الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
معنى الغلو
وحقيقته وبيان بعض المصطلحات المرادفة
معنى الغلو
بالرجوع إلى المصادر والمعجمات اللغوية وظهر أن الغلو هو: مجاوزة الحد وتعديه.
قال الجوهري في الصحاح:
((غلا في الأمر يغلو غلوا ، أي جاوز فيه الحد)) .
وقال الفيروزآبادري في القاموس:
((غلا غلاء فهو غالٍ وغَلِيّ ضد الرخص. . . وغلا في الأمر غلوا جاوز حدّه)) .
ووافقه الزبيدي في تاج العروس.
وقال ابن منظور في اللسان:
((. . . . أصل الغلاء: الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء. . . . . يقال: غاليت صداق المرأة أي أغليته. ومنه قول عمر رضي الله عنه: ((ألا لا تغالوا في صدقات النساء)) وفي رواية: ((لا تغالوا في صداق النساء)) . أي لا تبالغوا في كثرة الصداق.
وغلا في الدين والأمر يغلو غلوا: جاوز حدّه.
قال: قال بعضهم: غلوت في الأمر غُلوا وغلانية وغلانيا إذا جاوزت في الحد وأفرطت فيه ، ويُقال للشيء إذا ارتفع: قد غلا.
قال ذو الرمة:
فما زال يغلو حبُّ ميَّةَ عندنا
…
ويزداد حتى لم نجد ما نزيدها
)) .
وقال الفيومي في المصباح المنير:
((. . . . وغلا في الدين غُلوا من باب قعد وتصلب وتشدد حتى جاوز الحد وفي التنزيل: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (1) وغالى في أمره مغالاة بالغ)) (2) .
وقال ابن فارس في المعجم:
((غلوى: الغين واللام المعتل أصل صحيح في الأمر يدل على ارتفاعٍ ومجاوزة قدرٍ، يُقال: غلا السعر يغلو غلا وذلك ارتفاعه ، وغلا الرجل في الأمر غُلوا إذا جاوز حدّه)) اهـ. وكذا نحوه في المجمل (3) .
ومما سبق يتبين أن الغلو في سائر استعمالاته يدل على " الارتفاع والزيادة ومجاوزة الأصل الطبيعي أو الحد المعتاد ".
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر: ((. . . . أي الرقاب أفضل قال: «أغلاها ثمنا وأنفعها عند أهلها» (4) متفق عليه.
وحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل» (5) متفق عليه.
فغلا الثمن: إذا ارتفع وزاد سعره.
وغلت القدر: إذا زادت حرارتها وارتفعت.
وغلا في مشيه: إذا أسرع وزاد فيه.
وتغالى اللحم: ارتفع وذهب ، ومنه قول لبيد بن أبي ربيعة:
(1) هذا جزء من آية النساء 171، والمائدة 77.
(2)
كلهم في مادة غلا.
(3)
في المجمل مادة غلا والمعجم مادة غلوى.
(4)
رواه البخاري في كتاب العتق باب أي الرقاب أفضل ، ورواه مسلم في كتاب الإيمان باب كون الإيمان بالله أفضل الأعمال رقم 84.
(5)
رواه البخاري في كتاب الرقاق باب صفة الجنة والنار ، ومسلم في كتاب الإيمان باب أهون أهل النار عذابا رقم 213.
فإذا تغالى لَحمُها وتحسَّرت
…
وتقطَّعت بعد الكلال حِذافها
وعليه فحقيقة الغلو:
هو: الزيادة ومجاوزة الحد الشرعي الواجب.
قال تعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171]
وقال سبحانه في آية المائدة: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]
وقال سبحانه في آيات عديدة جاءت في النهي عن الطغيان " وهو غلو في الغي " كما قال تعالى في آخر سورة طه لبني إسرائيل: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81]، وقوله عن فرعون وملئه في غير ما آية:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات: 17]، وقال عن الخاسر صاحب الجحيم {فَأَمَّا مَنْ طَغَى} {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات: 37 ، 38] الآية ، وقال في آخر سورة هود:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112] .
ومما ورد في السنة أيضا: ما رواه أحمد بإسناده عن عبد الرحمن بن شبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ، ولا تجفوا عنه ، ولا تأكلوا به. . . .» (1) .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: «القط لي حصى» ، فلقطت له سبع حصيات هن حصى القذف ،فجعل ينفضهن في كفه ويقول:«أمثال هؤلاء فارموا ، ثم قال: يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» . رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وغيرهم (2) .
فمما سبق يتبين أن الكتاب والسنة يخصصان عموم اللغة ، وأن الغلو هو:((الإفراط في مجاوزة المقدار المُعتبر شرعا في أمرٍ من أمور الدين)) .
(1)«الفتح الرباني» 18 / 28.
(2)
رواه أحمد في المسند كما في «الفتح الرباني» 12 / 169 ، كتاب الحج والعمرة باب سبب مشروعية رمي الجمار وحكمها ، ورواه النسائي كتاب المناسك باب قدر حصى القذف ، وكذا ابن ماجة في باب التقاط الحصى. ورواه الحاكم في «مستدركه» 1 / 466 وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخصيه عليه. وقال النووي في «المجموع» 8 / 127: صحيح رواه البيهقي بإسناد حسن صحيح وهو على شرط مسلم رواية عبد الله بن عباس عن أخيه الفضل. ورواه النسائي وابن ماجة بإسنادين صحيحين ، إسناد النسائي على شرط مسلم. . . . اهـ. وقال شيخ الإسلام في «الوصية الكبرى» : هو حديث صحيح. ونقل عنه الشيخ صالح البليهي رحمه الله في ((السلسبيل في معرفة الدليل 1 / 367)) أنه قال: على شرط مسلم ، ولم أقف عليه! . وذكره ابن حجر في «التلخيص الحبير» 7 / 387حيث حقق من كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم والتقط له الحصى: عبد الله أم الفضل ، وصوّب أنه الفضل وهو تحقيق نفيس ، وكذا كلام النووي السابق ، وفي فتح الباري 13 / 291:. . . . . وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق أبي العالية عن ابن عباس.