الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ) قال: نعطيهم، (نسارع لهم)، قال: نزيدهم في الخير، نملي لهم، قال: هذا لقريش.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثني محمد بن عمر بن عليّ، قال: ثني أشعث بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن خالد الحذّاء، قال: قلت لعبد الرحمن بن أبي بكرة قول الله: (نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ) قال: يسارع لهم في الخيرات، وكأن عبد الرحمن بن أبي بكرة وجه بقراءته ذلك، إلى أن تأويله: يسارع لهم إمدادنا إياهم بالمال والبنين في الخيرات.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ
(57)
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) }
يعني تعالى ذكره: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) إن الذين هم من خشيتهم وخوفهم من عذاب الله مشفقون، فهم من خشيتهم من ذلك دائبون في طاعته جادّون في طلب مرضاته (والذين هم بآيات ربهم يؤمنون) يقول: والذين هم بآيات كتابه وحججه مصدقون (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) يقول: والذين يخلصون لربهم عبادتهم، فلا يجعلون له فيها لغيره شركا لوثَن، ولا لصنم، ولا يُراءون بها أحدا من خلقه، ولكنهم يجعلون أعمالهم لوجهه خالصا، وإياه يقصدون بالطاعة والعبادة دون كل شيء سواه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
(60)
أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) }
يعني تعالى ذكره بقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) والذين يعطون أهل سُهْمان الصدقة ما فرض الله لهم في أموالهم. (مَا آتَوْا) يعني: ما أعطوهم إياه من صدقة، ويؤدّون حقوق الله عليهم في أموالهم إلى أهلها (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) يقول: خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون، فلا ينجيهم ما فعلوا من ذلك من عذاب الله، فهم خائفون من المرجع إلى الله
لذلك، كما قال الحسن: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبجر، عن رجل، عن ابن عمر:(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: الزكاة.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد:(وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: المؤمن ينفق ماله وقلبه وَجِل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي الأشهب، عن الحسن، قال:(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: يعملون ما عملوا من أعمال البر، وهم يخافون ألا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم.
حدثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: المؤمن ينفق ماله ويتصدق، وقلبه وجل أنه إلى ربه راجع.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَيَّة، عن يونس، عن الحسن أنه كان يقول: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا، ثم تلا الحسن:(إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون إِلَى وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) وقال المنافق: إنما أوتيته على علم عندي.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة:(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) قال: يُعْطون ما أعطوا. (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) يقول: خائفة.
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، في قوله:(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: يفعلون ما يفعلون وهم يعلمون أنهم صائرون إلى الموت، وهي من المبشرات.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قَتادة:(يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: يعطون ما أعطَوا ويعملون ما عملوا من خير، وقلوبهم وجلة خائفة.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، مثله.
حدثنا عليّ، قال: ثني معاوية، عن ابن عباس، قوله:(والذين يأتون ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) يقول: يعملون خائفِين.
قال: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبى، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: يعطون ما أعطوا؛ فرقا من الله ووجلا من الله.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) ينفقون ما أنفقوا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: يعطون ما أعطوا وينفقون ما أنفقوا ويتصدقون بما تصدقوا وقلوبهم وجلة؛ اتقاء لسخط الله والنار. وعلى هذه القراءة، أعني على (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) قرأة الأمصار، وبه رسوم مصاحفهم وبه نقرأ؛ لإجماع الحجة من القرّاء عليه، ووفاقه خطّ مصاحف المسلمين.
وروي عن عائشة رضي الله عنها في ذلك، ما حدثناه أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا عليّ بن ثابت. عن طلحة بن عمرو، عن أبي خلف، قال: دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة، فسألها عبيد، كيف نقرأ هذا الحرف (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) ؟ فقالت:(يَأْتُونَ مَا أَتَوْا) . وكأنها تأولت في ذلك: والذين يفعلون ما يفعلون من الخيرات وهم وجلون من الله.
كالذي حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمر بن قيس، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قالت عائشة: "يا رسول الله (وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال: لا وَلَكِنْ مَنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ وَجِلٌ".
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن مالك بن مِغْول، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، أن عائشة قالت:"قلت: يا رسول الله (الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أهم الذين يُذنبون وهم مُشْفِقُون (1) ! ويصومون وهم مشفقون"؟
(1) لعل فيه سقطًا، والأصل: قال: " لا " ولكن الذين يصلون وهم مشفقون، ويصومون.... " إلخ، كما يتضح من حديث عائشة الآتي بعد.
حدثنا أبو كريب، قال، ثنا ابن إدريس، قال: ثنا ليث، عن مغيث، عن رجل من أهل مكة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله (الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال: فذكر مثل هذا.
حدثنا سفيان بن وكيع، قال، ثنا أبي، عن مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن عائشة أنها قالت:"يا رسول الله (الَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: لا يابْنَة أبي بَكْرٍ، أو يابْنَةَ الصّدِيق، وَلَكِنَّهُ الرَّجُل يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيخافُ أنْ لا يُقْبَل مِنْهُ".
حدثنا القاسم، قال، ثنا الحسين، قال: ثني جرير، عن ليث بن أبي سليم، وهشيم عن العوّام بن حَوْشب، جميعا عن عائشة أنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يابْنَةَ أبي بَكْر، أو يابْنَةَ الصِّدِّيق، هُمُ الَّذِينَ يُصَلونَ، وَيَفْرَقُونَ أنْ لا يُتَقَبَّلَ مِنْهم". وأن من قوله: (أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) في موضع نصب؛ لأن معنى الكلام: (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) من أنهم، فلما حذفت (منْ) اتصل الكلام قبلها فنصبت، وكان بعضهم يقول: هو في موضع خفض، وإن لم يكن الخافض ظاهرا.
وقوله: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه الصفات صفاتهم، يبادرون في الأعمال الصالحة، ويطلبون الزلفة عند الله بطاعته.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:(أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) .
قال: والخيرات: المخافة والوجل والإيمان، والكفّ عن الشرك بالله، فذلك المسابقة إلى هذه الخيرات،
قوله: (وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) كان بعضهم يقول: معناه سبقت لهم من الله السعادة، فذلك سبوقهم الخيرات التي يعملونها.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال، ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) يقول: سبقت لهم السعادة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:(وهم لها سَابِقُونَ) ، فتلك الخيرات.
وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى: وهم إليها سابقون. وتأوّله آخرون: وهم من أجلها سابقون.
فتأويل الكلام: يَسْفَع وجوههم لهبُ النار فتحْرقها، وهم فيها متقلصو الشفاه عن الأسنان؛ من إحراق النار وجوههم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله:(وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) يقول: عابسون.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، في قوله:(وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) قال: ألم تر إلى الرأس المشيط قد بدت أسنانه، وقَلَصت شفتاه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد الله، قرأ هذه الآية (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) . .. الآية، قال: ألم تر إلى الرأس المشيط بالنار، وقد قلصت شفتاه وبدت أسنانه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) قال: ألم تر إلى الغنم إذا مست النار وجوهها كيف هي؟ .
القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ
(105)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) }
يقول تعالى ذكره: يقال لهم (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ) يعني آيات القرآن تتلى عليكم في الدنيا (فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) وترك ذكر يقال؛ لدلالة الكلام عليه (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا) .
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة:(غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا) بكسر الشين، وبغير ألف، وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: