الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبدل، فليس هناك إلا سيد واحد وغيره عبيد خاضعون لأمره مطيعون له، فالسيد هو الله والخلق كلهم عبيد، ولكن الأنبياء فضلهم الله وخصهم بالوحي والرسالة، فهم سادات لسائر العبيد ولا يبلغ مرتبتهم أحد غيرهم ولكنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يدعون ولا يستغاث بهم ومن دعاهم أو صرف لهم شيئاً من العبادة فهو كافر.
أما المؤمنين فهم أولياء الله وحزبه المفلحون، فأولهم عند أهل السنة في الفضل: أبو بكر الصديق رضي الله عنه وآخرهم في الفضل رجل يخرج من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذهب أهل السنة والجماعة وكلهم أولياء الله، وبذلك تعلم فساد كلام ((البوعصامي)) وأنه جار على طريقة من ذكرنا من النصارى وسائر من يعتقد تعدد الآلهة، وقد تقدم الكلام على ذلك في الفصل الأول.
حقوق أهل البيت ما لهم وما عليهم
ثم قال ((البوعصامي)) العمي معترضاً: ((وينكرون أهل البيت الذين قال الله فيهم {قل لا أسألكم عليه أجرا}
…
الخ وقال عليه السلام: ((أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً)) رواه مسلم. قالوا: من أهل البيت؟ قال: ((ذرية فاطمة إلى يوم القيامة)) )) .
لقد حرف هذا المشرك معنى الآية وزاد الحديث كذباً وافتراء منه ودونك تفسير الآية ومعنى الحديث على التحقيق:
قال القاسمي في تفسيره: (( {قل لا أسألكم عليه أجراً} أي لا أسألكم على دعايتكم إلى ما ادعوا إليه من الحق الذي جئتكم به والنصيحة التي أنصحكم ثواباً وجزاء وعوضاً من أموالكم تعطونه إلا المودة في القربى، أي أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم وتصلوا الرحم التي بيننا ولا يكن غيركم يا معشر قريش أولى بحفظي ونصرتي ومودتي منكم، قال الشهاب: المودة مصدر مقدر بأن والفعل، والقربى مصدر كالقرابة و ((في)) للسببية وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة، والخطاب إما لقريش وإما لجميع العرب لأنهم أقرباء في الجملة. انتهى، والاستثناء منقطع ومعناه نفي الأجر أصلاً؛ لأن ثمرة مودتهم عائدة إليهم لكونها سبب نجاتهم فلا تصلح أن تكون أجراً له، وقيل معنى أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم، وقيل ((القربى)) التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، أي إلا أن تتوددوا إلى الله فيما يقربكم إليه، والمعنى الأول هو الذي عول عليه الأئمة ولم يرتض ابن عباس وغيره، ففي البخاري عنه رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى:{إلا المودة في القربى} ، قال
سعيد بن جبير: ((القربى آل محمد)) ، فقال ابن عباس:((عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة)) .
قال ابن كثير: ((انفرد به البخاري)) أي عن مسلم ورواه الإمام أحمد وهكذا روى الشعبي والضحاك وعلي بن أبي طلحة والعوفي ويوسف بن مهران وغير واحد عن ابن عباس مثله وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس قال:((قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم وتحفظوا القربة التي بيني وبينكم)) وروى الإمام أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أسألكم على ما آتيتكم به من البينات والهدى أجراً إلا أن تودوا الله تعالى وأن تقربوا إليه بطاعته وهكذا روي عن قتادة والحسن البصري مثله.
وأما رواية أنها نزلت بالمدينة فيمن فاخر العباس من الأنصار فإسناده ضعيف على أن السورة مكية وليس يظهر بين الآية وتلك الرواية مناسبة، وكذا ما رواه ابن أبي حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: ((فاطمة وولدها رضي الله عنهم) فإن
في إسناده مبهماً لا يعرف، من شيخ شيعي وهو ((حسين الأشقر)) فلا يقبل خبره في هذا المجال، وذكر نزول الآية في المدينة بعيد فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية، فإنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة، والحق تفسير هذه الآية بما فسر به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه كما رواه البخاري.
ولا ننكر الوصية لأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً، خاصة إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه، وعلى وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته:((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأنهما لم يتفرقا حتى يردا على الحوض)) .
هذا ملخص ما أورده ابن كثير رحمه الله تعالى وسبقه في ذلك تقي الدين ابن تيمية في منهاج السنة من أوجه عديدة:
قال في الوجه الثالث: ((إن هذه الآية في سورة ((الشورى)) وهي مكية باتفاق أهل السنة بل جميع آل ((حم)) وكذلك
آل ((طسم)) ، ومن المعلوم أن علياً إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر، والحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة والحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية نزلت قبل الحسن والحسين بسنين متعددة فكيف فسر النبي صلى الله عليه وسلم الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق.
ثم قال:
الوجه الرابع: أن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك، فهذا ابن عباس ترجمان القرآن أعلم أهل البيت بعد علي يقول ليس معناه مودة ذوي القربى، لكن معناه لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجراً لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أولاً أن يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حين يبلغ رسالة ربه.
الوجه الخامس: أنه قال: {لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} ولو أراد المودة لذوي القربى لقال لذوي القربى كما قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ولرسوله ولذي القربى} وقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} وكذلك قوله: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} وقوله:
{وآت المال على حبه ذوي القربى} ، وكذلك في غير موضع فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وذوي قربى الإنسان، إنما قيل فيه ((ذوي القربى)) ولم يقل ((في القربى)) فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم دل على أنه لم يرد ذوي القربى.
الوجه السادس: أنه لو أريد المودة لهم لقال المودة لذوي القربى ولم يقل في القربى فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره: أسألك المودة في فلان ولا في قربى فلان، ولكن أسألك المودة لفلان والمحبة لفلان فلما قال المودة في القربى علم أنه ليس المراد لذوي القربى.
الوجه السابع: أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجراً البتة. بل أجره على الله كما قال: {قل ما أسألكم عليه أجراً وما أنا من المتكلفين. أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون} وقوله: {قل ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله} ، ولكن الاستثناء هنا منقطع كما قال:{قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا} ، ولا ريب أن محبة أهل النبي صلى الله عليه وسلم واجبة ولكن لم يثبت وجوبها بهذه الآية، ولا محبتهم أجر للنبي صلى الله عليه وسلم بل هو مما أمرنا به الله كما أمرنا بسائر العبادات.