الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
(في بيان إشراك صاحب الرسالة الإيمانية بعبادة غير الله)
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: {إياك نعبد وإياك نستعين} (1) ((والعبادة في اللغة من الذلة، يقال طريق معبد، وبعير معبد، أي مذلل. وفي الشرع: عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف. وقدم المفعول وهو إياك، وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة. والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين.
وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن وسرها هذه الكلمة ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة وتفويض إلى الله عز وجل، وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى {فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون} (2){هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا} (3)
(1) الفاتحة: 5.
(2)
هود: 123.
(3)
الملك: 29.
{رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} (1) وكذلك هذه الآية الكريمة {إياك نعبد وإياك نستعين} )) .
يقول محمد تقي الدين: بمثل هذا فسر آية {إياك نعبد وإياك نستعين} جمهور المفسرين من الصدر الأول، فحقيقة العبادة غاية الذل في غاية الخضوع، وهي تشمل القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى. ومنها الاستعانة المذكورة هنا، والمراد بها الاستعانة بالله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ولا يدخل في الأسباب كإعطاء الأولاد، وإنزال المطر، وشفاء المريض لا بتعاطي العلاج بل بقول ((كن)) فيكون وإمداد الشخص بهداية القلب وتنويره، وتفريج الهم والغم عنه، وهو ما يسمى بالمدد عند المشركين الذين يزعمون أن غير الله قادر على إصلاح قلوبهم وإمدادها بنور الإيمان والفتوح الغيبية، فهذا النوع من الاستعانة خاص بالله تعالى فمن استعان بغيره في مثل ذلك فهو كافر مشرك، صارف حق الله لغير الله، ونحن نشاهد المشركين عبدة القبور والأضرحة وغيرها من الأمكنة التي يقدسونها، يطلبون من آلهتهم التي يسمونها أولياء وسادة وصالحين
(1) المزمل: 9.
نزول المطر وإعطاء الأولاد وتفريج الكروب وشفاء المريض وكشف الضر والنصر على العدو وقضاء الدين وإطالة عمر الأولاد وجعل المرأة التي تلد الإناث تلد الذكور ويتقربون إلى آلهتهم بأنواع من العبادات: بالدعاء الذي هو مخ العبادة كما ثبت في الحديث وسيأتي إن شاء الله، والاستغاثة وقد صرح بجوازها المشرك المفتون، وبناء القباب على قبورهم، أو الأمكنة التي جلسوا فيها، والأمكنة التي يزعم بعض المنتحلين الدجالين أنه رأى في المنام شخصاً مشهوراً عندهم بالصلاح يقول له: ابنوا لي قبة في هذا المقام ويتقربون ويتملقون لها بتقبيل العتبات والتوابيت، ويمرغون خدودهم على القبور، ويتمسحون بها، ويهتفون بالأسماء المنسوبة إليها، ويقربون لها القرابين، ويذبحون الذبائح، ويحجون إليها ويطوفون، وينذرون لها النذور ويسمون ذلك بالوعدة، يزعمون أن الدعاء عندها أفضل منه في
المساجد. فهل هؤلاء يؤمنون بقوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} وبقوله تعالى {فاعبده وتوكل عليه} كلا والله هؤلاء ما يعرفون معنى لا إله إلا الله كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} .