الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني: ما ترتئي، وتهمّ به; ومنه قول النمر بن تولب:
أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شِيمَةً
…
وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ يُؤْتَمَرْ (1)
أي: يُتشَاوَرُ وَيُرْتَأَى فِيها.
وقوله: (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) يقول: فاخرج من هذه المدينة، إني لك في إشارتي عليك بالخروج منها من الناصحين.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(21) }
(1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 187: 1) . والشيمة: الخلق، يريد: أحدثوا أخلاقًا لم تعرف من قبل. يشير الشاعر إلى ما حدث من إثارة الشكوك والجدل في مسائل السياسة كالخلافة، أو العقائد كالقول في القدر أو نحو ذلك. فهذه هي الأخلاق التي أحدثها الناس في الصدر الأول من حياة المسلمين بعد حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والنمر بن تولب شاعر مخضرم. والشاهد في قوله:"يؤتمر" أي يحدث التشاور وتداول الآراء والجدل. ولعل الشاعر رأى مقدمات الخلاف، وأمارات الفرقة تلوح من خلال الحوادث، فأنذر بها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ
(22) }
يقول تعالى ذكره: فخرج موسى من مدينة فرعون خائفا من قتله النفس أن يقتل به (يَتَرَقَّبُ) يقول: ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة:(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) خائفًا من قتله النفس يترقب الطلب (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) قال: خائفا من قتل النفس، يترقب أن يأخذه الطلب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لي أنه خرج على وجهه خائفا يترقب ما يدري أي وجه يسلك، وهو يقول:(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) قال: يترقب مخافة الطلب.
وقوله: (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقول تعالى ذكره: قال موسى
وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفا: ربّ نجني من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك.
وقوله: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) يقول تعالى ذكره: ولما جعل موسى وجهه نحو مدين، ماضيا إليها، شاخصا عن مدينة فرعون، وخارجا عن سلطانه، (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) وعنى بقوله:"تلقاء" نحو مدين; ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه، يعني به: من قبل نفسه ويقال: داره تلقاء دار فلان: إذا كانت محاذيتها، ولم يصرف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة، كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد المعروفة; ومنه قول الشاعر:
رُهْبَانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنزلُوا
…
وَالعُصْمُ مِنْ شَعَفِ العُقُولِ الفَادِرِ (1)
وقوله: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها.
وذُكر أن الله قيض له إذ قال: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ملَكا سدده الطريق، وعرفه إياه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه مَلَك على فرس بيده عَنزة; فلما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال: لا تسجد لي ولكن اتبعني، فاتبعه، فهداه نحو مدين، وقال موسى وهو متوجه نحو مدين:(عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) فانطلق به حتى انتهى به إلى مَدين.
حدثنا العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: خرج موسى متوجها نحو مدين، وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه، فإنه قال:(عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لي أنه خرج وهو يقول: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فهيأ الله الطريق إلى مَدين، فخرج من
(1) البيت لجرير، وقد تقدم الاستشهاد به على الرهبان جمع راهب في (7: 3) من هذا التفسير. واستشهد به هنا على أن مدين ممنوعة من الصرف لأنها علم على بلدة، ففيها العلمية والتأنيث.
مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر (1) ولا درهم ولا رغيف، خائفا يترقب، حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون بمَدين.
حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المَروزِيّ، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: خرج موسى من مصر إلى مَدْيَنَ، وبينها وبينها مسيرة ثمان، قال: وكان يقال نحو من الكوفة إلى البصرة، ولم يكن له طعام إلا وَرَق الشجر، وخرج حافيا، فما وصل إليها حتى وقع خفّ قدمه.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام، قال: ثنا الأعمش، عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: لما خرج موسى من مصر إلى مدين، وبينه وبينها ثمان ليال، كان يقال: نَحوٌ من البصرة إلى الكوفة ثم ذكر نحوه.
ومدين كان بها يومئذ قوم شعيب عليه السلام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله:(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) ومدين: ماء كان عليه قوم شعيب (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) .
وأما قوله: (سَوَاءَ السَّبِيلِ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(سَوَاءَ السَّبِيلِ) قال: الطريق إلى مدين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة:(قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) قال: قصد السبيل.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عَبَّاد بن راشد، عن الحسن:(عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) قال: الطريق المستقيم.
(1) الظهر: الدابة التي يركب ظهرها، من جمل ونحوه.