك لمنقوص الاسم أعوج اسم الأب. ثم أرسلت الخيل فسبق الأعرابي على فرسه حزمة. فقال له الوليد: أواهبها أنت لي؟ قال: إنها قديمة الصحبة ولها حق، ولكني أحملك على مهر لها قد سبق عاماً أول، وهو في بطنها له تسعة أشهر والمهر إذا أتت عليه عشرة أشهر في بطن أمه ربض، أي: تحرك. وقال أيضاً: كان ابن هشام بن عبد الملك يعتني بشأن الخيل حتى أن خيله لا تكاد تسبق فسبقت له فرس وصلت أختها ففرح بذلك، وقال: عليَّ بالشعراء، قال أبو النجم فدعينا له فقال: قولوا في هذه الفرس وأختها. فطلب الشعراء منه المهلة، وقلت مرتجلاً:
أشاع للغراء فينا ذكرها
…
قوائم عوج أطعن أمرها
وما نسينا بالطريق مهرها
…
حين نقيس قدره وقدرها
وصبره إذا عدا وصبرها
…
والماء يعلو نحره ونحرها
مملومة شد المليك أسرها
…
أسفلها وبطنها وظهرها
قد كان هاديها يكون شطرها
قال أبو النجم: فأمر لي بجائزة وانصرف القوم. وقال أيضاً:
ثم سمعنا برهان نأمله
…
قيد له من كل أفق جحفله
فقلت للسائس قد أعجله
…
عدواً ولعناً في الرهان نرسله
نعلو به الحزن ولا نسهله
…
إذا علا الأخشب صاح جند له
ترنم النوح يبكي مثكله
…
كان في الصوت الذي يفصله
زمار دف يتغنى جلجله
…
حتى وردنا المصر يطوي قنبله
طي التجار العصب إذ تنخله
…
وقد رأينا فعلهم فنفعله
وأبتع الأيدي منه أرجله
…
قمنا على هول شديد وجله
نمد حبلاً فوق خط نعد له
…
نقول قدم ذا وهذا أدخله
وقام مشقوق القميص يعقله
…
فوق الخماسي قليلاً يفضله
أدرك عقلاً والرهان عمله
…
حتى إذا أدرك خيلاً مرسله
ثار عجاج مستطير قسطله
…
تنفش منه الخيل ما لا تغزله
مرا يغطيها ومرا تجعله
…
مر القطا صب عليه أجدله
وهو رخي البال سام دهله
…
قدامها ميلاً لمن يمثله
تطيره الحن وحيناً ترجله
…
تسبح أخراه ويطفو أوله
ترى الغلام ساجياً ما تركله
…
تعطيه ما شاء وليس يسأله
كأنه من زبد تسربله
…
في كرسف النداف لولا بلله
تخال مسكاً عله معلله
…
ثم تناولنا الكلام نشرله
عن مقرع الكتفين حلو عطله
…
منتفخ الجوف عريض كلكله
فوافت الخيل ونحن فشكله
…
والجن عكاف به نقبله
ومما أدرك عليه قوله: "تسبح أخراه ويطفو أوله" مع أنه كان وصافاً للخيل، لأن اضطراب مؤخره قبيح. قال الأصمعي: إذا كان الفرس كذلك، فحمار الكساح أسرع منه، وإنما الوجه فيه ما قيل في وصف فرس أبي الأعور السلمي:
مر كلمع البرق سام ناظره
…
يسبح أولاه ويطفو آخره
فما يمس الأرض منه حافره
وقال المسعودي: إن هشاماً. كان يستجيد الخيل وأقام الحلبة مرة، فاجتمع فيها من خيله وخيل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يسمع بمثل ذلك جاهلية ولا إسلاماً. ونقل الأصمعي: أن الرشيد ركب في سنة خمس وثمانين ومئة إلى الميدان لشهود الحلبة، فدخلت فيمن شهدها من خواص أمير المؤمنينوالحلبة يومئذ أفراس الرشيد ولولديه الأمين والمأمون وسليمان بن أبي جعفر المنصور، وعيسى بن جعفر، فجاء الأدهم فرس الرشيد سابقاً. فظهرت علامة السرور بوجهه، وقال عليَّ بالأصمعي. فأقبلت سريعاً حتى مثلت بين يديه فقال: خذ بناصية هذا الريد، ثم صفه من قونسه إلى سنبكه، فإنه يقال أن في الخيل عشرين اسماً من أسماء الطير، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، وأنشدك شعراً جامعاً من قول أبي حرزة قال: فأنشد لله أبوك، فأنشدته:
وأقب كالسرحان تم له
…
ما بين هامته إلى النسر
رحبت نعامته ووقر فرخه
…
وتمكن الصردان في النحر
وأناف في العصفور في سعف
…
هام أشم موثق الجذر
وازدان بالديكين صلصله
…
ونبت دجاجته عن الصدر
والناهضان أمر حلزهما
…
فكأنما عثما على كسر
مسحنفر الجنبين ملتئم
…
ما بين شيمته إلى الغر
وصفت سماناه وحافره
…
وأديمه ومنابت الشعر
وسما الغراب لموقعيه معاً
…
فأبين بينهما على قدر
وتقدمت عنه القطاة له
…
فنأت بموقعها عن الحسر
واكتن دون قبيحه خطافه
…
ونأت ثمامته عن الصقر
وسما على نقويه دون حداثه
…
خربان بينهما مدى الشبر
يدع الرضيم إذا جرى قلقاً
…
بقوائم كمواسم سمر
ركبن في محض الشوى سبط
…
كفت الوقوب مشدد الأسر
الأقب: الضامر، والسرحان: الذئب، والهامة: أعلى الرأس، والنسر: لحمة في باطن الحافر، وهما اسما طائرين، والنعامة: جلدة الرأس، والفرخ: مقدم الدماغ، والصردان: عرقان ملتفان في باطن اللسان، وبياض يكون في الظهر من أثر الدبر، وهما من أسماء الطير، والعصفور: أصل منبت الناصية، وعظم ناتئ في الجبين، والغرة إذا سالت ورقت ولم تتجاوز العينين، وهو اسم طائر، والسعف: سيلان الناصية، وهام: انتشر، والأشم: المرتفع، والموثق: الجديد القوي، والجذر: الأصل من كل شيء، والديكان: عظمان ناتئان خلف الأذنين، والصلصل: بياض في طرف الناصية، والدجاجة: لحمة زوره، والناهض: لحم العضد من أعلاه، واسم لفرخ الطائر الذي وقر جناحه. وقوله (أمر حلزهما) : أي أحكم فتلهما، وعثما: أي جرى، والمسحنفر: المنتفخ، والملتئم: المعتدل، والشيمة: المنخر، والفر: عضلة الساق، وهي اسم الرخمة والسماني: الدائرة التي في صفحة العنق، وهو اسم طائر يشبه الخطاف، والغراب: رأس الورك، ويقال للصليان: غرابان، وهما مكتنفا عجب الذنب، والقطاة: مقعد الردف، وهي من أسماء الطير، والحر: سواد في ظاهر الأذنين، وهو اسم ذكر الحمام، والخطاف: ما أدرك عقب الفارس إذا حرك رجليه، ويقال له: المركن، وهو اسم طائر، والصقر: دائرة خلف موضع لبد الدابة، وهو اسم طير، والنقم: عظم الورك، واسم ذكر الحبارى، والحدأة: سالفة الفرس، وهي اسم طائر، والرخيم: الحجارة، والتوائم: الحوافر، والموسم: موسم الحديد شبهها به في الشدة، والشوى: القوائم.
ونظمها جلال الدين السيوطي فزادت على الثلاثين بقوله:
الفرخ والناهض والنعامه
…
والصقر واليعسوب والحمامه
والنسر والعصفور ثم الهامه
…
والديك والكرسوع والسمانه
والصر والفراش والغراب
…
والخرب والفرة والذباب
والزرق والصلصل والسحاة
…
والساق والخطاف والقطاة
والحر والأسقع والسعدانه
…
والجراد والعقاب والسمانه
كذاك ثم حدأة وورشان
…
ومثله رخمة إنسان
هذا تمام نظمي المهذب
…
والحمد لله بنيل المطلب
وقال أبو سراج الضبي إن صرد بن شداد اليربوعي عم مالك بن نورة سابق أبا سراج على فرس له تسمى بذوة، وفرس صرد تسمى: القطيب فسبق أبو سراج وقال:
ألم تر أن بذوة إن جرينا
…
وجد الجدو منا والقطيبا
كأن قطيبهم يتلو عقاباً
…
على الصلعاء رازنة طلوبا
ثم سرى الشر بينهما إلى أن احتال أبو سراج على صرد وسقاه منيّ عبدٍ له في عس حلب عليه فشربه، فانتفخ فمات.
قال الأخطل فيهم:
يعب الخمر وهي شراب كسرى
…
ويشرب قومك العجب العجيبا
منيُّ العبد عبد أبي سراج
…
أحق من المدامة أن تعيبا
وقال العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف الثغري كاتب سلطان تلمسان من أعمال الجزائر، أبي حمو موسى بن يوسف الزياتي يصف حلبة جياده:
قم مبصراً زمن الربيع المقبل
…
تر ما يسر المجتني والمجتلي
وانشق نسيم الروض مطلولاً وما
…
أهداك من عرف وعرف فاقبلِ
وانظر إلى زهر الرياض كأنه
…
در على لبات ربات الحلي
في دولة فاضت يداها بالندى
…
وقضت بكل منى لكل مؤملِ
بسطت بأرجاء البسيطة عدلها
…
وسطت بكل معاند لم يعدل
سلطانها المولى أبو حمو الرضا
…
ذو المنصب السامي الرفيع المعتلي
تاهت تلمسان بدولته على
…
كل البلاد بحسن منظرها الجلي
راقت محاسنها ورق نسيمها
…
فحلا بها شعري وطاب تغزلي
عرج بمنعرجات باب جيادها
…
وافتح بها باب الرجاء المقفل
ولتغدو للعباد منها غدوة
…
تضحى هموم النفس عنك بمعزل
وضريح تاج العارفين شعيبها
…
زره هناك فحبذا ذاك الولي
فمزاره للدين والدنيا معاً
…
تمحى ذنوبك أو كروبك تنجلي
وبكهفها الضحاك قف متنزهاً
…
تسرح نفوسك في الجمال الأجمل
وتمشَّ في جناتها ورياضها
…
واجنح إلى ذاك الجناح المخضل
يسليك في دوحاتها وتلاعها
…
نغم البلابل واطراط الجدول
وبربوة العشاق سلوة عاشق
…
فتنت وألحاظ الغزال الأكحل
بنواسم وبواسم من زهرها
…
تهديك أنفاساً كعرق المندل
فلو امرؤ القيس ابن حجر زارها
…
قدماً تسلى عن معاهد ماسل
لو حام حول فنائها وظبائها
…
ما كان مختفلاً بحومة حومل
فاذكر لها كلفي بسقط لوائها
…
فهواي عنها الدهر ليس بمنسل
كم جاد فيها الزمان بمطلب
…
جادته أخلاق الغمام المسبل
واعمد إلى الصفصيف يوماً ثانياً
…
وبه تسل وعنه دوماً فاسأل
وإذا تراه من الأزاهر خالياً
…
أحسن بعه عطلاً وغير معطل
ينساب كالإثم انسياباً دائماً
…
أو كالحسام جلاه كف الصيقل
فزلاله في كل قلت قد حلا
…
وجماله في كل عين قد حلي
واقصد بيوم ثالث فوارة
…
وبعذب منهلها المبارك فانهل
تجري على در لجيناً سائلاً
…
أحلى وأعذب من رحيق سلسل
وأشرف على الشرف الذي بإزائها
…
لترى تلمسان العلية من عل
تاج عليه من المحاسن بهجة
…
أحسن بتاج بالبهاء مكلل
وإذا علشية شمسها مالت فمل
…
نحو المصلى ميلة المتمهل
وبملعب الخيل الفسيح مجاله
…
أجل النواظر في العتاق الجفل
فلحلبة الأشراف كل عشية
…
لعب بذلك الملعب المتسهل
فترى المجلي والمصلي خلفه
…
وكلاهما في جريه لا يأتلي
هذا يكر وذا يفر فينثني
…
عطفاً على الثاني عنان الأول
من كل طرف كل طرف يستبي
…
قيد النواظر قتنة المتأمل
ورد كأن أديمه شفق الدجى
…
أو أشهب كشهاب رجم مرسل
أو أحمر قاني الأديم كعسجد
…
أو أشقر يزهو بعرف أشعل
أو من كميت لا نظير لحسنه
…
سام معم في السوابق مخول
أو أدهم كالليل إلاّ غرة
…
كالصبح بورك من أغر محجل
جمع المحاسن في بديع شياته
…
مهما ترق العين فيه تسفل
عقبان خيل فوقها فرسانها
…
كالأسد تنقض انقضاض الأجدل
فرسان عبد الواد آساد الوغى
…
حامو الذمار أولو الفخار الأطول
فإذا دنت شمس الأصيل لغربها
…
فإلى تلمسان الأصيلة فادخل
من باب ملعبها لباب حديدها
…
متنزهاً في كل ناد أحفل
وتأن من بعد الدخول هنيهة
…
واعدل إلى قصر الإمام الأعدل
فهو المؤمل والديار كناية
…
والسر في السكان لا في المنزل
وقال الوزير أبو عبد الله بن زمرك الكاتب في وصف جياد السلطان الغني بالله:
لك الجياد إذا تجري سوابقها
…
فللرياح جياد ما تجاريها
إذا انبرت يوم سبق في أعنتها
…
ترى البروق طلاحاً لا تباريها
من أشهب قد بدا صبحاً تراع له
…
شهب السماء فإن الصبح يفخيها
إلاّ التي في لجام منه قيدها
…
فإنه سامها عزّاً وتنويها
أو أشقر مرعب شقر البروق وقد
…
أبقى لها شفقاً في الجو تنبيها
أو أحمر جمرة في الحرب متقد
…
يعلو لها شرر من بأس مذكيها
لون العقيق وقد سال العقيق دماً
…
بعطفه من كماة كاد يدميها
أو أدهم ملء صدر الليل تنعله
…
أهلة فوق وجه الأرض يبديها
إن حارت الشهب ليلاً في مقلده
…
فصبح غرته بالنور يهديها
أو أصفر بالعشيات ارتدى مرحاً
…
وعرفه بتمادي الليل ينبيها
مموه بنضار تاه من عجب
…
فليس يدعم تنويهاً ولا تيها
وقال ابن الأحمر من قصيدة يمدح بها السلطان الغني بالله ويذكر جياد خيله:
والعاديات إذا تلت فرسانها
…
آي القتال صفوفها تترتل
لله خيلك إنها لسوابح
…
بحر القتام وموجه متهيل
من كل برق بالثريا ملجم
…
بالبدر يسرج والأهلة ينعل
أوفى بهادٍ كالظليم وخلفه
…
كفل كما لاح الكثيب الأهيل
هن البوارق غير أن جيادها
…
عن سبق خيلك يا مؤبد تنكل
غداة غدت من أبلق ومجزع
…
وورد ويحموم وأصدى وأشقرا
ومن أدرع قد قنع الليل حالكاً
…
على أنه قد سربل الصبح مسفرا
وأشعل وردي وأصفر مذهب
…
وأدهم وضاح وأشهب أقمرا
وذي كمتة قد نازع الخمر لونها
…
فما تدعيه الخمر إلاّ تنمرا
محجلة غراً وزهراً نواصعاً
…
كأن قباطياً عليها منسرا
وأدهماً إذا استقبلن كأنما
…
عللن إلى الأرساغ مسكاً وعنبرا