الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه أن يكون بزيادة حرف من «فعل» و «أفعل» مثل «فاسر بأهلك» «1» و «نسقيكم» «2» .
واختار نحو هذه الطريقة فى تفسير الأحرف السبعة القاضى أبو بكر محمد بن الطيب فى كتاب «الانتصار» «3» .
الرأى الخامس فى المراد بالأحرف السبعة:
ذهب بعضهم إلى أن العدد سبعة لا مفهوم له، وإنما هو رمز إلى ما ألفه العرب من معنى الكمال فى هذا العدد، فهو إشارة الى أن القرآن فى لغته وتركيبه كأنه حدود وأبواب لكلام العرب كله مع بلوغه الذروة فى الكمال، فلفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة والكمال فى الآحاد، كما يطلق السبعون فى العشرات، والسبعمائة فى المئين، ولا يراد العدد المعيّن، والعرب يطلقون لفظ السبع والسبعين والسبعمائة ولا يريدون حقيقة العدد، بحيث لا يزيد ولا ينقص، بل يريدون الكثرة والمبالغة من غير حصر، قال تعالى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ «4» ، وقال: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً «5» .
وإلى هذا جنح القاضى عياض «6» ومن تبعه.
(1) هود: 81، الحجر: 65 - من فعل الثلاثى: «فاسر» يوصل الألف، وهى قراءة نافع وأبي جعفر وابن عامر- و «فأسر» بقطع الهمزة من أفعل الرباعى، وهى قراءة الباقين (النشر 2/ 290).
(2)
النحل: 66، المؤمنون: 21 - بفتح النون وهى قراءة نافع وابن عامر ويعقوب وأبى بكر عاصم، وبضمها وهى قراءة الباقين سوى أبى جعفر لأنه قرأ بالتاء مفتوحة (النشر 2/ 304).
(3)
انظر «المرشد الوجيز» ص 117 - 121.
(4)
البقرة: 261
(5)
التوبة: 80.
(6)
عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن اليحصبى السبتى، أبو الفضل، عالم الغرب، وإمام أهل الحديث فى وقته، من تصانيفه «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» ، و «شرح صحيح مسلم» - ت 544 هـ (وفيات الأعيان 1/ 392، والفكر السامى 4/ 58).
قال أبو بكر بن العربى شيخ السهيلى «1» . فى كتاب «شرح الموطأ» : «لم تتعين هذه السبعة بنص من النبى صلى الله عليه وسلم، ولا بإجماع من الصحابة، وقد اختلفت فيها الأقوال، فقال ابن عباس: اللّغات سبع، والسموات سبع، والأرضون سبع- وعدّد السبعات- وكان معناه أنه نزل بلغة العرب كلها» «2» .
ومال إلى هذا الرأى كذلك جمال الدين القاسمى «3» فى مقدمة تفسيره «محاسن التأويل» وعزاه إلى السيوطى فى «الإتقان» بما يوهم اعتماده إذ يقول: «ليس المراد
بالسبع حقيقة العدد المعلوم، بل كثرة الأوجه التى تقرأ بها الكلمة على سبيل التيسير والتسهيل والسعة .. كذا فى الإتقان، والأظهر ما ذكرنا من إرادة الكثرة من السبعة لا التحديد، فيشمل ما ذكره ابن قتيبة وغيره
…
» «4» .
وإليه ذهب مصطفى صادق الرافعى «5» فقال: «والذى عندنا فى معنى الحديث: أن المراد بالأحرف اللّغات التى تختلف بها لهجات العرب، حتى يوسع على كل قوم أن يقرءوه بلحنهم، وما كان العرب يفهمون من معنى الحرف فى الكلام إلا اللّغة، وإنما جعلها سبعة رمزا إلى ما ألفوه من معنى الكمال فى هذا العدد، وخاصة فيما يتعلق بالإلهيات: كالسماوات السبع، والأرضين
(1) عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلى- نسبة الى سهيل من قرى مالقة- حافظ عالم باللّغة والسير، من كتبه «الروض الأنف» و «الإعلام فيما ابهم فى القرآن من الأسماء والأعلام» - ت 581 هـ (وفيات الأعيان 1/ 351، وغاية النهاية 1/ 371).
(2)
المرشد الوجيز ص 97، وانظر الاتقان 1/ 45، والنشر 1/ 26.
(3)
جمال الدين بن محمد سعيد، إمام الشام فى عصره صاحب محاسن التأويل- ت 332 هـ (الأعلام 2/ 131).
(4)
محاسن التأويل 1/ 287.
(5)
مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد الرافعى المصرى، أديب شاعر من كبار الكتّاب، له «ديوان شعر» و «تاريخ آداب العرب» و «إعجاز القرآن» وغير ذلك- ت 1356 هـ (الأعلام 8/ 137).
السبع، والسبعة الأيام التى برئت فيها الخليقة، وأبواب الجنة والجحيم، ونحوها، فهذه حدود تحتوى ما وراءها بالغا ما بلغ، وهذا الرمز من ألطف المعانى وأدقها، إذ يجعل القرآن فى لغته وتركيبه كأنه حدود وأبواب لكلام العرب كله» «1» .
وبعض علماء اللّغة يرى أن عدد السبعة يدل على الكمال لأن السبعة جمعت العدد كله، لأن العدد أزواج وأفراد، والأزواج فيها أول وثان، والاثنان أول الأزواج، والأربعة زوج ثان، والثلاثة أول الأفراد، والخمسة فرد ثان، فإذا اجتمع الزوج الأول مع الفرد الثانى، أو الفرد الأول مع الزوج الثانى كان سبعة، وكذلك إذا أخذ الواحد الذى هو أصل العدد مع الستة التى هى عند الحكماء عدد تام يكون منهما السبعة التى هى عدد كامل، لأن الكمال درجة فوق التمام، وهذه الخاصة لا توجد فى غير السبعة، ولذلك يفصلون بينها وبين الثمانية بالواو، فيقولون: واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية وتسعة وعشر
…
إلخ، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ، وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ «2» ويسمون هذه الواو «واو الثمانية» ، ذكر هذا أبو حيان وغيره «3» .
وليس الأمر كذلك، وإنما أفادت هذه الواو الإيذان بأن الذين قالوا إنهم
(1) إعجاز القرآن ص 68.
(2)
الكهف: 22
(3)
أبو حيان النحوى: هو محمد بن يوسف بن على بن يوسف بن حيان الغرناطى الأندلسى، من تصانيفه:«البحر المحيط» فى تفسير القرآن، و «النهر» مختصر له- ت 745 هـ (بغية الوعاة ص 121، وغاية النهاية 2/ 285).
أما أبو حيان التوحيدى فهو علىّ بن محمد بن العباس التوحيدى، فيلسوف متصوف معتزلى- توفى نحو سنة 400 هـ (بغية الوعاة ص 348).
سبعة تثبتوا من قولهم، ولم يكن قولهم رجما بالغيب كقول من سبقهم، إنما كان عن علم» «1» .
يقول العكبرى «2» فى دخول هذه الواو: «دخلت لتدل على أن ما بعدها مستأنف حق، وليس من جنس المقول برجم الظنون» «3» .
ويقول الزمخشرى «4» : «فإن قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة؟ ولم دخلت عليها دون الأوليين؟ قلت: هى الواو التى تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة فى نحو قولك: جاءنى رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفى يده سيف، ومنه قوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ «5» ، وفائدتها تأكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهذه الواو هى التى آذنت بأن الذين قالوا:«سبعة وثامنهم كلبهم» ، قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم، والدليل عليه أن الله سبحانه أتبع القولين الأولين قوله: رَجْماً بِالْغَيْبِ «6» وأتبع القول الثالث قوله: ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ «7» وقال ابن عباس رضى الله عنه:
(1) انظر البحر المحيط 6/ 114.
(2)
عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبرى البغدادى، أبو البقاء، عالم بالأدب واللّغة والفرائض والحساب، من كتبه:«التبيان فى إعراب القرآن» ويسمى «إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن» ، و «اللّباب فى علل البناء والإعراب» - ت 616 هـ (بغية الوعاة ص 281).
(3)
التبيان فى إعراب القرآن 2/ 843.
(4)
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمى الزمخشرى، جار الله، من أئمة العلم بالدين والتفسير واللّغة والآداب، من كتبه:«الكشاف» فى تفسير القرآن و «أساس البلاغة» و «المفصل» و «الفائق» فى غريب الحديث- ت 538 هـ (وفيات الأعيان 2/ 81).
(5)
الحجر: 4.
(6)
الكهف: 22.
(7)
الكهف: 22.