المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناقشة الرأى الرابع: - نزول القرآن على سبعة أحرف

[مناع القطان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌اختلاف اللهجات العربية:

- ‌اختلاف العلماء فى وجود كلمات فى القرآن بغير العربية:

- ‌نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌درجة حديث نزول القرآن على سبعة أحرف:

- ‌طائفة من أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف:

- ‌معنى الحرف فى اللّغة:

- ‌آراء العلماء فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌سبب اهتمام العلماء بهذا الموضوع:

- ‌الرأى الأول:

- ‌الرأى الثانى:

- ‌تحديد اللّغات السبع:

- ‌وجه تخصيص لغات تلك القبائل:

- ‌ما تدل عليه النصوص بعامة وما جاء عن لغة قريش بخاصة:

- ‌الرأى الثالث فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الرأى الرابع فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الرأى الخامس فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الرأى السادس فى المراد بالأحرف السبعة:

- ‌الترجيح والمناقشة

- ‌الرأى المختار:

- ‌مناقشة الرأى الثانى:

- ‌مناقشة الرأى الثالث:

- ‌مناقشة الرأى الرابع:

- ‌مناقشة الرأى الخامس:

- ‌مناقشة الرأى السادس:

- ‌زيادة بيان فى ترجيح الرأى الأول:

- ‌شبهات المستشرقين:

- ‌حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف: تتلخص حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف فى أمور:

الفصل: ‌مناقشة الرأى الرابع:

‌مناقشة الرأى الرابع:

ويجاب عن الرأى الرابع- الذى يرى أن المراد بالأحرف السبعة وجوه التغاير الذى يقع فيه الاختلاف «1» ، بأن هذا وإن كان شائعا مقبولا لكنه لا ينهض أمام أدلة الرأى الأول التى جاء التصريح فيها باختلاف الألفاظ مع اتفاق المعنى.

وبعض وجوه التغاير والاختلاف التى يذكرونها ورد بقراءات الآحاد، ولا خلاف فى أن كل ما هو قرآن يجب أن يكون متواترا، وأكثرها يرجع إلى شكل الكلمة أو كيفية الأداء مما لا يقع به التغاير فى اللّفظ، كالاختلاف فى الإعراب، أو التصريف، أو التفخيم والترقيق والفتح، والإمالة والإظهار والإدغام والإشمام، فهذا ليس من الاختلاف الذى يتنوّع فى اللّفظ والمعنى، لأن هذه الصفات المتنوّعة فى أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا.

وأصحاب هذا الرأى يرون أن المصاحف العثمانية قد اشتملت على الأحرف السبعة كلها، بمعنى أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من هذه الأحرف، فآية: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ «2» التى تقرأ بصيغة الجمع، وتقرأ بصيغة الإفراد، جاءت فى الرسم العثمانى:«لأمنتهم» موصولة وعليها ألف صغيرة، وآية: فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا «3» ، جاءت فى الرسم العثمانى:«بعد» موصولة كذلك وعليها ألف صغيرة

وهكذا.

وهذا لا يسلم لهم فى كل وجه من وجوه الاختلاف التى يذكرونها، كالاختلاف بالزيادة والنقص فى مثل قوله تعالى: وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ

(1) هذا الرأى هو أقوى الآراء بعد الرأى الذى اخترناه، وإليه ذهب «الرازى» وانتصر له من المتأخرين الشيخ محمد بخيت المطيعى، والشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى، وانظر المبحث السادس فى نزول القرآن على سبعة أحرف في كتاب «مناهل العرفان» 1/ 130.

(2)

المؤمنون: 8.

(3)

سبأ: 19.

ص: 84

«1» . وقرئ: «من تحتها الأنهار» بزيادة «من» ، وقوله: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «2» ، وقرئ:«والذكر والأنثى» بنقص «ما خلق» .

والاختلاف بالتقديم والتأخير فى مثل قوله تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ «3» ، وقرئ:«وجاءت سكرة الحق بالموت» .

ولو كانت هذه الأحرف تشتمل عليها المصاحف العثمانية لما كان مصحف عثمان حاسما للنزاع فى اختلاف القراءات، إنما كان حسم هذا النزاع بجمع الناس علي حرف واحد من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن، ولولا هذا لظل الاختلاف فى القراءة قائما، ولما كان هناك فرق بين جمع عثمان وجمع أبى بكر.

والذى دلت عليه الآثار أن جمع عثمان رضى الله عنه للقرآن كان نسخا له على حرف واحد من الحروف السبعة حتى يجمع المسلمين على مصحف واحد، حيث رأى أن القراءة بالأحرف السبعة كانت لرفع الحرج والمشقة فى بداية الأمر، وقد انتهت الحاجة إلى ذلك، وترجّح عليها حسم مادة الاختلاف فى القراءة، بجمع الناس على حرف واحد، ووافقه الصحابة على ذلك، فكان إجماعا.

ولم يحتج الصحابة فى أيام أبى بكر وعمر إلى جمع القرآن على وجه ما جمعه عثمان، لأنه لم يحدث فى أيامهما من الاختلاف فيه ما حدث فى زمن عثمان، وبهذا يكون عثمان قد وفّق لأمر عظيم، رفع الاختلاف وجمع الكلمة، وأراح الأمة.

قال محيى السنّة الإمام البغوى: «جمع الله تعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد، وهو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

(1) التوبة: 100.

(2)

الليل: 3.

(3)

سورة ق: 19.

ص: 85

أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه أمر بكتابته، جمعا بعد ما كان مفرقا فى الرقاع ليكون أصلا للمسلمين، يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وأمر عثمان بنسخه فى المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه قطعا لمادة الخلاف، فكان ما يخالف الخط المتفق عليه فى حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة، والمكتوب بين اللّوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد، وهو الإمام للأمة، فليس لأحد أن يعدو فى اللّفظ إلى ما هو خارج من رسم الكتابة والسواد» «1» .

وقد نقل أبو شامة عن القاسم بن ثابت العوفى «2» ما يؤيد ذلك فقال: «إن الله تبارك وتعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم والعرب متناءون فى المحال والمقامات، متباينون فى كثير من الألفاظ واللّغات، ولكل عمارة لغة دلت بها ألسنتهم، وفحوى قد جرت عليها عادتهم، وفيهم الكبير العاس والأعرابى القح، ومن لو رام نفى عادته وحمل لسانه على غير ذرّيته تكلّف منه حملا ثقيلا، وعالج منه عبئا شديدا، ثم لم يكسر غربه ولم يملك استمراره إلا بعد التمرين الشديد، والمساجلة الطويلة، فأسقط عنهم تبارك وتعالى هذه المحنة، وأباح لهم القراءة على لغاتهم، وحمل حروفه على عاداتهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئهم بما يفقهون، ويخاطبهم بالذى يستعملون بما طوّقه الله من ذلك، وشرح به صدره وفتق به لسانه وفضله على جميع خلقه» .

ثم ذكر حديث نزول القرآن على سبعة أحرف من عدة طرق بروايات مختلفة، وقال:

(1) شرح السنّة، وانظر المرشد الوجيز ص 144 - 145.

(2)

القاسم بن ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مطرف بن سليمان العوفى السرقسطى، أبو محمد، عالم بالحديث واللّغة والفقه- ت 302 هـ (بغية الوعاة ص 376).

ص: 86

«وهذه الأحاديث الصحاح التى ذكرنا بالأسانيد الثابتة المتصلة تضيق عن كثير من الوجوه التى وجهها عليها من زعم أن الأحرف فى صورة الكتابة وفى التقديم والتأخير والزيادة والنقصان، لأن الرخصة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعرب ليس لهم يومئذ كتاب يعتبرونه، ولا رسم يتعارفونه، ولا يقف أكثرهم من الحروف على كتبه، ولا يرجعون منها إلى صورة، وإنما كانوا يعرفون الألفاظ بجرسها، أى بصوتها، ويجدونها بمخارجها، ولم يدخل عليهم يومئذ من اتفاق الحروف ما دخل بعدهم على الكاتبين من اشتباه الصور، وكان أكثرهم لا يعلم بين الزاى والسين سببا، ولا بين الصاد والضاد نسبا» «1» .

وقد قال بهذا أبو حاتم السجستانى، وابن قتيبة، والباقلانى، والرازى «2» ، وابن الجزرى وأقوالهم جميعا متقاربة.

وانتصر لهذا الرأى من المحدثين الشيخ محمد بخيت المطيعى «3» ، والشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى «4» .

حكى الزرقانى أقوال هؤلاء، واختار هذا الرأى لاعتماده على الاستقراء التام، وادعى أن جميع الأحرف السبعة موجودة بالمصاحف العثمانية، ورد الآراء الأخرى، وضعّف ما ذهب إليه ابن جرير الطبرى ومن لفّ لفه- حسب تعبيره.

(1) انظر المرشد الوجيز ص 128 إلى 132 بتصرف.

(2)

هو عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلى الرازى، أبو الفضل، مقرئ عارف بالنحو والأدب، أصله من الرى، وولد بمكة، وتنقل فى كثير من البلدان- ت 454 هـ (كشف الظنون ص 1277، 1567، بغية الوعاة ص 396).

(3)

محمد بخيت بن حسين المطيعى، مفتى الديار المصرية، ومن كبار فقهائها، ولد فى بلدة «المطيعة» من أعمال اسيوط، كان من المعارضين لحركة جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده، من مؤلفاته:«الكلمات الحسان فى الأحرف السبعة وجمع القرآن» - ت 1354 هـ (الأعلام 6/ 274).

(4)

محمد عبد الزرقانى المصرى من «زرقان» إحدى قرى المنوفية، أستاذ علوم القرآن وعلوم الحديث بتخصص الدعوة والإرشاد بكلية أصول الدين سابقا، له كتاب «مناهل العرفان فى علوم القرآن» .

ص: 87