المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناقشة رسالة لابن الأثير من عاشق إلى معشوق - نصرة الثائر على المثل السائر

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌عفوك اللهم

- ‌الابتداء بالحمدلة

- ‌عجز الحريري عن إنشاء ما طلب منه

- ‌في الديوان

- ‌ثقافة الكاتب

- ‌هل تضر مخالفة النحو في معنى

- ‌هل يقدح اللحن في حسن الكلام

- ‌حول لون البقرة في الآية صفراء فاقع لونها

- ‌التأدب في الحديث عن العظماء

- ‌إنكار التلقب بالناصر على السلطان صلاح الدين

- ‌رسالة ابن زيادة البغدادي

- ‌البلاغة والفصاحة

- ‌تحديد معنى البلاغة والفصاحة

- ‌أقسام علم البيان

- ‌الاستعارة والكناية

- ‌تعليلات النحاة

- ‌ما يشترك فيه الكاتب والشاعر

- ‌كيف يستفيد الكاتب المنشىء

- ‌من التراث الأدبي

- ‌الصفدي ينتقد ابن الأثير في بعض من إنشائه

- ‌ادعاء ابن الأثير الإبداع في رسالة له

- ‌في ذم الشيب

- ‌مناقشة مثال لابن الأثير

- ‌مناقشة مثال آخر لابن الأثير

- ‌نماذج من إنشاء ابن الأثير والنقاش حولها

- ‌مناسبة اللفظ للمعنى

- ‌اللفظ والتركيب

- ‌هل سورة النجم مسجوعة على حرف الياء

- ‌مناسبة اللفظ للمعنى

- ‌ونماذج من خطب ابن نباته

- ‌الموضوعات والألفاظ

- ‌مناسبة اللفظ للسجع

- ‌مناقشة حول معنى أخطا فيه ابن الأثير

- ‌في إنشائه

- ‌عودة إلى الإبتداء بالحمد

- ‌أقسام التصريع

- ‌كلامه على التجنيس

- ‌التجنيس المعكوس

- ‌التجنيس المجنب

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌مناقشة حول معنى أخطأ ابن الأثير فيه

- ‌في إنشائه

- ‌لفظة خود متى تكون حسنة أو قبيحة

- ‌هل كلمة الإمة بالكسر فصيحة

- ‌حول المعاظلة اللفظية

- ‌من أنواع المعاظلة

- ‌رد التعصب

- ‌حول وصل همزة القطع وقطع همزة الوصل

- ‌هل صح اطلاع بعض الشعراء والكتاب

- ‌على حكم اليونان وعلومهم

- ‌شاهد الحال ودوره في استخراج المعاني

- ‌فضل المتنبي في لاميته في خيمة سيف الدولة

- ‌هل أبدع أبو نواس في أبياته

- ‌هل يمكن إبداع معنى من معنى غير مبتدع

- ‌مناقشة نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌نماذج من إنشاء ابن الأثير يدعي فيها التقدم

- ‌الحسن في أبيات ابن بقي

- ‌أحسن ما قيل في الخمر وكأسها

- ‌نماذج من إنشاء ابن الأثير يدعي فيها السمو

- ‌نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌في ذم الشيب يدعي فيه الإبداع

- ‌مناقشة نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌نموذج من إنشاء ابن الأثير يدعي فيه الإبداع

- ‌مناقشة رسالة لابن الأثير من عاشق إلى معشوق

- ‌مناقشة نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌رسالة لابن الأثير في وصف قسي البندق وحامليها

- ‌هل من شرط بلاغة التشبيه

- ‌أن يشبه الشيء بما هو أكبر منه وأعظم

- ‌مناقشة حول التشبيه في أبيات أحد الشعراء

- ‌مناقشة نماذج من التشبه من إنشاء ابن الأثير

- ‌براعة التشبيه في بيت للبحتري

- ‌مناقشة نموذج آخر من إنشاء ابن الأثير

- ‌الالتفات في بعض الآيات

- ‌اقحام النحو

- ‌حول توكيد الضميرين

- ‌ابن الأثير يناقش المتنبي في بعض شعره

- ‌ حول ورود أن بعد لما

- ‌وأثرها في الدلالة على تراخي الزمن

- ‌حول الكناية

- ‌حول المغالطات المعنوية

- ‌الأحاجي والمغالطات في مقامات الحريري

- ‌الفرق بين الإلغاز والوصف

- ‌أمثلة من وصف السفن

- ‌مناقشة الصفدي لابن الأثير

- ‌في تعليقه على لغز في حمام

- ‌من أقوالهم في الحمام

- ‌أمثلة على الألغاز الحسان

- ‌ومناقشة‌‌ الفرق بين اللغز والتعريض

- ‌ الفرق بين اللغز والتعريض

- ‌المبادىء والافتتاحات

- ‌من المحاسن افتتاح الكتاب بآية أو حديث أو بيت شعر

- ‌في التخلص والاقتضاب

- ‌التخلص في القرآن الكريم

- ‌حول أمثلة من ذلك أوردها ابن الأثير من القرآن الكريم

- ‌نماذج من التخلص في إنشاء ابن الأثير

- ‌التناسب بين المعاني ومناقشة أمثلة من ذلك

- ‌مناقشة ابن الأثير في الاقتصاد والتفريط والإفراط

- ‌المفاضلة بين التسميتين الإرصاد والتوشيح

- ‌حول السرقات الشعرية

- ‌الاقتصاد في اللفظ

- ‌بين النثر والنظم

الفصل: ‌مناقشة رسالة لابن الأثير من عاشق إلى معشوق

قال في فصل ذكر فيه هدية رطب لبعض ملوك الشام: ولما استقلت به الطريق أنشا الحسد لغيره من الفواكه أربا، وما منها إلا من قال يا ليتني كنت رطبا.

أقول أي فصاحة لهذه العبارة، وأي بلاغة على هذا المعنى الذي لا طائل تحته وأين هذا من قول أبي الحسين الجزار:

قلت لما سكب السا

قي على الأرض الشرابا

غيرةً مني عليه

ليتني كنت ترابا

فإن هذا أتى بلفظ القرآن العظيم، فكان له في السمع وقع وفي القلب حلاوة، ولو كان قوله ليتني كنت رطبا بعض آية أو بعض بيت أو بعض مثل أو معنى متداولا في شيء، فنقله إلى هذا، لكان حسنا.

ومن كلام القاضي الفاضل رحمه الله تعالى في جواب الخليفة: ورد الكتاب المشتمل على ما أبان عنوان النية وإن كان كتابا، وأقر النعمة وإن علا وكان سحابا، المقتضي حد الطاعة ولتلك القدم الشريفة يقول المؤمن ليتني كنت ترابا.

ثم إن ابن الأثير قال: وما منها إلا من قال. فأجرى من على ما لا يعقل. وهي لا تكون إلا لمن يعقل. والفواكه لا تعقل.

ولو قال: وما منها نوع إلا قال، لخلص من ذلك. وقد يعتذر له بأنه لما نزل أنواع الفاكهة منزلة العاقلين في القول، أطلق من عليها. كقوله تعالى: فقال لها وللأرض، ائتيا طوعا أو كرها، قالتا أتنا طائعين. وهذا الجمع الذي يعرب بالحروف لا يكون إلا للعاقلين. ولكنه لما نزلهما منزلة العاقلين في القول والطاعة، أعطاهما جمع العاقلين.

والجواب: ليس هذا من هذا، والفرق بين الآية الكريمة وبين كلامه، أنه في الآية الكريمة أطلق ذلك لما تقدم قولهما. فأشعر بأنهما تنزلا منزلة العاقلين.

وأما ابن الأثير فإنه أطلق من على ما لا يعقل من أول وهلة فلم يحسن. وبمثل هذا خلص المتنبي من إيراد ابن وكيع وغيره عليه، في قوله:

وكل ما قد خلق الل

هـ وما لم يخلق

محتقرٌ في همّتي

كشعرةٍ في مفرقي

قالوا: وفيما خلق الله تعالى، الأنبياء والرسل والملائكة. وهذا يقتضي تكفيره ويدل على زندقته.

والجواب على المتنبي أنه إنما قال وكل ما ولم يقل وكل من فإن ما لما لا يعقل على الصحيح وبهذا يخرج عنه الرسل ومن شرف قدرهم وارتفع مقامهم عن هذا، والملائكة صلوات الله عليهم وسلامه.

وكذا أورد بعض الجاهلين في قوله تعالى: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصَب جهنّم ".

فقال: وممن عبد المسيح، ولم يدر المثكل أن ما في قوله تعالى " وما تعبدون " لما لا يعقل. فيتناول الأصنام والكواكب وغير ذلك، ويخرج المسيح عليه السلام من ذلك.

‌مناقشة رسالة لابن الأثير من عاشق إلى معشوق

قال: ومن ذلك وقعة كلفني بعض أصدقائي إملاءها عليه، وهي رقة من عاشق إلى معشوق ثم أخذ ف سردها وهي طويلة افتتحها بقول القائل:

وإذا قيل من تحبّ تخطا

ك لساني وأنت في القلب ذاكا

فلما رأيته قد صدر الرسالة ببيت أبي تمام قلت: لعل هذا البارق تكون وراءه سقيا، ويتمسك بهذه الطليعة في اللطف على عادة مخاطبة العشاق وخضوعهم وذل سؤالهم في طلب الوصال أو شكوى الهجر أو رقة العتاب في إخلاف الوعد أو الميل إلى الضد، فإنه إن كانت الرقة واللطافة والاستكانة خلقت لشيء، فما أرى أحدا أولى بها من العشاق في هذه المقامات وما أحلى قول القائل:

يدير من كفّه مداما

ألذ من غفلة الرقيب

كأنها إذ صفت وزفّت

شكوى محبّ إلى حبيب

ص: 58

فما كان إلا أن قال بعد ذلك البيت: يا من لا أسميه ولا أكنيه، وأذكر غيره وهو الذي أعنيه لا تكن ممن أوتي ملك الملاحة فلم ينظر إلى زواله، وعرف مكانه من القلوب فجار في إدلاله، ولا تغتر بقول من رأى الحسن للإساءة ماحيا، واعلم أن اللاحي يقول: كفى بالتذلل لاحيا، وكثيرا ما يزول العشق بجنايات الصدود، والزيادة في الحد نقص في المحدود. وقد قيل: إن الحسن عليه زكاة كزكاة المال، وليست زكاته عند علماء المحبة إلا عبارة عن الوصال، وهذه صدقة تقسم على أربابها، ولا ينتظر أن يحول الحول في إيجابها، فهي مستمرة على تجدد الأيام، والمستحقون لها قسم واحد ولا يقال إنهم ثمانية أقسام، وهؤلاء هم المخصوصون بفك الرقاب، ورقبة العشق أشد أسرا من رقبة تتحرر بالكتاب. فاخرج يا مولاي من هذا الحق الواجب، وإلا فتأت لطالب منىً وأي مطالب، ولا تقل هذا غريم أكثر عد الليالي في مطله، وأعده والمواعيد زاد لمثله، فهذه سلعة قد عاملتني بها مرة ساخرا ومرة ساحرا، ومن الأقوال السائرة إن الغر تجعله التجربة ماهرا، ولعمري إن ممارسة الحب تجدد لصاحبه علما، وتبصرةً وإن كان كما يقال أعمى، وقد كذب القائل:

عرّصن للذي تحبّ بحب

ثم دعه يروضه إبليس

فإن كانت الرياضة كما قيل لإبليس فما أراه صنعا في الذي صنع، وأراك استعصيت عليه استعصاء القارح وأنت جذع، ولا شك أنك تهدم ما يشيده من البناء، وأنك مستثنى في جملة من دخل في حكم الاستثناء، وأنا الآن له عائب، وعليه عاتب. فأين نفاثاته التي هي أخدع من الحبائل، وأين قوله لآتينهم عن الأيمان والشمائل، وأين جنوده المسترقة ما في السماء، التي تجري منهم مجرى الدماء. وكل هذا قد بطل عندي خبره، كما بطل عندي أثره، فإن أدركته النخوة بأني استهزأت بتصديق أفعاله، فليحلل معقول حاجتي هذه حتى أعلم أنه قادر على حل عقاله، وإلا فليخف راسه، وليمح وسواسه، وإن كان له عرش على البحر فليقوض من عرشه، وليعلم أن السحر ليس في عقده ونفثه ولكنه في الأصفر ونقشه، وها أنذا قد بعثت بما يجعل العزم محلولا والود مبذولا، وما أقول إلا أني بعثت معشوقا إلى معشوق، وكلاهما محله من القلب بل القلب من حبها مخلوق، وما أكرمه وهو وسيلة إلى مثله، وحسنه من حسنه وإن لم يكن شكله من شكله، وما وصفه واصف إلا كان ما رآه منه فوق ما رواه، ومن أغرب أوصفاه وأحسنها أنه لم ير ذو وجهين وجيها سواه، ولا جرم أنه إذا سفر في أمر تلطف في فتح أبوابه، وتناول وعره فبدله بسهمه وبعده فبدله باقترابه، ولو بعثت غيره لخفت أن لا يكون في سفارته صادقا، وأنه كان يمضي سفيرا ويعود عاشقا، فليس على الحسن أمانه، وفي مثله تعذر الخيانة، ولا لوم على العقول إذا نسيت هناك عزيمة رشدها، ورأت ما لا يحتمله كاهل جهدها، ومن ذا الذي يقوى درعه على تلك السهام، أو يروم النجاة منها وقد حيل بينه وبين المرام، وهذا الذي منعني إلا أن أرسل كيسا أو كتابا، فأحدهما يكون في السفارة محسنا والآخر على السر حجابا، والسلام إن شاء الله تعالى.

أقول: إنه لما فرغ من هذه الرسالة، أخذ على العادة في تفريط كلامه لما ابتدعه من ذكر الزكاة ووصف الدينار بمعنى الحديث، وأن الذي اتفق له لم يظفر به الحريري ولا سبق إليه وأقول: إنني ما سمعت ولا رأيت ولا أسمع ولا أرى بمن راسل محبوبه بمثل هذه الأشياء، وتهدد بأن العشق يزول بالصدود، والزيادة في الحد نقص في المحدود، وأن الوصال زكاة تجب عليك ولا تقل إنها في العام بل في كل وقت، فأخرج من هذا الحق الواجب عليك، ولا تقل إني غريم هين الطلب، فكم تسخر بي، فما أنا كما كنت والتجربة تجعل الغر ماهرا، ولكن المحب أعمى ثم أخذ في ذم إبليس وتأنيبه وتوبيخه، وأنه ليس بصاحب الوسوسة والإغواء والسحر إنما هو للدينار، وها أنا قد جهزت شيئاً من ذلك، وما بقي بعد أن أجهز المعشوق إلى المعشوق شيء. ثم أخذ يصف الدينار.

نعم هذه العبارة والتهديد تصلح أن تكون في حق عدو خرج من الصداقة إلى العداوة أو متول أكثر الظلم والفساد في البلاد والعباد، ولم يفده الإنذار ولا التحذير، أو عبد خرج عن طاعة مولاه ولم يخف سلطانه.

ص: 59

وما أظن هذا المعشوق إلا أنه كان قد عزم على زيارة هذا العاشق، فعارضه في الطريق الرسول بهذا الكتاب والدينار، فلما وقف عليها ورأى هذا الإنعام والمانة به عليه، كر راجعا بعد إن سب الرسول ومزق ثيابه، ونتف ذقنه وبصق في وجهه ولعن من أرسله، ومزق الرقعة شذر ومذر، وداس فتات الرقعة برجليه وقال ما عنده من العجر والبجر، وتفضل في حق كاتب الرسالة بما يستحقه، ورمى بالدينار الذي أرسله في الهواء. على أنه يكون في ذلك مختصرا، وأنه سكت عن ظلمه ولم يكن منتصرا.

أما وقف هذا على شعر المتيمين من العرب الذين خاطبوا أحبابهم وتوسلوا في طلب الوصال، وتلطفوا في طلب الرضا والمساعدة على الهوى. أكذا قال قيس بن ذريح وعبد الله بن العجلان النهدي وعروة بن حزام وأبو ذؤيب وقيس المجنون وجميل بثينه وكثير عزة. أكذا تغزل عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد والعباس بن الأحنف. أما سمع قول أبي الطيب:

زيدي أذىً مهجتي أزدك هوى

فاجهل الناس عاشقٌ حاقد

وقول أبي فراس:

أساء فزادته الإساءة حظوةً

حبيبٌ على ما كان منه حبيب

يعدّ عليّ الواشيان ذنوبه

ومن أين للوجه الجميل ذنوب

وقول الآخر.

لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ

لقد سرّني أني خطرت ببالك

وقول الآخر:

ويدلّ هجركم على

أني خطرت ببالكم

أما سمع قول المعري:

لغيري زكاةٌ من جمالٍ فإن تكن

زكاة جمالٍ فاذكري ابن سبيل

ما أحلى قول: فاذكري ابن سبيل إن أخرجت زكاة جمالك، لم يأمرها بصرفها إليه ولا أوجبها عليها بل قال: إن كان شيء، فاذكري ابن السبيل المستحق.

ومن هذا قول كثير عزة:

لئن كان يهدى برد أنيابها العلى

لأفقر مني إنني لفقير

على أن معناه مشكل إذا تأملته حتى التأمل، وليس هذا مكان الكلام عليه. وما ألطف ابن سناء الملك في قوله:

وغانيةٍ لم تعد عشرين حجةً

أقول لها قولا لديه صواب

عليك زكاةٌ فاجعليها وصالنا

فعمرك في العشرين وهي نصاب

وقول ناصر الدين بن النقيب:

لقد وجبت عليك زكاة حسنٍ

وفيه كمثل ما في المال حق

فلا تعدل به عني فاني

لمصرفه الفقير المستحق

أما سمع بقول جميل بن معمر العذري.

لا خير في الحب وقفا لا تحركه

عوارض اليأس أو يعتاده الطمع

لو كان صبرها أو عندها جزعي

لكنت أعرف ما آتي وما أدع

وقول أبي الطيب:

وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه

وفي الهجر، فهو الدهر يخشى ويتّقي

وقول كشاجم:

لولا اطراد الصيد لم تك لذةٌ

فتطاردي لي بالوصال قليلا

هذا الشراب أخو الحياة وما له

من لذةٍ حتى يصيب غليلا

وقول العباس بن الأحنف:

وأحسن أيام الهوى يومك الذي

تروّع بالهجران فيه وبالعتب

إذا لم يكن في الحب سخطٌ ولا رضىً

فأين حلاوات الرسائل والكتب

وقول علية بنت المهدي:

وضع الحب على الجور فلو

أنصف المعشوق فيه لسمج

ليس يستحسن في شرع الهوى

عاشق يحسن تأليف الحجج

أما سمع بقول محمد بن بشير الخارجي:

ولقد أردت الصبر عنك فعاقني

علقٌ بقلبي من هواك قديم

يبقى على ريب الزمان وصرفه

وعلى جفائك إنه لكريم

وما أحسن قول العباس بن الأحنف حين عنف أحبابه على المطل بالوصل:

كأن لم يكن بيني وبينكم هوى

ولم يك موصولا بحبلكم حبلي

وإني لأستحيي لكم من محدّثٍ

يحدث عنكم بالملالة والمطل

حكى الشبلي رحمه الله تعالى قال: رأيت يوم جمعة معتوها عند جامع الرصافة قائما عريان وهو يقول: أنا مجنون الله، أنا مجنون الله، فقلت: لم لا تدخل الجامع وتتوارى وتصلي؟ فأنشد يقول:

يقولون زرنا واقض واجب حقنا

وقد أسقطت حالي حقوقهم عني

إذا أبصروا حالي ولم يأنفوا لها

ولم يأنفوا منها أنفت لهم مني

ص: 60

قلت أنا: وهذا نوع آخر غير هذا الذي نحن فيه، وطرق الجد غير طرق المزاح ومما قلت أنا:

وإذا تهتّك في الهوى سري غدا

وتحدثت بصبابتي السمّار

أو قيل ذا المسكين أصل جنونه

سحر العيون وما له أنصار

أيحل في شرع الهوى هذا ومن

أفتى بأنّ دم المحب جبار

وعلمت أن هواك أصل بليّتي

فعلى صدودك لا عليّ العار

أما سمع بما قنع به المحبون مثل جميل حيث يقول:

وإني لراضٍ منك يا بثن بالذي

لو أيقنه الواشي لقرّت بلابله

بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى

وبالوعد حتى يسأم الوعد ماطله

وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي

أواخره لا نلتقي وأوائله

وجحدر حيث يقول:

أليس الليل يجمع أمّ عمروٍ

وإيانا فذاك بنا تدان

وتنظر للهلال كما أراه

ويعلوهها النهار كما علاني

والآخر حيث يقول:

إلى الطائر النسر انظري كل ليلةٍ

فإني إليه بالعشية ناظر

عسى يلتقي طرفي وطرفك عنده

فنشكو جميعاً ما تجنّ الضمائر

وأبي العلاء المعري حيث يقول:

لاقاك في العام الذي ولّى ولم

يسألك إلا قبلةً في القابل

إن البخيل إذا تمد له المدى

في الجود هان عليه بذل النائل

وأما ذكره إبليس واستصراخه به وحثه على وسواسه وتزيين الباطل له، فإنه من الغريب أتراه ما علم أن المحب إذا قال لمحبوبه: ما يدعك تزورني وتحنو علي إلا إبليس بوسواسه أن المعشوق يمثل ذلك بين عينيه ويقول: إن هذه الأمور من فعل إبليس ومطاوعة الشيطان في إتباع المحرمات المحظورة، فيرجع إلى الهجران، ويتقمص شعار الجفا والصد والإعراض ويكون في ذلك كالنائم الذي أيقظه غيره من الغفلة.

قال بعضهم: كان لي صديق، وكان لا يحتشمني ولا أحتشمه، فقال لي يوماً: يا أخي قد علمت حبي لفلانه ولم أقدر منها على شيء قط وقد زارتني اليوم، وأحب أن تكون عندنا فإني لا أحتشمك. فأجبته إلى ذلك. فلما صرت إلى مكانه، وأخذت عيني الجارية فرأيت أحسن النساء. ثم إنا أفضنا في الأكل والشرب والحديث، وسألني صاحبي الغناء وكنت مجيدا فيه. وكأن الله تعالى أنساني جميع ما أحفظه إلا هذا الصوت:

من الخفرات لم تفضح أخاها

ولم ترفع لوالدها شنارا

فلما سمعته الجارية قالت: أحسنت والله أعده يا أخي فأعدته، فوثبت قائمة وقالت: أنا إلى الله تائبة، والله ما كنت لأفضح أخي وأرفع شنار أبي. فجهد الفتى في رجوعها فلم تفعل وخرجت. فقال لي: ويحك، ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: والله ما هو شيء اعتمدته، ولكنه ألقي على لساني.

فانظر إلى فائدة ما ذكرته. والأنسب في طلب الوصال أن يقول: اسأل الله أن يعطف قلبك علي، ويلهمك اغتنام الأجر فيّ ويرزقك رحمتي لتدخل في الجنة كما غالط القائل محبوبه في قوله:

تجنّيت لي ذنبي ولم أك مذنبا

وحمّلتني في الحب ما لا أطيقه

وما طلبي للوصل حرصٌ على البقا

ولكنه أجرٌ إليك أسوقه

وكما غالط الآخر حيث قال:

قم بنا تفديك روحي

نجعل الشك يقينا

فإلى كم يا حبيبي

يأثم القائل فينا

وقد وقفت على بعض رسالة من كلام ابن سناء الملك وهو: وأنا والله في أمرك مغلوب والسبب أني أنا المحب وأنت المحبوب، ولا أتجالد عليك فأغرك، ولا أخون حبك ولا أقعقع عليك فأغشك وأغم قلبك، اعمل ما شئت فأنا الصابر، واقتل كيف شئت فأنا الشاكر، وقل لي فلي سمع يعشق قولك، والتفت تر آمالي ترفرف حولك، وافعل فأنت المعذور، واستطل فما أنا المضرور بل المسرور، وارجع إلى الود الذي بيننا فكل ذنب لك مغفور انتهى.

قلت: ولله الوزير أبو الوليد بن زيدون حيث يقول:

بيني وبينك ما لو شئت لم يضع

سرٌ إذا ذاعت الأسرار لم يذع

يا بائعا حظّه مني، ولو بذلت

لي الحياة بحظي منه لم أبع

يكفيك أنك إن حمّلت قلبي ما

لا تستطيع قلوب الناس يستطع

ته أحتمل واستطل أصبر وعزّ أهن

وولّ أقبل وقل أسمع ومر أطع

ص: 61