الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كوى ينظر بعضهم إلى بعض.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق: (فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) أي كالجبل على نشز من الأرض.
حدثني عليّ، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) يقول: كالجبل.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله:(كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) قال: كالجبل العظيم.
ومنه قول الأسود بن يعفر:
حَلُّوا بأنْقِرَةٍ يَسيلُ عَلَيْهِمُ
…
ماء الفُرَاتِ يَجيءُ مِنْ أطْوادِ (1)
يعني بالأطواد: جمع طود، وهو الجبل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ
(64)
وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) }
يعني بقول تعالى ذكره: (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ) : وقرّبنا هنالك آل فرعون من البحر، وقدمناهم إليه، ومنه قوله:(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) بمعنى: قربت وأُدنيت; ومنه قول العجاج:
طَيّ اللَّيالي زُلَفا فَزُلَفا
…
سَماوَةَ الهِلالِ حتى احْقَوْقَفَا (2)
(1) البيت للأسود بن يعفر، قاله المؤلف. وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (مخطوطة الجامعة ص 172) قال: كالطود العظيم: أي الجبل. قال: "حلوا بأنقرة.." البيت وفي (اللسان: طود) : الطود: الجبل العظيم. وفي حديث عائشة تصف أباها رضي الله عنهما : ذاك طود منيف: أي جبل عال. والطود: الهضبة. عن ابن الأعرابي. والجمع: أطواد. اهـ. وفي رواية أبي عبيدة في مجاز القرآن: "يجيش" في موضع "يسيل" ورواية البكري في معجم ما استعجم ص 204 طبعة القاهرة: "يسيل" كرواية المؤلف. وأنقرة: موضع بظهر الكوفة، أسفل من الخورنق، كانت إياد تنزله في الدهر الأول، إذا غلبوا على ما بين الكوفة والبصرة. قال البكري: وفيه اليوم طيئ وسليح، وفي بارق إلى هيث وما يليها، كلها منازل طيئ وسليح. هذا قول عمر بن شبة. وقال غيره: أنقرة: موضع بالحيرة. وقد صرحوا بأن أنقرة هذه. غير أنقرة التي في بلاد الروم (الأناضول) وهي الآن قاعدة دولة الترك.
(2)
البيت من مشطور الرجز، وهما للعجاج، من أرجوزة مطولة له، وصف ارتحاله في ظلال الليل، وجملا ناجيًا حمله. (انظر اللسان: زلف. وأراجيز العرب للسيد البكري ص 52) . وقبل البيتين بيت متصل بمعناهما، وهو قوله: * ناج طواه الأين مما وجفا *
قال في اللسان: يقول: منزلة بعد منزلة، ودرجة بعد درجة. وقال السيد البكري: زلفًا فزلفًا: أي درجة فدرجة. وسماوة: أي أعلى. واحقوقف: اعوج. يريد طواه السير كما تطوى الليالي الأهلة حتى تنحل (من النحول) وتعوج اهـ. وفي اللسان: الزلف (كسبب) والزلفة والزلفى: القربة، والدرجة، والمنزلة. وأزلف الشيء: قربه. وفي التنزيل (وأُزلفت الجنة للمتقين) : أي قربت. قال الزجاج: وتأويله: أي قريب دخولهم فيها، ونظرهم إليها. وقوله عز وجل:(وأزلفنا ثم الآخرين) معنى (أزلفنا) : جمعنا، وقيل: قربنا الآخرين من الغرق، وهم أصحاب فرعون، وكلاهما حسن جميل؛ لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض. والبيتان من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (ص 172 من مخطوطة جامعة القاهرة) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله:(وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ) قال: قرّبنا.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:(وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ) قال: هم قوم فرعون قربهم الله حتى أغرقهم في البحر.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: دنا فرعون وأصحابه بعد ما قطع موسى ببني إسرائيل البحر من البحر; فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقا، قال: ألا ترون البحر فرق مني، قد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم، فذلك قول الله (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ) يقول: قربنا ثم الآخرين هم آل فرعون; فلما قام فرعون على الطرق، وأبت خيله أن تتقحم، فنزل جبرائيل صلى الله عليه وسلم على ماذيانة، فتشامَّتْ الحُصُن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم، وتفرد جبرائيل بمقلة من مقل البحر، فجعل يدسها في فيه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: أقبل فرعون فلما أشرف على الماء، قال أصحاب موسى: يا مكلم الله إن القوم يتبعوننا في الطريق، فاضرب بعصاك البحر فاخلطه، فأراد موسى أن يفعل، فأوحى الله إليه: أن اترك البحر رَهْوا يقول: أمره على سكناته (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) إنما أمكر بهم،
فإذا سلكوا طريقكم غرقتهم; فلما نظر فرعون إلى البحر قال: ألا ترون البحر فرق مني حتى تفتح لي، حتى أدرك أعدائي فأقتلهم; فلما وقف على أفواه الطرق وهو على حصان، فرأى الحصان البحر فيه أمثال الجبال هاب وخاف، وقال فرعون: أنا راجع، فمكر به جبرائيل عليه السلام، فأقبل على فرس أنثى، فأدناها من حصان فرعون، فطفق فرسه لا يقرّ، وجعل جبرائيل يقول: تقدم، ويقول: ليس أحد أحق بالطريق منك، فتشامت الحصن الماذيانة، فما ملك فرعون فرسه أن ولج على أثره; فلما انتهى فرعون إلى وسط البحر، أوحى الله إلى البحر: خذ عبدي الظَّالم وعبادي الظلمة، سلطاني فيك، فإني قد سلطتك عليهم، قال: فتغطمطت تلك الفرق من الأمواج كأنها الجبال، وضرب بعضها بعضا; فلما أدركه الغرق (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وكان جبرائيل صلى الله عليه وسلم شديد الأسف عليه لما ردّ من آيات الله، ولطول علاج موسى إياه، فدخل في أسفل البحر، فأخرج طينا، فحشاه في فم فرعون لكيلا يقولها الثانية، فتدركه الرحمة، قال: فبعث الله إليه ميكائيل يعيره: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) وقال جبرائيل: يا محمد ما أبغضت أحدا من خلق الله ما أبغضت اثنين أحدهما من الجن وهو إبليس، والآخر فرعون (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى) : ولقد رأيتني يا محمد، وأنا أحشو في فيه مخافة أن يقول كلمة يرحمه الله بها.
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ) وجمعنا، قال: ومنه ليلة المزدلفة، قال: ومعنى ذلك: أنها ليلة جمع. وقال بعضهم: وأزلفنا ثَمَّ وأهلكنا.
وقوله: (وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ) يقول تعالى ذكره: وأنجينا موسى مما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق في البحر ومن مع موسى من بني إسرائيل أجمعين. وقوله: (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ) يقول: ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط في البحر بعد أن أنجينا موسى منه ومن معه.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلت بفرعون ومن معه تغريقي إياهم في البحر إذ كذبوا رسولي موسى، وخالفوا أمري بعد الإعذار إليهم، والإنذار لدلالة بينة يا محمد لقومك من قريش على أن ذلك سنتي فيمن سلك سبيلهم من تكذيب رسلي، وعظة لهم وعبرة أن ادكروا واعتبروا أن يفعلوا مثل فعلهم من تكذيبك مع البرهان والآيات التي قد أتيتهم، فيحلّ بهم من العقوبة نظير ما حل بهم، ولك آية في فعلي بموسى، وتنجيتي إياه بعد طول علاجه فرعون وقومه