الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا
(60) }
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم: (اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ) أي اجعلوا سجودكم لله خالصا دون الآلهة والأوثان. قالوا: (أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا) .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة:(لِمَا تَأْمُرُنَا) بمعنى: أنسجد نحن يا محمد لما تأمرنا أنت أن نسجد له. وقرأته عامة قرّاء الكوفة "لمَا يَأْمُرُنا"بالياء، بمعنى: أنسجد لما يأمر الرحمن، وذكر بعضهم أن مُسيلمة كان يُدعى الرحمن، فلما قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم اسجدوا للرحمن، قالوا: أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة؟ يعنون مُسَيلمة بالسجود له.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مستفيضتان مشهورتان، قد قرأ بكل واحد منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (وَزَادَهُمْ نُفُورًا) يقول: وزاد هؤلاء المشركين قول القائل لهم: اسجدوا للرحمن من إخلاص السجود لله، وإفراد الله بالعبادة بعدا مما دعوا إليه من ذلك فرارا.
القول في تأويل قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) }
يقول تعالى ذكره: تقدّس الربّ الذي جعل في السماء بروجا، ويعني بالبروج: القصور، في قول بعضهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن العلاء ومحمد بن المثنى وسلم بن جنادة، قالوا: ثنا عبد الله بن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية بن سعد، في قوله:(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) قال: قصورا في السماء، فيها الحرس.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني أبو معاوية، قال: ثني إسماعيل، عن يحيى بن رافع، في قوله:(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) قال: قصورا في السماء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم (جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) قال: قصورًا في السماء.
حدثني إسماعيل بن سيف، قال: ثني عليّ بن مسهر، عن إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله:(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) قال: قصورا في السماء فيها الحرس.
وقال آخرون: هي النجوم الكبار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن المثنى، قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) قال: النجوم الكبار.
قال: ثنا الضحاك، عن مخلد، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الكواكب.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:(بُرُوجًا) قال: البروج: النجوم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: هي قصور في السماء، لأن ذلك في كلام العرب (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) وقول الأخطل:
كَأَنَّهَا بُرْجُ رُوميّ يُشَيِّدُهُ
…
بانٍ بِجِصّ وآجُر وأحْجارِ (1)
يعني بالبرج: القصر.
قوله: (وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا) اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة (وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا) على التوحيد، ووجهوا تأويل ذلك إلى أنه جعل فيها الشمس، وهي السراج التي عني عندهم بقوله:(وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا) .
كما حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله:(وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) قال: السراج: الشمس.
وقرأته عامة قرّاء الكوفيين "وَجَعَلَ فِيها سُرُجا"على الجماع، كأنهم وجهوا تأويله: وجعل فيها نجوما (وَقَمَرًا مُنِيرًا) وجعلوا النجوم سرجا إذ كان يهتدي بها.
(1) البيت للأخطل كما قال المؤلف. والبرج: المراد به القصر كما قاله. وقد كثر في كلام العرب تشبيه إبل السفر القوية الموثقة الخلق بأبنية الرومي، ومن ذلك قول طرفة في وصف ناقته: كَقَنْطَرَةِ الرُّوميّ أقسَمَ رَبُّهَا
…
لَتُكْتَفَنْ حَتَى تُشَادَ بِقَرْمَدِ
والبيت شاهد على أن البرج معناه: القصر.