المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وجوب ستر العورة وحدها - الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌1 - كتاب الطهارة

- ‌1 - المياه:

- ‌طهورية ماء البحر

- ‌طهورية الماء المستعمل

- ‌2 - أسآر البهائم:

- ‌3 - تطهير النجاسات:

- ‌4 - الأواني

- ‌5 - التخلي

- ‌القول عند الدخول والخروج

- ‌6 - المناهي:

- ‌7 - الوضوء

- ‌فرضيته:

- ‌وجوب النية

- ‌جواز المعاونة على الوضوء

- ‌الوضوء لمن أراد النوم:

- ‌الوضوء للجنب إذا أراد أن يعود:

- ‌الوضوء عند كل حدث

- ‌الوضوء قبل الغسل

- ‌الوضوء على من حمل الميت

- ‌8 - المسح على الخفين

- ‌9 - المسح على الجوربين

- ‌10 - نواقض الوضوء

- ‌1، 2 - البول، الغائط:

- ‌3 - المذي:

- ‌4 - النوم:

- ‌5 - أكل لحم الإبل

- ‌6 - لمس العضو بشهوة

- ‌11 - المتطهر يشك في الحدث

- ‌12 - ما يستحب الوضوء لأجله

- ‌13 - موجبات الغسل

- ‌1 - خروج المني بشهوة:

- ‌2 - خروجه في الاحتلام

- ‌3 - مس الختان الختان:

- ‌4 - الحيض

- ‌5 - النفاس

- ‌14 - الأغسال الواجبة

- ‌1 - الغسل على الكافر الذي أسلم

- ‌2 - غسل الجمعة على كل محتلم

- ‌3 - غسل ميت المسلمين

- ‌15 - الأغسال المستحبة

- ‌1 - الغسل من غسل الميت

- ‌2 - الغسل من مواراة المشرك

- ‌(3) الغسل للإحرام

- ‌(4) لدخول مكة

- ‌(5) عقب الجماع:

- ‌(6) عقب الإغماء

- ‌16 - صفة الغسل

- ‌17 - قدر الماء في الغسل والوضوء

- ‌18 - آداب الاغتسال ودخول الحمام

- ‌19 - التيمم

- ‌20 - صفة التيمم

- ‌21 - الحيض

- ‌22 - النفاس

- ‌2 - كتاب الصلاة

- ‌1 - هي أحد الأركان الخمسة:

- ‌2 - وفرضت أولا خمسين ثم جعلت خمسا:

- ‌3 - ويجوز لولاة الأمر أن يقبلوا إسلام الكافر ولولم يرض بإقامة كل الصلوات الخمس:

- ‌4 - وفرضت أولا ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت في الحضر إلا الصبح وتركت على ما هي عليه في السفر قالت عائشة:

- ‌5 - وتاركها يخشى عليه الكفر

- ‌6 - وتاركها يقتل:

- ‌7 - ولا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ:

- ‌8 - ولكن يجب على ولي الأمر أن يأمره بالصلاة إذا بلغ السبع سنين وأن يضربه إذا بلغ العاشرة:

- ‌9 - ولا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر

- ‌10 - وكذا المغمى عليه لا قضاء عليه

- ‌11 - وكذا الكافر إذا أسلم لا قضاء عليه:

- ‌12 - وأما النائم فيقضي ما فاته من الصلوات في حالة نومه:

- ‌1 - الظهر

- ‌2 - العصر

- ‌3 - المغرب

- ‌4 - العشاء

- ‌5 - الفجر

- ‌ الأذان

- ‌الإقامة

- ‌ وجوب ستر العورة وحدها

- ‌ طهارة البدن والثوب والمكان للصلاة

- ‌أفضل المساجد وأعظمها حرمة أربعة:

- ‌أ - المسجد الحرام

الفصل: ‌ وجوب ستر العورة وحدها

فمر بي فقلت: هو هذا فقالوا: طلحة بن عبيد الله

وهذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير سويد بن قيس وهو ثقة كما في (التقريب)

وأخرجه أبوداود والنسائي عن قتيبة بن سعيد

والطحاوي عن شعيب بن الليث والبيهقي عن يحيى ابن بكير ثلاثتهم عن الليث به

وأخرجه الحاكم وعنه البيهقي من طريق وهب بن جرير بن حازم:

ثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحديث عن يزيد بن أبي حبيب به. وقال:

(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي

وهو كما قالا

وأخرجه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) وبوب له النسائي: باب (الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة)

8 -

‌ وجوب ستر العورة وحدها

(1 - هي فرض من فروض الصلاة بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31]. والمراد: ستر العورة بدليل سبب النزول. قال ابن عباس: كانوا [في الجاهلية] يطوفون عراة: الرجال بالنهار والنساء بالليل وكانت المرأة [تطوف بالبيت وهي عريانة][تخرج صدرها وما هناك] [فتقول: من يعيرني

ص: 247

تطوفا تجعله على فرجها و] تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله

فقال الله: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} )

وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن جرير في (تفسيره) والحاكم وعنه البيهقي من طرق عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عنه به. والسياق لابن جرير والزيادة الأولى للحاكم والثانية لمسلم والنسائي والرابعة للبيهقي في رواية والرابعة لمسلم أيضا

وقال هشام بن عروة عن أبيه: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس - والحمس قريش وما ولدت - كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء

أخرجه مسلم

وفي طوفهم هذا نزل أيضا قوله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} [الأعراف / 28]. قاله مجاهد كما في (تفسير ابن كثير) فسمى الله تعالى طوافهم عراة: فاحشة. وهو قول أكثر المفسرين كما قال القرطبي وهو مشهور عن ابن عباس كما في (المجموع)

هذا وقولنا والمراد ستر العورة متفق عليه بين العلماء كما نقله ابن حزم

ص: 248

في (المحلى) وأقره الحافظ في (الفتح)

(وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ما ملكت يمينك) وقوله: (لا تمشوا عراة)

الحديث الأول سبق بتمامه مخرجا في (آداب الاغتسال)

والحديث الثاني هو من رواية المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال:

أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعلي إزار خفيف قال: فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة)

أخرجه مسلم

ومن طريقه ابن حزم وأبو داود والبيهقي من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل عنه

وفي الباب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة قال: فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم

أخرجه البخاري ومسلم

ص: 249

ومن طريقه ابن حزم والبيهقي وأحمد من طريق زكريا بن إسحاق: ثنا عمرو بن دينار عنه

ثم أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار به نحوه بلفظ:

(فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قال فقال: إزاري إزاري فشد عليه إزاره)

وكذلك أخرجه البيهقي وابن حزم

وله شاهد من حديث أبي الطفيل وذكر بناء الكعبة في الجاهلية قال:

فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضع النمرة على عاتقه فيرى عورته من صغر النمرة فنودي: يا محمد خمر عورتك. فلم ير عريانا بعد ذلك

هكذا أخرجه أحمد: ثنا عبد الرزاق: أنا معمر عن ابن خثيم عنه

وهذا سند صحيح رجاله كلهم رجال مسلم

وقد أورده الحافظ في (الفتح) مطولا وقال: أخرجه عبد الرزاق. ومن طريقه الحاكم والطبراني. وهو في (المستدرك) وصححه ووافقه الذهبي

ص: 250

وهذه الأحاديث - وكذا الآية - فيها دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة وخارجها:

أما وجوب سترها خارج الصلاة فمتفق عليه وقد نقل الاتفاق هذا ابن رشد في (البداية) ونقل النووي في (المجموع) الإجماع عليه

وأما وجوب سترها في الصلاة فمختلف فيه فالجمهور على وجوب ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وداود وابن حزم. قال في (البداية):

(وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة)

وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي كما في (تفسير القرطبي) وهذا مذهب ضعيف ترده تلك الأوامر الصريحة بستر العورة والصلاة أحق بذلك كما لا يخفى

هذا ومما ذكرنا تعلم أن قول ابن حزم في مراتب الإجماع: (واتفقوا أن ستر العورة فيها لمن قدر على ثوب مباح لباسه له فرض) ليس بصواب نقل الاتفاق هذا

ثم إن الذين ذهبوا إلى وجوبها في الصلاة جعلو ذلك شرطا من شروط صحة الصلاة فمن صلى عاريا فصلاته باطلة عندهم. قال النووي:

(وقال بعض أصحاب مالك: ستر العورة واجب وليس بشرط فإن صلى مشكوفها صحت صلاته سواء تعمد أو سها)

ص: 251

قلت: وهذا هو الحق إن ذلك واجب غير شرط فإن الشرطية تتطلب دليلا زائدا على مجرد الأمر ولم نجد لمن قال بالشرطية أي دليل اللهم إلا ما ذكره النووي حيث قال:

(دليلنا أنه ثبت وجوب الستر بحديث عائشة: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار). . ويأتي. قال:

(ولا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق)

وهذا الحديث كما ترى خاص بالنساء لكن النووي قاس عليهن الرجال وهو قياس فاسد الاعتبار لوجود الفرق الواضح بين عورة الرجل وعورة المرأة كما لا يخفى

وقد أجاد في هذا الصدد الشوكاني في (النيل) فإنه بعد أن ذكر ما احتج به الجمهور في إثبات الشرطية من الأحاديث السابقة قال:

(ويجاب عن هذه الأدلة بأن غايتها إفادة الوجوب وأما الشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط فلا تصلح للاستدلال بها عليها لأن الشرط حكم وضعي شرعي لا يثبت بمجرد الأوامر نعم يمكن الاستدلال للشرطية بحديث الباب (يعني حديث عائشة) لكن لا يصفو الاستدلال بذلك عن شوب كدر لأنه أولا يقال: نحن نمنع أن نفي القبول يدل على الشرطية لأنه قد نفى القبول عن صلاة الآبق ومن في جوفه الخمر ومن يأتي عرافا مع ثبوت الصحة بالإجماع

ص: 252

وثانيا: بأن غاية ذلك أن الستر شرط لصحة صلاة المرأة وهو أخص من الدعوى وإلحاق الرجال بالنساء لا يصح ههنا لوجود الفارق وهو ما في تكشف المرأة من الفتنة وهذا معنى لا يوجد في عورة الرجل

وثالثا: بحديث سهل بن سعد عند الشيخين وأبي داود والنسائي بلفظ: كان الرجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم على أعتاقهم كهيئة الصبيان ويقال للنساء: لا ترفعن رؤوسكن حتى تستوي الرجال جلوسا. زاد أبو داود: من ضيق الأزر. وهذا يدل على عدم وجوب الستر فضلا عن شرطيته

ورابعا: بحديث عمرو بن سلمة وفيه: فكنت أؤمهم وعلي بردة مفتوقة فكنت إذا سجدت تقلصت عني وفي رواية: خرجت استي فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم. . . الحديث أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي

فالحق أن ستر العورة في الصلاة واجب فقط كسائر الحالات لا شرط يقتضي تركه عدم الصحة. وقد احتج القائلون بعدم الشرطية على مطلوبهم بحجج فقهية واهية منها قولهم: لو كان الستر شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية والأول منقوض بالإيمان فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها والثاني باستقبال القبلة فإنه غير مفتقر إلى النية والثالث بالعجز عن القراءة والتسبيح فإنه يصلي ساكتا) انتهى كلامه رحمه الله

ص: 253

(2 - وهي من الرجل السوأتان فقط وعليهما تنصب الأدلة السابقة)

وكون السوأتين من العورة متفق عليه بين العلماء كما في (مراتب الإجماع) لابن حزم. في المجموع:

(قال أهل اللغة: سميت العورة لقبح ظهورها ولغض البصر عنها مأخوذة من العور وهو النقص والعيب والقبح ومنه عور العين والكلمة العوراء: القبيحة)

ومما لا شك فيه أن هذا المعنى لا يتحقق إلا في السوأتين فقط وأما غيرهما من الفخذ والسرة والركبة فلا يتحقق هذا المعنى فيها بوضوح ولذلك اختلف فيها العلماء والحق ما ذكرنا لما يأتي

(وأما الفخذ والركبة والسرة فليست من العورة المحرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد كشفها في مناسبات شتى بمحضر من الناس ولو كانت عورة محرمة لما كشفها. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس النبي صلى الله عليه وسلم يسوي ثيابه فدخل فتحدث فلما خرج قالت له عائشة: دخل أبو بكر فلم تجلس ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: (ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة)

وهذا حديث صحيح

ص: 254

أخرجه هكذا الطحاوي في (مشكل الآثار): ثنا يوسف بن يزيد: ثنا حجاج بن إبراهيم: ثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عنها

وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات أفاضل

وقد أخرجه مسلم في (صحيحه) والبيهقي وكذا البخاري في (الأدب المفرد) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به نحوه وفيه:

(كاشفا عن فخذيه أو ساقيه) هكذا على الشك

والصواب عندي رواية الطحاوي التي لا شك فيها وذلك لأمور:

أولا: أن الشك ليس بعلم فلا يعارض ما جزم به الثقة

وثانيا وثالثا: أن له طريقا أخرى وشواهد من رواية الطحاوي

أما الطريق فقال أحمد: ثنا مروان قال: أنا عبيد الله بن سيار قال: سمعت عائشة بنت طلحة تذكر عن عائشة أم المؤمنين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا كاشفا عن فخذيه فاستأذن أبو بكر فأذن له. . . الحديث نحوه

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الستة غير عبيد الله بن سيار قال الحسيني: (مجهول) كما في (التعجيل)

وقد رمز الحسيني إلى أنه روى هذا الحديث في (مسند أحمد) فقال الحافظ ابن حجر:

ص: 255

ما رأيته في مسند عائشة رضي الله عنها من مسند أحمد)

كذا قال. وهو في (المسند) كما قال الحسيني وقد عينا لك الصفحة منه. والحديث أشار إليه الحافظ في (الفتح) وسكت عليه كما سيأتي عنه

وأما الشواهد فهي ثلاثة:

الأول: عن حفصة بنت عمر رضي الله عنه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا قد وضع ثوبه بين فخذيه فجاء أبو بكر فاستأذن فاذن له. . . الحديث

أخرجه أحمد والطحاوي في (شرح المعاني) وفي (المشكل) والبيهقي من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن أبي سعيد المديني قال: ثتني حفصة به

ثم أخرجه أحمد والبيهقي من طريق شيبان عن أبي اليعفور عن عبد الله ابن أبي سعيد المزني به

وأخرجه البخاري أيضا في (التاريخ) من الطريقين عن عبد الله هذا

ورجاله ثقات غير عبد الله بن أبي سعيد قال الحسيني:

(لا يدرى من هو)

قال الحافظ في (التعجيل) بعد أن ذكر الحديث من الطريقين عنه:

(وتلخص من هذا أن لعبد الله بن أبي سعيد راويين ولم يجرح ولم يأت

ص: 256

بمتن منكر فهو على قاعدة ثقات ابن حبان لكن لم أر ذكره في النسخة التي عندي) - يعني من ثقات ابن حبان

وبالجملة: فهو إسناد لا بأس به في الشواهد. وقد سكت عليه الحافظ في (الفتح) حيث قال بعد أن ساق حديث عائشة برواية مسلم:

(وهو عند أحمد بلفظ: (كاشفا عن فخذيه) من غير تردد وله من حديث حفصة مثله. وأخرجه الطحاوي والبيهقي)

وقال شيخه الهيثمي في (المجمع):

(رواه أحمد والطبراني في (الكبير) و (الأوسط) وأبو يعلى باختصار كثير وإسناده حسن)

الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار فإذا بير في الحائط فجلس على رأسها ودلى رجليه وبعض فخذه مكشوف وأمرني أن أجلس على الباب فلم ألبث أن جاء أبو بكر فأعلمته فقال: ائذن له وبشره بالجنة. . . الحديث نحوه

أخرجه الطحاوي في (المشكل): ثنا فهد بن سليمان: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس: ثنا أبو معاوية: ثني عمرو بن مسلم صاحب المقصورة عن أنس به وقال في آخره:

فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم غطى فخذه قالوا: لم يا رسول الله غطيت فخذك حين جاء عثمان فقال: (إني لأستحيي ممن تستحيي منه الملائكة)

ص: 257

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير عمرو بن مسلم هذا أورده في (تهذيب التهذيب) وذكره أنه روى عنه أبو معاوية الضرير وابو علقمة الفروي ثم لم يحك فيه جرحا ولا تعديلا

الثالث: عن أبي سعيد الخدري قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواق وبلال معه فدلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه فجاء أبو بكر يستأذن فقال: يا بلال ائذن له وبشره بالجنة. . . الحديث نحوه. وفيه أن كلا مسسن أبي بكر وعمر وعثمان دلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه

أخرجه الطبراني في (الأوسط) ورجاله موثقون كما في (المجمع) وقال في مكان آخر منه:

(ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني علي بن سعيد وهو حسن الحديث)

وله شاهد رابع من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني والبزار ولكن في إسنادهما النضر أبو عمرو وهو متروك كما قال الهيثمي

(وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم. . . . الحديث)

أخرجه البخاري وعنه ابن حزام ومسلم والبيهقي وأحمد عن

ص: 258

إسماعيل بن علية قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب عنه به والسياق للبخاري

وقال الآخرون: وانحسر بدل: حسر

وكذلك رواه الطبراني كما في (الفتح) ورواه النسائي باختصار ذكر الحسر

وقد ذهب إلى هذه المسألة - أن العورة السوأتان فقط - الظاهرية وهو رواية عن أحمد ومالك كما في (الفتح) عن النووي وذكره في (شرح مسلم) عن أصحاب مالك. وبه قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية واختاره السيوطي كما يأتي. قال ابن حزم

(وهو قول ابن أبي ذئب وسفيان الثوري وأبي سليمان وبه نأخذ) قال:

(وهو قول جمهور السلف)

ثم روى عن جبير بن الحويرث قال: رأيت أبا بكر الصديق واقفا على قزح يقول: يا أيها الناس أصبحوا وإني لأنظر إلى فخذه قد انكشف

ورواه البخاري عن موسى بن أنس بن مالك فذكر يوم اليمامة فقال: أتى أنس إلى ثابت بن قيس بن الشماس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط - يعني من الحنوط للموت

وقال عطاء بن السائب: دخلت على أبي جعفر - هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - وهو محموم وقد كشف عن فخذيه. . . . وذكر الخبر

ص: 259

ومن الحجة لهؤلاء حديث عائشة وحديث أنس هذا والاستدلال بالأول ظاهر لأن فيه أنه عليه السلام كشف عن فخذيه قصدا وأما حديث أنس فوجه الاستدلال به ظاهر أيضا على رواية البخاري: ثم حسر الإزار. فإن مفاده أنه فعل ذلك أيضا عمدا إلا أن يخرج على هذا رواية الآخرين: وانحسر الإزار فإن ظاهرهما أن الإزار انحسر بنفسه لكن قال الحافظ:

(يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم ولو فرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار لكان ممكنا لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبه كما في قضية السهو في الصلاة وسياقه عند أبي عوانة والجوزقي من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك ولفظه: فأجرى رسول الله في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذيه). قال:

(وظاهر قول أنس هذا أن المس كان بدون الحائل ومس العورة بدون الحائل لا يجوز)(1). وقال ابن حزم:

(فصح أن الفخذ ليس عورة ولو كانت عورة لما كشفها الله عز وجل عن رسوله صلى الله عليه وسلم المطهر المعصوم من الناس في حالة النبوة والرسالة ولا أراها أنس ابن مالك ولا غيره وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا

(1) ولذا قال السيوطي في حاشيته على النسائي (2/ 92) - تعليقا على قول أنس هذا -: هذا دليل لمن يقول: إن الفخذ ليس بعورة. وهو المختار

ص: 260

وقبل النبوة) ثم روى من طريق مسلم حديث جابر المتقدم الذي فيه: فما رئي بعد ذلك عريانا

وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن الفخذ عورة واحتجوا بحديث: (الفخذ عورة) وأجابوا عن حديث عائشة بما في رواية مسلم من التردد بين كون المكشوف هو الفخذ أو الساق فقال في (المجموع):

(لا دلالة فيه على أن الفخذ ليس بعورة لأنه مشكوك في المكشوف)

قلت: قد بينا أن سائر الروايات في هذه القصة تقطع بأن المكشوف هو الفخذ فيجب حمل رواية مسلم عليها

ثم قال النووي:

(قال أصحابنا: لو صح الجزم بكشف الفخذ تأولناه على أن المراد كشف بعض ثيابه لا كلها قالوا: ولأنها قضية عين فلا عموم لها ولا حجة فيها)

قلت: الحجة فيها من حيث أن ذلك العمل هو من نبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أسوتنا وقدوتنا في كل شيء إلا ما استثناه الدليل لقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب / 21] ولا يصح دليل التخصيص كما يأتي فيبقى دليل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص عاما شاملا لأمته فيثبت المطلوب

وأما تأويل ذلك بأنه كشف بعض ثيابه. فلا يغني فتيلا لأن فيه التسليم بأنه كشف عن بعض فخذه فإن كان عورة فكيف يجوز الكشف

ص: 261

عن بعضها وإذا كان مراد النووي من ذلك أنه يجوز الكشف عن البعض دون الكل فهو خالف مذهبه حيث قال:

(فإن انكشف شيء من عورة المصلي لم تصح صلاته سواء أكثر المنكشف أم قل ولو كان أدنى جزء وسواء هذا في الرجل والمرأة. . .) إلخ

وأجابوا عن حديث أنس بأن الإزار انكشف بنفسه عن فخذه عليه السلام دون قصده كما تفيده رواية مسلم: انحسر. لكن الحديث يفيد جواز الكشف من وجهة أخرى وهي استمراره صلى الله عليه وسلم على الكشف كما سبق عن الحافظ وكذلك قول أنس: وإني لأرى بياض فخذيه. يدل على أنه لم يكن من المحرم عندهم النظر إلى الفخذ وإلا لما نظر إليه أنس رضي الله عنه وإذ الأمر كذلك فيدل على أنه ليس بعورة وهو المطلوب

فثبت بما ذكرنا أن كل ما أوردوه على الحديثين غير وارد عند التحقيق

على أنه قد جاءت أحاديث أخرى في الباب لكنها دونهما في الدلالة على المطلوب فمنها حديث أبي العالية البراء قال: إن عبد الله بن الصامت ضرب فخذي وقال: إني سألت أبا ذر فضرب فخذي كما ضرب فخذك وقال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي كما ضرب فخذك وقال:

(صل الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصل ولا تقل: إني قد صليت فلا أصلي)

أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وعنه

ص: 262

ابن حزم وقال: فلو كانت الفخذ عورة لما مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي ذر اصلا بيده المقدسة ولو كانت الفخذ عند أبي ذر عورة لما ضرب عليها بيده وكذلك عبد الله بن الصامت وأبي العالية - كذا - وما يستحل مسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب ولا على حلقة دبر الإنسان على الثياب ولا بدن امرأة أجنبية على الثياب البتة وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من القود من الكسعة وهي ضرب الإليتين على الثياب بباطن القدم وقال: (دعوها فإنها منتنة)

ومنها حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله} [النساء / 95] قال: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان رجلا أعمى - فأنزل الله تبارك وتعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عز وجل: {غير أولي الضرر}

أخرجه البخاري والنسائي والترمذي وقال: (حسن صحيح) وأحمد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: ثني سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عنه

وكذا رواه الطحاوي في (المشكل) عن صالح

ص: 263

وتابعه عن ابن شهاب: عبد الرحمن بن إسحاق

أخرجه النسائي والطبري كما في (الفتح)

وخالفهما معمر فقال: عن الزهري عن قبيضة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أخرجه أحمد

ولعل الزهري له فيه إسنادان. والله أعلم

وللحديث طريق أخرى عنه. رواه أبو داود والطحاوي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وأحمد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت به

وقد علق البخاري هذا الحديث في باب ما يذكر في الفخذ كما علق فيه حديث أنس السابق الذكر مشيرا بذلك إلى أن الفخذ ليس بعورة ولذلك قال الشيخ محمد أنور الكشميري في (فيض الباري):

(والذي يظهر من صنيع المصنف رضي الله عنه أنه مال إلى مذهب مالك رضي الله عنه وحمل ما ذهب إليه الحنفية على الاحتياط)

وأما حديث: (الفخذ عورة). فحديث ضعيف أشار إلى ضعفه البخاري في (صحيحه) فقال: ويذكر عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الفخذ عورة)

ولابد هنا من أن نتكلم بتوسع على علل هذا الحديث ليتحقق القارئ

ص: 264

من أنه لا يقوى على معارضة تلك الأحاديث المفيدة بأن الفخذ ليس بعورة فنقول:

أولا: حديث ابن عباس: رواه أبو يحيى القتات عن مجاهد عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفخذ عورة)

وعلته أبو يحيى هذا واسمه على الأشهر: دينار وهو ضعيف كما قال ابن حزم في (الملحى) والحافظ في (الفتح)

أخرجه الترمذي والطحاوي في (شرح المعاني) والحاكم والبيهقي وأحمد كلهم عنه

ثانيا: حديث جرهد:

وعلته الجهالة والاضطراب المؤدي إلى عدم الثقة به فقد أخرج أبو داود والطحاوي في (المشكل) والبيهقي والطيالسي وأحمد كلهم عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن ابن جرهد عن أبيه عن جرهد

ورواه الدرامي والطحاوي في (شرح المعاني) عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا به. فجعله من مسند عبد الرحمن بن جرهد

وأخرجه الترمذي والحاكم وأحمد من طريق سفيان ابن عيينة عن أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده عن جرهد

ص: 265

وأخرجه الدارقطني عن سفيان به إلا أنه زاد فيه فقال: عن زرعة ابن مسلم عن أبيه عن جده

فقد اختلف فيه على سفيان كما اختلف على مالك واختلف هذان فمالك يقول: زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد وسفيان يقول: زرعة بن مسلم ابن جرهد

وخالفهم أبو الزناد فقال: عن عمه زرعة بن عبد الله بن جرهد عن جده جرهد. فسماه زرعة بن عبد الله

أخرجه الطحاوي في (المشكل) وفي (الشرح) عن. . . . . (1) عنه

ورواه الترمذي وأحمد عن معمر فقال: عن أبي الزناد: أخبرني ابن جرهد عن أبيه به

وفي رواية لأحمد والدارقطني عن سفيان عن أبي الزناد (2)

ورواه عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد عن أبيه

أخرجه الترمذي والطحاوي فيها وأحمد عن الحسن بن صالح عنه وزاد الطحاوي في رواية له فقال: عن عبد الله بن مسلم بن جرهد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. . . . فذكره. فجعله من مسند مسلم بن جرهد

(1) غير واضح في الأصل. (الناشر)

(2)

قال: أخبرني أبي جرهد عن جرهد

ص: 266

فهذا اضطراب شديد لا يهتدى الباحث بسببه إلى ترجيح رواية على أخرى وهو موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط كما ذكر العلماء في (مصطلح الحديث) وقد قال الحافظ في (شرح البخاري):

(وضعفه المصنف في (التاريخ) للاضطراب في إسناده وقد ذكرت كثيرا من طرقه في (تغليق التعليق)

قلت: وكذلك ضعفه ابن القطان ففي (نصب الراية) للزيلعي قال ابن القطان:

(وحديث جرهد له علتان: الاضطراب المؤدي لسقوط الثقة به وذلك أنهم مختلفون فيه فمنهم من يقول زرعة بن عبد الرحمن ومنهم من يقول زرعة بن عبد الله ومنهم من يقول: زرعة بن مسلم. ثم من هؤلاء من يقول: عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول: عن أبيه عن جرهد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول: زرعة عن آل جرهد عن جرهد عن النبي صلى الله عليه وسلم

والعلة الثانية: أن زرعة وأباه غير معروفي الحال ولا مشهوري الرواية)

ومنه تعلم أن قول الحاكم:

(إنه حديث صحيح الإسناد)

غير صحيح وإن وافقه الذهبي

ثالثا حديث محمد بن جحش

رواه أبو كثير مولى محمد بن عبد الله بن جحش مرفوعا به

ص: 267

وعلته أبو كثير هذا فإنه مجهول كما قال ابن حزم وقال الحافظ:

(لم أجد فيه تصريحا بتعديل)

أخرجه الطحاوي في (الشرح) وفي (المشكل) والحاكم والبيهقي وأحمد والبخاري أيضا في (التاريخ) كما في (الفتح)

ومن العجيب قول البيهقي - بعد أن ساق هذه الأحاديث الثلاثة بأسانيدها -:

(وهذه أسانيد صحيحة يحتج بها)

مع أنه لا يخفى على المبتدئ في هذا العلم - فضلا عن مثل البيهقي - أنه لا يصح شيء منها كما بينا ولذلك تعقبه ابن التركماني في (الجوهر النقي) بنحو ما ذكرنا من العلل ثم قال:

(وذكر ابن الصلاح أن الثلاثة متقاعدة عن الصحة)

رابعا: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه

رواه ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عنه

أخرجه ابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في غسل الميت من (سننه) - عن بشر بن آدم والحاكم عن الحارث بن أسامة والبيهقي عن محمد بن سعد العوفي ثلاثتهم عن روح بن عبادة. والطحاوي في (شرح الآثار) وفي (المشكل) عن يحيى بن سعيد والدارقطني عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ثلاثتهم عن ابن جريج به

ص: 268

وعلة هذا الإسناد الانقطاع بين ابن جريج وحبيب بن أبي ثابت من جهة وبين حبيب هذا وعاصم بن ضمرة من جهة أخرى

وابن جريج وابن أبي ثابت معروفان بالتدليس على جلالة قدرهما

وقد صرح ابن جريج في رواية عنه بأنه سمعه بالواسطة عن ابن أبي ثابت. فرواه أبو داود ومن طريقه البيهقي عن حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم به

ولذلك قال أبو حاتم في (العلل):

(ابن جريج لم يسمع هذا الحديث من حبيب إنما هو من حديث عمرو ابن خالد الواسطي ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم)

وكذا قال ابن معين كما في (التلخيص) أن حبيبا لم يسمعه من عاصم وابن بينهما رجلا ليس بثقة

وبين البزار أن الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي

قلت: وكأنه من أجل ذلك قال أبو داود بعد (أن) ساق الحديث:

(وهذا الحديث فيه نكارة). ثم قال الحافظ:

(وقع في زيادات المسند وفي الدارقطني ومسند الهيثم بن كليب تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له وهو وهم في نقدي وقد تكلمت عليه في الإملاء على أحاديث مختصر ابن الحاجب)

قلت: ونحن نبين ما أشار إليه الحافظ من الوهم فنقول:

ص: 269

قد أخرجه الدارقطني من طريق أحمد بن منصور بن راشد: نا روح ابن عبادة: ثنا أبن جريج: أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن عاصم به

وهذه رواية شاذة فقد خالف أحمد بن منصور جميع من رواه من الثقات عن روح بن عبادة فقالوا كلهم: عن رواح: نا ابن جريج عن حبيب كما سبق. فلم يصرحوا بالسماع ورواية هؤلاء مقدمة على رواية أحمد بن منصور هذه الشاذة لا سيما وأن هذا ليس بالمعروف بالحفظ والضبط في الرواية وغاية ما قيل فيه: إنه صدوق كما في (تاريخ بغداد) عن أبي حاتم والصدوق قد يخطئ

وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه فقال: ثني عبيد الله بن عمر القواريري: ثني يزيد أبو خالد البيسري القرشي: ثنا ابن جريج: أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن عاصم به

وهذا إسناد ضعيف عن ابن جريج فإن أبا خالد هذا قال ابن حزم:

(ولا يدرى من هو) وقال الحافظ في (التعجيل):

(إنه مجهول)

وأما قول الذهبي في (الميزان):

(أورده الذهبي ابن عدي ومشاه فقال: ليس هو بمنكر الحديث) فليس بتوثيق صريح

ص: 270

ويدل على أن الحافظ نقل في (اللسان) قول الذهبي هذا مع أنه قال في (التعجيل): (إنه مجهول) كما سبق. فلا تعارض بين القولين إذن

هذا ولو سلمنا أن تصريح ابن جريج بسماعه من حبيب ثابت فلا يثبت بذلك الحديث فإنه لا تزال فيه العلة الأخرى قائمة وهي الانقطاع أيضا بين حبيب وعاصم كما سبق نقله عن الحافظين ابن معين وأبي حاتم وسواء صح كون الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي أو لم يصح فالحديث منقطع لا يصح لجهالة الواسطة بينهما

وأما اعتراض الأستاذ أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند بأنه قد ثبت اللقاء بينهما (فانى لنا أن نزعم أنه لم يسمع هذا الحديث منه) فإنما يصح فيما لو لم يكن حبيب بن أبي ثابت مدلسا أما وهو معروف بالتدليس فلا يكتفى حينئذ بالمعاصرة وثبوت اللقاء بل لا بد من تصريح المدلس بسماعه من الذي روى عنه لتكون روايته صحيحة مقبولة. وهذا أمر متفق عليه بين العلماء ولا يخفى ذلك على الأستاذ المشار إليه فلا أدري كيف ذهب هناك إلى تصحيح الاتصال بمجرد المعاصرة مع علمه بأنه يشترط في ذلك أن لا يكون الراوي مدلسا (راجع مقدمة صحيح مسلم فلعله لم يستحضر حين الكتابة كون حبيب هذا مدلسا وقد قال الحافظ في (التقريب) إنه:

(ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس)

ص: 271

فثبت بما ذكرنا صواب قول من أعل الحديث بالانقطاع وأنه ضعيف غير صالح للاحتجاج به فضلا عن معارضته لتلك الأحاديث الصحيحة السابقة في (الصحيحين) وغيرهما

(تنبيه): إنما نصصنا على الباب الذي أخرج فيه ابن ماجه الحديث من (سننه) على خلاف عادتنا فيما نكتب من التخريج: لأني رأيت الأستاذ السابق الذكر يقول في تخريج الحديث:

(ونسبه في (المنتقى) و (ذخائر المواريث) والمنذري فيما نقل شارح أبي داود وابن حجر في التلخيص إلى ابن ماجه بل عين صاحب (الذخائر) أنه في كتاب الجنائز منه ولم أجده بعد طول البحث)

هذا وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ويأتي قريبا

(وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبتيه فلما دخل عثمان غطاها)

أخرجه البخاري والطبراني والبيهقي من طريق سليمان ابن حرب: ثنا حماد بن زيد: ثني علي بن الحكم وعاصم الأحول: أنهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى به

وفي الباب أحاديث أخرى:

منها عن أبي الدرداء قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما صاحبكم

ص: 272

فقد غامر)

فسلم وقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال:: (يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثا) ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى اشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم (مرتين) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ (مرتين) فما أوذي بعدها

أخرجه البخاري والطحاوي في (المشكل) عنه

ومنها عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره حتى أخذ ثوبه فقال: (ارفع إزارك) قال فكشف الرجل عن ركبتيه فقال: يا رسول الله إني أحنف (الحنف: إقبال القدم بأصابعها على القدم الأخرى)(وتصطك ركبتاي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل خلق الله عز وجل حسن) قال: ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات

أخرجه أحمد قال: ثنا روح: ثنا زكريا بن إسحاق: ثنا إبراهيم بن ميسرة: أنه سمع عمرو بن الشريد به

وأخرجه الطحاوي في (المشكل): ثنا أبو أمية: ثنا روح بن عبادة به

ص: 273

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين

(فائدة): واسم الرجل صاحب الإزار عمرو بن زرارة كما في رواية للطبراني من حديث أبي أمامة. رواه بأسانيد عنه ورجال أحدها ثقات كما في (المجمع)

ورواه أحمد عن عمرو هذا نفسه لكن سماه عمرو بن فلان الأنصاري

وإسناده صحيح رجاله رجال الستة غير الوليد بن سلمان وهو ثقة كما في (التقريب) وقال الهيثمي:

(ورجاله ثقات)

وفي الباب عن علي بن أبي طالب أن حمزة رضي الله عنه صعد النظر إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر إلى سرته ويأتي بتمامه قريبا إن شاء الله تعالى

وفي هذه الأحاديث: أن الركبة ليست بعورة وذلك لأمرين:

الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كشفها بدون ضرورة

وقول الشوكاني: (إن الاحتجاج بالحديث أن الركبة ليست بعورة لا يتم لأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء وأيضا تغطيتها من عثمان مشعر بأنها عورة وإن أمكن تعليل التغطية بغير ذلك فغاية الأمر الاحتمال) مردود

ص: 274

أما أولا: فلأن الحديث ينص على أنه عليه الصلاة والسلام كان قاعدا في مكان فيه ماء فكشف عن ركبتيه. وهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا مدليا رجليه في الماء وعليه فأي عذر في الكشف عن الركبتين فيما لو كانتا من العورة أليس كان باستطاعة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتفي بإدلاء الساقين دون الكشف عن العورة؟

ويدلك على المعنى الذي ذهبت إليه أن الإمام أحمد أخرج الحديث من طريق أخرى عن أبي موسى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط بالمدينة على قف البئر (أي: الدكة التي تجعل حولها) مدليا رجليه فدق الباب أبو بكر. . . الحديث

ورواه مسلم نحوه من طريق ثالثة بلفظ: وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر

ولا تعارض بين هذه الرواية وبين رواية البخاري المصرح بالكشف عن الركبة لأنها تتضمن الزيادة من ثقة وهي مقبولة اتفاقا كما أنه لا تعارض بين رواية البخاري هذه وبين رواية عائشة وغيرها المصرحة بالكشف عن الفخذ للسبب نفسه وهذا على اعتبار أن القصة واحدة وأما إذا كانت متعددة فلا إشكال

وأما ثانيا: فلأن تغطيتها عن عثمان إنما هي معاملة منه صلى الله عليه وسلم خاصة به رضي الله عنه لشدة حيائه كما غطى صلى الله عليه وسلم منه فخذيه كما سبق وذلك لا يدل مطلقا على أنه إنما غطاها لأنها عورة كيف ذلك وقد كشفها عليه الصلاة والسلام أمام غير عثمان كما هو صريح حديث عائشة وغيرها وكما هو الظاهر

ص: 275

من حديث أبي موسى هذا فإنه يروي القصة شاهد عيان أعني أنه عليه السلام لم يغطها من أبي موسى كما غطاها من عثمان. هذا ما ظهر من التعقيب على كلام الشوكاني

ولو افترضنا أن كلامه صحيح فالدليل على أن الركبة ليست بعورة هو الأمر الثاني: وهو كشف أبي بكر عن ركبتيه وكذلك عمرو بن زرارة بحضرته عليه السلام ولم ينكر عليهما ولو كان عورة لأنكر ذلك صلى الله عليه وسلم كما أنكر على جرهد الاسلمي حين مر عليه وقد انكشف فخذه فقال: صلى الله عليه وسلم: (غط فخذك فإن الفخذ عورة) لو صح الحديث ولم يصح كما سبق بيانه ذلك مفصلا فدل سكوته عليه السلام على ذلك أن الركبة ليست بعورة ولذلك قال الحافظ في شرح حديث أبي الدرداء:

(وفيه أن الركبة ليست عورة)

وهناك دليل ثالث: وهو أن حمزة رضي الله عنه صعد النظر إلى ركبة النبي صلى الله عليه وسلم. ففيه - علاوة عن كشفه عليه السلام نظر غيره إلى ركبته ولو كانت عورة لما أطلق حمزة ولا غيره على النظر إليها كما قال ابن حزم مثله في السرة على ما يأتي

فالحق أن هذه قائمة علىأن الركبة ليست بعورة وبهذا قال الشافعي قال النووي:

(وهو المشهور من مذهبنا وبه قال مالك وطائفة ورواية عن أحمد وقال أبو حنيفة وعطاء: إنها عورة)

ص: 276

وهذا قول ضعيف مخالف لتلك الأحاديث الصحيحة

وقد عارضها الطحاوي بما أخرجه في (المشكل) قال: ثنا علي ابن أبي شيبة: ثنا يزيد بن هارون: ثنا حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي: سمعت أبا موسى الأشعري يقول:

لا أعرفن أحدا نظر من جارية إلا ما فوق سرتها وأسفل من ركبتها لا أعرفن أحدا فعله إلا عاقبته (1)

قال أبو جعفر:

(فجاز بما قد ذكرنا أن يضاد بهذا الحديث الأحاديث التي ذكرناها قبله المخالفة له)

وأشار بقوله: (بما قد ذكرنا) إلى كلامه الذي قدم به لهذا الحديث وهو قوله:

(ووجدنا أبا موسى الأشعري قد روي عنه من كلامه كلام قد خلطه بوعيد لمن خالفه ممن لا يجوز أن يكون قاله رأيا لأن الوعيد لا يكون فيما قد قيل بالرأي مما قد يجوز لغير قائله أن يقول بخلاف ما قد خالف هذا المعنى)

وهذا كما ترى فإنه يزعم أن الحديث وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع لما فيه من الوعيد الذي لا يقال - بزعمه - بالرأي المجرد. وهذا غير لازم في الأحكام بل يجوز الوعيد على أمر وصل إليه المرء باجتهاده وإن كان قد يحتمل أن يكون فيه مخطئا

(1) انظر تعليق الشيخ رحمه الله على هذا الأثر بعد صفحتين. (الناشر)

ص: 277

وبالجملة فالاحتجاج بهذا الحديث على أن الركبة عورة لا يصح لأمور:

أولا: أنه موقوف

ثانيا: أنه معارض لما هو أصح منه

ثالثا: أنه وارد في الأمة فهو أخص من الدعوة. وقد اختلفوا في عورة الأمة على أقوال كثيرة ربما يأتي ذكرها أصحها دليلا أنها كالحرة لا فرق بينهما

وإن صنيع الطحاوي هذا في قياس الرجل الحر وغيره على الأمة في أن الركبة عورة يشبه تماما قياس النووي الرجل أيضا على المرأة في بطلان صلاة مكشوف العورة وقد سبق الرد عليه بما فيه كفاية

ولعله لم يعرج صاحب (الهداية) وغيره من الفقهاء على حديث أبي موسى لما فيه من الأمور التي ذكرنا وإنما احتجوا بحديث: (الركبة عورة). وهذا لو صح لكان دليلا واضحا لهم ولكنه لا يصح بل هو متفق على ضعفه فقد أخرجه الدارقطني من طريق النضر بن منصور الفزاري: أنا أبو الجنوب - واسمه عقبة بن علقمة - قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول. . . فذكر مرفوعا. قال الزيلعي في (نصب الراية):

(قال شيخنا الذهبي في (ميزانه): النضر بن منصور واه قال ابن حبان: لا يحتج به. وعقبة بن علقمة هذا ضعفه الدارقطني وأبو حاتم الرازي وأعاده المصنف في (الكراهية) عن أبي هريرة ولم نجده عنه. وفي (الإمام) قال أبو حاتم الرازي: عقبة ضعيف الحديث والنضر بن منصور مجهول)

ص: 278

وقال الزيلعي أيضا في تخريج أحاديث الكراهية

(قلت: غريب من حديث أبي هريرة وتقدم من حديث علي عند الدارقطني وفيه ضعف)

وقد فاتنا أن نتكلم على إسناد حديث أبي موسى فنقول: إن رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير علي بن شيبة وحكيم الأثرم

أما الأول فهو علي بن شيبة بن الصلت بن عصفور أبو الحسن السدوسي مولاهم وهو أو يعقوب بن شيبة بصري سكن بغداد مدة ثم انتقل إلى مصر فسكنها روى عنه عبد العزيز بن أحمد الغافقي وغيره من المصريين أحاديث مستقيمة توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين. كذا في تاريخ بغداد بتصرف

وأما الآخر فقال النسائي:

(ليس به بأس) وذكره ابن حبان في (الثقات) وفي (التقريب):

(فيه لين)

(وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديث له يقول فيه: فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه ثم صعد النظر فنظر إلى سرته. . . الحديث)

أخرجه البخاري ومسلم وعنه ابن حزم والطحاوي في

ص: 279

(المشكل) يونس عن الزهري قال: أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي عليهما السلام: أخبره أن عليا قال:

كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه الصواغين وأستعين به في وليمة عرس فبينا أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار رجعت حين جمعت ما جمعت فإذا شارفاي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما فقلت: من فعل هذا؟ فقال: فعل حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي صلى الله عليه وسلم في وجهي الذي لقيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مالك؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستاذن فأذنوا لهم فإذا هم شرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه ثم صعد النظر فنظر إلى سرته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: هل أنتم إلا

ص: 280

عبيد لأبي فعرف

فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى وخرجنا معه

وهذا لفظ البخاري

والحديث واضح الدلالة على أن السرة ليست بعورة ذلك لأن الرسول كشفها ولأن غيره نظره إليها. قال ابن حزم:

(فلو كانت السرة عورة لما أطلق الله حمزة ولا غيره على النظر إليها)

وقد ذهب إلى أن السرة ليست بعورة: أبو حنيفة والشافعي وهو المشهور من مذهب أصحابه. وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك. وفيه نظر

وفي الباب أحاديث أخرى:

منها عن عمير بن إسحاق قال:

كنت مع الحسين بن علي فلقيه أبو هريرة فقال: ادن مني حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله يقبله منك فرفع ثوبه فقبل سرته

أخرجه الطحاوي في (المشكل) من طريق عثمان بن عمر والبيهقي عن يحيى بن يحيى: أنبأ أزهر السمان وأحمد عن إسماعيل وعن محمد بن أبي عدي وابن أبي شيبة في (مسنده) ومن طريقه ابن حبان في (صحيحه) كما في نصب الراية) عن شريك أربعتهم عن ابن عوف عنه به والسياق للأول منهم

ص: 281

وخالف في لفظه إسماعيل فرواه بلفظ:

اكشف عن بطنك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منه قال: فكشف عن بطنه فقبله

ولعله لا اختلاف بين رواية إسماعيل هذه وبين رواية الآخرين لأن هذه مجملة والأخرى مفصلة والمفصل يقضي على المجمل ويشير إلى ذلك رواية إسماعيل: رأيت رسول الله يقبل منه. فقد بينت الرواية الأخرى أن موضع التقبيل هي السرة

وإسنادالحديث حسن رجاله ثقات رجال الستة غير عمير هذا قال في (الميزان): وثق ما حدث عنه سوى ابن عوف وقال يحيى بن معين:

(لا يساوي حديثه شيئا لكن يكتب حديثه)

هذه رواية عباس عنه وأما عثمان فروى عن يحيى أنه ثقة. قال النسائي وغيره:

(ليس به بأس). روى عن المقداد بن الأسود وعمرو بن العاص وجماعة

هذا وخولف فيه يحيى بن يحيى عن أزهر فرواه الخضر بن أبان الهاشمي: ثنا أزهر بن سعد السمان: ثنا ابن عون عن محمد عن أبي هريرة نحو رواية إسماعيل

أخرجه الحاكم: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: ثنا الخضر ابن أبان الهاشمي به. وقال:

ص: 282

(صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي

وهذا مما يتعجب منه فإن الخضر بن أبان مع كونه ليس من شيوخ الشيخين ولا من رجالهما فهو ضعيف ضعفه الحاكم والذهبي كلاهما فقد قال في ترجمته من (الميزان):

(ضعفه الحاكم وغيره وهو كوفي من موالي بني هاشم وسمع أزهر السمان. . . وتكلم فيه الدارقطني)

فالصواب رواية يحيى بن يحيى عن أزهر عن ابن عوف عن عمير كما هي رواية الجمهور عن ابن عون

ويحيى هذا هو النيسابوري ثقة حافظ

إلا أنه قد تابع الخضر بن أبان عن أزهر بن سعد السمان عن ابن عون عن محمد أبو سلمة - وهو موسى بن إسماعيل - قال: ثنا حماد بن سلمة: أنبأ ابن عون عن محمد - هو ابن سيرين - به لفظ: فقبل سرته

أخرجه البيهقي ثم قال: كذا قال عن حماد وقال غيره عن حماد وعن ابن عون عن أبي محمد وهو عمبر بن إسحاق

ومنها عن أبي محذورة في حديث الأذان:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه ثم بين ثدييه ثم على يده ثم بلغت يد رسول الله إلى سرة أبي محذورة

ص: 283

أخرجه الطحاوي في (المشكل) وكذا ابن ماجه والدارقطني وأحمد من طريق ابن جريج: أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره عنه. وقد أخرجوه مطولا وكذا النسائي إلا أنه ليس عنده محل الشاهد منه وقد سبق لفظه في المسألة الرابعة من الأذان

وعبد العزيز هذا مقبول

(ملاحظة: إن الشيخ

رحمه الله

تراجع عن اختياره المذكور

في شأن العورة. راجع مثلا تمام المنة. . . .)

(3 - غير أنه ينبغي له في الصلاة قدر زائد على ستر العورة لعموم قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}

قال شيخ الإسلام في الاختيارات (4/ 24)

(والله تعالى أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة فقال (خذوا زينتكم عند كل مسجد) فعلق الأمر باسم الزينة لا بستر العورة إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة)

قال تلميذه الحافظ ابن كثير في تفسير الآية المذكورة:

(ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك. ومن أفضل اللباس البياض. ثم ذكر الحديث الوارد في الأمر بالبياض من الثياب ولعله يأتي) ثم قال:

(وروى الطبراني بسند صحيح عن قتادة عن محمد بن سيرين أن تميما

ص: 284

الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه)

(وقد أكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وبينه فنهى أن يصلي الرجل في سراويل وليس عليه رداء)

وهذا الحديث أخرجه أبو داود والطحاوي والحاكم وعنه البيهقي عن أبي المنيب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:

(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في لحاف لا يتوشح به ونهى أن يصلي الرجل في سراويل. . .) إلخ

وهذا إسناد حسن وأما قول الحاكم - وكذا الذهبي - إنه:

(صحيح على شرط الشيخين)

فمن أوهامهما فإن أبا المنيب هذا - واسمه عبيد الله بن عبد الله العتكي - ليس من رجال الشيخين ثم هو متكلم فيه قال الذهبي في (الميزان):

(وثقه ابن معين وغيره قال البخاري: عنده مناكير فأخذ أبو حاتم ينكر على البخاري لذكره أبا المنيب في الضعفاء وقال: هو صالح الحديث وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات وقال النسائي: ضعيف. قال ابن عدي: وعندي لا بأس به)

قلت: ويتلخص عندي من مجموع أقوالهم فيه أنه حسن الحديث ما لم ينكر أو يخالف وفي التقريب أنه:

ص: 285

(صدوق يخطئ)

(الرداء): قال في (النهاية):

(هو الثوب أو البرد الذي يضعه الإنسان على عاتقيه وبين كتفيه فوق ثيابه)

وفي (المنجد):

(الرداء: ما يلبس فوق الثياب كالعباءة والجبة)

(وذلك لما فيه من ترك التزين المأمور به كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق أن يتزين له. . .) الحديث)

وتمام الحديث: (فإن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود)

وهو من حديث ابن عمر رضي الله عنه

أخرجه الطحاوي في (شرح المعاني) من طريق حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن نافع عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأخرجه البيهقي من طريق أنس بن عياش عن موسى به إلا أنه قال: ولا يرى نافع إلا أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. .!. . فذكره

وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة

ثم أخرجه الطحاوي وأحمد من طريق ابن جريج قال: أخبرني

ص: 286

نافع أن ابن عمر كساه وهو غلام فدخل المسجد فوجده يصلي موشحا فقال: أليس لك ثوبان قال: بلى قال: أرأيت لو استعنت بك وراء الدار أكنت لابسهما؟ قال: نعم قال: فالله أحق أن تزين له أم الناس؟ قال نافع: بل الله فأخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن عمر رضي الله عنه قال نافع: قد استيقنت أنه عن أحدهما وما أراه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(لا يشتمل أحدكم في الصلاة اشتمال اليهود من كان له ثوبان فليتزر وليرتد ومن لم يكن له ثوبان فليتزر ثم ليصل)

ثم رواه من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال: ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع. . . فذكر بإسناده مثله سواء

قلت: وكذلك أخرجه البيهقي من طريق يوسف بن يعقوب القاضي: ثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد به دون قوله: قال نافع: قال استيقنت أنه عن أحدهما وما أراه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكذا رواه أبو داود: ثنا سليمان بن حرب به بدون القصة. وقال النووي في (المجموع):

(إسناده صحيح) وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الاقتضاء)

ثم أخرجه البيهقي من طريق أبي الربيع: ثنا حماد بن زيد به بلفظ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: قال عمر وأكثر ظني أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 287

وأخرجه أحمد عن ابن إسحاق: ثني نافعا به نحوه موقوفا وفيه: قال نافع: ولو قلت لك أنه أسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجوت أن لا أكون كذبت. وهذا سند جيد

وهذا يبين أن التردد الواقع في رفعه ووقفه إنما هو من نافع نفسه ولكنه في الوقت نفسه يترجح عنده أن يكون مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه لذلك جزم بعض الرواة عنه برفعه كما في الرواية الأولى عن حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة

وكذلك جزم برفعه عن نافع توبة العنبري بلفظ: (إذا صلى أحدكم فليأتزر وليرتد)

أخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق عبيد الله بن معاذ قال: ثني أبي قال: ثني شعبة عن توبة العنبري به

وهذا سند صحيح على شرط الشيخين

(فإن لم يكن له إلا في ثوب واحد فعليه أن يستر به منكبيه أيضا بأن يخالف بين طرفي الثوب لقوله عليه الصلاة والسلام:

(إذا صلى أحدكم في ثوب واحد

فليخالف بين طرفيه (على عاتقيه) وفي لفظ:

(لايصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) هذا الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وله عنه ثلاثة طرق:

ص: 288

الأولى: عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عنه باللفظ الأول

أخرجه البخاري وأبو داود والبيهقي وأحمد واللفظ له من طرق عن يحيى. والزيادة عند الجميع خلا البخاري وهي في (مستخرج الإسماعيلي) وأبي نعيم كما في (فتح الباري)

الثانية: عن عبد الله بن عياش عن ابن هرمز عنه

أخرجه الطحاوي

الثالثة: عن أبي الزناد عن الأعرج عنه باللفظ الثاني

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وكذا النسائي والدارمي والطحاوي والبيهقي من طرق عنه. ولفظ الدارمي والبيهقي: (لا يصلين): زيادة نون التأكيد

وكذلك أخرجه الشافعي في (الأم) من طريق مالك وكذا رواه الداقطني في (غرائب مالك) عن عبد الوهاب بن عطاء عنه كما في (الفتح)

(وصورة المخالفة المذكورة أن يأخذ طرف ثوبه تحت يده اليمنى ويضعه على كتفه اليسرى ويأخذ الطرف الآخر تحت يده اليسرى ويضعه على كتفه اليمنى ثم يعقدهما على صدره)

ذكره في تنوير الحوالك شرح موطأ مالك) عن الباجي دون العقد. وأما العقد فذكره النووي عن ابن السكيت. ثم قال الباجي:

(وهذا نوع من الاشتمال يسمى التوشيخ ويسمى الاضطباع وهو مباح

ص: 289

في الصلاة وغيرها لأنه لا يمكن إخراج يده للسجود وغيره دون كشف عورته)

(وهذا إذا كان الثوب واسعا وأما إذا كان ضيقا فيكفيه أن يأتزر به بأن يشده على وسطه لقوله عليه السلام: (إذا صليت وعليك ثوب واحد فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به)

وهذا الحديث من رواية جابر رضي الله عنه وله عنه أربعة طرق:

الأولى: عن فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث قال:

دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد ملتفا به ورداؤه قريب لو تناوله بلغه فلما سلم سألناه عن ذلك فقال: إنما أفعل هذا ليراني الحمقى أمثالكم فيفشوا على جابر رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال جابر:

خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فجئته ليلة وهو يصلي في ثوب واحد وعلي ثوب واحد فاشتملت به ثم قمت إلى جنبه قال:

(جابر ما هذا الاشتمال؟ إذا صليت. . .) الحديث

أخرجه البخاري والبيهقي وأحمد والسياق له. وفي رواية الآخرين التعريف بأنه عليه السلام قال ذلك بعد الانصراف من الصلاة

الثانية: عن حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد بن أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:

أتينا جابر بن عبد الله في مسجده وهو يصلي. . . . فذكره نحوه. ولفظ المرفوع:

ص: 290

(إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك)

أخرجه مسلم في حديثه الطويل وأبو داود والحاكم والبيهقي وقال الحاكم:

(صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي

فوهما في الاستدراك على مسلم

الثالثة: عن شرحبيل بن سعد:

أنه دخل على جابر وهو يصلي. . . الحديث نحوه

أخرجه أحمد والطحاوي في (شرح المعاني) المرفوع منه فقط ورجاله ثقات رجال الشيخين غير شرحبيل هذا وهو صدوق لكنه اختلط بآخره كما في (التقريب)

الرابعة: عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير: قال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من صلى في ثوب واحد فليتعطف به)

أخرجه أحمد والطحاوي أيضا

ورجاله كلهم رجال مسلم غير أن ابن جريج وأبا الزبير مدلسان

والحديث نص واضح في وجوب الالتحاف إذا كان الثوب واسعا وعليه يحمل حديث أبي هريرة المطلق ويؤيد الوجوب نهيه عليه السلام عن ترك ذلك والنهي يفيد التحريم. وقد ذهب إلى هذا الذي ذكرنا جماعة من

ص: 291

السلف رضي الله عنهم ومنهم الإمام أحمد والمشهور عنه أنه لو صلى مشكوف العاتق مع القدرة على السترة لم تصح صلاته فجعله شرطا وهو مذهب ابن حزم في (المحلى)

وفي رواية عن أحمد: أنه تصح صلاته ولكنه يأثم بتركه. وهوالحق إن شاء الله

وذهب الجمهور - مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم - إلى أن النهي للتنزيه والأمر للاستحباب فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه منه شيئ صحت صلاته مع الكراهة سواء قدر على شيء يجعله على عاتقه أم لا. قال النووي في (شرح مسلم):

(وحجة الجمهور. . .) وفي (المجموع):

(دليلنا حديث جابر في قوله صلى الله عليه وسلم: (فاتزر به) هكذا احتج به الشافعي في (الأم) واحتج به الأصحاب وغيرهم والله أعلم)

قلت: وهذا ما لا ينقضي العجب منه فإن أمره عليه السلام بالاتزار إنما هو إذا كان الثوب ضيقا كما هو منطوق الحديث بينما الجمهور يقولون بالاتزار ولو كان الثوب واسعا فكيف جاز للنووي ومن سبقه الأخذ بمجرد الأمر بالاتزار بدون التفات إلىالشرط الذي قيده به النبي صلى الله عليه وسلم

فالحق أن الحديث دليل قاطع لمذهب أحمد وغيره وهو التفريق ين الثوب الواسع والضيق فيجب الالتحاف في الأول دون الآخر وإلى هذا مال البخاري

ص: 292

كما يدل عليه تصرفه في (صحيحه) كما في (الفتح) للحافظ ثم قال:

(وهو اختيار ابن المنذر وتقي الدين السبكي من الشافعية)

وإليه مال المحقق الشوكاني

وأما بطلان الصلاة بترك الالتحاف فغير ظاهر من الحديث. والله أعلم

وهنا مسألة وهي: هل يجب على من كان عليه إزار ضيق لا يمكنه الالتحاف به أن يلبس أوسع منه أو يلبس رداء فوقه إذا كان عنده يستر به القسم الأعلى من بدنه؟

الظاهر عندي: نعم يجب عليه ذلك خلافا لابن حزم حيث قال في (المحلى):

(فإن كان ضيقا اتزر به وأجزأه كان معه ثياب غيره أو لم يكن)

قلت: وهذا جمود منه على ظاهر الحديث بدون أن يلاحظ المعنى المقصود منه وهو ستر البدن وقد أكد عليه السلام هذا المعنى بنهيه أن يصلي الرجل في سراويل ليس عليه رداء كما سبق. والله أعلم

وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد فإنما صلى ملتحفا به كا صرح بذلك جمع من الصحابة منهم عمرو بن أبي سلمة وأم هانئ وجابر بن عبد الله عند الشيخين وغيرهم وأبو سعيد الخدري عند مسلم وأنس عندالطحاوي وكيسان عند ابن ماجه وغير هؤلاء كثير وقد خرجت أحاديثهم في كتابنا: (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)

ص: 293

وقد استدل بهذه الأحاديث على جواز الصلاة في الثوب الواحد قال النووي:

(لا خلاف في ذلك إلا ما حكي عن ابن مسعود رضي الله عنه فيه ولا أعلم صحته)

قلت: وكأنه يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال:

لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض

أورده الحافظ في (الفتح) وسكت عليه

ولعل قول ابن مسعود هذا محمول على ما إذا كان عنده ثوب آخر بدليل حديثه الآخر وهو ما أخرجه عبد الله بن أحمد في (زوائد المسند) من طريقين عن أبي مسعود الجريري عن أبي نضرة بن بقية قال: قال أبي بن كعب:

الصلاة في الثوب الواحد سنة كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعاب علينا فقال ابن مسعود:

إنما كان ذاك إذا كان في الثياب قلة فأما إذا وسع الله فالصلاة في الثوبين أزكى

ورجاله ثقات رجال مسلم. لكن قال في (مجمع الزوائد):

(وأبو نضرة لم يسمع من أبي ولا من ابن مسعود)

ص: 294

قلت: قد وصله البيهقي من طريق يزيد بن هارون: أنبأ داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال:

اختلف أبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب واحد. . الحديث بنحوه

وهذا سند صحيح

قال البيهقي:

(وهذا يدل على أن الذي أمر به ابن مسعود في الصلاة في ثوبين استحباب لا إيجاب)

وكون الصلاة في الثوبين أزكى وأفضل مجمع عليه كما ذكره النووي في (شرح مسلم). ويدل لذلك الأمر بالارتداء والاتزار كما سبق

وبالجملة فحمل الاتفاق الذي ادعاه النووي إنما هو في الثوب الواحد الذي يمكن به ستر أعلى البدن وإلا فقد علمت مذهب أحمد وغيره في وجوب الستر. والله أعلم

(4 - هذا ويجب على من صلى في قميص له جيب واسع وليس ثمة غيره أن يزره ولو بشوكة خشية أن يرى عورته منه. . . قال سلمة بن الأكوع: قلت: يا رسول الله إني أكون في الصيد فاصلي وليس علي إلا قميص واحد؟ قال: (فزره وإن لم تجد إلا شوكة). وفي لفظ: (زره ولو بشوكة)

أخرجه الإمام أحمد: ثنا هاشم بن القاسم قال: ثنا عطاف عن

ص: 295

موسى بن إبراهيم بن أبي ربيعة قال: سمعت سلمة بن الأكوع قال. . . فذكره

ثم أخرجه أحمد عن حماد بن خالد والنسائي عن قتيبة كلاهما عن عطاف بن خالد به

وقد توبع مع عطاف عليه

أخرجه أبو داود والطحاوي والحاكم والبيهقي من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي: ثنا موسى بن إبراهيم به باللفظ الثاني

وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحيهما) كما في (الفتح) و (التهذيب)

وأخرجه الشافعي في (الأم) من الطريقين فقال: أخبرنا العطاف بن خالد وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن موسى به

وهذا سند حسن كما قال النووي في (المجموع) فقد رواه ثقتان عن موسى بن إبراهيم وقد قال فيه ابن المديني:

(وسط)

وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحاكم:

(حديث صحيح) ووافقه الذهبي

وأما البخاري فقال في (صحيحه):

(في إسناده نظر)

ص: 296

والسبب في ذلك أن البخاري رواه في (تاريخه) من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة. فزاد في الإسناد رجلا. قال الحافظ:

(فاحتمل أن يكون من المزيد في متصل الأسانيد أو يكون التصريح في رواية عطاف وهما فهذا وجه النظر في إسناده. وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها)

قلت: وقد صرح موسى بن إبراهيم بسماعه من سلمة في رواية الدراوردي أيضا عنه عند الحاكم. بخلاف رواية الطحاوي فإنها عنده عن الدراوردي عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة

وموسى بن محمد هذا هو موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي أبو محمد المدني وهو غير موسى بن إبراهيم فهو موسى بن إبراهيم ذاك ضعيف)

فرواه الطحاوي رواية شاذة رواها من طريق ابن أبي قبيلة عن الدراوردي

وابن أبي قبيلة هذا لم أعرفه الآن

وله شاهد مرسل ومنطقع قال البيهقي بعد أن ساق الحديث:

(وروى عبد الله بن المبارك عن ابن جريج قال: حدثت عن يحيى بن أبي كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل في قميص محلولة أزراره مخالفة أن

ص: 297

يرى فرجه إذا ركع حتى يزره) قال يحيى: (إذا لم يكن عليه إزار). قال البيهقي:

(وهذا وإن كان منقطعا فهو موافق للموصول قبله)

وفي معناه حديث أبي هريرة:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم

أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد عن شعبة عن يزيد بن خمير قال: سمعت مولى لقريش يقول: سمعت أبا هريرة يحدث معاوية به

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير مولى قريش فلم يسم

(تنبيه): عزا صاحب (المنتقى) حديث أبي هريرة هذا إلى أحمد وأبي داود فقال شارحه الشوكاني:

(هذا الحديث وقع البحث عنه في (سنن أبي داود) و (مسند أحمد) والجامع الكبير) و (مجمع الزوائد) فلم يوجد بهذا اللفظ فينظر في نسبة المصنف له إلى أحمد وأبي داود)

قلت: وهذا عجيب منه فهو في (المسند) في ثلاثة مواضع منه كما بينا لك أرقام الصفحات فكيف لم يقف عليه مع بحثه عنه فيه؟ وأما أبو داود فهو معذور في عدم عثوره عليه عنده لأنه رواه في مكان غير مظنون وجوده فيه وهو كتاب البيوع وهو قطعة من حديث عنده

ص: 298

وفي الحديث دلالة على أنه لا يجوز للمصلي أن يتساهل في سترة العورة بل عليه أن يحتاط لئلا يراها أو يراها غيره منه

واختلف العلماء في المصلي يصلي في قميص واسع الجيب بحيث يرى عورته منه فذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الصلاة باطلة لا تجزئه وهو نص الإمام في (الأم) وعند أبي حنيفة ومالك: تصح صلاته كما لو رآها غيره من أسفل ذيله. ذكره في (المجموع)

(5 - وأما المرأة فكلها عورة إلا وجهها وكفيها

وأما كونها عورة فلقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} إلى قوله: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} الآية [31 سورة النور])

قال ابن حزم في (المحلى):

(فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك. وقوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه)

وفي قوله: وفيه نص على إباحة كشف الوجه) نظر لأن العلماء اختلفوا في المراد من قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} . قال الحافظ ابن كثير:

(أي: لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه. قال ابن

ص: 299

مسعود: كالرداء والثياب. يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤها ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه وقال بقول ابن مسعود: الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم. وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: وجهها وكفيها والخاتم. وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك. وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها كما قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله قال في قوله: {ولا يبدين زينتهن} : الزينة: القرط والدملوج والخلخال والقلادة. قال الحافظ: ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في (سننه): ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا: ثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا) - وأشار إلى وجهه وكفيه -. لكن قال أبو داود وأبو حاتم: هو مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها

قلت: وكل هذه الآثار والأقوال أو جلها ذكرها ابن جريج بأسانيدها في

ص: 300

(التفسير) ثم اختار قول ابن عباس ومن تابعه فقال:

(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من عنى بذلك الوجه والكفين ويدخل في ذلك - إن كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال لإجماع الجميع أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها إلى قدر النصف. فإذ كان كذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استنثاه الله تعالى ذكره بقوله: {إلا ما ظهر منها} لأن كل ذلك ظاهر منها)

ومال إلى هذا القول القرطبي أيضا فإنه ذكر في (تفسيره) قول ابن عطية:

(ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف (ما ظهر) على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه). فقال القرطبي:

(قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء

ص: 301

راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها. . .) ثم ذكر الحديث السابق عند ابن كثير. ثم قال:

(فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها)

واعلم أن العلماء اتفقوا كما في (مراتب الإجماع) على أن شعر الحرة وجسمها - حاشا وجهها ويدها - عورة. واختلفوا في الوجه اليدين حتى أظفارهما: أعورة هي أم لا؟

وقد ظهر لك من تفسير الآية الكريمة أنها تدل دلالة دقيقة على أن الوجه والكفين منها ليس بعورة وذلك ما دلت عليه السنة كما يأتي

(وقوله صلى الله عليه وسلم: (المراة عورة)

وهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتمامه: (فإذا خرجت استشرفها الشيطان)

أخرجه الترمذي من طريق همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عنه. وقال:

(حديث حسن). وفي نسخة:

(حسن صحيح)(1)

(1) وكذا في نقل العراقي في التخريج (2/ 53)

ص: 302

قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. قال المناوي في (فيض القدير):

(ورواه عنه باللفظ المذكور الطبراني وزاد: (وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها) قال الهيثمي: رجاله موثقون. ورواه أيضا ابن حبان عنه)

قلت: وبالزيادة المذكورة أخرجه الخطيب في (تاريخه) من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي الأحوص به فاسقط من الإسناد مورقا

(وأما أن وجهها وكفيها ليسا بعورة فلقوله في الآية السابقة: {إلا ما ظهر منها} على قول ابن عباس وغيره: إن المراد الوجه والكفان. ويشهد لذلك من السنة:

(1)

عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس [قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط] فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه] فأنزل الله تعالى: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} [الحجر / 24]

أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير كما سبق. وروى نحوه الطحاوي في (شرح المعاني) والبيهقي في (سننه) عن سعيد بن جبير عنه

ثم رواه البيهقي من طريق عكرمة عنه ثم قال: وروينا عن أنس بن مالك مثل هذا

ص: 303

ثم روى بإسناد عن عقبة بن الاصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنه قالت: {ما ظهر منها} : الوجه والكفان

لكن عقبة بن الأصم ضعيف

ثم قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر أنه قال: الزينة الظاهرة: الوجه والكفان. وروينا معناه عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وهو قول الأوزاعي

وقال ابن حزم:

(وقد روينا عن ابن عباس في {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الكف والخاتم والوجه. وعن ابن عمر: الوجه والكفان. وعن أنس: الكف والخاتم. وكل هذا عنهم في غاية الصحة وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين)

ثم روى البيهقي حديث عائشة مرفوعا:

(إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا - وأشار إلى قول البيهقي:

(مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا) والله تعالى أعلم

ص: 304

وأما حديث ابن عباس فهو حديث جيد. رواه نوح بن قيس الحداني عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عنه

وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك وهو ثقة كما قال في (الميزان)

أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم والطيالسي وأحمد وابن جرير في (تفسيره) والطبري في (الكبير) من طرق عنه. والزيادة والأول عند ابن جرير والأخرى عن الحاكم وقال:

(صحيح الإسناد). وقال عمرو بن علي:

(لم يتكلم أحد في نوح بن قيس الطاحي بحجة)

قال الذهبي في (التلخيص):

(قلت: هو صدوق خرج له مسلم) وأما الترمذي فأعله بقوله:

(وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح)

قلت: رواية جعفر هذه أخرجها ابن جرير من طريق عبد الرزاق عنه مسندة عن أبي الجوزاء قال في قول الله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} . قال المستقدمين منكم في الصلاة والمستأخرين

ص: 305

قلت: وهذه الرواية المرسلة والموقوفة لا تعلل عندي الرواية الاولى الموصولة المرفوعة لأن مع راويها زيادة علم وقبولها واجب كما تقرر في المصطلح. وأيضا فإن الرواية المرسلة لفظها يدل على أنها رواية مستقلة عن الرواية المرفوعة لأنها مختصرة جدا

والظاهر أن أبا الجوزاء كان إذا روى الحديث مرفوعا رواه بتمامه في سبب نزول الآية وإذا ذكر الآية مفسرا لها رواه مختصرا غير رافعه ولا مسنده إلى ابن عباس وإن كان هو في الأصل قد أخذه عنه. فظهر بهذا أن الرواية المرسلة لا تعل الرواية الموصولة. والله أعلم

وأما قول الحافظ ابن كثير في (تفسيره):

(وهذا الحديث فيه نكارة شديدة) فغير مسلم لأن ذلك البعض الذي كان ينظر من تحت إبطه جاز أن يكون من المنافقين أو من جهلة الأعراب وهذا واضح لا يخفى فلا نكارة ولا إشكال ولذلك لم نر أحدا ممن خرج الحديث أو ذكره وصفه بالنكارة الشديدة حتى ولا الحافظ الذهبي المعروف بنقده الدقيق للمتون بل صححه كما علمت وهو الذي يقول فيه ابن كثير في (تاريخه) وقد ذكر وفاته سنة:

(وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه رحمه الله

والحديث دليل على أن النساء كن يصلين وراء النبي صلى الله عليه وسلم مكشوفات الوجوه ويشهد لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: كن نساء المؤمنات يشهدن مع

ص: 306

النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس

أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مضى في المواقيت رقم (5) من الفجر. فإن مفهومه أنهن يعرفن لو لم يكن الغلس ولا يعرفن عادة إلا من الوجوه

ففيه دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة وهو إجماع كما يفيده كلام ابن جرير السابق في تفسير الآية وإذا كان الأمر كذلك فوجهها ليس بعورة خارجها من باب أولى لأن العلماء متفقون على أن الصلاة يطلب فيها ما لا يطلب خارجها فإذا ثبت في الشرع جواز أمر ما داخلها كان ذلك دليلا على جوازه خارجها كما لا يخفى على أنه قد جاء الدليل الصريح على أنه ليس بعورة خارج الصلاة أيضا وهو قولنا:

(2)

عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: (تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم) فقامت امراة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال:

(لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير)

قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن)

ص: 307

وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي والدارمي وأحمد من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ثنا عطاء عنه

قوله: (سطة). كذا هو عند مسلم ورواية الباقين: (سفلة). ولعل تلك الرواية محرفة أو مصحفة من هذه. قال النووي في (شرح مسلم):

(هكذا هو في النسخ (سطة) بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ: واسطة النساء. قال القاضي: معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال: وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه: من سفلة النساء. وكذا رواه ابن أبي شيبة في (مسنده) والنسائي في (سننه). وفي رواية لابن أبي شيبة: امرأة ليست من عليه النساء. وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده: سفعاء الخدين. هذا كلام القاضي. وهذا الذي أدعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. قال الجواهي وغيره من أهل اللغة: يقال: وسطت القوم أسطهم وسطأ وسطة أي: توسطتهم

قوله: (سفعاء الخدين) بفتح السني المهملة أي: فيها تغير وسواد) ا. هـ كلام النووي

وهذا الحديث يدل على أن النساء كن يحضرن الصلاة مكشوفات الوجوه ولذلك استطاع الرواي أن يصف بعضهن بأنها سفعاء الخدين

ص: 308

(3)

وعن ابن عباس أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [يوم النحر] والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . الحديث فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء [وتنظر إليه] فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل فحول وجهه من الشق الآخر. زاد غيره: فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)

الحديث أخرجه أحمد والنسائي وعنه ابن حزم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن ابن عباس أخبره به

وهذا سند صحيح على شرط الشيخين

وقد أخرجه البخاري من طريق شعيب عن الزهري به نحوه وفيه الزيادة الأولى

وكذلك أخرجه البيهقي. ورواه مالك في (الموطأ) عن ابن شهاب به نحوه وفيه الزيادة الثانية

وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي أيضا وكذا أحمد كلهم عن مالك به

ثم رواه النسائي وابن ماجه وأحمد من طرق أخرى عن الزهري نحوه وفيه الزيادة الأولى

ص: 309

وأما الزيادة الأخيرة فمن طريق غير ابن عباس فهي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه

أخرجه الترمذي وأحمد وابنه عبد الله في (زوائد المسند) من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي بن حسين بن علي عن أبيه علي ابن حسين عن عبيد الله بن رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه في حديث له في صفة الحج

وهذا سند جيد رجاله ثقات وقال الترمذي:

(حسن صحيح)

والحديث فيه دلالة واضحة على أن الوجه من المرأة ليس بعورة لأنه (لو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء) قاله بن حزم

فثبت بذلك كله أن وجهها ليس بعورة لا في الصلاة ولا خارجها وهو قول أكثر العلماء في (بداية المجتهد) وهو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم كما في (المجموع). واحتج بذلك بعض الفقهاء بالنظر أيضا وهو أن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة

ص: 310

(4)

عن عائشة رضي الله عنها:

أن هند بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني؟ [فنظر إلى يدها ف] قال:

(لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع)

وهذا حديث حسن أخرجه أبو داود في (السنن): ثنا مسلم بن إبراهيم: ثتني غبطة بنت عمرو المجاشيعة قالت: ثتني عمتي أم الحسن عن جدتها عنها

وهذا سند مسلسل بالمجهولات من النساء لكن قال الذهبي في (الميزان):

(فضل في النسوة المجهولات: وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها)

وله طريق آخر وشواهد يتقوى بها قال ابن أبي حاتم كما في (تفسير ابن كثير): ثنا نصر بن علي: ثتني أم عطية بنت سليمان: ثتني عمتي عن جدتي عن عائشة قالت:

جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال: (اذهبي فغيري يدك) فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال: (أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا) فبايعته وفي يدها سواران من ذهب فقالت ما تقول في هذين السوراين؟ فقال: (جزئين من نار جهنم)

سكت عليه ابن كثير وسنده كالذي قبله وأورده الهيثمي في (المجمع) بأتم منه ثم قال:

ص: 311

(رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفهن)

ومن شواهده:

(1)

عن ابن عباس أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه فقالت ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت

رواه البزار وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات كما في (المجمع)

(2)

عن مسلم بن عبد الرحمن قال:

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امراة كأن يدها رجل فابى أن يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة. قال الهيثمي:

(رواه الطبراني والبزار وفيه سميسة بنت نبهان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات)

قلت: كذا في الاصل (سميسة) بالسين المهملة ولعله بالمعجمة كما في (الاستيعاب) و (الإصابة) لكن وقع فيه بتقديم السين المهملة على المثناة التحتية والظاهر أنه تحريف أيضا

والحديث قال الحافظ:

(رواه أبو علي بن السكن والبخاري أيضا والطبراني من طريق عباد بن

ص: 312

كثير الرملي عن شمسية بنت نبهان عن مولاها مسلم بن عبد الرحمن به). ثم قال:

(قال ابن حبان: ما أرى حديثها محفوظا)

(3)

عن محمد بن إسحاق عن ابن ضمرة بن سعيد عن جدته عن امرأة من نسائهم وكانت قد صلت القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اختضبي تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد الرجل) قالت: فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى وإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين

أخرجه أحمد: ثنا يزيد بن هارون: أنا محمد بن إسحاق به. قال الهيثمي:

(رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم وابن إسحاق وهو مدلس)

قلت: ابن ضمرة بن سعيد أورده في (التعجيل) ثم قال:

(كذا وقع في نسخة وفي النسخ المعتمدة: محمد بن إسحاق عن ضمرة ابن سعيد ليس فيه (ابن) وهو الصواب)

قلت: وعليه فليس فيه من لا يعرف غير جدة ضمرة بن سعيد فإنها لم تسم وأما هو - أعني ضمرة بن سعيد - فثقة من رجال مسلم

(4)

عن السوداء قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقال: (اذهبي فاختضبي ثم تعالي حتى أبايعك). قال الهيثمي:

ص: 313

(رواه الطبراني في (الأوسط) و (الكبير) وفيه من لم أعرفه)

قلت: ورواه ابن سعد في (الطبقات) عن شيخيه عبد العزيز بن الخطاب وإسماعيل بن أبان الوراق كلاهما عن نائلة الكوفية مولاة أبي العيزار عن أم عاصم عنها

ونائلة هذه لم أجد من ذكرها وأم عاصم لعلها مولاة سلمة بن المحبق وهي مقبولة كما في (التقريب)

(5)

عن عائشة قالت: مدت امرأة من وراء الستار بيدها كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: (ما أدري أيد رجل أو يد امرأة) فقالت: بل امرأة فقال: (لو كنت امرأة غيرت أظفارك بالحناء)

أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي من طريق مطيع بن ميمون العنبري يكنى أبا سعيد قال: حدثتني صفية بنت عصمة عنها

وهذا سند لين

ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن كف المرأة ليس بعورة لأنه عليه السلام نظر إليه وأمر بخضبه ليكون ذلك فارقا من الفوارق بين الرجل والمراة وفي ذلك إقرار منه صلى الله عليه وسلم لكشفه من المرأة

وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه قيل له: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي

ص: 314

عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة فرأيتهن يهوين بأيديهن يقفنه في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته

أخرجه البخاري ومن طريقه ابن حزم وأبو داود وعنه البيهقي والنسائي من طريق سفيان الثوري قال: ثني عبد الرحمن بن عابس عنه

ولم يورد ابن حزم في الباب غيره قال:

(فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا عورة وما عداهما ففرض عليها ستره)

(6 - وإن صلت المرأة بغير خمار يغطي رأسها فصلاتها غير مقبولة لقوله عليه السلام: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)

الحديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأحمد عن حماد بن سلمة وابن حزم في (المحلى) عن حماد بن زيد كلاهما عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة مرفوعا به. وقال الترمذي:

(حديث حسن) والحاكم:

(صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي وهو كما قالا

ص: 315

ورواه أيضا ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحيهما) وإسحاق بن راهويه كما في (نصب الراية) وعزاه للطيالسي أيضا في (مسنده) ولم أجده فيه والله أعلم

وأعل بعضهم الحديث بأنه روي عن ابن سيرين عن عائشة بدون ذكر صفية بينهما فهو منقطع

رواه أحمد

وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . فذكره

رواه الحاكم والبيهقي فهو مرسل. وليس يخفى أن هذا ليس يقدح في رواية من رواه موصولا لأن ثقة وقد جاء بزيادة وهي مقبولة كما تقرر في المصطلح

وللحديث شاهد من حديث أبي قتادة بلفظ:

(لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر)

أخرجه الطبراني في (الصغير) وفي (الأوسط) أيضا

وفي إسناده من لا يعرف

والحائض في الحديث: من بلغت سن المحيض لا من هي ملابسة للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة وهو مبين في رواية ابن خزيمة بلفظ:

(لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار). قال الترمذي:

ص: 316

(والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها وهو قول الشافعي قال: لا تجوز صلاة المرأة وشيء من جسدها مكشوف قال الشافعي: وقد قيل: إن كان ظهر قدميها مشكوفا فصلاتها جائزة)

(7 - ولا يجوز أن تكون ثيابها - خمارا كان أو جوربا أو غير ذلك - سخيفا أو شفافا يحكى ما تحته ويصفه لقوله صلى الله عليه وسلم:

(سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات). زاد في حديث آخر:

(لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)

الحديث الأول رواه الطبراني في (الصغير) عن ابن عمرو بإسناد حسن والآخر عند مسلم وغيره عن أبي هريرة. وهما مخرجان في (المصنف) لذا فلا حاجة إلى تخريجهما هنا

والحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وتنبآته الصادقة التي نبأه الله بها حتى ترى ما فيه منطبقا تمام الانطباق على أكثر نساء أهل زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله

(فإذا خشيت شيئا مما ذكرت فلتجعل تحت الثياب غلالة كما قال صلى الله عليه وسلم وعلل ذلك في نفس الحديث بقوله: (فإني أخاف أن تصف حجم عظامها)

ص: 317

الحديث إسناده حسن وهو من روياة أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: (ما لك لم تلبس القبطية؟) قلت: كسوتها امرأتي فقال: (مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها)

أخرجه أحمد والبيهقي من طريق عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد عنه

والحديث أورده في (المجمع) وقال:

(رواه أحمد والطبراني وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف)

قلت: وله شاهد من حديث دحية نفسه

أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن أيوب: ثني موسى بن جبير أن عباس ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب حدثه عن خالد بن يزيد بن معاوية عن دحية بن خليفة به نحوه. وفيه أن دحية نفسه الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم القبطية وقال له عليه السلام:

(اجعل صديعها قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به) فلما ولى دعاه قال:

(مرها تجعل تحته شيئا لئلا يصف) ولعلها قصة أخرى ثم قال البيهقي:

(وقال بعضهم: عباس بن عبيد الله) قال البخاري:

ص: 318

(من قال: ابن عبيد الله أكثر) وذكر فيمن قال ابن عبيد الله: يحيى بن أيوب وابن جريج. قال البيهقي:

(ورواه عبد الله بن لهيعة عن موسى بن جبير أن عبيد الله بن عباس حدثه)

قلت: حديث ابن لهيعة أخرجه في (سننه) وقال عقبه

(رواه يحيى بن أيوب فقال عباس بن عبيد الله بن عباس)

وهو الصواب كما قال الحافظ في (التقريب) قال:

(وهو مقبول والراوي عنه موسى بن جبير مستور)

فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لكنه يتقوى بما قبله. والله أعلم

وقد رواه الحاكم أيضا وصححه وأعله الذهبي بالانقطاع

(8 - ويجوز لها بل يجب عليها أن تطيل ذيلها شبرا من الكعبين أو شبرين لا تزيد عليه

وذلك سترا لأقدامهن لقوله عليه الصلاة والسلام:

(من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال:

(يرخين شبرا) فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال:

(فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه)

الحديث أخرجه النسائي والترمذي عن عبد الرزاق

ص: 319

قال: ثنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به (1). وقال الترمذي:

(هذا حديث حسن صحيح)

وهو كما قال ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه قد اختلف فيه على نافع فرواه معمر عن أيوب عنه هكذا

وتابعه العمري عن نافع عن ابن عمر:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء أن يرخين شبرا. . . الحديث نحوه

أخرجه أحمد

ورواه يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة:

أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذيول النساء. . . الحديث

أخرجه النسائي. ثم أخرجه عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية عن أم سلمة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في الإزار ما ذكر قالت أم سلمة. . . الحديث

وتابعه أبو بكر بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته به

أخرجه مالك ومن طريقه أبو داود

وتابعه محمد بن إسحاق عن نافع به

أخرجه الدارمي والبيهقي وأحمد

(1) وأخرجه البيهقي (2/ 233) عن حماد بن زيد عن أيوب به

ص: 320

ثم أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة به

وفي رواية لأحمد عن يحيى عن عبيد الله: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)

قال: وأخبرني سليمان بن يسار أن أم سلمة ذكرت النساء. . . الحديث

فهذه أربعة أوجه من الاختلاف على نافع:

1 -

عنه عن ابن عمر مباشرة

2 -

عنه عن أم سلمة مباشرة

3 -

عنه عنها بواسطة صفية بنت أبي عبيد

4 -

عنه عنها بواسطة سليمان بن يسار

والراجح عندي من هذه الروايات الأخيرتان

أما الأولى منهما فلاتفاق ثلاثة من الثقات عليها وهم أيوب بن موسى وأبو بكر بن نافع ومحمد بن إسحاق

وأما الأخرى فراويها عن نافع عبيد الله بن عمر وهو ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح عن مالك في نافع كما قال الحافظ في (التقريب) فهو بأن يقدم على أيوب أحرى وأولى لا سيما وأن روايته مفصلة حيث صرح بأن

ص: 321

الحديث الأول: من جر ثوبه. . . إلخ هو من رواية نافع عن ابن عمر وأما الحديث الآخر فصرح بأنه من رواته نافع عن سليمان بن يسار عنه ورواية أيوب مجملة ليس فيها هذا التفصيل ومتابعة العمري له لا تنهض به لأنه ضعيف الحفظ - وهو عبد الله بن عمر المكبر - لا سيما وقد خالفه أخوه عبيد الله المصغر الثقة الثبت ثم وجدت ما يدل على أن رواية أيوب قد وردت مفصلة أيضا فقال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل: أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إن الذي يجر ثوبه. . .) الحديث قال نافع:

(فأنبئت أن أم سلمة قالت. . . الحديث قال نافع:

فأنبئت أن أم سلمة قالت. . . الحديث

فهذا إسماعيل - وهو ابن إبراهيم بن علية الثقة الحافظ - يبين أيضا أن رواية أيوب مثل رواية عبيد الله من حيث التفصيل غير أن هذا قد سمى الواسطة التي أبهمها أيوب وهي زيادة مقبولة حتما

والذي يظهر أن هذه الروايات كلها صحيحة وأن نافعا كان تارة يرسل الحديث وتارة يوصله وأن له فيه شيخين: سليمان بن يسار وهو ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة واحتج به الشيخان وصفية بنت أبي عبيد وهي ثقة من رواة مسلم وهي زوج ابن عمر رضي الله عنه

وللحديث طريق أخرى عن ابن عمر أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين في الذيل شبرا ثم استزدنه فزادهن

ص: 322

شبرا فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا

ورجاله ثقات رجال مسلم غير زيد العمي وهو ضعيف كما في (التقريب) فإن صحت هذه الرواية عن ابن عمر فلعله أخذها عن زوجه صفية بنت أبي عبيد التي روت الحديث عن أم سلمة كما سبق آنفا قال الحافظ في (الفتح):

(وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة)

وله شاهد من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أو أم سلمة رضي الله عنهما أن تجر الذيل ذراعها

أخرجه ابن ماجه وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم عنه

وخالفه حبيب المعلم فرواه عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن عائشة نحوه

أخرجه ابن ماجه أيضا وكذا أحمد

وأبو المهزم متفق على تضعيفه كما في (الزوائد) وقال الحافظ في (التقريب):

(متروك)(1)

(1) ولحماد فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي (1/ 323) عنه عن علي بن زيد عن أم الحسن عن أم سلمة نحوه. وقال: رواه بعضهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحين عن أبيه عن أم سلمة

قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف

ص: 323