المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا - غلو الخوارج - الجذور التاريخية لحقيقة الغلو والتطرف والإرهاب والعنف

[علي بن عبد العزيز الشبل]

الفصل: ‌أولا - غلو الخوارج

‌أولا - غلو الخوارج

وذلك أنهم سعو بالفتنة والخروج على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، بدء بخروج قوليٍّ عليه بالسعاية الفتنة والبغي عليه ، ثم خرجوا عليه بالفعل بحصاره وشتمه وذمه ثم بقتله رضي الله عنه ، ولمَّا قتل عثمان رضي الله عنه ظلما وعدوانا وغدرا ظهرت الفتن ، وثارت أعاصير الشبهات ، وأقبلت الفتن مهرولة يحمل رايتها الغلو والتطرف والإرهاب الممنوع للآمنين المطمئنين من المسلمين خصوصا ، فكان غلو الخوارج وتشددهم وخاصة في التكفير وموقفهم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فكانت مظاهر تطرف الخوارج وإرهابهم يتمثل في غلوهم في دينهم من خلال أصولهم العقدية التي اشتهرت عنهم بعد هذه المرحلة التأريخية ، حيث تأصلت أصولهم ، وظهرت قواعدهم في عقيدتهم وفي تعاملهم مع المسلمين من خلال:

ص: 33

التكفير للمسلمين: ولاة وعلماء وعامة بمجرد حصول الذنب من أيٍ منهم ، ومنه حكموا على علي بن أبي طالب وقبله عثمان بن عفان وعلى معاوية ومن معهم رضي الله عنهم بالكفر في أعيانهم ، ثم أفرد هذا عندهم إلى كل صاحب ذنب من المسلمين. فإنه بمجرد حصول الذنب منه يكفر عينا ويخرج من الملة إلا أن يتوب فعليه الدخول في الدين مجددا.

ترتب على التكفير الخروج على المُكفرين بالسيف ، وبالقتال ، وهو استحلال دماء المُكفرين وأعراضهم وأموالهم.

(وسيأتي لهذين الأصلين مزيد بيان ومناقشة في الفصل الثالث: الغلو التطرف في باب الأسماء والأحكام) .

هذا وزادوا في أواخر المائة الأولى وأوائل الثانية بإنكار السنة والتعويل على القرآن فقط بزعمهم ، فأنكروا حدَّ الرجم لعدم وروده في القرآن ، وإلزام المرأة الحائض بقضاء الصلاة أثناء عذرها بالحيض أو النفاس كما تقضي الصوم!

تنبيه:

حصل تلاقح عقدي بين المعتزلة والخوارج في مسائل الحكم على الناس بالإيمان والكفر ، كما حصل تلاقح عقدي بينهما في باب أسماء الله وصفاته ، حيث فشى بين طوائف الخوارج ولا سيما الإباضية القول بخلق القرآن ، وإنكار رؤية الله في الدار الآخرة ، وفي الجنة.

ص: 34

حصل هذا بتتبع كتب القوم ، واستقراء مصادر العقيدة مما يضيق المقام عن تعدادها ولشيخ الإسلام ابن تيمية قصب التميز والتنويه عن هذا.

ثم ظهرت غالية السبائية - نسبة إلى عبد الله بن سبأ الصنعاني اليهودي ابن السوداء أول من أوقد الزندقة في الإسلام - في ذات علي رضي الله عنه ، فقد قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (1) .

((وفي أيامه - يعني عليا - خرجت المغالية وادعوا أن في علي الإلهية ، قال الحافظ ابن حجر: ورد من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل علي: إنَّ هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنَّك ربهم ، فدعاهم عليّ وقال لهم:

ويلكم إنما أنا مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون ، إن أطعت الله أثابني وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا! فأبوا! فلما كان الغد غَدَوا عليه ، فجاءه قُنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام. فسأل فأدخلهم. فقالوا كذلك ، فلما كان اليوم الثالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة. فأبوا إلا ذلك.

(1) مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 434 ، وما نقله عن الحافظ فهو في «فتح الباري» 12 / 282.

ص: 35

فقال: يا قنبر ائتني بفَعَلة معهم مرورهم - عمالا معهم أدوات حفرهم - فخدَّ لهم أخدودا بين المسجد والقصر وقال لهم: احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه في النار في الأخدود وقال: إني طارحكم فيها أو ترجعوا. فأبوا أن يرجعوا. فقذف بهم حتى احترقوا وقال:

لما رأيت الأمر أمرا منكرا

أوقدت ناري ودعوت قُنبرا

وإسناده حسن.

وفي الصحيح أن ابن عباس لما بلغه تحريقهم قال:

لو كنت أنا لم أحرقهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تعذبوا بعذاب الله» . ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» (1) . فبلغ ذلك عليا فقال: صدق ابن عباس)) . اهـ.

وهذه المحاولة مشهورة في التاريخ ذكرها جمع من أهل المقالات، ولولا الإطالة لأحلت إلى كتبهم، وقد وقفت على قول لبعض المعاصرين (2) وهذا القول ظهر أخيرا من أعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم ، ولا يبعد أن يكون النفي له أصل متقدم معتمد على نفي الرافضة له ، مع أن النوبختي مؤرخ الرافضة وسارد فرقهم قد ذكر ابن سبأ ، وذكر فرقته السبئية في كتابه: فرق الشيعة، ص 22، 23. ينكر فيه هذه القصة ويدَّعي أنها:

(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب لا يعذب بعذاب الله. وانظر النقل عن الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» 6 / 175 وفي كتاب «استتابة المرتدين» 12 / 282.

(2)

هو: د. كامل مصطفى الشيبي في كتابه الصلة بين التشيع والتصوف، ص 90-91؛ بل تعدى إلى أبعد من هذا ، فادعى أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وحاول التوفيق بين صفات ابن سبأ الموجودة في كتب التاريخ وصفات عمار وموافقتها ، انظر: ص 38-54 ، 84-92 ومناقشة هذا الزعم يحتاج إلى بسط في غير هذه المناسبة.

ص: 36

((خبر مختلق من أساسه ولم يرد على صورة فيها ثقة ، في كتاب معتبر من كتب التاريخ. . . . وينتهي بنا المطاف إلى فائدة عظيمة هي أن السبئية ركام من التهم أُلقيت على جماعة. . . . . إن عن قصد أو عن غير قصد)) (1) .

والجواب عليه: من فمك أدينك؛ فهذه القصة ليست مختلقة بل توارد عليها جمع من المؤرخين وكُتَّاب المقالات - كما ذكرت بعضا منهم في كتابك. والأعجب من هذا أن رويت بإسناد حسن كما قاله الحافظ ابن حجر.

بل حديث ابن عباس في البخاري قرينة واضحة على وقوع تلك الحادثة. وعليه فلا مدخل من هنا على تكذيب هذه الحادثة لمن نظر وتعقل.

وبعد هذا ندرك كيف كانت هذه الطغمة الفاسدة - من الخوارج والسبئية - أول مظاهر الغلو والتطرف الحقيقي وأكثرها رواجا على غلاة الرافضة خاصة ، وباقي الفرق الإسلامية عامة. وحسبك أن تنظر إلى كتاب واحد من كتب الملل والمقالات لترى أثر ذلك!

ولم نعتد بغلو الخوارج وحده فقط على أنه أول مظاهر التطرف والغلو الديني للآتي:

1-

أن غلوهم أخف بكثير من غلو هؤلاء السبئية بعلي رضي الله عنه ديانة وعقيدة وأثرا؟!

(1) كما في ص 87-90. اهـ.

ص: 37

2-

الخوارج وقعوا فيما وقعوا فيه عن سفه ونقص في عقولهم وبصيرتهم وعلومهم (1) . فلم يكن قصدهم إفساد الدين والمسلمين - قطعا - كما هو الحال عند غلاة الرافضة. فعليه فأجلى مظاهر الغلو والتطرف ، ومنشؤه عند المسلمين هو غلو السبئية نسبة إلى عبد الله بن سبأ الهمذاني اليهودي الصنعاني المكنى بابن السوداء - الذي أسلم في عهد عثمان وقاد الفتنة بين الصحابة وبين علي ومن معه ، وكان ناشر مقولة الغلاة في تأليه عليّ - وقد نفاه عليّ إلى ساباط المدائن حيث لم يصرح أمامه بقوله بإلهيته.

إذن يمكن القول بأن أول نشأة الغلو والإرهاب الممنوع والتطرف في الإسلام بهذا الفكر ، وتلك العقائد؛ إنما كان بسبب عبد الله بن سبأ اليهودي أبعده الله. كأثر بولس اليهودي في إفساد ملة النصارى؟!

(1) بدليل أنه لما حاجهم ابن عباس في دلائلهم وأتي بنظائر ما توهموه: في ثلاث مسائل: 1 مسألة تحكيم الرجال في آية النساء ، 2 وسبي أم المؤمنين ، 3 واستحلال مال ودم المسلمين ، رجع منهم كثير اختلفوا في عدده ورفض الباقون مناظرة ابن عباس لأنه من قريش ولأنهم بزعمهم كما قال تعالى:(بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(الزخرف: 58) .

ص: 38