المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عن ابن طاوس، عن أبيه:"أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١١

[ابن جرير الطبري]

الفصل: عن ابن طاوس، عن أبيه:"أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين

عن ابن طاوس، عن أبيه:"أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق"، قال: الله وقَّفَه. (1)

13035-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري قال، قرئ على سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه طاوس قال: احتج عيسى، والله وقّفه:"أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، الآية.

13036 -

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: قال الله تعالى ذكره:"يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"؟ قال: فأُرعدت مفاصله، وخشى أن يكون قد قالها، فقال:"سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب".

* * *

القول في تأويل قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‌

(118) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها ="فإنهم عبادك"، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به ="وإن تغفر لهم"، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم ="فإنك أنت العزيز"، (2) في

(1) في المطبوعة والمخطوطة: "الله وفقه"، وانظر التعليق السالف، وكذلك ما سيأتي في الأثر التالي.

(2)

انظر تفسير"العباد"، و"المغفرة"، و"العزيز"، و"الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) ، (غفر) ، (عزز) ، (حكم) .

ص: 240

انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه ="الحكيم"، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب، كالذي:-

13037 -

حثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم"، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام ="فإنك أنت العزيز الحكيم". وهذا قول عيسى في الدنيا.

13038 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"، قال: والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين.

* * *

القول في تأويل قوله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}

قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله:"هذا يوم ينفع الصادقين". فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب"يوم".

* * *

وقرأه بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة، وعامة قرأة أهل العراق: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ، برفع"يوم". فمن رفعه رفعه ب"هذا"، وجعل"يوم" اسمًا، وإن كانت إضافته غير محضة، لأنه قد صار كالمنعوت. (1)

(1) في المطبوعة: "لأنه صار"، أسقط"قد".

ص: 241

وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل"اليوم" و"الليلة"، عملهم فيما بعدها. إن كان ما بعدها رفعًا رفعوها، كقولهم:"هذا يومُ يركب الأمير"، و"ليلةُ يصدر الحاج"، و"يومُ أخوك منطلق". وإن كان ما بعدها نصبًا نصبوها، وذلك كقولهم:"هذا يومَ خرج الجيش، وسار الناس"، و"ليلةَ قتل زيد"، ونحو ذلك، وإن كان معناها في الحالين"إذ" و"إذا".

* * *

وكأن من قرأ هذا هكذا رفعًا، وجَّه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة.

* * *

وكذلك كان السدي يقول في ذلك.

13039 -

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله:"هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم"، هذا فصل من كلام عيسى، وهذا يوم القيامة.

* * *

يعني السدي بقوله:"هذا فصل من كلام عيسى": أن قوله:"سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى قوله:"فإنك أنت العزيز الحكيم"، من خبر الله عز وجل عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة.

* * *

وأما النصب في ذلك، فإنه يتوجه من وجهين:

أحدهما: أن إضافة"يوم" ما لم تكن إلى اسم، تجعله نصبًا، لأن الإضافة غير محضة، وإنما تكون الإضافة محضة، إذا أضيف إلى اسم صحيح. ونظير"اليوم" في ذلك:"الحين" و"الزمان"، وما أشبههما من الأزمنة، كما قال النابغة:

ص: 242

عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا

وَقُلْتُ ألَمَّا تَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ (1)

والوجه الآخر: أن يكون مرادًا بالكلام: هذا الأمر وهذا الشأن، يومَ ينفع الصادقين = فيكون"اليوم" حينئذ منصوبًا على الوقت والصفة، بمعنى: هذا الأمر في يوم ينفع الصادقين صدقهم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب"اليوم"، على أنه منصوب على الوقت والصفة. لأن معنى الكلام: إنّ الله جل وتعالى ذكره أجاب عيسى حين قال:"سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته"، إلى قوله:"فإنك أنت العزيز الحكيم"، فقال له عز وجل: هذا القولُ النافعُ = أو هذا الصدق النافع = يوم ينفع الصادقين صدقهم. ف"اليوم" وقت القول والصدق النافع.

* * *

فإن قال قائل: فما موضع"هذا"؟

قيل: رفع.

فإن قال: فأين رَافعه؟

(1) ديوانه: 38، ومعاني القرآن للفراء 1: 327، وسيبويه 1: 369، والخزانة 3: 151 والعيني (هامش الخزانة) 3: 406/ 4: 357، وسيأتي في هذا التفسير 19: 88/ ثم 30: 57، (بولاق) ، ورواية أبي جعفر هنا"ألما تصح" كرواية الفراء، وفي سائر المراجع"ألما أصح". وهما روايتان صحيحتا المعنى.

وهذا البيت من قصيدته التي قالها معتذرا إلى النعمان بن المنذر، متنصلا مما قذفه به مرة بن ربيعة عند النعمان، يقول قبله: فَكَفْكَفْتُ مِنِّي عَبْرَةً فَرَدَدْتُهَا

على النَّحْرِ، مِنْها مُسْتَهِلٌّ ودامِعٌ

يقول: عاقبت نفسي على تشوقها إلى ما فات من صباي، فقد شبت وشابت لداتي، وقلت لنفسي: ألم تفق بعد من سكرة الصبا، وعهد الناس بالمشيب أنه يكف من غلواء الشباب!

ص: 243

قيل: مضمر. وكأنه قال: قال الله عز وجل: هذا، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، كما قال الشاعر:(1)

أَمَا تَرَى السَّحَابَ كَيْفَ يَجْرِي ?

هذا، وَلا خَيْلُكَ يَا ابْن بِشْرِ

يريد: هذا هذا، ولا خيلك.

* * *

قال أبو جعفر: فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بينا: قال الله لعيسى: هذا القول النافع في يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك، في الآخرة عند الله ="لهم جنات تجري من تحتها الأنهار"، يقول: للصادقين في الدنيا، جنات تجري من تحتها الأنهار في الآخرة، ثوابًا لهم من الله عز وجل على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه، فوفوا به لله، فوفى الله عز وجل لهم ما وعدهم من ثوابه ="خالدين فيها أبدًا"، يقول: باقين في الجنات التي أعطاهموها ="أبدًا"، دائمًا، لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول. (2)

* * *

وقد بينا فيما مضى أن معنى"الخلود"، الدوام والبقاء. (3)

* * *

القول في تأويل قوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: رَضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين

(1) لم أعرف هذا الراجز

(2)

انظر تفسير"أبدًا" فيما سلف 9: 227/10: 185.

(3)

انظر فهارس اللغة فيما سلف (خلد) .

ص: 244