الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
* * *
* * *
والحمد لله الذي أرسلَ رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهُدَى ودِينِ
الحقِّ ليُظْهِرَه عَلَى الدِّين كُلِّه وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْركونَ. {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
* * *
اللَّهُمّ إِنّا نبرأُ إليك من كُلِّ حَوْلٍ وقوَّةٍ، ونستَعينك ونَسْتَهديك، ونعوذُ برضاكَ من غَضَبِك، فاغفر لَنا وارْحَمنا وتبْ علينا إنّك أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيم. ربَّنا وَلا تجعلنَا من الذين فرَّقُوا دِينَهم وَكانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون.
* * *
اللهُمَّ اجعلنا مسلمِينَ لك، وَافِين لك بالميثاق الذي أخذتَ علينا: أن نكون قوّامين بالقِسْط شُهَداءَ على الناس، اللهُمَّ اهدنا صراطَك المستقيم، صراطَ الذين أنعمت عليهم من النبيّين والصِّدِّيقين والشُّهَداء، الذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا، وعلموا أنك أنت الجبّارُ الذي خَضَعتْ لجَبرُوتِه الجبَابرة، والعزيزُ الذي ذلّتْ لعزَّته الملوكُ الأعِزَّة، وخَشَعت لمهَابة سَطْوتِه ذوُو المهابة، فلم يُرهِبْهم بغيُ باغٍ ولا ظُلْم سفّاحٍ ظالم:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} {وَلا تحْسَبَنَّ اللَّهَ
غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}
* * *
اللهُم اغفر لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، وتغمّده برحمتك، واجعله من السابقين المقرَّبين في جنّات النعيم، فقد كان - ما عَلِمْنا- من الذين بَيَّنوا كتابَك للناس ولم يكتموه، ولم يشتَرُوا به ثَمَنًا قليلا من مَتاع هذه الحياةِ الدنيا؛ ومن الذين أدَّوْا ما لزمهم من حقِّك، وذادُوا عن سنة نبِّيك؛ ومن الذين ورَّثوا الخلَفَ من بعدهم علم ما عَلموا، وحَمَّلوهم أمانةَ ما حَمَلوا، وخلعُوا لك الأندادَ، وكفَروا بالطاغوتِ، ونَضَحوا عن دينك، وذبُّوا عن شريعتك، وأفضَوْا إليك ربَّنا وهمْ بميثاقك آخذون، وعلى عهدك محافظون، يرجون رَحْمتَك ويخافُون عذابَك. فاعفُ اللهمّ عنا وعنهم، واغفر لنَا ولهم، وارحمنا وارحمهم، أنت مولانَا فانصرنَا على القومِ الكافرين.
* * *
كان أبو جعفر رضي الله عنه يقول: "إِنّي لأعجبُ مَمنْ قرأ القرآن ولم يعلَم تأويلَه، كيف يلتذُّ بقراءته؟ ". ومنذ هداني الله إلى الاشتغال بطلب العلم، وأنا أصاحب أبا جعفر في كتابيه: كتاب التفسير، وكتاب التاريخ. فقرأتُ تفسيره صغيرًا وكبيرًا، وما قرأتُه مرَّةً إلا وأنا أسمعُ صوته يتخطّى إليّ القرون: إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله، كيف يلتذُّ بقراءته؟ فكنتُ أجدُ في تفسيره مصداقَ قوله رضي الله عنه.
بيد أني كنتُ أجدُ من المشقّة في قراءتِه ما أجد.
كان يستوقفني في القراءةِ، كثرةُ الفُصُول في عبارته، وتباعُد أطراف الجُمَل. فلا يسلم لي المعنى حتى أعيد قراءة الفقرة منه مرتين أو ثلاثًا. وكان سبب ذلك أنّنا ألفنَا نهجًا من العبارة غيرَ الذي انتهج أبو جعفر، ولكن تبيَّن لي أيضًا أن قليلا من الترقيم في الكتابِ، خليقٌ أن يجعَل عبارته أبينَ. فلما فعلتُ ذلك في أنحاءٍ متفرقة من نسختي، وعدتُ بعدُ إلى قراءتِها، وجدتُها قد ذهب عنها ما كنت أجد من المشقّة. ولما راجعتُ كتب التفسير، وجدتُ بعضَهم ينقلُ عَنْه، فينسبُ إليه ما لم أجده في كتابه، فتبيَّنَ لي أن سبب ذلك هو هذه الجمل التي شقّت عليَّ قراءتها. يقرؤها القارئ، فربّما أخطأ مُرادَ أبي جعفرٍ، وربَّما أصابَ. فتمنَّيت يومئذٍ أن ينشر هذا الكتاب الجليلُ نشرةً صحيحة محقّقة مرقّمةً، حتى تسهُل قراءتُها على طالب العلم، وحتى تجنّبه كثيرًا من الزَّلل في فهم مُرَاد أبي جعفر.
ولكنْ تبيَّن لي على الزمن أن ما طبع من تفسير أبي جعفر، كانَ فيه خطأ كثير وتصحيفٌ وتحريف، ولما راجعتُ التفاسير القديمة التي تنقلُ عَنْه، وجدتُهم يتخطّونَ بعض هذه العبارات المصحفة أو المحرفة، فعلمتُ أن التصحيف قديم في النسخ المخطوطة. ولا غرو، فهو كتابٌ ضخْمٌ لَا يكادُ يسلُم كلّ الصواب لناسخه. وكان للذين طبعوه عذرٌ قائمٌ، وهو سقم مخطوطاته التي سلمت من الضياع، وضخامة الكتاب، واحتياجه إلى مراجعة مئات من الكتب، مع الصبْر على المشقة والبَصَر بمواضع
الخَلَل. فأضمرتُ في نَفْسي أن أنشُر هذا الكتابَ، حتى أؤدّي بعض حقِّ الله عليَّ، وأشكرُ به نعمةً أنالُها - أنَا لَهَا غيرُ مستحقّ - من ربٍ لَا يؤدّي عبدٌ من عباده شكرَ نعمة ماضيةٍ من نعمه، إلا بنعْمة منه حادثةٍ توجِب عليه أن يؤدّي شكرها، هي إقدارُه على شكر النعمة التي سلفت؛ كما قال الشافعي رضي الله عنه.
وتصرَّم الزَّمن، وتفانت الأيّامُ، وأنا مستهلَكٌ فيما لَا يُغْني عنّي شيئًا يوم يقوم الناس لربّ العالمين. حتَّى أيقظَنِي عدوانُ العادِين، وظُلْم الظّالمين، وطغيانُ الجبابرة المتكبّرين، فعقدت العزمَ على طبع هذا التفسير الإمامِ، أتقرَّبُ به إلى ربِّ العالمين، ملك يوم الدين.
وأفضيتُ بما في نفسي إلى أخي الأكبر السيد أحمد محمد شاكر - أطال الله بقاءه، وأقبسني من علمه- فرأى أن تنشره "دار المعارف"، باكورةَ أعمالها في نشر (تُراث الإسلام) . ولم يمض إلا قليل حتى أعدَّت الدار عُدّتها لنشر هذا الكتاب الضخم، مشكورةً على ما بذلته في إحياء الكتاب العربيّ.
وكنت أحبُّ أن يكون العمل في نشر هذا الكتاب مشاركة بيني وبين أخي في كلّ صغيرةٍ وكبيرة، ولكن حالت دون ذلك كثرة عمله. وليتَه فَعَل، حتى أستفيد من علمهِ وهدايته، وأتجنّبَ ما أخاف من الخطإ والزلل، في كتابٍ قال فيه أبو عمر الزاهد، غلام ثعلب:"قابلتُ هذا الكتاب من أوّله إلى آخره، فما وجدتُ فيه حرفًا خطأً في نحو أو لغة". وأنَّى لمثلي أن يحقّق كلمة أبي عمر في كتاب أبي جعفر!
(القولُ في البيانِ عن اتفاق معاني آي القرآن
، ومعاني منطِق مَنْ نزل بلسانه القرآن من وَجْه البيان -والدّلالة على أن ذلك من الله تعالى ذكره هو الحكمة البالغة- مع الإبانةِ عن فضْل المعنَى الذي به بَايَن القرآنُ سائرَ الكلام)
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ، رحمه الله:
إن من أعظم نعم الله تعالى ذكره على عباده، وجسيم مِنَّته على خلقه، ما منحهم من فَضْل البيان الذي به عن ضمائر صُدورهم يُبينون، وبه على عزائم نفوسهم يَدُلّون، فذَلَّل به منهم الألسن (1) وسهَّل به عليهم المستصعب. فبِهِ إياه يُوَحِّدون، وإيَّاه به يسَبِّحون ويقدِّسون، وإلى حاجاتهم به يتوصّلون، وبه بينهم يتَحاورُون، فيتعارفون ويتعاملون.
ثم جعلهم، جلّ ذكره -فيما منحهم من ذلك- طبقاتٍ، ورفع بعضهم فوق بعض درجاتٍ: فبَيْنَ خطيب مسْهِب، وذَلِقِ اللسان مُهْذِب، ومفْحَمٍ (2) عن نفسه لا يُبين، وَعىٍّ عن ضمير قلبه لا يعبَر. وجعل أعلاهم فيه رُتبة، وأرفعهم فيه درجةً، أبلغَهم فيما أرادَ به بَلاغًا، وأبينَهم عن نفسه به بيانَا. ثم عرّفهم في تنزيله ومحكم آيِ كتابه فضلَ ما حباهم به من البيان، على من
(1) ذلل الشيء: لينه وسهله ونفى عنه جفوته وصعوبته.
(2)
أسهب الرجل: أكثر الكلام، فإذا أكثر الكلام في خطأ قالوا: رجل مسهب (بفتح الهاء)، وإذا أكثر وأصاب فهو مسهب (بكسر الهاء) . وذلق اللسان: فصيح طليق لا يتوقف. وقوله "مهذب": من أهذب الطائر في طيرانه، والفرس في عدوه، والمتكلم في كلامه: أسرع وتابع، وفي حديث أبي ذر "فجعل يهذبُ الركوع" أي يسرع فيه ويتابعه. يقال: كلمنى فلان فأفحمته: أسكته فلم يطق جوابًا وانقطع، فهو مفحم. وفي المطبوعة "ومعجم عن نفسه.."
فضّلهم به عليه من ذى البَكَم والمُستَعْجِم اللسان (1) فقال تعالى ذكرُه: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [سورة الزخرف: 18] . فقد وَضَحَ إذا لذوي الأفهام، وتبين لأولي الألباب، أنّ فضلَ أهل البيان على أهل البَكَم والمستعجمِ اللسان، بفضل اقتدار هذا من نفسه على إبانة ما أراد إبانته عن نفسه ببيانه، واستعجام لسان هذا عما حاول إبانته بلسانه.
فإذْ كان ذلك كذلك -وكان المعنى الذي به باينَ الفاضلُ المفضولَ في ذلك، فصار به فاضلا والآخرُ مفضولا هو ما وصفنا من فضْل إبانة ذى البيان، عما قصّر عنه المستعجمُ اللسان، وكان ذلك مختلفَ الأقدار، متفاوتَ الغايات والنهايات- فلا شك أن أعلى منازل البيان درجةً، وأسنى مراتبه مرتبةً، أبلغُه في حاجة المُبِين عن نفسه، وأبينُه عن مراد قائله، وأقربُه من فهم سامعه. فإن تجاوز ذلك المقدار، وارتفع عن وُسْع الأنام، وعجز عن أن يأتي بمثله جميعُ العباد، كان حجةً وعَلَمًا لرسل الواحد القهار -كما كان حجةً وعَلَمًا لها إحياءُ الموتى وإبراءُ الأبرص وذوي العمى، بارتفاع ذلك عن مقادير أعلى منازل طبّ المتطببين (2) وأرفع مراتب عِلاج المعالجين، إلى ما يعجز عنه جميع العالَمِين. وكالذي كان لها حجةً وعَلَمًا قطعُ مسافة شهرين في الليلة الواحدة، بارتفاع ذلك عن وُسع الأنام، وتعذّر مثله على جميع العباد، وإن كانوا على قطع القليل من المسافة قادرين، ولليسير منه فاعلين.
فإذْ كان ما وصفْنا من ذلك كالذي وصفْنا، فبيّنٌ أنْ لا بيان أبْيَنُ، ولا حكمة أبلغُ، ولا منطقَ أعلى، ولا كلامَ أشرفُ- من بيان ومنطق تحدّى به
(1) كل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. استعجمت عليه قراءته: التبست عليه فلم يتهيأ له أن يمضي فيها، فسكت وانقطع عن القراءة.
(2)
مقادير: جمع مقدار، وهو القوة، ومثله القدر والقدرة والمقدرة.
امرؤ قومًا في زمان هم فيه رؤساء صناعة الخطب والبلاغة، وقيلِ الشعرِ والفصَاحة، والسجع والكهانة، على كل خطيب منهم وبليغ (1) وشاعر منهم وفصيح، وكلّ ذي سجع وكهانة -فسفَّه أحلامهم، وقصَّر بعقولهم (2) وتبرأ من دينهم، ودعا جميعهم إلى اتباعه والقبول منه والتصديق به، والإقرار بأنه رسولٌ إليهم من ربهم. وأخبرهم أن دلالته على صدْق مقالته، وحجَّتَه على حقيقة نبوّته- ما أتاهم به من البيان، والحكمة والفرقان، بلسان مثل ألسنتهم، ومنطق موافقةٍ معانيه معانيَ منطقهم. ثم أنبأ جميعهم أنهم عن أن يأتوا بمثل بعضه عَجَزَة، ومن القدرة عليه نقَصَةٌ. فأقرّ جميعُهم بالعجز، وأذعنوا له بالتصديق، وشهدوا على أنفسهم بالنقص. إلا من تجاهل منهم وتعامى، واستكبر وتعاشى، فحاول تكلُّف ما قد علم أنه عنه عاجز، ورام ما قد تيقن أنه عليه غير قادر. فأبدى من ضعف عقله ما كان مستترًا، ومن عِيّ لسانه ما كان مصُونًا، فأتى بما لا يعجِزُ عنه الضعيف الأخرق، والجاهل الأحمق، فقال:"والطاحنات طحنًا، والعاجنات عجنًا، فالخابزات خبزًا، والثاردات ثَرْدًا، واللاقمات لَقْمًا"! (3) ونحو ذلك من الحماقات المشبهةِ دعواه الكاذبة.
فإذْ كان تفاضُلُ مراتب البيان، وتبايُنُ منازل درجات الكلام، بما وصفنا قبل -وكان الله تعالى ذكرُه وتقدست أسماؤه، أحكمَ الحكماء، وأحلمَ الحلماء،
(1) في المطبوعة: "كل خطيب .. " بحذف "على"، وفي المخطوطة "على خطيب .. " بحذف "كل". وكلتاهما لا يستقيم بها كلام. والصواب ما أثبتناه. وأراد الطبري أنهم رؤساء صناعة الخطب والبلاغة
…
على كل خطيب منهم وبليغ". يعني أن الذين تحداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن من العرب، كانوا رؤساء البيان والبلاغة على كل مبين وبليغ من سائر العرب.
(2)
سفه أحلامهم: نسبهم إلى السفه، وهو خفة الحلم واضطراب الرأي وضعفه، وهو باب من الجهل. وفي المطبوعة:"وقصر معقولهم" والمعقول مصدر كالعقل، يقال: ما لفلان معقول، أي ما له عقل. وكأنه أراد بقوله "قصر": نسبهم إلى قصر العقل وقلته. وأما قوله "قصر بعقولهم"، فكأنه ضمن "قصر" معنى استخف بها، فعداه بالباء، أي عاب عقولهم واستقصرها واستخف بها. وأنا في شك من صواب هذا الحرف.
(3)
من هذيان مسيلمة الكذاب لعنه الله. انظر تاريخ الطبري 3: 245 وسواه.
- كان معلومًا أن أبينَ البيان بيانُه، وأفضلَ الكلام كلامه، وأن قدرَ فضْل بيانه، جلّ ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
فإذْ كان كذلك -وكان غيرَ مبين منّا عن نفسه مَنْ خاطبَ غيره بما لا يفهمه عنه المخاطب- كان معلومًا أنه غير جائز أن يخاطبَ جل ذكره أحدٌا من خلقه إلا بما يفهمه المخاطَبُ، ولا يرسلَ إلى أحد منهم رسولا برسالة إلا بلسانٍ وبيانٍ يفهمه المرسَلُ إليه. لأن المخاطب والمرسَلَ إليه، إن لم يفهم ما خوطب به وأرسل به إليه، فحالهُ -قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعدَه- سواءٌ، إذ لم يفدْه الخطابُ والرسالةُ شيئًا كان به قبل ذلك جاهلا. والله جل ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطابًا أو يرسل رسالةً لا توجب فائدة لمن خُوطب أو أرسلت إليه، لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث، والله تعالى عن ذلك مُتَعالٍ. ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [سورة إبراهيم: 4] . وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل: 64] . فغير جائز أن يكونَ به مهتديًا، منْ كانَ بما يُهْدَى إليه جاهلا.
فقد تبين إذًا -بما عليه دللنا من الدِّلالة- أن كلّ رسول لله جل ثناؤه أرسله إلى قوم، فإنما أرسله بلسان من أرسله إليه، وكلّ كتاب أنزله على نبي، ورسالة أرسلها إلى أمة، فإنما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليه. فاتضح بما قلنا ووصفنا، أن كتاب الله الذي أنزله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم. وإذْ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيًّا، فبيِّنٌ أن القرآن عربيٌّ. وبذلك أيضًا نطق محكم تنزيل ربنا، فقال جل ذكره:{إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة يوسف: 2] . وقال: {وَإِنَّهُ
لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [سورة الشعراء: 192-195] .
وإذْ كانت واضحةً صحةُ ما قلنا -بما عليه استشهدنا من الشواهد، ودللنا عليه من الدلائل- فالواجبُ أن تكون معاني كتاب الله المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لمعاني كلام العرب موافقةً، وظاهرُه لظاهر كلامها ملائمًا، وإن باينه كتابُ الله بالفضيلة التي فضَلَ بها سائرَ الكلام والبيان، بما قد تقدّم وَصْفُنَاهُ.
فإذْ كان ذلك كذلك، فبيِّن -إذْ كان موجودًا في كلام العرب الإيجازُ والاختصارُ، والاجتزاءُ بالإخفاء من الإظهار، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمالُ الإطالة والإكثار، والترداد والتكرار، وإظهارُ المعاني بالأسماء دون الكناية عنها، والإسرار في بعض الأوقات، والخبرُ عن الخاصّ في المراد بالعامّ الظاهر، وعن العامّ في المراد بالخاصّ الظاهر، وعن الكناية والمرادُ منه المصرَّح، وعن الصفة والمرادُ الموصوف، وعن الموصوف والمرادُ الصفة، وتقديمُ ما هو في المعنى مؤخر، وتأخيرُ ما هو في المعنى مقدّم، والاكتفاءُ ببعض من بعض، وبما يظهر عما يحذف، وإظهارُ ما حظه الحذف- (1) أن يكون ما في كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك، في كلّ ذلك له نظيرًا، وله مِثْلا وشبيهًا.
ونحن مُبَيِّنو جميع ذلك في أماكنه، إن شاء الله ذلك وأمدّ منه بعونٍ وقوّة.
(1) قوله: "أن يكون.." مبتدأ قوله "فبين"، وما بينهما اعتراض طويل؛ وهذا دأب الطبري أبدًا، حتى كأنه لم يكن يخشى على قارئ أن يسوء فهمه أو تكل فطنته.
وقال آخرون بما:-
842-
حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثني عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه.
843-
وحدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) قال: كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون، فعيرهم الله.
844-
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا الحجاج، قال: قال ابن جريج: (أتأمرون الناس بالبر) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس، فعيرهم الله بذلك، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة.
* * *
وقال آخرون بما:-
845-
حدثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء، أمروه بالحق. فقال الله لهم:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)(1)
846-
وحدثني علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم الجَرْمي، قال: حدثنا مخلد بن الحسين، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، في قول الله:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب) قال: قال أبو الدرداء: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا. (2)
* * *
(1) الأثر: 845 - في ابن كثير 1: 154، وفيه"إذا جاء الرجل سألهم عن الشيء ليس فيه. . . " وفي المخطوطة:"يسألهم ليس فيه".
(2)
الخبر: 846 - نقله ابن كثير 1: 154 عن هذا الموضع. وذكره السيوطي 1: 64، ونسبه أيضًا لعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والبيهقي في الأسماء والصفات، وقلده الشوكاني 1:65. وقد رواه البيهقي ص: 210، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، به نحوه. و"مسلم الجرمي": وقع في ابن كثير في هذا الموضع"أسلم"، وهو خطأ مطيعي. ووقع فيه وفي نسخ الطبري"الحرمي"، بالحاء. وقد رجحنا في ترجمته - فيما مضى: 154 أنه بالجيم. وذكرنا مصادر ترجمته هناك، ونزيد هنا أنه ترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4 / 1 /188، ووصفه بأنه"من الغزاة". وشيخه"مخلد بن الحسين" - بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة: ثقة معروف، قال ابن سعد:"كان ثقة فاضلا" وقال أبو داود: "كان أعقل أهل زمانه". وأبو قلابة: هو عبد الله ابن زيد الجرمي، أحد الأعلام من ثقات التابعين، وأرى أن روايته عن أبي الدرداء مرسلة، فإن أبا الدرداء مات سنة 32، وأبو قلابة متأخر الوفاة، مات سنة 104، وقيل:107.
قال أبو جعفر: وجميع الذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى; لأنهم وإن اختلفوا في صفة"البر" الذي كان القوم يأمرون به غيرهم، الذين وصفهم الله بما وصفهم به، فهم متفقون في أنهم كانوا يأمرون الناس بما لله فيه رضا من القول أو العمل، ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم.
فالتأويل الذي يدل على صحته ظاهر التلاوة إذا: أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه؟ فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم؟ معيرهم بذلك، ومقبحا إليهم ما أتوا به. (1)
* * *
ومعنى"نسيانهم أنفسهم" في هذا الموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)[التوبة: 67] بمعنى: تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (تتلون) : تدرسون وتقرءون. كما:-
847-
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس:(وأنتم تتلون الكتاب) ،
(1) في المطبوعة: "ومقبحا إليهم".
يقول: تدرسون الكتاب بذلك. ويعني بالكتاب: التوراة. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى {أَفَلا تَعْقِلُونَ (44) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (أفلا تعقلون)(2) أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربكم التي تأمرون الناس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتم راكبوها، وأنتم تعلمون أن الذي عليكم من حق الله وطاعته، واتباع محمد والإيمان به وبما جاء به، (3) مثل الذي على من تأمرونه باتباعه. كما:
848-
حدثنا به محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس:(أفلا تعقلون) يقول: أفلا تفهمون؟ فنهاهم عن هذا الخلق القبيح. (4)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا يدل على صحة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يقولون: هو مبعوث إلى غيرنا! كما ذكرنا قبل. (5)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (واستعينوا بالصبر) : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم -من طاعتي واتباع أمري، وترك ما تهوونه
(1) الخبر: 847 - في الدر المنثور 1: 64، وتتمته في الخبر الآتي إلا قوله:"ويعني بالكتاب التوراة" وأخشى أن تكون من كلام الطبري.
(2)
في المخطوطة: "يعني بذلك أفلا تفقهون". . .
(3)
في المطبوعة: "في اتباع محمد. . . ".
(4)
الخبر: 848 - من تتمة الأثر السالف. وفي المطبوعة: "فنهاهم".
(5)
انظر ما مضى رقم: 840 - 841.
من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري، واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر عليه والصلاة.
* * *
وقد قيل: إن معنى"الصبر" في هذا الموضع: الصوم، و"الصوم" بعض معاني"الصبر". وتأويل من تأول ذلك عندنا (1) أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله، وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس محابَّها، وكفها عن هواها; ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر، لكفه نفسه عن الجزع; وقيل لشهر رمضان"شهر الصبر"، لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارا، (2) وصبره إياهم عن ذلك:(3) حبسه لهم، وكفه إياهم عنه، كما تصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله. (4) ولذلك قيل: قتل فلان فلانا صبرا، يعني به: حبسه عليه حتى قتله، فالمقتول"مصبور"، والقاتل"صابر".
* * *
وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى. (5)
* * *
فإن قال لنا قائل: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة، فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله، وترك معاصيه، والتعري عن الرياسة، وترك الدنيا؟ قيل: إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله، الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر
(1) في المطبوعة: ". . . بعض معاني الصبر عندنا بل تأويل ذلك عندنا. . . " وفي المخطوطة: ". . . بعض معاني الصبر عند تأويل من تأول ذلك عندنا. . . " وكأن الصواب ما أثبته.
(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "لصبره صائمة. . . "، ولكن الكلام لا يستقيم لاختلال الضمائر في الجملة التالية.
(3)
الضمير في قوله"وصبره" إلى شهر رمضان.
(4)
في المخطوطة والمطبوعة: "كما يصبر. . . فيحبسه. . . حتى يقتله" كله بالياء، والصواب ما أثبته.
(5)
انظر ما مضى: 1: 242 - 243.
نعيمها، المسلية النفوس عن زينتها وغرورها، المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها. ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها، كما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
849-
حدثني بذلك إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: حدثنا الحسين بن رتاق الهمداني، عن ابن جرير، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة، عن عبد العزيز بن اليمان، عن حذيفة قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة". (1)
850-
وحدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا خلف بن الوليد الأزدي، قال: حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة، قال حذيفة:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى". (2) .
851-
(1) الحديث: 849 -"الحسين بن رتاق الهمداني": هكذا ثبت في المطبوعة. ولم أجد راويا بهذا الاسم ولا ما يشبهه، فيما لدى من المراجع، وفي المخطوطة"الحسين بن زياد الهمداني" - ولم أجد في الرواة من يسمى"الحسين بن زياد" إلا اثنين، لم ينسب واحد منهما همدانيا، ولا يصلح واحد منهما في هذا الإسناد: أحدهما: "حسين بن زياد"، دون وصف آخر، ترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 / 387 برقم: 2881، وذكر أنه يروي عن عكرمة، ويروي عنه جرير بن حازم، وجرير مات سنة 175 فهذا قديم جدا، لا يدركه إسماعيل بن موسى الفزاري المتوفي سنة 245. والثاني"حسين ابن زياد أبو علي المروزي" ترجمه البخاري عقب ذاك، وذكر أنه مات سنة 220. فهذا متأخر عن أن يدرك الرواية عن ابن جريج المتوفى سنة 150. وعكرمة بن عمار: هو العجلي اليمامي. وفي المخطوطة"عكرمة عن عمار". وهو خطأ. والحديث سيأتي عقب هذا بإسناد آخر صحيح.
(2)
الحديث: 850 - هو الذي قبله بمعناه:"خلف بن الوليد": هو أبو الوليد العتكي الجوهري، و"العتكي": نسبة إلى"العتيك"، بطن من الأزد. وهو من شيوخ أحمد الثقات. يحيى ابن زكريا: هو ابن أبي زائدة. محمد بن عبد الله الدؤلي: هو"محمد بن عبيد أبو قدامة" الذي في الإسناد السابق. ووقع في الأصول هنا"محمد بن عبيد بن أبي قدامة". وهو خطأ. بل"أبو قدامة" كنية"محمد بن عبيد". وقد حققنا ترجمته في شرح حديث آخر في المسند: 6548، ورجحنا أن ابن أبي زائدة أخطأ في اسمه، فسماه"محمد بن عبد الله". والحديث رواه أحمد في المسند 5: 388 (حلبي) عن إسماعيل بن عمر، وخلف بن الوليد، كلاهما عن يحيى بن زكريا. ورواه أبو داود: 1319، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن زكريا - بهذا الإسناد. وأشار إليه البخاري في الكبير 1 /1 172، في ترجمة"محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي"، قال:"وقال النضر عن عكرمة، عن محمد بن عبيد أبي قدامة، سمع عبد العزيز أخا حذيفة، عن حذيفة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. وقال ابن أبي زائدة: عن عكرمة عن محمد ابن عبد الله الدؤلي". و"النضر" الذي يشير إليه البخاري: هو النضر بن محمد الجريشي اليمامي. و"عبد العزيز بن اليمان": هو أخو حذيفة بن اليمان، كما صرح بنسبه في الرواية السابقة، وكما وصف بذلك في هذه الرواية، وفي روايتي المسند والبخاري في الكبير. وأما رواية أبي داود ففيها"عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة". وكذلك في رواية ابن منده، التي أشار إليها الحافظ في الإصابة 5:159. ورجح الحافظ في ذلك الموضع، وفي التهذيب 6: 364 - 365 أنه ابن أخي حذيفة، لا أخوه. ولكن أكثر الرواة ذكروا أنه أخوه، كما أشرنا، لم يخالفهم إلا"محمد بن عيسى" شيخ أبي داود - فيما رأيت. فلا أدري مم هذا الترجيح؟ بل الذي أراه ترجيح رواية الأكثر، ومنهم"النضر ابن محمد"، وكان مكثرا للرواية عن عكرمة بن عمار. وبذلك جزم ابن أبي حاتم في ترجمة"عبد العزيز بن اليمان" في كتاب الجرح والتعديل 2 /2 /399، لم يذكر خلافا ولا قولا آخر. والحديث ذكره أيضًا ابن كثير 1: 157 - 158 من روايات المسند وأبي داود والطبري ثم ذكر نحوه مطولا، من رواية محمد نصر المروزي في كتاب الصلاة.