المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النبي صلى الله عليه وسلم،"ومما رَزقناهم ينفقون": هي َنفقَةُ الرّجل - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١

[ابن جرير الطبري]

الفصل: النبي صلى الله عليه وسلم،"ومما رَزقناهم ينفقون": هي َنفقَةُ الرّجل

النبي صلى الله عليه وسلم،"ومما رَزقناهم ينفقون": هي َنفقَةُ الرّجل على أهله. وهذا قبل أن تنزِل الزكاة (1) .

وأوْلى التأويلات بالآية وأحقُّها بصفة القوم: أن يكونوا كانوا لجميع اللازم لهم في أموالهم، مُؤدِّين، زكاةً كان ذلك أو نفَقةَ مَنْ لزمتْه نفقتُه، من أهل وعيال وغيرهم، ممن تجب عليهم نَفَقتُه بالقرابة والمِلك وغير ذلك. لأن الله جل ثناؤه عَمّ وصفهم إذْ وصَفهم بالإنفاق مما رزقهم، فمدحهم بذلك من صفتهم. فكان معلومًا أنه إذ لم يخصُصْ مدْحَهم ووصفَهم بنوع من النفقات المحمود عليها صاحبُها دونَ نوعٍ بخبر ولا غيره - أنهم موصوفون بجميع معاني النفقات المحمودِ عليها صاحبُها من طيِّب ما رزقهم رَبُّهم من أموالهم وأملاكهم، وذلك الحلالُ منه الذي لم يَشُبْهُ حرامٌ.

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ}

قد مضى البيان عن المنعوتين بهذا النعت، وأي أجناس الناس هم (2) . غير أنَّا نذكر ما رُوي في ذلك عمن روي عنه في تأويله قولٌ:

289-

فحدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،"والذين يؤمنون بما أنزِل إليك وما أنزل من قبلك": أي يصدِّقونك

(1) الخبر 288- نقله ابن كثير أيضًا. ونقله السيوطي مختصرًا، وجعله من كلام ابن مسعود وحده. وقلده الشوكاني دون بحث.

(2)

انظر 237 - 2‌

‌4

1.

ص: 244

بما جئت به من الله جلّ وعز وما جاء به مَنْ قبلك من المرسلين، لا يفرِّقون بينهم، ولا يجْحَدون ما جاءوهم به من عند ربهم (1) .

290-

حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة الهَمْداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،"والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون": هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب (2) .

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) }

قال أبو جعفر: أما الآخرةُ فإنها صفة للدار، كما قال جل ثناؤه (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [سورة العنكبوت: 64] . وإنما وصفت بذلك لمصيرها آخِرةً لأولى كانت قبلها، كما تقول للرجل:"أنعمتُ عليك مرَّة بعد أخرى، فلم تشكر لي الأولى ولا الآخرة"، وإنما صارت آخرة للأولى، لتقدُّم الأولى أمامها. فكذلك الدارُ الآخرة، سُمِّيت آخرةً لتقدُّم الدار الأولى أمامها، فصارت التاليةُ لها آخرةً. وقد يجوز أن تكون سُمِّيت آخرةً لتأخُّرها عن الخلق، كما سميت الدنيا"دنيا" لِدُنُوِّها من الخلق.

(1) الخبر 289- ذكره ابن كثير 1: 79 مع باقيه الآتي: 291. وذكره السيوطي 1: 27، والشوكاني 1: 25 بزيادة أخرى على الروايتين، منسوبًا لابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم.

(2)

الخبر 290- وهذا ذكره ابن كثير أيضًا، لكن بالإشارة إليه دون سياقة لفظه. وقلده الشوكاني.

وعلى الأصل المخطوط بعد هذا ما نصه

سمع أحمد ومحمد والحسن، بنو عبد الله بن أحمد الفرغاني جميعه.

سمع محمد بن محمد الطرسوسي والحسن بنو محمد بن عبدان، والحسن بن إبراهيم الحناس جميعه. والحمد لله كثيرًا.

ص: 245

وأما الذي وصف الله جل ثناؤه به المؤمنين - بما أنزل إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل إلى من قبله من المرسلين - من إيقانهم به من أمر الآخرة، فهو إيقانهم بما كان المشركون به جاحدين: من البعث والنشور والثواب والعقاب والحساب والميزان، وغير ذلك مما أعد الله لخلقه يوم القيامة. كما:-

291-

حدثنا به محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) : أي بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، أي، لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك، ويكفرون بما جاءك من ربك (1) .

وهذا التأويل من ابن عباس قد صرح عن أن السورة من أولها - وإن كانت الآيات التي في أولها من نعت المؤمنين - تعريض من الله عز وجل بذم كفار أهل الكتاب، الذين زعموا أنهم - بما جاءت به رسل الله عز وجل الذين كانوا قبل محمد صلوات الله عليهم وعليه - مصدقون، وهم بمحمد صلى الله عليه مكذبون، ولما جاء به من التنزيل جاحدون، ويدعون مع جحودهم ذلك أنهم مهتدون، وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى. فأكذب الله جل ثناؤه ذلك من قيلهم بقوله:(ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) . وأخبر جل ثناؤه عباده: أن هذا الكتاب هدى لأهل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، المصدقين بما أنزل إليه وإلى من قبله من رسله من البينات والهدى - خاصة، دون من كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وادعى أنه مصدق بمن قبل محمد عليه الصلاة والسلام من الرسل

(1) الخبر 291- هو تتمة الخبر السابق 289 وقد أشرنا إليه هناك.

ص: 246