المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: أطفال المشركين - الجنة والنار

[عمر سليمان الأشقر]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول: النار

- ‌تمهيد: النار تعريف وبيان

- ‌الفصل الأول: الجنة والنار مخلوقتان

- ‌الفصل الثاني: خزنة النار

- ‌الفصل الثالث: صفة النار

- ‌المبحث الأول: مكان النار

- ‌المبحث الثاني: سعة النار وبعد قعرها

- ‌المبحث الثالث: دركات النار

- ‌المبحث الرابع: أبواب النار

- ‌المبحث الخامس: وقود النار

- ‌المبحث السادس: شدة حرها وعظم دخانها وشرارها

- ‌المبحث السابع: النار تتكلم وتبصر

- ‌المبحث الثامن: رؤيا ابن عمر للنار

- ‌المبحث التاسع: هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة عياناً

- ‌المبحث العاشر: تأثير النار على الدنيا وأهلها

- ‌الفصل الرابع: النار خالدة لا تبيد

- ‌الفصل الخامس: أهل النيران وجرائمهم

- ‌المبحث الأول: أهلها المخلدون فيها

- ‌المطلب الأول: التعريف بهم

- ‌المطلب الثاني: النار مسكن الكفرة المشركين

- ‌المطلب الثالث: الدعاة إلى النار

- ‌المطلب الرابع: أعظم جرائم الخالدين في النار

- ‌المطلب الخامس: جملة الجرائم التي تدخل النار

- ‌المطلب السادس: أشخاص بأعيانهم في النار

- ‌المطلب السابع: كفرة الجن في النار

- ‌المبحث الثاني: الذين لا يخلدون في النار

- ‌المطلب الأول: التعريف بهم

- ‌المطلب الثاني: الذنوب المتوعد عليها بالنار

- ‌الفصل السادس: كثرة أهل النار

- ‌المبحث الأول: النصوص الدالة على ذلك

- ‌المبحث الثاني: السر في كثرة أهل النار

- ‌المبحث الثالث: أكثر من يدخل النار النساء

- ‌الفصل السابع: عظم خلق أهل النار

- ‌الفصل الثامن: طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم

- ‌الفصل التاسع: عذاب أهل النار

- ‌المبحث الأول: شدة ما يكابده أهل النار من عذاب

- ‌المبحث الثاني: صور من عذابهم (الجزء الأول)

- ‌المطلب الأول: تفاوت عذاب أهل النار

- ‌المطلب الثاني: إنضاج الجلود

- ‌المطلب الثالث: الصهر

- ‌المطلب الرابع: اللفح

- ‌المطلب الخامس: السحب

- ‌المطلب السادس: تسويد الوجوه

- ‌المطلب السابع: إحاطة النار بالكفار

- ‌المطلب الثامن: إطلاع النار على الأفئدة

- ‌المطلب التاسع: اندلاق الأمعاء في النار

- ‌المطلب العاشر: قيود أهل النار وأغلالهم وسلاسلهم ومطارقهم

- ‌المطلب الحادي عشر: قرن معبوداتهم وشياطينهم بهم في النار

- ‌المطلب الثاني عشر: حسرتهم وندمهم ودعاؤهم

- ‌الفصل العاشر: كيف يتقي الإنسان نار الله

- ‌الباب الثاني: الجنة

- ‌الفصل الأول: دخول الجنة

- ‌المبحث الأول: الشفاعة في دخول الجنة

- ‌المبحث الثاني: تهذيب المؤمنين وتنقيتهم قبل الدخول

- ‌المبحث الثالث: الأوائل في دخول الجنة

- ‌المبحث الرابع: الذين يدخلون الجنة بغير حساب

- ‌المبحث الخامس: الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة

- ‌المبحث السادس: أول ثلاثة يدخلون الجنة

- ‌المبحث السابع: دخول عصاة المؤمنين الجنة

- ‌المطلب الأول: إخراجهم من النار وإدخالهم الجنة بالشفاعة

- ‌المطلب الثاني: موقف الفِرَق من الشفاعة

- ‌المبحث الثامن: آخر من يدخل الجنة

- ‌المبحث التاسع: الذين دخلوا الجنة قبل يوم القيامة

- ‌الفصل الثاني: الجنة خالدة وأهلها خالدون

- ‌المبحث الأول: النصوص الدالة على ذلك

- ‌المبحث الثاني: القائلون بفناء الجنة

- ‌الفصل الثالث: صفة الجنة

- ‌المبحث الأول: الجنة لا مثل لها

- ‌المبحث الثاني: أبواب الجنة

- ‌المبحث الثالث: درجات الجنة

- ‌المطلب الأول: الأدلة على أن الجنة درجات، وأهلها متفاوتون في الرفعة

- ‌المطلب الثاني: أعلى أهل الجنة وأدناهم منزلة

- ‌المطلب الثالث: المنزلة العليا في الجنة

- ‌المطلب الرابع: الذين ينزلون الدرجات العاليات

- ‌المبحث الرابع: تربة الجنة

- ‌المبحث الخامس: أنهار الجنة

- ‌المبحث السادس: عيون الجنة

- ‌المبحث السابع: قصور الجنة وخيامها

- ‌المبحث الثامن: نور الجنة

- ‌المبحث التاسع: ريح الجنة

- ‌المبحث العاشر: أشجار الجنة وثمارها

- ‌المطلب الأول: أشجارها وثمارها كثيرة متنوعة دائمة

- ‌المطلب الثاني: وصف بعض شجر الجنة

- ‌المطلب الثالث: سيد ريحان الجنة

- ‌المطلب الرابع: سيقان أشجار الجنة من ذهب

- ‌المطلب الخامس: كيف يكثر المؤمن حظه من أشجار الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر: دواب الجنة وطورها

- ‌الفصل الرابع: أصحاب الجنة

- ‌المبحث الأول: الأعمال التي استحقوا بها الجنة

- ‌المبحث الثاني: طريق الجنة شاق

- ‌المبحث الثالث: أهل الجنة يرثون نصيب أهل النار في الجنة

- ‌المبحث الرابع: الضعفاء أكثر أهل الجنة

- ‌المبحث الخامس: هل الرجال أكثر في الجنة أم النساء

- ‌المبحث السادس: الذين توفوا قبل التكليف

- ‌المطلب الأول: أطفال المؤمنين

- ‌المطلب الثاني: أطفال المشركين

- ‌المبحث السابع: مقدار ما يدخل الجنة من هذه الأمة

- ‌المبحث الثامن: سادة أهل الجنة

- ‌المطلب الأول: سيد كهول أهل الجنة

- ‌المطلب الثاني: سيدا شباب أهل الجنة

- ‌المطلب الثالث: سيدات نساء أهل الجنة

- ‌المبحث التاسع: العشرة المبشرون بالجنة

- ‌المبحث العاشر: بعض من نص على أنهم في الجنة غير من ذكر

- ‌المبحث الحادي: الجنة ليست ثمناً للعمل

- ‌الفصل الخامس: صفة أهل الجنة ونعيمهم فيها

- ‌الفصل السادس: نعيم أهل الجنة

- ‌المبحث الأول: فضل نعيم الجنة على متاع الدنيا

- ‌المبحث الثاني: طعام أهل الجنة وشرابهم

- ‌المطلب الأول: خمر أهل الجنة

- ‌المطلب الثاني: أول طعام أهل الجنة

- ‌المطلب الثالث: طعام أهل الجنة وشرابهم لا دنس معه

- ‌المطلب الرابع: لماذا يأكل أهل الجنة ويشربون ويمتشطون

- ‌المطلب الخامس: آنية طعام أهل الجنة وشرابهم

- ‌المبحث الثالث: لباس أهل الجنة وحليهم ومباخرهم

- ‌المبحث الرابع: فرش أهل الجنة

- ‌المبحث الخامس: خدم أهل الجنة

- ‌المبحث السادس: سوق أهل الجنة

- ‌المبحث السابع: اجتماع أهل الجنة وأحاديثهم

- ‌المبحث الثامن: أماني أهل الجنة

- ‌المبحث التاسع: نساء أهل الجنة

- ‌المطلب الأول: زوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا كانت مؤمنة

- ‌المطلب الثاني: المرأة لآخر أزواجها

- ‌المطلب الثالث: الحور العين

- ‌المطلب الرابع: يُعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل

- ‌المبحث العاشر: ضحك أهل الجنة من أهل النار

- ‌المبحث الحادي عشر: التسبيح والتكبير من نعيم أهل الجنة

- ‌المبحث الثاني عشر: أفضل ما يُعطاه أهل الجنة رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم

- ‌المبحث الثالث عشر: الفوز بنعيم الجنة لا يستلزم ترك متاع الدنيا

- ‌المبحث الرابع عشر: آخر دعواهم

- ‌الفصل السابع: المحاجة بين الجنة والنار

الفصل: ‌المطلب الثاني: أطفال المشركين

قال: " والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة ". (1)

أقول: لعل الصواب أن الحديث يسير إلى أنه لا يجوز أن نجزم لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، وإن كنا نشهد لهم مطلقاً بالجنة. والأمر الثاني هو عدم الهجوم على ذلك كي لا يتجرأ الناس على مثل هذا كما هو حاصل في زماننا، إذ يزعم نعاة الموتى أن ميتهم في الجنة، وإن كان أفسق الناس.

يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " لا يشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، وإن شهد لهم مطلقاً ". (2)

‌المطلب الثاني: أطفال المشركين

بوب البخاري في صحيحه باباً بعنوان "باب ما قيل في أولاد المشركين" وأورد فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين".

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين ".

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد

(1) فتح الباري: (3/244)

(2)

مجموعة فتاوى شيخ الإسلام: (4/281) .

ص: 200

على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء ". (1)

والبخاري رحمه الله تعالى – كما يقول ابن حجر – أشعر بهذه الترجمة أنه كان متوقفاً في أولاد المشركين، وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم من صحيحه بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة، وقد رتب أيضاً أحاديث هذا الباب ترتيباً يشير إلى المذهب المختار، فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف، ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة، ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك في قوله في سياقه:" وأما الصبيان حوله فأولاد الناس " قد أخرجه البخاري في التعبير بلفظ: " وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة، فقال بعض المسلمين: وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين ". (2)

قال ابن حجر: ويؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعاً " سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم" إسناده حسن، وورد تفسير " اللاهين " بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعاً أخرجه البزار. وأخرج أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت:" قلت: يا رسول الله، من في الجنة؟ قال: النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة ". وإسناده حسن. (3)

واحتجوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: " أطفال المشركين خدم أهل الجنة " رواه ابن منده في المعرفة، وأبو نعيم في الحلية، وأبو يعلى في مسنده، وحكم عليه الشيخ ناصر الدين الألباني بالصحة بمجموع طرقه. (4)

(1) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، فتح الباري:(3/246) .

(2)

فتح الباري: (3/246) .

(3)

فتح الباري: (3/246)

(4)

سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3/452)، ورقمه:1468.

ص: 201

والقول بأنهم في الجنة هو قول جمع من أهل العلم، وهو اختيار أبي الفرج بن الجوزي (1)، وقال النووي في هذا المذهب:"وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15) ، واحتج بالأدلة التي ساقها البخاري وغيره ". (2)

وأقول: وهذا القول هو الذي رجحه القرطبي أيضاً وقد وفق القرطبي بين النصوص التي يظهر منها التعارض في هذا الموضوع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم: قال في أول الأمر هم مع آبائهم أي في النار، ثم حصل منه توقف في ذلك، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم أوحى إليه أنه لا يعذب أحد بذنب غيره (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الإسراء: 15] ، فحكم بأنهم في الجنة (3) ، وذكر في ذلك حديثاً رواه عبد الرزاق، ولكن الحديث ضعيف كما قال ابن حجر العسقلاني. (4)

ويشكل على هذا التوفيق الذي ذكره ابن حجر أن المسألة ليست من مسائل النظر والاجتهاد، ولكنها مسألة غيبية لا يتكلم فيها إلا بوحي، والله أعلم.

وقد يشكل على القول بأن أولاد المؤمنين والمشركين في الجنة ما ورد من نصوص دالة علي أن الله علم أهل الجنة والنار أزلاً، وأن الملك عندما يزور الرحم يكتب رزق الجنين وأجله وشقاءه وسعادته، وقد يقال في الجواب: إن من مات صغيراً قبل الاكتساب فإنه يكون مكتوباً من السعداء وهو في بطن أمه، والله أعلم بالصواب.

(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (24/372) .

(2)

فتح الباري: (3/247) .

(3)

التذكرة للقرطبي: ص 515.

(4)

فتح الباري: (3/247) .

ص: 202

وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أنهم في مشيئة الله تعالى، وهذا منقول عن حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، وإسحاق، ونقله البيهقي في " الاعتقاد " عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة، قال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنده في هذا شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار خاصة في المشيئة، والحجة فيه حديث:" الله أعلم بما كانوا عاملين ". (1)

وهذا القول حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة (2) ، وهو اختيار شيخ الإسلام، فقد اختار أن أطفال المشركين في مشيئة الله، وأنهم يمتحنون في يوم القيامة، وعزا القول بذلك إلى أبي الحسن الأشعري والإمام أحمد، قال شيخ الإسلام: "والصواب أن يقال فيهم: الله أعلم بما كانوا عاملين، ولا يحكم لمعين منهم بجنة ولا نار، وقد جاء في عدة أحاديث أنهم يوم القيامة يمتحنون في عرصات القيامة يؤمرون وينهون، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، وهذا هو الذي ذكره أبو المحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة. (3)

وقال في موضع آخر: "أطفال المشركين الذين لم يكلفوا في الدنيا يكلفون في الآخرة، كما وردت بذلك أحاديث متعددة، وهو القول الذي حكاه أبو الحسن الأشعري في أطفال المشركين، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عنهم فقال: " الله أعلم بما كانوا عاملين ". (4)

(1) فتح الباري: (3/246)

(2)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (4/281 – 404) ، (24/372) .

(3)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (4/281 – 404) ، (24/372) .

(4)

مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (4/281) .

ص: 203

وقد ذكر ابن حجر أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أبى عذب، أخرجه البزار من حديث أنس وأبي سعيد، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل، وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون، ومن في الفترة من طرق صحيحة، وحكى البيهقي في " كتاب الاعتقاد " أنه المذهب الصحيح. (1)

ويدل لصحة هذا القول ما ورد في محكم القرآن في قصة العبد الصالح الذي رحل نبي الله موسى إلى لقائه في مجمع البحرين، فإنه قال مبيناً السر في قتله الغلام:(وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيناً وكفرا)[الكهف: 80]، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الغلام الذي قتله الخضر: " طبع يوم طبع كافراً، ولو ترك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً " قال ابن تيمية معقباً على الحديث: " يعني طبعه الله في أم الكتاب، أي أثبته وكتبه كافراً، أي أنه إن عاش كفر بالفعل ".

وقد ضعف القرطبي هذا المذهب محتجاً بأن الآخرة دار جزاء لا ابتلاء، ففي " التذكرة " قال المؤلف (يعني نفسه) :"ويضعفه (القول بامتحانهم في عرصات القيامة) من جهة المعنى أن الآخرة ليست بدار تكليف، وإنما هي دار جزاء: ثواب، وقال الحليمي: وهذا الحديث ليس بثابت، وهو مخالف لأصول المسلمين، لأن الآخرة ليست بدار امتحان، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة، ولا محنة مع الضرورة ". (2)

وهذا الذي اعترض به من أن التكليف ينقطع بالموت غير صحيح، وقد رد

(1) فتح الباري: (3/246) .

(2)

التذكرة: ص 514.

ص: 204

على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، قال:" التكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار، وأما عرصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ، فيقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وقال تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) [القلم: 42] ، وقد ثبت في الصحيح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يتجلى الله لعباده في الموقف، إذا قيل ليتبع كل قوم ما كانوا يعبدون، فيتبع المشركون آلهتهم، ويبقى المؤمنون، فيتجلى لهم الرب الحق في غير الصورة التي كانوا يعرفون، فينكرونه، ثم يتجلى لهم في الصورة التي يعرفون، فيسجد له المؤمنون، وتبقى ظهور المنافقين كقرون البقر، فيريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون، وذلك لقوله:(يوم يكشف عن ساق)[القلم: 42] . (1)

فالمحنة لا تتوقف إلا بدخول الجنة والنار، وما ذكره القرطبي من أن المعرفة بالله في ذلك اليوم ضرورية صحيح، إلا أن المحنة تكون بالأمر والنهي كما ورد في بعض النصوص أن الله يكلفهم في ذلك اليوم بالدخول في النار، فالذي يطيع يكون من أهل السعادة، والذي يعصي يكون من أهل الشقاء.

(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (24/372)، وانظر:(17/309) .

ص: 205