الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة في نشأة الخيل وأول من ركبها من العرب
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول من خلق الله من الخيل خلق فرساً كميتاً، وقال عز وجل: خلقتك عربياً وفضلتك، على سائر ما خلقت من البهائم بسعة الرزق والغنائم، تقاد على ظهرك والخير معقود بناصيتك، ثم أرسله فصهل: فقال جل وعلا: يا كميت! بصيلك أرهب المشركين، وأملأ مسامعهم، وأزلزل أقدامهم، ثم وسمة بغرة وتحجيل.
والسبب في خلق أول فرس كميتاً محاكاة لآدم عليه السلام، لأنه سمي آدم من الأدمة، وهي السمرة، والكميتة في الخيل تحاكي السمرة في الآدميين، فكان أول مخلوق من البشر أسمر وكذا أول فرس؛ وهذا دليل على شرفه ويمنه. فلما خلق الله آدم قال:"يا آدم! اختر أي الدابتين، يعني الفرس أو البراق فقال: يا جبريل اخترت أحسنهما وجهاً، وهو الفرس فقال تعالى: يا آدم! اخترت عزك وعز ولدك باقياً ما بقوا وخالداً ما خلدوا".
وسئل صفي الدين السبكي أكان خلقها قبل آدم أم بعده؟ فقال: "قبله بدليل قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) فالأرض وما فيها خلقها الله تعالى إكراماً لآدم وأولاده، والعظيم يهيأ له ما يحتاج إليه قبل قدومه"، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لما سمعت الملائكة صفة الفرس وعاينوا خلقها، قالت: رب نحن ملائكتك نسبحك، ونحمدك، فماذا لنا؟ فخلق لها خيلاً بلقاً، أعناقها كأعناق البخت يمد بها من يشاء من أنبيائه ورسله".
وأول من ركبها بعد آدم من العرب من أولاد عدنان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ومن بني قحطان يعرب.
روى الزبير بن بكار من حديث داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت الخيل وحوشاً لا تركب، فأول من ركبها إسماعيل فلذلك سميت العراب".
وروى الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهلالي، عن مسلم، عن جندب، أن:"أول من ركب الخيل، إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وإنما كانت وحشاً لا تطاق حتى سخرت له".
وروى أحمد بن سليمان النجار، بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: "كانت الخيل وحشاً كسائر الوحوش، فلما أذن الله عز وجل لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت، قال عز وجل: إني معطيكما كنزاً ادخرته لكما، ثم أوحى الله إلى إسماعيل أن اخرج وادع بذلك الكنز فخرج إسماعيل وما يدري ما الدعاء ولا الكنز، حتى أتى (أجياد) ، فألهمه الله عز وجل الدعاء، فنادى يا خيل الله أجيبي، فلم يبق فرس بأرض العرب إلا أجابته ومكنته من نواصيها، وذللت له ثم قال: فاركبوها واعتقدوها فإنها ميامين وإنها ميراث أبيكم إسماعيل عليه السلام؛ وأجياد اسم جبل بمكة.
وأول من سخرها وركبها من ملوك الفرس طهمورث، وأول من اتخذ السروج من ملوك الفرس، أفريدون بن أسفنان. وأول من اتخذ اللجم وأنعل الخيل بالحديد من العرب، أرحب الهمداني وفي ذلك يقول مالك بن بلالة بن أرحب:
أمرت بإيتاء اللجام فأبدعت
…
وأنعلت خيلي في المسير حديدا
وأرحب جدي كان أحدث قبلنا
…
ولو نطقت كانت بذاك شهودا
وقد كانت العرب تركبها بالرحالة وتتخذ من جلود الغنم بأصوافها، وتخشى صوفاً، أو ليفاً لتكون أخف بالطلب، وهي المعروفة في القطر الشامي بالمكدعة. والبراق: دابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض، مضطرب الأذنين، كالفرس وجهاً وعرفاً، وكالبعير قوائم، والبقر ذنباً، وأظلافاً يضع حافره عند منتهى طرفه، إذا أخذ في هبوط طالت يداه وإذا أخذ في صعود طالت رجلاه، أعده الله تعالى لركوب الرسل الكرام، عليهم من الله تعالى أفضل التحية وأكمل السلام.
الباب الأول فيما جاء في فضلها وتكريمها وكراهة التشاؤم منها والنهي عن أكل لحومها
وإخصائها وفيه أربعة فصول
الفصل الأول فيما يدل على فضلها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
اعلم أن الخيل أشرف الحيوانات ذوات الأربع، ولذا أقسم الله بها في كتابه العزيز بقوله:(والعاديات ضبحاً) فالعاديات جمع عادية، وهي سريعة الجري، والضبح صوت نفسها عند العدو، ليس بصهيل ولا حمحمة. (بالموريات قدحاً) الإيراء: إخراج النار، والقدح الضرب، أي الضاربة بحوافرها الحجارة، فتخرج النار منها (بالمغيرات صبحاً) وهو الوقت المعتاد للغارة، (فأثرن به نقعاً) أي هيجن به غباراً. ومدحها بقوله:(والخيل المسوَّمة) أي المعلمة بالوضح والغرة؛ والخيل جمع لا واحد له من لفظه، وسميت بذلك لاختيالها في المشي.
وذكرها في معرض الامتنان، وقدمها في الذكر بقوله (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) وسماها خيراً بقوله:(ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحاً بالسوق والأعناق) الصافنات: جمع صافن، وهو أن يقوم على ثلاث ويثني سنبك اليد الرابعة، والجياد: جمع جواد: أي، بين الجودة بضم الجيم. وقد وصفت هنا بأكمل الأوصاف، حالتي الوقوف والحركة، وفالصفون حالة الوقوف والجودة حالة الحركة، وعنى بالخير الخيل، والعرب تسميها خيراً. ثم قال (عن ذكر ربي) أي لا عن شهوة وهوى.
روي أن سليمان عليه السلام، أراد الغزو فجلس على كرسيه، وأمر بإحضار الخيل وإجرائها، وقال: إني لا أجريها لحظ النفس بل لأمر الله تعالى، ولم تزل تسير وتجري حتى توارت بالحجاب، أي غابت عن بصره، فأمر الروّاض بردها، فلما ردت، طفق يسمح سوقها وأعناقها، إعلاناً بشرفها وعزها، وأنها أعظم ما يدخر لقهر الأعداء والنصر، وإعلاماً بأن خدمة الأمراء لها ومعالجة أمراضها، لا تخل بشرفهم ومراتبهم، وإظهاراً للفرح بنعمة الله عليه بها، ليبالغ في شكرها، وهذا التفسير أليق بشأن النبوة ومقام الرسالة.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، في فضلها عموماً وفي فضل خيل الجهاد خصوصاً، أحاديث كثيرة، اقتصرت منها على إيراد بعض ما ورد في عمومها، فمن ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل".
وعن عائد بن نصيب قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أتي بفرس شقراء في سوق المدينة مع إعرابي، فلوى ناصيتها بين إصبعيه وقال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
وعن عبد الله بن دينار قال: "مسح رسول الله وجه فرسه بيده وقال: إن جبريل بات الليلة يعاتبني في إذالة الخيل".
وعن نعيم بن أبي هند، أن النبي صلى الله عليه وسلم "أتي بفرس فقام إليه يمسح عينيه، ومنخريه، بكم قميصه فقيل: يا رسول الله؛ تمسح بكم قميصك؟ فقال: إن جبريل عاتبني في الخيل".
وعن جرير بن عبد الله قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه ويقول: الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة". وقال صلى الله عليه وسلم: "الخيل مبدأة الورد - أي: يبدأ بها في السقي قبل الإبل والغنم -، وإذا مرت بنهر عجاج فشربت منه، كتبت له حسنات" وعن مجاهد قال: "أبصر النبي صلى الله عليه وسلم إنساناً ضرب فرسه ولعنه، فقال: هذه مع تلك لتمسنك النار إلا أن تقاتل عليه في سبيل الله؛ فجعل الرجل يقاتل عليه إلى أن كبر وضعف وجعل يقول: اشهدوا اشهدوا". وعن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قضى في عين الفرس ربع ثمنه". وعن عروة البارقي قال:"كانت لي أفراس فيها فحل شراؤه عشرون ألف درهم، ففقأ عينه دهقان فأتيت عمر رضي الله عنه، فكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن خير الدهقان بين أن يعطيه عشرين ألفاً ويأخذ الفرس، وبين أن يغرم بربع الثمن".
وعن عبادة بن الصامت قال: "عرضت على معاوية خيل فقال لرجل من الأنصار: يا ابن الحنظلية! ماذا سمعت رسول الله في الخيل؟ قال: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وصاحبها يعان عليها، والمنفق عليها، كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها، وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك". وفي رواية: "كف من مسك الجنة". وفي أخرى: "فامسحوا بنواصيها وادعوا الله لها بالبركة، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار"، لأن العرب كانت تقلد الخيل أوتار القسي لئلا تصيبها العين، فنهاهم عن ذلك، وأعلمهم أن الأوتار لا ترد شيئاً من قضاء الله تعالى. ورخص بتقليدها الخرز لأجل الزينة. قيل لأعرابي ما تقول في نساء بني فلان؟ قال: هن قلائد الخيل، أي كرام لأنه لا يقلد من الخيل إلا الكريم السابق.
وعن سواد بن الربيع الجرمي قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لي بذود وقال لي: عليك بالخيل فإن في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وفي رواية: "والأجر والمغنم".
وعن سواد أيضاً قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اربطوا الخيل فإن الخيل في نواصيها الخير" وفي رواية "الغنم بركة الإبل عز لأهلها والخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة. وعبدك أخوك فأحسن إليه، وإن وجدته مغلوباً فأعنه". وقال صلى الله عليه وسلم: "الفخر في أهل الخيل، والجفاء في أهل الإبل، والسكينة في أهل الغنم".
وعن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل مسلم إلا حق عليه أن يربط فرساً إذا أطاق ذلك" وفي الخبر "العز في نواصي الخيل والذل في أذناب البقر" وقال صلى الله عليه وسلم لما رأى السكة ببعض دور الأنصار -: "ما دخلت هذه دار قوم إلا دخله الذل" وذلك لما يتبعها من المغرم المفضي إلى التحكم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما استقرت أمور الحجاج الثقفي خرجنا حتى قدمنا بلدة واسط وذكر اجتماعه بالحجاج وعرض خيله عليه، فقال أنس: الخيل ثلاثة أفراس: فرس يتخذه صاحبه يريد أن يجاهد عليه، ففي قيامه عليه وعلفه وأدبه إياه - أحسبه قال -: وكسح مذوده، أي كنسه أجر في ميزانه يوم القيامة. وفرس يصيب أهلها من نسلها يريدون بذلك وجه الله فقيامهم وأدبهم إياها وعلفهم إياها وكسح روثها أجر في ميزانهم يوم القيامة، وأهلها معانون عليها. وفرس للشيطان فقيام أهله عليه وعلفهم إياه وغير ذلك وزر في ميزانهم يوم القيامة".
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله، وأما فرس الإنسان فالتي يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي ستر من فقر، وأما فرس الشيطان فالذي يقام ليراهن عليه". وعنه صلى الله عليه وسلم: "المنفق على الخيل كالمستكفي بالصدقة"، أي: الباسط يده ليعطيها، وفي رواية:"لم ينس حق الله في رقابها وظهورها"؛ أي: الإحسان إليها ومنع ظهورها من الحمل عليها. وعن علي بن حوشب سمعت مكحولاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الخيل وجللوها" وعن الوضين بن عطاء عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها". وقال الجعفي:
الخير ما طلعت شمس وما غربت
…
معلق بنواصي الخيل معقود
وقال كعب بن مالك الأنصاري:
ونعد للأعداء كل مقلص
…
ورد ومحجول القوائم أبلق
أمر الإله بربطها لعدوه
…
في الخوف إن الله خير موفق
فتكون غيظاً للعدو وحافظاً
…
للدار إذ دلفت خيول المرق
وقال علقمة بن عامر المازني:
ما كنت أجعل مالي فرغ شانئة
…
في رأس جذع يصيب الماء في الطين
الخيل من عدتي أوصى الإله بها
…
ولم يوصِّ بغرس في البساتين
الفصل الثاني في تكريم العرب لها وحبهم إياها وما ورد عنهم في ذلك
اعلم أن العرب تحب الخيل، وتبالغ في إكرامها، وترى أن العز والزينة بها، وقهر الأعداء على ظهورها، والغناء على بطونها، قال الشاعر:
قلائد نحن افتديناهنَّ
…
نعم الحصون والعداد هنَّ
وبحض رسول الله صلى الله عليه وسلم، على اقتنائها، وتنويهه بفضلها، وتفخيم شأنها، اكتسبت حب الشرع وحب الطبع، فكانت عندهم كأفلاذ الأكباد، أعز عليهم من الأنفس والأولاد، وكان الرجل يبيت طاوياً، ويشبع فرسه، ويؤثره على نفسه وأهله وولده.
وقال دريد بن الصمة لأبي النضر: "قد رأيت منكم خصالاً لم أرها من غيركم، رأيت أبنيتكم متفرقة، ونتاج خيلكم قليلاً، وسرحكم يجيء معتماً، وصبيانكم يتضاوغون من غير جوع. قال أجل: أما تفرق أبنيتنا فمن غيرتنا على النساء، وأما قلة نتاج خيلنا فنتاج هوازن يكفينا، وأما بكاء صبياننا، فإنا نبدأ بالخيل قبل العيال، وأما تمسينا بالنعم فإن فينا الأرامل والغرائب، فتخرج المرأة إلى ما لها حيث لا تراها الرجال". وقال أكثم بن صيفي: "عليكم بالخيل، فأكرموها فإنها حصون العرب، ولا تضعوا رقاب الإبل في غير حقها، فإن فيها ثمن الكريمة ورقوء الدم وبألبانها يتحف الكبير، ويغذى الصغير". وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
أحبوا الخيل واصطبروا عليها
…
فإن العز فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيعها أناس
…
ربطناها فأشركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم
…
ونكسوها البراقع والجلالا
وقال خالد بن جعفر بن كلاب:
أديروني أداتكم فإني
…
وحذفة كالشجى تحت الوريد
مقربة أسومها بخز
…
وألحفها ردائي في الجليد
وأوصي الراغبين ليؤثروها
…
لها لبن الخلية والصعود
تراها في الغزاة وهن شعث
…
كقلب العاج في رسغ الجليد
يبيت رباطها بالليل كفي
…
على عود الحشيش وعير غود
لعل الله يفردني عليها
…
جهاداً من زهير أو أسيد
وقال مالك بن نويرة:
إذا ضيع الأنذال في المحل خيلهم
…
فلم يركبوا حتى تهيج المضايف
كفاني دوائي ذو الخمار وصيفق
…
على حين لا يقوى على الخيل عاتف
أعلل أهلي عن قليل متاعهم
…
وأسقيه غص الشول والحي هاتف
وقال فارس جروة شداد بن معاوية العبسي:
فمن يك سائلاً عني فإني
…
وجروة كالشجي تحت الوريد
أقوتها بقوتي إن شتونا
…
وألحفها ردائي في الجليد
وقال:
ومن يك سائلاً عني فإني
…
وجروة لا تباع ولا تعار
مقربة الشتاء ولا تراها
…
أمام الحي يتبعها المهار
لها بالصيف جرجار وجل
…
وست من كرائمها غزار
والمعنى: أنه اقتناها للحرب، فلا تباع ولا تعار، ولا يطلب نسلها، ولها من كرائم الإبل ست نوق تشرب من ألبانها.
وقال أيضاً:
ألا لا تطلبوا فرسي لبيع
…
فجروة لا تباع ولا تعار
لنا من ظهرها حصن منيع
…
وفي وثباتها نور ونار
فنفديها إذا جاءت إلينا
…
مع الرعيان تتبعها المهار
وندخرها لأيام الرزايا
…
فتنجينا إذا طلع الغبار
فجروة مهرة في الخيل تسمو
…
كما يسمو على الليل النهار
تطير مع الرياح بغير ريش
…
ولم يلحق لها أبداً غبار
وكان لعنترة بن شداد فرس اسمه الأبجر ابن نعامة وكان يسقيه الحليب قبل أن يسقي زوجته عبلة فعاتبته على ذلك فقال:
لا تحسدي مهري وما أسقيته
…
ما أنت إلا في مقام أعظم
فإذا غضبت فلي إليك وسيلة
…
إما بعقد أو بثوب معلم
وابن النعامة ما إليه وسيلة
…
إلا بطيبة مشرب أو مطعم
إن كان حبك في الفؤاد محله
…
في أعظمي يجري كما يجري دمي
فاروي صداه من الظما فلعله
…
ينجيك من هول الغبار المظلم
إني أحاذر أن تقولي مرة
…
هذا غبار ساطع فتقدم
فيخونني وقت الطعان فتصبحي
…
مسبية بتحسر وتندم
وقال أيضاً:
ولا تذكري فرسي وما أطعمته
…
فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
إن الغبوق له، وأنت مسوءة
…
فتأوهي ما شئت ثم تحوبي
كذب العتيق وماء شن بارد
…
إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي
إن الرجال لهم إليك وسيلة
…
إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
ويكون مركبك القعود وحدجه
…
وابن النعامة عند ذلك مركبي
وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة
…
أقرن إلى شر الركاب وأجنب
إني أحاذر أن تقول ظعيتني
…
هذا غبار ساطع فتلبب
وكان لعبيدة بن الربيع التميمي فرس تسمى سكاب، فطلبها منه بعض الملوك فقال:
أبيت اللعب إن سكاب علق
…
نفيس لا تعار ولا تباع
مفادة مكرمة علينا
…
يجاع لها العيال ولا تجاع
سليلة سابقين تناجلاها
…
إذا نسبا يضمهما الكراع
ففيها غرة من غير نفر
…
يحيدها إذا حر القراع
فلا تطمع أبيت اللعن فيها
…
ومنعكها بشيء يستطاع
وكفي تستقل بحمل سيفي
…
وبي ممن يهضمني امتناع
وحولي من بني قحفان شيب
…
وشبان إلى الهيجا سراع
إذا فزعوا فأمرهم جميع
…
وإن لا قوا فأيديهم شعاع
وإذا أوجب الأمر إلى بيعها للضرورة لا يبيعونها نسبة إلى كرمها عليهم ويقولون: النقد عند الحافر. وقال أوس بن غلفاء الجهمي:
أعان على مراس الحرب زغف
…
مضاعفة لها حلق توام
ومركضة صريحي أبوها
…
يهان لها الغلامة والغلام
وقال حنظلة بن فاتك الأسدي:
أعددت حزمة وهي مقربة
…
تقفى بقوت عيالنا وتصان
وقال:
جزتني أمس حزمة سعي صدق
…
وما أقفيتها دون العيال
وقال حاجب بن حبيب الأسدي:
وباتت تلوم على تادقٍ
…
ليشرى فقد جد عصيانها
ألا إن نجواك في تادق
…
سواء علي وإعلانها
وقالت أعشنا به إنني
…
أرى الخيل قد ثاب أثمانها
فقلت ألم تعلمي أنني
…
كريم النكية ميدانها؟
وروي أن سبيع بن الخطيم التميمي خطب إلى عمه ابنته، فقال له عمه: أعطني مهرها فرسك نحلة، فقال: خذ بدلها إبلاً، فأبى إلا نحلة، فقال سبيع:
تقول نحلة أودعني فقلت لها: عول علي بأبكار هراجيب
لجت علي يمين لا أبدلها
…
من ذات قرطين بين النحر واللوب
وحكي أن بعض الفرسان كان يحب ابنه عمه فخطبها من عمه ودفع له مئة ناقة براعيها، فقال: أنت أحق بها من غيرك، ولا أريد مهرها إلا جوادك فتوقف عن الجواب فنظرت إليه ابنة عمه وغمزته فتنهد وأنشد:
وقعقعة اللجام برأس مهري
…
أحب إلي مما تغمزيني
وما هان الجواد علي حتى
…
أجود به ورمحي في يميني
أخاف إذا وقعنا في مضيق
…
وجد السير، أن لا تحمليني
جياد الخيل إن أركبها تنجي
…
وإني إن صحبتك توقعيني
دعيني واذهبي يا بنت عمي
…
أفي غمز الجفون تراوديني
فمهما كنت في نعم وعز
…
متى جار الزمان فتزدريني
وأخشى إن وقعت على فراش
…
وطالت علتي لا ترحميني
فلما سمعت كلامه اغرورقت عيناها بالدموع وأنشأت تقول:
أبى الرحمن أن تنظر هذا
…
ولو قطعت شمالي عن يميني
متى عاشرتني وعرفت طبعي
…
ستعلم أنني خير القرين
وتحمد صحبتي وتقول كانت
…
لهذا البيت كالحصن الحصين
فظن الخير واترك سوء فكر
…
وميز ذاك بالعقل الرزين
فتعلم لو تقابلني بدر
…
لقل الدر للدر الثمين
ولو بجواهر قالوا تبعها
…
بوزني بالجواهر تشتريني
فحاشا من فعال النقص مثلي
…
وحاشاها الخيانة للأمين
فلم سمع أبوها منهما ذلك، علم أنه كفؤٌ لها فزوجه، وقال مالك بن نويرة.
جزاني دوائي ذو الخمار وصنعتي
…
إذا بات أطوائي بني الأصاغر
أخادعهم عنه ليغبق دونهم
…
وأعلم غير الظن أني مغادر
كأني وأبدان السلاح عشية
…
تمر بنا في بطن فيحاء، طائر.
وقال:
أعلل أهلي عن قليل متاعهم
…
وأسقيه محض الشول والحي ضائق
وقال خالد بن جعفر الكلابي:
أمرت الرعاء ليكرموها
…
لها لبن الخليلة والصعود
وقال طفيل الغنوي:
وللخيل أيام فمن يصطبر لها
…
ويعرف لها أيامها الخير يعقب
وقال:
إني وإن قل مالي، لا يفارقني
…
مثل النعامة في أوصالها طول
أو ساهم الوجه لم تقطع أناجله
…
يصان وهو ليوم الردع مبذول
ساهم الوجه عاليه وهي صفة ممدوحة في الحرب للخيل والناجل الكريم النسل.
وقال كعب بن مالك:
نصبحكم بكل أخي حروب
…
وكل مطهم سلس القياد
خيول لا تضاع إذا أضيعت
…
خيول الناس في السنة الجماد
وقال ضبية العبسي:
جزى الله الأغر جزاء صدق
…
إذا ما أوقدت نار الحروب
يقيني باللبان ومنكبيه
…
وأحميه بمطرد الكعوب
وأدفيه إذا هبت شمال
…
بليل حرجف عند الغروب
أراه أهل ذلك حين يسعى
…
رعاة الحي في جمع الحلوب
فيخفق مرة ويفيد أخرى
…
ويفجع ذا الضغائن بالأريب
إذا شمنا أغر دنا لقاء
…
يغص الشيخ باللبن الحليب
شديد مجامع الكتفين طرف
…
به أثر الأسنة كالعلوب
وأكرهه على الأبطال حتى
…
يرى كالأرجواني المجوب
وقال شاعر بني عامر:
بني عامر ماذا أرى الخيل أصبحت
…
بطاناً وبعض الضر للخيل أمثل
بني عامر إن الخيول وقاية
…
لأنفسكم والموت وقت مؤجل
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا
…
صيانتها والصون للخيل أجمل
متى تكرموها يكرم المرء نفسه
…
وكل امرئ من قومع حيث ينزل
وقال الأعرج المعنى:
أرى أم سهلٍ ما تزال تفجع
…
تلوم وما أدري علام توجع
تلوم على أن أمنح الورد لفحة
…
وما تستوي والورد ساعة تفزع
إذا هي قامت حاسراً مشمعلة
…
نخيب الفؤاد رأسها ما يقنع
وقمت إليه باللجام ميسراً
…
هنالك يجزيني بما كنت أصنع
نخيب الفؤاد: أي طائر اللب، وقال عمر بن مالك:
وسابح كعقاب الجو أجعله
…
دون العيال له الإيثار واللطف
وقال مالك بن زغبة الباهلي:
وذات مناسب جرداء بكر
…
كأن سراتها كر مشيق
تنيف بصلهب للخيل عال
…
كأن عموده جذع سحوق
تراها عند قبيتنا نصيراً
…
ونبذلها إذا باقت بئوق
ذات المناسب: المنسوبة من قبل الأب والأم، وسراتها: أعلاها، والكر: الحبل، والمشيق: أثر برجلها، وتنيف: تشرف، والصلهب: طول العنق، والسحوق: الطول والقصير من الخبل المحبوس، والبئوق: الداهية، أي: تصان لكرامتها وتبذل إذا نزلت شدة وداهية. وقال أبو العلاء المعري:
كان ابن آشى وحده قيناً لها
…
إذا قين كل مفاضة مأنوك
فمضى وخلفها تئل كأنما
…
حبك السماء قتيرها المحبوك
تعدو بها الشقاء جنبها الصدى
…
يوم الهجير يقينها المشكوك
لما التقى صرد اللجام ونابها
…
ألكت فصاح لجامها المألوك
وتخالها عند الجريح إذا هوى
…
أمّاً يقر بها ابنها المنهوك
وسقيتها المحض الصريح وطعمه
…
حلو وكان لغيرها الصمكوك
الصمكوك: اللبن الخائر الحامض، والمحض الصريح: اللبن الخالص.
وقال قبيصة ابن النصراني الجرمي:
هاجرتي يا بنت آل سعد
…
أئن حلبت لقحة للورد
جهلت من عنانه الممتد
…
ونظري في عطفة الألد
إذا جياد الخيل جاءت تردى
…
مملوءة من غضب وحرد
وقال آخر:
فإني له في الصيف ظل بارد
…
ونصبي ناعجة ومحض منقع
حتى إذا نبح الظباء بداله
…
عجل كأحمرة الصريمة أربع
النصي: اسم نبت، والناعجة: الأرض السهلة، أي: هو كريم أعد له أربعة أسقية مملوءة من الحليب كأنها الصخر الملمس من اكتنازها، وأراد بنبح الظباء: طلوع الفجر، لأن الظبي إذا أسن نبح عند طلوعه.
وكان لا يسقون الحليب ولا الحازر من اللبن إلا لجياد الخيل. قال الشاعر:
لا تسقه حزراً ولا حليبا
…
إن لم تجده سابحاً يعبوبا
ذا ميعة يلتهم الجبوبا
…
يترك صوان الصوى ركوبا
بزلقات قعبت تعقيبا
…
يترك في آثاره لهوبا
يبادر الآثار أن تؤوبا
…
وحاجب الجونة أن يغيبا
كالذئب يتلو أقمعاً قريبا
…
على هراميت ترى العجيبا
إن تدع الشيخ فلن يجيبا
اليعبوب: كثير الجري، والميعة: النشاط والحدة، والالتهام: الابتلاع، والجبوب: وجه الأرض، والصوان: صم الحجارة، والصوى: الأعلام، والركوب: المذلل، والزلقات: الحوافر، والأبوب: الرجوع، والجونة: الشمس، أي: يباد آثار المطلوبين قبل مغيب الشمس، وشبه الفرس بالذئب الطامع في صيد قريب منه، وهو نهاية الطمع.
وقال ثعلبة بن عمرو العبدي:
وأهلك مهر أبيك الدواء
…
وليس له من طعام نصيب
خلا إنهم كلما أورداو
…
يصبح قعباً عليه ذنوب
أي: أن فرس أبيك يسقى قعباً من لبن عليه ذنوب من الماء ولا يخدم بالمعالجة فلذا هلك.
وقال الأخنس بن شهاب:
ترى رائدات الخيل حول بيوتنا
…
كمعز الحجاز أعوزتها الزرائب
فيغبقن أحلاباً ويصبحن مثلها
…
فهن من التعداء قب شواذب
وقال القطامي:
ونحن نرود الخيل وسط بيوتنا
…
ويغبقن محضاً وهي محل مسانف
المسانف: القحط.
وقال الفجيجي صاحب السلوانية:
وخيلي حليب الشول صرفاً شرابها
…
وصافي النصي رعيها لا المزارع
وتعلف مبيض الشعير وأنتقي
…
لها من نبات الأرض ما هو نافع
الشول: الإبل، وشرب حليبها يقوي عصب الإنسان والخيل وينقص اللحم.
وقال سيدي الوالد قدس الله سره:
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضر
…
وعاذلاً لمحب البدو والقفر
لا تذممن بيوتاً خف محملها
…
وتمدحن بيوت الطين والحجر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني
…
لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
أو كنت أصبحت في الصحراء مرتقياً
…
بساط رمل به الحصباء كالدرر
أو جلت في روضة قد راق منظرها
…
بكل لون جميل شيق عطر
تستنشقن نسيماً طاب منتشقاً
…
يزيد في الروح لم يمرر على قذر
أو كنت في صبح ليل هاج هاتنه
…
علوت في مرقب أو جلت بالنظر
رأيت في كل وجه من بسائطها
…
سرباً من الوحش يرعى أطيب الشجر
فيا لها وقفة لم تبق من حزن
…
في قلب مضني ولا كد لذي ضجر
نباكر الصيد أحياناً فنبغته
…
فالصيد منا مدى الأوقات في ذعر
فكم ظلمنا ظليماً مع نعامته
…
وإن يكن طائراً في الجو كالصقر
يوم الرحيل إذا شدت هوادجنا
…
شقائق عمها مزن من المطر
فيها العذارى وفيها قد جعلن كوى
…
مرقعات بأحداق من الحور
تمشي الحداة لها من خلفها زجل
…
أشهى من الناي والسنطير والوتر
ونحن فوق جياد الخيل نركضها
…
شليلها زينة الأكفال والخصر
نطارد الوحش والغزلان نلحقها
…
على البعاد وما تنجو من الضمر
نروح للحي ليلاً بعد ما نزلوا
…
منازلا ما بها لطخ من الوضر
ترابها المسك بل أنقى وجاد بها
…
صوب الغمائم بالآصال والبكر
نلقى الخيام وقد صفت بها فغدت
…
مثل السماء زهت بالأنجم الزهر
قال الأُلى قد مضوا قولاً يصدقه
…
نقل وعقل وما للحق من غير
الحسن يظهر في بيتين رونقه
…
بيت من الشعر أو بيت من الشعر
أنعامنا إن أتت عند العشي تخل
…
أصواتها كدوي الرعد بالسحر
سفائن البر بل أنجى لراكبها
…
سفائن البحر كم فيها من الخطر
لنا المهارى وما للريم سرعتها
…
بها وبالخيل نلنا كل مفتخر
فخيلنا دائماً للحرب مسرجةً
…
من استغاث بنا بشره بالظفر
لا نحمل الضيم ممن جار نتركه
…
وأرضه وجميع العز في السفر
وإن أساء علينا الجار عشرته
…
نبين عنه بلا ضر ولا ضرر
تبيت نار القرى تبدو لطارقنا
…
فيها المداواة من جوع ومن خصر
عدونا ماله ملجأ ولا وزر
…
وعندنا عاديات السبق والظفر
شرابها من حليب لا يخالطه
…
ماء وليس حليب النوق كالبقر
أموال أعدائنا في كل آونة
…
نقضي بقسمتها بالعدل والقدر
ما في البداوة من عيب تذم به
…
إلا المروءة والإحسان بالبدر
وصحة الجسم فيها غير خافية
…
والعيب والداء مقصور على الحضر
من لم يمت عندنا بالطعن عاش مداً
…
فنحن أطول خلق الله في العمر
وكان أشراف العرب يخدمون الخيل بأنفسهم لا يتكلون على أحد سواهم. قال الأعشى يمدح النعمان بن المنذر:
ويأمر لليحموم كل عشية
…
بقت وتعليف فقد كان يسنق
أي: مع شرفه وعزة سلطانه، كان يفتقد فرسه، والسنق: التخمة، فإن لم يكن حاضراً يخدمنها عائلته.
وكتب سليمان بن هشام بن عبد الملك إلى والده، إن فرسي قد ضعف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بغيره. فكتب إليه والده إن أمير المؤمنين قد فهم ما ذكرت من ضعف فرسك، وظن أن ذلك من قلة تعهدك له فقم عليه بنفسك.
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
تظل جيادنا متمطرات
…
يلطمهن بالخمر النساء
ينازعن الأعنة مصعدات
…
على أكتادها أسد ضراء
وقال حميد بن ثور:
فلما كشفن عنه مسحنه
…
بأطراف طفل زان غيلاً موشما
ومن الحكم: ثلاثة لا ينبغي لأحد أن يأنف منهن وإن كان شريفاً أو أميراً؛ قيامه عن مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه، وقيامه على فرسه.
وقال محمد بن يزيد المرواني:
ومن ورق صامت بدرة
…
ينوء بها الأغلب الأعصم
ففضت لهن خواتمها
…
وبدرتنا الدهر لا تختم
نوزعها بين خدامها
…
ونحن لها منهم أخدم
وأنا لنرتبط المقربات
…
في اللدنَّات فما ترزم
نعد لها المحض بعد الثلث
…
كما يصلح الصبية المعظم
ونخلطها بضميم العيال
…
بمن لم يخب وهو المحرم
مشاربها الصافيات العذب
…
ومطعمهن هو المطعم
فهن بأكناف أبياتنا
…
صوافن يصلهن أو حوَّم
وقال المقنع الكندي:
وإني لعبد الضيف مادام نازلاً
…
وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
وقبله:
يعاتبني في الدين أهلي وإنما
…
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
أسد بها ما قد أخلوا وضيعوا
…
ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا
وفي جفنةٍ ما يغلق الباب دونها
…
مكللة لحماً مدفقةٍ ثردا
وفي فرس فهد عتيق جعلته
…
حجاباً لبيتي ثم أخدمته عبدا
وإن الذي بيني وبين أبي
…
وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم
…
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن همُ هووا غيبي حفظت غيوبهم
…
وإن ضيعوا رشدي أقمت لهم رشدا
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم
…
دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
…
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى
…
وإن قل مالي، لم أكلفهم رفدا
وإني لعبد الضيف
…
البيت
الفصل الثالث فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهة التشاؤم بها
روي عن حكيم بن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس".
وعن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البركة في ثلاث في الفرس والمرأة والدار". قال الزهري: سألت سالم بن عبد الله عن معنى الحديث وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار"، فقال:"قال صلى الله عليه وسلم: إذا كان الفرس ضروباً فهو مشؤوم، وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجاً قبل زوجها فحنت إلى الزوج الأول فهي مشؤومة، وإذا كانت الدار بعيدة عن المسجد لا يسمع فيها الأذان فهي مشؤومة، وإذا كن بغير هذا الوصف فهن مباركات". وقال القاضي عياض: "معناه اعتقاد الناس هذا لا أنه خبر منه صلى الله عليه وسلم عن إثبات الشؤم لها".
وروي عن مكحول أنه قال لعائشة رضي الله عنها: "إن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشؤم في ثلاثة في الدار والمرأة والفرس. فقالت عائشة: لم يحفظ أبو هريرة لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة في الدار، والمرأة، والفرس، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله".
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقوص في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"(العقصة: الضفيرة) . وعن أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم: "البركة في نواصي الخيل" الناصية الشعر المسترسل على الجبهة، وفي الحديث:"ثلاثة لا يسلم منها أحد: الطيرة والحسد، والظن، قيل فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فأمض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تصحح".