المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(الصحيح أنه موقوف) كذا في (المجموع) (3/ 70 - 71) - الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - المياه:

- ‌طهورية ماء البحر

- ‌طهورية الماء المستعمل

- ‌2 - أسآر البهائم:

- ‌3 - تطهير النجاسات:

- ‌4 - الأواني

- ‌5 - التخلي

- ‌القول عند الدخول والخروج

- ‌6 - المناهي:

- ‌7 - الوضوء

- ‌فرضيته:

- ‌وجوب النية

- ‌جواز المعاونة على الوضوء

- ‌الوضوء لمن أراد النوم:

- ‌الوضوء للجنب إذا أراد أن يعود:

- ‌الوضوء عند كل حدث

- ‌الوضوء قبل الغسل

- ‌الوضوء على من حمل الميت

- ‌8 - المسح على الخفين

- ‌9 - المسح على الجوربين

- ‌10 - نواقض الوضوء

- ‌1، 2 - البول، الغائط:

- ‌3 - المذي:

- ‌4 - النوم:

- ‌5 - أكل لحم الإبل

- ‌6 - لمس العضو بشهوة

- ‌11 - المتطهر يشك في الحدث

- ‌12 - ما يستحب الوضوء لأجله

- ‌13 - موجبات الغسل

- ‌1 - خروج المني بشهوة:

- ‌2 - خروجه في الاحتلام

- ‌3 - مس الختان الختان:

- ‌4 - الحيض

- ‌5 - النفاس

- ‌14 - الأغسال الواجبة

- ‌1 - الغسل على الكافر الذي أسلم

- ‌2 - غسل الجمعة على كل محتلم

- ‌3 - غسل ميت المسلمين

- ‌15 - الأغسال المستحبة

- ‌1 - الغسل من غسل الميت

- ‌2 - الغسل من مواراة المشرك

- ‌(3) الغسل للإحرام

- ‌(4) لدخول مكة

- ‌(5) عقب الجماع:

- ‌(6) عقب الإغماء

- ‌16 - صفة الغسل

- ‌17 - قدر الماء في الغسل والوضوء

- ‌18 - آداب الاغتسال ودخول الحمام

- ‌19 - التيمم

- ‌20 - صفة التيمم

- ‌21 - الحيض

- ‌22 - النفاس

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - هي أحد الأركان الخمسة:

- ‌2 - وفرضت أولا خمسين ثم جعلت خمسا:

- ‌3 - ويجوز لولاة الأمر أن يقبلوا إسلام الكافر ولولم يرض بإقامة كل الصلوات الخمس:

- ‌4 - وفرضت أولا ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت في الحضر إلا الصبح وتركت على ما هي عليه في السفر قالت عائشة:

- ‌5 - وتاركها يخشى عليه الكفر

- ‌6 - وتاركها يقتل:

- ‌7 - ولا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ:

- ‌8 - ولكن يجب على ولي الأمر أن يأمره بالصلاة إذا بلغ السبع سنين وأن يضربه إذا بلغ العاشرة:

- ‌9 - ولا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر

- ‌10 - وكذا المغمى عليه لا قضاء عليه

- ‌11 - وكذا الكافر إذا أسلم لا قضاء عليه:

- ‌12 - وأما النائم فيقضي ما فاته من الصلوات في حالة نومه:

- ‌1 - الظهر

- ‌2 - العصر

- ‌3 - المغرب

- ‌4 - العشاء

- ‌5 - الفجر

- ‌ الأذان

- ‌الإقامة

- ‌ وجوب ستر العورة وحدها

- ‌ طهارة البدن والثوب والمكان للصلاة

- ‌أفضل المساجد وأعظمها حرمة أربعة:

- ‌أ - المسجد الحرام

الفصل: (الصحيح أنه موقوف) كذا في (المجموع) (3/ 70 - 71)

(الصحيح أنه موقوف) كذا في (المجموع)(3/ 70 - 71) ثم قال:

(واحتج أصحابنا بأحاديث ضعيفة أيضا والمعتمد في المسألة أنها ديون عليه فلا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر وليس لهم دليل ظاهر ولأن من صلاهن بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي أمر بها فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل ظاهر والله أعلم)

6 -

‌ الأذان

1 -

كانوا قبل ذلك ينادي بعضهم بعضا إذا حان وقت الصلاة وذلك بإشارة من عمر رضي الله عنه وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك

قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود فقال عمر: أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(يا بلال قم فناد بالصلاة)

خ م ن ت وقال: حسن صحيح قط (88) حم (2/ 148) ابن جريج أخبرني نافع عنه

قال في (المجموع)(3/ 76):

(هذا النداء دعاء إلى الصلاة غير الأذان كان قبل شرعة الأذان)

ص: 111

وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال. . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله أنزل عليه: (قد نرى تقلب وجهك في السماء. . . . (الآية [البقرة / 144] قال: فوجهه الله إلى مكة قال: فهذا حول

قال: وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقسوا أو كادوا ينقسون قال: ثم إن رجلا من الأنصار يقال له: عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت: إني لم أكن نائما لصدقت إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن أن لا إله إلا الله مثنى مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة قال: ثم قال مثل الذي قال غير أنه يزيد في ذلك: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(علمها بلالا فليؤذن بها) فكان بلال أول من أذن بها

قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله قد طاف بي مثل الذي طاف به غير أنه سبقني فهذان حولان. الحديث

أخرجه أحمد (5/ 246) وأبو داود (82) عن المسعودي: ثني عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلة عنه

وروى قطعة منه مما يتعلق بالصيام الحاكم (2/ 224) من هذا الوجه وقال:

ص: 112

(صحيح). ووافقه الذهبي

قلت: المسعودي كان قد اختلط لكن قد تابعه شعبة عن عمرو (1) نحوه. أخرجه أبو داود أيضا 083) ويأتي لفظه في المسألة (13) فهو بهذه المتابعة صحيح

قوله: نقسوا. في النهاية: النقس: الضرب بالناقوس وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم

2 -

ثم شرع الأذان بتعليم الملك لعبد الله بن زيد بن عبد ربه إياه في الرؤيا وبقوله عليه السلام: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله)

قال عبد الله بن زيد: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس في الجمع للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: ما تصنع به. قال: فقلت: ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت: بلى قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. ثم استأخر غير بعيد ثم قال: تقول إذا أقيمت

(1) وتابعه - أيضا - الأعمش عنه مختصرا بقصة الأذان فقط. أخرجه أحمد (5/ 232) بإسناد جيد و (قط)(89) وأعله

ص: 113

الصلاة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال:

(إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك)

قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال: فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أري. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلله الحمد)

أخرجه أبو داود (81) والدارمي (268 - 269) وابن ماجه (239 - 240) والترمذي مختصرا (359) وأحمد (4/ 43) والسياق له وعنه الدارقطني (89) وابن خزيمة وابن حبان كما في (الفتح)(2/ 61 - 62) من طريق محمد بن إسحاق قال: ثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله ابن زيد بن عبد ربه قال: ثني عبد الله بن زيد به

وهذا إسناد جيد وقال الترمذي:

(حسن صحيح). وقال النووي في (المجموع)(3/ 76):

(إسناده صحيح) وفي (التلخيص)(3/ 161):

(وقد صححه البخاري فيما حكاه الترمذي في (العلل) عنه وقال محمد

ص: 114

ابن يحيى الذهلي: ليس في أخبار عبد الله بن زيد أصح من حديث محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي يعني هذا لأن محمدا قد سمع من أبيه عبد الله. وقال ابن خزيمة في (صحيحه): هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه عبد الله. وقال ابن خزيمة في (صحيحه): هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه وابن إسحاق سمع من التيمي وليس هذا مما دلسه)

ولابن إسحاق فيه إسناد آخر أخرجه أحمد (4/ 42 - 43) عنه قال: وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له كاره لموافقة النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال: فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس. . . الحديث نحوه. وزاد في آخره: فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر

وهذا سند جيد أيضا وابن إسحاق وإن كان لم يصرح بسماعه من الزهري فقد تابعه عليه جمع. قال الحاكم (3/ 336):

(وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب مشهور رواه يونس بن يزيد ومعمر ابن راشد وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم)

ص: 115

قال الشوكاني (2/ 31):

(ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي يحتمله عنعنة ابن إسحاق)

وللحديث شاهد من حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال: فذكر له القنع يعني الشبور وفي رواية: شبور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال: (هو من أمر اليهود) قال: فذكر له الناقوس فقال: (هو من أمر النصارى). فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان. قال: وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (ما منعك أن تخبرني؟) فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله) قال: فأذن بلال

أخرجه أبو داود (80 - 81) عن هشيم بن أبي بشر عنه

وهذا سند صحيح كما قال الحافظ في (الفتح)(2/ 64)

3 -

وهو فرض كفاية:

قال عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث: [116]

(ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا

ص: 116

فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم)

وعن عمرو بن سلمة الجرمي عن أبيه وكان وافد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا)

أخرجهما البخاري (2/ 87 و 89 و 239 و 10/ 359 و 13/ 198 - 199) ومسلم (1/ 134) والنسائي (2/ 105) وقط (101) والدارمي (1/ 286) وأحمد (3/ 436 و 5/ 53) من طريق أبي قلابة عن مالك بن الحويرث والطحاوي في (المشكل)(2/ 296)

وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية)

أخرجه أحمد (5/ 196 و 6/ 446) من طريق وكيع: ثني زائدة بن قدامة: ثني السائب بن حبيش الكلاعي عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟ قال: قلت: في قرية دون حمص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . . فذكره

وهذا سند حسن

وقد رواه د ن مس دون ذكر التأذين. انظر تعليقنا على (الترغيب)(1/ 156). وله في (المسند)(6/ 445 - 446) طريق آخر

ص: 117

ولو لم يكن إلا استحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم دماء من لم يسمع عندهم أذانا وأموالهم وسبيهم لكفى في وجوب فرض ذلك كما قال ابن حزم (3/ 125) وهو يشير بذلك إلى حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يغز بنا ليلا حتى يصبح فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم

خ في الأذان وحم (3/ 159 و 206 و 236 و 237) من طرق عن حميد عنه. ورواه مسلم (2/ 3 - 4) والترمذي (1 - 305 طبع بولاق) وصححه والدارمي (2/ 217) والطيالسي (271) وحم (3/ 132 و 229) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به وزادوا إلا الدارمي والطيالسي: فاستمع ذات يوم فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على الفطرة) فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: (خرجت من النار). وزاد مسلم: فنظروا فإذا هو راعي معزى

وله شاهد من قوله عليه الصلاة والسلام بلفظ: (إذا رأيتم مسجدا أو مناديا فلا تقتلوا أحدا)

أخرجه الترمذي (1/ 292 طبع بولاق) وأحمد (3/ 448) من طريق ابن عيينة عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه - وكانت له صحبة - قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم. . . فذكره. وقال الترمذي:

ص: 118

(حديث حسن)

كذا قال. وابن عصام لا يعرف حاله كما في (التقريب)

والقول بفرضيته - كما ذكرنا - هو قول أحمد ووجه للشافعية وبه قال داود الظاهري وأصحابه وزاد عليهم ابن حزم (3/ 122 - 125) فجعله شرطا لصحة الصلاة لا تصح إلا به وهو غير ظاهر. وقد سئل ابن تيمية عن الأذان: هل هو فرض أم سنة؟ فأجاب بقوله: (الصحيح أن الأذان فرض على الكفاية فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوا الأذان والإقامة وهذا هو المشهور من مذهب أحمد وغيره وقد أطلق طوائف من العلماء أنه سنة ثم من هؤلاء من يقول إذا اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا والنزاع مع هؤلاء قريب من النزاع اللفظي فإن كثيرا من العلماء يطلق القول بالسنة على ما يذم تاركه شرعا ويعاقب تاركه شرعا. وأما من زعم أنه سنة لا إثم على تاركه ولا عقوبة فهذا القول خطأ فإن الأذان هو شعار دار الإسلام الذي ثبت في (الصحيح) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلق استحلال أهل الدار بتركه). ثم ذكر حديث أنس وحديث أبي الدرداء ثم قال: (وقد قال تعالى: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ([المجادلة / 19])(الفتاوى)(1/ 67 - 68) و (4/ 20) وانظر (المجموع)(3/ 82)

4 -

وقد جاء في صفته ثلاثة أنواع:

الأول: ألفاظه تسع عشرة كلمة: الله 1 أكبر الله 2 أكبر الله 3 أكبر الله 4 أكبر

ص: 119

(أربع مرات) أشهد 5 أن لا إله إلا الله أشهد 6 أن لا إله إلا الله أشهد 7 أن محمدا رسول الله أشهد 8 أن محمدا رسول الله (يخفض بهما صوته مرتين. ثم يرفع صوته فيعود ويقول - وهو الترجيع -) أشهد 9 أن لا إله إلا الله أشهد 10 أن لا إله إلا الله أشهد 11 أن محمدا رسول الله أشهد 12 أن محمدا رسول الله حي 13 على الصلاة حي 14 على الصلاة حي 15 على الفلاح حي 16 على الفلاح الله 17 أكبر الله 18 أكبر لا إله 19 إلا الله

وهو من حديث أبي محذورة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة

أخرجه أبو داود (82) والنسائي (103) والترمذي (367) والدارمي (271) وابن ماجه (242 - 243) والطحاوي (1/ 78) والدارقطني (87 و 88) وابن حزم (3/ 150) والطيالسي (193) وأحمد (3/ 409 و 6/ 401) كلهم من طريق همام: ثنا عامر الأحول: ثني مكحول: أن عبد الله بن محيرز حدثه عنه به

وزاد أبو داود وابن ماجه والدارقطني والطحاوي وأحمد وابن حزم فذكروا ألفاظ الأذان. ومن الغريب أن أحدا منهم عدا قط وابن حزم وطحا لم يبلغوا بألفاظه التسع عشرة كلمة كما هو نص الحديث فأبو داود لم يذكر الترجيع فكلماته سبع عشرة وابن ماجه لم يذكر شهادة أن لا إله إلا الله في الترجيع إلا مرة واحدة فكلماته ثمان عشرة وأحمد لم يذكر التكبير في أوله إلا مرتين فكلماته سبع عشرة أيضا. ثم قال الترمذي:

ص: 120

(هذا حديث حسن صحيح)

وهو على شرط مسلم وقد أخرجه في (صحيحه) كما يأتي قريبا ورواه ابن خزيمة في (صحيحه) ولفظه: (فعلمه الأذان والإقامة مثنى مثنى)

وكذلك رواه ابن حبان في (صحيحه) قال في (الإمام): وهذا السند على شرط الصحيح وهمام بن يحيى احتج به الشيخان وعامر بن عبد الواحد احتج به مسلم كما في (نصب الراية)(1/ 268) وقال الحافظ في (التلخيص)(3/ 164): (وتكلم البيهقي عليه بأوجه من التضعيف رده ابن دقيق العيد في لإمام وصحح الحديث)

ثم أخرج الحديث الدارمي: أخبرنا سعيد بن عامر عن همام به بلفظ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان)

قلت: فذكره بتسع عشرة كلمة ثم قال: والإقامة مثنى مثنى. وسنده صحيح أيضا على شرط مسلم وقد أخرجه في (صحيحه)(2/ 3) من طريق معاذ بن هشام: ثني أبي عن عامرالأحول به: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا اله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا اله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله. . . والباقي مثله

ص: 121

هكذا وقع في (صحيح مسلم): الله أكبر الله أكبر مرتين فقط

وقد أخرجه النسائي (1/ 103): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا معاذ بن هشام به إلا أنه ذكر التكبير في أوله: أربعا

وإسحاق هذا هو أحد شيخي مسلم في هذا الحديث والآخر هو أبو غسان المسمعي مالك بن عبد الواحد ولعله هو الذي رواه بتثنية التكبير دون إسحاق فقد رواه بالتربيع كما في النسائي

وكذلك رواه أبو نعيم في (المستخرج) والبيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام بسنده وفيه تربيع التكبير

وكذلك أخرجه أبو عوانة في (مستخرجه) من طريق علي بن المديني عن معاذ

ولذلك قال ابن القطان: (الصحيح في هذا تربيع التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة وقد قيد بذلك في نفس الحديث. قال: وقد يقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح). انتهى من (التلخيص)(3/ 160)

وللحديث طريق أخرى عن ابن محيريز. رواه ابن جريج قال: ثني عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيما في حجر أبي محذورة حين جهزه إلى الشام - قال: قلت لأبي محذورة: إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك. فأخبرني أن أبا محذورة قال له:

ص: 122

خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فظللنا نحكيه ونهزأ به فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكم سمعت صوته قد ارتفع) فأشار القوم إلي وصدقوا فأرسلهم كلهم وحبسني فقال: (قم فأذن بالصلاة) فقمت فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال: (قل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا اله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله) ثم قال: (ارجع فامدد صوتك) ثم قال: (قل: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله). ثم دعاني حين قضيت التاذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة فقلت: يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال: (قد أمرتك به) فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

النسائي (103 - 104) والسياق له وعنه ابن حزم (3/ 151) وابن ماجه (241 - 242) والطحاوي (78) والدارقطني (86) حم (3/ 409) وزادا إلا النسائي في آخره: وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة

ص: 123

على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز. ورواه أبو داود (82 - 83) مختصرا مقتصرا على إلقاء التأذين عليه فقط. وكلهم ساقوه بتربيع التكبير في أوله إلا الطحاوي وأحمد فوقع عندهم بتثنيته فقط

وكذلك رواه نافع بن عمر الجمحي عن عبد الملك بن أبي محذورة أخبره عن عبد الله بن محيريز الجمحي عن أبي محذورة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان يقول: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله. . . ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج عن عبد العزيز بن عبد الملك ومعناه

أخرجه أبو داود (83)

وعبد العزيز بن عبد الملك وأبوه مقبولان كما في (التقريب) فالإسناد حسن فإن الظاهر أن كلا منهما رواه ابن محيريز

ورواه الدارقطني (89) من طريق الشافعي: قال: وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ما حكى ابن جريج وسمعته يقيم: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

ولابن جريج فيه إسناد آخر عن أبي محذورة قال: ثني عثمان بن السائب

ص: 124

مولاهم عن أبيه السائب مولى أبي محذورة وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعاه من أبي محذورة قال أبو محذورة: خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبغض الناس إلينا فأذنوا فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتوني بهؤلاء الفتيان) فقال: (أذنوا) فأذنوا فكنت أحدهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم هذا الذي سمعت صوته اذهب فأذن لأهل مكة) فمسح على ناصيته وقال: (قل: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا اله (مرتين) أشهد أن محمدا رسول الله (مرتين) ثم ارجع فاشهد أن لا إله إلا الله (مرتين) وأشهد أن محمدا رسول الله (مرتين) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح (مرتين) الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم. وإذا أقمت فقلها مرتين: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. أسمعت؟). قال: وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها

أخرجه أحمد (3/ 408) والسياق له وأبو داود (82) والنسائي (104) والطحاوي (78) و (80 - 82) والدارقطني (86) عنه. إلا أن الطحاوي ذكر التكبير في أوله مرتين فقط لا اربعا وهو رواية لأحمد

وإسناده مقبول. وأخرجه الفاكهي في (تاريخ مكة)(ص 12 - 13) مع التربيع

ص: 125

وله عن أبي محذورة طريق ثالث رواه الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك عن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال:

قلت: يا رسول الله علمني سنة الأذان. قال: فمسح مقدم رأسي وقال:

(تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله)

أخرجه أبو داود (81 - 82) وأحمد (3/ 408 - 409) إلا أنه ذكر التكبير مرتين في أوله. وإسناده مقبول أيضا

وأخرجه الترمذي (1/ 366) واللفظ له والنسائي (103) من طريق بشر ابن معاذ: ثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: أخبرني أبي وجدي جميعا عن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال إبراهيم: مثل أذاننا قال بشر: فقلت له: أعد علي فوصف الأذان بالترجيع

وهذا سند حسن وقال الترمذي

ص: 126

(حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح وقد روي عنه من غير وجه)

وأخرجه الدارقطني (87) عن الحميدي: ثنا أبو إسماعيل إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يحدث عن أبيه أبي محذورة به نحوه

وهذا الأذان هو أذان أهل مكة وهو قول الشافعي كما قال الترمذي واختاره ابن حزم (3/ 150)

والنوع الثاني ألفاظه سبع عشرة وهو مثل الأول إلا أن التكبير في أوله مرتين لا أربعا وهو رواية لمسلم وغيره كمالك في (المدونة)(1/ 57 - 58) من حديث أبي محذورة ولكنها رواية مرجوحة كما سبق إلا أن لها شواهد تدل على أن لها أصلا في السنة منها عن سعد القرظ مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن بلالا كان يؤذن مثنى ويتشهد مضعفا يستقبل القبلة فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله (مرتين) أشهد أن محمدا رسول الله (مرتين) ثم يرجع فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله (مرتين) أشهد أن محمدا رسول الله (مرتين) حي على الصلاة (مرتين) حي على الفلاح (مرتين) الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. . . الحديث

أخرجه الطبراني في الصغير (240 - 241) عن هشام بن عمار: ثنا

ص: 127

عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ: ثني أبي عن جدي عن أبيه سعد

وهذا سند ضعيف فيه ضعف وجهالة كما بينته في تعليقي على (المعجم). ويشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة واحدة غير أن المؤذن كان إذا قال: قد قامت الصلاة قال: قد قامت الصلاة (مرتين)

أخرجه أحمد (2/ 85 و 87) واللفظ له والطيالسي (160) وأبو داود (85) والنسائي (103) والدارقطني (88) والحاكم (1/ 197 و 198) والطحاوي (1/ 79 و 80) والدارمي (1/ 270) من طريق شعبة عن أبي جعفر المؤذن: سمعت أبا المثنى يحدث عنه به

وهذا سند حسن وقال النووي (3/ 95): إنه إسناد صحيح وكذا قال الحاكم ووافقه الذهبي

ورواه ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحهما) كما في (نصب الراية)(1/ 262)

وله عند الدارقطني طريق أخرى رواه من طريق سعيد بن المغيرة الصياد: ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به دون قوله: غير أن. . . إلخ. قال ابن الجوزي:

(وهذا إسناد صحيح سعيد بن المغيرة وثقه ابن حبان وغيره)

ص: 128

قلت: وممن وثقه أبو حاتم كما في (التلخيص)(3/ 159) ولذا قال في (التقريب):

(إنه ثقة)

وله شاهد من حديث سلمة بن الأكوع رواه الطبراني في (الكبير) وإسناده حسن كما في (المجمع)(1/ 331)

ومن حديث بلال أنه كان يثني الأذان

قط (89) بسند صحيح وقد أمر به في (الصحيحين)

وهذا الأذان هو أذان أهل المدينة وبه قال مالك في (المدونة)(1/ 57)

والنوع الثالث ألفاظه خمس عشرة وهو مثل الأول إلا أنه لا ترجيع فيه على حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه. وقد تقدم. وهذا أذان الكوفيين

وبه قال أبو حنيفة وسفيان الثوري كما في (المجموع)(3/ 93)

5 -

ولا يشرع الزيادة على الأذان إلا في موضعين منه:

الأول: في الاذان الأول من الصبح خاصة فيقول بعد قوله: حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (مرتين)

وفيه أحاديث:

الأول: عن أبي محذورة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه في الأذان الأول من الصبح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم

ص: 129

أخرجه الطحاوي (1/ 82) عن ابن جريج قال: أخبرني عثمان بن السائب عن أم عبد الملك بن أبي محذورة عنه. وقد مضى مطولا بلفظ: (وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم)

وله طريق أخرى أخرجه النسائي (1/ 106) وأحمد (3/ 408) من طريق سفيان عن أبي جفعر عن أبي سلمان عن أبي محذورة قال: كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

وأبو جعفر هذا مجهول كما في (الخلاصة) قال: وقيل: إنه أبو جعفر الفراء وقد وثقه أبو داود ولعله من أجل هذا القيل صححه ابن حزم كما في (التلخيص)(3/ 172). وقال الزركشي في (تخريج أحاديث الرافعي):

(قال ابن حزم: وإسناده صحيح) كما في (سبل السلام)(1/ 167)

قلت: ولم أجد الآن تصحيح ابن حزم هذا والحديث في كتابه (المحلى) وإنما أورد فيه (3/ 151) من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان عن أبي محذورة أنه كان إذا بلغ: حي على الفلاح في الفجر قال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) ولم يصرح بتصحيحه

قال الشوكاني (2/ 32):

(وصححه أيضا ابن خزيمة ورواه بقي بن مخلد)

ص: 130

قلت: فيه ملاحظتان:

الأولى: أن قوله: (خزيمة) أخشى أن يكون تصحف عليه والصواب: (حزم) كما نقلناه عن (التلخيص) والزركشي

والثانية: أن قوله: (ورواه بقي بن مخلد) مفاده أنه رواه من الوجه الذي رواه النسائي وليس كذلك بل رواه من طريق أخرى فقال - كما في (التلخيص)(3/ 172) -: ثنا يحيى بن عبد الحميد: ثنا أبو بكر بن عياش: ثني عبد العزيز بن رفيع: سمعت أبا محذورة قال: كنت غلاما صبيا فاذنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوم حنين فلما انتهيت إلى: حي على الفلاح قال: (ألحق فيها: الصلاة خير من النوم)

قلت وقد أخرجه الطحاوي (1/ 82) من طريق خالد بن يزيد: ثنا أبو بكر بن عياش به نحوه. وهذا سند جيد

الحديث الثاني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم

أخرجه الطحاوي (1/ 82) من طريق سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر به

وهذا سند حسن كما قال الحافظ في (التلخيص)(3/ 169) وقد عزاه إلى السراج والطبراني والبيهقي من حديث ابن عجلان

ص: 131

الحديث الثالث: عن أنس قال:

من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (مرتين)

أخرجه الدارقطني (90) من طريق أبي أسامة: ثنا ابن عون عن محمد عنه

ورواه ابن خزيمة أيضا في (صحيحه) والبيهقي في (سننه)(1/ 423) وقال:

(إسناده صحيح)

ثم أخرجه الدارقطني والطحاوي أيضا (1/ 82) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ: كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم (مرتين)

وهذا اللفظ رواه ابن السكن وصححه كما في (التلخيص)(3/ 148)

وفي الباب أحاديث أخرى في أسانيدها ضعف فمن شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى (نصب الراية) و (التلخيص)

واعلم أنه لم يرد في شيء من الروايات - فيما علمنا - التصريح بأن هذا القول: (الصلاة خير من النوم) كان في الأذان الثاني للصبح بل الأحاديث على قسمين: منها ما هو صريح بأنه في الأذان الأول كالحديث الأول والثاني. ومنها ما هو مطلق ليس فيه التقييد بالأول أو الثاني كالحديث الثالث وغيره من الأحاديث التي لم تصح أسانيدها فتحمل هذه على

ص: 132

الأحاديث المقيدة كما في القواعد المقررة وعلى هذا فليس (الصلاة خير من النوم) من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم. وانظر تمام هذا الكلام في (سبل السلام) 0167 - 168)

(تنبيه): عقد الطحاوي (1/ 81 - 82) بابا في قول المؤذن في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم. ثم ذكر أن قوما كرهوا ذلك وخالفهم آخرون فاستحبوا ذلك قاك (وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله. وهذا مخالف لما نص عليه الإمام محمد في (موطأه) حيث قال: (84)(الصلاة خير من النوم يكون ذلك في نداء الصبح بعد الفراغ من النداء ولا يجب أن يزاد في النداء ما لم يكن فيه) فهذا صريح في أنه لا يستحب أن يقال ذلك في أذان الصبح كما عقد له الطحاوي بل بعده. والله أعلم

والموضع الثاني: إذا كان برد شديد أو مطر فإنه يزيد بعد قوله: حي على الفلاح أو بعد الفراغ من الأذان: صلوا في الرحال. أو يقول: ومن قعد فلا حرج عليه

وفي ذلك أحاديث:

(1)

عن ابن عباس رواه عنه عبد الله بن الحارث قال:

خطبنا ابن عباس في يوم ردغ (مطر) فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره أن ينادي: الصلاة في الرحال فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال:

ص: 133

فعل هذا من هو خير منه وإنها عزمة

خ (2/ 77 و 78) وم (2/ 148) وابن حزم (3/ 142) من طرق عنه

ورواه أبو داود بلفظ:

أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل: صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا ذلك فقال: قد فعل هذا من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والمطر

وهو رواية للبخاري (2/ 307) وكذا مسلم ورواه بنحوه ابن ماجه (300)

(2)

عن ابن عمر رواه عنه نافع قال:

أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان (جبل بناحية مكة) ثم قال: صلوا في رحالكم فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره: (ألا صلوا في الرحال) في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر

أخرجه خ (2/ 89 - 90) وم (2/ 147) ود (1/ 167) وحم (2/ 53) من طريق عبيد الله بن عمر عنه

ورواه مالك (1/ 94) وعنه محمد (126) وكذا النسائي (107) والدارمي (292) ومسلم وأبو داود أيضا (2 - 4 و 10) من طرق أخرى عن نافع نحوه

(3)

عن عمرو بن أوس قال:

أنبأنا رجل من ثقيف أنه سمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم يعني في ليلة مطيرة

ص: 134

في السفر - يقول:

حي على الصلاة حي على الفلاح صلوا في رحالكم

أخرجه النسائي (106 - 107) وأحمد (5/ 373) عن عمرو بن دينار عنه

وهذا سند صحيح وعمرو بن أوس تابعي كبير

(4)

عن نعيم بن النحام قال:

سمعت مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة باردة وأنا في لحافي فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم فلما بلغ حي على الفلاح قال: صلوا في رحالكم ثم سألته عنها فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره بذلك

أخرجه أحمد (4/ 320): ثنا عبد الرزاق: أنا معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ سماه عنه

وهذا سند رجاله رجال الستة غير الشيخ الذي لم يسم

وله طريق أخرى عنه بلفظ آخر وهو:

(5)

عن نعيم أيضا قال:

نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي فقلت: ليت المنادي قال: من قعد فلا حرج عليه فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه: ومن قعد فلا حرج عليه

أخرجه أحمد أيضا (5/ 320) من طريق إسماعيل بن عياش قال: ثني يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن يحيى بن حبان عنه

ص: 135

ورواه الطبراني في (الكبير) إلا أنه قال:

(فلما قال: الصلاة خير من النوم قال: ومن قعد فلا حرج عليه)

وإسماعيل بن عياش ضعيف في الحجازيين وروايته هذه عنهم

لكن رواه الطبراني من طريق آخر رجاله رجال (الصحيح) كما قال في (المجمع)(2/ 47) وقد ذكره الحافظ في (الفتح)(2/ 78) بنحو رواية (الكبير) وقال:

(رواه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح)

وبعد كتابة هذا رجعت إلى (المستدرك) فرأيته قد أخرج الحديث في (3/ 259) من طريق عبد الرزاق: أنا ابن جريج عن نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم النحام به نحوه. وقال:

(صحيح) ووافقه الذهبي

قلت: وهو كما قالا إلا أن فيه عنعنة ابن جريج وهو مدلس

(تنبيه): الرواية الثانية من الحديث الأول تدل على أن المؤذن يحذف الحيعلتين ويجعل مكانه: الصلاة في الرحال. وقد ذهب إلى ذلك بعض المحدثين فقد بوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري: حذف حي على الصلاة في يوم المطر. وهو الذي يقتضيه الحديث لولا أنه غير ظاهر فروي رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت رفعه كان المؤذن مخيرا بين حذفها لهذا الحديث وبين إثباتها للأحاديث الأخرى. والله أعلم

ص: 136

(6)

عن أبي هريرة قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذن الأذان الأول فإذا فرغ نادى: الصلاة في الرحال أو في رحالكم

رواه أبو أحمد بن عدي كما في (طرح التثريب في شرح التقريب)(1/ 319) للحافظ العراقي ولم يتكلم على إسناده بشيء

6 -

ومن السنة أن يؤذن للصبح مرتين: إحداهما بعد طلوع الفجر كما هو في سائر الأوقات والأخرى قبل ذلك بزمن يسير ليستيقظ النائم وينام المتهجد لحظة ليصبح نشيطا أو يتسحر من أراد الصيام

وفي ذلك أحاديث:

الأول: عن ابن عمر وله عنه طرق:

(1)

عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم)

أخرجه خ (2/ 79) وم (3/ 128 - 129) ون (105) وت (2/ 392) والدارمي (1/ 270) والطحاوي (1/ 82) والطيالسي (250) وأحمد (2/ 9)

(2)

عن عبد الله بن دينار عنه به

أخرجه مالك (1/ 95) وعنه محمد (176 - 177) وخ (2/ 81) وكذا ن

ص: 137

(105)

وطحا (1/ 82) وحم (2/ 64) كلهم عن مالك عنه به

وأخرجه حم (2/ 62 و 73 و 79) والطحاوي أيضا من طرق عن عبد الله بن دينار به

(3)

عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه

أخرجه خ (2/ 83 و 4/ 109 - 110) وم (3/ 129) مي (1/ 270) حم (2/ 57) من طرق عنه وزاد مسلم: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا

الثاني: عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا مثل رواية عبيد الله بن عمر عند مسلم

أخرجه الشيخان ون (105) والدارمي (270) والطحاوي (82) وأحمد (6/ 44 و 54) من طريق عبيد الله بن عمر: ثنا القاسم عنها

وله طريق أخرى عنها مع تغاير في اللفظ والمعنى وسنذكره قريبا

الثالث: عن أنيسة بنت خبيب رضي الله عنها قالت:

كان بلال وابن أم مكتوم يؤذنان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم:

(إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتم) فكنا نحبس ابن أم مكتوم عن الأذان فنقول: كما أنت حتى نتسحر ولم يكن بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا

أخرجه الطياسلي (231): ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحيم ثتني عمتي أنيسة به

ص: 138

وهذا سند صحيح على شرطهما

وقد خرجه أحمد (6/ 433) والطحاوي (1 / - 82 - 83) من طرق عنه شعبة به بلفظ: بلال أو ابن أم مكتوم. هكذا على الشك في الموضعين

وهو رواية لشعبة أيضا من رواية عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر

أخرجه الطحاوي

ثم أخرجه النسائي (2/ 105) والطحاوي أيضا وأحمد والطبراني من طريق هشيم عن منصور بن زاذان عن خبيب به جازما بالثاني بلفظ:

(إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا). والسياق لأحمد وزاد /:

إن كانت المرأة ليبقى عليها من سحورها فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري

وسنده صحيح أيضا كالأول

وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة

قال الحافظ (2/ 81):

(وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في (صحيح ابن خزيمة) من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله:

ص: 139

إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد). وأخرجه أحمد)

قلت: هو في (المسند)(6/ 185) هكذا: ثنا إسماعيل بن عمر قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال:

قلت لعائشة أم المؤمنين: أي ساعة توترين؟ لعلها قالت: ما أوتر حتى يؤذنون وما يؤذنون حتى يطلع الفجر قالت: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال وعمرو بن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا فإنه رجل ضرير البصر وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم فإن بلالا لا يؤذن - كذا قال - حتى يصبح)

وهذا سند رجاله كلهم رجال مسلم إلا أنه منقطع بين يونس بن أبي إسحاق والأسود بن يزيد فإن بين وفاتيهما (84) سنة ولعل يونس رواه عن أبيه عن الأسود فسقط من الطابع أو الراوي ذكر أبيه ويؤيد ذلك أن الأسود بن يزيد يروي عنه أبو إسحاق هذا. والله أعلم. ثم ذكر الحافظ وجه الجمع بين هذه الرواية وما يخالفها كما سبق فراجعه

الرابع: عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم قال:

(لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح) وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا. وقال

ص: 140

الراوي: بسبابتيه: إحداهما فوق الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله

خ (2/ 82 - 83) م (3/ 129) د (1/ 369) ن (1/ 105 و 305) وابن ماجه (1/ 518 - 519) والطحاوي (1/ 83) وأحمد (1/ 386) من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عنه به والسياق للبخاري. وقال الحافظ:

(معناه: يرد القائم - أي المتهجد - إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه)

7 -

ويؤذن للجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير أذانا واحدا كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة ومزدلفة

فيه حديث جابر الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم قال فيه: فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس. . . . أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب. . . . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما. . . . الحديث

أخرجه بطوله مسلم (4/ 39 - 43) وأصحاب السنن وغيرهم وأخرج هذا القدر منه النسائي (1/ 107) والطحاوي (1/ 411) الصلاة بمزدلفة

وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وهو قول الشافعي وإليه ذهب ابن حزم (7/ 125 - 129) قال: وصح عن عمر رضي الله عنه الجمع بينهما بأذانين وإقامتين

ص: 141

قلت: أخرجه الطحاوي (1/ 409) عن الأسود:

أنه صلى مع عمر بن الخطاب صلاتين مرتين بجمع كل صلاة بأذان وإقامة والعشاء بينهما

وإسناده صحيح كما قال الحافظ (3/ 413)

وصح ذلك أيضا عن ابن مسعود

أخرجه البخاري (3/ 492) وابن حزم (7/ 127) بنحو رواية عمر وروي عن علي رضي الله عنه وهو قول محمد بن علي بن الحسن وذكره عن أهل بيته وبه يقول مالك. قال ابن حزم:

(ولا حجة في هذا القول من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ولا حجة في قول عمر وابن مسعود وعلي في ذلك لأنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة) قال:

(وقد روي مثل قولنا عن ابن عمر وسالم ابنه وعطاء)

8 -

وكذلك يوذن للفائتة المشروعة وإن كثرت أذانا واحدا كما فعل صلى الله عليه وسلم

فيه أحاديث:

الأول: عن أبي قتادة في نومهم عن صلاة الصبح وفيه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بلالا بالأذان لها

(1) قال ابن القيم في (الزاد)(1/ 212) وقد ذكر نزوله عليه السلام في المزدلفة:

(ثم أمر المؤذن فأذن ثم أقام فصلى المغرب. . . فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان. ولم يصل بينهما شيئا وقد روي أنه صلاهما بأذانين وإقامتين. وروي بإقامتين بلا أذانين والصحيح أنه صلاهما بأذان وإقامتين كما فعل بعرفة)

ص: 142

أخرجه مسلم وقد سبق قبيل الأذان في المسألة (6)

الثاني: عن أبي هريرة مثله. وقد سبق - أيضا - هناك

الثالث: عن ابن مسعود: أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء

أخرجه الترمذي وغيره وقد سبق الكلام عليه في المسألة (8) قبيل الأذان

9 -

ويشرع الأذان لمن يصلي وحده فإنه إذا أذن في أرض قفر صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه

وفيه أحاديث:

الأول: عن أنس:

أنه صلى الله عليه وسلم استمع ذات يوم فسمع رجلا يقول: الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على الفطرة). فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: (خرجت من النار) فنظروا فإذا هو راعي معزى

أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة (3) من الأذان. ورواه بنحوه ابن خزيمة في (صحيحه) كما في (الترغيب)(1/ 110) ولفظه أتم عن أنس رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وهو في مسير له يقول: الله أكبر الله أكبر فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (علىالفطرة). فقال أشهد أن لا إله إلا الله. قال: (خرج

ص: 143

من النار)

فاستبق القوم إلى الرجل فإذا راعي غنم حضرته الصلاة فقام يؤذن

الثاني: عن عبد الله بن ربيعة الأسلمي قال:

كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

(أشهد أن لا إله إلا الله) قال: أشهد أن محمدا رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(أشهد أني محمد رسول الله) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجدونه راعي غنم أو عازبا عن أهله)

اخرجه أحمد (4/ 336) واللفظ له والنسائي (1/ 108) وزاد: (فنظروا فإذا هو راعي غنم). وهو من طريق شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه

وهذا سند صحيح على شرط الشيخين

وقد رواه الحكم بن عبد الملك عن عمار بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال. . . فذكره بنحوه

أخرجه الطبراني في (الصغير)(159) وأحمد (5/ 248)

والحكم هذا ضعيف اتفاقا

وله في (المسند) شاهد من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط الستة ذكرته في التعليق على الطبراني

ص: 144

الثالث: عن قبلة بن عامر مرفوعا:

(يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية (قطعة مرتفعة في رأس الجبل) بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا ويؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة)

أخرجه أبو داود (1/ 188) والنسائي (1/ 108) والبيهقي (1/ 405) وأحمد (4/ 157 و 158) من طريق أبي عشانة عنه

وأبو عشانة - بضم المهملة - واسمه حي بن يؤمن وهو ثقة كما في (التقريب) فهو حديث صحيح

الرابع: عن سلمان مرفوعا:

(إذا كان الرجل بأرض قي فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكان وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه)

أخرجه عبد الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عنه به

وهذا سند صحيح على شرط الستة

وأخرجه البيهقي (1/ 405) مرفوعا وموقوفا ورجح الموقوف. ولا يخفى أن له حكم المرفوع لا سيما وأن له شاهدا ذكره في (التلخيص)(3/ 145) وانظر (الترغيب)(11/ 153)

ص: 145

وقد ذهب إلى العمل بهذه الأحاديث الشافعي وأصحابه فقالوا بأنه يشرع الأذان للمنفرد سواء كان في صحراء أو في بلد قال الشافعي في (الأم):

(وأذان الرجل في بيته وإقامته كهما في غير بيته سواء سمع المؤذنين حوله أم لا). كذا في (المجموع)(3/ 85 - 86). وقال في (شرح مسلم):

(وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا ومذهب غيرنا أن الأذان مشروع للمنفرد)

قلت: وهو مذهب الحنفية أيضا

10 -

ويجب على المؤذن أن يكون محتسبا في أذانه لا يطلب عليه أجرا

قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة / 5]

وقال عثمان بن أبي العاص: إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا

أخرجه الترمذي (1/ 409 - 410) وابن ماجه (1/ 244) وابن حزم (3/ 145) من طريق أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن عنه. وقال الترمذي:

(حديث حسن صحيح)

قلت: ورجاله كلهم ثقات إلا أن الحسن مدلس لكنه توبع عليه فقال حماد بن سلمة: أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن مطرف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص قال:

ص: 146

قلت: يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال:

(أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا)

أخرجه أبو داود (1/ 8) والنسائي (109) والطحاوي 02/ 270) والحاكم (1/ 199 و 217) من طرق عنه. وقال الحاكم:

(صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي وهو كما قالا

ثم قال الترمذي:

(العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه)

وبعضهم ذهب إلى أن ذلك لا يجوز وهو مذهب ابن حزم (3/ 145 - 146) قال: (وهو قول أبي حنيفة وغيره) وهو وجه للشافعية وبه قطع الشيخ أبو حامد والقفال وغيرهما وصححه المحاملي والبغوي وغيرهم كما في (المجموع)(3/ 127) قال: (وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر). وقد مال إلى هذا الشوكاني في (نيل الأوطار) فراجعه (2/ 49 - 50)

ويؤيد ما ذهب إليه هؤلاء ما رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي عن يحيى البكاء قال: رأيت ابن عمر يقول لرجل: إني لأبغضك في الله ثم قال لأصحابه: إنه يتغنى في أذانه ويأخذ عليه أجرا

ذكره ابن حزم وقال الشوكاني: وقد أخرج ابن حبان عن يحيى البكاء (وفي الأصل: البكالي وهو تصحيف) قال: سمعت رجلا قال لابن عمر:

ص: 147

إني لأحبك في الله فقال له ابن عمر: إني لأبغضك في الله فقال: سبحان الله أحبك في الله وتبغضيني في الله قال: نعم إنك تسأل على أذانك أجرا

قلت: وقد أخرج الطحاوي نحوه من طريق حماد بن سلمة عن يحيى البكاء

ثم قال ابن حزم: (ولا يعرف لابن عمر في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم

قلت: لكن في ثبوت هذا الأثر عن ابن عمر نظر لأن مداره على يحيى البكاء وهو ضعيف كما في (التقريب) وقد ضعفه غير ما واحد من الأئمة كالنسائي والدارقطني وقال ابن حبان: (يروي المعضلات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به). ذكره الذهبي في (الميزان) ثم ساق له هذا الأثر عن ابن عمر

ثم الظاهر أن ابن حبان إنما أخرج أثره هذا في كتابه (الضعفاء) لا في (صحيحه) كما يوهم صنيع الشوكاني والله أعلم

11 -

وأما إن جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه

وفيه أحاديث:

الأول: عن خالد بن عدي الجهني قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(من بلغه معروف عن أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا

ص: 148

يرده فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه)

أخرجه أحمد (5/ 320 - 321): ثنا عبد الله بن يزيد: ثنا سعيد بن أبي أيوب: ثني أبو الأسود عن بكير بن عبد الله بن بسر بن سعيد عنه

وهذا سند صحيح كما قال المنذري (2/ 16)

قلت: ورجاله رجال الستة

ورواه أبو يعلى والطبراني في (الكبير) إلا أنهما قالا: (من أخيه). كما في (المجمع)(3/ 100) وابن حبان في (صحيحه) والحاكم وقال:

(صحيح الإسناد)

الثاني عن أبي هريرة مرفوعا:

(من عرض له شيء من غير أن يسأله فليقبله فإنما هو رزق ساقه الله إليه)

أخرجه أحمد أيضا (2/ 323 و 490) والطيالسي (325) نحوه من طريق همام: أنا قتادة عن عبد الملك عنه

وهذا رجاله رجال الستة أيضا غير عبد الملك هذا فإنه لم يعين عندي الآن وقد جعله الهيثمي من رجال الصحيح حيث قال:

(رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)

فلعله عبد الملك بن عمير أو عبد الملك بن أبي سليمان. والله أعلم. وقال المنذري:

ص: 149

(ورواته محتج بهم في الصحيح)

الثالث: عن عائشة مرفوعا:

(يا عائشة من أعطاك عطاء بغير مسألة فاقبليه فإنما هو رزق عرضه الله لك)

أخرجه أحمد من طريق ليث (وهو ابن سعد) عن يزيد بن الهاد عن عمرو عن المطلب بن حنطب أن عبد الله بن عامر بعث إلى عائشة بنفقة وكسوة فقالت للرسول: إني يا بني لا أقبل من أحد شيئا فلما خرج قالت: ردوه علي فردوه فقالت: إني ذكرت شيئا قاله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكرته

ورجاله رجال الستة غير المطلب هذا وهو المطلب بن عبد الله بن المطلب ابن حنطب نسب إلى جده الأعلى وهو صدوق كثير التدليس والإرسال كما في (التقريب). وقال الهيثمي:

(ورجاله ثقات إلا أن المطلب بن عبد الله مدلس واختلف في سماعه من عائشة)

وعمرو هو ابن دينار وقال المنذري:

(رواه أحمد والبيهقي ورواة أحمد ثقات) ثم قال:

(فإن كان المطلب سمع من عائشة فالإسناد متصل وإلا فالرسول إليها لم يسم. والله أعلم)

ص: 150

الرابع: عن أبي الدرداء قال:

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعطاء السلطان قال:

(ما أتاك الله منه من غير مسألة ولا إشراف فخذه وتموله)

أخرجه أحمد: ثنا أبو معاوية: ثنا هشام بن حسان القردوسي عن قيس بن سعد عن رجل حدثه عنه به وزاد:

قال: وقال الحسن رحمه الله: لا بأس بها ما لم ترحل إليها أو تشرف لها. ورجاله رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم

الخامس: عن عائذ بن عمرو مرفوعا: (من عرض له شيء من هذا الرزق من غير مسألة ولا إشراف فليوسع به في رزقه فإن كان عنه غنيا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه)

أخرجه أحمد من طرق عن أبي الأشهب عن عامر الأحول قال: قال عائذ بن عمرو. . . فذكره

ورجاله رجال الصحيح إلا أنه منقطع. وعامر هذا هو عامر بن عبد الواحد الأحول ولم يدرك عائذ بن عمرو كما قال الحافظ في (التقريب) - ومنه تعلم أن قول المنذري: (إسناد أحمد جيد قوي) غير جيد -. وقال شيخه في (المجمع):

(رواه أحمد والطبراني في (الكبير) وقال: (من عرض عليه من هذا الرزق شيء) وأسقط أحمد (شيء) ورجال أحمد رجال الصحيح)

قلت: وفيه قصور واضح لأنه لم ينبه على علة الانقطاع. وأيضا فإن لفظة (شيء) ثابتة عند أحمد في جميع الروايات

ص: 151

هذا وعقب الحديث عبد الله بن الإمام أحمد بقوله: سألت أبي: ما الإشراف؟ قال: تقول في نفسك: سيبعث إلي فلان سيصلني فلان

السادس: عن عمر بن الخطاب بمعنى الحديث الرابع وسيأتي في الزكاة إن شاء الله تعالى. وراجع: البخاري ومسلم وأبا داود والنسائي والدارمي والطحاوي وأحمد

وفي الباب عن أبي محذورة في حديث الأذان قال:

ثم دعاني عليه السلام حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة. وقد مضى في المسألة (4) من الأذان وفيه عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة وهو غير معروف الحال كما قال الحافظ في (التلخيص) فالاحتجاج بهذا الحديث في هذا الباب على جواز أخذ الأجرة مطلقا ليس بجيد أولا: لما علمت من ضعفه وثانيا: لأنه ليس في طلب الأجرة بل فيه الإعطاء بدون طلب وهذا جائز كما أفادته الأحاديث التي قبله. وراجع الشوكاني

12 -

وينبغي أن يؤذن من هو أحسن صوتا وأندى

فيه حديثان:

الأول: عن عبد الله بن زيد في حديث الأذان قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع

ص: 152

بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك) الحديث. وسنده جيد كما تقدم في المسألة الأولى

الثاني: عن أبي محذورة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان. . . الحديث وهو صحيح وقد سبق في المسألة الرابعة

ورواه ابن خزيمة في (صحيحه) كما في (بلوغ المرام) و (التلخيص) وأخرجه النسائي من طريق أخرى بلفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت) فأرسل إلينا. . . الحديث وسنده مقبول

وقد أخرجه أحمد وغيره بنحوه وسبق هناك وصححه ابن السكن كما في (التلخيص)

13 -

ويستحب له أمور:

(1)

أن يؤذن على طهارة:

والدليل عليه قوله عليه السلام:

(إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال: على طهارة)

وقد سبق في الطهارة. وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في (التلخيص)

وروى البيهقي والدارقطني في (الأفراد) وأبو الشيخ في (الأذان) من

ص: 153

حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم

قال في (التلخيص):

(وإسناده حسن إلا أن فيه انقطاعا لأن عبد الجبار ثبت عنه في (صحيح مسلم) أنه قال: كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي ونقل النووي اتفاق أئمة الحديث على أنه لم يسمع من أبيه)

وأما حديث: (لا يؤذن إلا متوضئ) فضعيف لا يصح

أخرجه الترمذي من طريق معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا به

ومعاوية هذا ضعف كما قال الحافظ. والزهري لم يسمع من أبي هريرة كما قال الترمذي

ثم أخرجه من طريق يونس عن ابن شهاب به قال: قال أبو هريرة: لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ. وقال:

(هذا أصح من الحديث الأول)

قلت: فهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا لوجود الانقطاع في الطريقين

ثم قال الترمذي: واختلف أهل العلم في الأذان على غير وضوء فكرهه بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وإسحاق ورخص في ذلك بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد

ص: 154

(2)

وأن يقف قائما:

وفيه أحاديث:

الأول: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:

أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال قال: ثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين - أو قال: المؤمنين - واحدة. . .) فذكر الحديث فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام مثلها إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة ولولا أن تقول الناس إني كنت يقظان غير نائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(لقد أراك الله خيرا فمر بلالا فليؤذن)

قال: فقال عمر: أما إني قد رأيت مثل الذي رأي ولكني لما سبقت استحييت

أخرجه أبو داود من طريق شعبة عن عمرو بن مرة: سمعت أبن أبي ليلى به

وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة

وقد أخرجه الطحاوي من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة به نحوه

وأخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) كما في (نصب الراية):

ص: 155

فقال: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. . . الحديث نحوه إلا أنه قال: فقام على حائط

أخرجه الطحاوي وابن حزم عن وكيع به مختصرا. وقال ابن حزم:

(وهذا إسناد في غاية الصحة)

وكذلك رواه ابن خزيمة والبيهقي عن وكيع

وهذه الرواية تبين ما أبهم في رواية شعبة وهو أن قوله: أصحابنا إنما أراد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد أيضا كما في (التلخيص) و (نصب الراية). وهي ترد قول من أعل الحديث بالانقطاع أو الإرسال لظاهر بعض الروايات عن ابن أبي ليلى فقد رواه المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل نحوه. وقد سبق في المسألة الأولى ويأتي قريبا

وكذلك رواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به

رواه أحمد والدارقطني بلفظ: نزل على جذم حائط

وأخرجه الطحاوي من طريق عبد الله بن داود عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن زيد به. فأسقط من السند ذكر معاذ أو أحد من الصحابة

ص: 156

وأخرج الدارقطني نحوه من طريق أخرى عن عمرو وقال: (وابن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد الله بن زيد وقال الأعمش والمسعودي: عن عمرو بن خالد بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل ولا يثبت والصواب ما رواه الثوري وشعبة عن عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلا)

كذا قال وقد علمت أن رواية وكيع عن الأعمش متصلة صحيحة الإسناد ولعل الدارقطني لم يقف عليها والذي نقطع به أن ابن أبي ليلى قد سمع هذا الحديث عن جمع من الصحابة لم يسمهم فكان أحيانا يسنده إليهم وأحيانا يسنده إلى صاحب القصة وهو عبد الله بن زيد وأحيانا إلى بعض رواتها من الصحابة كمعاذ وكان يفعل ذلك وإن لم يسمعها منهما باعتبار أنه سمعها مسندا إليهما فلا يضر هذا الإرسال حينئذ كما لا يخفى ومن شاء زيادة تحقيق في ذلك فليراجع تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على كتاب (أصول الأحكام) لابن حزم

الحديث الثاني: عن وائل بن حجر قال:

حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم وقد مضى قريبا

قال ابن المنذر: (أجمع أهل العلم أن القيام في الأذان من السنة). وراجع (الفتح)

ص: 157

(3)

على مكان عال:

وفيه أحاديث:

الأول: حديث عبد الله بن زيد في أذان الملك قال: فقام على المسجد فأذن. وفي رواية على حائط وفي أخرى جذم حائط. وقد سبق ذكرها قريبا. (والجذم) بالكسر والفتح: الأصل: أراد بقية حائط

الثاني: عن امرأة من بني النجار قالت:

كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رأه تمطى ثم قال: اللهم إني أحمد. . . الحديث

أخرجه أبو داود عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عنها

وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس ولذلك قال النووي: (إسناده ضعيف). وأما قول الحافظ في (الفتح):

(وإسناده حسن)

فغير حسن ولو سكت عليه كما فعل في (التلخيص) لكان أحسن

ص: 158

لكني وجدت له طريقا أخرى فقال ابن سعد في (الطبقات): أخبرنا محمد بن عمر: ثني معاذ بن محمد عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: أخبرني من سمع النوار أم زيد بن ثابت تقول:

كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره

ومحمد بن عمر هو الواقدي: ضعيف

الثالث: عن ابن عمر قال: كان ابن أم مكتوم يؤذن فوق البيت

أخرجه أبو الشيخ عن عبد الله بن نافع عن أبيه عنه

ذكره الزيلعي والعسقلاني وسكتا عليه

وعبد بن نافع هذا ضعيف كما في (التقريب)

ويشهد لمعاني الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنه:

كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم الأعمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)

قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا. (متفق عليه) واللفظ لمسلم

ص: 159

وأخرجاه أيضا من حديث عائشة وقد سبق تخريجه في المسألة (6)

الرابع: عن أي برزة الأسلمي قال:

من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد

أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عنه

وهو في (سنن سعيد بن منصور) مثله

وسكت عليه الحافظان المذكوران آنفا فإن كان السند إلى سعيد سلم من علة فهو إسناد صحيح

ثم رأيت البيهقي أخرجه في (سننه) من طريق خالد بن عمرو قال: (ثنا سفيان عن الجريري به) وقال:

(وهذا حديث منكر لم يروه غير خالد بن عمرو وهو ضعيف منكر الحديث)

الخامس: عن عقبة بن رافع مرفوعا:

(يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة. . .). الحديث

وقد مضى في المسألة التاسعة. فإن (الشظية) قطعة مرتفعة في رأس الجبل. وفيه إشارة إلى استحباب الأذان على المكان المرتفع ولو كان على الجبل

ص: 160

(4)

ويستقبل القبلة:

وفيه حديثان:

الأول: حديث عبد الله بن زيد في نزول الملك بالأذان قال:

بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال: الله أكبر الله أكبر. . . الحديث

وقد مضى في المسألة الأولى وهو من رواية المسعودي عن عمر بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ والمسعودي كان اختلط إلا أنه قد توبع على هذه الجملة

قال إسحاق في (مسنده) على ما في (التلخيص): ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: جاء عبد الله بن زيد فقال: يا رسول الله إني رأيت رجلا نزل من السماء فقام على جذم حائط فاستقبل القبلة. . . فذكر الحديث

الثاني: عن سعد القرط مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أن بلالا كان يؤذن مثنى مثنى ويتشهد مضعفا يستقبل القبلة فيقول. . . فذكره

أخرجه الطبراني وسنده ضعيف كما سبق في النوع الثاني من الأذان

وأخرجه الحاكم بلفظ: وإن بلالا كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة. . . الحديث

ص: 161

وسكت عليه هو والذهبي

(5)

ويرفع صوته:

(فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) و (له أجر من صلى معه)

وهذا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. رواه عنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري: أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع. . . الحديث. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. وقد خرجته في (التعليق الرغيب)

وللحديث شواهد من حديث ابن عمر بإسناد صحيح وأبي هريرة بسند حسن والبراء بن عازب بإسناد صحيح وقد خرجتها هناك ولفظ حديث البراء: (والمؤذن يغفر له مدى صوته وصدقه من سمعه من رطب ويابس وله أجر من صلى معه)

(6)

ويجعل أصبعيه في أذنيه:

وفيه أحاديث:

الأول: عن أبي جحيفة قال:

رأيت بلالا يؤذن ويدور وأتتبع فاه ههنا وههنا وأصبعاه في أذنيه. . . الحديث

ص: 162

أخرجه أحمد قال: ثنا عبد الرزاق: أنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه

وأخرجه الحاكم عن أحمد والترمذي عن محمود بن غيلان: ثنا عبد الرزاق به

ثم رواه من طريق إبراهيم بن عتبة عن الثوري ومالك بن مغول عن عون ابن أبي جحيفة بنحوه. وقال:

(قد اتفق الشيخان على إخراج حديث مالك بن مغول وعمر بن زائدة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه في ذكر نزوله صلى الله عليه وسلم الأبطح غير أنهما لم يذكرا فيه إدخال الأصبع في الأذنين والاستدارة في الأذان وهو صحيح على شرطهما وهما سنتان مسنونتان). ووافقه الذهبي وهو كما قالا

وذلك يدل على أن عبد الرزاق لم يتفرد بذكر الأصبعين والاستدارة فيه بل تابعه على ذلك كله الحسين بن جعفر وهو الحسين بن منصور بن جعفر النيسابوري وهو ثقة فقيه وإبراهيم بن عتبة كذا في الأصل والصواب: عيينة بمهملة ثم مثناة تحتية ثم نون وهو أخو سفيان بن عيينة وهو صدوق يهم كما في (التقريب)

وتابعه - أيضا - مؤمل بن إسماعيل عن سفيان. أخرجه أبو عوانة في (صحيحه) نحوه كما في (نصب الراية) و (الفتح) وكذا رواه ابن خزيمة كما في (التلخيص) قال: ورواه أبو نعيم في

ص: 163

(مستخرجه) وعنده: (رأى بلالا يؤذن ويدور وأصبعاه في أذنيه) وكذا رواه البزار

وكذلك لم يتفرد به الثوري عن عون بل تابعه مالك بن مغول كما سبق في رواية الحاكم وهو ثقة ثبت. وقد أخرج حديثه هذا مسلم لكن ليس فيه وضع الأصبعين

وتابعه أيضا حجاج بن أرطأة عند ابن ماجه والدارمي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم

وإدريس الأودي أخرجه الطبراني وحماد وهشيم جميعا عن عون به. أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب الأذان كما في (نصب الراية) و (التلخيص)

وبالجملة فالحديث بهاتين الزيادتين صحيح وقد قال الترمذي بعد أن خرجه: (إنه حديث حسن صحيح)

والمراد بالاستدارة فيه: الاستدارة بالرأس فقط لا بسائر الجسد كذلك جاء مفسرا في (الصحيحين) وغيرهما ويأتي قريبا

الحديث الثاني: عن عبد الله الهوزني: قال:

قلت لبلال: كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم. . . فذكر الحديث وفيه قال بلال: فجعلت أصبعي في أذني فأذنت

ذكره الحافظ في (الفتح) وقال: (إنه من أصح شواهد الحديث الأول). وقال: (رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه به)

ص: 164

قلت: الحديث في (سنن أبي داود لكن لم يسق الحديث بتمامه بل قال في موضع منه: فذكر الحديث. وفي آخره: وقص الحديث. إشارة إلى اختصاره ولذا فليس فيه قول بلال: (فجعلت. . . إلخ)

فالظاهر أنه من جملة المختصر عنده وسنده هكذا: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثنا معاوية - يعني ابن سلام - عن زيد أنه سمع أبا سلام: ثني عبد الله الهوزني به

وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم سوى عبد الله الهوزني وهو ابن لحي وهو ثقة مخضرم

الثالث: عن سعد القرظ:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال: (إنه أرفع لصوتك)

أخرجه ابن ماجه والطبراني في (الصغير) من طريق عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد: ثني أبي عن أبيه عن جده

وأخرجه الحاكم بإسقاط سعد من السند

وهذا سند ضعيف فيه ضعف وجهالة وقد سبق له حديث آخر بهذا السند في النوع الثاني من الأذان

وبه أخرجه الطبراني في (الكبير) بلفظ: (إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك)

ص: 165

الرابع: عن عبد الله بن زيد في حديث رؤيا الملك قال:

لما كان الليل قبل الفجر غشيني نعاس فرأيت رجلا عليه ثوبان أخضران وأنا بين النائم واليقظان فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى. . . الحديث بطوله

أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عنه كما في (التلخيص) و (نصب الراية) وقال:

(ويزيد بن أبي زياد متكلم فيه)

وعبد الرحمن عن عبد الله بن زيد تقدم قول من قال: (فيه انقطاع)

هذا وقد قال الترمذي بعد أن ساق الحديث الأول: (وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون للرجل أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان. وقال بعض أهل العلم: وفي الإقامة أيضا يدخل أصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي)

وفي (الفتح): (قال العلماء: في ذلك فائدتان: إحداهما: أنه قد يكون أرفع لصوته ثانيهما: أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن)

(تنبيه): لم يرد تعيين الأصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة

ص: 166

(7)

ويلتفت يمينا برأسه عند قوله: حي على الصلاة وشمالا عند قوله: حي على الفلاح ولا يستدير

وفي حديث أبي جحيفة قال:

أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم وقال: فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه قال: فتوضأ وأذن بلال قال: فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح. . . الحديث

أخرجه مسلم من طريق وكيع: ثنا سفيان: ثنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه

وبهذا السند أخرجه أحمد نحوه

وأخرجه أبو داود من طريق قيس بن الربيع ووكيع عن سفيان جميعا بلفظ:

فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر. . . الحديث

وإسناده صحيح كما قال النووي:

ورواه النسائي عن وكيع أيضا مختصرا بلفظ: فأذن فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينا وشمالا

ص: 167

والبخاري والدارمي عن محمد بن يوسف: ثنا سفيان به بلفظ: أنه رأى بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان

وكذا رواه النسائي أيضا عن إسحاق الأزرق عن سفيان

قال النووي:

(مذهبنا أنه يستحب الالتفات في الحيعلة يمينا وشمالا ولا يدور ولا يستدبر القبلة سواء كان على الأرض أو على منارة وبه قال النخعي والثوري والأوزاعي وأبو ثور وهو رواية عن أحمد وقال ابن سيرين: يكره الالتفات وقال مالك: لا يدور ولا يلتفت إلا أن يريد إسماع الناس وقال أبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية: يلتفت ولا يدور إلا أن يكون على منارة فيدور

واحتج لمن قال يدور بحديث الحجاج بن أرطأة عن عوف بن أبي جحيفة عن أبي جحيفة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه

رواه ابن ماجه والبيهقي

واحتج أصحابنا بالحديث الصحيح السابق أنه لم يستدر وأما حديث الحجاج فجوابه من أوجه: أحدها: أنه ضعيف لأن الحجاج ضعيف ومدلس والضعيف لا يحتج به والمدلس إذا قال: عن لا يحتج به لو كان عدلا ضابطا والجواب الثاني: أنه مخالف لرواية الثقات عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه فوجب رده الثالث: أن الاستدارة تحمل على الالتفات جمعا بين الروايات)

ص: 168

وأقول: هذا الجواب الأخير هو الذي يجب المصير إليه أما الأول والثاني فضعيف لثبوت الاستدارة من طرق وقد سبق بيانها قريبا

واختلف: هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانية مرة أو يقول: حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الفلاح عن شماله وكذا الأخرى؟

قال ابن دقيق العيد: (ويرجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما). قال: (والأول أقرب إلى لفظ الحديث) كما في (الفتح)

قلت: ويؤيد الأول حديث سعد القرظ في أذان بلال: ثم ينحرف عن يمينه فيقول: حي على الصلاة مرتين ثم ينحرف عن يساره فيقول: حي على الفلاح مرتين ثم يستقبل القبلة فيقول: الله أكبر. . . الحديث. وفيه ضعف وقد مضى في المسألة الرابعة

(8)

وأن يكون أذانه أول الوقت كما كان يفعل بلال:

كان يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا خرج أقام حين يراه

أخرجه مسلم وأحمد واللفظ له (1) من طريق زهير عن

(1) ورواه الطيالسي (105) من طريق حماد بن سلمة عن سماك دون قوله: ثم لا يقيم. . . إلخ. ثم رواه من طريق شريك بلفظ: كان بلال لا يخرم الأذان وكان ربما أخر الإقامة شيئا

ص: 169

سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال. . . فذكره

وهو في (المسند) و (سنن أبي داود) وغيرهما من طرق أخرى عن سماك مختصرا ولعله يأتي في الإقامة

قوله: لا يخرم أي: لا يترك شيئا من ألفاظه كذا في (النيل)

وهذا المعنى محتمل ولكن الأرجح عندي أن المعنى لا يخرم: أن لا ينقص ولا يؤخر عن الوقت وهو وقت زوال الشمس والدليل على هذا الشطر الثاني من الحديث فإنه يقول: إن بلالا كان يؤخر الإقامة حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وجدت بعد ذلك ما يؤيد هذا من الرواية وهو ما رواه الطيالسي: ثنا قيس عن سماك بن حرب عن جابر قال:

كان بلال يؤذن حين تدحض الشمس وربما أخر الإقامة قليلا وربما عجلها قليلا فأما الأذان فكان لا يخرم عن الوقت

فهذا نص فيما رجحنا والله أعلم

والحديث فيه المحافظة على الأذان عند دخول وقت الظهر بدون تقديم ولا تأخير وهكذا سائر الصلوات إلا الفجر كما تقدم

14 -

وعلى من يسمع النداء أمور:

أولا: أن يقول مثلما يقول المؤذن:

وفيه أحاديث:

ص: 170

الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)

أخرجه مالك وعنه البخاري وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وعنه ابن السني والترمذي وابن ماجه والطحاوي وأحمد والخطيب كلهم عن مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عنه

ورواية الطحاوي عن ابن وهب قال: أخبرني مالك ويونس عن ابن شهاب به

وكذا أخرج أبو عوانة كما في (الفتح)

وكذلك أخرجه أحمد في روايةمن طريق عثمان بن عمر: أنا مالك ويونس ين يزيد عن الزهري

ومن هذه الطريق أخرجه الدارمي والطحاوي أيضا لكنهما لم يذكرا مالكا في السند وكذا رواه الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس وحده

وقد خالف مالكا ويونس بن يزيد عباد بن إسحاق أو عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا نحوه

أخرجه ابن ماجه والطحاوي وذكره الترمذي معلقا وقال: ورواية مالك أصح وكذا قال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود كما في (الفتح)

ص: 171

الثاني: عن معاوية مرفوعا:

(إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل مقالته أو كما قال)

أخرجه الطحاوي من طريق محمد بن عمرو الليثي عن أبيه عن جده قال: كنا عند معاوية فأذن المؤذن فقال معاوية: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول. . . فذكره

ورجاله ثقات غير عمرو هذا وهو ابن علقمة بن وقاص وثقه ابن حبان وصحح خبره كما في (الخلاصة) وفي (التقريب) أنه مقبول

ومن هذا الطريق أخرجه أحمد لكن جعله من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله

وكذلك هو في (الصحيح) من طريق آخر ويأتي قريبا إن شاء الله تعالى

الثالث: عن معاذ بن أنس الجهني رفعه:

(إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة فقولوا كما يقول)

أخرجه أحمد عن ابن لهيعة عن زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه

وهذا سند لا بأس به في الشواهد

ورواه الطبراني في (الكبير) كما في (المجمع)

الرابع: عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا:

ص: 172

(إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. . .) الحديث وسيأتي رواه مسلم وغيره

ورواه بنحوه أبو داود وغيره ويأتي

الخامس: عن أم حبيبة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كان عندها في يومها وليلتها فسمع المؤذن قال كما يقول المؤذن

أخرجه ابن ماجه والطحاوي وأحمد واللفظ له من طريق أبي المليح بن أسامة قال: أخبرني عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان: ثتني عمتي أم حبيبة به

وهذا سند رجاله رجال الشيخين غير عبد الله بن عتبة قال الذهبي:

(لا يكاد يعرف تفرد عنه أبو المليح). وفي (التقريب):

(هو مقبول)

ومنه تعلم أن قول صاحب (الزوائد): (إسناده صحيح) غير صحيح. وقوله (1): (عبد الله بن عتبة روى له النسائي وأخرج له ابن خزيمة في (صحيحه) فهو عنده ثقة وباقي رجاله ثقات) لا يبرر تصحيحه للحديث لأن للصحة شروطا مقررة في مصطلح الحديث وقد يشذ بعض الأئمة عن بعضها منها العدالة فلا بد أن يعرف الراوي بها حتى يصح حديثه عند الجمهور بينما ابن خزيمة وأضرابه يكتفون منه بأن لا يعرف بجرح وهذا لا يكفي عند المحققين من المحدثين

(1) يعني البوصيري في كتابه (مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه). (الناشر)

ص: 173

وكذلك سكوت الحافظ في (الفتح) لا ينبغي أن يسكت عنه وقد عزاه إلى النسائي بزيادة: (حتى يسكت). وهي عند الطحاوي أيضا وكذا أحمد في رواية له ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يتعقبه الذهبي بشيء وهو وهم واضح. ولم يروه النسائي في (سننه) والظاهر أنه في كتابه (عمل اليوم والليلة)

السادس: في (المستدرك) وابن السني

(وكان صلى الله عليه وسلم يقول:

(من قال مثل ما قال هذا (يعني المؤذن يقينا دخل الجنة)

هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادي فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره

أخرجه النسائي والحاكم له من طريق ابن وهب عن عمرو ابن الحارث أن بكير بن الأشج حدث أن علي بن خالد الزرقي حدثه أنه سمع أبا هريرة به. وقال الحاكم:

(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي

وليس كما قالا فإن النضر هذا وثقه ابن حبان فقط ولذلك اقتصر الحافظ على قوله في (التقريب):

(إنه مقبول)

ورواه أحمد ولفظه أتم وهو:

ص: 174

كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلعات اليمن فقام بلال ينادي فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من قال مثل ما قال هذا - يقينا - دخل الجنة)

وله شاهد من حديث أنس أخرجه أبو يعلى قال الهيثمي:

(فيه يزيد الرقاشي ضعفه شعبة وغيره ووثقة ابن عدي وابن معين في رواية)

وشاهد آخر من حديث عمر رضي الله عنه عند مسلم وغيره ويأتي قريبا

(ويجوز بل يستحب أن يقول أحيانا: لا حول ولا قوة إلا بالله مكان (حي على الصلاة حي على الفلاح)

وفيه أحاديث:

الأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله فقال: أشهد أن محمد رسول الله ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)

أخرجه مسلم وأبو داود والطحاوي عن إسماعيل بن

ص: 175

جعفر عن عمارة بن غزية عن خبيب بن عبد الرحمن بن إسحاق عن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده عمر

الحديث الثاني: عن معاوية بن أبي سفيان وله عنه طرق:

1 -

عن علقمة بن وقاص أن معاوية سمع المؤذن قال: الله أكبر الله أكبر فقال معاوية: الله أكبر الله أكبر فقال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية: أشهد أن لا إله إلا الله فقال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية: أشهد أن محمدا رسول الله فقال المؤذن: حي على الصلاة فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله فقال: حي على الفلاح فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فقال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

أخرجه الدارمي والطحاوي من طريق سعيد بن عامر: ثنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده به

وقد أخرجه أحمد وابن خزيمة أيضا - كما في (الفتح) - من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو به إلا أنه قال: فقال: الله أكبر فقال: الله أكبر فقال: لا إله إلا الله فقال: لا إله إلا الله. ففصل التهليلة عن التكبيرتين

ص: 176

وهذا سند فيه جهالة من أجل عمرو هذا وهو ابن علقمة بن أبي وقاص - كما سبق ذكره قريبا - إلا أنه قد توبع عليه فقال ابن جريج: أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن علقمة ابن وقاص قال: إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن حتى إذا قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل ذلك

أخرجه النسائي وعنه ابن حزم والطحاوي وأحمد وابن خزيمة أيضا. ثم أخرجه الطحاوي من طريق ابن وهب قال: ثني داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن يحيى عن عبد الله بن علقمة به فأسقط من بينهما عيسى بن عمر. ورجال هذا الإسناد ثقات غير عبد الله بن علقمة وحاله كحال أخيه عمرو وقد سبق

2 -

عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثيرة عن محمد بن إبراهيم ابن الحارث عن عيسى بن طلحة قال:

دخلت على معاوية فنادى المنادي فقال: الله أكبر الله أكبر فقال: معاوية: الله أكبر الله أكبر قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن محمدا رسول الله قال: وأنا أشهد أن محمدا رسول الله

ص: 177

قال يحيى: وأخبرني بعض أصحابنا أنه لما قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال معاوية: سمعت نبيكم يقول هكذا

أخرجه البخاري والدارمي وأحمد

وله طريق آخر لكنه مختصر أخرجه أحمد والنسائي عن مجمع بن يحيى الأنصاري قال:

كنت إلى جنب أبي أمامة بن سهل وهو مستقبل المؤذن وكبر المؤن اثنتين فكبر أبو أمامة اثنتين وشهد أن لا إله إلا الله اثنتين فشهد أبو أمامة اثنتين وشهد المؤذن أن محمدا رسول الله اثنتين وشهد أبو أمامة اثنتين ثم التفت إلي فقال: ثني معاوية بن أبي سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهذا سند صحيح

ثم أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن معاوية به نحوه

وهذا سند جيد

ورواه ابن السني بزيادة غريبة (32) من طريق أبي داود سليمان بن يوسف:

ثنا عبد الله بن وافد عن نصير بن طريف عن عاصم بن بهدلة به بلفظ قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال: حي على الفلاح قال: (اللهم اجعلنا مفلحين)

ص: 178

وهذا سند ضعيف سليمان بن يوسف هذا لم أعرفه الآن وشيخه عبد الله بن وافد - كذا في الأصل بالفاء - ولعله واقد بالقاف وفي الرواة بهذا الاسم والنسبة أربعة ولعل هذا هو الحراني أبو قتادة وهو متروك كما في (التقريب) ونصير بن طريف لم أجده وفي رجال (الميزان) نصر بن مطرف كوفي فيه جهالة ثم قال: بل هو النضر بالضاد المعجمة ثم ذكره هنا وفيمن اسمه النضر وحكى تضعيفه عن جماعة من الحفاظ

الحديث الثالث: عن أبي رافع رضي الله عنه قال:

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول وإذا قال: حي على الصلاة حي على الفلاح قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله)

أخرجه ابن السني والطحاوي وأحمد من طريق شريك عن عاصم بن عبيد عن علي بن الحسين عنه

وهذا سند ضعيف

واعلم أن العلماء اختلفوا هنا في موضعين:

الاول: في حكم إجابة المؤذن فذهب قوم من السلف وغيرهم إلى وجوب ذلك على السامع عملا بظاهر الأمر الذي يقتضي الوجوب وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن رجب كما في (الفتح). وخالفهم آخرون فقالوا: ذلك على الاستحباب لا على الوجوب حكى ذلك كله الطحاوي في (شرح المعاني). وفي (شرح مسلم): (الصحيح الذي عليه الجمهور أنه

ص: 179

مندوب). وبهذا قال الشافعية وبعض علمائنا الحنفية

قال الحافظ:

(واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال: (على الفطرة) فلما تشهد قال: (خرج من النار). قال: فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يكون نفسه في عموم من خوطب بذلك)

قلت: ولعل من حجة الجمهور ما في (الموطأ) أن الصحابة كانوا إذا أخذ المؤذن بالأذان يوم الجمعة أخذوا هم في الكلام فإنه يبعد جدا أن تكون الإجابة واجبة فينصرف الصحابة مع ذلك منها إلى الكلام فراجع (الموطأ)

ومثله ما رواه ابن سعد عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال:

رأيت عثمان بن عفان والمؤذن يؤذن وهو يتحدث إلى الناس يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار

وسنده صحيح على شرط الشيخين

ص: 180

والموضع الثاني: اختلفوا في الإجابة كيف تكون على أربعة مذاهب:

(1)

أن يقول مثل قول المؤذن حتى في الحيعلتين وهو مذهب بعض السلف كما في (شرح المعاني)(86) عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فقولوا مثل ما يقول)

(2)

أن يقول مثل قوله إلا في الحيعلتين فيقول مكانهما: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وهذا مذهب الجمهور الشافعية وغيرهم عملا بحديث عمر ومعاوية المفصل

(3)

أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة. وهو مذهب بعض المتأخرين من الحنفية كابن الهمام وغيره وهو وجه عند الحنابلة قال الحافظ:

(وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما) قال: (فلم لا يقال: يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلتين والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة)

(4)

أن يحوقل تارة ويحيعل تارة. وبه قال ابن حزم وبعض المحققين من متأخري الحنفية. وهو الحق إن شاء الله تعالى لأن فيه إعمالا للحديثين العام والخاص كلا في حدود معناهما وأما الجمع بينهما - كما في المذهب الثالث - ففيه تركيب معنى لا يقول به كل من الخاص والعام كما لا يخفى. وكذلك قال ابن المنذر:

(يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا)

وهذا التنويع له أمثلة كثيرة في الشرع كأدعية الاستفتاح وغيرها كما

ص: 181

سيأتي بيان ذلك هناك وتقدم مثله في أنواع الأذان

قال الشيخ محمد أنور الكشميري في (فيض الباري): (فالسنة عندي أن يجيب تارة بالحيعلة وتارة بالحوقلة وما يتوهم أن الحيعلة في جواب الحيعلة يشبه الاستهزاء فليس بشيء لأنه في جملة الكلمات كذلك إن أراد بها الاستهزاء - والعياذ بالله - وإلا فهي كلمات خير أريد بها الشركة في العمل لينال بها الأجر فإنها نحو تلاف لما فاته من الأذان فلا بد أن يعمل بعمله ليشترك في أجره). وقال في الحاشية بعد أن ذكر كلام ابن الهمام في (الجمع):

(وبالجملة كنت أقوم إلى نحو خمس عشرة سنة على ما حققه ابن الهمام رحمه الله فأجمع بينهما في جواب الأذان ثم تحقق لدي أن مراد الشرع هو التخيير دون الجمع وهو السنة في باب الأذكار وليس الجمع إلا رأي ابن الهمام والشيخ الأكبر)

(ويجيب أحيانا حين يسمع المؤذن [يتشهد] بقوله: (وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا) فإنه من قال ذلك غفر له ذنبه)

هو من حديث سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يسمع المؤذن) فذكره وقال في آخره: (غفر له ذنبه)

أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وعنه ابن السني

ص: 182

والحاكم وأحمد كلهم من طريق قتيبة بن سعيد: ثنا الليث عن الحكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عنه. وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). وقال الحاكم:

(صحيح) ووافقه الذهبي

وهو كما قالا لكنهما وهما في الاستدراك على مسلم وقد أخرجه بالسند ذاته

ثم أخرجه مسلم وابن ماجه أيضا والطحاوي وأحمد من طرق أخرى عن الليث به

ثم أخرجه الطحاوي من طريق عبيد الله بن المغيرة عن الحكيم بن عبد الله ابن قيس. . . فذكره مثله بإسناده وزاد أنه قال: (من قال حين يسمع المؤذن يتشهد). وإسناده هكذا: ثنا روح بن الفرج قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال: ثني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغير ة

وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات مترجم لهم في (تهذيب التهذيب) وفيه هذه الزيادة التي تعين متى يقال هذا الدعاء وهو حين يتشهد المؤذن. وهي زيادة عزيزة قلما توجد في كتاب فتشبث بها

وقد قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: قوله: (من قال حين يسمع الأذان) الظاهر حين يفرغ من سماع أذانه وإلا فالجمع بينه وبين مثل ما

ص: 183

يقول المؤذن حالة الأذان مشكل)

قلت: قد عينت تلك الزيادة متى يقول ذلك وأنه قبل الفراغ من الأذان. وظاهر الحديث أن ذلك يكفيه عن متابعة المؤذن فيما يقول لا سيما على قول من يقول: إن المتابعة غير واجبة وهو قول الجمهور وحينئذ فلا ضرورة إلى الجمع وعليه فلا إشكال. والله أعلم بحقيقة الحال

ويشهد لهذا الظاهر ويقويه ظاهر حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا: (ما من مسلم يقول إذا سمع النداء فيكبر المنادي فيكبر ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيشهد على ذلك ثم يقول: اللهم أعط محمدا الوسيلة. . .) الحديث وسنده صحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى

(ويجوز له أن يقتصر أحيانا على قوله: (وأنا وأنا) بدل قول المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله) كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

هو من حديث عائشة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: (وأنا وأنا)

أخرجه أبو داود والحاكم من طريق هشام بن عروة عن أبيها عنها. وقال الحاكم:

(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي

قلت: وهو على شرط مسلم فإنه أخرجه من طريق سهل بن عثمان

ص: 184

العسكري: ثنا حفص بن غياث عن هشام به

وسهل هذا من شيوخ مسلم وباقي رجاله رجال الستة

وأما أبو داود فأخرجه عن إبراهيم بن مهدي: ثنا علي بن مسهر عن هشام

وإبراهيم هذا وثقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الشيخين

ورواه ابن حبان في (صحيحه) كما في (الترغيب) وبوب عليه: (باب إباحة الاقتصار عند سماع الأذان على: وأنا وأنا). ذكره في (فيض القدير) وقال: (أي يقول عند شهادة أن لا إله إلا الله: وأنا. وعند أشهد أن محمدا رسول الله: وأنا)

وللحديث شاهد من رواية عبد الله بن سلام في (المجمع)

(ثانيا: إذا فرغ من الإجابة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا)

وفيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)

مسلم وأبو داود والنسائي وعنه ابن السني

ص: 185

والترمذي والطحاوي وأحمد من طرق عن كعب بن علقمة سمع عبد الرحمن بن جبير أنه سمع عبد الله بن عمرو. وقال الترمذي:

(حديث حسن صحيح)

(وصيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جمعتها في كتاب الصلاة بثلاث صيغ نذكر هنا أخصرها وأجمعها وهي:

(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)

أخرجه الطحاوي وغيره كما سيأتي وسنده صحيح

وكم أحسن صنعا الحافظ ابن السني رحمه الله حيث عقد بابا خاصا بعد باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان الذي ساقه من حديث ابن عمرو هذا فقال: (باب كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساق سنده إلى كعب بن عجرة قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليك هذا السلام عليك قد علمناه فكيف الصلاة عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صل على محمد. . .) الحديث

أخرجه الستة وغيرهم وسيأتي في الصلاة

فقد أشار ابن السني بذلك إلى أنه ينبغي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بالوارد عنه صلى الله عليه وسلم مما عمله أمته. وإن كان يكفي في ذلك مطلق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فإنما الكلام في الأفضل الذي غفل عنه أكثر الناس في هذا المقام

ص: 186

(ثالثا: أن يسأل له صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة عليه الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله قال صلى الله عليه وسلم: (وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)

فيه حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وغيره وقد مضى فيما قبل

وفي الباب أحاديث أخرى:

(1)

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله لي الوسيلة) قالوا: يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: (أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو)

أخرجه الترمذي عن سفيان عن الليث - وهو ابن أبي سليم -: ثني كعب: ثني أبو هريرة. وقال: (هذا حديث غريب إسناده ليس بالقوي وكعب ليس هو بمعروف ولا نعلم أحدا روى عنه غير ليث بن أبي سليم)

ومن هذا الوجه رواه أحمد كما في ابن كثير و (حادي الأرواح) بفظ: (إذا صليتم علي فسلوا الله لي الوسيلة. . .) والباقي مثله

(2)

عن أبي سعيد الخدري مرفوعا:

(الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة)

أخرجه أحمد من طريق ابن لهيعة عن موسى بن وردان عنه وكذلك رواه الطبراني في (الأوسط) وزاد في آخره: (على خلقه). كما في (المجمع)

ص: 187

وهذا سند لا بأس به في الشواهد والمتابعات وقد رواه ابن مردويه بإسنادين عن عمارة بن غزية عن موسى بن وردان به وفيه الزيادة

وعمارة بن غزية لا بأس به كما في (التقريب) وهذه متابعة قوية لابن لهيعة تدل على أنه قد حفظ الحديث فهو إسناد جيد

(3)

عن ابن عباس مرفوعا:

(سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة)

أخرجه الطبراني في (الأوسط) وسنده هكذا: أنا أحمد بن علي الأبار: ثنا لاوليد بن عبد الملك الحراني: ثنا موسى بن أعين عن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عنه

وهذا سند جيد إن شاء الله تعالى. أحمد بن علي الأبار وثقه الدارقطني وقال الخطيب:

(كان ثقة حافظا متقنا حسن المذهب مات سنة (290) وله ترجمة في (تاريخه)

وبقية رجال إسناده رجال الشيخين غير الوليد بن عبد الملك الحراني قال الهيثمي:

(وقد ذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات قلت: وهذا من روايته عن موسى بن أعين وهو ثقة)

ص: 188

قلت: والوليد هذا روى له الطبراني حديثا آخر في (المعجم الصغير) وسمى جده مسرح - كمحمد - يروي أيضا عن مخلد بن يزيد وعنه ابن أخيه أحمد بن خالد بن مسرح الحراني

ثم الحديث قال الطبراني بعد أن ساقه:

(لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين). وتعقبه الحافظ ابن كثير فقال:

(كذا قال وقد رواه ابن مردويه: ثنا محمد بن علي بن دحيم: ثنا أحمد ابن حازم: ثنا عبيد الله بن موسى: ثنا موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرو ابن عطاء فذكر بإسناده نحوه)

(فائدة): (لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية وأعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى من الله وزيادة الإيمان وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه) كذا في (حادي الأرواح) لابن القيم رحمه الله

(وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الوسيلة فلا يعدل عنه كما لا يزاد فيه ولا ينقص فقال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه

ص: 189

مقاما محمودا الذي وعدته) حلت له شفاعتي يوم القيامة)

وهو من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه

أخرجه البخاري وفي (التفسير)(1) وأحمد قالا: ثنا علي بن عياش: ثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عنه

وأخرجه أبو داود عن أحمد والترمذي والنسائي وعنه ابن السني وابن ماجه والبيهقي والطبراني في (الصغير) كلهم من طرق عن علي بن عياش به. والزيادة عند البيهقي وهي مما ثبت للكشميهني في (صحيح البخاري) كما قال السخاوي وظني أنها شاذة

ورواه الطحاوي فجعله من فعله عليه الصلاة والسلام فقال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال: (اللهم. . إلخ)

وسنده هكذا: ثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال: ثنا علي بن عياش به. وهذا كما ترى إسناده إسناد البخاري غير عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي وهو أبو زرعة الثقة الحافظ فالإسناد صحيح ولكن الرواية شاذة

وقد جاء في هذه الرواية: (المقام المحمود) بالتعريف وهي رواية النسائي والطبراني والبيهقي وهي في (صحيح ابن خزيمة) وابن حبان أيضا كما في (الفتح) قال:

(1) تفسير سورة بني إسرائيل. (الناشر)

ص: 190

(وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي)

لكن الصحيح التنكير لثبوتها في (صحيح البخاري) ولموافقتها للفظ القرآن: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء / 79] ولوجوه أخرى ذكرها المحقق ابن القيم في (بدائع الفوائد) فأبدع فليراجعه من شاء

(تنبيه): قد اشتهر على الألسنة زيادة (الدرجة الرفيعة) في هذا الدعاء وهي زيادة لا اصل لها في شيء من الأصول المفيدة وقد قال الحفاظ السخاوي في (المقاصد الحسنة):

(لم أره في شيء من الروايات) وقال شيخه الحافظ العسقلاني في (التلخيص):

(وليس في شيء من طرقه ذكر: الدرجة الرفيعة)

نعم ذكرت هذه الزيادة في رواية ابن السني ولكنني أقطع بأنها مدرجة من بعض النساخ لأنها لو كانت ثابتة في النسخ الصحيحة من ابن السني لما خفيت على مثل هذين الحافظين: العسقلاني والسخاوي ويؤيد ذلك ان ابن السني رواها من طريق النسائي كما سبق وليست هذه الزيادة في (سننه) فثبت أنها مدرجة. كما أنه قد جاء ذكرها في كتب بعض الحفاظ المحققين فوقعت في كتاب (التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية وفي كتاب (حادي الأرواح) لابن القيم عزاها الأول إلى البخاري والآخر إلى (الصحيحين) وهذا وهم مضاعف فالحديث لم يروه مسلم مطلقا

ص: 191

كما صرح بذلك في (المنتقى) وكذا الحافظ في (الفتح)

(وقال أيضا: (ما من مسلم يقول إذا سمع النداء فيكبر المؤذن فيكبر ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيشهد على ذلك ثم يقول: اللهم أعط محمدا الوسيلة [والفضيلة] واجعل في الأعلين درجته وفي المصطفين محبته وفي المقربين ذكره إلا وجبت له الشفاعة [مني] يوم القيامة)

وهو حديث صحيح يرويه قيس بن مسلم عنه طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا به

أخرجه الطحاوي: ثنا محمد بن النعمان السقطي: ثنا يحيى بن يحيى النيسابوري قال: ثنا أبو عمر البزاز عن قيس بن مسلم به. إلا أنه قال داره. بدل: (ذكره) ولعلها محرفة من بعض النساخ

وهذا سند جيد محمد بن النعمان هو ابن بشير المقدسي قال في (التقريب):

(ثقة من شيوخ أبي عوانة والطحاوي)

وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الستة غير أبي عمر البزار وهو دينار بن عمر الأسدي الكوفي وهو صالح الحديث كما في (التقريب) ويحتمل أن يكون هو حفص بن سليمان الأسدي الكوفي فإنه يكنى أيضا بأبي عمر

ص: 192

البزار وهو متروك الحديث مع إمامته في القراءة فإن كان هو هذا فالسند ضعيف وأيهما كان فإنه لم يتفرد به فقد رواه أبو كريب: ثنا عثمان بن سعيد: ثنا عمر أبو حفص عن قيس بن مسلم به

أخرجه ابن السني والطبراني في (معجمه الكبير) قال: ثنا محمد ابن عبد الله الحضرمي. وقال الأول: أخبرنا محمد بن جرير. ثم اتفقا: ثنا أبو كريب به

والزيادة الأولى عند الطبراني والأخرى عند ابن السني وهي عند الطحاوي أيضا بلفظ: (إلا وجبت له شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وعند ابن السني أيضا: (واجعل في العليين) بدل: (واجعله في الأعلين). وفي الطحاوي: (واجعل في الأعلين)

وهذا سند جيد أيضا

وأبو حفص هذا هو عمر بن عبد الرحمن بن قيس الأبار الكوفي نزيل بغداد صدوق وكان يحفظ كما في (التقريب) وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الستة غير عثمان بن سعيد وهو الكوفي الزيات الطبيب قال أبو حاتم وتبعه الحافظ في (التقريب):

(لا بأس به)

والحديث أورده الهيثمي في (المجمع) برواية الطبراني في (الكبير) وقال:

ص: 193

(ورجاله موثقون)

وأورد بعضه الحافظ في (الفتح) من رواية الطحاوي وسكت عليه. وبالجملة فالحديث صالح للعمل به

(فيقول تارة هذا وتارة هذا)

(تنبيه): وأما حديث أم سلمة قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي) فلا يثبت إسناده

أخرجه أبو داود والحاكم وابن السني عن عبد الله ابن الوليد العدني: ثنا القاسم بن معن المسعودي عن أبي كثير مولى أم سلمة عنها. وقال الحاكم:

(صحيح) ووافقه الذهبي

وأقره الحافظ في (التلخيص) وليس بجيد فإن أبا كثير هذا مجهول لا يعرف كما يأتي عن الترمذي

وقد أخرجه من طريق حفصة بنت أبي كثير عن أبيها أبي كثير به نحوه وقال:

(هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وحفصة بنت أبي كثير لا نعرفها ولا أباها) وقال النووي في (المجموع):

(رواه أبو داود والترمذي وفي إسناده مجهول)

ص: 194

(رابعا: أن يسأل بعد ذلك ما شاء من أمور الدنيا والآخرة فإنه يعطاه قال رجل: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعط)

وهو من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص

أخرجه أبو داود وأحمد من طريق حي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه

وهذا سند حسن وقد حسن هذا الإسناد المنذري في (الترغيب) مرارا وكذا الهيثمي وصححه الحاكم في غير ما حديث ووافقه الذهبي. وقد أشار في ترجمة حي بن عبد الله من (الميزان) إلى أنه صحيح الحديث. والحق أنه حسن الحديث فإنه قد تكلم فيه بعضهم كما ذكر هو في (الميزان) وغيره في غيره

والحديث قال في (الترغيب):

(رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه)

وكذلك عزاه للنسائي الحافظ في (التلخيص وليس هو في (سننه الصغرى) ولم يعزه النابلسي في (الذخائر) إليه فالظاهر أنه في (سنننه الكبرى) أو في (عمل اليوم والليلة) له وهو أقرب والله أعلم

وللحديث شاهد من رواية أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: (إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به كرب أو

ص: 195

شدة فليتحين المنادي فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال: حي على الصلاة قال: حي على الصلاة وإذا قال: حي على الفلاح قال: حي على الفلاح ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليه وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها أحياء وأمواتا. ثم يسأل حاجته)

أخرجه الحاكم وابن السني من طريق الوليد ابن مسلم عن عفير بن معدان (وقال ابن السني: عن أبي عائذ) عن سليم ابن عامر عنه. وقال الحاكم:

(صحيح الإسناد)

وتعقبه المنذري بأن عفير بن معدان هذا واه والذهبي فقال:

(إنه واه جدا)

وقال في (التقريب):

(إنه ضعيف)

(وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ثنتان لا تردان - أو قل ما تردان -: الدعاء عندالنداء وعند البأس حين يلحم بعضها بعضا)

وهو من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه

أخرجه أبو داود والدارمي والحاكم من طريق موسى بن يعقوب الزمعي: ثني أبو حازم بن دينار: أخبرني سهل ابن سعد به. وقال الحاكم:

ص: 196

(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي

كذا قالا وموسى بن يعقوب الزمعي: صدوق سيئ الحفظ كما في (التقريب) ولكنه لم يتفرد به كما يأتي فالحديث قوي

وزاد أبو داود والحاكم في رواية: قال موسى بن يعقوب: وحدثني رزق بن سعيد بن عبد الرحمن المدني عن أبي حازم به قال: ووقت المطر

ورزق هذامجهول كما في (التقريب) فلا تغتر بقول الشوكاني في (تحفة الذاكرين) بعد أن ذكر الحديث بهذه الزيادة عند أبي داود:

(وأخرجه أيضا الطبراني في (الكبير) وابن مردويه والحاكم وهو حديث صحيح)

نعم قد جاءت هذه الزيادة في أحاديث أخرى فانظر تعليقنا على (الترغيب)

ثم الحديث رواه ابن حبان وابن خزيمة في (صحيحيهما) كما في (الترغيب) و (التلخيص). ورواه مالك في (الموطأ) وعنه البخاري في (الأدب المفرد) عن أبي حازم به موقوفا على سهل بلفظ: (ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله)

قال ابن عبد البر: (هذا الحديث موقوف في (الموطأ) عند جماعة الرواة ومثله لا يقال من جهة الرأي وقد رواه أيوب بن سويد ومحمد بن مخلد

ص: 197

وإسماعيل بن عمرو عن مالك مرفوعا وروي من طرق متعددة عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا)

(وعند وقت الإجابة من الأذان إلى الإقامة فادعوا)

وهو من حديث أنس رضي الله عنه وله عنه طرق:

1 -

عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عنه

أخرجه أحمد وابن السني

ثم أخرجه أحمد من طريق إسماعيل بن عمر قال: ثنا يونس: ثنا بريد بن أبي مريم به

وهذا سند صحيح رجاله رجال الصحيح غير بريد (بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة) ابن أبي مريم وهو ثقة اتفاقا. (1)

2 -

عن سفيان بن عيينة عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عنه به دون قوله: (فادعوا)

أخرجه أبو داود وعنه البيهقي والترمذي وأحمد من طرق عنه. وقال الترمذي:

(1) ومن هذه الطريق رواه ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحهما) والنسائي كما في (الترغيب)(115) و (التلخيص)(3/ 206) ولعل النسائي رواه في (سننه الكبرى) أو في (عمل اليوم والليلة) له فإني لم أجده في (سننه الصغرى)

ص: 198

(حديث حسن صحيح)

قلت: هو صحيح من الطريق الأولى أما هذا فضعيف لضعف زيد العمي

ثم أخرجه الترمذي من طريق يحيى بن النعمان: ثنا سفيان به. وزاد:

قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال:

(سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة)

وهذه الزيادة ضعيفة من وجهين: أولا: لأنها من هذه الطريقة الضعيفة وثانيا: لأنه تفرد بها عن سفيان يحيى بن اليمان خلافا لجميع الثقات الذين رووه عن سفيان بدون هذه الزيادة

ويحيى بن اليمان وإن كان من رجال مسلم فإنه موصوف بسوء الحفظ وفي (التقريب):

(صدوق عابد يخطئ كثيرا وقد تغير)

3 -

عن إبراهيم بن الحسن العلاف: ثنا سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس

أخرجه الخطيب من طريقين عن إبراهيم به

وإبراهيم هذا لم أعرفه وشيخه سلام قال أحمد: حسن الحديث وضعفه غيره

ص: 199