الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: أشجار الجنة وثمارها
المطلب الأول: أشجارها وثمارها كثيرة متنوعة دائمة
أشجار الجنة كثيرة طيبة متنوعة، وقد أخبرنا الحق أن في الجنة أشجار العنب والنخل والرمان، كما فيها أشجار السدر والطلح، (إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً) [النبأ: 31-32] ، (فيها فاكهة ونخل ورمان) [الرحمن ٍ: 68] ، (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين* في سدر مخضود *وطلح منضود * وظل ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة) [الواقعة: 27-32] ، والسدر هو شجر النبق الشائك، ولكنه في الجنة مخضود شوكه، أي منزوع. والطلح: شجر من شجر الحجاز من نوع العضاه فيه شوك، ولكنه في الجنة منضود معد للتناول بلا كد ولا مشقة.
وهذا الذي ذكره القرآن من أشجار الجنان شيء قليل مما تحويه تلك الجنان، ولذا قال الحق:(فيهما من كل فاكهة زوجان)[الرحمن: 52] ، ولكثرتها فإن أهلها يدعون منها بما يريدون، ويتخيرون منها ما يشتهون (يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) [ص: 51] ، (وفاكهة مما يتخيرون) [الواقعة: 20] ، (إن المتقين في ظلال
وعيون* وفواكه مما يشتهون) [المرسلات: 41-42]، وبالجملة فإن في الجنة من أنواع الثمار والنعيم كل ما تشتهيه النفوس وتلذه العيون (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) [الزخرف: 71] .
وقال ابن كثير كلاماً لطيفاً دلل فيه على عظيم ثمار الجنة، إذ استنتج أن الله نبه بالقليل على الكثير، والهين على العظيم عندما ذكر السدر والطلح، قال:" وإذا كان السدر الذي في الدنيا لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة وهو النبق، وشوكه كثير، والطلح الذي لا يراد منه في الدنيا إلا الظل، يكونان في الجنة في غاية من كثرة الثمار وحسنها، حتى إن الثمرة الواحدة منها تتفتق عن سبعين نوعاً من الطعوم، والألوان، التي يشبه بعضها بعضاً، فما ظنك بثمار الأشجار، التي تكون في الدنيا حسنة الثمار، كالتفاح، والنخل، والعنب، وغير ذلك؟ وما ظنك بأنواع الرياحين، والأزاهير؟ وبالجملة فإن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله منها من فضله ". (1)
وأشجار الجنة دائمة العطاء، فهي ليست كأشجار الدنيا تعطي في وقت دون وقت، وفصل دون فصل، بل هي دائمة الإثمار والظلال (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها) [الرعد: 35] (وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة)[الواقعة: 32-33] . أي دائمة مستمرة، وهي مع دوامها لا يمنع عنها أهل الجنة. ومن لطائف ما يجده أهل الجنة عندما تأتيهم ثمارها أنهم يجدونها تتشابه في
(1) النهاية لابن كثير: (2/262) .
المظهر، ولكنها تختلف في المخبر، (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل وأتوا به متشابهاً) [البقرة: 25] .
وأشجار الجنة ذات فروع وأغصان باسقة نامية (ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * ذواتا أفنان)[الرحمن: 46-48]، وهي شديدة الخضرة:(ومن دونهما جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان* مدهامتان)[الرحمن: 62-64] ، ولا توصف الجنة بأنها مدهامة إلا إذا كانت أشجارها مائلة إلى السواد من شدة خضرتها، واشتباك أشجارها.
أما ثمار تلك الأشجار فإنها قريبة دانية مذللة ينالها أهل الجنة بيسر وسهولة، (متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان) [الرحمن: 54] ، (وذللت قطوفها تذليلاً) [الإنسان: 14] .
أما ظلها فكما قال تعالى: (وندخلهم ظلاً ظليلاً)[النساء: 57]، و (وظل ممدود) [الواقعة: 30] ، (إن المتقين في ظلال وعيون) [المرسلات: 41] .