الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا ما فارقتني غسّلتني
…
كأنّا عاكفان على حرام
ويعجز المملوك عن وصف ما حصل لرأسه من الصداع ولجسمه من الصدوع، ولآماله المعلقة من القطع ولحظه من القطوع.
ثم قال من فصل كتاب إلى ديوان الخلافة يتضمن فتوح بلد من الكفار: والسائر بها فلان، وهو راوي أخبار نصرها التي صححتها في تجريح الرجال، وعوالي إسنادها مأخوذة من طرق العوال، والليالي والأيام لها رواة فما الظن برواية الأيام والليال.
أقول: هذا الفصل ختم به الكتاب الذي عارض به القاضي الفاضل في فتح القدس. وقد أورده هنا أيضاً وادعى فيه هذه الدعوى، وأذكرني هنا بقول مجير الدين محمد بن تميم:
إني لأعجب في الوغى من فارسٍ
…
حارت دقائق فكرتي في كنهه
أدى الشهادة لي بأني فارس اله
…
يجاء حين جرحته في وجهه
وهو مأخوذ من قول ابن الساعاتي:
وكائن سقى جيشا كؤوس حمامه
…
دهاقا وأطراف العوالي مجاديح
فيا سيفه حزت العدالة في العدى
…
وما شاهدٌ إلاّ له بك تجريح
وما أحلى قول القاضي الفاضل: وعرف المملوك ركوب مولانا الملك الأفضل في القلب ولقد سخا السلطان على القلب بقلبه، وأبرزه حاسرا لحربه، وهذا الموقف نص صحيح على السلطنة، وهو نص مطلق كان السيف فيه القاضي والنصر البينة، عرس به الإسلام وكان النثار دنانير غرر الصواهل، والتحايا رياحين أطراف الذوابل، فهو أعز الله نصره السابق ولادا وجهادا، ولقد ولد أبوه والدا وولد الآباء أولادا، والحمد لله الذي أنجد الإسلام منه ومن سيفه بعلي وذي الفقار وبعمر وفي يده سيف عمار.
الذي يتعلق بهذا الموطن السجعتان الأوليان، ولكن القلم استلذ هذا النغم وقال: معذور من امتلا، وغب كؤوس الطلا.
الأحاجي والمغالطات في مقامات الحريري
ثم قال في النوع الحادي والعشرين في الأحاجي: وكذلك فعل الحريري في مقاماته، فإنه ذكر الأحاجي التي جعلها على حكم الفتاوى كناية ومغالطةً، وظن أنهما من الأحاجي الملغزة كقوله: أيحل للصائم أن يأكل نهارا. ثم إن ابن الأثير أخذ يستدل على أن ذلك من باب المغالطات المعنوية.
وأقول على أني ما أدري ما أقول، هذا الرجل رحمه الله تعالى يتصور شيئاً ويلزم الناس به، ويرميهم بمساوئه ولم يكونوا أرادوه ولا قالوه.
والمقامات فكتاب اشتهر وحفظ، ودرس وما اندرس، وهذه المسائل التي أشار إليها قد أودعها الحريري رحمه الله تعالى المقامة الثانية والثلاثين. وهي مائة فتيا، وسردها مرتبة على تبويب الفقه، ولم يسم ذلك أحجية ولا لغزا. بل قال عند ذكرها: فصمد له فتىً فتيق اللسان، جري الجنان وقال: إني حاضرت فقهاء الدنيا، وانتحلت منهم مائة فتيا. فإن كنت ممن يرغب عن بنات غير، ويرغب منا في مير، فاستمع وأجب، لتقابل بما يجب. فقال: الله أكبر، سيبين المخبر، وينكشف المضمر، فاصدع بما تؤمر.
قال: ما تقول فيمن توضأ ثم لمس ظهر نعله؟ قال: انتفض وضوءه بفعله حتى فرغ من ذلك، ولم يقل أحجية ولا لغزا ولا كناية ولا مغالطة.
وأما في مقدمة الكتاب فإنه قال: ورصعته فيها من الأمثال العربية، واللطائف الأدبية، والأحاجي النحوية، والفتاوى اللغوية فذكرها في المقدمة وفي المقامة التي اختصت بها أنها فتاوى.
ولابن فارس كتاب سماه فتاوى اللغة ومنه استمد الحريري؛ فأي حرج على الحريري إذا سمى ذلك فتاوى.
الفرق بين الإلغاز والوصف
أمثلة من وصف السفن
قال: وعلى هذا الأسلوب ورد قول أبي الطيب في السفن:
وحشاه عاديةً بغير قوائمٍ
…
عقم البطون حوالك الأبدان
تأتي بما سبت الخيول كأنّها
…
تحت الحسان مرابض الغزلان
أقول: قد عد هذين من الإلغاز، وليسا من ذلك في شيء، بل هما من باب الأوصاف، لأن اللغز من شرطه أن لا يذكر الملغز به صريحا في الكلام، وهذا يخالف ذلك لأن أبا الطيب قال قبلهما:
فتل الحبال من الغدائر فوقه
…
وبنى السّفين له من الصلبان
وهذا تصريح. فهما من باب الأوصاف لا من باب الألغاز.
وانظر إلى قول السراج الوراق يلغز في المركب:
وما هو شيءٌ علينا كبير
…
ومقصودنا منه شيءٌ يسير
غدا واحدا وهو جمعٌ كما
…
أتانا بذاك الكتاب المنير
أما الأول، فهو ظاهر على ما فيه من التورية. وأما الثاني، فإنه قد نص أئمة اللغة على أن الفلك لفظ يستوي فيه المفرد والجمع.
وقد نظمت أنا لغزا في السفينة فقلت:
وجاريةٍ حلّ لي وطؤها
…
ولم يك في ذاك ما يمنع
ويا عجبا ما أتت ريبةً
…
وألزمها أنّها تقلع
فقول السراج وقولي من باب اللغز، لأنا لم نصرح بلفظ المركب ولا السفينة، وأما المتنبي، فإنه صرح بذكر السفين فخرج من هذا الباب، وهو من باب الأوصاف.
وكذا قول مجير الدين محمد بن تميم:
عجبت للبحر لمّا أن رأيت به
…
تلك الصّواري وقد أربت على الحبك
أظنّها لم تطل إلاّ وقد وليت
…
حمل الرّسائل بين الفُلك والفلك
وقول أيضاً مضمنا:
ولما ركبنا الفلك والبحر قد طمى
…
وهاج علينا موجه المتلاطم
تمشّت لنا في لجّةٍ ببطونها
…
كما تتمشّى في الصّعيد الأراقم
وابن قلاقس الإسكندري ممن أجاد أوصاف السفن في عدة قصائد. من ذلك قوله وقد ذكر البحر:
ترى المواخر تجري في زواخره
…
فترتقي في أعاليه وتنحدر
من كلّ سوداء مثل الخال يحملها
…
بوجنةٍ منه فيها للضّحى خفر
وقوله أيضاً من قصيدة:
وقد رأيت به الأشراط قائمةً
…
لأن أمواجه تجري بأطواد
تعلو فلولا كتاب الله صحّ لنا
…
أن السّماوات منها ذات أعماد
ونحن في منزلٍ يسري بساكنه
…
فاسمع حديث مقيمٍ بيته غادٍ
أبيت إن بتّ ومنه في مصوّرةٍ
…
من ضيق لحدٍ ومن إظلام إلحاد
لا يستقر لنا جنبٌ بمضجعه
…
كأنّ حالاتنا حالات عبّاد
وله أشياء غير هذه، أضربت عنها خوف الإطالة.
وما أحلى قول أبي الحسين الجزار:
كنت في كلكّةٍ تطير بقلعٍ
…
وهي طورا على المنايا تحوم
أنظر الموج حولها فإخال ال
…
جيم تاءً لخيفتي وهي جيم
لم أجد لي فيها صديقا حميما
…
غير أنّي بالماء فيها حميم
وإذا ما دنت إلى البرّ أمسى
…
عندنا منه مقعد ومقيم
يسجد الجرف كلّما ركع المو
…
ج فدأبي هنالك التّسليم
وقبيح عليّ أن أشتكي بر
…
را وبحرا وأنت بر رحيم
وقال ابن الساعاتي وإن كان فيه بعض قلق:
ولمّا توسّطنا مدى النيل غدوةً
…
ظننت وقلب اليوم باللهو جذلان
عشاريّة إنسانا له الماء مقلةٌ
…
وليس لها إلا المجاذيف أجفان
وقد ذكر القاضي الفاضل رحمه الله المراكب في مواطن. منها قوله: ووافى الأسطول في خمسين غرابا طائرا من القلوع بأجنحته، كاسرا بمخالب أسلحته، فما وافى شملا إلا دعاه إلى الحين، وحقق ما يغري إليه من البين.
وقوله: فيملأها عليهم جواري في البحر كالأعلام، ومدنا في اللج سوائر كأنها الليالي مقلعات بالأيام، وتطلع علينا معاشر الإسلام آمالا، وتطلع على الكفار آجالا، مسومة تمدها ملائكة مسومة، ومعلمة تقدم حيازيمها إقدام حيزوم تحت الحزمة.
قال: وأحسن من ذلك وألطف قول بعضهم في الخلخال:
ومضروبٍ بلا جرمٍ
…
مليح اللّون معشوق
له قدّ الهلال على
…
مليح القدّ ممشوق
وأكثر ما يرى أبدا
…
على الأمشاط في السّوق
أقول: كذا وجدته في النسخة بالمثل ووقفت عليه أيضاً في كتاب: الإعجاز في الأحاجي والإلغاز للحظيري على هذه الصورة.
والأحسن أن يقال فيه: له شبه الهلال أو شكل الهلال أو طوق الهلال. فإن قد الهلال غير مناسب. ولكن هذا من قوله فيما تقدم في التفاح وعظم قده.
وقلت أنا ملغزا في الخلخال:
ما أصفرٌ دار على أبيضٍ
…
لان ولكن قلبه قاس
وربّ ساقٍ غصّ منه وما
…
أحسن هذا الوصف في النّاس
وقلت فيه أيضاً:
أيا عجبا من صابرٍ صامتٍ ولم
…
يفه بكلام قطّ في ساعة الضّرب