المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثة: قراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الموتى بدعة - الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق

[محمد تقي الدين الهلالي]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌الفصل الأول(في بيان إشراك صاحب الرسالة الإيمانية بعبادة غير الله)

- ‌ذكر بعض أنواع العبادة التي يصرفها المشركون لغير الله تعالى

- ‌أمر عمر بن الخطاب بقطع شجرة الرضوان

- ‌أحاديث النهي عن البناء على القبور والعبادة عدها سداً للذريعة الموصلة إلى الشرك

- ‌الفصل الثالث(في بيان أن كل بدعة ضلالة)

- ‌الفصل الرابعفي مسائل فرعية جاءت في رسالة البوعصامي العامي

- ‌المسألة الأولى: وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌المسألة الثانية: قراءة البسملة في أول سورة الفاتحة وأول كل سورة في الصلاة

- ‌المسألة الثالثة: قراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الموتى بدعة

- ‌تنبيهات

- ‌المسألة الرابعة: التأمين والجهر به

- ‌المسألة الخامسة: نسبة السدل إلى الإمام الشافعي

- ‌المسألة السادسة: التوسل بالمخلوق

- ‌توسل عمر بالعباس

- ‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب الاستغفار من أويس القرني

- ‌(بدعة قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة)

- ‌حقوق أهل البيت ما لهم وما عليهم

- ‌حديث: أذكركم الله في أهل بيتي

- ‌((القصيدة الأولى))

- ‌((القصيدة الثانية))

الفصل: ‌المسألة الثالثة: قراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الموتى بدعة

‌المسألة الثالثة: قراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى الموتى بدعة

.

قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة النجم: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى} (1)((ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال: {أن لا تزر وازرة وزر أخرى} (2) أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله منها أحد كما قال: {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى} (3) و {أن ليس للإنسان إلى ما سعى} أي كما لا يحمل عليها وزر غيرها كذلك لا يحصل له من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه.

ومن هذه الآية استنبط الشافعي رحمه الله ومن تبعه أن القراءة لا يحصل ثواب إهدائها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ولو كان خيراً لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع

(1) النجم: 39، 40.

(2)

النجم: 38.

(3)

فاطر: 18.

ص: 75

الأقيسة والآراء. فأما الدعاء والصدقة فمجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما.

وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به)) ، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث:((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن ولده من كسبه)) ، والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى:{إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} (1) الآية. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضاً من سعيه وعمله وثبت في الصحيح ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء)) ، وقوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى} أي يوم القيامة كقوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} (2) أي فيخبركم به ويجزيكم عليه الجزاء الأوفى أي الأوفر)) انتهى.

(1) يس: 12.

(2)

التوبة: 105.

ص: 76

قال محمد تقي الدين: ومن ذلك تعلم أن ما زعمه ((البوعصامي)) العامي من أن عمر رضي الله عنه أوصى بقراءة الفاتحة وخاتمة البقرة (كذا) وعزاه إلى ((المشارق)) (1) كذب وافتراء على عمر، وحقه أن يعزى إلى المغارب لا إلى المشارق لبطلانه فهو غارب وليس بشارق. فمن رواه؟ وأين إسناده؟ ومن صححه أو حسنه؟ ، وهل كتاب المشارق على فرض صحة نسبته إليه قرآن لا يحتاج إلى سنده، أو أحد الصحيحين، أو أحد الكتب الستة وما يقاربها؟ ، فهذا يكون الإفلاس والالتجاء إلى بنيان الطريق.

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

------------------

يقولون أقوالاً ولا يعلمونها

إذا قيل هاتوا حققوا ولم يحققوا

{فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (2) ثم وقفت على الأثر الذي عزاه ((البوعصامي)) إلى عمر بن الخطاب جهلاً منه أو ممن نقل عنه، وجدته مروياً عن عبد الله بن عمر، رواه الخلال في جامعه بإسنادين كلاهما يدور على عبد الرحمن

(1) قال راقمه: لعله كتاب ((مشارق الأنوار)) وهو إما لابن العربي المالكي أو لـ الباجي الأندلسي.

(2)

الأنعام: 245.

ص: 77

بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه عن عبد الله بن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها.

قال في الهدي النبوي: ((عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج شامي عن أبيه ما روى عنه سوى مبشر بن إسماعيل الحلبي، وفي هذا الإسناد أيضاً الحسن بن أحمد بن الحكم دعي بالوراق لملازمته محمد بن إسماعيل الوراق، لا يعرف وقد روى عن محمد بن إسماعيل هذا خبراً منكراً متنه: ((اليمين الفاجرة تعقم الرحم)) وفي إسناده أيضاً محمد بن قدامة الجوهري اللؤلؤي أبو جعفر البغدادي قال ابن معين: ليس بشيء وقال أبو داود: ضعيف لم أكتب عنه شيئاً)) .

أقول: ومن ذلك تعلم أن هذا الأثر لا يصح عن ابن عمر، ولو فرضنا صحته فليس فيه حجة لأن قول الصحابي الواحد أو فعله ليس بحجة وإن لم يخالف الإجماع والسنة، فكيف وقد خالفهما.

والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله وتروكه فرض على كل مسلم في الأوامر والتروك. أما في الأفعال فإن لم يكن من خصائصه صلى الله عليه وسلم فهو سنة يثاب من فعله ولا يأثم من تركه، أما الأوامر والتروك فلا يسع أحد مخالفتها، ومن فعل التروك فقد ابتدع في دين الله، فهو في النار بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبادات لا مجال فيها للرأي والقياس، وإنما تؤخذ من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام

ص: 78

على ذلك في الفصل الثالث.

وقال الإمام الحافظ شمس الدين ابن القيم في كتاب ((الروح)) : ((وفي النسائي وغيره من حديث معقل بن يسار المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اقرؤوا ((يس)) على موتاكم)) )) .

قال في الهدي: حديث معقل بن يسار المزني، رواه أيضاً أبو داود وابن ماجة وأحمد ولفظه ((يس قلب القرآن. لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، واقرؤوها على موتاكم)) ورواه أيضاً ابن حبان وصححه وأعله ابن القطان بالاضطراب وبكونه موقوفاً على معقل بن يسار، وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه المذكورين في الإسناد وقد رأيت الذهبي يحمل الحكم عليه بما يلي:((أبو عثمان يقال: اسمه سعد عن أبيه معقل بن يسار المزني بحديث ((اقرؤوا يس على موتاكم)) لا يعرف أبوه ولا هو، ولا روى عنه سليمان التيمي)) وجاء في التهذيب (ج 12 ص 165) ((اسمه هرم بن نسيب وقيل هرم بن نصيب (1)) ) وقال الدارقطني: هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث، ولذلك كره مالك وأصحابه قراءة القرآن عند الميت وبعد موته وعلى قبره وهو الحق.

والكراهة هنا كراهة تحريم لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة حرام فعلها. وعلى تقدير ثبوته فالمراد به

(1) قال راقمه: في الحسام الماحق: بن هرم نصيب.

ص: 79

من حضره الموت لا من مات وقضى نحبه.

قال ابن القيم عقب إيراد الحديث المتقدم الذكر: ((وهذا يحتمل أن يراد به قراءتها على المحتضر عند موته مثل قوله ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) ويحتمل أن يراد به القراءة عند القبر.

والأول أظهر لوجوه:

الأول: أنه نظير قوله ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) .

والثاني: انتفاع المحتضر بهذه السورة، لما فيها من التوحيد والمعاد والبشرى بالجنة لأهل التوحيد وغبطة من مات بقوله:{يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} (1) فتستبشر الروح بذلك فتحب لقاء الله ويحب الله لقاءها، فإن هذه السورة قلب القرآن ولها خاصية عجيبة في قراءتها عند المحتضر، وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي قال: كنا عند شيخنا أبي الوقت عبد الأول وهو في السياق، وكان آخر عهدنا به أنه نظر إلى السماء وضحك وقال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين، وقضى.

الثالث: أن هذا علم الناس وعادتهم قديماً وحديثاً يقرؤون ((يس)) عند المحتضر.

(1) يس: 26، 27.

ص: 80