المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

11- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١

[ابن جرير الطبري]

الفصل: 11- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان،

11-

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن إبراهيم الهَجَريّ، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

12-

حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله، قال: اختلفَ رجلان في سورةٍ، فقال هذا: أقرَأني النبي صلى الله عليه وسلم. وقال هذا: أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم. فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك، قال فتغير وجههُ، وعنده رجلٌ فقال: اقرأوا كما عُلِّمتم -فلا أدري أبشيء أمِرَ أم شيء ابتدعه من قِبَل نفسه- فإنما أهلك من كان قبلكم اختلافُهم على أنبيائهم. قال: فقام كلّ رجل منا وهو لا يقرأ على قراءة صاحبه. نحو هذا ومعناه (1)

13-

حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش -وحدثني أحمد بن منيع، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن الأعمش- عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال: قال عبد الله بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن، فقلنا: خمس وثلاثون أو ست وثلاثون آية. قال: فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدنا عليًّا يُنَاجِيه،

(1) الحديث 12- إسناده صحيح. وهو مختصر. ورواه أحمد في المسند مطولا رقم: 3981 عن يحيى بن آدم عن أبي بكر، وهو ابن عياش، بهذا الإسناد. ورواه من طرق أخرى مختصرًا أيضًا. ورواه الحاكم في المستدرك 2: 223- 244 بأطول مما هنا، بإسنادين: من طريق إسرائيل عن عاصم، ومن طريق أبي عوانة عن عاصم. وصححه ووافقه الذهبي. وذكره الحافظ في الفتح 9: 23، ونسبه لابن حبان والحاكم.

ص: 23

قال: فقلنا: إنا اختلفنا في القراءة. قال: فاحمرَّ وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنما هلكَ من كان قبلكم باختلافهم بينهم. قال: ثم أسرّ إلى عليّ شيئًا، فقال لنا علي: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُكم أن تقرأوا كما عُلِّمتم (1) .

14-

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن قرطاس، عن زيد القصار، عن زيد بن أرقم، قال: كنا معهُ في المسجد فحدثنا ساعة ثم قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود سورة، أقرأنيها زيدٌ وأقرأنيها أبيّ بن كعب، فاختلفت قراءتهم، فبقراءةِ أيِّهم آخُذُ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعليٌّ إلى جنبه، فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما عُلِّم، كلٌّ حسنٌ جميل (2) .

15-

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن المِسْوَر بن مَخْرمة وعبد الرحمن بن عبد القاريّ أخبراه: أنهما سمعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورةَ الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبَّرت حتى سلَّم، فلما سلّم

(1) الحديث 13- إسناداه صحيحان أيضًا، وهو رواية أخرى للحديث قبله. ولم نجده بهذا الإسناد واللفظ في موضع آخر.

(2)

الحديث 14- هذا حديث لا أصل له، رواه رجل كذاب، هو "عيسى بن قرطاس"، قال فيه ابن معين:"ضعيف ليس بشيء، لا يحل لأحد أن يروى عنه". وقال ابن حبان: "يروى الموضوعات عن الثقات، لا يحل الاحتجاج به". وقد اخترع هذا الكذاب شيخًا له روى عنه، وسماه "زيد القصار"! لم نجد لهذا الشيخ ترجمة ولا ذكرًا في شيء من المراجع. وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 153- 154، وقال:"رواه الطبراني، وفيه عيسى بن قرطاس، وهو متروك". ومن العجب أن يذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح 9:23، وينسبه للطبري والطبراني، ثم يسكت عن بيان علته وضعفه! غفر الله لنا وله.

ص: 24

لبَّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتُك تقرؤها؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقلت: كذبت، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتُك تقرؤها! فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقْرِئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان! قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلتْ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا عمر. فققرأتُ القراءة التي أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فققال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلتْ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منها (1) .

16-

حدثني أحمد بن منصور، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا حرب بن ثابت من بني سُلَيم، قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده، قال: قرأ رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فغيَّر عليه، فقال: لقد قرأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يغيِّر عليَّ. قال: فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: بلى! قال: فوقع في صدر عمرَ شيء، فعرف

(1) الحديث 15- رواه أحمد في المسند رقم: 296 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وهو ابن شهاب، بهذا الإسناد نحوه. ورواه أيضًا رقم: 297 عن الحكم بن نافع عن شعيب عن الزهري، به. ورواه بأسانيد أخر، مطولا ومختصرًا: 158، 277، 278، 2375. ورواه البخاري 9:21-23 من فتح الباري، مطولا بنحو مما هنا، من طريق الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب. ونقله ابن كثير في فضائل القرآن: 72 عن رواية البخاري، ثم ذكر أنه رواه أيضًا مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي، من طرق عن الزهري. وفي تيسير الوصول 1:190 "أخرجه الستة"، وفيه مكان "وتصبرت"، و "تربصت به" وقوله:"كدت أساوره" أي كدت أواثبه وأبطش به. وقوله "فتصبرت حتى سلم". موافق لرواية البخاري، وفي المسند:"فنظرت حتى سلم" أي انتظرت.

ص: 25

النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وجهه، قال: فضربَ صدره وقال: ابعَدْ شيطانًا -قالها ثلاثًا- ثم قال: يا عمرُ، إن القرآن كلَّه صواب، ما لم تجعلْ رحمةً عذابًا أو عذابا رحمةً (1) .

17-

حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي، قال: حدثنا عبد الله بن ميمون، قال: حدثنا عبيد الله (2) -يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقرأ القرآن، فسمع آية على غير ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به عمرُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هذا قرأ آية كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ (3) .

(1) الحديث 16- رواه أحمد في المسند (16437 ج 4 ص 30 طبعة الحلبي) عن عبد الصمد، وهو ابن عبد الوارث، بهذا الإسناد، نحوه. ونقله الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن: 73، وقال:"وهذا إسناد حسن. وحرب بن ثابت هذا يكنى بأبي ثابت، لا نعرف أحدًا جرحه". ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 150-151، وقال:"رواه أحمد، ورجاله ثقات". وذكره الحافظ في الفتح 9: 22-23، ونسبه للطبري فقط، فقصر إذ لم ينسبه للمسند.

وإسناده يحتاج إلى بحث:

فأولا- "حرب بن ثابت": ثبت في نسخ الطبري هنا "حرب بن أبي ثابت"، وهو خطأ صرف من الناسخين. صوابه "حرب بن ثابت"، وهو "المنقري"، ترجمه البخاري في التاريخ الكبير: 2\ 1\ 58، قال:"حرب بن أبي حرب أبو ثابت، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، قاله عبد الصمد. وقال موسى: حدثنا حرب بن ثابت المنقري. يعد في البصريين".

وترجمه ابن حبان في الثقات 443-444، قال:"حرب بن ثابت المنقري، من أهل البصرة، يروي عن الحسن ومروان الأصفر، روى عنه عبد الصمد، كأنه: حرب بن أبي حرب الذي ذكرناه". وقد ذكر قبله ترجمة "حرب بن أبي حرب، يروي عن شريح، روى عنه حصين أبو حبيب".

والحافظ ابن حجر حين ترجم لحرب بن ثابت، أشار إلى كلام ابن حبان هذا، وعقب عليه بأنه "واحد، جعله اثنين، ثم شك فيه"!! ولم ينصفه في هذا، فإنهما اثنان يقينًا، فصل بينهما البخاري في الكبير، فجعل الذي يروى عن شريح برقم: 226، غير الذي نقلنا كلامه عنه برقم:227.

وأما الذي جعل الراوي راويين فإنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2\ 1\ 252 ذكر ثلاث تراجم، بالأرقام: 1121، 1123، 1125، فالأخير هو الذي روى عن شريح، والأولان هما شخص واحد، وهم فيه ابن أبي حاتم.

وقد نسب "حرب بن ثابت" هذا في التعجيل: 91-92 بأنه "البكري"، وكذلك في الإكمال للحسيني:23. وأنا أرجح أن هذا خطأ من الناسخين، أصله "البصري"، فإن نسبته فيما أشرنا إليه من تراجمه "المنقري"، وهو من أهل البصرة، فعن ذلك رجحت أن صوابه "البصري".

وثانيًا- "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة": هكذا رواه عبد الصمد بن عبد الوارث عن حرب بن ثابت المنقري. ولكن بعض العلماء شك في صحة هذا، فقال البخاري في الكبير في ترجمة حرب:"وقال مسلم: حدثنا حرب بن ثابت سمع إسحاق بن عبد الله" فهذه رواية البخاري عن شيخه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي عن حرب بن ثابت "أنه سمع إسحاق بن عبد الله". وهي تؤكد صحة ما رواه عبد الصمد. ولكن قال البخاري عقب ذلك: "حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الصمد قال: حدثنا حرب أبو ثابت قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. ويقال: إسحاق هذا ليس بابن أبي طلحة، وهم فيه عبد الصمد من حفظه، وأصله صحيح"، فهذه إشارة إلى هذا الحديث..

ولكنه قال في التاريخ الكبير 1\ 1\ 382 في ترجمة "إسحاق الأنصاري": "إسحاق الأنصاري. حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حرب بن ثابت المنقري قال: حدثني إسحاق الأنصاري عن أبيه عن جده، وكانت له صحبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القرآن كله صواب: وقال عبد الصمد: حدثنا حرب أبو ثابت سمع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله. وقال بعضهم: لقن عبد الصمد، فقالوا: ابن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يكن في كتابه: ابن عبد الله".

فهذه إشارة أخرى من البخاري لهذا الحديث أيضًا، كعادته في تاريخه، في الإشارة إلى الأحاديث التي يريد أن يرشد إلى مواطن البحث فيها.

وقد أشار البخاري في الموضعين إلى قول من شك في أن "إسحاق الأنصاري" راوي هذا الحديث غير "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري" الثقة المعروف بروايته عن أبيه "عبد الله" عن جده "أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري الصحابي الكبير" أحد النقباء، الذي شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأتى بقوله هذا مجهلا إياه ممرضًا، بقوله مرة:"ويقال"، ومرة:"وقال بعضهم". ثم عقب على هذا التمريض في المرة الأولى بقوله: "وأصله صحيح"، يعني أصل الحديث. فهو تصريح منه بصحة الحديث، وبرفض قول هذا القائل الذي شك فيه.

وقد وافقه على ذلك زميله وصنوه أبو حاتم الرازي، فقال ابنه في الجرح والتعديل، في ترجمة "إسحاق الأنصاري" 1\ 1\ 239-240:"سمعت أبي يقول: يرون أنه: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري".

وسبقهما إلى ذلك شيخهما إمام المحدثين، الإمام أحمد بن حنبل، فأثبت هذا الحديث في مسند "أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري" دون شك أو تردد. فصح الحديث، والحمد لله.

(2)

هو عبيد الله بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وليس هو ابن عمر بن الخطاب.

(3)

الحديث 17- إسناده ضعيف جدا، من أجل "عبد الله بن ميمون". أما "عبيد الله بن محمد بن هارون الفريابي" شيخ الطبري، فالظاهر أنه ثقة، ولكني لم أجد له ترجمة إلا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 2\ 2\ 335، قال:"نزيل بيت المقدس، روى عن سفيان بن عيينة، سمع منه أبي ببيت المقدس". ولم يذكر فيه جرحًا. وأما علة الحديث فهو "عبد الله بن ميمون بن داود القداح"، وهو ضعيف جدًا، قال البخاري:"ذاهب الحديث"، وقال أبو حاتم والترمذي:"منكر الحديث"، وقال أبو حاتم:"يروي عن الأثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"، وقال الحاكم:"روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث موضوعة". وأما شيخه "عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب"، فإنه إمام ثقة معروف، وهو أحد الفقهاء السبعة.

ومعنى الحديث في ذاته صحيح، كأنه مختصر من معنى حديث عمر بن الخطاب، الذي مضى برقم:15. ولكن هذا القداح ألزقه بعبيد الله بن عمر، وجعله من حديث نافع عن ابن عمر. ولا أصل لهذا، ولم نجده قط من حديث ابن عمر.

ولم يحسن الحافظ ابن حجر، إذ أشار إلى هذا الحديث في الفتح 9: 23، ونسبه للطبري، دون أن يذكر ضعف إسناده.

ص: 26

18-

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن علي بن أبي علي، عن زبيد، عن علقمة النخعي، قال: لما خرج عبد الله بن مسعود من الكوفة اجتمع إليه أصحابه فودّعهم، ثم قال: لا تنازَعُوا في القرآن، فإنه لا يختلفُ ولا يتلاشى، ولا يتغير لكثرة الرد. وإن شريعة الإسلام وحدودَه وفرائضه فيه واحدة، ولو كان شيء من الحرفين ينهَى عن شيء يأمر به الآخر، كان ذلك الاختلافَ. ولكنه جامعٌ ذلك كله، لا تختلف فيه الحدود ولا الفرائض، ولا شيء من شرائع الإسلام. ولقد رأيتُنا نتنازع فيه عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمرنا فنقرأ عليه، فيخبرنا أن كلَّنا محسنٌ. ولو أعلمُ أحدًا أعلم بما أنزل الله على رسوله منى لطلبته، حتى أزدادَ علمَه إلى علمي. ولقد قرأتُ من لسانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وقد كنت علمت أنه يُعْرَض عليه القرآنُ في كل رمضان، حتى كانَ عامُ قُبض، فعرض عليه مرّتين، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيخبرني أني محسنٌ. فمن قرأ على قراءتي فلا يدعنَّها رغبة عنها، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يَدعنَّه رغبة عنه، فإنه من جحد بآية جحد به كله (1) .

(1) الحديث 18- إسناده ضعيف جدًا، غاية في الضعف. لعلتين:

أولاهما: "علي بن أبي علي"، وهو "اللهبي"، من ولد أبي لهب. قال البخاري في التاريخ الصغير: 196، وفي الضعفاء: 25: "منكر الحديث، لم يرضه أحمد". وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: 3\ 1\ 197: "سألت أبي عن علي بن أبي علي اللهبي؟ فقال: منكر الحديث، تركوه". وقال: "سئل أبو زرعة عن علي بن أبي علي الهاشمي؟ فقال: هو من ولد أبي لهب، وهو مديني ضعيف الحديث، منكر الحديث". وقال ابن حبان في الضعفاء: 315 "يروي عن الثقات الموضوعات، وعن الأثبات المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به".

وثانيتهما: أن "زبيد بن الحرث اليامي" لم يدرك علقمة ولم يرو عنه، إنما يروي عن الطبقة الراوية عن علقمة، فروايته عنه هنا منقطعة، إن صح الإسناد إليه فيها، ولم يصح قط.

وقد جاء نحو هذا الحديث عن ابن مسعود، من وجه آخر ضعيف أيضًا: فرواه أحمد في المسند رقم: 3845 مطولا، من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن عابس، قال:"حدثنا رجل من همدان، من أصحاب عبد الله، وما سماه لنا" إلخ. وهذا مجهول الراوي عن ابن مسعود، فلا يكون صحيحًا. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا 7: 153، وقال:"رواه الإمام أحمد في حديث طويل، والطبراني، وفيه من لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قال أخي السيد محمود محمد شاكر: ولفظ المسند: "إن هذا القرآن لا يختلف، ولا يستشن، ولا يتفه لكثرة الرد". و "استشن": بلى وصار خلقًا كالشن البالي، وهو القربة البالية. وقوله "لا يتفه": لا يصير تافهًا، التافه: الحقير. وكل كلام رددت قراءته نفدت معانيه وضعف أثره إلا القرآن. وأما قوله في رواية الطبري هنا "ولا يتلاشى"، فقد قال أهل اللغة إنه مولد من "لا شيء"، كأنه اضمحل حتى صار إلى لا شيء. ومجيئه في هذا الحبر غريب.

أقول: وإذ تبين أن راويه "علي بن أبي علي اللهبي" ممن يصطنع الأحاديث ويروي عن الثقات الموضوعات، كما قال ابن حبان، فلا يبعد أن يقول هذه الكلمة المولدة من عند نفسه. وهو متأخر أدرك عصر التوليد، فقد أرخه البخاري في باب من مات بين سنتي 170-180.

ص: 28

19-

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وَهب، قال: أخبرني يونس -وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا رِشْدينُ بن سعد، عن عُقيل بن خالد- جميعًا عن ابن شهاب، قال: حدثني عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبريلُ على حرف، فراجعته، فلم أزَل أستزيده فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف. قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي في الأمر الذي يكون واحدًا، لا يختلفُ في حلال ولا حرام (1) .

(1) الحديث 19- هو بإسنادين: أحدهما صحيح، والآخر ضعيف:

الإسناد الأول: عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس، وهو ابن يزيد الأيلي عن ابن شهاب الزهري. وهو إسناد صحيح جدًا.

والثاني: عن أبي كريب عن رشدين، وهو ابن سعد، عن عقيل بن خالد عن الزهري. وهو إسناد ضعيف، لضعف رشدين بن سعد، وكان رجلا صالحًا فيه غفلة، وكثر خطؤه فغلبت المناكير في أخباره. ولكنه في هذا الحديث لم ينفرد بروايته عن عقيل بن خالد، كما سيأتي.

و"رشدين": بكسر الراء والدال المهملتين بينهما شين معجمة ساكنة. و "عقيل" بضم العين المهملة.

والحديث رواه مسلم 1: 225 عن حرملة عن ابن وهب عن يونس، مثل الإسناد الأول هنا. ورواه البخاري 6: 222 فتح الباري، من طريق سليمان بن بلال عن يونس أيضًا.

ورواه البخاري 9: 20-21، عن سعيد بن عفير عن الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري.

وسيأتي أيضًا بإسناد صحيح، برقم: 22، من رواية نافع بن يزيد عن عقيل بن خالد عن الزهري.

وهذان الإسنادان يؤيدان الإسناد الثاني هنا، أعني رواية رشدين بن سعد عن عقيل. ولذلك قلت إن رشدين -على ضعفه- لم ينفرد بروايته عن عقيل.

وقول ابن شهاب الزهري: "بلغني أن تلك الأحرف السبعة" إلخ: لم يذكره البخاري، وذكره مسلم في روايته. وهو مرسل غير متصل، فهو ضعيف الإسناد. ولذلك أعرض البخاري عن ذكره.

ثم إن الحديث رواه أيضًا أحمد، بنحوه، في المسند رقم: 2860 عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. ورواه مسلم 1: 225، عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق، ولكنه لم يسق لفظه بل أحاله على رواية يونس عن الزهري.

ورواه أحمد أيضًا مختصرًا رقم: 2375، 2717، من رواية ابن أخي الزهري عن عمه.

ونقله ابن كثير في فضائل القرآن: 53 عن إحدى روايتي البخاري، ثم أشار إلى روايته الأخرى وروايتي مسلم ورواية الطبري هذه.

ص: 29

20-

حدثني محمد بن عبد الله بن أبي مخلد الواسطي، ويونس بن عبد الأعلى الصدفيّ، قالا حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله، أخبره أبوه: أن أم أيوب أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيَّها قرأتَ أصبْتَ (1) .

21-

حدثنا إسماعيل بن موسى السُّدِّي، قال: أنبأنا شَريك، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صُرَد، يرفعه، قال: أتاني ملَكان، فقال أحدهما: اقرأ. قال: على كم؟ قال: على حرف، قال: زِدْهُ. حتى انتهى به إلى سبعة أحرف (2)

(1) الحديث 20- رواه أحمد في المسند (6: 433، 462-463 من طبعة الحلبي) ، عن سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. ونقله ابن كثير في فضائل القرآن: 64 عن المسند، وقال:"وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة". ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 154، وقال:"رواه الطبراني، ورجاله ثقات". فقصر إذ لم ينسبه للمسند أولا. ولفظ المسند "أيها قرأت أجزأك". ولفظ الطبراني موافق للفظ الطبري هنا.

و"عبيد الله"، في الإسناد: هو عبيد الله بن أبي يزيد المكي، وهو ثقة معروف. وأبوه "أبو يزيد المكي": ذكره ابن حبان في الثقات.

وسيأتي الحديث مكررًا، برقمي: 23، 24.

(2)

الحديث 21- الحديث في ذاته صحيح، لأن معناه سيأتي مرارًا، ضمن أحاديث لأبي بن كعب، وقد كررها الطبري بأسانيد متعددة، بالأرقام الآتية: 25-39. وسيأتي بحثها في مواضعها إن شاء الله.

وأما هذا الإسناد بعينه، فهكذا ورد في الطبري، من حديث سليمان بن صرد. ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 153 نحوه، من حديث سليمان بن صرد، وقال:"رواه الطبراني، وفيه جعفر، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات". وليس إسناد الطبراني بين أيدينا حتى نستطيع القول فيه. ولعل اسم "جعفر" -الذي لم يعرفه الهيثمي في إسناده- محرف عن شيء آخر.

ونقل ابن كثير في الفضائل: 61 هذا الحديث عن هذا الموضع من الطبري، ثم قال:"ورواه النسائي في اليوم والليلة: عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام عن إسحاق الأزرق عن العوام بن حوشب عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد، قال: أتى أبي بن كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين اختلفا في القراءة، فذكر الحديث. وهكذا رواه أحمد بن منيع عن يزيد بن هارون عن العوام عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد عن أبي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجلين، فذكره".

وهذان الإسنادان اللذان ذكرهما ابن كثير صحيحان، يدلان على أن سليمان بن صَرد إنما سمع هذا الحديث من أبي بن كعب.

وليس الخطأ الذي وقع في إسناد الطبري هنا، بحذف "أبي بن كعب" - خطأ شريك بن عبد الله النخعي راويه عن أبي إسحاق السبيعي. إنما الخطأ -فيما أرجح- إما من إسماعيل بن موسى السدي شيخ الطبري، وإما من الطبري نفسه. فإن الحديث رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل، في مسند أبيه (5: 125 طبعة الحلبي) عن محمد بن جعفر الوركاني عن أبي إسحاق عن سليمان عن أبي بن كعب- مختصرًا كما هنا. وسيأتي الحديث مطولا، من رواية سليمان بن صرد عن أبي بن كعب رقم:25.

ص: 30

22-

حدثنا ابن البرقي، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا نافع بن يزيد، قال: حدثني عُقَيْل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبريل القرآنَ على حرف، فاستزدته فزادني، ثم استزدته فزادني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف (1) .

23-

حدثني الربيع بن سليمان، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، أنه سمع أم أيوب تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوَه - يعني نحو حديث ابن أبي مخلد (2) .

(1) الحديث 22- هذا إسناد صحيح. قد مضى برقم: 19، بإسنادين آخرين، وبينا تخريجه هناك.

و"ابن البرقي"، شيخ الطبري: هو "أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم" المصري الحافظ، توفي سنة 270. وله ترجمة في تذكرة الحفاظ 2:135.

و"ابن أبي مريم": هو "سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم" المصري، عرف بابن أبي مريم. مترجم في التهذيب.

(2)

الحديث 23- هذا إسناد صحيح. فالربيع بن سليمان: هو المرادي المؤذن، صاحب الشافعي وراوية كتبه. وأسد بن موسى المرواني الأموي المصري: يقال له "أسد السنة"، ثقة من الثقات، قال البخاري في التاريخ الكبير: 1\ 2\ 50: "مشهور الحديث". والحديث مكرر رقم: 20، كما أشار إلى ذلك الطبري بالإحالة عليه. وسيأتي عقب هذا بإسناد آخر.

ص: 31

24-

حدثنا الربيع، قال: حدثنا أسد، قال: حدثنا أبو الربيع السمان، قال: حدثني عُبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن أم أيوب، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: نزل القرآن على سبعة أحرف، فما قرأتَ أصبتَ (1) .

25-

حدثنا أبو كريب، قال: حدثني يحيى بن آدم، قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن فلان العَبْدي -قال أبو جعفر: ذَهب عنى اسمه-، عن سليمان بن صُرَد، عن أبيّ بن كعب، قال: رحت إلى المسجد، فسمعت رجلا يقرأ، فقلت: من أقرأك؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: استقرئْ هذا. قال: فقرأ، فقال: أحسنت. قال فقلت: إنك أقرأتني كذا وكذا! فقال: وأنتَ قد أحسنتَ. قال: فقلت: قد أحسنتَ! قد أحسنتَ! قال: فضرب بيده على صدري، ثم قال: اللهم أذهِبْ عن أبيٍّ الشكّ. قال: ففِضْتُ عرَقًا، وامتلأ جوْفي فرَقًا- ثم قال: إن الملَكين أتياني، فقال أحدهما اقرأ القرآن على حرف. وقال الآخر: زده. قال: فقلت: زدْني. قال: اقرأه على حرفين. حتى بلغَ سبعةَ أحرف، فقال: اقرأ على سبعة أحرف (2) .

(1) الحديث 24- وأما هذا فإسناد ضعيف جدا، فأبو الربيع السمان، واسمه: أشعث بن سعيد البصري، ضعيف جدا، كان شعبة يرميه بالكذب. والحديث مضى بإسنادين صحيحين، رقم: 20، 23.

(2)

الحديث 25- مضى بعض معناه مختصرًا، وأشرنا إلى هذا، في الحديث رقم: 21، وأن سليمان بن صرد، راويه هناك، إنما رواه عن أبي بن كعب.

وهذا الإسناد نسي فيه أبو جعفر الطبري اسم "فلان العبدي"، كما قال هو هنا.

وقد نقله ابن كثير في الفضائل: 61 عن هذا الموضع من تفسير الطبري، ثم أشار إلى بعض رواياته الأخر التي سمى فيها "فلان العبدي" هذا باسمه، وأراد أن يجمع بين هذه الروايات والرواية الماضية رقم: 21، التي فيها أن الحديث من رواية سليمان بن صرد دون ذكر أبي بن كعب، فقال:"فهذا الحديث محفوظ من حيث الجملة عن أبي بن كعب، والظاهر أن سليمان بن صرد الخزاعي شاهد ذلك".

والصحيح ما ذهبنا إليه هناك، من أنه من رواية سليمان بن صرد عن أبي بن كعب.

وهذا الحديث المطول -الذي هنا- رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه 5: 124 من طبعة الحلبي، عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سقير العبدي عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب، بنحوه بمعناه.

فعرفنا من رواية عبد الله بن أحمد أن اسم هذا الراوي "العبدي": "سقير". وهو بضم السين المهملة وفتح القاف، كما ضبطه الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري في كتاب المؤتلف: 65، وكذلك أثبته الذهبي في المشتبه:266. وفي اسمه خلاف قديم، ولكن هذا هو الراجح الصحيح.

فقد ترجمه البخاري في التاريخ الكبير 2\ 2\ 331 في حرف الصاد، باسم "صقير"، وإن وقع فيه خطأ من النساخ، فرسم "صعير" بالعين بدل القاف. وقد حقق مصححه العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني ذلك بالهامش، ونقل أن الأمير ابن ماكولا ضبطه "سقير" أيضًا.

وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2\ 1\ 318 في حرف السين، باسم "سقير العبدي"، ثم أعاده في حرف الصاد 2\ 1\ 452 باسم "صقر العبدي، ويقال: صقير العبدي"، فجاء بقول ثالث.

وترجمه الحسيني في الإكمال: 45، فقال:"سقير العبدي، عن سليمان بن صرد الخزاعي، وعنه أبو إسحاق السبيعي: ليس بالمشهور". وتعقبه الحافظ في التعجيل: 157، فقال:"لم يصب في ذلك، فقد ذكروه في حرف الصاد المهملة، ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه قدحًا، وذكره ابن حبان في الثقات"، وهو في الثقات: 226، باسم "صقير العبدي".

فإذ تبين أن "العبدي" هذا تابعي ثقة، بتوثيق البخاري أن لم يجرحه، وبذكر ابن حبان إياه في الثقات - كان هذا الإسناد صحيحًا.

ثم إن سقيرًا العبدي لم ينفرد بروايته عن سليمان بن صرد. فقد رواه عنه تابعي آخر، ثقة معروف، من مشهوري التابعين، وهو يحيى بن يعمر.

فرواه أحمد في المسند 5: 124 عن عبد الرحمن بن مهدي، وعن بهز، ورواه ابنه عبد الله بن أحمد عن هدبة بن خالد القيسي، ورواه أبو داود في السنن رقم: 1477 ج 2 ص 102 عن أبي الوليد الطيالسي-: كلهم عن همام بن يحيى عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب، بنحوه مختصرًا. وهذه أسانيد صحاح على شرط الشيخين.

وسيأتي عقب هذا بأسانيد كثيرة، من أوجه مختلفة، عن أبي بن كعب بالأرقام 26-39، 46.

ص: 32

26-

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي -وحدّثنا أبو كرَيب، قال: حدثنا محمد بن ميمون الزعفراني- جميعًا عن حُميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه، قال: ما حاك في صدري شيءٌ منذ أسلمتُ، إلا أني قرأتُ آيةً، فقرأها رجل غيرَ قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الرجل: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: بلى. قال الرجل: ألم تُقرئني آية كذا وكذا؟ قال: بلى، إن جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرإ القرآن على حرف واحد. وقال ميكائيل: استزدْه، قال جبريل: اقرإ القرآن على حرفين. فقال ميكائيل:

ص: 33

استزده. حتى بلغ ستةً أو سبعةً -الشك من أبي كريب- وقال ابن بشار في حديثه: حتى بلغ سبعةَ أحرف -ولم يَشكّ فيه- وكلٌّ شافٍ كافٍ. ولفظ الحديث لأبي كريب (1) .

27-

حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن حُميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن أبيّ بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. وقال في حديثه: حتى بلغ ستة أحرف، قال: اقرأه على سبعة أحرف، كلٌّ شافٍ كافٍ (2) .

28-

حدثنا محمد بن مرزوق، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا حماد

(1) الحديث 26- هذا بإسنادين: "محمد بن بشار عن ابن أبي عدي"، و "أبو كريب عن محمد بن ميمون الزعفراني"، كلاهما عن حميد الطويل. فالإسناد الأول صحيح على شرط الشيخين دون خلاف. والإسناد الثاني فيه "محمد بن ميمون الزعفراني"، وهو ثقة، وثقه ابن معين وأبو داود وغيرهما، وضعفه البخاري والنسائي وغيرهما.

والحديث صحيح بكل حال، إذ لم ينفرد بروايته هذان:

فقد رواه أحمد في المسند 5: 114، 122 طبعة الحلبي، مختصرًا قليلا، عن يحيى بن سعيد، وهو القطان عن حميد الطويل، بهذا الإسناد. ثم رواه ابنه عبد الله بن أحمد عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن بشر بن المفضل، وعن سويد بن سعيد عن المعتمر بن سليمان، كلاهما عن حميد الطويل، بمعناه.

ورواه أيضًا أبو عبيد القاسم بن سلام - فيما نقل عنه ابن كثير في الفضائل: 54 عن يزيد بن هارون ويحيى بن سعيد، كلاهما عن حميد، بهذا الإسناد مطولا.

وسيأتي عقب هذا، رقم: 27، من رواية يحيى بن أيوب عن حميد.

وقال ابن كثير، بعد نقله رواية أبي عبيد:"وقد رواه النسائي من حديث يزيد، وهو ابن هارون، ويحيى بن سعيد القطان، كلاهما عن حميد الطويل عن أنس عن أبي بن كعب، بنحوه. وكذا رواه ابن أبي عدي ومحمد بن ميمون الزعفراني ويحيى بن أيوب، كلهم عن حميد، به" وهذا إشارة منه إلى أسانيد الطبري الثلاثة هنا. وهي كلها أسانيد صحاح.

(2)

الحديث 27- هو مكرر الحديث قبله. وقد أشرنا إليه في تخريجه.

ص: 34

بن سلمة، عن حُميد، عن أنس بن مالك، عن عُبادة بن الصّامت، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف (1) .

29-

حدثنا أبو كريب قال حدثنا حسين بن علي، وأبو أسامة، عن زائدة، عن عاصم، عن زِرّ، عن أبيّ، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المِرَاءِ فقال: إني بُعثتُ إلى أمة أمِّيِّين، منهم الغلامُ والخادمُ والشيخ العاسِي والعجوز، فقال جبريل: فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف (2) . ولفظ الحديث لأبي أسامة.

(1) الحديث 28- وهذا إسناد صحيح أيضًا، إلا أن حماد بن سلمة زاد "عبادة بن الصامت" بين أنس وأبي بن كعب. وسنبين ذلك، إن شاء الله.

ومحمد بن مرزوق، شيخ الطبري: هو محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي، نسب إلى جده. وهو ثقة، روى عنه مسلم في صحيحه والترمذي وابن ماجة وغيرهم. وشيخه أبو الوليد: هو الطيالسي، واسمه: هشام بن عبد الملك، إمام حافظ حجة.

والحديث رواه أحمد في المسند 5: 114 طبعة الحلبي، هكذا مختصرًا، عن عفان عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. ثم رواه بالإسناد نفسه مطولا، بنحو الرواية الماضية، في 26، 27، ثم رواه عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس:"أن أبيا قال"- فأشار إلى تلك الرواية، ثم قال:"ولم يذكر فيه عبادة".

فالظاهر -عندي- أن حماد بن سلمة هو الذي انفرد بزيادة "عبادة" في الإسناد. ولعل هذا سهو منه، فقد رواه الرواة الذين ذكرنا من قبل، دون هذه الزيادة، وهم أكثر منه عددًا وأحفظ وأشد إتقانًا.

وأيا ما كان فالحديث صحيح، سواء أسمعه أنس من أبي بن كعب مباشرة، أم سمعه من عبادة بن الصامت عن أبي.

(2)

الحديث 29- وهذا إسناد صحيح أيضًا. حسين بن علي: هو الجعفي. أبو أسامة: هو حماد بن أسامة. زائدة: هو ابن قدامة. عاصم: هو ابن بهدلة، وهو ابن أبي النجود. زر: هو ابن حبيش.

والحديث رواه أحمد في المسند 5: 132 عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة، وعن أبي سعيد مولى بني هاشم عن زائدة أيضًا. ونقله ابن كثير في الفضائل: 59 عن الرواية الأولى من المسند.

ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده رقم: 543 عن حماد بن سلمة. ورواه الترمذي 4: 61 من طريق شيبان، وهو ابن عبد الرحمن النحوي، كلاهما عن عاصم، بهذا الإسناد، نحوه. قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح. وقد روى عن أبي بن كعب من غير وجه".

"أحجار المراء"، بكسر الميم وتخفيف الراء وبالمد: موضع بقباء، خارج المدينة، وقال مجاهد:"هي قباء"، كما في النهاية لابن الأثير 1: 203، 4: 91، والقاموس وشرحه 3: 127، ووفاء الوفا للسمهودي 2:244. ولم نجد في ذلك خلافًا، إلا ما ذهب إليه أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم: 117، إذ زعم أنه "موضع بمكة، على لفظ جمع "حجر" كانت قريش تتمارى عندها، وهي صفي السباب"، ثم ذكر هذا الحديث شاهدًا؛ وأنا أرجح أنه وهم منه، انتقل ذهنه بمناسبة تقارب معنيي اللفظين إلى الظن باتحاد المكانين. فإن "صفي السباب""موضع بمكة كانت قريش تتمارى عندها" كما قال أبو عبيد نفسه في مادة "صفي": 838، فانتقل ذهنه فقال عقب ذلك:"وهو الموضع المعروف بأحجار المراء"!! و "المراء": من المماراة، و "الصفي"، بضم الصاد وكسر الفاء وتشديد الياء: جمع "صفا"، و "الصفا": جمع "صفاة"، وهي الحجر الصلد الضخم الذي لا ينبت شيئًا.

ومما يؤيد اليقين بما أخطأ فيه أبو عبيد: أن في بعض روايات هذا الحديث الآتية: "عند أضاة بني غفار"، وهي موضع بالمدينة يقينًا. وقد بين أبو عبيدة نفسه ذلك في: 164، وذكر الحديث بالرواية الآتية أيضًا شاهدًا عليه.

وقوله "والشيخ العاسي"، في مطبوعة الطبري "والشيخ الفاني"، وفي المخطوطة "العاشي"، وفي المسند "العاصي". وكلها بمعنى. و "عسا الشيخ": إذا كبر وأسن وضعف بصره ويبس جلده وصلب. ومثله "عصا". وقال الأزهري: عصا: إذا صلب، كأنه أراد "عسا" بالسين، فقلبها صادًا". (اللسان: عصا) .

ص: 35

30-

حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا ابن نُمير، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد -وحدثنا عبد الحميد بن بيان القَنَّاد، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن إسماعيل- عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي لَيْلى، عن جده، عن أبيّ بن كعب، قال: كنت في المسجد، فدخل رجلٌ يصلي، فقرأ قراءة أنكرتُها عليه، ثم دخل رجلٌ آخر، فقرأ قراءةً غيرَ قراءة صاحبه، فدخلنا جميعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءةً أنكرتُها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءةً غيرَ قراءة صاحبه. فأمرهُما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنَهُما، فوقع في نفسي من التكذيب، ولا إذْ كنت في الجاهلية! فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غَشيني، ضربَ في صدري، فَفِضت عرَقًا، كأنما أنظر إلى الله فَرَقًا. فقال لي: يا أبيّ، أرْسِلَ إليّ أن اقرإ القرآنَ على حرف،

ص: 36

867-

حدثني به المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله:(وأنهم إليه راجعون)، قال: يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك أنهم إليه يرجعون بموتهم.

* * *

وأولى التأويلين بالآية، القول الذي قاله أبو العالية; لأن الله تعالى ذكره، قال في الآية التي قبلها:(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) فأخبر جل ثناؤه أن مرجعهم إليه بعد نشرهم وإحيائهم من مماتهم، وذلك لا شك يوم القيامة، فكذلك تأويل قوله:(وأنهم إليه راجعون) .

* * *

القول في تأويل قوله تعالى {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}

قال أبو جعفر: وتأويل ذلك في هذه الآية نظير تأويله في التي قبلها في قوله: (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي) . وقد ذكرته هنالك (1) .

* * *

القول في تأويل قوله تعالى {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ‌

(47) }

قال أبو جعفر: وهذا أيضا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم. ويعني بقوله: (وأني فضلتكم على العالمين) : أني فضلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم، إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء،

(1) انظر 1: 555 - 559

ص: 23

والنعم عند الآباء نعما عند الأبناء، لكون الأبناء من الآباء، وأخرج جل ذكره قوله:(وأني فضلتكم على العالمين) مخرج العموم، وهو يريد به خصوصا; لأن المعنى: وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه (1) . كالذي:-

868-

حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر -وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر- عن قتادة، (وأني فضلتكم على العالمين) قال: فضلهم على عالم ذلك الزمان.

869 -

حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:(وأني فضلتكم على العالمين) قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب، على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالما.

870 -

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد في قوله: (وأني فضلتكم على العالمين) قال: على من هم بين ظهرانيه.

871 -

وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: على من هم بين ظهرانيه.

872 -

وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت ابن زيد عن قول الله: (وأني فضلتكم على العالمين)، قال: عالم أهل ذلك الزمان. وقرأ قول الله: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[الدخان: 32] قال: هذه لمن أطاعه واتبع أمره، وقد كان فيهم القردة، وهم أبغض خلقه إليه، وقال لهذه الأمة:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران: 110] قال:

(1) انظر 1: 143 - 146، ثم 151 - 152. يقال لكل ما كان في وسط شيء ومعظمه:"هو بين ظهرينا وظهرانينا" على تقدير أنه مقيم بين ظهر من وراءه وظهر من أمامه، فهو مكنوف من جانبيه، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا. ويقال أيضًا:"هو بين أظهرهم مقيم" بهذا المعنى. ويقال أيضًا: " لقيته بين ظهراني الليل"، أي بين العشاء والفجر، وعلى هذا فقس استعمال هذه الكلمة.

ص: 24

هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه.

* * *

قال أبو جعفر: والدليل على صحة ما قلنا من أن تأويل ذلك على الخصوص الذي وصفنا ما:-

873 -

حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر جميعا، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ألا إنكم وفيتم سبعين أمة" -قال يعقوب في حديثه: أنتم آخرها-. وقال الحسن:"أنتم خيرها وأكرمها على الله". (1)

* * *

فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وأن معنى قوله:(وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)[الجاثية: 16] وقوله: (وأني فضلتكم على العالمين) على ما بينا من تأويله.

(1) الحديث: 873 - بهز، بفتح الباء وسكون الهاء: هو ابن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري. وهو ثقة، وثقه ابن معين وابن المديني وغيرهما، ولا حجة لمن تكلم فيه، وقد ترجمه البخاري في الكبير 1 / 2 /143، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1 / 430 - 431. بل أخرج له البخاري في الصحيح تعليقا، كما ذكر الحافظ في الإصابة 6: 112، في ترجمة جده. أبوه حكيم بن معاوية: تابعي ثقة، ترجمه البخاري 2 / 1 /12، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 207. وجده معاوية بن حيدة: صحابي ثابت الصحبة، قال ابن سعد في الطبقات 7 / 1 /22:"وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم وصحبه، وسأله عن أشياء، وروى عنه أحاديث". وترجمه البخاري 4 / 1 /329، وقال:"سمع النبي صلى الله عليه وسلم".

وهذا الحديث رواه الطبري هنا بإسنادين: من طريق ابن علية عن بهز، ومن طريق معمر بن راشد عن بهز. وسيأتي بهذين الإسنادين منفصلين (4: 30 بولاق) .

ورواه الترمذي 4: 82 - 83، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن بهز، عن أبيه، عن جده:"أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول، في قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ، قال: أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله". ثم قال الترمذي:"هذا حديث حسن. وقد روى غير واحد هذا الحديث عن بهز بن حكيم، نحو هذا، ولم يذكروا فيه (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ". ورواه ابن ماجه: 4288، من طريق ابن علية، عن بهز. ورواه الإمام أحمد في المسند (5: 3 حلبي) ، عن يزيد بن هرون، عن بهز. ورواه (5:5) ، عن يحيى القطان، عن بهز.

ورواه الدارمي 2: 313، عن النضر بن شميل، عن بهز. ورواه ابن ماجه أيضًا: 4287، من طريق ابن شوذب، عن بهز.

ثم لم ينفرد به بهز عن أبيه حكيم، إذ رواه أيضًا سعيد بن إياس الجريري: فرواه الإمام أحمد (4: 447) ، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، بنحوه. ورواه أيضًا مطولا (5: 3) ، عن حسن بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن الجريري. والحديث ذكره ابن كثير 1: 160، نسبه إلى"المسانيد والسنن". ثم ذكره مرة أخرى 2: 214، عن"مسند الإمام أحمد، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم". ثم قال عقبه:"وهو حديث مشهور. وقد حسنه الترمذي".

ص: 25

وقد أتينا على بيان تأويل قوله: (العالمين) بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع، فأغنى ذلك عن إعادته (1) .

* * *

القول في تأويل قوله تعالى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}

قال أبو جعفر: وتأويل قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) : واتقوا يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا. وجائز أيضا أن يكون تأويله: واتقوا يوما لا تجزيه نفس عن نفس شيئا، كما قال الراجز:

قد صبحت، صبحها السلام

بكبد خالطها سنام

في ساعة يحبها الطعام (2)

وهو يعني: يحب فيها الطعام. فحذفت"الهاء" الراجعة على"اليوم"، إذ فيه اجتزاء

(1) انظر ما سلف 1: 143 - 146.

(2)

الكامل 1: 22، وأمالي ابن الشجري 1: 6، 186 وغيرهما. صبح القوم: سقاهم الصبوح، وهو ما يشرب صباحا من لبن أو خمر. يدعو لها بالخير من حسن ما أطعمته على مسغبة كابدها.

ص: 26

-بما ظهر من قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس) الدال على المحذوف منه- عما حذف، إذ كان معلوما معناه.

وقد زعم قوم من أهل العربية أنه لا يجوز أن يكون المحذوف في هذا الموضع إلا"الهاء". وقال آخرون: لا يجوز أن يكون المحذوف إلا"فيه". وقد دللنا فيما مضى على جواز حذف كل ما دل الظاهر عليه. (1)

* * *

وأما المعنى في قوله: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا) فإنه تحذير من الله تعالى ذكره عباده الذين خاطبهم بهذه الآية -عقوبته أن تحل بهم يوم القيامة، وهو اليوم الذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا، ولا يجزي فيه والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. (2)

* * *

وأما تأويل قوله: "لا تجزي نفس" فإنه يعني: لا تغني: كما:-

874-

حدثني به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي:"واتقوا يوما لا تجزي نفس" أما"تجزي": فتغني.

* * *

أصل"الجزاء" -في كلام العرب-: القضاء والتعويض. يقال:"جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاء"، بمعنى: قضيته دينه. ومن ذلك قيل:"جزى الله فلانا عني خيرا أو شرا"، بمعنى: أثابه عني وقضاه عني ما لزمني له بفعله الذي سلف منه إلي. وقد قال قوم من أهل العلم بلغة العرب:"يقال أجزيت عنه كذا": إذا أعنته عليه، وجزيت عنك فلانا: إذا كافأته

وقال آخرون منهم: بل "جَزَيْتُ عنك" قضيت عنك. و"أجزَيتُ" كفيت.

(1) انظر 1: 139 - 141، 179، وانظر لسان العرب (جزى) .

(2)

تضمين من آية سورة لقمان: 33.

ص: 27

وقال آخرون منهم: بل هما بمعنى واحد، يقال:"جزت عنك شاة وأجزَت، وجزى عنك درهم وأجزى، ولا تجزي عنك شاة ولا تجزي" بمعنى واحد، إلا أنهم ذكروا أن"جزت عنك، ولا تُجزي عنك" من لغة أهل الحجاز، وأن"أجزأ وتجزئ" من لغة غيرهم. وزعموا أن تميما خاصة من بين قبائل العرب تقول:"أجزأت عنك شاة، وهي تجزئ

عنك".وزعم آخرون أن"جزى" بلا همز: قضى، و"أجزأ" بالهمز: كافأ (1) فمعنى الكلام إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغني عنها غنى.

فإن قال لنا قائل: وما معنى: لا تقضي نفس عن نفس، ولا تغني عنها غنى؟

قيل: هو أن أحدنا اليوم ربما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه. وأما في الآخرة فإنه فيما أتتنا به الأخبار عنها- يسر الرجل أن يَبْرُدَ له على ولده أو والده حق. (2) وذلك أن قضاء الحقوق في القيامة من الحسنات والسيئات. كما:

875-

حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي، قالا: حدثنا المحاربي، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مَظلمة في عِرض -قال أبو كريب في حديثه: أو مال أو جاه، فاستحله قبل أن يؤخذ منه وليس ثَمَّ دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم"(3)

(1) انظر ما جاء في ذلك في لسان العرب (جزى) ، والذي جاء به الطبري أتم وأبين.

(2)

يرد عليه حق: وجب ولزم. ويرد لي كذا وكذا: أي ثبت. ويقال: لي عليه ألف بارد، أي ثابت.

(3)

الحديث: 875 - هذا إسناد صحيح. نصر بن عبد الرحمن الأزدي: سبق في. 423، وأثبت في الشرح هناك"التاجي"، وهو سهو، صوابه"الناجي" بالنون. و"الأزدي" بالزاي، وفي المطبوعة هنا"الأودي" بالواو، وهو خطأ. المحاربي: هو عبد الرحمن بن محمد، سبق في:221. أبو خالد الدالاني، يزيد بن عبد الرحمن: تكلموا فيه، والحق أنه ثقة، وثقه أبو حاتم وغيره، وترجمه البخاري في الكبير 4/2 /346 - 347، وابن أبي حاتم 4/2 /277، فلم يذكرا فيه جرحا. وهو مترجم في التهذيب في الكني، لخلاف في اسم أبيه، ولكن رجح الترمذي والطبري ما ذكرنا، وكذلك رجح البخاري وابن أبي حاتم."الدالاني" في المطبوعة هنا"الدولابي"، وهو خطأ، صححناه من المخطوطة.

والحديث رواه الترمذي 3: 292، عن هناد، ونصر بن عبد الرحمن، كلاهما عن المحاربي، بهذا الإسناد، ثم قال:" هذا حديث حسن صحيح. وقد روى مالك بن أنس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه ".

وقوله أثناء الحديث "قال أبو كريب"، في المطبوعة " قال أبو بكر"، وهو خطأ واضح، صحته من المخطوطة.

ص: 28

876-

حدثنا أبو عثمان المقدمي، قال: حدثنا الفروي، قال: حدثنا مالك، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. (1)

877-

حدثنا خلاد بن أسلم، قال: حدثنا أبو همام الأهوازي، قال: أخبرنا عبد الله بن سعيد، عن سعيد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. (2)

(1) الحديث: 876 - هو الحديث السابق، بمعناه، ولكن من رواية مالك. وهي الرواية التي نقلنا إشارة الترمذي إليها. أبو عثمان المقدمي - بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المهملة المفتوحة: وهو أحمد بن محمد بن أبي بكر، نسب إلى"مقدم" أحد أجداده. وهو ثقة، ترجمه ابن أبي حاتم 1/1/ 73، وقال:"سمعت منه بمكة، وهو صدوق"، وترجمه السمعاني في الأنساب، في الورقة: 539 والخطيب في تاريخ بغداد 4: 398 - 399، مات سنة 264. الفروي: بفتح الفاء وسكون الراء، نسبة إلى أحد أجداده، وفي المطبوعة بالقاف بدل الفاء، وهو تصحيف. وهو: إسحاق بن محمد بن أبي فروة، أحد الرواة عن مالك، وأحد شيوخ البخاري، وهو ثقة، تكلم فيه بعضهم بغير حجة. وقد رجحنا توثيقه في شرح المسند: 7425 والحديث من طريق مالك: رواه البخاري 11: 343 - 344 (فتح الباري) ، عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس، ابن أخت مالك ونسيبه - عن مالك. ورواه أحمد في المسند: 9613 (2: 435 حلبي) ، من طريق مالك وابن أبي ذئب، كلاهما عن المقبري. ثم رواه أيضًا: 10580 (2: 506)، من طريق ابن أبي ذئب. ورواه البخاري أيضًا 5: 73، من طريق ابن أبي ذئب. وأوله في هذه الروايات:"من كانت عنده مظلمة

) ، فذكر نحوه، بمعناه.

(2)

الحديث: 877 - هو الحديث السابق، بنحوه، من طريق أخرى. أبو همام الأهوازي: هو محمد بن الزبرقان، وهو ثقة، وترجمه البخاري في الكبير 1 /1 / 87، وقال:"معروف الحديث"، ابن أبي حاتم 3 / 2 / 260، وأخرج له الشيخان في الصحيحين. عبد الله بن سعيد: أنا أرجح أنه"عبد الله بن سعيد بن أبي هند"، وهو ثقة. وبعيد أن يكون"عبد الله بن سعيد المقبري"، إذ يأباه سياق الإسناد، لو كان إياه لكان"عبد الله بن سعيد عن أبيه". أما وهو"عبد الله بن سعيد عن سعيد" - فالظاهر أنه غير ابن سعيد المقبري. والحديث صحيح بكل حال، بالأسانيد السابقة.

ص: 29

878 -

حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يموتن أحدكم وعليه دين، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يقتسمون هنالك الحسنات والسيئات" وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يمينا وشمالا. (1)

879 -

حدثني محمد بن إسحاق، قال: قال: حدثنا سالم بن قادم، قال: حدثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى، قال: أخبرني الحارث بن مسلم، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي هريرة. (2)

* * *

قال أبو جعفر: فذلك معنى قوله جل ثناؤه: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا)

(1) الحديث: 878 - هذا إسناد صحيح متصل عن ابن عباس، ولم أجده في مسند الإمام أحمد، ولا في الكتب الستة، ولا في مجمع الزوائد، ولا أشار إليه الترمذي في قوله"وفي الباب". فهو فائدة زائدة، يستفاد من رواية أبي جعفر رحمه الله.

(2)

الحديث: 879 - هذا إسناد فيه إشكال لم أستطع تحقيقه. أما"سلم بن قادم": فإنه"سلم" بفتح السين وسكون اللام. وفي المطبوعة هنا"سالم" بالألف بعد السين، وهو خطأ. وسلم هذا: بغدادي ثقة، يروي عن سفيان بن عيينة، وبقية بن الوليد، وغيرهما. ترجمه ابن أبي حاتم 2 /1 / 268، والخطيب في تاريخ بغداد 9: 145 - 146. وله ترجمة موجزة في لسان الميزان 3: 65.

وأبو معاوية هاشم بن عيسى: هو هاشم بن أبي هريرة الحمصي، اشتهر بالانتساب إلى كنية أبيه، أعنى"هاشم بن أبي هريرة". ترجمة ابن أبي حاتم 4 / 2 / 105، ولم يذكر فيه جرحا. وله ترجمة غير محررة في لسان الميزان 6: 184، ذكر فيها اسم الراوي عنه"مسلم بن قادم"، وهو تحريف.

وأما الإشكال في الإسناد، ففي"الحارث بن مسلم"، الراوي هنا عن الزهري. فما أدري من ذا؟ ولا ما صحته؟ ولعل فيه تحريفا لم أستطع إدراكه. ثم لم أجد هذا الحديث من حديث أنس قط، بعد طول البحث والتتبع. وهناك في المستدرك للحاكم 4: 576، حديث آخر لأنس، من وجه آخر فيه بعض هذا المعنى. إسناده ضعيف.

ص: 30

يعني: أنها لا تقضي عنها شيئا لزمها لغيرها; لأن القضاء هنالك من الحسنات والسيئات على ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسره أن يثبت له على ولده أو والده حق، فيؤخذ منه ولا يتجافى له عنه؟ . (1)

وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى قوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) : لا تجزي منها أن تكون مكانها.

وهذا قول يشهد ظاهر القرآن على فساده. (2) وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقول القائل:"ما أغنيت عني شيئا"، بمعنى: ما أغنيت مني أن تكون مكاني، بل إذا أرادوا الخبر عن شيء أنه لا يجزي من شيء، قالوا:"لا يجزي هذا من هذا"، ولا يستجيزون أن يقولوا:"لا يجزي هذا من هذا شيئا".

فلو كان تأويل قوله: (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) ما قاله من حكينا قوله لقال: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس) كما يقال: لا تجزي نفس من نفس، ولم يقل:"لا تجزي نفس عن نفس شيئا". وفي صحة التنزيل بقوله:"لا تجزي نفس عن نفس شيئا" أوضح الدلالة على صحة ما قلنا وفساد قول من ذكرنا قوله في ذلك. (3)

* * *

القول في تأويل قوله تعالى {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ}

قال أبو جعفر: و"الشفاعة" مصدر من قول الرجل:"شفع لي فلان إلى فلان شفاعة (4) وهو طلبه إليه في قضاء حاجته. وإنما قيل للشفيع"شفيع وشافع" لأنه

(1) في المطبوعة: "فيأخذه منه"، والذي في المخطوطة أعرب. تجافى له عن الشيء: أعرض عنه ولم يلازمه بطلبه، وتجاوز له عنه.

(2)

انظر ما مضى في معنى"ظاهر" 1، 72، تعليق: 2، وهذا الجزء 2:15.

(3)

هذا من جيد البيان عن معاني اللغة، وهو منهج من النظر سبق به الطبري كل من تكلم في الفصل بين معاني الكلام العربي.

(4)

في المخطوطة: " شفع لي فلان شفاعة". بالحذف.

ص: 31

ثنى المستشفع به، فصار به شفعا (1) فكان ذو الحاجة -قبل استشفاعه به في حاجته- فردا، فصار صاحبه له فيها شافعا، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة. ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض"شفيعا" لمصير البائع به شفعا. (2)

* * *

فتأويل الآية إذا: واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع، فيترك لها ما لزمها من حق.

وقيل: إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه. كما:-

880 -

حدثني عباس بن أبي طالب، قال: حدثنا حجاج بن نصير، عن شعبة، عن العوام بن مراجم -رجل من قيس بن ثعلبة-، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان بن عفان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة، كما قال الله عز وجل (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)

[الأنبياء: 47] الآية (3)

(1) في المطبوعة: " المستشفع له"، وهو خطأ، كما يدل عليه تمام الكلام.

(2)

قال ابن قتيبة في تفسير"الشفعة": "كان الرجل في الجاهلية، إذا أراد بيع منزل، أتاه رجل فشفع إليه فيما باع، فشفعه وجعله أولى بالميبع ممن بعد سببه. فسميت شفعة، وسمى طالبها شفيعا". والشفعة في الدار والأرض: القضاء بها لصاحبها (اللسان: شفع) .

(3)

الحديث: 880 - عباس بن أبي طالب: هو عباس بن جعفر بن الزبرقان البغدادي، وهو ثقة، مترجم في التهذيب، ترجمه ابن أبي حاتم 3 / 1 /215، والخطيب في تاريخ بغداد 12: 411 - 142."العوام بن مراجم". بالراء والجيم، ثبت في الأصول"مزاحم" بالزاي والحاء، وهو تصحيف.

والحديث ضعيف الإسناد، من أجل حجاج بن نصير الفساطيطي. وقد رواه عبد الله بن أحمد، في الزوائد على المسند: 520، عن عباس بن محمد وأبي يحيى البزار، كلاهما عن حجاج بن نصير. وقد فصلنا القول في ضعفه هناك.

وأما معناه فصحيح ثابت، من حديث أبي هريرة، رواه أحمد في المسند:7203. ورواه مسلم، والترمذي، وصححه. "الجماء": لا قرن لها. و"القرناء": ذات القرن.

ص: 32

فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله -مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده- بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؛ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله (1) .

وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة، فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" وأنه قال:"ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا". (2)

فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين -بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم- عن كثير من عقوبة إجرامهم بينهم وبينه (3) وأن قوله: (ولا يقبل منها شفاعة) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل. وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد، فنستقصي الحجاج في ذلك، وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله.

* * *

(1) في المطبوعة: "في رحمة الله" وليست بجيدة.

(2)

حديث: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي": هكذا ذكره الطبري دون إسناد. وهو حديث صحيح، ذكره السيوطي في الجامع الصغير، ونسبه لأحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم-عن أنس. والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم-عن جابر. انظر شرح المناوي الكبير، رقم 4892 (ج 4 ص 163) .

وحديث"ليس من نبي" إلخ: كذلك جاء به الطبري دون إسناد. ومعناه ثابت صحيح، من حديث أنس بن مالك، رواه البخاري، ومسلم. انظر الترغيب والترهيب 4:213.

(3)

في المطبوعة: "إجرامهم بينه وبينهم"، والذي في المخطوطة هو الصواب الجيد.

ص: 33

القول في تأويل قوله تعالى {وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}

قال أبو جعفر: و"العدل" -في كلام العرب بفتح العين-: الفدية، كما:-

881 -

حدثنا به المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية:(ولا يؤخذ منها عدل) قال: يعني فداء.

882 -

حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي:(ولا يؤخذ منها عدل) أما عدل: فيعدلها من العدل، يقول: لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها.

883 -

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله:(ولا يؤخذ منها عدل) قال: لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.

884 -

حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا حسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: قال ابن عباس: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: بدل، والبدل: الفدية.

885 -

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (ولا يؤخذ منها عدل) قال: لو أن لها ملء الأرض ذهبا لم يقبل منها فداء قال: ولو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.

886 -

وحدثني نجيح بن إبراهيم، قال: حدثنا علي بن حكيم، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمرو بن قيس الملائي، عن رجل من بني أمية -من أهل الشام أحسن عليه الثناء-، قال: قيل يا رسول الله ما العدل؟ قال: العدل: الفدية (1) .

(1) الحديث: 886 - نجيح بن إبراهيم: لم أجد في كل المراجع التي بين يدى، غير ترجمة"نجيح بن إبراهيم بن محمد الكرماني"، في لسان الميزان 6: 149، وأنه كوفي ثقة، يروي عن أبي نعيم فهو من طبقة شيوخ الطبري. فالراجح أنه هو. علي بن حكيم - بفتح الحاء - هو الأودي الكوفي، وهو ثقة من شيوخ البخاري ومسلم. حميد بن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، وأبوه: ثقتان. عمرو بن قيس الملائي - بضم الميم وتخفيف اللام - الكوفي: ثقة من أتباع التابعين. وقد روى هذا الحديث مرفوعا، عن رجل أبهم اسمه وأثنى عليه، والراجح أنه تابعي. فيكون الإسناد مرسلا أو منقطعا، فهو ضعيف ولم أجده عن غير الطبري، نقله عنه ابن كثير 1: 161، والسيوطي 1:68.

ص: 34

وإنما قيل للفدية من الشيء والبدل منه"عدل"، لمعادلته إياه وهو من غير جنسه; ومصيره له مثلا من وجه الجزاء، لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة، كما قال جل ثناؤه:(وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا)[الأنعام: 70] بمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها. (1) يقال منه:"هذا عدله وعديله". وأما"العدل" بكسر العين، فهو مثل الحمل المحمول على الظهر، يقال من ذلك:"عندي غلام عدل غلامك، وشاة عدل شاتك" -بكسر العين-، إذا كان غلام يعدل غلاما، وشاة تعدل شاة. (2) وكذلك ذلك في كل مثل للشيء من جنسه. فإذا أريد أن عنده قيمته من غير جنسه نصبت العين فقيل:"عندي عدل شاتك من الدراهم". وقد ذكر عن بعض العرب أنه يكسر العين من"العدل" الذي هو بمعنى الفدية لمعادلة ما عادله من جهة الجزاء، وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم، فأما واحد"الأعدال" فلم يسمع فيه إلا"عدل" بكسر العين. (3)

* * *

القول في تأويل قوله تعالى {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) }

وتأويل قوله: (ولا هم ينصرون) يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر، كما لا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية. بطلت هنالك المحاباة

(1) الجملة في تفسير الآية، ساقطة من المخطوطة.

(2)

وهذه الجملة في المخطوطة جاءت هكذا: "يقال من ذلك: عندي غلام عدل غلاما وشاة عدل شاة"، واكتفى بهذا القدر منها، مع الخطأ البين فيها.

(3)

وهذا أيضًا بيان جيد، قلما تصيبه في كتاب من كتب اللغة.

ص: 35

واضمحلت الرشى والشفاعات، وارتفع بين القوم التعاون والتناصر (1) وصار الحكم إلى العدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها. وذلك نظير قوله جل ثناؤه:(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)[الصافات: 24-26] وكان ابن عباس يقول في معنى: (لا تناصرون)، ما:-

887 -

حدثت به عن المنجاب، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس:(ما لكم لا تناصرون) ما لكم لا تمانعون منا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم! (2)

* * *

وقد قال بعضهم في معنى قوله: (ولا هم ينصرون) : وليس لهم من الله يومئذ نصير ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم. وقد قيل: ولا هم ينصرون بالطلب فيهم والشفاعة والفدية.

* * *

قال أبو جعفر: والقول الأول أولى بتأويل الآية لما وصفنا من أن الله جل ثناؤه إنما أعلم المخاطبين بهذه الآية أن يوم القيامة يوم لا فدية -لمن استحق من خلقه عقوبته-، ولا شفاعة فيه، ولا ناصر له. وذلك أن ذلك قد كان لهم في الدنيا، فأخبر أن ذلك يوم القيامة معدوم لا سبيل لهم إليه.

* * *

(1) في المطبوعة: "وارتفع من القوم"، وهو خطأ. وارتفع هنا: بمعنى ذهب وانقضى مجاز من الارتفاع، وهو العلو.

(2)

الأثر: 887 - لم يذكره في تفسير الآية من سورة الصافات، انظر (23: 32 بولاق)

ص: 36