الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُرُوطُ إِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا
كَوْنُ الزَّانِي مُكَلَّفًا
زِنَا الْمَجْنُون
(س د حم)، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:(أُتِيَ عُمَرُ رضي الله عنه بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ ، فَاسْتَشَارَ فِيهَا أُنَاسًا (1) فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ ، فَمُرَّ بِهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَقَالَ: مَا شَأنُ هَذِهِ؟ ، قَالُوا: مَجْنُونَةُ بَنِي فُلَانٍ زَنَتْ ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ ، قَالَ: فَقَالَ: ارْجِعُوا بِهَا ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَمَا عَلِمْتَ) (2) (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" رُفِعَ الْقَلَمُ (3) عَنْ ثَلَاثٍ (4): عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ (5) حَتَّى يَحْتَلِمَ (6) وَعَنْ الْمَجْنُونِ (7) حَتَّى يَعْقِلَ (8)) (9) (أَوْ يُفِيقَ (10)؟ ") (11)(قَالَ: بَلَى ، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذِهِ تُرْجَمُ (12)؟) (13)(إِنَّ هَذِهِ مَعْتُوهَةُ بَنِي فُلَانٍ (14)) (15)(قَالَ: لَا شَيْءَ ، قَالَ: فَأَرْسِلْهَا (16) فَأَرْسَلَهَا) (17)(قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يُكَبِّرُ (18)) (19).
(1) أَيْ: طَلَبَ الْمَشُورَةَ فِي شَأنِ تِلْكَ الْمَجْنُونَةِ ، هَلْ تُرْجَمُ أَمْ لَا. عون4399
(2)
(د) 4399
(3)
هُو كِنَايَة عَنْ عَدَم كِتَابَة الْآثَام عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال ، وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ بَعْض الْأَحْكَام الدُّنْيَوِيَّة وَالْأُخْرَوِيَّة لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال ، كَضَمَانِ الْمُتْلَفَات وَغَيْرِه ، فَهَذَا الْحَدِيث " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأ " مَعَ أَنَّ الْقَاتِلَ خَطَأٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة ، وَعَلَى الْعَاقِلَة الدِّيَة ، وَلِهَذَا ، الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّغِيرَ يُثَابُ عَلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَال. شرح سنن النسائي - (6/ 156)
وحكى ابنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ سُئِلَ عَنْ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ ، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، فَعُورِضَ بِأَنَّ الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْهُ قَلَمُ الْمُؤَاخَذَةِ ، وَأَمَّا قَلَمُ الثَّوَابِ فَلَا ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ لَمَّا سَأَلَتْهُ:(أَلِهَذَا حَجٌّ؟ ، قَالَ: نَعَمْ)، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:(مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ) ، فَإِذَا جَرَى لَهُ قَلَمُ الثَّوَابِ ، فَكَلِمَةُ الْإِسْلَامِ أَجَلُّ أَنْوَاعِ الثَّوَابِ ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهَا تَقَعُ لَغْوًا ، وَيُعْتَدُّ بِحَجِّهِ وَصَلَاتِهِ؟.عون4399
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَهَذَا فِي الصَّبِيِّ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْمَجْنُونِ فَلَا تَتَّصِفُ أَفْعَالُهُ بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ ، إذْ لَا قَصْدَ لَهُ، وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ مِنْ صُوَرِ الْأَفْعَالِ لَا حُكْمَ لَهُ شَرْعًا، وَأَمَّا فِي النَّائِمِ فَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ مُنْتَفٍ أَيْضًا ، فَلَا حُكْمَ لِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ حَالَ نَوْمِهِ. وَلِلنَّاسِ كَلَامٌ فِي تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَوْ بِبَعْضِهَا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ ، وَكَذَلِكَ النَّائِمُ. نيل الأوطار - (2/ 24)
(4)
أَيْ: ثلاثة أصناف من الناس.
(5)
قَالَ السُّبْكِيُّ: الصَّبِيُّ: الْغُلَامُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يُسَمَّى جَنِينًا ، فَإِذَا وُلِدَ فَصَبِيٌّ ، فَإِذَا فُطِمَ فَغُلَامٌ إِلَى سَبْعٍ ، ثُمَّ يَصِيرُ يَافِعًا إِلَى عَشْرٍ ، ثُمَّ حَزْوَرًا إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ يُسَمَّى صَبِيًّا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، قَالَهُ السُّيُوطِيُّ. عون4398
(6)
وفي رواية: (حَتَّى يَكْبُرَ)، قَالَ السُّبْكِيُّ: لَيْسَ فِيهَا مِنَ الْبَيَانِ ، وَلَا فِي قَوْلِهِ (حَتَّى يَبْلُغَ) مَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ:(حَتَّى يَحْتَلِمَ) فَالتَّمَسُّكُ بِهَا أَوْلَى ، لِبَيَانِهَا وَصِحَّةِ سَنَدِهَا.
وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ) مُطْلَقٌ ، وَالِاحْتِلَامُ مُقَيَّدٌ ، فَيُحْمَلُ عليه ، فإن الاحتلام بُلُوغٌ قَطْعًا وَعَدَمُ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ ، لَيْسَ بِبُلُوغٍ قَطْعًا. عون4398
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى يَحْتَلِمَ) عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: يُؤَاخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالرِّدَّةِ.
وَكَذَا مَنْ قَالَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمُرَاهِقِ ، وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُهُ ، لِقَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى:(حَتَّى يَكْبُرَ) وَالْأُخْرَى: (حَتَّى يَشِبَّ).
وتعقَّبَه ابن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ (حَتَّى يَحْتَلِمَ) هِيَ الْعَلَامَةُ الْمُحَقَّقَةُ ، فَيَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُهَا وَحَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا. عون4399
(7)
قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: الْجُنُونُ اخْتِلالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ ، بِأَنْ لا تَظْهَرَ آثَارُهُ وَتَتَعَطَّلُ أَفْعَالُهَا ، إمَّا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ عَنْ الاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ أَوْ آفَةٍ ، وَإِمَّا لاسْتِيلاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَإِلْقَاءِ الْخَيَالاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ ، بِحَيْثُ يَفْرَحُ وَيَفْزَعُ مِنْ غَيْرِ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا. أ. هـ (ابن عابدين 3/ 243)
(8)
أَيْ: إلى أن يرجع إليه تدبُّرُه وفهمه للأمور. ذخيرة (ج28ص352)
(9)
(حم) 24738 ، (خم) ج8ص165 ، (س) 3432 ، (ت) 1423 ، (د) 4402 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 3512 ، المشكاة: 3287 ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده جيد.
(10)
وفي رواية لأبي داود: 4403 (زَادَ فِيهِ: وَالْخَرِفِ)
مِنَ الْخَرَفِ ، وَهُوَ: فَسَادُ الْعَقْلِ مِنَ الْكِبَرِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي زَالَ عَقْلُهُ مِنْ كِبَرٍ ، فَإِنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ اخْتِلَاطُ عَقْلٍ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّمْيِيزِ ، وَيُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ ، وَلَا يُسَمَّى جُنُونًا ، لِأَنَّ الْجُنُونَ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرَاضٍ سَوْدَاوِيَّةٍ ، وَيَقْبَلُ الْعِلَاجَ ، وَالْخَرَفُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ: حَتَّى يَعْقِلَ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إِلَى الْمَوْتِ ، ولو بَرَأَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِرُجُوعِ عَقْلِهِ ، تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيفُ فَسُكُوتُهُ عَنِ الْغَايَةِ فِيهِ لَا يَضُرُّ ، كَمَا سَكَتَ عَنْهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمَجْنُونِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا ، لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَجْنُونِ ، كَمَا أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي مَعْنَى النَّائِمِ ، فَلَا يَفُوتُ الْحَصْرُ بِذَلِكَ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى الْمَعْنَى ، فَهُمْ فِي الصُّورَةِ خَمْسَةٌ: الصَّبِيُّ ، وَالنَّائِمُ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَالْمَجْنُونُ ، وَالْخَرِفُ ، وَفِي الْمَعْنَى ثَلَاثَةٌ. عون4403
(11)
(س) 3432 ، (جة) 2041 ، (د) 4400
(12)
أَيْ: مَعَ كَوْنِهَا مَجْنُونَةً. عون4399
(13)
(د) 4399
(14)
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَالَ مُشْتَبِهَةٌ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. عون4402
(15)
(د) 4402
(16)
أَيْ: قَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ رضي الله عنهما: أَطْلِقْ هَذِهِ المجنونة. عون4399
(17)
(د) 4399 ، (حم) 1183 ، (ن) 7343 ، (خز) 1003 ، (حب) 143
(18)
عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يُكَبِّرُونَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، وَشَأنٍ فَخِيمٍ ، وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلِمَ عَدَمَ صَوَابِ رَأيِهِ ، وَظَنَّ عَلَى نَفْسِهِ وُقُوعَ الْخَطَأِ بِرَجْمِ الْمَرْأَةِ الْمَجْنُونَةِ إِنْ لَمْ يُرَاجِعْهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه. عون4399
(19)
(د) 4400 ، وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 297