الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ) من صلة الشاطئ.
وتأويل الكلام: فلما أتاها نادى الله موسى من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة منه من الشجرة (أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
وقيل: إن معنى قوله: (مِنَ الشَّجَرَةِ) : عند الشجرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله:(فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) قال: نودي من عند الشجرة (أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) .
وقيل: إن الشجرة التي نادى موسى منها ربه: شجرة عَوْسَج. وقال بعضهم: بل كانت شجرة العُلَّيق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، في قوله:(الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) قال: الشجرة عوسج. قال معمر، عن قَتادة: عصا موسى من العَوْسج; والشجرة من العَوْسج.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض من لا يتهم، عن بعض أهل العلم (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) قال: خرج نحوها، فإذا هي شجرة من العُلَّيق، وبعض أهل الكتاب يقول: هي عَوْسجة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: رأيت الشجرة التي نودي منها موسى عليه السلام، شجرة سَمْراء خضراء ترفّ.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ
(31)
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) }
يقول تعالى ذكره: نودي موسى: (أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ) فألقاها موسى، فصارت حية تسعى.
(فَلَمَّا رَآهَا) موسى (تَهْتَزُّ) يقول: تتحرك وتضطرب (كَأَنَّهَا جَانٌّ) والجانّ واحد الجِنّان، وهي نوع معروف من أنواع الحيات، وهي منها عظام. ومعنى الكلام: كأنها جانّ من الحيات (وَلَّى مُدْبِرًا) يقول: ولى موسى هاربا منها.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَلَّى مُدْبِرًا) فارا منها، (وَلَمْ يُعَقِّبْ) يقول: ولم يرجع على عقبه.
وقد ذكرنا الرواية في ذلك، وما قاله أهل التأويل فيما مضى، فكرهنا إعادته، غير أنا نذكر في ذلك بعض ما لم نذكره هنالك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَلَمْ يُعَقِّبْ) يقول: ولم يعقب، أي لم يلتفت من الفرق.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (وَلَمْ يُعَقِّبْ) يقول: لم ينتظر.
وقوله: (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) يقول تعالى ذكره: فنودي موسى: يا موسى أقبل إليّ ولا تخف من الذي تهرب منه (إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ) من أن يضرّك، إنما هو عصاك.
وقوله: (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) يقول: أدخل يدك، وفيه لغتان: سلكته، وأسلكته (فِي جَيْبِكَ) يقول: في جيب قميصك.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) : أي في جيب قميصك.
وقد بيَّنا فيما مضى السبب الذي من أجله أُمر أن يدخل يده في الجيب دون الكمّ.
وقوله: (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) يقول: تخرج بيضاء من غير برص.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا ابن المفضل، قال: ثنا قرة بن خالد، عن الحسن، في قوله:(اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) قال: فخرجت كأنها المصباح، فأيقن موسى أنه لقي ربه.
وقوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ) يقول: واضمم إليك يدك.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال:
قال ابن عباس (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ) قال: يدك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ) قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الجناح. والكفّ: اليد، (اضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) .
وقوله: (مِنَ الرَّهْبِ) يقول: من الخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:(مِنَ الرَّهْبِ) قال: الفرَق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) : أي من الرعب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:(مِنَ الرَّهْبِ) قال: مما دخله من الفرق من الحيّة والخوف، وقال: ذلك الرهب، وقرأ قول الله:(يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) قال: خوفا وطمعا.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الحجاز والبصرة:(مِنَ الرَّهَب) بفتح الراء والهاء. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: (مِنَ الرُّهْبِ) بضم الراء وتسكين الهاء، والقول في ذلك أنهما قراءتان متفقتا المعنى مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ) يقول تعالى ذكره: فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تحول العصا حية، ويدك وهي سمراء، بيضاء تلمع من غير برص، برهانان: يقول: آيتان وحجتان. وأصل البرهان: البيان، يقال للرجل: يقول القول إذا سئل الحجة عليه: هات برهانك على ما تقول: أي هات تبيان ذلك ومصداقه.