المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تتمة في ذكر ما وقع فيها من الفكاهات والمنادمة - نخبة عقد الأجياد في الصافنات الجياد

[محمد بن عبد القادر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة في نشأة الخيل وأول من ركبها من العرب

- ‌الباب الأول فيما جاء في فضلها وتكريمها وكراهة التشاؤم منها والنهي عن أكل لحومها

- ‌الفصل الأول فيما يدل على فضلها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

- ‌الفصل الثاني في تكريم العرب لها وحبهم إياها وما ورد عنهم في ذلك

- ‌الفصل الثالث فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهة التشاؤم بها

- ‌الفصل الرابع فيما ورد من النهي عن أكل لحومها وإخصائها وجز نواصيها وأذنابها

- ‌تتمة قي سقوط الزكاة عنها

- ‌الباب الثاني في بيان أنواعها وفضل الذكر منها على الأنثى

- ‌الفصل الأول في العربي

- ‌الفصل الثاني في الهجين

- ‌الفصل الثالث في المقرف

- ‌الفصل الرابع في البرذون

- ‌الفصل الخامس في فضل الذكر على الأنثى

- ‌الباب الثالث في ألوانها وفيه خمسة فصول

- ‌الفصل الأول في الأشقر

- ‌الفصل الثاني في الأحمر وهو الكميت

- ‌الفصل الثالث في الأدهم

- ‌الفصل الرابع في الأشهب

- ‌الفصل الخامس في الأصفر

- ‌تتمة في ذكر بعض ما قاله الأدباء في أوصافها من التشبيهات والاستعارات البديعة في

- ‌الباب الرابع في الغرة والتحجيل والدوائر وأسماء المفاصل والطبائع والصهيل وفيه ستة

- ‌الفصل الأول في الغرة

- ‌الفصل الثاني في التحجيل

- ‌الفصل الثالث في الدوائر وتسمى في المشرق بالنياشين وفي المغرب بالنخلات

- ‌الفصل الرابع في أسماء مفاصل الرأس ومنابت شعره وأسنانه وما يتعلق بذلك

- ‌نادرة

- ‌الفصل الخامس في طبائعها

- ‌الفصل السادس في الصهيل

- ‌الباب الخامس في نعوت الخيل الممدوحة والمذمومة واختلافها باختلاف الأقاليم وفيه

- ‌الفصل الأول في تعوت الخيل الممدوحة

- ‌الغدر الشعر المتدلي من أمام القربوس إلى آذانها، شبهه بذوائب النساء في الكثرة إذا

- ‌الفصل الثاني في بيان اختلاف أوصافها باختلاف أقاليمها

- ‌الباب السادس في تقفيزها وأطوارها وخدمتها والإنفاق عليها وتأديبها وكيفية تضميرها

- ‌الفصل الأول في التقفيز

- ‌الفصل الثاني في الأطور وعلاماتها

- ‌الفصل الثالث في خدمتها والإنفاق عليها

- ‌الفصل الرابع في تأديبها وتدريبها

- ‌الفصل الخامس في كيفية التضمير

- ‌الفصل السادس في معالجة بعض أمراضها، وإن كانت مذكورة في كتب البيطرة

- ‌تتمة

- ‌خاتمة في المسابقة وما يتعلق بها وفيها خمسة مطالب

- ‌المطلب الأول فيما يدل على فضلها وحسن نتيجتها في الشرع والسياسة

- ‌المطلب الثاني فيما اتفق الأئمة على جوازه من أنواعها وما اختلفوا فيه

- ‌فائدة

- ‌المطلب الثالث في ترتيب خيل الحلبة وذكر أسمائها

- ‌المطلب الرابع فيما ورد فيها عن الملوك والأمراء

- ‌المطلب الخامس في اسماء خيل النبيّ صلى الله عليه وسلم والمشهور من خيل العرب

- ‌تتمة في ذكر ما وقع فيها من الفكاهات والمنادمة

الفصل: ‌تتمة في ذكر ما وقع فيها من الفكاهات والمنادمة

لرب الحرون أبي صالح

وما تلك بالنسبة العادله

ثم اشتراه مسلم من أعرابي بألف دينار فسبق عليه عشرين سنة وإليه تنسب الخيل الحرونية. ومن نسله: الغطيفي، فرس لبني غطيف قبيلة بالشام، وإليه تنسب الخيل الغطيفيات، ومنها: هراوة العزاب، وفرس الريان بن حوص العبدي وكان اسمها: سهوة، وإنما لقبت بهراوة العزاب؛ لأنه تصدق بها على عزاب قومه، فكان الأعزب منهم يغزو عليها، فإذا استفاد مالاً وأهلاً دفعها إلى غيره، وهكذا كانوا يتداولونها بينهم. قال عمرو المحاربي بن عبد القيس:

سقى جدث الريان كل عشية

من المزن دكان العشي دلوح

أقام لفرسان العشيرة سهوة

لهم منكح من حربها وصبوح

فيا من رأى مثل الهراوة منكحاً

إذن بل أعطاف الجياد جروح

وذي إبل لولا الهراوة لم يثب

له المال ما انشق الصباح يلوح

قال لبيد:

لا تسقني بيديك إن لم التمس

نعم الضجوع بغارة أسراب

تهدى أوائلهن كل طمرة

جرداء مثل هراوة العزاب

ومنها: ذو العقال، فرس سوط بن جابر اليربوعي، وأبوه (داحس) فرس قيس بن زهير العبسي. ومنها: الأعوج، فرس هلال بن عامر بن صعصعة، وسمي بذلك لأنه ركب صغيراً اعوجت قوائمه، وإليه تنسب الخيل الأعوجية، قال بشر بن أبي حازم:

وبكل أجرد سابح ذي ميعة

متماحل في آل أعوج ينتمي

وقال طفيل بن عوف:

بنات الوجيه والعزاب ولاحق

وأعوج تنمى نسبه المتنسب

وقال الأديب إبراهيم الساحلي:

ركبوا إلى الهيجاء كل طمرة

من نسل أعوج أو بنات الأبجر

من كل مخضوب الشوى عبل التوى

عاري النواهق مستدير المحجر

ألوي بقادمتي جناحي أفتح

ولوى بسالفتي غزال أغفر

وإذا زحفنا أشوسياً مبصراً

ظل الفوارس في الظلام المعكر

من أحمر كالورد أو من أصفر

كالتبر أو من أشهب كالعنبر

وبكل صهوة أجرد متقضب

إلاّ إذا ضحك السنان السمهري

وقال ابن خفاجة:

وقد جال دمع القطر في مقلة الدجى

ولفت نواصي الخيل نكباء زعزع

له من صدور الأعوجية والقنا

شفيع إلى نيل الأماني مشفع

وظفره في ملتقى الخيل ساعد

ألف وقلب بين جنبيه أصمع

وأبيض يتلو سورة الفتح ينتضى

ويستقبل الفرق الكريم فيركع

ومبخر ضخم الجرارة أوحد

يطير به تحت العجاجة أربع

وحصداء تزري بالسنان حصينة

ووجه وقاح بالحديد مقنع

وقال ابن خلوف الأندلسي:

وأشهب يعبوباً وطمراً مضمراً

طموحاً مروعاً أعوجياً مطهما

جرى هازياً بالبرق والريح مسرعاً

فدارك ما عن نيل أدناه أحجما

تضمخ بالكافور والمسك وارتدى

وداء ظلام بالصباح تسهما

أشم لجين المتن أعين سابحاً

أقب غليظ الساق أجرد صلدما

قصير المطا والرسغ أتلع صافناً

طويل الشوى والذيل أعظم شيظما

تخيل سرحاناً وساير كوكباً

ولا حظ يعفوراً ولاعب أرقما

فأسرج لما أن توقب جارحاً

والجم لما أن تثاوب ضيغما

فلم أر بدراً مسرجاً ذا محاسن

سواه وبرقاً بالثريا ملجما

وأروق ضخم الكف أعوج باذلاً

بترك رحيب الباع أقود أيهما

ذلولاً لؤوباً شدقمياً مكلثماً

أموتاً صموتاً أرجلياً حثمثما

إذا خب عاينت الحرون وداحساً

وإن سار أنساك الجديل وشدقما

فريت به فود الفلاة ولم أزل

أروح وأغدو طائراً ومحوما

وقد تقدم الكلام على الأعوج الأكبر والأصغر، وزاد الراكب والحنفا والغبرا والعسجدي (في آهر الفصل الثاني من الباب الخامس) ومنها: أطلال، فرس بكير بن شداد بن يعمر الشداخي، كانت تحته يوم القادسية، وقد أحجم الناس عن عبور نهرها، فصاح بها بني أطلال فوثبته، وكان عرض النهر ثلاثين ذراعاً. ومثل هذا قد وقع مع سيدي الوالد قدس سره، فإني سمعت منه أنه ركب يوم (أرهيو) من أيامه مع دولة فرنسا فرسه الكميت اسماً ولوناً، وقد ألجأه الأمر إلى وثوب نهره وكان عرضه ثلاثين ذراعاً فشد على الفرس فوثبه من الجانب إلى الجانب.

‌تتمة في ذكر ما وقع فيها من الفكاهات والمنادمة

ص: 83

قال أبو عبيدة: كان لعجل بن نجيم فرس جواد فقيل له: إن لكل جواد اسماً فما اسم فرسك؟ فقال: لم أسمه بعد، فقيل له: سمه. ففقأ إحدى عينيه وقال: سميته الأعور فقيل فيه:

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

وهل أحد في الناس أحمق من عجل

أليس أبوهم عار عين جواده

فصارت به الأمثال تضرب بالجهل

عار عينه: أي فقأها.

وحكى أبو الفرج الأصبهاني أن النصيب الشاعر كان هجاءً فأهدى الربيع بن عبد الله الحارثي فرساً فقبله ثم ندم خوفاً من المكافأة، فجعل يعيبه ويذكر بطأه وعجزه، فبلغ ذلك النصيب فقال:

اعبت جوادنا ورغبت عنه

وما فيه لعمرك من معاب

وما بحوادنا عجز ولكن

أظنك قد عجزت عن الثواب

فأجابه الربيع بقوله:

رويدك لا تكن عجلاً إلينا

أتاك بما يسوؤك من ثواب

وجدت جوادكم قدماً بطيئاً

فما لكم لدينا من ثواب

فلما كان بعد أيام، رأى النصيب الفرس تحت الربيع فقال:

أجدت مشهراً في كل أرض

فعجل يا ربيع مشهرات

يمانية تخيرها يماني

منمنمة البيوت مقطعات

وجارية أضلت والديها

مولدة وبيضاً وافيات

فعجلها وأنفذها إلينا

ودعنا من بنيات الثرات

فأجابه الربيع بقوله:

بعثت بمقرفٍ حطم إلينا

بطيء الحضر ثم تقول هات

فقال النصيب:

في سبيل الله أودى فرسي

ثم عللت بأبيات هرج

كنت أرجو من ربيع فرجاً

فإذا ما عنده لي من فرج

فأمر له بألف درهم. وحكي أنه مات لأبي الحسين الجزار حمار فكتب له بعض أصحابه:

مات حمار الأديب قلت لهم

مضى وقد فات فيه ما فاتا

من مات في عزه استراح ومن

خلف مثل الأديب ما ماتا

فأجابه بقوله:

وكم جهول رآني

أمشي لأطلب رزقا

فقال لي صرت تمشي

وكنت ماشي ملقى

فقلت مات حماري

تعيش أنت وتبقى

وسأل بعض الأدباء من أمير جملاً، فأرسل إليه جملاً ضعيفاً هزيلاً، فكتب الأديب إليه: حضر الجمل فرأيته متقادم الميلاد. كأنه من نتاج قوم عاد. قد أفنته الدهور. وتعاقبته العصور. فظننته أحد الزوجين اللذين جعلهما الله تعالى لنوح في سفيتنخ. وحفظ بهما جنس الجمال لذريته. ناحلاً ضيئلاً. بالياً هزيلاً. يعجب العاقل من طول الحياة به. وتأتي الحركة فيه. لأنه عظم مجلد. وصوف ملبد. لو ألقي إلى السبع لأباه. أو طرح إلى الذيب لعافه وقلاه. قد طال لكلاء فقده. وبعد بالمرعى عهده. لم ير العلف إلاّ نائماً. ولا يعرف الشعير إلاّ حالماً. وقد خيرتني بين أن أقنيه فيكون فيه غنى الدهر. أو أذبحه فيكون فيه خصب الرحل. فملت إلى استبقائه لما تعلم من محبتي للتوفير. ورغبتي في التثمير. وجمعي للولد. وإدخاري للغد. فلم أجد فيه مدقعاً لغناه. ولا مستمتعاً لبقاه. لأنه ليس بأنثى فيحمل. ولا فتى فينسل. ولا صحيح فيرعى. ولا سليم فيبقى. فملت إلى الثاني من رأييك. وعملت على الآخر من قوليك. فقلت أذبحه فيكون وظيفة للعيال. وأقيمه رطباً مقام قديد الغزال. فأنشدني وقد أضرمت النار. وحددت الشفار وتشمر الجزار:

أعيذها نظرات منك صادقة

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

وقال: فما الفائدة في ذبحي ولم يبق في الأنفس خافت. ومقلة إنسانها باهت. لست بذي لحم فأصلح للأكل. لأن الدهر قد أكل لحمي. ولا جلدي يصلح للدباغ لأن الأيام مزقت أدمي. ولا صوف يصلح للغزل لأن الحوادث قد جزت وبري. فإن أردتني للوقود فكف بعر أبقى من ناري. ولن تفي حرارة جمري بريحٍ قثاري، فوجدته صادقاً في مقالته. ناصحاً في مشورته. ولم أدر من أي أمر به أعجب. أمن مماطلته الدهر بالبقا. أم من صبره على الضر والبلا. أم قدرتك عليه مع إعواز مثله. أم تأهلك الصديق به مع خساسة قدره. فما هو إلاّ كقائم من القبور. أو ناشر عند نفخ الصور:

ما إن درى ذاك الذميم وقد شكى

من نيل ممتدح ورمح جواد

هل يشتكي وجعاً به في سرة

بالسين أم في صرة بالصاد

ص: 84

وروي أن ملكاً قال لصاحب خيله: قدم لي الفرس الأبيض، فقال له وزيره: أيها الملك، لا تقل الفرس الأبيض، فإنه عيب يخل بهيبة الملك، ولكن قل الفرس الأشهب، فلما حضر الطعام قال لصاحب السماط: قدم الصحن الأشهب، فقال له الوزير: قل ما شئت فما لي حيلة في تقويم لسانك. وحكي أن الاسكندر استعرض جنده فتقدم إليه رجل على فرس أعرج، فأمر بإسقاطه فضك الرجل، فاستعظم ضحكه في ذلك المقام، فقال له: ما أضحكك وقد أسقطتك، قال: أتعجب منك تحتك آلة الهرب وتحتي آلة الثبات ثم تسقطني، فأعجب بقوله وأثابه. وعرض عمرو بن الليث عسكره فمر به رجل على فرس أعجف فقال: لعن الله هؤلاء يأخذون المال ويسمنون به أكفال نسائهم فقال له: أيها الأمير لو نظرت إلى كفل امرأتي لرأيته أهزل من كفل دابتي فضحك وأمر له بمال، وقال: خذه وسمن به كفل امرأتك ودابتك.

وحكي أن المتوكل على الله سقط عن فرسه فقال أبو الإصبع عبد العزيز البطليوسي:

لا عتب للطرف إن ذلت قوائمه

ولا يدسه من عائب دنس

حملت جوداً وبأساً فوقه ونهى

وكيف يحمل هذا كله الفرس

وركب ذو الرياستين متصيداً في يوم غيم، نضح رذاذه وجه الثرى، فسقط به فرسه، فشمت به أحد أعدائه، فقال في الحال:

إني سقطت ولا جبن ولا خور

وليس يدفع ما قد شاءه القدر

لا يشمتن حسودي إن سقطت فقد

يكبو الجواد وينبو الصارم الذكر

وقال أبو حامد الحسين بن شعيب حين كبا به فرسه فحصل في أسر العدو:

وكنت أعد طرفي للرزايا

يخلصني إذا جعلت تحوم

فأصبح للعدى عوناً لأني

أطلت أعنانه فأنا الظلوم

وكم دامت مسراتي عليه

وهل شيء على الدنيا يدوم

وزلت بغلة الأتابك صاحب الموصل تحته، فسقط فقال أبو السعادات المبارك:

إن زلت البغلة من تحته

فإن في زلتها عذار

حملها من علمه شاهقاً

ومن ندى راحته بحرا

ص: 85

وكتب الشيخ زين الدين الوهراني للأمير عز الدين موسك كتاباً على لسان بغلته يقول فيه: المملوكة ريحانة بغله الوهراني تقبل الأرض بين يدي المولى عز الدين ظهير أمين المؤمنين نجاه الله من حر السعير، وعطر ذكره قوافل العير، ورزقه من القرط والتبن والشعير، ما وسق مئة ألف بعير، واستجاب فيه أدعية الجم الغفير، من الخيل والبغال والحمير، وتنهي ما تقاسيه مواصلة الصيام وسوء القيام، والتعب بالليل والدواب نيام، وقد أشرفت المملوكة على التلف وصاحبها لا يحتمل الكلف، ولا يوقن بالخلف، ولا يقول بالعلف، لأنه في بيته مثل المسك والعبير، والطريف الكبير، أقل من الأمانة في الأقباط، ومن العقل في رأس قاضي سنباط، فشعيره أبعد من الشعرى العبور، لا وصول إليه ولا عبور، وقرطه أعز من قرط مارية، لا تخرجه صدقة ولا هبة ولا عارية، والتبن أحب إليه من الابن، والجلبان عنده أعز نم دهن البان، والقصيم أعز من الدر النظيم، والفصة أجمل من سنابك الفضة، وأما الفول فمن دونه ألف باب مقفول، وما يهون عليه أن يعلف الدواب، إلاّ بعيوب الآداب وفقه اللباب والسؤال والجواب، وما عند الله من الثواب، ومعلوم يا سيدي أن البهائم لا توصف بالحلوم، ولا تعيش بسماع العلوم، ولا تطرب بشعر أبي تمام، ولا تعرف الحارث بن همام، ولا سيما البغال، تشتغل في جميع الأشغال، سلة من القصيل، أحب إليها من كتاب البيان والتحصيل، وقفة من الدريس، أحب إليها من فقه محمد بن إدريس، لو أكل البغل كتاب المقامات مات، ولو لم يجد إلاّ كتاب الرضاع ضاع، ولو قيل له أنت هالك، إن لم تأكل موطأ مالك، ما قبل ذلك، وكذلك الجمل، لا يتغذى بشرح أبيات الجمل، وحزمة من الكلا، أحب إليه من شعر أبي العلا. وليس عنده بطيب، شعر أبي الطيب، وأما الخيل فلا تطرب إلا لسماع الكيل. ولو أكلت كتاب الذيل. ماتت بالنهار قبل الليل، والويل لها ثم الويل، ولا تسغني الأكاديش عن أكل الحشيش، بما في الحماسة من شعر أبي الجريش، وإذا أطعمت الحمار شعر ابن عمار حل به الدمار، وأصبح منفوخاً كالطبل على باب الإصطبل، وبعد هذا كله فقد راح صاحبها إلى العلاف، وعرض عليه مسائل الخلاف، وطلب من تبنه خمس قفاف، فقام إليه بالخلاف، فخاطبه بالتقعير، وفسر عليه آية البعير، وطلب منه ويبة شعير، فحمل على عياله ألف بعير، وأكثر له من الشخير والنخير، فانصرف الشيخ مكسور القلب، مغتاظاً من السلب، وهو أنحس من ابن بنت الكلب، فالتفت إلى المسكينة، وقد سلبه الله ثوب السكينة، وقال لها: إن شئت أن تكدي فكدي، لا ذقت شعيراً ما دمت عندي، فبقيت المملوكة حائرة، لا قائمة ولا سائرة، فقال لها العلاف لا تجرعي من خباله، ولا تلتفتي إلى أسباله. ولا تنظري إلى نفقته، ولا يكون عندك أحسن من عنفقته، هذا الأمير عز الدين سيف المجاهدين أندى يداً من الغمام، وأبهى من البدر ليلة التمام، يرثي للمحروب ويفرج عن المكروب، ولا يرد قائلاً، ولا يخيب سائلاً، فلما سمعت المملوكة هذا الكلام، جذبت الزمام، ورفست الغلام، وقطعت الحزام، وفتحت اللجام، حتى طرحت خدها على الأقدام، ورأيك أعلى، والسلام.

وكان لأبي دلامة بغلة جامعة لعيوب الدواب كلها، وكانت أشوه الدواب خلقاً في منظر العين وأسوأها خلقاً في مخبرها، وكان إذا ركبها تبعه الصبيان يتضاحكون به، وكان يقصد ركوبها في موكب الخلفاء والكبراء ليضحكهم بشماسها، ونظم فيها قوله:

أبعد الخيل أركبها كراماً

وبعد الفره من خضر البغال

رزقت بغيلة فيها وكال

وليته لم يكن غير الوكال

رأيت عيوبها كثرت وليست

وإن كثرت ثم من المقال

ليحصي منطقي وكلام غيري

عشير خصالها شر الخصال

فأهون عيبها أني إذا ما

نزلت وقلت أمشي لا تبالي

تقوم فما تبت هناك شبراً

وترمحني وتأخذ في قتالي

وإني إن ركبت أذيت نفسي

بضرب باليمين وبالشمال

وبالرجلين أركبها جميعاً

فيالك في الشقاء وفي الكلال

أتاني خائب يستام مني

عريق في الخسارة والضلال

وقال تبيعها؟ قلت ارتبطها

بحكمك إن بيعي غير غال

فأقبل ضاحكاً نحوي سروراً

وقال أراك سهلاً ذا جمال

هلم إلي يخلو بي خداعاً

وما يدري الشقي لمن يخالي

ص: 86

فقلت بأربعين فقال أحسن

إلي فإن مثلك ذو سجال

فأترك خمسة منها لعلمي

بما فيه بصير من الخبال

فلما ابتاعها مني وبت

له في البيع غير المستعال

أخذت بثوبه أبرأت مما

أعد عليه من سوء الخلال

برأت إليك من مشتى يديها

ومن جرذ ومن بلل المخالي

ومن فتق بها في البطن ضخم

ومن عقالها ومن انفتالي

ومن قطع اللسان ومن بياض

بعينيها ومن قرض الحبال

وأفطى من فريخ الذر مشياً

بها عرن وداء في سلال

وتكسر سرجها أبداً شماساً

وتقمص للأكاف على اغتيال

ويدبر ظهرها من مس كف

وتهرم في الجعام وفي الجلال

تظل لركبة منها وقيذاً

يخاف عليك من روم الطحال

ومشغار تقدم كل سرج

تصير دفتيه على القذال

وتخفى لو تسير على الحشايا

ولو تمشي على دمث الرمال

وترمح أربعين إذا وقفنا

على أهل المجالس للسؤال

فتقطع منطقي وتحول بيني

وبين حديثهم فيما توالي

وتذعر للدجاجة إذ تراها

وتنفر للصفير وللخيال

فأما الاعتلاف فأدن منها

من الأتبان أمثال الجبال

وأما القت فات بألف وقر

كأعظم حمل أحمال الجمال

فلست بعالف منه ثلاثاً

وعندك منه عود للخلال

وإن عطشت فأوردها دجيلاً

إذا أوردت أو نهري بلال

فذاك لريها سقيت حميماً

وإن مد الفرات فللنهال

وكانت قارحاً أيام كسرى

وتذكر تبعاً عند الفصال

وقد دبرت ونعمان صبي

وقبل فصاله تلك الليالي

وتذكر إذ نشا بهرام جور

وعامله على خرج الجوالي

وقد مرت بقرن بعد قرن

وآخر عهدها لهلاك مالي

فأبدلني بها يا رب طرفاً

يزين جمال مركبها جمالي

ثم إنه أنشدها للمهدي، فقال له: قد أقلت من بلاءٍ عظيم، فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد مكثت شهراً أتوقع صاحبها أن يردها علي، فقال المهدي لصاحب دوابه: خيره بين مركبين في الإصطبل، فقال إن كان الاختيار إلي فقد وقعت في شر من البغلة، ولكن مره يختر لي ففعل.

ص: 87

واشترى رجل دابة من دميرة فوجد بها عيوباً كثيرة، فحضر إلى القاضي يشتكي حاله، وما أصابه من الغم وناله، فقال له القاضي: ما قصتك وشكواك، وما الذي من الهم والغم دهاك، فقال أيها القاضي، إني بحكمك راض، اشتريت من هذا الدميري دابة اشترط لي فيها الصحة والسلامة، فوجدت بها عيوباً أعقبتني ندامة، وقد سألت ردها فأبى، وقال عند رؤيته إياي لا أهلاً بك ولا مرحباً، فقال القاضي: أبن ما بها من العيوب، فقال له: كلها عيوب وذنوب، وهي أنحس مركوب، وأخس مصحوب، إن ركبتها رفصت، وإن نخستها شمصت، وإن همزتها قمصت، وإن لكزتها رقصت، وإن سقتها رقدت، وإن نزلت عنها شردت، تقطع في يديها، وتصك في رجليها، كردة جردة، قصيرة الذنب، محلولة العصب، مقطوعة العقب، حدباء جرباء، كباء لا تقوم حتى تحمل على الخشب، ولا تنام حتى تكبل بالسلب، إن قربت من الجرار كسرتها، وإن دنت من الصغار رفصتهم عفشة نكشة تكشر عن أسنانها، وتقرض في عنانها، وتمشي في سنة أقل من يوم، فالويل لراكبها إن وثب عليه القوم، إن قلت لها حاحا قالت ازاز، وإن قلت لها ترتر قال من حولها زر زر، إن رمت تقديمها تأخرت، وإن لكزتها سخرت ونخرت، من استنصر بها خذلته ومن ساقها رمته فقتلته، وتمام أحوالها أنها تبول وترش صاحبها ببولها، ومتى حملتها فلا تنهض، وتقرض في حبلها، وتجفل من ظلها، ولا تعرف منزل أهلها، كرامة هجامة، نوامة كأنها هامة، وهي في الدواب مشؤومة، حرونة ملعونة مجنونة، تقلع الوتد وتمرض الجسد، وتفتت الكبد، ولا تركن إلى أحد، تشمر وتغدر، وتعثر، واقفة الصدر، محلولة الظهر، بداءة الأذنين، عمشاءة العينين طويلة الإصبعين، قصيرة الرجلين، ضيقة الأنفاس، مقلعة الأضراس، صغيرة الرأس، كثيرة النعاس، مشيها قليل، وجشمها نحيل، وراكبها عليل، وهو بين الأعزاء ذليل، تجفل من الهوا، وتعثر بالنوى، وتخيل بشعره (أي يعتريها الجنون بأدنى سبب) وتتكبل ببعره، نهاقة شهاقة، غير مطراقة، لا تقفز معدية، ولا تشرب إلا في قصديةوبها وجع الكبد والرئة، لا تبول إلا في الطريق، وتحشر صاحبها في كل ضيق، وتهوس عليه في المكان المضيق، وتنقطع به في الطريق عن الصديق، وتعض ركبة الرفيق، وهي عديمة التوفيق على التحقيق، فإن ردها فأكرم جانبه، وإن لم يردها فانتف شاربه، وأصقع غاربه، وأفك مضاربه ولا تحوجني أن أضاربه والسلام.

واشترى رجل برزونا، وقال لبائعه: سألتك بالله هل فيه عيب، فقال له: لا إلا أن يكون فيه قليل مشش كأنه بطيخة، وقليل جرذ كأنه قتاية، وقليل وبر كأنه سفرجلة، فقال له المشتري: جئنا نشتري منك برذوناً أو بستاناً.

وبات صفي الدين الحلي في منزل رجل يسمى عيسى فلم يقره ولم يطعم فرسه، فلما أصبح خرج من عنده وهو يقول:

رأى فرسي إسطبل عيسى فقال لي:

قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل

به لم أذق طعم الشعير كأنني

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

تقعقع من برد الثناء أضالعي

لما نسجتها من جنوب وشمأل

إذا سمع السواس صوت تحمحمي

يقولون لا تهلك أسى وتجمل

أعول في وقت العليق عليهم

وهل عند رسم دارس من معول

وقال أيضاً في ذم فرس له:

ولي فرس ليست شكوراً وإنما

بها تضرب الأمثال في العض والرفس

إذا جفلت بي في ضياع دوارس

فليس لها قبض سوى في جوى فرس

تعربد في وقت الصباح من الضيا

وتجفل في الآصال من شفق الشمس

فيا ليتها عند العليق جفوله

كما هي منكاد من الجر والحس

فلو شربت بالغلس من كف حاتم

لأصبح ندماناً على تلف الغلس

ولو برزت في جحف تحت عنتر

لجندل وانفلت حبوس بني عبس

وكان لمحمد بن عبد الملك برزوناً أشيهب لم ير مثله، فسعى به محمد بن خالد إلى المعتصم، ووصفه له فبعث المعتصم إليه وأخذه منه، فقال:

كيف العزاء وقد مضى لسبيله

عنا فودعنا الأحم الأشهب

دب الوشاة فأبعدوك وربما

بعد الفنا وهو الأحب الأقرب

لله يوم نأيت عنا ظاعناً

وسلبت قربك أي علق أسلب

نفس مفرقة أقام فريقها

ومضى لطيته فريق يجنب

فالآن إذ كملت أدانك كلها

ودعا العيون إليك لون معجب

واختير من سر الحدائد خيرها

لك خالصاً ومن الحلي الأغرب

ص: 88

وغدوت طنان اللجام كأنما

في كل عضو منك صنج يضرب

وكان سرجك إذا علاك غمامة

وكأنما تحت الغمامة كوكب

ورأى علي بك الصديق جلالة

وغدا العدو وصدره يتلهب

أنساك لا زالت إذا منيته

نفسي ولا زالت يميني تنكب

أضمرت منك اليأس حين رأيتني

وقوى حبالي من قواك تقضب

ورجعت حين رجعت منك بحسرة

لله ما فعل الأحم الأشهب

وقال موسى بن هارون الهاشمي حدثني أبي قال: كنت واقفاً بين يدي المعتصم، وهو جالس والخيل تعرض عليه، وهو يشرب وبين يديه علوية ومخارق يغنيان، فعرض عليه فرس كميت أحمر ما رأيت مثله قط، فتغامز علوية ومخارق وغناه علوية:

وإذا ما شربوا وأنشدوا

وهبوا كل جواد وطمر

فتغافل عنه وغناه مخارق:

يهب البيض كالظباء وجرداً

تحت أجلالها وعيس الركاب

فضحك ثم قال اسكتا يا ابني الزانيتين، فليس يملكه والله أحد منكما، ولما دار الدور غنى علوية:

وإذا ماشربوها وانتشوا

وهبوا كل بغال وحمر

فضحك، وقال أما هذا فنعم وأمر لأحدهما ببغل وللآخر بحمار.

وحكي أن رجلاً كان له فرس يسمى: (الأبيلق) وكان يجريه فرداً ليس معه غيره، وكل ما مر به طائر أجراه معه، فأعجبه ما رأى من سرعة جريه، فنادي قومه وقال: إني أردت أن أراهن على فرسي هذا فأيكم يرسل معه فرسه، فقيل له إن الحلبة غداً فقال إني لا أرسله إلا في خطر. فراهنوه على ذلك. فلما كان الغد أرسله فسبق، فقال لكل مجرى نجلاء سابق.

وقال أبو عبيدة: أجريت الخيل للرهان فسبق منها فرس، فجعل رجل من الحاضرين يكر ويثب من الفرح، فقيل له: أكان الفرس لك قال: لا، ولكن اللجام لي.

وحكى الأسعد القرقرة من أهل هجر كان يضحك النعمان، وكان اليحموم فرس النعمان يردي من ركبه، فقال النعمان لسعد اركبه واطلب عليه الوحش، فامتنع سعد، فألزمه النعمان على ذلك، فلما ركبه نظر إلى بعض ولده وقال بأبي وجوه اليتامى، فضحك النعمان وأعفاه، فقال سعد:

نحن بفرس الوادي أعلمنا

منا بجري الجياد في السلف

يا لهف أمي فكيف أطعنه

متمسكاً واليدان في العرف

وقال محمد أبو شبيب غلام النظام دخلت إلى دار الأمير بالبصرة، وأرسلت فرسي فأخذه صبي ليلعب عليه، فقلت له دعه، فقال: إني أحفظه لك، فقلت له: إني لا أريد حفظه: فقال: إذن يضيع، قلت لا أبالي بضياعه، فقال: إن كنت لا تبالي بضياعه فهبه لي، فانقطعت من كلامه. وقيل لسيدنا علي كرم الله وجهه وهو على بغلة في بعض حروبه: لو اتخذت الخيل يا أمير المؤمنين. فقال: لا أفر ممن كر ولا أكر على من فر، فالبغلة تكفيني. ورقى سليك بن سلكة فرسه النحام وكان عزيزاً عليه بقوله:

كأن قوائم النحام لما

تحمل صحبتي أصلاً محار

على قرماء عالية شواه

كأن بياض غرته ضمار

وحكى المسعودي: أن أبا العباس المكي قال: كنت أنادم محمد بن طاهر بالري ليلة فقال: كأني أشتهي الطعام فما أكل؟ قلت: صدر دراج أو قطعة من جدي باردة. قال: يا غلام هات رغيفاً وخلاً وملحاً فأكل من ذلك، فلما كان في الليلة الثانية، قال: يا أبا العباس كأني جائع فقلت: ما أكلت البارحة قال: إنك لا تعرف فرق ما بين الكلامين قلت: البارحة: كأني أشتهي الطعام والليلة كأني جائع وبينهما فرق، فدعا بالطعام، ثم قال: صف لي الطعام والشراب والسماع والطيب والنساء والخيل، قلت: أيكون ذلك نثراً أم نظماً، قال: نثراً. قلت: أطيب الطعام ما لقي الجوع بطعم وافق شهوة. قال: فما أطيب الشراب؟ قلت: كاس مدام تبرد بها غليلك وتعاطي بها خليلك، قال: فأي السماع أفضل؟ قلت: أوتار أربعة وجارية متربعة، غنائها معجب وصوتها مطرب، قال: فأي الطيب أطيب؟ قلت: ريح حبيب تحبه وقرب ولد تربه، قال: فأي النساء أشهى؟ قلت من تخرج من عندها كارهاً وترجع إليه والهاً. قال: فما صفة العتيق من الخيل؟ قلت: الأشدق الذي إذا طلب سبق، وإذا طُلب لحق، قال: أحسنت. يا بشير أعطه مئة ديناء، قلت وأين يقع مني مئتا دينار، قال: أوقد زدت نفسك مئة دينار؟ يا غلام أعطه كما ذكرنا والمئة الأخرى لحسن ظنه بنا. فانصرفت بمئتي دينار. وقال البها زهير يصف فرسه بالهزال:

أياديك لا يفل يوماً حسامها

بجود إذا ضن الغمام غمامها

ص: 89

وكم أوثر التخفيف عنكم فلم أجد

سواك لأيامٍ قليل كرامها

ولي فرس أنت العليم بحالها

وبالرغم مني ربطها ومقامها

ولم يبق منها الجهد إلا بقية

فيغدو عليها أو يروح حمامها

شكتني بين الناس وهي بهيمة

ولكن لها حال فصيح كلامها

إذا خرجت تحت الظلام فما ترى

من الضعف إلا أن يصك لجامها

وليست تراها العين إلا عباءة

يشد عليها سرجها ولجامها

لها تربة في كل يوم على الطوى

ولو تركتها صح منها صيامها

وعهدي بها تبكي على التبن وحده

فكيف على فقد الشعير مقامها

وشكى بعض أهل الأدب زمانه بقوله:

ولي فرس من نل أعوج سابق

ولكن على فقد الشعير يحمحم

وأقسم ما قصرت فيما يزيدني

علواً ولكن عند من أتقدم

وجاء غلام شرف الدين الحلاوي وأخبره بأن فرسه قد تشبك بالحمر فقال:

جاء غلامي وشكا

أمر كميتي وبكى

وقال برذونك لا

نشك قد تشبكا

قد سقته اليوم فما

مشى ولا تحركا

فقلت من غيظ له

مجاوباً لما حكى

ابن الحلاوي أنا

فلا تكن معلكا

لو أنه مسير

لما غدا مشبكا

وقال لسان الدين ابن الخطيب:

قال جوادي عندما

همزن همزاً أعجزه

إلى متى تهمزني

ويل لكل همزه

وقال ابن نباته يرثي فرسه:

لهفي على فرسي الذي

أضحى قريح المقلتين

يكبو وأملك رقه

فمعتر في الحالتين

وأهدى ثقيل إلى بعض الظرفاء جملاً، ثم نزل عليه حتى أبرمه فقال فيه:

يا مبرماً أهدى جمل

خذ وانصرف ألفي جمل

قال وما أوقارها

قلت زبيب وعسل

قال ومن يقودها

قلت له ألفا رجل

قال ومن يسوقها

قلت له ألفا بطل

قال وما لباسهم

قلت حلي وحلل

قال وما سلاحهم

قلت سيوف وأسل

قال عبيد لي إذن

قلت: نعم ثم خول

قال بهذا فاكتبوا

إذن عليكم لي سجل

قلت له الفي سجل

فاضمن لنا أن ترتحل

قال ترى أضجرتكم؟

قلت أجل ثم أجل

قال وقد أبرمتكم؟

قلت له الأمر جلل

قال وقد أثقلتكم؟

قلت له فوق الثقل

قال إني راحل

قلت العجل ثم العجل

يا كوكب الشؤم ومن

أربى على نحس زحل

يا جبلاً من جبل

في جبل فوق جبل

وحمل محمد بن عبيد الله بن خاقان أبا الغياء على فرس، زعم أنه غير فاره، فكتب إليه: أعلم الوزير أعزه الله أن أبا علي محمد أراد أن يبرني فعقني، وأن يركبني فأرجلني أمر لي بفرس تقف للنبرة، وتعثر بالبعرة، كالقضيب اليابس عجفاً، وكالعاشق المجهور زلفاً، وقد ذكرت الرواة عذرة العذري والمجنون العامري، مساعد أعلاه لأسفله، حباق مقرون بسعاله فلو أمسك لترجيت، ولو أفرد لتعزيت، ولكنه يجمعهما في الطريق المعمور والمجلس المشهور، كأنه خطيب مرشد، أو شاعر منشد، تضحك من فعله النسوان، وتتناغى من أجله الصبيان، فمن صائح يصيح داوه بالطباشير، ومن قائل يقول نوله الشعير، قد حفظ الأشعار وروى الأخبار ولحق العلماء في الأمصار، فلو أعين بنطق لروى بحق وصدق، عن جابر الجعفي وعامر الشعبي، وإنما أتيت من كاتبه الأعور الذي إذا اختار لنفسه أطاب وأكثر، وإن اختار لغيره أخبث وأنذر، فإن رأى الوزير أن يبدلني به ويريحني منه بمركوب يضحكني كما أضحك مني، يمحو بحسنه وفراهته، ما سطره العيب بقبحه ودمامته، ولست أذكر أمر سرجه ولجامه، فإن الوزير أكرم من أن يسلب ما يهديه أو ينقص ما يمضيه فوجه عبيد الله إليه برزوناً من برازينه بسرجه ولجامه.

ثم اجتمع مع محمد بن عبيد الله عند أبيه، فقال عبيد الله: شكوت دابة محمد وقد أخبرني الآن أنه يشتريه منك بمئة دينار وما هذا ثمنه، لا يشتكي، فقال: أعز الله الوزير لو لم أكذب مستزيداً لم أنصرف مستفيداً، وإني وإياه لكما قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. فضحك عبيد الله وقال: حجتك الداحضة بملاحتك وظرفك أبلغ من حجة غيرك البالغة.

ص: 90

وحكي أن المتوكل على الله قال لأبي العنيس الشاعر: أخبرني عن حمارك، وما كان من شعره في الرؤيا التي رأيتها قال: نعم يا أمير المؤمنين! كان أعقل من القضاة، ولو لم تكن له جريمة ولا زلة، فاعتل على غفلة، فمات فرأيته فيما يرى النائم، فقلت يا حماري ويلك ما لك مت؟ ألم أبرد لك الماء؟ وأنقي لك الشعير؟ وأحسن إليك جهدي؟ فلم مت غفلةظ وما خبرك؟ قال: إنك ركبتني يوم كذا وكذا ووقفت على فلان الصيدلاني تكلمه فرأيت أتاناً عند بابه فعشقتها فمت. فقلت له: هل قلت فيها شهراً؟ قال: نعم وأنشدني:

سيدي خذ لي أمانا

من أمان الأصبهاني

هام قلبي بأتانٍ

عند باب الصيدلاني

تيمتني يوم رحنا

بثناياها الحسان

وبغنج ودلال

سل جسمي وبراني

ولها خد أسيل

مثل خد الشنفراني

فيها مت ولو عش

ت إذن طال هواني

فقلت له يا حماري وما الشنفراني؟ قال هو شيء يتحدث به الحمير، فإذا لقيت حمراً فاسأله عنه. فطرب المتوكل وأمر المغنين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار وزاد في جائزتي. قيل للفضل الرقاشي: إنك لتؤثر الحمير على سائر الدواب. قال: لأنها أرفق وأرفق. قيل: ولم ذلك؟ قال: لا يستدل بالمكان على طول الزمان، ثم هي: أقل داء، وأيسر دواء، وأخفض مهوى، وأسلم صريعاً، واقل جماحاً وأشهر فارهاً، وأقل تطيراً، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويعد مقتصداً وقد أسرف في ثمنه.

وحكي أن رجلاً كان له فرس يسمى: (الأبيلق) وكان يجريه فرداً ليس معه غيره، وكل ما مر به طائر أجراه معه، فأعجبه ما رأى من سرعته، فنادي قومه وقال: إني أردت أن أراهن على فرسي هذا، فأيكم يرسل معه، فقيل له إن الحلبة غداً. فقال: إني لا أرسله إلا في خطر. فراهنوه على ذلك. فلما كان الغد أرسله فسبق، فقال لكل مجرى نجلاء سابق.

وهنا وقف بنا جواد القلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف رسل الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين وقد وقع الفراغ من كتابته في اليوم الحادي عشر من شوال سنة ألف وثلاث مئة وثلاث وعشرين من هجرة من له كمال الفخر والشرف.

ص: 91