المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حول المغالطات المعنوية - نصرة الثائر على المثل السائر

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌عفوك اللهم

- ‌الابتداء بالحمدلة

- ‌عجز الحريري عن إنشاء ما طلب منه

- ‌في الديوان

- ‌ثقافة الكاتب

- ‌هل تضر مخالفة النحو في معنى

- ‌هل يقدح اللحن في حسن الكلام

- ‌حول لون البقرة في الآية صفراء فاقع لونها

- ‌التأدب في الحديث عن العظماء

- ‌إنكار التلقب بالناصر على السلطان صلاح الدين

- ‌رسالة ابن زيادة البغدادي

- ‌البلاغة والفصاحة

- ‌تحديد معنى البلاغة والفصاحة

- ‌أقسام علم البيان

- ‌الاستعارة والكناية

- ‌تعليلات النحاة

- ‌ما يشترك فيه الكاتب والشاعر

- ‌كيف يستفيد الكاتب المنشىء

- ‌من التراث الأدبي

- ‌الصفدي ينتقد ابن الأثير في بعض من إنشائه

- ‌ادعاء ابن الأثير الإبداع في رسالة له

- ‌في ذم الشيب

- ‌مناقشة مثال لابن الأثير

- ‌مناقشة مثال آخر لابن الأثير

- ‌نماذج من إنشاء ابن الأثير والنقاش حولها

- ‌مناسبة اللفظ للمعنى

- ‌اللفظ والتركيب

- ‌هل سورة النجم مسجوعة على حرف الياء

- ‌مناسبة اللفظ للمعنى

- ‌ونماذج من خطب ابن نباته

- ‌الموضوعات والألفاظ

- ‌مناسبة اللفظ للسجع

- ‌مناقشة حول معنى أخطا فيه ابن الأثير

- ‌في إنشائه

- ‌عودة إلى الإبتداء بالحمد

- ‌أقسام التصريع

- ‌كلامه على التجنيس

- ‌التجنيس المعكوس

- ‌التجنيس المجنب

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌مناقشة حول معنى أخطأ ابن الأثير فيه

- ‌في إنشائه

- ‌لفظة خود متى تكون حسنة أو قبيحة

- ‌هل كلمة الإمة بالكسر فصيحة

- ‌حول المعاظلة اللفظية

- ‌من أنواع المعاظلة

- ‌رد التعصب

- ‌حول وصل همزة القطع وقطع همزة الوصل

- ‌هل صح اطلاع بعض الشعراء والكتاب

- ‌على حكم اليونان وعلومهم

- ‌شاهد الحال ودوره في استخراج المعاني

- ‌فضل المتنبي في لاميته في خيمة سيف الدولة

- ‌هل أبدع أبو نواس في أبياته

- ‌هل يمكن إبداع معنى من معنى غير مبتدع

- ‌مناقشة نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌نماذج من إنشاء ابن الأثير يدعي فيها التقدم

- ‌الحسن في أبيات ابن بقي

- ‌أحسن ما قيل في الخمر وكأسها

- ‌نماذج من إنشاء ابن الأثير يدعي فيها السمو

- ‌نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌في ذم الشيب يدعي فيه الإبداع

- ‌مناقشة نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌نموذج من إنشاء ابن الأثير يدعي فيه الإبداع

- ‌مناقشة رسالة لابن الأثير من عاشق إلى معشوق

- ‌مناقشة نموذج من إنشاء ابن الأثير

- ‌رسالة لابن الأثير في وصف قسي البندق وحامليها

- ‌هل من شرط بلاغة التشبيه

- ‌أن يشبه الشيء بما هو أكبر منه وأعظم

- ‌مناقشة حول التشبيه في أبيات أحد الشعراء

- ‌مناقشة نماذج من التشبه من إنشاء ابن الأثير

- ‌براعة التشبيه في بيت للبحتري

- ‌مناقشة نموذج آخر من إنشاء ابن الأثير

- ‌الالتفات في بعض الآيات

- ‌اقحام النحو

- ‌حول توكيد الضميرين

- ‌ابن الأثير يناقش المتنبي في بعض شعره

- ‌ حول ورود أن بعد لما

- ‌وأثرها في الدلالة على تراخي الزمن

- ‌حول الكناية

- ‌حول المغالطات المعنوية

- ‌الأحاجي والمغالطات في مقامات الحريري

- ‌الفرق بين الإلغاز والوصف

- ‌أمثلة من وصف السفن

- ‌مناقشة الصفدي لابن الأثير

- ‌في تعليقه على لغز في حمام

- ‌من أقوالهم في الحمام

- ‌أمثلة على الألغاز الحسان

- ‌ومناقشة‌‌ الفرق بين اللغز والتعريض

- ‌ الفرق بين اللغز والتعريض

- ‌المبادىء والافتتاحات

- ‌من المحاسن افتتاح الكتاب بآية أو حديث أو بيت شعر

- ‌في التخلص والاقتضاب

- ‌التخلص في القرآن الكريم

- ‌حول أمثلة من ذلك أوردها ابن الأثير من القرآن الكريم

- ‌نماذج من التخلص في إنشاء ابن الأثير

- ‌التناسب بين المعاني ومناقشة أمثلة من ذلك

- ‌مناقشة ابن الأثير في الاقتصاد والتفريط والإفراط

- ‌المفاضلة بين التسميتين الإرصاد والتوشيح

- ‌حول السرقات الشعرية

- ‌الاقتصاد في اللفظ

- ‌بين النثر والنظم

الفصل: ‌حول المغالطات المعنوية

فأُقسم لو أبصرتني عند موتها

وجفني يسحّ الدّمع سجلا على سجل

رثيت لنصلٍ يأخذ الموت جفنه

وأُعجبت من فرعٍ ينوح على أصل

وقد تحسن هذه الكناية من الشريف الرضي في باب التهكم وتكون نهاية في الحسن. وعلى الجملة فقبح الكناية التي ذكرها ليس لذاتها بل لأمر عرض عليها على أنه قد أورد بعدها قول الفرزدق يرثي امرأته:

وجفن نصالٍ قد رزئت فلم أنح

عليه ولم أبعث عليه البواكيا

وقال: هذا حسن بديع في بابه، وما كني عن امرأة ماتت بجمع أحسن من هذه الكناية ولا أفخم شأنا.

فيقال له: أي شيء حسن هذه وقبح تلك؟

‌حول المغالطات المعنوية

قال في النوع العشرين في المغالطات المعنوية: فمنه ما كتبته في فصل من كتاب عند دخولي إلى بلاد الروم أصف فيه البرد والثلج: ومن صفات هذا البرد أنه يعقد الدر في خلفه، والدمع في طرفه، ولربما تعدى إلى قليب الخاطر فأحقه أن يجري بوصفه، والأرض شهباء غير أنها حولية لم ترض، ومسيلات الجبال أنهار غير أنها جامدة لم تخض.

أقول: ثم إنه أخذ يصف مكان الحسن في قوله: حولية ولم ترض. وأي كبير حسن في هذا حتى يدونه ويستشهد به. ولكنه معذور إذا وقع في كلامه تورية أن يخطب لها، فكيف به لو قال مثل القاضي الفاضل يصف البرد: في ليلة جمد خمرها، وخمد جمرها، إلى يوم تود البصلة لو ازدادت إلى قمصها، والشمس لو جرت النار إلى قرصها.

وقد نظم هذا الجلال بن الصفار فقال:

ويوم قرٍّ برد أنفاسه

تمزق الأوجه من قرصها

يومٌ تودّ الشمس من برده

لو جرّت النار إلى قرصها

ومن كلام الفاضل في ليلة كثيرة البرد: في ليلة جمد الماء في لبابيدها حتى ثقل متنها، وانعكست القاعدة في التشبيه حتى صار كالجبال عهنها.

وقال الصاحب جمال الدين ابن مطروح:

انظر تجد وجه البسيطة أبيضا

لم تبد فيه شامةٌ سوداء

كرم السّحاب فعمّ بالثلج الثّرى

إنّ الكريم له اليد البيضاء

وقال: مجير الدين محمد بن تميم:

دنياك مذ وعدت بأنك لم تزل

في نعمةٍ وسعادةٍ لا تنقضي

كان الدليل على وفاها أنها

أضحت تقابلنا بوجهٍ أبيض

وقال مجير الدين أيضاً في البرد:

وليلةٍ قرةٍ قد هبّ فيها

نسيمٌ لا تقابله الصدور

نسيمٌ يقشعرّ الرّوض منه

إذا وافى ويرتعد الغدير

ثم قال: ومن ذلك ما ذكرته في وصف كريم فقلت: ولقد نزلت منه بمهلبي الصنع، أحنفي الأخلاق، ولقيته فكأني لم أرع بلوعة الفراق، ولا كرامة للأهل والوطن حتى أقول استبدلت به أهلا ووطنا، وعهدي بالأيام وهي من الإحسان فاطمة فاستولدها بجواره حسنا ثم أخذ في الثناء على ذلك.

أقول: غاية ما ذكره أنه استعمل اسم فاطمة والحسن رضي الله عنهما تورية وليس هذا بعظيم.

وما أحسن ما استعمل القاضي الفاضل اسم الحسن، فقال يخاطب قوما أشرافا: السعيد من أشبه حديثه قديمه السعيد، والشرف القديم مقطوع إن لم يصله الشرف الجديد، والغصن من الدوحة العريقة وإن لم ينم كان من الحطب، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان عمه أبا لهب، وقبيح أن يكون فعلكم القبيح وجدكم الحسن. وأن يكون أولكم قاتل حتى لا تكون فتنة وتقاتلون حتى تكون الفتن.

وما أحسن قول أبي الحسين الجزار يمدح سيف الدين علي بن قليج من جملة قصيدة في ذكر الزمان:

وإني لمعتادٌ لحمل خطوبه

إذا كلّ أو أعيى من الهمّ حامله

أقول لفقري: مرحبا لتيقّني

بأنّ عليا بالمكارم قاتله

كذا تكون التورية، وكذا يكون تحيل التخيل.

ومما اتفق لي نظمه:

أقول لشادٍ تغنّى لنا

وقد قرّح الدّمع أجفان عيني

ايا حسن الوجه رجّع وخذ

بصوتٍ عليٍّ لنا في حسيني

ثم قال: ومن هذا الأسلوب ما كتبته في فصل من كتاب إلى بعض الإخوان فقلت: وعهده بقلمي وهو يتحلى من البيان بأسمائه، ويبرز أنوار المعاني من ظلمائه، وقد أصبحت يدي منه وهي حمالة الحطب، وأصبح خاطري أبا جهل بعد أن كان أبا لهب.

ص: 77

أقول: قد استعمل القاضي الفاضل مثل هذا كثيراً، ولهج المتأخرون بمثل هذا فأتوا فيه بالطم والرم. قال ابن النبيه:

لو لم تكن إبنة العنقود ريقته

لما غدا خدّه القاني أبا لهب

تبت يدا عاذلي فيه ووجنته

حمالة الورد لا حمالة الحطب

وقال ابن سناء الملك في معذر:

كنت مثل الظّبي ذا غيدٍ

صرت مثل الثّور ذا غبب

وجنةٌ كانت أبا لهبٍ

رجعت حمّالة الحطب

وقال:

وصفتك واللاّحي يعناد بالعذل

فكنت أبا ذرٍّ وكان أبا جهل

وقلت وأنا في رمل مصر عند العريش:

أتينا عريش الرّمل في وقت حرّه

فقلنا له تبّت يداك أبا لهب

وكم أثلةٍ لا ظلّ فيها ولا جنىً

تقابلنا منه بحمالة الحطب

ثم قال من فصل: ومن آثر مساعيه أنه حاز قفل المكارم ومفتاحها، وإذا سئل منقبةً كان مناعها وإذا سئل موهبة كان مناحها، وأحسن أثرا من ذلك أنه أخذ بأعنة الصواب وألان جماحها، وإذا شهد حومة حربٍ كان منصورها وإذا لقي مهجة خطب كان سفاحها.

أقول: وهذا الباب أعني أسماء الخلفاء في الألقاب، مما جسر الناس على دخوله، وعبره كل أحد من المتأدبين وتصرف في محصوله، فإنه سلس القياد في التورية إذا جذب وسريع الارتفاع إذا أقيم أو نصب.

قال ابن سناء الملك:

بايعته يد السّعادة والبي

عة قد كررت عليه اليمين

واصطفاه الرأي الرشيد على العا

لم فهو الأمين والمأمون

وقال سيف الدين المشد ابن قزل:

يا أهل ودّي دعوةً من مدنفٍ

خفيت شكايته عن العوّاد

تالله ما جلدي عليكم طائعٌ

كلاّ ولا والله قلبي الهادي

وقال ابن سناء الملك:

بأبي وأمّي من يكون المكتفي

بجماله لجماله كالمقتدي

مستوحشٌ متفرّدٌ في حسنه

لا تعجبنّ لوحشة المتفرّد

وقال مجير الدين محمد بن تميم:

يا موثرا قصدي حماة وخدمتي

سلطانها من بعد كلّ أمير

أنا واثقٌ برشيد رأيك طائعٌ

لأمينه الهادي إلى المنصور

ثم قال من فصل: وما أقول إلا أنه شعر بتلك المسرة المسروقة فأقام عليها القطع، ورأى العيش فيها خفضا فأزاله الرفع.

أقول: وهذا الباب أيضاً مما تقدم، وسوره مما خرب وتهدم، قد دخل الناس فيه أفواجا، وراقت لآلئهم فيه انفرادا وازدواجا.

قال السراج الوراق يرثي الجزار:

رفعوك وانتصبوا قياما خافضي ال

أصوات إذ جزم الرّدى منك العرى

وغدوت في الأكفان عنهم مضمرا

وهم يرونك للجلالة مظهرا

إنّ الصّحيح اعتل مذ فارقتنا

وأبيك والجمع الصّحيح تكسّرا

وقال أيضاً:

نصب العداوة حاسدوك فأعقبوا

جزما لألسنهم وخفض الشّان

فمتى أراهم أدبروا ورؤوسهم

مرفوعةٌ بعوامل المرّان

وقال شهاب الدين التلعفري:

وإذا الثّنيّة أشرفت وشممت من

نفس الحمى أرجا كنشر عبير

سل هضبها المنصوب أين حديثها المرفوع عن ذيل الصبا المجرور وهذا في غاية الحسن من الصناعة، فإنه أتى بالمنصوب في المنصوب، وبالمرفوع في المرفوع، وبالمجرور في المجرور.

وله بيتان آخران في هذا المعنى، ولكن هذين أحسن وأكمل.

وعلى الجملة، فهذه الأشياء قد انتهك المتأخرون حرمتها، ومنعوا من الآباء عصمتها خصوصا أسماء الخلفاء كما تقدم، وألقاب الإعراب وقد تقدم، وأسماء سور القرآن. كما قال أبو الحسين الجزار يمدح فخر القضاة نصر الله ابن بصاقة:

وكم ليلةٍ قد بتّها معسرا ولي

بزخرف آمالي كنوزٌ من اليسر

أقول لفقري كلما اشتقت للغنى

إذا جاء نصر الله تبت يد الفقر

وكما قال أيضاً وقد خلع على شاعر أسود ولم يخلع عليه يخاطب جمال الدين ابن رمضان:

غير خافٍ عنك الذي ناله الأسود

بالأمس من ندى السّلطان

وتمشّيه بالعمامة والثّوب

ومنديل الكم والطّيلسان

ص: 78

قلت إذ فصلت عليه أرى الزّخرف

يتلى بالنّص فوق الدّخان

وكما قال سيف الدين ابن قزل:

أقسم من جفني بالذّاريات

ومن دموع العين بالمرسلات

إني على الإخلاص في حبّكم

حتى ترى روحي في النازعات

وكما قال الآخر:

أناشده الرحمن في جمع شملنا

فيقسم هذا لا يكون إلى الحشر

إذا ما غدا شبه الحديد فؤاده

فوالعصر إن العاشقين لفي خسر

وأسماء الكتب كما قال من أبيات:

يا سائلي من بعدهم عن حالتي

ترك الجواب جواب هذي المسأله

حالي إذا حدثت لا جملا ولا

لمعا لا يضاحي لها من تكمله

عندي جوى يذر الفصيح مبلّدا

فاترك مفصّلة ودونك مجمله

القلب ليس من الصّحاح فيرتجى

إصلاحه والعين سحبٌ مثقله

وقد ذكر في هذه الثلاثة عشرة أسماء من تصانيف الأدب.

كما قال ابن قزل في مليح يلعب بالقانون:

ترى ابن سيناء في يديه

أقلّ ملعوبه الغناء

قانونه المرتضى نجاةٌ

كل إشاراته شفاء

وقد ذكر في البيت الثاني على قصر بحره من مصنفات الرئيس أربعة كتب.

وكما قال أبو الحسين الجزار:

يا مالكي ما شافعي

إليك إلاّ أدبي

حاشاك أن تحتاج في التن

بيه للمهذّب

وأسماء مشايخ العلوم كما قال أبو الحسين الجزار:

إنّ فصل الشتاء منذ نحا جس

مي أبدت بيانه الأعضاء

فيه عظمي المبّرد إذ عنّ ال

كسائيّ واحتمى الفرّاء

وكما قال ناصر الدين حسن بن النقيب:

يا من مقاماته في الجود مذهبةٌ

ومن تشاريفه وشيٌ وديباج

أعطيتني جسدا ملقى وليس له

روحٌ وللبرد إقلاقٌ وإزعاج

وليس عن فروةٍ تحت الحرير غنىً

إنّ الحريريّ للفرّاء محتاج

وكما قال مجير الدين محمد بن تميم:

وصادحةٍ تردّد لي غناها

فتطربني وأجهل ما تقول

بلحنٍ حار إبراهيم فيه

ووزنٍ ليس يعرفه الخليل

وقد نظم شرف الدين المقدسي رحمه الله قصيدة تقارب الخمسين بيتا، جمع فيها جملة من كتب التفسير والحديث والفقه والنحو واللغة وغير ذلك، وذكر مشايخ العلوم وغيرهم. وكلها غزل، وأسماء البروج الإثنى عشر والمنازل. كما قال ابن قزل:

بدرٌ جعلت القلب أخبيةً له

كي لا يراه رقيبه العوّاء

خلعت عليه الشّمس رونق حسنه

وحبته رونق ثغره الجوزاء

وكما قال الآخر:

بتّ وبدر الدّجى ضجيعي

وهو مواتٍ بلا امتناع

فقلت للحاسدين لمّا

أشرقت الشمس بالشّعاع

القلب والطّرف منزلاه

وهو إلى الآن في الذّراع

وكما قال الآخر في مليح يحرث:

يا حارثا تروى مقامات الهوى

عن طرفه الفتّاك غير مؤوّله

أضحى يشقّ لحود من قتل الهوى

في حرثه ليست خطوطا مهمله

روحي الفداء لبدر تمٍّ سائقٍ

للثّور، ليس يروم غير السّنبله

وأسماء مشاهير العرب، كما قال ابن سناء الملك:

إنّي على ما كان شغلي بالهوى

لم يشتغل وبطالتي لم تبطل

أنا جدّ أنصار النّبيّ لأنّني

يا أشهل العينين عبد الأشهل

وكما قال ابن قزل:

عدتّ فيه جاهليّ الح

ب من غير تعدّي

لحظ عيني عبد شمسٍ

وفؤادي عبد ودّ

وكما قال شمس الدين محمد بن التلمساني:

وما كنت مجنون الهوى قبل أن يرى

لقلبي من صدغيك في الأسر عاقل

ولو أنّ قسماً واصفٌ منك وجنةً

لأعجزه نبتٌ بها وهو باقل

وأسماء المدن، وأسماء الملل والنحل، وأسماء أبحر العروض، وأسماء القراء، وأسماء أشكال الرمل وأسماء الشعراء، وأسماء منازل العرب وأماكنها وأشياء غير ذلك.

ص: 79

ولولا خوف الإطالة، وأني لم أضع هذه الأوراق لهذا، لأتيت بالشواهد على ذلك. لتعلم أيها الواقف على كتابي هذا أن ابن الأثير رحمه الله ما أتى بطائل، ولا رقت بكلامه أنفاس الأسحار ولا برود الأصائل، وأنه لو تأخر وجوده إلى هذا العصر علم أن قوله ليس بحجة، وأن قطره يغرق في مثل هذه اللجة، وأن الناس قد بلغوا محط الرحال وهو إلى الآن في الدلجة.

وما أحسن قول مجاهد الخياط يهجو أبا الحسين الجزار:

أبا الحسين تأدّب

ما الفخر بالشّعر فخر

وما تبلّلت منه

بقطرةٍ وهو بحر

وإن أتيت ببيتٍ

وما لبيتك قدر

لم تأت بالبيت إلاّ

عليه للنّاس حكر

وقد وضعت كتابا في التورية وسمته فض الختام عن التورية والاستخدام فإن أردت أن تكشف عن ماهية ذلك وتقف على محاسنه، فقف عليه، لعله يكون فيه لك زبدة، أو تجد فيه على ما ترونه نجدة.

ثم قال من فصل يذكر فيه الحمى: ولهذا صارت الأدوية في علاجها ليست بأدوية، وأصبحت أيام نحرها في الناس غير مبتدئة بأيام تروية.

أقول: ليس في السجعة الأولى طائل وهي كلام فارغ. وأما الثانية فما فيها غير التورية بيوم التروية للنحر، وليس في ذلك أمر كبير.

وما أحسن قول الجزار:

إني لمن معشر سفك الدماء لهم

دأبٌ، وسل عنهم إن رمت تصديقي

تضيء بالدّم إشراقا عراصهم

فكلّ أيامهم أيام تشريق

وأما أبيات المتنبي في الحمى فما لأحد مثلها في حسنها. منها:

وزائرتي كأنّ بها حياءً

فليس تزور إلاّ في المنام

بذلت لها المطارف والحشايا

فعافتها وباتت في عظامي

يضيق الجلد عن نفسي وعنها

فتوسعه بأنواع السّقام

إذا ما فارقتني غسّلتني

كأنّا عاكفان على حرام

كأنّ الصّبح يطردها فتجري

مدامعها بأربعةٍ سجام

وحذا السّراج الورّاق حذوه فقال:

وزائرتي وليس بها احتشامٌ

تزور ضحىً وتطرق في المنام

بها عهرٌ وليس لها عفافٌ

عن الشّيخ الكبير ولا الغلام

إذا طرقت أعاذ الله منها

سلوت عن الكرائم والكرام

لها في ظاهري حرٌ وبردٌ

بقلبي والفتور ففي العظام

تلهوج نارها لحمي طعاما

وتشرب من دمي صرف المدام

وأصوات الغناء لها أنيني

فما تنفك من هذا المقام

تضاجعني على ضعفي وشيبي

وقد أعييت ربات الخيام

إذا ما فارقتني غسّلتني

لأني قد وصلت إلى حمامي

وما أحسن قول أمهدوست الديلمي:

وزائرةٍ تزور بلا رقيب

وتنزل بالفتى من غير حبّه

تبيت بباطن الأحشاء منه

فيطلب بعدها من عظم كربه

وتمنعه لذيذ العيش حتّى

تنغّصه بمطعمه وشربه

أتت لزيارتي من غير وعدٍ

وكم من زائرٍ لا مرحبا به

وقول ناصر الدين حسن بن النقيب:

أقول لنوبة الحمى اتركيني

ولا يك منك لي ما عشت أوبه

فقالت: كيف يمكن ترك هذا

وهل يبقى الأمير بغير نوبه

وقد ظرف مجير الدين محمد بن تميم في قوله، وقد حم النور الإسعردي:

أخفوا شماتتهم لديّ وأقبلوا

في زي مقروح الفؤاد كليم

قالوا بأنّ النّور حمّ فقلت لا

يس حول النّور من حم

هكذا تكون مقاصد أهل الأدب وتورياتهم وأوصافهم، ليس كما قال ابن الأثير الأدوية في علاجها ليست أدوية.

وأقوال الناس في المليح المحموم مشهورة فلا حاجة إلى ذكرها. وكنت في وقت قد كتبت إلى بعض الأصحاب كتابا أشكو فيه الحمى. من ذلك: وينهي لا بل يشكو حاله التي ليس له منها بدل، وآلامه التي كلمت أعضاءه فلا يطيق جلده قطع ذاك الجدل، وحماه التي يلدغه منها عقرب وترميه قوس فليت جسمه مع ذلك حمل، واتصال رشح عرقه الذي لا يقال مع بحره سآوي من الصبر الجميل إلى جبل، فأين قولهم لقيت منها عرق القربة، ممن لقي منها غرق الكربة.

ص: 80