الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
عن الفضل بن المختار عن حميد الطويل عنه بلفظ: (الدعاء مستجاب ما بين النداء)
كذا أخرجه الحاكم شاهدا لحديث سهل بن سعد المتقدم وسكت عليه وهو الذهبي
والفضل هذا متروك
(تنبيه): قال الشوكاني: وقد عين ما يدعى به صلى الله عليه وسلم لما قال: (الدعاء بين الأذان و
الإقامة
لا يرد) قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: (سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة). قال ابن القيم:
(هو حديث صحيح)
قلت: نعم أصل الحديث صحيح وأما هذه الزيادة فضعيفة فلا يقال حينئذ أنه عليه الصلاة والسلام قد عين ما يدعى به في هذا المقام. فتنبه ولا تكن من الغافلين
7 -
الإقامة:
1 -
وهي فرض كفاية كالأذان إذا كانوا جماعة في الحضر والسفر لقوله عليه السلام:
(إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما)
وهذا الحديث أخرجه البخاري وفي (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي
وابن ماجه وأحمد من طريق أبي قلابة عن مالك ابن الحويرث واللفظ للبخاري ولفظ الآخرين سوى النسائي والترمذي: (إذا حضرت الصلاة فأذنا. . .) إلخ. وهو لفظ البخاري وزاد أبو داود: وكنا يومئذ متقاربين في العلم
وهو من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عنه
ومسلمة هذا لين الحديث كما في (التقريب)
لكن رواه أبو داود وأحمد من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال: قلت: لأبي قلابة: فأين القرآن - وقال أحمد: القراءة - قال: إنهما كانا متقاربين
ورواه مسلم عن حفص عن خالد قال: وكانا متقاربين
ورواه مسلم عن حفص عن خالد قال: وكانا متقاربين في القراءة
ولفظ الآخرين: (إذا سافرتما فأذنا) وقال الترمذي:
(حديث حسن صحيح)
وقد تقدم مطولا في المسألة الثالثة من الأذان
وفيه دليل على فرضية الإقامة كالأذان فرضا كفائيا إذا قام به أحدهما سقط عن الآخر وليس المراد من الحديث ظاهره وهو أن يؤذن كل منهما ويقيم كما بينه الحافظ في (الفتح) بل المراد: من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن ومن أحب أن يقيم فليقم وذلك لاستوائهما في الفضل ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة ويدل على هذا المعنى قوله في رواية للحديث: (فليؤذن لكم أحدكم) كما سبق في الأذان
وقد اختلف العلماء في حكم الإقامة:
قال ابن رشد في (البداية):
(فهي عن فقهاء الأمصار في حق الأعيان والجماعات سنة مؤكدة أكثر من الأذان وهي عند أهل الظاهر فرض ولا أدري هل هي فرض عندهم على الإطلاق أو فرض من فروض الصلاة والفرق بينهما على أن على القول الأول لا تبطل الصلاة بتركها وعلى الثاني تبطل. وقال ابن كنانة من أصحاب مالك: من تركها عامدا بطلت صلاته). قال: (وظاهر حديث مالك بن الحويرث يوجب كونها فرضا إما في الجماعة وإما على المنفرد)
قلت: وهذا هو الحق أنها فرض في الجماعة لا على المنفرد لأن الحديث لم يرد عليه
ثم إن أهل الظاهر مختلفون في كونها فرضا مطلقا أو فرضا من فروض الصلاة كما ذكره النووي عن المحاملي ثم ذكر النووي أن داود قال: (هي فرض صلاة الجماعة وليس بشرط لصحتها)
قلت: وأما ابن حزم فصرح بكونها شرطا لصحة الصلاة كالأذان وسلفه في ذلك: عطاء والأوزاعي فإنهما قالا: إن نسي الإقامة أعاد الصلاة. وهذا غير ظاهر والصحيح - كما قال شيخ الإسلام في (الاختيارات) - أنها فرض كفاية وهو ظاهر مذهب أحمد وغيره
وقال ابن المنذر: هي فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر
قال ابن حزم:
(ومن قال بوجوب الأذان والإقامة فرضا أبو سليمان وأصحابه وما نعلم لمن لم ير ذلك فرضا حجة أصلا)
وهو كما قال رحمه الله ثم قال:
(ولا يلزم المنفرد أذان ولا إقامة فإن أذن وأقام فحسن لأن النص لم يرد بإيجاب الأذان إلا على الاثنين فصاعدا)
(2 - وأما المنفرد فهي مستحبة في حقه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان الرجل بأرض قي فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكاه. . .) الحديث)
وقد مضى في المسألة التاسعة من الأذان
وقد عقد النسائي لهذه المسألة بابا خاصا فقال: (الإقامة لمن يصلي وحده) ثم ساق بإسناده حديث المسيء صلاته فقال: أخبرنا علي بن حجر قال: أنبأنا إسماعيل قال: ثنا يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في صف الصلاة. . . الحديث
هكذا قال فلم يسق الحديث بتمامه إنما أحال عليه وليس بجيد فإن المعروف عند المحدثين أن الإحالة في الحديث إنما تكون بعد أن يسوق من الحديث القدر الذي فيه موضع الشاهد والترجمة منه ثم يحيل على باقيه
فلا أدري ما الذي حمل النسائي على هذا الاختصار الذي لا يؤدي الفائدة المبتغاة من هذا الباب
وقد أخرج الحديث الترمذي في (سننه) بهذا السند عن هذا الشيخ ولفظه:
بينما هو جالس في المسجد يوما - قال رفاعة: ونحن معه - إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل. . .) الحديث وفيه: فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطأ فقال: (أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم فإن كان معك قرآن فاقرأ. . .) الحديث
أخرجه أبو داود من عباد بن موسى الختلي: ثنا إسماعيل ابن جعفر به. وزاد بعد قوله: (وأقم): (ثم كبر)
ورواه الطحاوي والحاكم من طرق أخرى عن إسماعيل به إلا أنهما لم يسوقا لفظه
فإذا وقفت على سياق الحديث ولفظه أو بعضه علمت أن النسائي أشار بإيراده الحديث مختصرا أن فيه ذكره أمره صلى الله عليه وسلم المنفرد بالإقامة ولكن في ثبوت ذلك في الحديث نظر ولو ثبت ذلك لكانت الإقامة واجبة في حق المنفرد لأمره صلى الله عليه وسلم له بها ولكنها لا تثبت لأنه تفرد بها يحيى بن علي بن يحيى
وهو غير موثق بل هو مجهول فقد ذكر الذهبي في (الميزان) وساق له هذا الحديث ثم قال:
(قال ابن القطان: لا يعرف إلا بهذا الخبر روى عنه إسماعيل بن جعفر وما علمت فيه ضعفا قلت: لكن فيه جهالة)
هذا كلام الذهبي فالرجل إذن مجهول لا يعرف فمثله لا يثبت حديثه وقول الترمذي بعد أن ساقه: (حديث حسن) إنما يعني به أصل الحديث لا كل ما ورد فيه من الألفاظ ويدلك على ذلك أن الحديث رواه جمع من الثقات عن علي بن يحيى والد يحيى بن علي بن يحيى فلم يذكر أحد منهم الإقامة في الحديث وهم داود بن قيس ومحمد بن عجلان ومحمد بن عمرو وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق خمستهم عن علي بن يحيى لم يذكر أحد منهم الإقامة كما ذكرنا وسيأتي تخريج طرقهم هذه في كتاب الصلاة: استقبال القبلة
ثم وجدت حديث يحيى بن علي بن يحيى هذا في (مسند الطيالسي): ثنا إسماعيل بن جعفر المدني قال: ثني يحيى بن علي بن خلاد به إلا أنه لم يذكر الإقامة فاتفقت روايته مع رواية الثقات فدل ذلك كله على عدم ثبوت هذه الزيادة في الحديث فلا يغتر أحد بورودها في الحديث مع تحسين الترمذي له ولا بسكوت الحافظ ابن حجر عليها في (فتح الباري) وهذا تحقيق لا تراه - فيما أظن - في كتاب والله تعالى هو الملهم للصواب
3 -
وقد جاء في صفتها نوعان:
الأول: سبع عشرة كلمة: الله أكبر 1 الله أكبر 2 الله أكبر 3 الله أكبر 4، أشهد أن لا إله إلا اله 5، أشهد أن لا إله لا الله 6، أشهد أن محمدا رسول الله 7، أشهد أن محمدا رسول الله 8، حي على الصلاة 9، حي على الصلاة 10، حي على الفلاح 11، حي على الفلاح 12، قد قامت الصلاة 13، قد قامت الصلاة 14، الله أكبر 15 الله أكبر 16، لا إله إلا الله 17)
وفيه أحاديث:
الأول: عن أبي محذورة: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة وفيه رواية ابن خزيمة في (صحيحه): فعلمه الأذان والإقامة مثنى مثنى
وهو حديث صحيح وقد سبق تخريجه في المسألة الرابعة من الأذان زاد الدارقطني في آخره:
(لا يعود من ذلك الموضع)
قلت: يعني لا يرجع في الإقامة
الحديث الثاني: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى
وإسناده في غاية الصحة كما سبق في المسالة (13) وهو من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عنه
ورواه أبو داود من طريق شعبة عن عمرو به نحوه. وقد سبق هناك
وأخرجه الترمذي والدارقطني عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال: (كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في الأذان والإقامة). وأعله الترمذي بقوله:
(وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد)
قلت: لكن الرواية الأولى تبين أنه سمعها من بعض الصحابة فلا يضر إرساله للحديث أحيانا وقد سبق زيادة تحقيق في الحديث في المسألة المشار إليها آنفا
ثم قال الترمذي:
(وقال بعض أهل العلم: الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة)
قلت: وقد أغرب ابن حزم فذهب إلى تثنية الإقامة منسوخ بحديث أنس الآتي: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة). ولا داعي لدعوى النسخ ما دام ممكنا الجمعة بين التثنية والإفراد بأن يحمل هذا على بعض الأحيان وهذا في بعضها
كما أغرب أيضا الحنفية والشافعية فقد احتج الأولون على تثنية الإقامة
بحديث أبي محذورة مع أن فيه الترجيح في الأذان ولم يقولوا به وعكس ذلك الشافعية فأخذوا بما جاء فيه من الترجيع وتركوا ما فيه من تثنية الإقامة ولذلك قال النووي:
(وقد اتفقنا نحن وأصحاب أبي حنيفة على أن حديث أبي محذورة هذا لا يعمل بظاهره لأن فيه الترجيع وتثنية الإقامة وهم لا يقولون بالترجيع ونحن لا نقول بتثنية الإقامة فلا بد لنا ولهم من تأويله فكان الأخذ بالإفراد أولى لأنه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره)
قلت: ولم يذكر النووي وجه تأويل الحديث عندهم وهو غير قابل للتأويل لأن فيه التنصيص على أن كلمات الإقامة سبع عشرة كلمة بينما هي عندهم إحدى عشرة كلمة كما يأتي
نعم ذكرى النووي وغيره عن البيهقي أنه أعل الحديث بأن مسلما رواه في (صحيحه) كما سبق بدون ذكر الإقامة وبوجوه أخرى ذكرها في (نصب الراية) لا تخدج في صحة الحديث مطلقا
وقد رد عليه ابن دقيق العيد بما فيه الكفاية وذهب إلى أن الحديث صحيح فراجع الزيلعي
والحق أن كلا من الطائفتين الحنفية والشافعية قد تعصب لمذهبه ورد من الحق ما أخذ به مخالفة والعدل الأخذ بما أخذا به من الحق جميعا مما ثبت في الحديث
فهذا الحق ليس به خفاء فدعني عن بنيات الطريق
ثم روى البيهقي عن ابن خزيمة قال:
(الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة من جنس الاختلاف المباح فيباح أن يرجع في الأذان وثني الإقامة ويباح أن يثني الأذان ويفرد الإقامة لأن الأمرين صحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما تثنية الأذان بلا ترجيع وتثنية الإقامة فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
قلت: وفيما قاله ابن خزيمة نظر لأن الحديث الثاني - وهو حديث عبد الله ابن زيد الأنصاري في الرؤيا - فيه تثنية الإقامة وليس فيه الترجيع اتفاقا ولذلك ذهب ابن حزم إلى منسوخية التثنية لأنها متقدمة عن الإفراد كما سبق فكيف يقال: إن تثنية الأذان بلا ترجيع مع تثنية الإقامة لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم؟ مع أن ابن خزيمة ممن روى ذلك كما سبق في الأذان
نعم يشكل على هذا أن حديث الرؤيا رواه ابن إسحاق من حديث عبد الله بن زيد مباشرة وليس فيه تثنية الإقامة كلها بل كلماتها إحدى عشرة كلمة كما سبق في المسألة الثانية من الأذان ويأتي بعد هذا فلا بد حينئذ من المصير إلى ترجيع إحدى الروايتين على الأولى من حيث الإسناد لأن الحديث واحد. والراجح عندي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلة لمجيئها من طرق صحيحة عنه
وأما رواية ابن إسحاق فإنها رواية فردة لم يتابع عليها في هذا الخصوص
وإن كان اصل الحديث صحيحا ثابتا وتوبع عليه كما تقدم هناك فإنما الكلام فيما خالف فيه من هو أحفظ منه وقد قال الحافظ الذهبي في خاتمة ترجمة ابن إسحاق من (الميزان):
(فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث صالح الحال صدوق وما انفرد به ففيه نكارة فإن في حفظه شيئا وقد احتج به أئمة فالله أعلم وقد استشهد به مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق ذكرها في صحيحه)
هذا ما ظهر في هذا المقام ولم أر أحدا سبقني إليه والله أعلم
(النوع الثاني: إحدى عشرة كلمة: الله أكبر 1 الله أكبر 2، أشهد أن لا إله إلا الله 3، أشهد أن محمدا رسول الله 4، حي على الصلاة 5، حي على الفلاح 6، قد قامت الصلاة 7 قد قامت الصلاة 8، الله أكبر 9 الله أكبر 10، لا إله إلا الله 11)
وفيه أحاديث:
الأول: عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه في حديث الرؤيا قال: ثم استأخر - يعني الملك - غير بعيد ثم قال: تقول إذا أقيمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر. . . إلخ
رواه ابن إسحاق قال: ثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد ابن عبد الله بن زيد عن أبيه به. وفيه ما سبق ذكره قريبا ولكن يشهد له
الحديث الثاني: عن ابن عمر قال: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة مرة مرة: إلا أنك تقول: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
وهو حديث حسن رواه أصحاب السنن وغيرهم كما تقدم في النوع الثاني من الأذان وهذا لفظ النسائي
الحديث الثالث: عن أنس بن مالك رضي الله عنه وله عنه طرق:
1 -
عن أبي قلابة عنه قال (1): أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه والطحاوي والدارقطني والحاكم والطيالسي وأحمد والخطيب بعضهم عن خالد الحذاء وبعضهم عن أيوب كلاهما عن أبي قلابة به
ولفظ النسائي والحاكم من طريق أيوب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا. وهو رواية للدارقطني عن النسائي. وقال الحاكم:
(صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة)
وزاد أيوب أيضا في آخره: إلا الإقامة
وهي في (الصحيحين) وغيرهما
(1) أي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن حزم رحمه الله (3/ 152):
(قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل أن بلالا رضي الله عنه لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام ولم يتم أذانه فيها فصار هذا الخبر مسندا صحيح الإسناد وصح أن الآمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحد غيره)
قلت: ويؤيد هذا رواية أيوب الصريحة في أن الآمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
وزعم بعضهم أن هذه الزيادة مدرجة من بعض الرواة ليس من أصل الحديث
ورد ذلك بأن عبد الرزاق رواه معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة إلا قوله: قد قامت الصلاة
رواه الدارقطني وابن حزم من طرق عن عبد الرزاق. قال الحافظ:
(وأخرجه أبو عوانة في (صحيحه) والسراج في (مسنده) وكذا هو في (مصنف عبد الرزاق) والإسماعيلي من هذا الوجه ويقول: قد قامت الصلاة مرتين. والأصل أن ما كان في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل)
الطريق الثاني: عن قتادة عن أنس باللفظ الأول
أخرجه الطبراني في (الصغير) قال: ثنا موسى بن محمد بن محمد بن كثير السريني: ثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي: ثنا شعبة عنه
وشيخ الطبراني لم أعرفه وبقية رجاله رجال الستة غير عبد الملك هذا فمن رجال البخاري وغيره وقد تفرد به كما قال الطبراني
وقد اختار هذه الإقامة ابن حزم وبه قال عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري ومكحول والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر وغيرهم. قال البغوي:
(وهو قول أكثر العلماء) كما في (المجموع)
واحتج لهم بهذه الأحاديث الثلاثة أما حديث عبد الله بن زيد فقد علمت ما فيه وأما حديث ابن عمر وأنس فظاهرهما يدل على أن الإقامة تسع كلمات لا إحدى عشرة كلمة
وقد أجابوا عنهما محمولان على التغليب. وقال النووي في (شرح مسلم):
(فإن قيل: قد قلتم إن المختار الذي عليه الجمهور أن الإقامة أحدى عشرة كلمة منها الله أكبر الله أكبر أولا وآخرا وهذا تثنية فالجواب أن هذا وإن كان صورة تثنية فهو بالنسبة إلى الأذان إفراد ولهذا قال أصحابنا: يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد فيقول في أول الأذان: الله أكبر الله أكبر بنفس واحد ثم يقول: الله أكبر الله أكبر بنفس واحد). قال الحافظ:
(وهذا إنما يتأتى في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره وعلى ما قال النووي ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس)
هذا وذهب مالك كما في (المدونة) إلى أن الإقامة عشرة كلمات فلم يثن لفظ: (قد قامت الصلاة) وهو قول قديم للشافعي كما قال النووي
ولم أجد لهذا القول سندا من الروايات بل كلها على خلافه لأنها تقول بتثنية الإقامة ولعل من أخذ به عمل أهل المدينة وعلى هذا يدل كلام ابن حزم ثم رأيت مالكا صرح بذلك في (الموطأ)
ولم أجد أيضا من ذهب إلى الأخذ بظاهر حديث ابن عمر وأنس المقتضي لكون الإقامة تسع كلمات بإيتارها كلها إلا لفظ الإقامة فإن وجد من أخذ به من السلف قلنا به وإلا اضطررنا إلى القول بتأويلهما - كما سبق - على ما فيه من التكلف. والله أعلم
(4 - وعلى من يسمع الإقامة مثل ما على من يسمع الأذان من الإجابة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له كما سبق بيانه في المسألة (14) من الأذان وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول. . .) الحديث ولأن الإقامة آذان لغة وكذلك شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل آذانين صلاة) يعني أذانا وإقامة)
قال الحافظ في شرح الحديث: أي أذان وإقامة. قال:
(وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم: القمرين للشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت ولا مانع من حمل قوله: (أذانين) على ظاهره). وعلى هذا جرى الإمام ابن حزم فإنه فهم من قوله عليه السلام: (فإذا حضرت الصالة فليؤذن لكم أحدكم. . .) الحديث وقد مضى فهم منه أن الإقامة داخلة في هذا الأمر بدليل الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه فقال بعد أن ذكر الحديث المتقدم:
(فصح بهذا وجوب الأذان ولا بد. . . . ودخلت الإقامة في هذا الأمر
كما ثنا عبد الله بن ربيع) ثم ساق إسناده إلى عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(بين كل أذانين صلاة لمن شاء)
وقد اتفق الشافعية على استحباب متابعة المقيم فيقول مثل ما يقول إلا في الحيعلة فإنه يقول الحوقلة بدلها كما هو قولهم في الأذان. والصواب أنه يقول تارة الحيعلة وتارة الحوقلة كما سبق في الأذان مسألة (14). وكذلك استثنوا من المتابعة قوله: قد قامت الصلاة فيقول مكانها: أقامها الله وأدامها لحديث ورد في ذلك وهو ضعيف كما يأتي قريبا
ولكني لم أجد الآن من صرح باستحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له عقب الإقامة أيضا غير ابن القيم فإنه قال في (جلاء الأفهام):
(الموطن السادس من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة) ثم ساق من حديث مسلم المتقدم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي. . .) الحديث. ثم قال:
(وقال الحسن بن عرفة: ثني محمد بن يزيد الواسطي عن العوام بن حوشب: ثنا منصور بن زاذان عن الحسن قال: من قال مثل ما يقول المؤذن فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة صل على محمد عبد ورسولك وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم)
وقال يوسف بن أسباط: بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فليم يقل: اللهم رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها صل على محمد وعلى آل محمد وزوجنا من الحور العين قلن الحور العين: ما أزهدك فينا)
قلت: ففي هذين الأثرين إثبات الصلاة عى النبي صلى الله عليه وسلم عقب الإقامة نصا وذلك ما افاده حديث مسلم بعمومه
(وإجابة المقيم كإجابة المؤذن سواء إلا أنه يقول مثل قول المقيم: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة لعموم قوله: فقولوا مثل ما يقول)
هذا هو الذي يقتضيه عموم هذا الحديث وأما حديث أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقامها الله وأدامها) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان
فهو حديث ضعيف اتفاقا وإن زعم صاحب كتاب (التاج الجامع للأصول):
(إن إسناده صالح) فإنما ذلك منه تقليد لقول أبي داود المشهور: (إن كل حديث سكت عليه في سننه فهو صالح)
وقد علم كل باحث مدقق أن قول أبي داود هذا ليس على عمومه وأنه تعقب في كثير من الأحاديث التي سكت عليها بل إن النووي ليقول في بعض الأحاديث:
(إنما سكت عليه أبو داود لظهور ضعفه)
ولئن صح تعليل النووي هذا فإنه يجوز لنا أن نقول في هذا الحديث: إنما سكت عليه أبو داود لظهور ضعفه وذلك أنه أخرجه في (سننه) وكذا ابن السني في (عمل اليوم والليلة) كلاهما من طريق محمد ابن ثابت العبدي: ثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به. وليس عند ابن السني: (وقال في سائر. . .) إلخ. قال النووي في (المجموع):
(وهو حديث ضعيف لأن الرجل مجهول ومحمد بن ثابت العبدي ضعيف باتفاق وشهر مختلف في عدالته) وقال الحافظ في (التلخيص):
(وهو حديث ضعيف) ثم قال النووي:
(لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء وهذا من ذاك)
قلت: هذا الحديث الضعيف معارض لعموم الحديث الصحيح: (فقولوا مثل ما يقول). فمثله لا يجوز العمل به عند من يقول بجواز العمل بالحديث الضعيف. ومن الغريب أن يتمسك به الشافعية على ضعفه ويتركوا العمل بعموم الحديث الصحيح
ثم عن ما ذكره من الاتفاق على العمل بالحديث الضعيف في فضائل
الأعمال ليس كذلك فإن من العلماء من لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقا لا في الأحكام ولا في الفضائل وقد حكى ذلك ابن سيد الناس في (عيون الأثر) عن يحيى بن معين ونسبه في (فتح المغيب) لأبي بكر بن العربي. قال العلامة جمال الدين القاسمي في (قواعد التحديث في مصطلح الحديث):
(والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا يدل عليه شرط البخاري في (صحيحه) وتشنيع الإمام مسلم على رواة الضعيف المتفق على ضعفه كما أسلفنا. وهذا مذهب ابن حزم رحمه الله أيضا حيث قال في (الملل والنحل). راجع كلامه فيه. وفي (المحلى) أيضا. ويضاف هنا الشروط التي ذكرها الحافظ ابن حجر في (تبين العجب فيما ورد في فضل رجب)
والذي أعتقده وأدين الله به أن الحق في هذه المسألة مع العلماء الذين ذهبوا إلى ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وذلك لأمور:
أولا: أن الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن اتفاقا والعمل بالظن لا يجوز لقوله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} [النجم / 28] وقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإنه أكذب الحديث)
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باجتناب الرواية عنه إلا ما علمنا صحته عنه فقال: (اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم) ومن المعلوم أن رواية الحديث إنما هي وسيلة للعمل بما ثبت فيه فإذا كان عليه الصلاة والسلام ينهانا عن رواية ما لم يثبت عنه فمن باب أولى أن ينهى عن العمل به. وهذا بين واضح
ثالثا: أن فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم غنية عما لم يثبت كما هو الأمر في هذه المسألة فإن هذا الحديث الصحيح بعمومه يغني عن الحديث الضعيف
(5 - يفصل بين الأذان والإقامة)
لحديث عبد الله بن زيد في رؤيا الملك من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الصحابة عنه قال:
(إني رأيت رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قال فقال مثلها إلا أن يقول قد قامت الصلاة. . .) الحديث
وإسناده صحيح كما سبق في المسألة (13) من الأذان
وفي رواية ابن إسحاق بسنده عنه بلفظ:
ثم استأخر غير كثير ثم قال مثل ما قال وجعلها وترا إلا أنه قال: قد قامت الصلاة
رواه أصحاب السنن وغيرهم واللفظ للدارمي وقد سبق في المسألة (2) في الأذان
(بمقدار ما يصلي المصلي ركعتين على الأقل لقوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة)
وهذا الحديث هو من رواية عبد الله بن مغفل وقد مضى في (المواقيت) ويقتضي تأخير الإقامة حتى يصلي من شاء ركعتين ولو قبل صلاة المغرب كما سبق فلو باشر الإقامة قبل أن يتمكن المصلي من صلاة الركعتين
لكان سببا في تفويته إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام وإلا فسيضطر أن يباشر صلاة الركعتين حين شروع المؤذن بالأذان وفي ذلك تفويت سنن كثيرة كالإجابة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة كما سبق وهذا كله خلاف قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة / 2] وقوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) رواه مسلم
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فاتفق الشافعية على استحباب هذه القعدة قدر ما تجتمع الجماعة إلا في صلاة المغرب فإنه لا يؤخرها لضيق وقتها ولأن الناس في العادة يجتمعون لها قبل وقتها ومن تأخر عن التقدم لا يتأخر عن أول الصلاة ولكن يستحب أن يفصل بين أذانها وإقامتها فصلا يسيرا بقعدة أوسكوت أو نحوهما. قال النووي في (المجموع):
(هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد وهو رواة عن أبي حنفية. وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنه: لا يقعد بينهما)
وقد أشار البخاري وتبعه البيهقي إلى المعنى الذي ذكرته حيث قال: (باب كم بين الأذان والإقامة) ثم أورد حديث ابن مغفل المذكور
وأما حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال:
(أجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شرابه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته) فهو ضعيف
أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي
عن طريق يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر مرفوعا به
ويحيى بن مسلم هو البصري قال أبو زرعة عنه:
(لا أدري من هو) وقال الذهبي في (الميزان):
(مجهول تفرد عنه عبد المنع بن نعيم)
كذا قال وهو عند الترمذي من طريق عبد المنعم هذا قال: ثنا يحيى بن مسلم به. وقال:
(لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول)
وأما الحاكم فأخرجه من طريق عبد المنعم بن نعيم الرياحي: ثنا عمرو بن فائد الأسواري: ثنا يحيى بن مسلم به. وقال الحاكم:
(ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد والباقون شيوخ البصرة). قال الذهبي:
(قلت: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك)
قلت وعبد المنعم بن نعيم الرياحي في إسناد الحاكم هو عبد المنعم بن نعيم نفسه في إسناد الترمذي غير أني لم أجده في شيء من الكتب التي عندي منسوبا إلى (رياح) بالمثناة) أو بالموحدة التحتية بل ذكروا أنه أسواري وهو متروك أيضا كما في (التقريب) فإذا كان الأمر كما ذكرته فيكون عبد المنعم اضطرب فيه فمرة يرويه عن يحيى بن مسلم مباشرة ومرة يرويه عنه بواسطة عمرو بن فائد فهو إسناد مسلسل بالضعفاء فيتعجب من قول
الحاكم: (ليس في إسناده مطعون غير عمرو) ومن سكوت الذهبي على قوله هذا وأما البيهقي فقال:
(ففي إسناده نظر)
(تنبيه): ذكر الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي أن يحيى بن مسلم هذا (هو يحيى البكاء بفتح الموحدة وتشديد الكاف وهو ضعيف أيضا) ثم ذكر أقوال الأئمة فيه
وهذا وهم منه فليس يحيى هذا بالبكاء بل هو راو آخر متأخر الطبقة عن الذي قاله وهو مجهول كما سبق عند الذهبي وغيره بينما ذاك معروف بالضعف ليس بمجهول ولو كان الأمر كما قال الأستاذ المذكور لما كان لقول الترمذي: (وهو إسناد مجهول) معنى إذ جميع رواته معروفون بل هو أشار بقوله هذا إلى أن بعضهم مجهول وليس فيهم من هو كذلك غير يحيى بن مسلم البصري. قال في (التقريب):
(يحيى بن مسلم البصري مجهول من السادسة) ثم قال:
(يحيى بن مسلم أو ابن سليم مصغرا. . . المعروف بيحيى البكاء ضعيف من الرابعة)
ثم إن الحديث قال الحافظ في (الفتح):
(إسناده ضعيف وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في (زيادات المسند) وكلها واهية)
قال الصنعاني:
(إلا أنه يقويهما المعنى الذي شرع له الأذان فإنه نداء لغير الحاضرين ليحضروا للصلاة فلا بد من تقدير وقت يتسع للذاهب للصلاة وحضورها وإلا لضاعت فائدة النداء وقد ترجم البخاري (باب كم بين الأذان والإقامة) ولكن لم يثبت التقدير)
لكنه قد أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور في صدر البحث. وحديث أبي بن كعب في (المسند)
واستدل بعضهم للفصل بين الاذان والإقامة بحديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول له: اذكر كذا واذكر كذا. . .) الحديث
متفق عليه وسيأتي إن شاء الله تعالى
قال الحافظ العراقي في (شرح التقريب):
(وفيه دليل على أنه كان في زمنه عليه السلام يفصل بين الأذان والإقامة بزمن وذلك دليل على أنه لا يشترط في تحصيل فضيلة إيقاع الصلاة في أول وقتها انطباق أولها على أول الوقت إذ لو كان كذلك لما واظبوا على ترك هذه الفضيلة وهذا هو الصحيح المعروف وقيل: لا يحصل ذلك إلا بأن ينطبق
أول التكبير على أول الوقت وهو شاذ وهذا الحديث يدل على خلافه)
(6 - وإذا أخذ المؤذن بالإقامة فلا يشرع أحد في شيء من النوافل ولو كانت سنة الفجر بل عليه أن يدخل في الصلاة المكتوبة التي أقيمت لقوله عليه السلام: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت)
وهذا الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه
أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد: ثنا حسن: ثنا ابن لهيعة:
ثنا عياش بن عباس القتباني عن أبي تميم الزهري عنه
وهذا سند صحيح رجاله رجال مسلم غير ابن لهيعة وهو ثقة وإنما يخشى من سوء حفظه وهذا قد توبع عليه فدل على أنه قد حفظه
وأخرجه الطحاوي فقال: ثنا فهد قال: ثنا أبو صالح قال: ثني الليث عن عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن أبي عن أبي سلمة عن أبي هريرة به
وهذا سند صحيح أيضا رجاله رجال الصحيح غير فهد هذا وهو ابن سليمان بن يحيى قال ابن يونس:
(كان ثقة ثبتا). ذكره في (كشف الأستار عن رجال معاني الأثار) لرشد الله شاه السندهي
هذا وقد اختلفا على عياش بن عباس فقال ابن لهيعة: عنه عن أبي تميم وقال ابنه عبد الله: عنه عن أبي سلمة. ولعل هذا أصح فإن عبد الله أحسن
حالا من ابن لهيعة وهو صدوق يغلط وأخرج له مسلم في الشواهد كما في (التقريب) وقد ذكر هذه الطريق عن أبي سلمة الترمذي معلقا
وللحديث طرق أخرى بلفظ آخر رواه مسلم وأبو داود وعنه ابن حزم والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه والطبراني في (الصغير) والطحاوي أيضا والبيهقي وأحمد والخطيب في (تاريخه) من طرق عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عنه مرفوعا بلفظ: (فلا صلاة إلا المكتوبة). وزاد البيهقي في رواية: قيل: يا رسول الله ولا ركعتي الفجر؟ قال: (ولا ركعتي الفجر)
أخرجها من طريق أبي أحمد بن عدي الحافظ: ثنا محمد بن إسماعيل المروزي: ثنا أحمد بن سيار: ثنا يحيى بن نصر بن حاجب المروزي: ثنا مسلم ابن خالد الزنجي عن عمرو بن دينار به. قال أبو أحمد:
(لا أعلم ذكر هذه الزيادة في متنه غير يحيى بن نصر عن مسلم بن خالد عن عمرو). قال البيهقي:
(ونصر بن حاجب المروزي ليس بالقوي وابنه يحيى كذلك)
قلت: ولكن هذه الزيادة صحيحة المعنى وإن كانت ضعيفة المبنى فقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة صريحة في النهي عن ركعتي الفجر إذا
أقيمت الصلاة وسيأتي بيان ذلك في محلة إن شاء الله تعالى
وقد وجدت للحديث طريقا ثالثا أخرجه الخطيب من طريق احمد بن بشار الصيرفي: ثنا أبو حفص العبدي: ينا أيوب عن أبي قلابة عن سليمان بن بشار عن أبي هريرة مرفوعا به
وأحمد هذا روى عن جمع وروى عنه جماعة وترجمه الخطيب وساق له هذا الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
وأبو حفص العبدي لم أعرفه إلا أن يكون هو عمر بن حفص العبدي أو حفص لكن هذا متقدم الطبقة يروي عن ثابت فإن كان هو هذا فهو واه كما قال الذهبي
وسليمان بن بشار لم أجده وفي الرواة من هذه الطبقة سليمان بن بشر من رجال أحمد في (التعجيل) وثقة ابن حبان
والحديث دليل على أنه لا يجوز الدخول في النافلة لمن سمع الإقامة سواء في ذلك سنة الفجر أو غيرها وهو مذهب جمهور العلماء قال الترمذي:
(والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا أقيمت الصلاة أن لا يصلي الرجل إلا المكتوبة وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق)
ولعله يأتي زيادة بسط لهذه المسالة في الموضع المشار إليه آنفا
(7 - ولا تقام الصلاة إلا إذا خرج الإمام إلى المسجد)
لحديث جابر بن سمرة: كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن ثم يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه
أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد من طريق إسرائيل قال: أخبرني سماك أنه سمع جابر بن سمرة به. وقال الترمذي:
(حديث حسن صحيح)
قلت: وهو على شرط مسلم وقد أخرجه في (صحيحه) من طريق أخرى عن سماك وسبق لفظه في الآذان في المسألة (13)
(8 - ولا يقوم الناس إلا إذا رأوه خرج ولو أقيمت الصلاة قبل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني [قد خرجت] [وعليكم السكينة])]
هذا الحديث من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي والبيهقي وأحمد من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه
والزيادة الأولى هي رواية الترمذي وهي رواية لمسلم وأبي داود والنسائي
والبيهقي من طريق معمر عن يحيى وقال أبو داود:
(لم يذكر: قد خرجت إلا معمر)
قلت: بلى قد ذكرها غيره فرواه الوليد بن مسلم عن شيبان عن يحيى بهذه الزيادة
أخرجه مسلم وقد قال البيهقي بعد أن ساقه من طريق معمر:
(وكذلك رواه الوليد بن مسلم عن شيبان عن يحيى: حتى تروني قد خرجت
وكذلك قاله الحجاج الصواف عن يحيى من رواية محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عنه. ورواه سفيان بن عيينة عن معمر وأبو نعيم عن شيبان وعبيد الله ابن سعيد عن يحيى القطان عن الحجاج دون قوله: قد خرجت
وأما الذي يرويه بعض المتفقهة في هذا الحديث: (حتى تروني قائما في الصف) فلم يبلغنا
وبالجملة فهذه الزيادة ذكرها بعضهم ولم يذكرها آخرون ومن ذكرها ثقات وهي زيادة علم يجب قبولها لأن المثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم
وأما الزيادة الثانية فرواها علي بن المبارك وشيبان جميعا عن يحيى بن أبي كثير
أخرجه أحمد ورواه البخاري مفرقا ورواها أيضا معاوية بن سلام فيما ذكره أبو داود معلقا ووصله الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود على ما في (الفتح)
وللحديث شاهدان من حديث أنس وجابر بن سمرة:
أما الأول: فأخرجه الطيالسي: ثنا جرير بن حازم عن ثابت عنه باللفظ المذكور دون الزيادتين
وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة لكن الترمذي قال:
(إنه غير محفوظ)
ونسب الوهم فيه إلى جرير هذا ونقل ذلك عن البخاري. فالله أعلم
وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني في (الصغير) قال: ثنا أحمد ابن حمدون الموصلي: ثنا صالح بن عبد الصمد الأسدي الموصلي: ثنا القاسم ابن يزيد الجرمي عن إسرائيل عن سماك بن حرب عنه مرفوعا به. وقال:
(لم يروه عن سماك إلا إسرائيل ولا عن إسرائيل إلا القاسم بن يزيد الجرمي تفرد به صالح بن عبد الصمد)
قلت: وصالح هذا لم أجد له ترجمة
وأما شيخه القاسم بن يزيد الجرمي - بفتح الجيم - فثقة كما في (التقريب)
وباقي رجاله رجاله مسلم
وأنا أظن أن صالحا هذا قد وهم في روايته لهذا الحديث بهذا المتن فقد رواه جمع من الثقات عن إسرائيل بإسناده هذا عن جابر قال: كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن ثم يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه. وقد سبق في المسألة الرابعة
فهذا هو أصل حديث جابر بن سمرة فاختلط على صالح هذا أو غيره بحديث أبي قتادة المذكور فرواه بهذا الإسناد. هذا ما ظهر لي في هذا المقام
وأما الهيثمي فقد قال في (المجمع):
(رواه الطبراني في (الأوسط) و (الصغير) وإسناده حسن). كذا قال والله أعلم
وفي الحديث دليل على أن الناس لا يقومون إلى الصلاة حتى يروا الإمام في المسجد وقد أخذ به جمهور العلماء كما يأتي. قال الترمذي بعد أن ساق الحديث:
(وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن ينتظر الناس الإمام وهم قيام وقال بعضهم: إذا كان الإمام في المسجد فأقيمت الصلاة فإنما يقومون إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وهو قول ابن المبارك)
قلت: وهو قول أحمد أيضا فقال أبو داود في (مسائله):
(قلت لأحمد: متى يقوم الناس إلى الصلاة؟ قال: إذا قال - يعني المؤذن -:
قد قامت الصلاة. قال: قلت: فإن كان الإمام لم يأت بعد قال: لا يقومون حتى يروه)
وذلك هو المروي عن أنس قال البيهقي:
(وروينا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه إذا قيل: قد قامت الصلاة وثب وقام. وعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه كان يفعل ذلك. وهو قول عطاء والحسن)
قال الحافظ:
(وذهب الأكثرون إلى أنه إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة رواه ابن المنذر وغيره وكذا رواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله. وعن سعيد بن المسيب قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر وجب القيام وإذا قال: حي على الصلاة عدلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام. وعن أبي حنيفة: يقومون إذا قال: حي على الفلاح فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر الإمام
وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه. وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه بذلك. قال القرطبي:
(ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته وهو معارض لحديث جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (1)
ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم)
قلت: ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب: أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن: الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف. وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ: أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم. ولفظه في (مستخرج أبي نعيم): فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا. ولفظه عند مسلم: أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فأتى فقام مقامه. . . الحديث. وعنه في رواية أبي داود: أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم (2) فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك
(1) كما تقدم
(2)
قلت: ورواه مسلم أيضا (2/ 101 - 102)
لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره. ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا أو فعله لبيان الجواز)
(9 - وإذا سمع إقامة الصلاة فلا يسرع إليها بل يمشي وعليه السكينة والوقار كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها [وأنتم] تسعون و [لكن] ائتوها [وأنتم] تمشون وعليكم السكينة [والوقار] فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا [فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة])
وهذا الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه وله عنه طرق بألفاظ متقاربة:
(1)
و (2) عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وكذا الترمذي والطحاوي والبيهقي وأحمد من طرق عنه كلهم بهذا اللفظ إلا أحمد فلفظه:
(إذا سمعتم الإقامة فامشوا ولا تسرعوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا). وهو لفظ البخاري وفيه الزيادة الرابعة
وأخرجه من الطريق الأولى: النسائي والدارمي والطحاوي وأحمد عن سفيان بن عيينة والطحاوي وأحمد
عن يزيد بن الهاد والترمذي وأحمد أيضا عن معمر ثلاثتهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحده
وفيه عند النسائي وأحمد عن سفيان الزيادة الأولى
وعند أحمد عن معمر الزيادة الثانية
ثم أخرجه من الطريق الثانية: الترمذي عن معمر والطيالسي عن ابن أبي ذئب وأحمد عن عقيل والطحاوي عن يزيد بن الهاد أربعتهم عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن به. وفي حديث معمر الزيادات الأولى والثانية والثالثة
ثم أخرجه الطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طريق أخرى عن أبي سلمة به نحوه
وفيه عند أحمد في رواية الزيادة الرابعة. وفي لفظ له:
(إذا سمع أحدكم الإقامة فليأت. . .) الحديث بنحوه
(3)
عن معمر عن همام عن أبي هريرة
أخرجه مسلم وأحمد بنحوه
(4)
عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عنه
أخرجه مسلم والطحاوي وأحمد أيضا وفيه الزيادة الثانية والرابعة
وقد تابعه عوف عن محمد
أخرجه أحمد بسند صحيح على شرط الستة وأيوب عن محمد أخرجه الطحاوي
(5)
و (6) عن عبد الرحمن بن يعقوب وإسحاق بن عبد الله: أنهما سمعا أبا هريرة يقول. . . . فذكره نحوه مرفوعا وفيه الزيادة الأخيرة
أخرجه مالك وعنه أحمد والطحاوي عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عنهما
ثم أخرجه الطحاوي وأحمد من طريق مالك أيضا عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه وحده
وكذلك أخرجه مسلم عن إسماعيل بن جعفر: أخبرني العلاء عن أبيه به
(7)
عن عوف عن الحسن - وهو البصري - قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . فذكره مثل حديث ابن سيرين
أخرجه أحمد
وبالجملة فالحديث متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقد وجدت له شاهدا من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:
(إذا جاء أحدكم وقد أقيمت الصلاة فليمش على هينته فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه)
أخرجه أحمد: ثنا علي بن عاصم عن حميد عنه وخالد عن محمد عن أبي هريرة به
ثم قد أخرجه هو وأبو داود وأبو عوانة والطحاوي من طرق أخرى عن حميد بنحو وفيه قصة ستأتي في (الاستفتاح) رقم (8)
والسند الصحيح على شرط مسلم وقد أخرجها بدون هذه الجملة كما سيأتي هناك
وله شاهد آخر من حديث أبي قتادة بنحوه ولعله يأتي
ثم أوردناه فيما يأتي من (أحكام المساجد) فقرة (3) من الآداب
وفي الحديث الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار والنهي عن إتيانها سعيا سواء في صلاة الجمعة وغيرها سواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا كذا في (شرح مسلم) للنووي
قال الترمذي:
(وقد اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة. ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشي على تؤدة ووقار وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا: العمل على حديث أبي هريرة. وقال إسحاق: إن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشي)
قلت: الصواب كراهة الإسراع خاف فوت التكبيرة أو لا لعموم الحديث وهو مذهب الشافعية وحكاه ابن المنذر عن زيد بن ثابت وأنس وأحمد وأبي ثور واختاره ابن المنذر وحكاه العبدري عن أكثر العلماء كما في (المجموع) وذكر فيه قولا لبعض الشافعية - وهو أبو إسحاق - مثل قول إسحاق الذي نقله الترمذي فقال النووي:
(وهو ضعيف جدا منابذ للسنة الصحيحة)
قال العلماء: والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السعي: أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها وعلى أكمل الأحوال وهذا معنى قوله في رواية مالك وغيره:
(فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة)
وقوله: (إذا أقيمت الصلاة) إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى وأكد ذلك بيان العلة فقال: (فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة). وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة وأكد ذلك تأكيدا آخر قال: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا). فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات وبين ما يفعل فيما فاته
وقد اختلف العلماء فيما فات من الصلاة: هل هي أول صلاته أو آخرها؟
والحق الأول كما سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء الله تعالى
(تنبيه): وأما قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة / 9] فليس المراد منه السعي المنهي عنه في الحديث بل هو بمعنى المضي والذهاب قال النووي:
(يقال سعيت في كذا أو إلى كذا: إذا ذهبت إليه وعملت فيه ومنه قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم / 39] ومثل قوله تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض} [البقرة / 205] وقوله: {وأما من جاءك يسعى} [عبس / 8])
(10 - ويجوز الفصل بين الإقامة والصلاة بكلام لمصلحة - كالأمر بتسوية الصفوف كما سياتي - أو لحاجة فقد (كانت الصلاة تقام فيكلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجل في حاجته تكون له فيقوم بينه وبين القبلة فما يزال قائما يكلمه - قال الراوي -: فربما رأيت بعض القوم لينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم له)[ثم صلى])
هو من حديث أنس رضي الله عنه وله عنه ثلاثة طرق:
الأول: عن ثابت عنه
أخرجه أحمد: ثنا عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن ثابت به
وهذا سند صحيح على شرطهما
وكذلك أخرجه الترمذي عن عبد الرزاق به وقال:
(حسن صحيح)
وأخرجه مسلم وأبو داود وأحمد عن حماد بن سلمة عن ثابت به نحوه. وفيه الزيادة
ثم أخرجه أحمد من طريق عمارة بن زاذان: ثنا ثابت به نحوه أيضا بلفظ:
(فيقوم معه حتى تخفق عامتهم رؤوسهم)
وسنده على شرط مسلم
وأخرجه البخاري من طريق حميد قال: سألت ثابتا البناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة فحدثني عن أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة فعرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة
الثاني: عن عبد العزيز بن صهيب عنه قال: أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي وأحمد من طرق عنه
الثالث: عن حميد عنه
أخرجه أحمد من طرق عنه بلفظ: أقام بلال
الصلاة فعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل قال: فأقامه حتى نعس بعض القوم ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس
وأخرجه ابن حبان من طريق هشيم عنه
وإسناد أحمد صحيح ثلاثي. لكن تقدم أن البخاري رواه من طريق حميد عن ثابت عنه وهي من رواية عبد الأعلى عنه. وهنا رواه عن أنس مباشرة بدون الواسطة لكن قال الحافظ:
(لم أقف في شيء من طرقه على تصريح بسماعه له من أنس وهو مدلس فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة) قال الحافظ:
(وفيه [أي الحديث] جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال: قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير)
وفي (المجموع):
(مذهبنا ومذهب الجمهور من أهل الحجاز وغيرهم: جواز الكلام بعد إقامة الصلاة قبل الإحرام لكن الأولى تركه إلا لحاجة وكرهه أبو حنيفة وغيره من الكوفيين سواء طال الكلام أو قصر ولا تعاد الإقامة لذلك ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة)
وإلى هذا ذهب ابن حزم في (المحلى) ثم قال:
(ولا دليل يوجب إعادة الإقامة أصلا ولا خلاف بين أحد من الأئمة في
أن من تكلم بين الإقامة والصلاة أو أحدث فإنه يتوضأ ولا تعاد الإقامة لذلك ويكلف من فرق بين قليل العمل وكثيره وقليل الكلام وكثيره أن يأتي على صحة قوله بدليل ثم على حد القليل من ذلك من الكثير ولا سبيل له إلى ذلك أصلا)
وهو يشير بذلك إلى الرد على بعض علمائنا الحنفية وقد اعترف الشيخ الكشميري بأن ضبط القليل والكثير عسير
وبعد كتابة ما تقدم وجدت للحديث طريقا رابعا وفيه فوائد لا توجد في الطرق الأخرى أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) باب سخاوة النفس قال: ثنا ابن أبي الأسود قال: ثنا عبد الملك بن عمرو قال: ثنا سحامة بن عبد الرحمن بن الأصم قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كانت عنده وأقيمت الصلاة وجاءه أعرابي فاخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة وأخاف أنساها فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم أقبل فصلى
وهذا سند محتمل للتحسين رجاله رجال البخاري في (صحيحه) غير سحامة - بفتح المهملتين والثانية مثقلة - وثقه ابن حبان وروى عنه وكيع أيضا وفي (التقريب) أنه:
(مقبول)
وأنت ترى أن الرجل صاحب القصة لم يسم في هذه الطريق كالطرق
الأخرى غاية الامر أنه وصف في هذه بأنه أعرابي. فقول الشيخ الكشميري في (فيض الباري):
(وأما الرجل فلم يدركه الشارحان من هو وقد وجدت اسمه وهو مذكور في (الأدب المفرد) للبخاري) ليس بصواب كما هو ظاهر
(11 - ويقيم من جمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تاخير إقامة لكل صلاة كذلك فعل رسول الله في غزوة الخندق وفي عرفة ومزدلفة)
وفيه أحاديث:
الأول: عن جابر في حديثه الطويل في الحج:
أنه عليه الصلاة والسلام أقام لصلاة الظهر ثم أقام لصلاة العصر وذلك بعرفة ثم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين
وقد سبق في المسألة السابعة من الأذان
الثاني: عن أسامة بن زيد أنه قال:
دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفه فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت له: الصلاة. فقال: (الصلاة أمامك) فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما
أخرجه البخاري من طريق مالك وهذا في (الموطأ) ومسلم وأبي داود والدارمي وابن ماجه
والطحاوي والبيهقي وأحمد من طريق كريب مولى ابن عباس عنه
الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنه قال:
جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب العشاء بجمع كل واحدة منها بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر كل واحدة منهما
أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والدارمي والطحاوي والبيهقي وأحمد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عنه
ورواه مالك عن الزهري به مختصرا: صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا
وعنه أحمد ومسلم
وقد جاء هذا الحديث عن ابن عمر من طرق أخرى بلفظ: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق عن سعيد بن جبير عنه به
ثم أخرجه أبو داود والترمذي والطحاوي والطيالسي واحمد من طريق أبي إسحاق: سمعت عبد الله بن مالك قال: صليت مع ابن عمر بجمع فأقام فصلى المغرب ثلاثا ثم صلى العشاء ركعتين بإقامة واحدة قال: فسأله خالد بن مالك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا في هذا المكان
وعبد الله بن مالك هذا هو ابن الحارث قال في (التقريب):
(مقبول)
فقد اختلف على ابن عمر ففي هاتين الروايتين أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بإقامة واحدة وفي رواية سالم بن عبد الله أنه صلاهما بإقامة واحدة لكل واحدة منهما. وهذه الراية مقدمة على رواية ابن جبير وابن مالك لأن معها زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة وأيضا فإنها موافقة لرواية أسامة بن زيد وجابر بن عبد الله المتفقتين على إقامتين فتكون رواية ابن عمر الموافقة لهما أولى بالقبول والاعتماد. وقد ذهب إلى هذا النووي في (شرح مسلم) وسبقه إلى ذلك ابن حزم فرجح رواية سالم على خلافها
وقد ذهب إلى هذا الحكم - أنه يقيم لكل صلاة في الجمع جمع تقديم أو تأخير - ابن حزم وهو قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي خلافا لأبي حنيفة وصاحبيه وذلك أنهم كانوا يذهبون في الجمع بين الصلاتين إلى أن
يجعلوا ذلك بأذان وإقامة واحدة ويحتجون في ذلك بالرواية الثانية عن ابن عمر صرح بذلك كله الطحاوي في شرحه وقوى ما اختاره بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ثم قال:
(والذي رويناه عن جابر من هذا أحب إلينا لما شهد له من النظر)
قال النووي في (شرح مسلم):
(وهذا هو الصحيح من مذهبنا: أنه يستحب الأذان للأولى منهما ويقيم لكل واحدة إقامة فيصليهما بأذان وإقامتين ويتأول حديث (إقامة واحدة) أن كل صلاة لها إقامة ولا بد من هذا الجمع بينه وبين الرواية الأولى (يعني: من حديث ابن عمر) وبينه أيضا وبين رواية جابر)
قلت: ومن الغريب أن علماءنا أخذوا بحديث جابر في الجمع في عرفة بأذان واحد وإقامتين وتركوه في الجمع في مزدلفة بأذان وإقامتين وهذا من عجائب الفقه فلا جرم أن خالفهم الإمام الطحاوي وتبعه الشيخ ابن الهمام ثم أبو الحسنات اللكنوي في (التعليق الممجد) فأصابوا
(12 - وكذلك يقيم لكل صلاة من الفوائت المشروعة إقامة واحدة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق)
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} [الأحزاب / 25]
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام فصلى الظهر. . . . ثم اقام للعصر فصلاها كذلك ثم أقام للمغرب فصلاها كذلك ثم أقام للعشاء فصلاها كذلك. . . الحديث
وهو صحيح الإسناد وقد سبق تخريجه فيما قبل الأذان المسألة (8) وذكرنا هناك شاهدا من حديث ابن مسعود وسقنا لفظه في الأذان مسألة (8) نحو حديث أبي سعيد هذا وزاد فيه البيهقي في رواية:
(يتابع بعضها بعضا بإقامة إقامة)
وقد ذهب إلى هذا الشافعية فقالوا: إذا أراد قضاء فوائت دفعة واحدة أقام لكل واحدة بلا خلاف عندهم كما في (المجموع)
(13 - وإذا انصرف من الصلاة وخرج من المسجد وقد نسي ركعة أو غيرها مما لا تتم الصلاة إلا به وأراد أن يعود لإتمامها فعليه أن يعيد الإقامة فقد (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسلم وانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بالناس ركعة)
وهذا من حديث معاوية من حديج - بمهملة وجيم مصغرا - أخرجه أحمد: ثنا حجاج قال: ثنا ليث قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوما. . . إلخ وزاد في آخره: فأخبرت بذلك الناس فقالوا: أتعرف الرجل؟ قلت: لا إلا أن أراه