الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى الحرف فى اللّغة:
إذا كان حديث نزول القرآن على سبعة أحرف قطعى الثبوت يفيد العلم اليقينى الضرورى عند من ذهب إلى أنه متواتر، أو العلم اليقينى النظرى عند ابن الصلاح وغيره، فإنه ظنى الدلالة للإجمال فى الأحرف السبعة، إذ لا يتعين المراد منها، وقبل أن نذكر آراء العلماء فى المراد بالأحرف السبعة، فإنه يجدر بنا أن نعرف معنى الحرف فى اللّغة، حتى يساعدنا هذا فى بحث آراء العلماء على التنظير والاختيار.
قال ابن فارس «1» : «الحاء والراء والفاء ثلاثة أصول: حد الشيء، والعدول، وتقدير الشيء» .
فأما الحد، فحرف كل شىء حده، كالسيف وغيره، ومنه الحرف، وهو الوجه، تقول: هو من أمره على حرف واحد، أى طريقة واحدة، قال الله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ «2» ، أى على وجه واحد، وذلك أن العبد يجب عليه طاعة ربه تعالى عند السّراء والضرّاء، فإذا أطاعه عند السرّاء وعصاه عند الضرّاء، فقد عبده على حرف، ألا تراه قال تعالى: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ «3»
…
والأصل الثانى: الانحراف عن الشيء، يقال: انحرف عنه ينحرف انحرافا، وحرفته أنا عنه، أى عدلت به عنه، ولذلك يقال: محارف، وذلك إذا حورف كسبه فميل به عنه، وذلك كتحريف الكلام، وهو عدله عن جهته، قال تعالى:
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ «4» ، وفى المائدة: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ «5» .
(1) أحمد بن فارس بن زكريا القزوينى الرازى أبو الحسن من أئمة اللّغة والأدب- ت 395 هـ (الأعلام 1/ 184).
(2)
الحج: 11
(3)
الحج: 11
(4)
النساء: 46
(5)
الآية: 41
والأصل الثالث: المحراف: حديدة يقدّر بها الجراحات عند العلاج
…
وزعم ناس أن المحارف من هذا، كأنه قدّر عليه رزقه كما تقدّر الجراحة بالمحراف.
ومن هذا الباب: فلان يحرف لعياله، أى يكسب، وذلك من حرف واحترف، أى كسب» «1» .
والذى معنا هنا من الأصل الأول فيما ذكره ابن فارس.
ويقول الراغب فى مفرداته «2» : «حرف الشيء: طرفه، وجمعه أحرف وحروف، يقال: حرف السيف، وحرف السفينة، وحرف الجبل، وحروف الهجاء: أطراف الكلمة» .
وفى القاموس المحيط: «الحرف من كل شىء طرفه، وواحد حروف التهجى ..
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ «3» أى وجه واحد، وهو أن يعبده على السرّاء، لا الضرّاء، أو على شك، أو على غير طمأنينة على أمره، أى لا يدخل فى الدين متمكنا، ونزل القرآن على سبعة أحرف: سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، وإن جاء على سبعة أو عشرة أو أكثر، ولكن المعنى: هذه اللّغات السبع متفرقة فى القرآن».
وفى لسان العرب لابن منظور: «الحرف من حروف الهجاء، معروف واحد حروف التهجي، وكل كلمة تقرأ على الوجوه من القرآن تسمى حرفا، تقول:
هذا فى حرف ابن مسعود، أى فى قراءة ابن مسعود، قال ابن سيدة (على بن إسماعيل- ت 458 هـ): والحرف: القراءة التى تقرأ على أوجه، وما جاء
فى الحديث من قوله عليه السلام: «نزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف»
(1) معجم مقاييس اللّغة لابن فارس- تحقيق عبد السلام هارون- ج 2 الطبعة الثانية- مطبعة الحلبى ص 42 - 43
(2)
هو الحسين بن محمد بن الفضل الأصفهانى- أو الأصبهانى- المعروف بالراغب- ت 502 هـ (الأعلام 2/ 279).
(3)
الحج: 11
أراد بالحرف اللّغة، قال أبو عبيدة وأبو العباس «1»: نزل على سبع لغات من لغات العرب، قال: وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم يسمع به، قال: ولكن يقول هذه اللّغات متفرقة فى القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة أهل اليمن، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وكذلك سائر اللّغات ومعانيها فى هذا كله واحد، وقال غيره: وليس معناه أن يكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه، على أنه قد جاء فى القرآن ما قد قرئ بسبعة وعشرة، نحو:«ملك يوم الدين» ، و «عبد الطاغوت» ، ومما يبين ذلك قول ابن مسعود: إنى قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال وأقبل، قال ابن الأثير (مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزرى- ت 606 هـ): وفيه أقوال غير ذلك، هذا أحسنها، والحرف فى الأصل: الطرف والجانب، وبه سمى الحرف من حروف الهجاء «2» .
وروى الأزهرى (محمد بن أحمد بن الأزهر الهروى- ت 370 هـ)، عن أبى العباس أنه سئل عن
قوله: «نزل القرآن على سبعة أحرف»
فقال: ما هى إلا لغات، قال الأزهرى: فأبو العباس النحوى، وهو واحد عصره، قد ارتضى ما ذهب إليه أبو عبيد واستصوبه
…
وإلى هذا أومأ أبو العباس النحوى وأبو بكر بن الأنبارى (محمد بن القاسم بن محمد بن بشار- ت 328 هـ) فى كتاب له ألّفه فى اتباع ما فى المصحف الإمام، ووافقه على ذلك أبو بكر بن مجاهد (أحمد بن موسى بن العباس التميمى- ت 324 هـ) مقرئ أهل
(1) المراد به: محمد بن يزيد الأزدى، أبو العباس، المعروف بالمبرد (ت 286 هـ) إمام العربية ببغداد فى زمنه (الأعلام، خير الدين الزركلى- الطبعة الثانية 8/ 15).
(2)
انظر: النهاية فى غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (1/ 369)، ط. عيسى البابى الحلبى وشركائه.