المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اختلاف اللهجات العربية: - نزول القرآن على سبعة أحرف

[مناع القطان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌اختلاف اللهجات العربية:

- ‌اختلاف العلماء فى وجود كلمات فى القرآن بغير العربية:

- ‌نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌درجة حديث نزول القرآن على سبعة أحرف:

- ‌طائفة من أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف:

- ‌معنى الحرف فى اللّغة:

- ‌آراء العلماء فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌سبب اهتمام العلماء بهذا الموضوع:

- ‌الرأى الأول:

- ‌الرأى الثانى:

- ‌تحديد اللّغات السبع:

- ‌وجه تخصيص لغات تلك القبائل:

- ‌ما تدل عليه النصوص بعامة وما جاء عن لغة قريش بخاصة:

- ‌الرأى الثالث فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الرأى الرابع فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الرأى الخامس فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الرأى السادس فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الترجيح والمناقشة

- ‌الرأى المختار:

- ‌مناقشة الرأى الثانى:

- ‌مناقشة الرأى الثالث:

- ‌مناقشة الرأى الرابع:

- ‌مناقشة الرأى الخامس:

- ‌مناقشة الرأى السادس:

- ‌زيادة بيان فى ترجيح الرأى الأول:

- ‌شبهات المستشرقين:

- ‌حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف: تتلخص حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف فى أمور:

الفصل: ‌اختلاف اللهجات العربية:

‌اختلاف اللهجات العربية:

اللهجة فى الاصطلاح العلمى الحديث هى مجموعة من الصفات اللّغوية التى تنتمى إلى بيئة خاصة، ويشترك فى هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة، وبيئة اللهجة جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات، لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعا فى مجموعة من الظواهر اللّغوية.

وتلك البيئة الشاملة التى تتألف من عدة لهجات هى التى اصطلح على تسميتها باللّغة، فالعلاقة بين اللّغة واللهجة هى العلاقة بين العام والخاص، فاللّغة تشتمل على عدة لهجات، لكل منها ما يميزها، وجميع هذه اللهجات تشترك فى مجموعة من الصفات اللّغوية التى تؤلّف لغة مستقلة عن غيرها من اللّغات.

ويعبّر القدماء عما نسميه الآن باللهجة بكلمة «اللّغة» كثيرا، فيشير أصحاب المعاجم إلى لغة تميم ولغة طيئ ولغة هذيل، وهم يريدون بذلك ما نعنيه نحن الآن بكلمة «اللهجة» وقد يعبّرون بكلمة «اللّسان» وهو التعبير القرآنى:

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ «1» .

والفرق بين لهجة وأخرى هو بعض الاختلاف الصوتى فى غالب الأحيان، فيروى لنا مثلا أن قبيلة تميم كانوا يقولون فى «فزت» «فزد» ، كما يروى أن «الأجلح» وهو الأصلع، ينطق بها «الأجله» عند بني سعد.

وتشترك لهجات اللّغة الواحدة في الكثرة الغالبة من الكلمات ومعانيها «2» .

واللّغة العربية هى لغة جزيرة العرب، ولكن القبائل العربية المتعددة كان لكل قبيلة منها منازلها، ولها كيانها المستقل الذى يعزلها عن غيرها بما لها من

(1) إبراهيم: 4

(2)

انظر كتاب «في اللهجات العربية» للدكتور إبراهيم أنيس، الطبعة الخامسة ص 16 - 18

ص: 4

عادات وتقاليد تنمو وتتطور، فأدى هذا إلى نشأة اللهجات العربية التى تتميز كل منها بصفات خاصة.

وقد ذكر الدكتور شوقى ضيف كثيرا من اللهجات، فمن ذلك الكشكشة والكسكسة، وهما تخصان ضمير المخاطبة، إذ كان بعض تميم وأسد يلحقون بكاف المخاطبة شيئا فى الوقف، وفى الوصل أحيانا، فيقولون: رأيتكش وعليكش وبكش، وكانت بعض قبائل ربيعة تلحق السين بدل الشين، فتقول:

رأيتكس وعليكس وبكس، وكان منهم من يحذف الكاف ويضع مكانها الشين أو السين.

ومن ذلك العنعنة، وهى فى تميم وبعض قيس وأسد، إذ يجعلون الهمزة عينا في بعض الكلمات، فيلفظون «استعدى» بدلا من «استأدى» ويلفظون «أعدى» بدلا من «آدى» «1» ، وكان هناك من يقول:«دأنى» عوضا عن «دعنى» ، ومن يلفظ «لعل»:«لأن» بإبدال اللام أيضا نونا، وقالوا بدلا من «أن وإن»:«عن وعن» .

وتقرب من العنعنة الفحفحة، وكانت في هذيل، إذ تبدل الحاء عينا، فيقولون فى «حتى»:«عتى» ، وهذه اللهجات جميعا كانت تشيع فى بعض القبائل الشمالية المضرية، ومثلها التضجع، وهو الإمالة، إذ كانت تميم وقيس وأسد تميل إلى إمالة الألف، وكان الحجازيون ينطقونها بتفخيم فلا يميلون

وقد نسب اللّغويون إلى قبائل مضرية وأخرى قحطانية ما سموه الاستنطاء، إذ كانت قبائل هذيل وقيس والأزد والأنصار فى يثرب تبدل العين نونا فى مثل «أعطى» فتقول:«أنطى»

وهناك لهجات نسبها اللّغويون إلى القحطانيين، من ذلك التلتلة فى قضاعة وبهراء، إذ يكسرون الفعل المضارع فيقولون:«تعلمون وتكتبون وتنجحون» .

(1) آدى فلان إيداء: قوى، وآدمى للأمر: أخذ أداته واستعد له، وآدى فلانا على كذا: قوّاه عليه وأعانه (المعجم الوسيط 1/ 10).

ص: 5

ومن ذلك العجعجة فى قضاعة، إذ يجعلون الياء المشددة جيما، فيقولون:

«تميمج» فى «تميمى» .

ونسب الرواة إلى قبيلة كلب اليمنية ما سموه الوهم، وهو كسر الهاء فى ضمير الغائبين وإن لم يكن قبلها ياء ولا كسرة فيقولون:«منهم وعنهم وبينهم» .

واشتهرت حمير وأهل اليمن وبعض عشائر طيئ بالطمطمانية، وهى إبدال لام التعريف ميما، فيقولون فى «السهم والبر والصيام»:«امسهم وامبر وامصيام» ، فيعرفون بالألف والميم.

وينسب إلى بعض الحميريين أنهم كانوا يجعلون السين تاء فى بعض الكلمات، فيقولون: ب «النات» بدل «الناس» .

وكانت هناك فروق بين التميميين والحجازيين، فكان التميميون يدغمون الحرف الثانى فى الثالث فى أمر مثل «رد» ، بينما كان يفك الحجازيون الإدغام فيقولون:«اردد» ، ومما اشتهر بينهما من فروق إهمال «ما» عند التميميين فى نحو: ما زيد قائم، وإعمالها عند الحجازيين فيقولون: ما زيد قائما، ومن ذلك أيضا أن الحجازيين كانوا يجرون «هلمّ» مجرى أسماء الأفعال مثل «صه» فيلزمونها طريقا واحدا فى مخاطبة المفرد والمفردة والاثنين والاثنتين والجماعتين، فيقولون: هلمّ يا رجل، وهلمّ يا امرأة، وهلمّ يا رجلان، وهلمّ يا امرأتان، وهلمّ يا رجال، وهلمّ يا نساء، أما التميميون فكانوا يجرونها مجرى الأفعال، فيقولون: هلم وهلمى وهلما وهلموا وهلممن يا نسوة، وبلغة الحجاز نزل القرآن الكريم فى قوله تعالى: وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا «1» .

وتلك اللهجات صار منها ما هو مقبول وحجّة، ومنها ما تدنى عن هذا المستوى وهجره الذوق العربى.

(1) انظر كتاب «العصر الجاهلى» ص 121 - 131 - ط. دار المعارف بمصر- والآية من سورة الأحزاب: 18

ص: 6

قال ابن جنى «1» : «باب اختلاف اللّغات وكلها حجّة» اعلم أن سعة القياس تبيح لهم ذلك، ولا تحظره عليهم، ألا ترى أن لغة التميميين فى ترك إعمال «ما» يقبلها القياس، ولغة الحجازيين فى إعمالها كذلك، لأن لكل واحد من القومين ضربا من القياس يؤخذ به، ويخلد إلى مثله، وليس لك أن ترد إحدى اللّغتين بصاحبتها، لأنها ليست أحق بذلك من رسيلتها، لكن غاية ما لك فى ذلك أن تتخير إحداهما، فتقويها على أختها، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها، وأشد أنسا بها، فأما رد إحداهما بالأخرى فلا، أو لا ترى إلى قول النبى صلى الله عليه وسلم:«نزل القرآن بسبع لغات كلها كاف شاف» .

هذا حكم اللّغتين إذا كانتا فى الاستعمال والقياس متدانيتين متراسلتين، أو كالمتراسلتين.

فأما أن تقل إحداهما جدا وتكثر الأخرى جدا فإنك تأخذ بأوسعهما رواية، وأقواهما قياسا

حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن «2» ، عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال:

ارتفعت قريش فى الفصاحة عن عنعنة تميم «3» ، وكشكشة ربيعة «4» ،

(1) عثمان بن جنى الموصلى أبو الفتح من أئمة الأدب والنحو، من كتبه «المحتسب فى شواذ القراءات» ، و «الخصائص فى اللّغة» - توفى سنة 392 هـ (وفيات الأعيان 3/ 246).

(2)

أبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن مقسم، وهو من القرّاء، وكان رواية ثعلب، توفى سنة 355 هـ، ويروى ابن جنى عنه أخبار ثعلب وعلمه (بغية الوعاة ص 36).

(3)

عنعنة تميم، ينطقون الهمزة عينا فيقولون فى «أن»:«عن» كما سبق.

(4)

كشكشة ربيعة: يجعلون الشين مكان الكاف فى خطاب المؤنث، فيقولون:«عليك» :

«عليش» أو يزيدون بعد الكاف شينا فيقولون: «عليكش» فى الوقف.

ص: 7

وكسكسة هوازن «1» ، وتضجع قيس «2» ، وعجرفة ضبة «3» ، وتلتلة بهراء «4» ، «5» .

ومعظم الاختلاف- كما ترى- كان يرجع إلى الاختلاف فى إبدال الحروف، أو فى الحركات، أو فى الإمالة والتفخيم، أو فى الإدغام والفك، أو فى الإعراب، وهذا النمط من الاختلاف ليس فيه تباين كلى لما فيه من التقارب.

ويقل الاختلاف فى اللّفظ مع اتفاق المعنى: «كالعهن، والصوف» حيث توجد لغتان أو أكثر من اللّغات الفصيحة.

وبمرور الزمن وتوافر عوامل الوحدة صارت مكة وما حولها ملتقى للقبائل العربية، إذ يفدون إليها للحج الذى كان معروفا فى الجاهلية قبل الإسلام، كما يفدون إليها للتجارة، ويعقدون المناظرات والمساجلات فى الشعر والخطابة بأسواقهم التى اشتهر منها:«عكاظ» وهو السوق العامة عند العرب، وكانت تعقد حول مكة فى أوائل شهر ذى القعدة، وكانت سوق «مجنة» تعقد بعدها فى أواخر هذا الشهر، ثم تعقد سوق «ذو المجاز» فى أوائل شهر ذى الحجة.

وكان الشعراء والخطباء يحرصون على أن يتحدثوا بلغة خالية من فوارق الأصوات اللّغوية، وينتقون الألفاظ، ويختارون العبارات، فمهّد هذا لوحدة لغوية راقية، حيث انسابت جداول الفصاحة العربية وانتهى مصبها فى لغة قريش، فصارت بذلك أفصح العرب، وبلسانها كان نزول القرآن ابتداء على

(1) كسكسة هوازن، يزيدون بعد كاف ضمير المؤنث سينا، فيقولون فى «منك وعنك»:

«منكس وعنكس» فى الوقف.

(2)

الإضجاع فى باب الحركات مثل الإمالة والخفض (لسان العرب مادة: ضجع).

(3)

قال ابن سيدة: وعجرفة ضبة: أراها تقعرهم فى الكلام (لسان العرب مادة: عجرف).

(4)

تلتلة بهراء: يقولون: تعلمون وتفعلون وتصنعون- بكسر أوائل الحروف.

(5)

الخصائص لأبى الفتح عثمان بن جنى 2/ 10 - 11، ط. دار الهدى ببيروت.

ص: 8