الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ
(23) }
يقول تعالى ذكره: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) داعيهم إلى طاعتنا وتوحيدنا، والبراءة من كل معبود سوانا، (فَقَالَ) لهم نوح (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ) يقول: قال لهم: ذلوا يا قوم لله بالطاعة (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) يقول: ما لكم من معبود يجوز لكم أن تعبدوه غيره، (أَفَلا تَتَّقُونَ) يقول: أفلا تخشون بعبادتكم غيره عقابه أن يحلّ بكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأنزلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ (24) }
يقول تعالى ذكره: فقالت جماعة أشراف قوم نوح، الذين جحدوا توحيد الله، وكذبوه لقومهم: ما نوح أيها القوم إلا بشر مثلكم، إنما هو إنسان مثلكم وكبعضكم (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) يقول: يريد أن يصير له الفضل عليكم، فيكون متبوعا وأنتم له تبع (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأنزلَ مَلائِكَةً) يقول: ولو شاء الله أن لا نعبد شيئًا سواه؛ لأنزل ملائكة، يقول: لأرسل بالدعاء إلى ما يدعوكم إليه نوح ملائكة تؤدّي إليكم رسالته. وقوله: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا) الذي يدعونا إليه نوح، من أنه لا إله لنا غير الله في القرون الماضية، وهي آباؤهم الأولون.
يعني تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملأ الذين كفروا من قوم نوح: (إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ
بِهِ جِنَّةٌ) ما نوح إلا رجل به جنون. وقد يقال أيضا للجنّ: جنة، فيتفق الاسم والمصدر، وهو من قوله:(إِنْ هُوَ) كناية اسم نوح. وقوله: (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) يقول: فتلبثوا به، وتنظروا به حتى حين، يقول: إلى وقت مَّا، ولم يَعْنُوا بذلك وقتا معلوما، إنما هو كقول القائل: دعه إلى يوم مَّا، أو إلى وقت مَّا، وقوله:(قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ) يقول: قال نوح داعيا ربه، مستنصرا به على قومه؛ لما طال أمره وأمرهم، وتمادوا في غيهم:(رَبِّ انْصُرْنِي) على قومي (بِمَا كَذَّبُونِ) يعني بتكذيبهم إياي، فيما بلَّغتُهم من رسالتك، ودعوتهم إليه من توحيدك. وقوله:(فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنِا وَوَحْيِنَا) يقول: فقلنا له حين استنصرنَا على كَفَرة قومه: اصنع الفلك، وهي السفينة؛ بأعيننا، يقول: بمرأى منا، ومنظر، ووحينا، يقول: وبتعليمنا إياك صنعتها، (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا) يقول: فإذا جاء قضاؤنا في قومك، بعذابهم وهلاكهم (وَفَارَ التَّنُّورُ) .
وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف المختلفين في صفة فور التنور. والصواب عندنا من القول فيه بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
(فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يقول: فادخل في الفلك واحمل. والهاء والألف في قوله: (فِيهَا) من ذكر الفلك (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يقال: سلكته في كذا، وأسلكته فيه، ومن سلكته قول الشاعر:
وكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرّدْ
…
وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ (1)
وبعضهم يقول: أسلكت بالألف، ومنه قول الهُذَلي.
حتى إذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتائِدَةٍ
…
شَلا كمَا تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّردَا (2)
(1) البيت لعدي بن زيد العبادي (انظر شرحنا له في ص 82 من الجزء الثاني عشر من هذا التفسير، وقد استشهد به المؤلف هناك عند قوله تعالى {وقال هذا يوم عصيب) أي شديد واستشهد به هنا على أنه يقال: سلكته في كذا بمعنى أدخلته فيه وأسلكته فيه، والبيت شاهد على الأول. قال في اللسان (اللسان: سلك) والسلك، بالفتح: مصدر سلكت الشيء في الشيء، فانسلك أي أدخلته فيه فدخل. قال عدي بن زيد:" وكنت لزاز....." كما استشهد به المؤلف مرة أخرى في (14: 9) من هذه الطبعة عند قوله تعالى: {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} فراجعه ثمة.
(2)
البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي (اللسان: سلك) . قال: وسلك المكان يسلكه سلكًا وسلوكًا، وسلكه غيره (بنصب غير) وفيه، وأسلكه إياه، وفيه، وعليه (بمعنى أدخله فيه) قال عبد مناف بن ربع الهذلي: " حتى إذا أسلكوهم
…
البيت ". وقد سبق استشهاد المؤلف بالبيت في ص 9 من الجزء الرابع عشر من هذه الطبعة) عند قوله تعالى: {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} فراجعه ثمة.