الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال قيس لحذيفة أعطني سبقي فأعطاه السبق، ثم إن جماعة من قوم حذيفة ندموه على ذلك، ونهاه آخرون وقالوا إن قيساً لم يسبق إلى مكرمة، وإنما سبقت دابة دابة فأبى، وبعث ندبة ابن حذيفة إلى قيس يطلب منه السبق فقال قيس: هذا سبقي فكيف أعطيكم إياه فتناول ابن حذيفة من عرض قيس، وأغلظ فطعنه قيس برمح فدق صلبه. فاجتمع الحيان وأدوا دية المقتول فأخذها حذيفة دفعاً للشر. ثم إن قومه ندموه، فعاد الشر بينهم فتحمل قيس بمن معه من قومه ورحل، وقامت الحروب بين الحيين إلى أن قتل مالك أخو قيس، وكان الربيع بن زياد معتزل الحرب، فلما بمقتل ابن أخيه شق ذلك عليه وقاتل بني ذبيان وأنشد:
من كان مسروراً بمقتل مالك
…
فليأتِ نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه
…
يطلمن أوجههن باٍحار
قد كئن يخبئن الوجوه تستراً
…
فالآن حين بدون للنظار
يضربن حر وجوههن على فتى
…
عف الشمائل طيب الأخبار
أفبعد مقتل مالك بن زهير
…
يرجو النساء عواقب الأطهار
ومن عادة العرب أنها لا تندب القتيل حتى يؤخذ بثأره، ثم توالت الحروب بينهم وكان أعظمها يوم الهباءة، وسئم قيس من القتال، فذهب إلى أخواله بعد أن مات الربيع وأكل بعض القوم بعضاً، فقام في الصلح الحارث بن عوف وهرم بن سنان المريان، وحملا لحملات واجتهدا في إصلاح ذات البين، وفي ذلك يقول زهير بن أبي سلمى:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما
…
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
والعسجدي فرس لبني أسد من نتاج الديناري بن الهميسع بن زاد الراكب، وأما الآن، فإنهم ينسبون الفحل لأمه. ومن الخيل المشهورة، خيل مشايخ بني ظافر، قبيلة بين بغداد والبصرة، والعرب يضنون ببيعها، لأن عادة العرب في بيع إناث الخيل مختلفة. فمنهم نصف فرسه ويسقط حقه من الانتفاع بركوبها بتسليم رسنها إلى المشتري في مقابلة علفها، ويكون للبائع في أولادها النصف، فإذا أنتجت أنثى ورضعت مئة يوم كان المشتري مخيراً في ربط إحداهما وتفويض الأخرى على البائع. وإن أنتجت مهراً، يكون الربع منه لرابطه في مقابلة علفه وتربيته. هذا إذا لم يكن بينهما شرط، وإلا فالشرط هو المعتبر، ويسمون هذا البيع هجرياً ومنهم من يبيع فرسه بشرط أن يكون له الأولى مما تتنجه من الإناث، أو الثانية أو الأولى والثانية، فإذا ولدت أولاً أنثى أشهد المشتري عند نتاجها، بأن هذه المهرة للبائع، ثم يرضعها مئة يوم ويسلمها له، إن علم محله وإلا فيبقيها عنده، فإن حضر البائع قبل بلوغها سن الركوب يطلب منه ثمن علفها وأجرة تربيتها من حين تمام مدة رضاعها ويسلمها له. وإن جاء بعد ركوبها كان للمشتري منها الربع مقابلة علفها وتربيتها، وكذا يعامل في الثانية والثالثة. هذا إذا لم يكن بينهما شرط، وإلا فالشرط أملك. ويسمون البيع بيع المثاني، ومنهم من يبيع فرسه بيعاً باتاً، وهو نادر، ويسمون هذا البيع قلاطاً.
ومن الخيل المشهورة أيضاً خيل بجبل أوراس بين تونس وقسنطينة. وفي السقراطية أن الصحابة رضي الله عنهم، لما فتحوا إفريقيا فضلوا تلك الخيل على خيل الشام.
الباب السادس في تقفيزها وأطوارها وخدمتها والإنفاق عليها وتأديبها وكيفية تضميرها
وعلاجها. وفيه ستة فصول
الفصل الأول في التقفيز
ينبغي أن يكون في فصل الربيع لتكون ولادة الفرس فيه، لأن المولود في الشتاء لا ينجح، ويختلف وقته باختلاف الأقاليم. ففي الإقليم الحار تقفز في شباط، وفي المتوسط في نيسان، وفي البارد في أيار، ليأكل الفلو القصيل، ويكون قوي البنية صحيح البدن.
وفي دمشق يقفزون الخيل مرتين في السنة، أولاهما في الربيع والثانية في الخريف عند قطف الزيتون، ولذا يسمونه الزيتوني، لإدراك نبات الفصة والبيقية عند نتاج الفلو فيتغذى منهما.
وينبغي أن تكون الفرس عند النزو في أرض منحدرة، ليتمكن منها الفحل، وأن يجعل قبل وجهها غزال ليأتي الفلو مشابهاً له في الخلقة، وأن يغسل ذكر الفحل وفرج الأنثى بعد النزو بماء بارد وتسير سيراً عنيفاً كيلا تلقي ماء الفحل من رحمها وتلتزم الراحة ولا تطعم الخضرة ولا تسمع صهيل فحل، إلى أحد وعشرين يوماً. فإن انكمش الفرج وسال منه شبه المني ونفرت من الفحل فقد علقت، وإلا أنزي عليها الفحل مرةً أخرى.
فإن نفضت مراراً وظهرت علامات الرطوبة كالسيلان مثلاً، يرغى الصابون على اليد ويغسل الرحم بلطف ثم يعاد النزو أو تؤخذ قطعة صغيرة من الرصاص وتجعل في شيء من صوف إبط الغنم ثم يدخل في فرج الفرس فإذا وجد فيها فتق يجمع طرفاه ويؤخذ من النمل الصغير واحدة وتضع فمها عليهما فإذا عضتهما قطع رأس النملة وترك متعلقاً بهما. ثم تؤخذ ثانية ويفعل بها كالأولى إلى أن يلتئم الفتق وينزى عليها الفحل.
وذكر داود أن الفرس إذا لم تحمل وسقيت من الراوند التركي مع دبس العنب وحملت صوفة من نشارة العاج ولبن الخيل تحمل وهو مجرب.
ومن علامات الحمل صغر طرف الفرج وانكماشه وحدة النظر. والفرس تطلب الفحل إذا بلغت ثلاث سنين. فإذا طلبته وحنت إليه، قيل لها مستأنفة، كما يقال للناقة متنافرة، وللبقرة منابتة، وللحمارة طالبة، ومدة الحمل أحد عشر شهراً. قال أرسطو: إن مدة الحمل في كل حيوان مضبوطة إلاّ في الإنسان فإن لم تضع قيل جرت، وكلما جرت كان فلوها أقوى، وأكثر زمن الجر خمسة عشرة يوماً، فإن درت الحلمة اليمنى قبل اليسرى أو كانت الحلمتان سوداوين أو مضغ شيء من حليبها على الظفر فسال كان الحمل ذكراً.
وينبغي بعد قطع السرة أن يملس حدا الفلو، حين وضعه، وفمه، ويفتح منخراه، ويلين عسيبه، بحيث يرفعه إلى أعلاه برفق، ويقطع لحمة حافره المسماة بالنسر، ثم يحمل بلطف ويلقم ثدي أمه كي يعتاد، وأن لا يفطم إلاّ بعد سبعة أشهر، وأن يسقى بعد الفطام حليباً شهراً، ثم شهرين بعده مضافاً بدقيق الشعير، فإن أديم على ذلك سنة اشتد قوة، وعظم نجاحاً. وحليب الإبل أصلح للفلو من غيره وفيه خاصية للجري، ويزيد في المخ والعصب، وينقص اللحم، قال ابن خلدون: والمتغذى بلبن الإبل يؤثر في خلقه الصبر والاحتمال، والقدرة على حمل الأثقال إذ هي من أخلاق الإبل وتكون إمعاؤه في الغلظ والصحة كإمعائها لا يطرقها وهن ولا ضعف. والمطلوب أن يكون الفحل نجيباً صحيح النسبة، خالياً من العيوب لأن الفلو يأتي مشابهاً لأبيه في جميع حالاته، فإن لم يجد الرجل لفرسه فحلاً من نسبها أو ما يقاربه، يتركها بلا تقفيز إلى حين وجوده، ويطلبه وإن بعدت المسافة. ومنهم من يجعل على فرج الأنثى قفلاً لئلا ينزو عليها مجهول النسب ويسمونه الكتبة، يقال كتب على فرسه أو ناقته أي خزم حياءها بحلقة من حديد أو صفر، تضم شفري حيائها لئلا ينزى عليها، قال الشاعر:
لا تأمنن فزارياً خلوت به
…
على قلوصك واكتبها بأسيار
ومن نزى على فرسه غير جواد غسل رحمها بأدوية مفسدة لماء الفحل، ولهم في غسله مهارة تامة، والحاصل أنهم يغارون على محافظة أنساب خيلهم كما يغارون على محافظة أنسابهم ويحضرون عند النزو شهوداً. قال صاحب إنسان العيون:"إن عروة بن زيد الخيل وفد على عبد الملك بن مروان وقاد إليه خمساً وعشرين فرساً، ونسب كل واحدة منهن إلى آبائها وأمهاتها وحلف على كل فرس يميناً غير اليمين التي حلف بها على غيرها، فقال عبد الملك: عجبي من اختلاف أيمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل، وقد كانوا يعتنون بالمحافظة على أنساب جمالهم حيث أنهم كانوا يرسلون في الإبل فحلاً يسمونه سدوماً، ليهدر بينها، فإذا ضبعت أخرجوه عنها، لدناءة أصله، وأرسلوا فيها فحلاً كريماً فإذا كان هذا اعتناؤهم بجمالهم فما بالك بمحافظتهم على أنساب خيلهم بل ما بالك بالمحافظة على أنسابهم من الخلل والطعن".
واعلم بأن العيوب التي يستحب أن يكون الفحل سالماً منها، أن لا يكون أخذى: أي أصول أذنيه مسترخية، ولا أمغر، أي ذهب شعر ناصيته، ولا أدغم: أي غطت ناصيته عينيه، ولا أسعف: أي في ناصيته بياض، ولا أحول: أي أبيض مؤخر عينيه وغار السواد إلى مآقيه، ولا أقنى: أي في أنفه احديداب، ولا مغرباً: أي ابيضت أشفار عينيه مع زرقة العينين، ولا أدنى أي اطمأن عنقه من أصله، ولا أقصى: أي في عنقه قصر ويبس، ولا أكتف: أي في أعالي كتفيه انفراج، ولا أزور: أي يدخل إحدى فهدتيه ويخرج الأخرى، ولا مخطفاً: أي لحق ما خلف مخرمه من بطنه، ولا هضيماً: أي مستقيم الضلوع التي دخلت أعاليه. قال الأصمعي: "لا يسبق في الحلبة أهضم". وقال النابغة:
خيط على زفرة فتم ولم
…
يرجع إلى دقة ولا هضم