الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: (بَاخِعٌ نَفْسَكَ) : قاتل نفسك.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) قال: لعلك من الحرص على إيمانهم مخرج نفسك من جسدك، قال: ذلك البخع.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) عليهم حرصا.
وأن من قوله: (أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) في موضع نصب بباخع، كما يقال: زرت عبد الله أن زارني، وهو جزاء; ولو كان الفعل الذي بعد أن مستقبلا لكان وجه الكلام في "أن"الكسر كما يقال; أزور عبد الله إن يزورني.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ
(4) }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ)
…
الآية، فقال بعضهم: معناه: فظلّ القوم الذين أنزل عليهم من السماء آية خاضعة أعناقهم لها من الذلَّة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد في قوله:(فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) قال: فظلوا خاضعة أعناقهم لها.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:(خَاضِعِينَ) قال: لو شاء الله لنزل عليه آية يذلون بها، فلا يلوي أحد عنقه إلى معصية الله.
حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج: (أَلا يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً) قال: لو شاء الله لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده بمعصية.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) قال: ملقين أعناقهم.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:(فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) قال: الخاضع: الذليل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلت سادتهم وكبراؤهم للآية خاضعين، ويقول: الأعناق: هم الكبراء من الناس.
واختلف أهل العربية في وجه تذكير (خاضعين) ، وهو خبر عن الأعناق، فقال بعض نحوييّ البصرة: يزعمون أن قوله (أعْنَاقُهُمْ) على الجماعات، نحو: هذا عنق من الناس كثير، أو ذُكِّر كما يذكَّر بعض المؤنث، كما قال الشاعر:
تَمَزَّزْتُها والدّيكُ يَدْعُو صَبَاحَهُ
…
إذا ما بنو نَعْشٍ دَنَوْا فَتَصَوَّبُوا (1)
فجماعات هذا أعناق، أو يكون ذكره لإضافته إلى المذكر كما يؤنث لإضافته إلى
(1) هذا البيت أنشده سيبويه للنابغة الجعدي، (اللسان: نعش) وقبله بيت آخر، يصف بهما الخمر، وهو قوله: وَصَهْبَاءُ لا يَخْفَى الْقَذَى وَهْيَ دُونَهُ
…
تُصَفَّقُ في رأوُوقِهَا ثُمَّ تُقْطَبُ
قال: وبنات نعش سبعة كواكب، أربعة منها مربعة، وثلاثة بنات نعش، الواحد: ابن نعش لأن الكوكب مذكر فيذكرونه على تذكيره. وإذا قالوا: ثلاث أو أربع ذهبوا إلى البنات، وكذلك بنات نعش الصغرى. واتفق سيبويه والفراء على ترك صرف نعش للمعرفة والتأنيث. وقيل: شبهت بحملة النعش في تربيعها. وجاء في الشعر بنو نعش، أنشد سيبويه للنابغة الجعدي: * وصهباء لا يخفي.........*
" البيتان، الصهباء: الخمر. وقوله: "لا يخفى القذى وهي دونه" أي لا تستره إذا وقع فيها، لكونها صافية، فالقذى يرى فيها إذا وقع. وقوله: وهي دونه: يريد أن القذى إذا حصل في أسفل الإناء، رآه الرائي في الموضع الذي فوقه الخمر، والخمر أقرب إلى الرائي من القذى. يريد أنها يرى ما وراءها. وتصفق تدار من إناء إلى إناء وقوله: تمززتها: أي شربتها قليلا قليلا. وتقطب: تمزج بالماء. قال الأزهري: وللشاعر إذا اضطر أن يقول: بنو نعش، كما قال الشاعر، وأنشد البيت، ووجه الكلام: بنات نعش، كما قالوا: بنات آوى وبنات عرس، والواحد منها ابن عرس، يؤنثون جمع ما خلا الآدميين. ورواية أبي عبيدة في (مجاز القرآن ص 171) : شربت إذا ما الديك
…
إلخ البيت.
المؤنث، كما قال الأعشى:
وتشرقُ بالقَوْلِ الَّذِي قَدْ أذَعْتَه
…
كمَا شَرَقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّم (1)
وقال العجاج:
لَمَّا رأى مَتْنَ السَّماء أبْعَدَتْ (2)
وقال الفرزدق:
إذَا الْقُنْبُضَاتُ السُّودُ طَوَّفْنَ بالضحى
…
رَقَدْنَ عَلَيهِنَّ الحِجَالُ المُسَجَّفُ (3)
وقال الأعشى:
وإن أمرأً أهْدَى إلَيْكَ وَدُونَهُ
…
مِنَ الأرْضِ يَهْماءٌ وَبَيْدَاءُ خَيْفَقُ
…
لَمَحْقُوقَة أن تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ
…
وأنْ تَعْلَمِي أنَّ المُعانَ المُوَفَّقُ (4)
(1) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (اللسان: شرق) قال: شرق الشيء شرقًا، فهو شرق: اشتدت حمرته بدم، أو بحسن لون أحمر، قال الأعشى:"وتشرق بالقول.." البيت. والبيت هو الرابع والثلاثون من قصيدة في ديوانه (طبع القاهرة ص 121) يهجو بها عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، حين جمع بينه وبين جهنام الشاعر ليهاجيه. قال شارح الديوان:"وحتى تشرق بما أذعنت من قول، كما يشرق مقدم الرمح بالدم". وصدر القناة: أعلاها. والشاهد في البيت أنه أنث الفعل شرق بالتاء، مع أن فاعله وهو "صدر" مذكر. ولكنه لما أضيف إلى القناة وهي مؤنثة، فكأنه جعل الفعل للقناة لا لصدرها.
(2)
لم أجد البيت في ديوان العجاج ورؤبة. ووجدت أرجوزة من نفس القافية للزفيان ملحقة بديوان العجاج (94، 95) وليس فيها البيت. والمتن: الظهر. والشاهد في هذا الرجز أنه أنث الفعل أبعدت بالتاء، مع أن الضمير فيه راجع إلى المتن، وهو مذكر؛ لكن لما أضيف المتن إلى السماء وهي مؤنثة، فكأن الشاعر أعاد الضمير على السماء، وتناسى المتن، فأنث لذلك، وكأنه قال:"لما رأى السماء أبعدت". وهو كالشاهد الذي قبله.
(3)
البيت للفرزدق (اللسان: قبض) . والقنبضة من النساء: القصيرة، والنون زائدة، والضمير في رقدن: يعود إلى نساء وصفهن بالنعمة والترف إذا كانت القنبضات السود في خدمة وتعب اهـ. يعني بالقنبضات الولائد والإماء من الخدم. والحجال: جمع حجلة، بالتحريك، وهي بيت كالقبة يستر بالثياب، ويكون له أزرار كبار. ومنه حديث:"أعروا النساء يلزمن الحجال". وجمع الحجلة: حجل وحجال، قال الفرزدق: * رقدن عليهن الحجال المسجف *
قال: الحجال، وهي جماعة، ثم قال: المسجف فذكر، لأن لفظ الحجال لفظ الواحد مثل الجراب. قال: ومثله قوله تعالى: (قال من يحيي العظام وهي رميم)، ولم يقل رميمة. وانظر البيت أيضًا في ديوان الفرزدق (طبعة الصاوي ص 552) قال: والتسجيف: إرخاء السجفين، وهما سترا باب الحجلة للعروس وكل باب يستره ستران بينهما مشقوق، فكل شق منهما سجف.
(4)
البيتان لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه ص 223) من قافيته التي مطلعها: * أرقت وما هذا السهاد المؤرق *
يمدح بها المحلق بن خنثم بن شداد بن ربيعة. وفي رواية البيت الأول فيه وفي خزانة الأدب الكبرى (للبغدادي 1: 551، 2: 410) أسرى، في موضع: أهدى. و"أن المعان موفق" في موضع "أن المعان الموفق". = ومعنى أهدى من الهدية، وهذا لا يصلح إلا على أن الخطاب للناقة وكان قد أهداها الممدوح إليه، لا على أن الخطاب للمرأة المذكورة في القصيدة قبل البيت في قوله "وكم دون ليلى" وتمام رواية البيت على أنه خطاب للناقة هو: وإن امرأ أهداك بيني وبينه
…
فياف تنوفات ويهماء سملق
والأكثرون على رواية أسرى إليك، وأنه خطاب للمرأة، وعليه بنى الكوفيون كلامهم في الاستشهاد بالبيت. وأسرى: لغة في سرى أي سار ليلا. والموماة: الأرض التي لا ماء فيها. والبيداء واليهماء القفر. والسملق: الأرض المستوية. وقد اختلف النحويون في تخريج قوله: "المحقوقة أن تستجيبى"، فقيل: لمحقوقة استجابتك أي استجابتك محقوقة. وعليه فالتأنيث في محقوقة للمصدر المؤنث جوازًا. وعليه أيضًا فلا شاهد في البيت. وقال الكوفيون: محقوقة خبر إن امرأ، غير جار على من هو له وهو امرأ، وإنما هو جار على المرأة المخاطبة بقوله إليك. والبصريون يوجبون إذا جرى الخبر على غير من هو له إبراز الضمير المستتر فيه، فكان حقه أن يقول: لمحقوقة أنت أن تستجيبى لصوته. ويرى الكوفيون أن إبراز الضمير المستتر في مثل هذه الحالة حكمه الجواز لا الوجوب، واستدلوا بالبيت على ترك إبرازه. ورد البصريون كلامهم بما لا محل لذكره هنا. واستشهد المؤلف بالبيت على ما استشهد به الكوفيون.
قال: ويقولون: بنات نعش وبنو نعش، ويقال: بنات عِرس، وبنو عِرس; وقالت امرأة: أنا امرؤ لا أخبر السرّ، قال: وذكر لرؤبة رجل فقال: هو كان أحد بنات مساجد الله، يعني الحَصَى. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هذا بمنزلة قول الشاعر:
تَرَى أرْمَاحَهُمْ مُتَقَلديها
…
إذَا صَدِئَ الحَدِيدُ على الكُماةِ (1)
فمعناه عنده: فظلت أعناقهم خاضعيها هم، كما يقال: يدك باسطها، بمعنى: يدك باسطها أنت، فاكتفى بما ابتدأ به من الاسم أن يكون، فصار الفعل كأنه للأوّل وهو للثاني، وكذلك قوله: لمحقوقة أن تستجيبي لصوته إنما هو لمحقوقة أنت، والمحقوقة: الناقة، إلا أنه عطفه على المرء لما عاد بالذكر. وكان آخر منهم يقول: الأعناق: الطوائف، كما يقال: رأيت الناس إلى فلان عنقا واحدة، فيجعل الأعناق الطوائف والعصب; ويقول: يحتمل أيضا أن تكون الأعناق هم السادة والرجال الكبراء، فيكون كأنه قيل:
(1) البيت ذكره ابن الأنباري في الإنصاف ولم ينسبه وكذلك لم ينسبه البغدادي في الخزانة (2: 411) وهو كالشاهد الذي قبله. قال البغدادي: الظاهر من كلام ابن الشجري في أماليه، ومن كلام ابن الأنباري في مسائل الخلاف، ومن كلام غيرهما: أن مذهب الكوفيين، جواز ترك التأكيد مطلقًا، سواء أمن اللبس أم لا. قال ابن الأنباري: احتج الكوفيون لمذهبهم بالشعر المتقدم، وبقوله:"ترى أرباقهم.." البيت. ولو كان إبراز الضمير واجبًا لقال: متقلديها هم. فلما لم يبرز الضمير دل على جوازه. وأجاب البصريون عن هذا بأنه على حذف مضاف، أي نرى أصحاب أرباقهم متقلديها. ورواية البيت في الخزانة والإنصاف:"ترى أرباقهم" في موضع "ترى أرماحهم". وكذلك أنشده الفراء في معاني القرآن: أرباقهم (ص 228) .
فظلت رءوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين، وقال: أحب إلي من هذين الوجهين في العربية أن يقال: إن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعلت الفعل أولا للأعناق، ثم جعلت خاضعين للرجال، كما قال الشاعر:
عَلى قَبْضَة مَرْجُوَّة ظَهْرُ كَفِّهِ
…
فَلا المَرْءُ مُسْتَحي وَلا هُوَ طاعِمُ (1)
فأنث فعل الظهر، لأن الكفّ تجمع الظهر، وتكفي منه، كما أنك تكتفي بأن تقول: خضعت لك، من أن تقول: خَضَعَتْ لك رقبتي، وقال: ألا ترى أن العرب تقول: كل ذي عين ناظر وناظرة إليك، لأن قولك: نظرتْ إليك عيني، ونظرت إليك بمعنى واحد بترك كل، وله الفعل ومرده إلى العين، فلو قلت: فظلت أعناقهم لها خاضعة، كان صوابا.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بما قال أهل التأويل في ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال، وأن يكون معنى الكلام: فظلت أعناقهم ذليلة، للآية التي ينزلها الله عليهم من السماء، وأن يكون قوله "خاضعين"مذكرا، لأنه خبر عن الهاء والميم في الأعناق، فيكون ذلك نظير قول جرير:
أرَى مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي
…
كمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهلالِ (2)
وذلك أن قوله: مرّ، لو أسقط من الكلام، لأدى ما بقي من الكلام عنه ولم يفسد سقوطه معنى الكلام عما كان به قبل سقوطه، وكذلك لو أسقطت الأعناق من
(1) هذا البيت مما استشهد به الفراء في معاني القرآن (الورقة 328) قال عند قوله تعالى: (فظلت أعناقهم لها خاضعين) : الفعل للأعناق، فيقول القائل: كيف لم يقل خاضعة. وفي ذلك وجوه كلها صواب. أولها: أن مجاهدًا جعل الأعناق الرجال الكبراء، فكانت الأعناق ها هنا بمنزلة قولك: ظلت رءوسهم، رءوس القوم وكبراؤهم (لها خاضعين)، الآية. والوجه الآخر: أن تجعل الأعناق: الطوائف، كما تقول: رأيت الناس إلى فلان عنقًا واحدًا، فتجعل الأعناق: الطوائف والعصب. وأحب إليَّ من هذين الوجهين في العربية: أن الأعناق إذا خضعت، فأربابها خاضعون، فجعلت الفعل أولا للأعناق. ثم جعلت خاضعين للرجال، كما قال الشاعر "على قبضة مرجوة.." البيت. فأنث فعل الظهر، لأن الكف تجمع الظهر، وتكفي منه.
(2)
البيت لجرير، وقد سبق الاستشهاد به في الجزء (12: 157) وذكره صاحب (اللسان: خضع) قال: جاز أن يخبر عن المضاف إليه كما قال الشاعر "رأت مر السنين"، لما كانت السنون لا تكون إلا بمن أخبر عن السنين، وإن كان أضاف إليها المرور. والسرار: الليلة التي يخفى فيها الهلال آخر الشهر. ورواية "رأت مر السنين": هي رواية الديوان (طبعة الصاوي: 426) ورواية أبي عبيدة في مجاز القرآن (ص 171) .