الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا، وسخطنا وضيقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسيف. (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) يقول: فما خضعوا لربهم فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) يقول: وما يتذللون له.
وذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ الله قريشا بسني الجدب، إذ دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الخبر في ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز! يعني الوبر والدم، فأنزل الله:(ولقد أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد المؤمن، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن ابن أثال الحنفي، لما أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو أسير، فخلى سبيله، فلحق بمكة، فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة، حتى أكلت قريش العِلْهِز، فجاء أبو سفيان إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أليس تزعم بأنك بُعثت رحمة للعالمين؟ فقال: "بلى! " فقال: قد قتلتَ الآباء بالسيف والأبناء بالجوع! فأنزل الله: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ
…
) الآية.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: أخبرنا عمرو، قال: قال الحسن: إذا أصاب الناس من قِبَل الشيطان بلاء، فإنما هي نقمة، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية، ولكن استقبلوها بالاستغفار، وتضرعوا إلى الله، وقرأ هذه الآية:(وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله:(وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ) قال: الجوع والجدب. (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) فَصَبَرُوا (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
(77) }
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معناه: حتى إذا فتحنا عليهم باب القتال، فقتلوا يوم بدر.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله:(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ) قد مضى، كان يوم بدر.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج:(حتى إذا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ) قال: يوم بدر.
وقال آخرون: معناه: حتى إذا فتحنا عليهم باب المجاعة والضر، وهو الباب ذو العذاب الشديد.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:(حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ) قال: لكفار قريش الجوع، وما قبلها من القصة لهم أيضا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، بنحوه، إلا أنه قال: وما قبلها أيضا.
وهذا القول الذي قاله مجاهد: أولى بتأويل الآية، لصحة الخبر الذي ذكرناه قبل عن ابن عباس، أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة المجاعة التي أصابت قريشا؛ بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وأمر ثمامة بن أثال، وذلك لا شك أنه كان بعد وقعة بدر.
وقوله: (إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) يقول: إذا هؤلاء المشركون فيما فتحنا عليهم من العذاب حزنى نادمون على ما سلف منهم، في تكذيبهم بآيات الله، في حين لا ينفعهم الندم والحزن.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (78) }
يقول تعالى ذكره: والله الذي أحدث لكم أيها المكذّبون بالبعث بعد الممات السمعَ الذي تسمعون به، والأبصَارَ التي تبصرون بها، والأفئدة التي تفقهون بها، فكيف يتعذّر على من أنشأ ذلك ابتداء إعادته بعد عدمه وفقده، وهو الذي يوجد ذلك كله إذا شاء ويفنيه إذا أراد (قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ) يقول: تشكرون أيها المكذّبون خير الله من عطائكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) }
يقول تعالى ذكره: والله الذي خلقكم في الأرض وإليه تُحْشَرونَ من بعد مماتكم، ثم تبعثون من قبوركم إلى موقف الحساب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) }
يقول تعالى ذكره: والله الذي يحيي خلقه يقول: يجعلهم أحياء بعد أن كانوا نطفا أمواتا، بنفخ الروح فيها بعد التارات التي تأتي عليها، (وَيُمِيتُ) يقول: ويميتهم بعد أن أحياهم (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) يقول: وهو الذي جعل الليل والنهار مختلفين، كما يقال في الكلام: لك المنّ والفضل، بمعنى: إنك تمنّ وتفضل. وقوله: (أَفَلا تَعْقِلُونَ) يقول: أفلا تعقلون أيها الناس، أن الذي فعل هذه الأفعال ابتداء من غير أصل، لا يمتنع عليه إحياء الأموات بعد فنائهم، وإنشاء ما شاء إعدامه بعد إنشائه.
القول في تأويل قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) }
يقول تعالى ذكره: ما اعتبر هؤلاء المشركون بآيات الله، ولا تدبروا ما احتجّ عليهم من الحجج والدلالة على قدرته، على فعل كلّ ما يشاء، ولكن قالوا مثل ما قال أسلافهم من الأمم المكذّبة رسلها قبلهم:(قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا) يقول: أئذا متنا وعدنا ترابا قد بليت أجسامنا، وبرأت عظامنا من لحومنا (أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ)