الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا - الرد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة
والرد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة في استدلالهم بآية النساء من عدة وجوه: 1- أن الله ذكر الخلود في الآية ولم يذكره على التأبيد كقوله عن أهل الجنة: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة:8] .
وكقوله عن أهل النار في ثلاثة مواضع من القرآن في أواخر النساء والأحزاب والجن {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} فصرّح سبحانه فيها بالخلود مع التأبيد.
فعليه يكون المراد بالتخليد في هذه الآية المكث الطويل ، خاصة أن معصية قتل النفس التي حرم الله من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله ، كما دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في السبع الموبقات وهو عند مسلم ، فدل على عظم هذا الجرم وكبره لا على كفر فاعله!
2-
إن الله تعالى في أحكام القصاص سمى القاتل أخا للمقتول ، كما في قوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]
فلو كان القاتل كافرا لما جاز أن يسميه الله أخا للمؤمن؛ لأن الأخوة مودة ولا تكون إلا للمؤمن {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} . . . . . [المجادلة: 22]
3-
كما أنه يجوز العفو في القصاص إلى الدية ، وإلى لا شيء تكرما وتفضلا، فلو كان القاتل كافرا مرتدا ، لم يجز إسقاط الحد عليه بالعفو ، للحديث «من بدل دينه فاقتلوه» ولحديث «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة» .
4 -
القاتل لو أقيم عليه الحد يُصَليَّ عليه ، ويُغَسَّل ، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم وتجوز الصدقة عنه. . . . وعليه إجماع السلف.
ولو كان كافرا ترتبت عليه أحكام المرتدين ولم يجز له ما سلف من الأحكام المخصوصة بالمسلمين فقط.
5 -
قال بعض العلماء كابن جرير وغيره: إن الآية خاصة في الذين يستحلون القتل ، فإن كان كذلك فهو كافر لا شك فيه ، لكن ظاهر الآية يبعد عن هذا التأويل والتفسير!
6 -
وعلى سبيل التَّنزل فهذه الآية خاصة بمن يقتل مؤمنا متعمدا فلا يدخل معها غيرها من المعاصي كالسرقة والرجم والقذف. . . . . . إلخ.
7 -
عموم قوله تعالى: في آيتي النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]
ولا شك أن القتل دون الشرك بالله إجماعا؛ فهو داخل تحت المشيئة في هذه الآية.
أما عن شبهة الكرامية في قولهم: إن الإيمان هو القول باللسان فقط؛ لأن الله دعا الناس إلى الإقرار به ، وبالكتب المنزلة ، كما في قوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} . . . . . [البقرة: 136] ، فالله لم يأمرنا هنا إلا بالقول ، فدل على أن الإيمان يتوقف عليه.
فالجواب عنهم: كذلك من وجوه:
1 -
غاية ما تدل عليه الآية الأمر بالإيمان بالله والكتب السماوية والأنبياء من قبل الله ، وألا يفرق بين رسله فيُؤمن ببعض ويُكفر ببعض ، فليس في الآية دلالة على اقتصار الإيمان على القول فقط.
2 -
الآية اللاحقة لها مباشرة فيها: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137] ؛ أي آمن أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به أنتم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. . . . وبعضها لا يكون إلا بالقلب فدل على عدم اقتصار الإيمان على القول المجرد.
3 -
في هذه الآية تنويه بأهم أنواع الإيمان ولم تستغرق الآية جميع أنواع الإيمان ((بالله وملائكته. . . .)) وشعب الإيمان كثيرة ، وفي باقي النصوص تكميل لجميع أنواع الإيمان؛ قال تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} . . . . . . . . [البقرة: 177] وغيرها ، فالقرآن يؤخذ جميعه لا بعضه ، وكذلك السنة ، حيث وردت نصوص تكفر من اعتقد الإيمان بكل مراتبه الست ثم لا يصلي ، أو استحل معصية ظاهرة الحرمة ، قطعية الدلالة على حرمتها.
4-
هذا القول يعارض قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] .
فنفى الله عن الأعراب الإيمان مع أنهم نطقوا بكلمة التوحيد ، لكن لم يدخل الإيمان إلى قلوبهم ، إلا إن قصدوا بذلك الإسلام - أي بالإيمان الإسلام - فلا تعارض بين الآيتين.
5 -
يلزم من قولكم: إن الإيمان مجرد النطق باللسان فقط ، الحكم على المنافقين الذين شهدوا بألسنتهم أنهم مؤمنون كاملو الإيمان ، وهذا خلاف صريح الكتاب؛ قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145] ، ولغيرها من الآيات الدالة على كفرهم وتكذيبهم وأن مآلهم إلى النار.
6 -
كما يلزم من هذا القول أن من به عيب كالأخرس ، ولا يستطيع أن يتكلم بلسانه - مع تصديق قلبه وإيقانه بالإيمان - يلزم أنه كافر ، وهذا خلاف إجماع المسلمين.
وعلى كل ، فإن قصر الإيمان على مجرد النطق به - مع لزومه ابتداء - قول باطل مخالف لظاهر النصوص من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع من يسلم حديثا.
أما عند القائلين بأن الإيمان هو التصديق ، وهو قول الأشاعرة والماتردية ، فهو باطل أيضا.
- لأنه لو كان كذلك لما صح وجوب تلفظ الكافر بالتوحيد - الشهادتين - عند دخوله الإسلام ، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون بعدهم مع مريد الإسلام من الكفرة.
- وأيضا لما صح تكفير أحد من الناس ، يأتي بناقض من نواقض الإسلام، أو يترك الصلاة عمدا أو تهاونا. . . . ما دام عنده تصديق بالقلب وحده!
فإن هذين مما يبينا فساد قولهم وبعده عن الصواب.
وكذلك قول مرجئة الفقهاء بأن الإيمان هو: الإقرار والتصديق ، يخالف عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعده من فرضية عمل الإيمان بالصلاة والحج والصوم والجهاد وربط كثير من الأعمال بالإيمان.
بل هم يعارضون قولهم فيما يقررونه في فقههم بوجوب العمل بدءا من كتاب الطهارة إلى نهاية أبواب الفقه ، فلو لم تكن هذه من الإيمان ، فما الحاجة من بحثها والعلم والعمل بها؟ كما وأنهم من أوسع المذاهب الأربعة في تقرير أبواب حكم المرتد وبيان الأقوال والأعمال التي يرتد بها المؤمن عن الإسلام. هذا فضلا عن ترتيبهم الجزاءات والعقوبات الشرعية في الدنيا والآخرة على ترك الأعمال.