المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توسل عمر بالعباس - الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق

[محمد تقي الدين الهلالي]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌الفصل الأول(في بيان إشراك صاحب الرسالة الإيمانية بعبادة غير الله)

- ‌ذكر بعض أنواع العبادة التي يصرفها المشركون لغير الله تعالى

- ‌أمر عمر بن الخطاب بقطع شجرة الرضوان

- ‌أحاديث النهي عن البناء على القبور والعبادة عدها سداً للذريعة الموصلة إلى الشرك

- ‌الفصل الثالث(في بيان أن كل بدعة ضلالة)

- ‌الفصل الرابعفي مسائل فرعية جاءت في رسالة البوعصامي العامي

- ‌المسألة الأولى: وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌المسألة الثانية: قراءة البسملة في أول سورة الفاتحة وأول كل سورة في الصلاة

- ‌المسألة الثالثة: قراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الموتى بدعة

- ‌تنبيهات

- ‌المسألة الرابعة: التأمين والجهر به

- ‌المسألة الخامسة: نسبة السدل إلى الإمام الشافعي

- ‌المسألة السادسة: التوسل بالمخلوق

- ‌توسل عمر بالعباس

- ‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب الاستغفار من أويس القرني

- ‌(بدعة قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة)

- ‌حقوق أهل البيت ما لهم وما عليهم

- ‌حديث: أذكركم الله في أهل بيتي

- ‌((القصيدة الأولى))

- ‌((القصيدة الثانية))

الفصل: ‌توسل عمر بالعباس

‌توسل عمر بالعباس

قال السهسواني في ص 207: ((المراد بالاستسقاء بالعباس والتوسل به الوارد في حديث أنس هو الاستسقاء بدعاء العباس على طريقة معهودة في الشرع وهي أن يخرج بمن يستسقي به إلى المصلى فيستسقي، ويستقبل القبلة داعياً ويحول رداءه ويصلي ركعتين أو نحوه من هيئات الاستسقاء التي وردت في الصحاح، والدليل عليه قول عمر: ((اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)) ، ففي هذا القول دلالة واضحة على أن التوسل بالعباس كان مثل توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا بأن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ويستقبل القبلة ويحول رداءه ويصلي ركعتين أو نحوه من الهيئات الثابتة للاستسقاء، ولم يرد في حديث ضعيف فضلاً عن الحسن أو الصحيح أن الناس طلبوا السقيا والدعاء والصلاة وغيرهما بغير ما ثبت بالأحاديث ومن يدعي وروده فعليه

الإثبات.

إذا ثبت هذا فاعلم أن الاستسقاء والتوسل على الهيئات التي وردت في الصحاح للاستسقاء لا يمكن إلا بالحي لا بالميت، فالقول بإمكان الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم من أبطل الأباطيل)) انتهى.

ص: 90

عمل أهل المدينة

اعلم أنه لا حجة إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في سورة النساء: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} (1) أما الإجماع فهو داخل فيهما إذ لا بد له من دليل منهما أو من أحدهما، وكذلك القياس عند من يقول به لا بد أن يكون مبنياً على دليل من الكتاب والسنة، ولا حجة في إجماع أهل بلد من البلدان عند جماهير الأئمة، واختلف المالكية في عمل أهل المدينة فأنكره بعضهم وأثبته بعضهم مطلقاً، والمحققون منهم فصلوا فقالوا: إن كان في المنقولات وكان في زمن الصحابة والتابعين، وكذلك في الأمور العملية كالمد والصاع مثلاً، وعدم زكاة الخضر فهو مقدم على خبر الواحد، لأن نقل جماعة مقدم على نقل واحد، لأنه حينئذٍ من قبيل الشاذ، أما في الاجتهادات فخبر الواحد مقدم عليه، وإذا لم يوجد خبره فهل يحتج به قولاً، انظر إعلام الموقعين ونصه: ((قال القاضي عبد الوهاب: وقد اختلف أصحابنا فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ليس بحجة أصلاً، وأن الحجة هي إجماع أهل

(1) النساء: 59.

ص: 91

المدينة من طريق النقل، ولا يرجح به أيضاً أحد الاجتهادين على الآخر.

وهذا قول أبي بكر وأبي يعقوب الرازي والقاضي أبي بكر ابن منتاب والطيالسي والقاضي أبي الفرج والشيخ أبي بكر الأبهري، وأنكروا أن يكون هذا مذهباً لمالك، ولأحد أصحابه)) انتهى.

أقول: وتقديم القاضي عبد الوهاب لهذا القول يقتضي أنه الراجح عنده، وقد أسرف الجهال في الاحتجاج بعمل أهل المدينة، ولم يميزوا المسائل التي ورد أنها من عمل أهل المدينة وهي المسائل التي لم يرد فيها شيء، غاية الأمر أن مالكاً قد قال فيها قولاً باجتهاده وليس بمعصوم، إذ المعصوم واحد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المتبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللصحابة والتابعين هم المتبعون لمالك في الحقيقة لأن مالكاً نهى عن اتباع قوله، إذا خالف الدليل، فمن اتبعه في تلك الحال فقد عصى الله ورسوله وعصى مالكاً نفسه وأطاع الشيطان.

وسأورد هنا مسائل خالف فيها مالك نفسه أهل المدينة والمنقول المحقق عن الصحابة والتابعين مع قيام الدليل على صحته، وأورد بعض المسائل التي عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومالك نفسه، ثم تركها بعض المنتسبين إلى مذهبه اعتماداً على بعض الأقوال الضعيفة السخيفة

ص: 92

المنقولة عن مالك هم ادعوا أن مالكاً ترك العمل بذلك لمخالفته لعمل أهل المدينة.

المسألة الأولى: رفع اليدين عند الركوع والرفع منه

رواه مالك في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا شك أنه عمل به لأن مقامه أجل من أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً ولا يعمل به، ولم يقل في الموطأ أن العمل على خلافه كما قال ذلك في حديث:((المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا)) .

قال ابن القيم في ((الإعلام)) : ((انظر إلى العمل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة خلفه، وهم يرفعون أيديهم في الصلاة في الركوع والرفع منه، ثم العمل في زمان الصحابة بعده حتى كان عبد الله بن عمر إذا رأى من لا يرفع يديه حصبه وهو عمل كأنه رأي عين.

وجمهور التابعين يعمل به في المدينة وغيرها من الأمصار كما حكاه البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما عنهم ثم صار العمل بخلافه)) .

قال محمد تقي الدين: فعبد الله بن عمر هو إمام أهل المدينة في آخر زمان الصحابة وفي وسط زمان التابعين، وقد علمت أنه كان يعاقب من لا يرفع يديه يرميه بالحصباء، فلا شك أنه كان يعتقده فرضاً إذ لا عقاب على ترك مستحب،

ص: 93

ولو سئل سفيه آخر الزمان لماذا لا ترفع يديك عند الركوع والرفع منه، لقال قلدت في ذلك مالكاً فقد نقل لي أنه كان لا يرفع، فإن قيل له هذا كتابه الموطأ الذي ألفه بيده ودرسه ستين سنة ليس فيه إلا الرفع. يقول: لا عمل على الموطأ، فلعل مالكاً رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وترك العمل به لأنه خلاف عمل أهل المدينة، فقال له: كذبت فعمل النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أهل المدينة في أفضل عصورها الرفع.

المسألة الثانية: دعاء الاستفتاح بعد التكبير

قال ابن القيم في الإعلام: ((فانظر العمل في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في جهره بالاستفتاح في الفرض في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة به، ثم ترك العمل به في زمان مالك بوصل التكبير بالقراءة من غير دعاء ولا تعوذ)) .

أقول: فهذا عمل أهل المدينة، جهر به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وفي الأزمنة المتأخرة نسب مالك إلى تركه، فعصى المقلدون الله ورسوله وعمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وعمل أهل المدينة المحقق في أفضل عصورها، وتركوا دعاء الاستفتاح والتعوذ والبسملة.

ص: 94

المسألة الثالثة: العمل بخيار المجلس

قال ابن القيم: ((انظر العمل في زمان الصحابة كعبد الله بن عمر في اعتبار خيار المجلس ومفارقته لمكان التبايع ليلزم العقد، ولا يخالفه في ذلك صحابي، ثم العمل به في زمان التابعين وإمامهم وعالمهم سعيد بن المسيب يعمل به ويفتي به ولا ينكره عليه منكر، ثم صار العمل في زمان ربيعة وسليمان بن بلال بخلاف ذلك.

روى مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار)) ، قال مالك: وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه)) .

قال السيوطي في شرح الموطأ: ((قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أثبت ما نقل العدول، وأكثرهم استعملوه وجعلوه أصلاً من أصول الدين في البيوع ورده مالك وأبو حنيفة وأصحابهما، ولا أعلم أحداً رده غير هؤلاء.

قال بعض المالكيين: دفعه مالك لإجماع أهل المدينة، وذلك عنده أقوى من خبر الواحد، وقال بعضهم لا تصح هذه الدعوى لأن سعيد بن المسيب وبن

ص: 95

شهاب روي عنهما منصوصاً العمل به، وهما أجل فقهاء أهل المدينة، ولم يرو عن أحد من أهل المدينة نصاً ترك العمل به إلا عن مالك وربيعة، وقد كان ابن أبي ذئب وهو من فقهاء أهل المدينة في عصر مالك، ينكر على مالك اختياره ترك العمل به حتى جرى منه في مالك قول خشن حمله عليه الغضب لما يستحسن مثله منه، فكيف يصح لأحد أن يدعي إجماع أهل المدينة عليه في هذه المسألة)) انتهى.

قال محمد تقي الدين: خيار المجلس ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين في المدينة فنحن نعمل به ونرد كلام مالك وشيخه ربيعة ومحتسب المدينة في ذلك الزمان سليمان بن بلال، وقد ثبت لك أن عمل أهل المدينة لا يستقر على حال بل يختلف باختلاف الأزمنة والولاة فلا يحل لأحد أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة والتابعين من أهل المدينة وغيرهم لعمل ثلاثة رجال جاءوا من بعدهم ولم يأمرنا الله باتباعهم، حتى ولو لم يخالفوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أهل المدينة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في عصر مالك كالإمام ابن أبي ذئب، ولو شئت أن أنقل مسائل أخرى من هذا القبيل، لضاق المقام على نقلها، وفيما ذكرته كفاية لمن يعرف الرجال بالحق، أما من يعرف الحق بالرجال فهو ضال مضل فلا كلام معه.

ص: 96