المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} : هذان مفعولا الاتخاذ. والعدوُّ لَمَّا - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ١٠

[السمين الحلبي]

الفصل: قوله: {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} : هذان مفعولا الاتخاذ. والعدوُّ لَمَّا

قوله: {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} : هذان مفعولا الاتخاذ. والعدوُّ لَمَّا كان بزنةِ المصادِر وقعَ على الواحدِ فما فوقَه، وأضاف العدوَّ لنفسه تعالى تغليظاً في جُرْمِهم.

قوله: {تُلْقُونَ} فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنه تفسيرٌ لموالاتِهم إياهم. الثاني: أنه استئنافُ إخبارٍ بذلك فلا يكون للجلمة على هذين الوجهَين محلٌّ من الإِعراب. الثالث: أنها حالٌ مِنْ فاعل «تَتَّخِذوا» أي: لا تتخذوا مُلْقِين المودةَ. الرابع: أنها صفة ل «أولياءَ» . قال الزمخشري: «فإن قلتَ: إذا جَعَلْتَه صفةً لأولياء، وقد جَرَى على غير مَنْ هوله، فأين الضميرُ البارزُ، وهو قولُك: تُلْقُون إليهم أنتم بالمودة؟ قلت: ذاك إنما اشترطوه في الأسماءِ دونَ الأفعالِ لو قيل: أولياءَ مُلْقِين إليهم بالمودَّة على الوصف لَما كان بُدٌّ مِن الضميرِ البارزِ» قلت: قد تقدَّمَتْ هذه المسألةُ مستوفاةً، وفيها كلامٌ لمكي وغيرِه. إلَاّ أن الشيخَ اعترضَ على كونِها صفةً أو حالاً بأنهم نُهُوا عن اتخاذِهم أولياءً مطلقاً في قولِه:{لَا تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ} [المائدة: 5‌

‌1]

والتقييدُ بالحالِ والوصفِ يُوهم

ص: 297

جوازَ اتِّخاذهم أولياءَ إذا انتفى الحالُ أو الوصفُ. ولا يَلْزَمُ ما قال لأنه معلومٌ من القواعدِ الشرعيةِ فلا مفهومَ لهما البتةَ. وقال الفراء: «تُلْقون من صلةِ أولياء» وهذا على أصولِهم مِنْ أنَّ النكرةَ تُوْصَلُ كغيرها من الموصولات.

قوله: {بالمودة} في الباء ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن الباءَ مزيدةٌ في المفعولِ به كقولِه: {وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195] . والثاني: أنها غيرُ مزيدةٍ والمفعولُ محذوفٌ، ويكون معنى الباءِ السببَ. كأنه قيل: تُلْقُوْن إليهم أسرارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأخبارَه بسبب المودةِ التي بينكم. / والثالث: أنها متعلقةٌ بالمصدرِ الدالِّ عليه «تُلْقُون» أي: إلقاؤُهم بالمودَّةِ، نقله الحوفيُّ عن البصريين، وجَعَلَ القولَ بزيادةِ الباءِ قولَ الكوفيين. إلَاّ أن هذا الذي نَقَله عن البصريين لا يُوافقُ أصولَهم؛ إذ يَلْزَمُ منه حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معموله، وهو لا يجوزُ عندَهم. وأيضاً فإنَّ فيه حَذْفَ الجملةِ برأسِها، فإنَّ «إلقاءَهم» مبتدأ و «بالمودة» متعلقٌ به، والخبرُ أيضاً محذوفٌ. وهذا إجحافٌ.

قوله: {وَقَدْ كَفَرُواْ} فيه أوجهٌ: الاستئناف، والحالُ مِنْ فاعِل «تتَّخذوا» والحالُ مِنْ فاعلِ «تُلْقُون» أي: لا تتولَّوْهم ولا توادُّوهم وهذه حالُهم. والعامَّةُ «بما» بالباء، والجحدري وعاصمٌ في روايةٍ «لِما» باللام

ص: 298

أي: لأجلِ ما جاءكم، فعلى هذا الشيءِ المكفورِ غيرُ مذكور، تقديره: كفروا باللَّهِ ورسولِه.

قوله: {يُخْرِجُونَ الرسول} يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً، وأن يكونَ تفسيراً لكُفْرِهم، فلا مَحَلَّ له على هذَيْن، وأَنْ يكونَ حالاً مِنْ فاعل «كفروا» .

قوله: {وَإِيَّاكُمْ} عطفٌ على الرسول. وقُدِّم عليهم تَشريفاً له.

وقد استَدَلَّ به مَن يُجَوِّزُ انفصالَ الضميرِ مع القدرةِ على اتصالِه، إذ كان يجوز أَنْ يُقال: يُخْرجونكم والرسولَ، فيجوز:«يُخْرجون إياكم والرَّسولَ» في غيرِ القرآنِ وهو ضعيفٌ؛ لأنَّ حالةَ تقديمِ الرسولِ دلالةٌ على شَرَفِه. لا نُسَلِّمُ أنه يُقَدَرُ على اتِّصاله. وقد تقدَّم لك الكلامُ على هذه الآيةِ عند قولِه تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ} في سورةِ النساء فعليك باعتباره.

قوله: {أَن تُؤْمِنُواْ} مفعولٌ له. وناصبُه: «يُخْرِجون» أي: يُخْرجونكم لإِيمانِكم أو كراهةَ إيمانِكم.

قوله: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ} جوابُه محذوفٌ عند الجمهور لتقدُّمِ «لا تتَّخذوا» ، ومقدم وهو «لا تتخذوا» عند الكوفيين ومَنْ تابعهم. وقد تقدَّم تحريرُه. وقال الزمخشري: و {إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ} متعلِّقٌ ب «لا تَتَّخذوا» . يعين: لا تتولَّوْا أعدائي إنْ كنتم أوليائي. وقولُ النحويين في مثلِه: هو شرطٌ، جوابُه محذوفٌ لدلالةِ ما قبله عليه «انتهى. يريد أنَّه

ص: 299

متعلِّقٌ به من حيث المعنى. وأمَّا من حيث الإِعراب فكما قال جمهورُ النَّحْويين.

قوله:» جِهَاداً وابتغآء «يجوزُ أَنْ يُنْصَبا على المفعول له أي: خَرَجْتُمْ لأجلِ هذَيْن، أو على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: تُجاهِدون، وتبتَغُون، أو على أنهما في موضع الحال.

قوله: {تُسِرُّونَ} يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً، ولم يذكُر الزمخشريُّ غيرَه، وأن يكونَ حالاً ثانية مِنْ ما انتصب عنه» تُلْقُون «حالاً، وأَنْ يكونَ بدلاً مِنْ» تُلْقُون «، قاله ابن عطية. ويُشْبه أَنْ يكونَ بدلَ اشتمالٍ لأنَّ إلقاءَ المودةِ يكون سرّاً وجَهْراً، فَأَبْدَل منه هذا للبيانِ بأيِّ نوعٍ وقع الإِلقاء، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: أنتم تُسِرُّون، قاله ابن عطية، ولا يَخْرجُ عن معنى الاستئناف. وقال أبو البقاء:» هو توكيدٌ ل «تُلْقُون» بتكريرِ معناه «وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الإِلقاءَ أعمُّ مِنْ أَنْ يكونَ سِرَّاً أو جَهْراً.

وقوله: {بالمودة} الكلامُ في الباء هنا كالكلامِ عليها بعد» تُلْقُون «.

قوله: {وَأَنَاْ أَعْلَمُ} هذه الجملةُ حالٌ مِنْ فاعل» تُسِرُّون «أي: وأيُّ طائلٍ لكم في إسْراركم وقد عَلِمتم أن الإِسرارَ والإِعلان سيَّانِ في علمي؟ و» أعلمُ «يجوز أن يكونَ أفعلَ تفضيل وهو الظاهرُ، وأَنْ يكون فعلاً

ص: 300

مضارعاً. قال ابن عطية:» وعُدِّي بالباء لأنك تقول: علمتُ بكذا «.

قوله: {وَمَن يَفْعَلْهُ} في الضمير وجهان، أظهرهما: أنه يعود على الإِسرار؛ لأنه أقربُ مذكورٍ. والثاني: أنه يعودُ على الاتخاذ، قاله ابنُ عطية.

قوله: {سَوَآءَ السبيل} يجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً على الظَّرْفِ إنْ قلنا:» ضَلَّ «قاصرٌ، وأَنْ يكونَ مفعولاً به إنْ قلنا: هو متعدٍّ.

ص: 301

قوله: {وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} : في «وَدُّوا» وجهان، أحدهما: أنه معطوفٌ على جواب الشرطِ وهو قوله: «يكونوا» و «يَبْسُطوا» قاله الزمخشري. ثم رتَّب عليه سؤالاً وجواباً فقال: «فإنْ قلتَ: كيف أورَدَ جوابَ الشرط مضارعاً مثلَه ثم قال:» وَدُّوا «بلفظ الماضي؟ قلت: الماضي وإنْ كان يجري في باب الشرط مَجْرى المضارع في علم الإِعراب، فإن فيه نكتةً، كأنه قيل: وودُّوا قبل كلِّ شيءٍ كُفْرَكم وارتدادَكم، يعني: أنهم يريدون أن يُلْحِقوا بكم مَضارَّ الدنيا والآخرةِ جميعاً» . والثاني: أنه معطوفٌ على جملةِ الشرط والجزاء، ويكون تعالى قد أخبر بخبَرَيْن: بما تَضَمَّنَتْه الجملةُ الشرطيةُ، وبودادتهم كُفْرَ المؤمنين. وجعل الشيخُ هذا راجحاً، وأسقط به سؤالَ الزمخشريِّ وجوابَه فقال:«وكان الزمخشريُّ فَهِمَ مِنْ قولِه:» وَوَدُّوا «أنه معطوفٌ على جوابِ الشرطِ. والذي يظهرُ أنه ليس معطوفاً عليه لأنَّ/ ودادتَهم كفرَهم ليسَتْ

ص: 301

مترتبةً على الظفر بهم والتسليطِ عليهم، بل هم وادُّون كفرَهم على كلِّ حالٍ، سواءً ظَفِروا بهم أم لم يظفروا بهم» . انتهى.

قلت: والظاهرُ أنه عطفٌ على الجواب. وقوله: هم وادُّون ذلك مُطلقاً مُسَلَّمٌ، ولكن ودادتَهم له عند الظفرِ والتسليطِ أقربُ وأطمعُ لهم فيه.

وقوله: {لَوْ تَكْفُرُونَ} يجوزُ أَنْ تكونَ لما سيقعُ لوقوع [غيرِه] ، وأَنْ تكونَ المصدريةَ عند مَنْ يرى ذلك، وقد تقدَّم تحريرهما في البقرة.

ص: 302

قوله: {يَوْمَ القيامة} : يجوز فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يتعلَّقَ بما قبلَه أي: لن ينفعَكم يومَ القيامة فَيُوقَفُ عليه ويُبْتدأ «يَفْصِلُ بينكم» . والثاني: أَنْ يتعلَّقُ بما بعده أي: يَفْصِلُ بينكم يومَ القيامة، فيوقف على «أولادكم» ويُبتدأ «يوم القيامة» .

والقُرَّاء في «يَفْصِلُ» بينكم على أربعِ مراتبَ، الأولى: لابن عامر بضم الياءِ وفتح الفاءِ والصادُ مثقَّلةٌ. الثانية: كذلك إلَاّ أنَّه بكسرِ الصاد للأخوَيْن. الثالثة: بفتح الياء وسكونِ الفاءِ وكسرِ الصاد مخففةً لعاصم. الرابعة: بضمِّ الياء وسكونِ الفاءِ وفتح الصادِ مخففةً للباقين، وهم نافعٌ وابنُ كثير وأبو عمروٍ هذا في السَبعة. وقرأ ابنُ أبي عبلةٍ وأبو حيوةَ بضم الياء وسكون الفاء وكسرِ الصادِ مخففةً، مِنْ أَفْصَلَ. وأبو حيوة أيضاً «نُفْصِلُ» بضمِّ النونِ مِنْ أَفْصَلَ. والنخعيُّ وطلحة «نُفَصِّلُ» بضم النون

ص: 302

وفتح الفاء وكسر الصاد مشددةً. وقرأ أيضاً وزيد بن علي «نَفْصِلُ» بفتح النون وسكون الفاء وكسرِ الصاد مخففةً. فهذه أربعٌ فصارت ثمانِ قراءاتٍ.

فمَنْ بناه للمفعولِ فالقائمُ مقام الفاعلِ: إمَّا ضميرُ المصدرِ أي: يُفْصَل الفصلُ أو الظرف، وبُني على الفتح لإِضافته إلى غير متمكن كقوله:{لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] في أحدِ الأوجه، أو الظرفُ وهو باقٍ على نصبِه كقولك:«جُلس عندَك» .

ص: 303

قوله: {في إِبْرَاهِيمَ} : فيه أوجهٌ، أحدها: أنه متعلقٌ ب «أُسوة» تقول: «لي أُسْوَة في فلان» . وقد منع أبو البقاء أَنْ يتعلَّقَ بها. قال: «لأنها قد وُصِفَتْ» وهذا لا يُبالى به لأنه يُغتفر في الظرفِ ما لا يُغتَفر في غيره. الثاني: أنه متعلق بحسنة تعلُّقَ الظرفِ بالعامل. الثالث: أنَّه نعتٌ ثانٍ لأُسْوَة. الرابع: أنه حالٌ من الضمير المستترِ في «حسنةٌ» . الخامس: أن يكونَ خبرَ كان، و «لكم» تبيينٌ. وقد تقدَّم لك قراءتا «أسْوة» في الأحزاب، والكلامُ على مادتِها.

قوله: {إِذْ قَالُواْ} فيه وجهان،: أحدهما: أنَّه خبرُ كان. والثاني: أنه متعلقٌ بخبرها، قالهما أبو البقاء. ومَنْ جَوَّزَ في «كان» أَنْ تعملَ في الظرف عَلَّقه بها.

قوله: {بُرَآءُ} هذه قراءةُ العامَّةِ بضمِّ الباءِ وفتح الراءِ وألفٍ بين

ص: 303

همزتَيْن، جمعَ بريء، نحو: كُرَماء في جمع كريم. وَعيسى الهمذاني بكسرِ الباء وهمزةٍ واحدةٍ بعد ألف نحو: كرام في جمع كريم. وعيسى أيضاً، وأبو جعفر، بضم الباءِ وهمزةٍ بعد ألف. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه جمعُ بَرِيْء أيضاً، والأصلُ كسرُ الباءِ، وإنما أبدل من الكسرةِ ضمةً، ك رُخال ورُباب قاله الزمخشري. الثاني: أنه جمعٌ أيضاً ل بَرِيء، وأصلُه برَآء كالقراءةِ المشهورة، إلَاّ أنه حَذَفَ الهمزة الأولى تخفيفاً، قاله أبو البقاء. الثالث: أنه اسمُ جمعٍ ل بريء نحو: تُؤَام وظُؤَار اسْمَيْ جمعٍ لتَوْءَم وظِئْر. وقرأ عيسى أيضاً: «بَراء» بفتح الباء. وهمزة بعد ألف كالتي في الزخرف، وصَحَّ ذلك لأنه مصدرٌ والمصدرُ يقع على الجمع كوقوعِه على الواحد. قال الزمخشري:«والبَراء والبراءةُ كالظَّماء والظَّماءة» . وقال مكي: «وأجاز أبو عمروٍ وعيسى ابن عمر» بِراء «بكسر الباء جعله ككريم وكِرام. وأجاز الفراء» بَراء «بفتح

ص: 304

الباء» ثم قال: «وبَراء في الأصلِ مصدرٌ» كأنه لم يَطَّلِعْ عليها قراءةً منقولةً.

قوله: {إِلَاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه استثناءٌ متصلٌ مِنْ قولِه: «في إبراهيم» ولكنْ لا بُدَّ مِنْ حذفِ مضافٍ ليصِحَّ الكلامُ، تقديرُه: في مقالات إبراهيم/ إلَاّ قولَه كيت وكيت. الثاني: أنه مستثنى مِنْ «أسوةٌ حسنةٌ» وجاز ذلك لأن القولَ أيضاً من جملة الأُسْوة؛ لأن الأسوةَ الاقتداءُ بالشخص في أقوالِه وأفعالِه، فكأنه قيل لكم: فيه أُسْوة في جميع أحوالِه من قَوْلٍ وفِعْلٍ إلَاّ قولَه كذا. وهذا عندي واضحٌ غيرُ مُحْوِجٍ إلى تقديرِ مضافٍ وغيرُ مُخْرِجِ الاستثناءِ من الاتصالِ الذي هو أصلُه إلى الانقطاع، ولذلك لم يذكُر الزمخشريُّ غيرَه قال:«فإنْ قلتَ مِمَّ استثنى قَولَه: {إِلَاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ} ؟ قلت مِنْ قولِه:» أُسْوَةٌ حسنةٌ «لأنه أرادَ بالأُسوةِ الحسنةِ قولهم الذي حَقَّ عليهم أَنْ يَأْتَسُوا به ويتخذوه سنةً يَسْتَنُّون بها.

فإنْ قلت: فإنْ كانَ قولُه: «لأستغفرَنَّ لك» مستثنى من القولِ الذي هو أُسْوَةٌ حسنةٌ فما بالُ قولِه: {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ} ، وهو غيرُ حقيقٍ بالاستثناء. ألا ترى إلى قولِه:{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئاً} [الفتح: 11] قلت: أرادَ استثناءَ جملةِ قولِه لأبيه، والقصدُ إلى موعدِ الاستغفارِ له وما بعده مبنيٌّ عليه وتابعٌ له. كأنه قال: أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلَاّ الاستغفارُ «. الثالث: قال ابن عطية:» ويحتمل أن يكون الاستثناءُ من التبرُّؤِ والقطيعة التي ذُكِرت أي: لم تُبْقِ صلةً إلَاّ كذا «. الرابع: أنه استثناءٌ

ص: 305

منقطع أي: لكنْ قولُ إبراهيم. وهذا بناءً مِنْ قائليه على أنَّ القولَ لم يَنْدَرِجْ تحت قولِه:» أُسْوة «وهو ممنوعٌ.

ص: 306

قوله: {رَبَّنَا} : يجوز أنْ يكونَ مِنْ مقولِ إبراهيمَ والذين معه فهو من جملةِ الأُسْوَةِ الحسنةِ، وفَصَلَ بينهما بالاستثناءِ ويجوز أَنْ يكونَ منقطعاً ممَّا قبله على إضمارِ قولٍ، وهو تعليمٌ من الله تعالى لعبادِه كأنَّه قال لهم: قولوا ربَّنا عليك تَوَكَّلْنا. والأولُ أظهرُ.

ص: 306

قوله: {لِّمَن كَانَ يَرْجُو} : بدلٌ من الضمير في «لكم» بدلُ بعضٍ مِنْ كل. وقد تقدَّم مثلُه في الأحزاب. والضميرُ في «فيهم» عائدٌ على إبراهيم ومَنْ معه وكُرِّرَتْ الأُسْوةُ تأكيداً.

ص: 306

قوله: {أَن تَبَرُّوهُمْ} ، {أَن تَوَلَّوْهُمْ} : بدلان من «الذين» قبلَهما بدلُ اشتمالٍ. والمعنى: لا يَنهاكم اللَّهُ تعالى عن مَبَرَّةِ هؤلاء، إنما يَنْهاكم عن تَوَلِّي هؤلاء.

ص: 306

قوله: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} : قيل: هو تأكيد للأول لتلازُمِهِا. وقيل: أراد استمرارَ الحكم بينهم فيما يَسْتقبِلُ، كما هو في الحال ما داموا مشركين وهُنَّ مؤمناتٌ. وقوله:«المؤمنات» تسميةٌ للشيء بما يقارِبُه ويُشارِفُه أو في الظاهر. وقُرِىء «مُهاجراتٌ» بالرفع وخُرِّجَتْ على البدلِ. الجملةُ مِنْ قولِه: {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} فائدتُها: بيان أنَّه لا سبيلَ لكم إلى ما تطمئنُّ به النفس ويُثلج الصدرَ من الإِحاطة

ص: 306

بحقيقةِ إيمانهنَّ، فإنَّ ذلك ممَّا استأثر اللهُ به. قاله الزمخشري: وسُمِّي الظنُّ الغالِبُ في قولِه: «عَلِمْتُموهُنَّ» عِلْماً لما بينهما من القُرْب، كما يقع الظنُّ موقعَه. وتقدَّم ذلك في البقرة.

وقوله: {أَن تَنكِحُوهُنَّ} أي: في أَنْ. وقوله: «إذا آتيْتُمُوهُنَّ» يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفاً مَحْضاً، وأَنْ يكونَ شرطاً، جوابُه مقدَّرٌ أي: فلا جُناحَ عليكم.

قوله: {وَلَا تُمْسِكُواْ} قرأ أبو عمرو في آخرين بضم التاء وفتح الميم وشدِّ السين، وباقي السبعة بتخفيفها مِنْ مَسَّك وأَمْسَك بمعنىً واحد. ويقال: أَمْسَكْتُ الحَبْل إمساكاً ومَسَّكْتُه تَمْسكياً. وفي التشديد مبالغةٌ، والمخفَّفُ صالحٌ لها أيضاً. وقرأ الحسن وابنُ أبي ليلى وأبو عمروٍ وابنُ عامرٍ في روايةٍ عنهما «تَمَسَّكُوا» بالفتح في الجميعِ وتشديدِ السينِ. والأصلُ: تَتَمسَّكوا بتاءين، فحُذِفَتْ إحداهما. وعن الحسن أيضاً «تَمْسِكوا» مضارع مَسَكَ ثلاثياً. والعِصَمُ: جمع عِصْمة، والكوافر: جمع كافرة كضَوارب في ضاربة. ويُحكى عن الكَرْخِيِّ الفقيهِ المعتزليِّ أنه قال: الكوافِرُ يشملُ الرجالَ والنساءَ. قال الفارسي: / «فقلت له: النَّحْويون لا يَرَوْن هذا إلَاّ في النساءِ جمعَ» كافرة «فقال: أليس يُقال: طائفة كافرة، وفِرْقَةٌ كافرة. قال أبو علي: فبُهِتُّ وقلتُ: هذا

ص: 307

تأييدٌ إلهيٌّ» قلت: وإنما أُعْجِبَ بقولِه لكونِه معتزليّاً مثلَه. والحقُّ أنه لا يجوز «كافِرة» وصفاً للرجال، إلَاّ أن يكونَ الموصوفُ مذكوراً نحو: هذه طائفة كافرة، أو في قوةِ المذكور. أمَّا أنه يقال:«كافرة» باعتبارِ الطائفة غير المذكورة، ولا في قوةِ المذكورة بل لمجردِ الاحتمالِ، ويُجمع جَمْعَ فاعِلة، فهذا لا يجوزُ. وقولُ الفارسي:«لا يَرَوْنَ هذا إلَاّ في النساء» صحيحٌ ولكنه الغالِبُ. وقد يُجْمَعُ فاعِل وصفُ المذكرِ العاقلِ على فواعِل وهو محفوظٌ نحو: فوارِس ونواكِس.

قوله: {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} فيه وجهان، أحدُهما: أنه مستأنفٌ لا محلَّ له. والثاني: أنه حالٌ مِنْ «حُكْمُ» . والراجعُ: إمَّا مستترٌ أي: يحكم هو أي: الحكم على المبالغةِ، وإمَّا محذوفٌ أي: يحكمُه. وهو الظاهرُ.

ص: 308

قوله: {شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} : يجوز أَنْ يتعلَّقَ «مِنْ أزواجِكم» ب «فاتَكم» أي: مِنْ جهةِ أزواجِكم، ويُراد بالشيء المَهْرُ الذي غُرِّمَه الزوجُ؛ لأنَّ التفسيرَ وَرَدَ: أنَّ الرجلَ المسلمَ إذا فَرَّتْ زوجتُه إلى الكفار أَمَرَ اللَّهُ تعالى المؤمنين أَنْ يُعْطُوْه ما غُرِّمَه، وفَعَله النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع جمعٍ مِن الصحابة، مذكورون في التفسير، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوف على أنَّه صفةٌ لشيء، ثم يجوز في «شيء» أَنْ يُرادَ به ما تقدَّم من المُهورِ، ولكن على هذا لا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ أي: مِنْ مُهورِ أزواجِكم ليتطابقَ الموصوفُ وصفتُه، ويجوزُ أَنْ يُرادَ بشيء النساءُ أي: شيءٌ من النساء أي: نوعٌ وصنفٌ منهنَّ، وهو ظاهرٌ، وصَفَه بقولِه:«مِن أزواجِكم» .

ص: 308

وقد صرَّح الزمخشري بذلك فإنه قال: «وإنْ سبقكم وانفَلَت منكم شيءٌ مِنْ أزواجكم، أحدٌ منهن إلى الكفار وفي قراءة ابنِ مسعود» أحد «فهذا تصريحٌ بأنَّ المرادَ بشيء النساءُ الفارَّاتُ. ثم قال:» فإنْ قلتَ: هل لإِيقاع «شيء» في هذا الموقعِ فائدةٌ؟ قلت: نعم الفائدةُ فيه: أن لا يُغادِرَ شيئاً من هذا الجنسِ، وإنْ قَلَّ وحَقُر، غيرَ مُعَوَّضٍ منه، تَغْليظاً في هذا الحكم وتشديداً فيه «ولولا نَصُّهُ على أنَّ المرادَ ب» شيء «» أحد «كما تقدَّم لكَان قولُه:» أن لا يغادِرَ شيئاً من هذا الجنس وإن قَلَّ وحَقُر «ظاهراً في أنَّ المرادَ ب» شيء «المَهْرُ؛ لأنه يُوْصَفُ بالقلة والحَقارة وصفاً شائعاً. وقوله:» تغليظاً وتشديداً «فيه نظرٌ؛ لأنَّ المسلمين ليس [لهم] تَسَبُّبٌ في فِرار النساءِ إلى الكفار، حتى يُغَلَّظَ عليهم الحكمُ بذلك. وعَدَّى» فات «ب» إلى «لأنه ضُمِّن معنى الفِرار والذَّهابِ والسَّبْقِ ونحوِ ذلك.

قوله: {فَعَاقَبْتُمْ} عطفٌ على» فاتَكم «. وقرأ العامَّةُ» عاقَبْتُم «وفيه وجهان، أحدهما: أنَّه من العقوبة. قال الزجاج:» فعاقبْتُم: فَأَصَبْتُموهم في القتالِ بعقوبةٍ حتى غَنِمْتُم «. الثاني: أنه من العُقْبة وهي النَّوْبَةُ، شبَّه ما حَكَم به على المسلمين والكافرين مِنْ أداءِ هؤلاء مهورَ نساءِ أولئك تارةً، وأولئك مهورَ نساءِ هؤلاء أخرى، بأَمْرٍ يتعاقبون فيه كما يُتعاقَبُ في

ص: 309

الرُّكوب وغيرِه، ومعناه: فجاءَتْ عُقْبَتُكم مِنْ أداء المَهْر» انتهى.

وقرأ مجاهدٌ والأعرجُ والزهريُّ وأبو حيوةَ وعكرمةُ وحميدٌ بشَدِّ القاف، دون ألفٍ، ففَسَّرها الزمخشريُّ على أصلِه بعَقَّبه إذا قفَاه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من المتعاقِبَيْن يَقْفي صاحبه وكذلك «عَقَبْتُم» بالتخفيف يقال:«عَقَبه يَعْقُبُه» انتهى. قلت: والذي قرأه بالتخفيف وفتحِ القافِ النخعيُّ وابن وثاب والزهري والأعرج أيضاً، وبالتخفيف وكسر القافِ مَسْروقٌ والزهريُّ والنخعي أيضاً.

وقرأ مجاهد «أَعْقَبْتُمْ» . قال الزمخشريُّ معناه: «دَخَلْتُم في العُقْبة» .

وأمَّا الزجَّاجُ ففَسَّر القراءاتِ الباقيةَ: فكانت العُقْبى لكم أي: كانت الغلبةُ لكم حتى غَنِمْتُم. والظاهرُ أنه كما قال الزمخشريُّ من المعاقبة بمعنى المناوَبة. يقال: عاقَبَ الرجلُ صاحبَه في كذا أي: جاء فِعْلُ كلِّ واحد منهما بعَقِبِ فِعْلِ الآخرِ ويُقال: أَعْقَبَ أيضاً، وأُنشِد:

ص: 310

4255 -

وحارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ ولم يكُنْ

لعُقْبَةِ قِدْرِ المُسْتعيرينَ مُعقِبُ

ص: 311

قوله: {يُبَايِعْنَكَ} : حالٌ. وشيئاً مصدرٌ أي: شيئاً من الإِشراك. وقرأ علي والسُّلمي والحسن «يُقَتِّلْن» بالتشديد و «يَفْتَرِيْنَه» صفةٌ لبُهتان، أو حالٌ مِنْ فاعل «يَأْتين» .

ص: 311

قوله: {كَبُرَ مَقْتاً} : فيه أوجهٌ، أحدها: أَنْ يكونَ مِنْ باب نِعْم وبِئْسَ، فيكون في «كَبُرَ» ضميرٌ مبهمٌ مفسَّرٌ بالنكرة بعدَه. «وأَنْ تقولوا» هو المخصوصُ بالذمِّ فيجيء فيه الخلافُ المشهورُ: هل رَفْعُه بالابتداء، وخبرُه الجملة مقدمةً عليه، أو خبرُه محذوفٌ، أو هو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، كما تقدَّم تحريرُه. هذه قاعدةٌ مُطَّردةٌ: كلُّ فعلٍ يجوز التعجبُ منه يجوزُ أَنْ يُبْنَى على فَعُلَ بضم العين ويَجْري مَجْرى نِعْم وبئس في جميعِ الأحكام. والثاني: أنه من أمثلةِ التعجبِ. وقد عدَّه ابنُ عصفور في التعجبِ المبوبِ له في النحو فقال: «صيغة ما أفْعَلَه وأَفْعِلْ به ولَفَعُل نحو: لَرَمُوَ الرجل» . وإليه نحا الزمخشري فقال: «هذا مِنْ أفصحِ كلامٍ وأبلغِه في معناه. قَصَدَ في» كَبُرَ «التعجَب من غير لفظه كقوله:

4256 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . .

ص: 313

قوله: {صَفّاً} : نصبٌ على الحال أي: صافِّين، أو مَصْفُوفين.

قوله: {كَأَنَّهُم} يجوزَ أَنْ يكونَ حالاً ثانيةً مِنْ فاعل «يُقاتِلون» ، وأنْ يكونَ حالاً من الضمير في «صَفّاً» ، فتكونَ حالاً متداخلةً، قاله الزمخشريُّ، وأن يكونَ نعتاً لصَفَّاً، قاله الحوفيُّ: وعاد الضميرُ على «صَفّاً» جمعاً لأنه جمعٌ في المعنى كقولِه: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] والمَرْصُوصُ قيل: المتلائمُ الأجزاءِ المُسْتَويها. وقيل: المعقود

ص: 314

بالرَّصاص. وقيل: هو من التضامِّ، مِنْ تراصِّ الأسنان. وقال الراعي:

4257 -

ما لَقِيَ البيضُ من الحُرْقوصِ

يَفْتَحُ بابَ المُغْلَقِ المَرْصوصِ

الحُرْقوص: دُوَيِبَّةٌ تُولَعُ بالنساءِ الأَبْكار.

ص: 315

قوله: و {وَقَد تَّعْلَمُونَ} : جملةٌ حالية.

ص: 315

قوله: {مُّصَدِّقاً} : حالٌ وكذلك «مُبَشِّراً» والعاملُ «رسول» لأنَّه بمعنى المُرْسَل. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ بِمَ انتصَبَ مُصَدِّقاً مُبَشِّراً، أبما في الرسول مِنْ معنى الإِرسال أم بإليكم؟ قلت: بمعنى الإِرسال؛ لأنَّ» إليكم «صلةٌ للرسول، فلا يجوزُ أن تعملَ شيئاً، لأنَّ حروفَ الجرِّ لا تعملُ بأنفسِها، ولكنْ بما فيها مِنْ معنى الفعل، فإذا وقعَتْ صِلاتٍ لم تتضمَّنْ معنى فعلٍ فمِنْ أين تعملُ» انتهى. يعني بقوله: «صلات» أنها متعلقةٌ برسول صلةً له، أي: متصلٌ معناها به، لا الصلةُ الصناعيةُ. و «يأتي مِنْ بعدي» و «اسمُه أحمدُ» جملتان في موضعِ جرٍّ نعتاً لرسول أو «اسمُه أحمدُ» في موضعِ نصبٍ على الحالِ مِنْ فاعل «يَأْتي» أو تكونُ الأولى نعتاً، والثانيةُ حالاً. وكونُهما حالَيْن ضعْيفٌ لإِتيانِهما من النكرة، وإنْ كان سيبويه يُجَوِّزه. و «أحمدُ» يَحْتمل النقلَ من الفعل المضارع، أو من أفعلِ التفضيل، والظاهرُ الثاني، وعلى كلا الوجهَين فمنعُه من الصَرفِ للعلميةِ والوزنِ الغالبِ، إلَاّ أنه على الأول يمتنعُ معرفةً

ص: 315

وينصرف نكرةً، وعلى الثاني يمتنع تعريفاً وتنكيراً، لأنه تَخْلُفُ العلميةَ الصفةُ. وإذا نُكِّر بعد كونِه عَلَماً جَرى فيه خلافُ سيبويه والأخفشِ، وهي مسألةٌ مشهورة بين النحاة. وأنشد حسان رضي الله عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وصَرَفَه:

4258 -

صلَّى الإِلهُ ومَنْ يَحُفُّ بعرشِه

والطيبونَ على المباركِ أحمدِ

«أحمد» بدل أو بيان للمبارك.

قوله: {هذا سِحْرٌ} قد تقدَّم خلافُ القراء فيها في المائدة.

وقال الشيخ هنا: «وقرأ الجمهور» سِحْرٌ «وعبد الله وطلحة والأعمش وابن وثاب» ساحر «، وترك ذِكْرَ الأخوَيْن.

ص: 316

قوله: {وَهُوَ يدعى إِلَى الإسلام} : جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعلِ «افترى» ، وهذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ طلحة «يَدَّعي» بفتح الياء والدال مشددة مبنياً للفاعل، وفيها تأويلان، أحدهما قاله الزمخشري وهو أن يكونَ يَفْتَعِل بمعنى يَفْعَلُ نحو: لَمَسَه والتمَسه. والضميران أعني «هو» والمستتر في «يَدَّعي» لله تعالى، وحينئذٍ تكون القراءتان/ بمعنى واحدٍ، كأنَّه قيل: واللَّهُ يدعو إلى الإِسلام. وفي

ص: 316

القراءة الأولى يكون الضميران عائدَيْن على «مَنْ» . والثاني: أنه مِنْ ادَّعى كذا دَعْوَى، ولكنه لَمَّا ضُمِّن «يَدَّعي» معنى يَنْتَمي وينتسبُ عُدِّي ب «إلى» وإلَاّ فهو متعدٍّ بنفسه، وعلى هذا الوجهِ فالضميران ل «مَنْ» أيضاً، كما هي في القراءةِ المشهورة.

وعن طلحة أيضاً «يُدَّعى» مشددَ الدال مبنياً للمفعولِ. وخَرَّجَها الزمخشريُّ على ما تقدَّم مِنْ: ادَّعاه ودَعاه بمعنىً نحو: لَمَسه والتمسه. والضميران عائدان على «مَنْ» عكسَ ما تقدَّم عنده في تخريج القراءة الأولى فإنَّ الضميرَيْن لله تعالى، كما تقدَّم تحريرُه.

ص: 317

قوله: {لِيُطْفِئُواْ} : في هذه اللامِ أوجهٌ، أحدُها: أنها مزيدةٌ في مفعولِ الإِرادةِ. قال الزمخشريُّ: «أصلُه: يُريدون أَنْ يُطْفِئوا، كما جاء في سورة التوبة. وكأنَّ هذه اللامَ زِيْدَتْ مع فعل الإِرادة توكيداً له لِما فيها من معنى الإِرادة في قولِك:» جِئتُ لأكرمَك «كما زِيْدَت اللامُ في» لا أبالك «تأكيداً لمعنى الإِضافةِ في» لا أباك «. وقال ابن عطية:» واللامُ في «لِيُطْفِئوا» لامٌ مؤكِّدة دخلَتْ على المفعول لأنَّ التقديرَ: يُريدون أَنْ يُطْفئوا. وأكثر ما تَلْزَمُ هذه اللامُ المفعولَ إذا تقدَّمَ. تقول: «لزيدٍ ضَرَبْتُ، ولِرؤيتِك قصَدْتُ» انتهى. وهذا ليس مذهبَ سيبويه وجمهورِ الناس. ثم قولُ أبي محمد: «وأكثرُ ما تَلْزَمُ» إلى آخره

ص: 317

ليس بظاهرٍ لأنه لا قولَ بلزومِها البتةَ، بل هي جائزةُ الزيادةِ، وليس الأكثرُ أيضاً زيادتَها جوازاً، بل الأكثرُ عَدَمُها.

الثاني: أنَّها لامُ العلة والمفعولُ محذوفٌ أي: يُريدون إبطالَ القرآنِ أو دَفْعَ الإِسلام أو هلاكَ الرسولِ عليه السلام لِيُطْفِئوا.

الثالث: أنها بمعنى «أَنْ» الناصبةِ، وأنها ناصبةٌ للفعل بنفسِها. قال الفراء:«العربُ تجعلُ لامَ كي في موضع» أَنْ «في أرادَ وأمر» وإليه ذهب الكسائيٌّ أيضاً. وقد تقدَّم لك نحوٌ مِنْ هذا في قوله: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} في سورة النساء [الآية: 26] .

قوله: {مُتِمُّ نُورِهِ} قرأ الأخَوان وحفص وابن كثير بإضافة «مُتِمُّ» ل «نورِه» والباقون بتنوينه ونصبِ «نورَه» فالإِضافةُ تخفيفٌ، والتنوينُ هو الأصلُ. والشيخُ ينازعُ في كونِه الأصلَ وقد تقدَّم. وقوله:«واللَّهُ متمُّ» جملةٌ حالية مِنْ فاعلِ «يريدون» أو «يُطفئوا» وقوله: «ولو كَرِه» حالٌ من هذه الحالِ فهما متداخلان. وجوابُ «لو» محذوفٌ أي: أتَمَّه وأظهرَه، وكذلك {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} .

ص: 318

قوله: {تُنجِيكُم} : الجملةُ صفةٌ ل «تجارة» . وقرأ ابن عامر «تُنْجِّيكم» بالتشديد. والباقون بالتخفيف. مِنْ أَنْجى، وهما بمعنىً واحدٍ؛ لأن التضعيفَ والهمزةَ مُعَدِّيان.

ص: 318

قوله: {تُؤْمِنُونَ} : لا محلَّ له لأنه تفسير لتجارة. ويجوز أَنْ يكونَ محلُّها الرفعَ خبراً لمبتدأ مضمرٍ أي: تلك التجارةُ تؤُمنون، والخبرُ نفسُ المبتدأ فلا حاجةَ إلى رابطٍ، وأَنْ تكونَ منصوبةَ المحلِّ بإضمارِ فعلٍ أي: أعني تؤْمنون. وجاز ذلك على تقديرِ «أَنْ» وفيه تَعَسُّفٌ. والعامَّةٌ على «تُؤْمنون» خبراً لفظاً ثابتَ النون. وعبد الله «آمِنوا» و «جاهِدوا» أمرَيْن. وزيد بن علي «تؤمنوا» و «تجاهِدوا» بحذف نونِ الرفع. فأمَّا قراءةُ العامَّة فالخبرُ بمعنى الأمرِ يَدُلُّ عليه القراءتان الشاذَّتان؛ فإن قراءةَ زيدِ بنِ علي على حَذْفِ لام الأمر أي: لِتؤمنوا ولتجاهِدوا كقوله:

4259 -

محمدُ تَفْدِ نَفْسَك كلُّ نفسٍ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوله: {قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ يُقِيمُواْ} [إبراهيم: 31] في وجهٍ أي: لِتَفْدِ، وليقيموا، ولذلك جُزِمَ الفعلُ في جوابِه في قولِه:«يَغْفِرْ» وكذلك قولُهم: «اتقى اللَّهَ امرؤ فَعَلَ خيراً يُثَبْ عليه» تقديرُه: ليتقِ اللهَ. وقال الأخفش: «إنَّ» تؤمنون «عطفُ بيان لتجارة» وهذا لا يُتَخَيَّلُ إلَاّ بتأويل أن يكونَ الأصلُ: أنْ تؤمنوا فلمَّا حَذَفَ «أن» ارتفع الفعلُ كقوله:

ص: 319

4260 -

ألا أيُّهذا الزَّاجِريْ أَحْضُرُ الوغَى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأصل: أن أَحْضُرَ. وكأنه قيل: هل أدلُّكم على تجارة مُنْجية: إيمانٍ وجهاد. وهو معنى حسنٌ لولا ما فيه من التأويل. وعلى هذا فيجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ تجارة. وقال الفراء: هو مجزومٌ على جوابِ الاستفهام وهو قولُه: «هل أدلُّكم» واختلف الناسُ في تصحيح هذا القولِ: فبعضُهم/ غلَّطه. قال الزجاج: ليسُوا إذا دَلَّهم على ما ينفعهم يَغْفِرُ لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا «يعني أنه ليس مرتَّباً على مجرد الاستفهام ولا على مجرَّدِ الدلالة. وقال المهدوي:» إنما يَصِحُّ حَمْلاً على المعنى: وهو أَنْ يكونَ «يؤمنون» ويُجاهدون عطفَ بيان على قولِه: «هل أدلُّكم» كأنَّ التجارةَ لم يُدْرَ ما هي؟ فبُيِّنَتْ بالإِيمان والجهاد، فهي هما في المعنى فكأنه قيل: هل تُؤْمنون وتجاهدون؟ قال: فإنْ لم تقدِّر هذا التقديرَ لم يَصِحَّ؛ لأنه يَصيرُ: إنْ دُلِلْتُمْ يَغْفِرْ لكم. والغُفْرانُ إنما يجبُ بالقَبولِ والإِيمانِ لا بالدَّلالةِ. وقال الزمخشري قريباً منه أيضاً. وقال أيضاً: «إنَّ» تُؤْمنون «استئنافٌ، كأنهم قالوا: كيف نعملُ؟ فقال: تؤْمنون» . وقال ابن عطية: «تُؤْمنون فعلٌ مرفوعٌ، تقديرُه: ذلك

ص: 320

أنَّه تُؤْمنون» ، فجعله خبراً ل «أَنَّ» ، وهي وما في حَيِّزها خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ. وهذا محمولٌ على تفسيرِ المعنى لا تفسيرِ الإِعرابِ، فإنَّه لا حاجةَ إليه.

ص: 321

قوله: {يَغْفِرْ} : فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مجزومٌ على جوابِ الخبرِ بمعنى الأمر، كما تقدَّم تقريرُه. والثاني: أنه مجزومٌ على جواب الاستفهامِ، كما قاله الفراءُ، وتقدَّم تأويلُه. الثالث: أنه مجزومٌ بشرطٍ مقدَّرٍ أي: إنْ تُؤْمنوا يَغْفِرْ لكم.

ص: 321

قوله: {وأخرى} : فيها خمسةُ أوجهٍ، أحدُها، أنَّها في موضِع رفعٍ على الابتداءِ، وخبرُها مقدَّر أي: ولكم أو ثَمَّ، أو عنده خَصْلَةٌ أخرى، أو مَثُوْبةٌ أخرى. و «تُحبُّونها» نعتٌ لها. الثاني: أن الخبرَ جملةٌ حُذِفَ مبتدَؤُها تقديرُه: هي نصرٌ، والجملةُ خبرُ «أُخْرى» ، قاله أبو البقاء، وفيه بُعْدٌ كثيرٌ؛ لأنه تقديرٌ لا حاجةَ إليه. والثالث: أنها منصوبةٌ بفعلٍ محذوفٍ للدلالةِ عليه بالسِّياق، أي ويُعْطِكُمْ، أو يَمْنَحْكم مَثوبةً أخرى. و «تُحبونها» نعتٌ لها أيضاً.

والرابع: أنها منصوبةٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره «تُحبُّونها» فيكونُ من الاشتغالِ، وحينئذٍ لا يكون «تُحِبُّونها» نعتاً؛ لأنه مفسِّرٌ للعاملِ قبله. الخامس: أنها مجرورةٌ عطفاً على «تجارة» . وضُعِّفَ هذا: بأنها ليسَتْ مِمَّا دَلَّ عليه، إنما هي ثوابٌ مِنْ عندِ الله. وهذا الوجهُ منقولٌ عن الأخفش.

ص: 321

قوله: {أَنصَارَ الله} : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «أنصاراً» منوناً، «لله» جارَّاً ومجروراً. والباقون «أنصارَ» غيرَ منونٍ بل مضافاً للجلالة الكريمة، والرسمُ يحتمل القراءتَيْن معاً. واللامُ يُحتمل أَنْ تكونَ مزيدةً في المفعولِ للتقوية لكونِ العاملِ فَرْعاً، إذ الأصلُ: أنصاراً اللَّهَ، وأَنْ تكون غيرَ مزيدةٍ، ويكونَ الجارُّ والمجرورُ نعتاً ل «أَنْصاراً» والأولُ أظهرُ. وأمَّا قراءةُ الإِضافةِ ففرعُ الأصلِ المذكورِ. ويؤيِّدُ قراءةَ الإِضافةِ الإِجماعُ عليها في قوله:{نَحْنُ أَنصَارُ الله} . ولم يُتَصَوَّرْ جَرَيانُ الخلافِ هنا لأنه مرسومٌ بالألفِ.

قوله: {كَمَا قَالَ عِيسَى} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ الكافَ في موضع

ص: 322

نصبٍ على إضمارِ القولِ أي: قُلْنا لهم ذلك، كما قال عيسى. الثاني: أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ تقديرُه: كونوا كَوْناً، قاله مكي وفيه نظرٌ؛ إذ لا يُؤْمَرُون بأن يكونوا كَوْناً. الثالث: أنه كلامٌ محمولٌ على معناه دون لفظِه، وإليه نحا الزمخشريُّ، فإنه قال: «فإنْ قلتَ ما وجهُ صحةِ التشبيهِ، وظاهرُه تشبيهُ كونِهم أنصاراً بقولِ عيسى صلوات الله عليه مَنْ أنصاري؟ قلت: التشبيهُ محمولٌ على المعنى، وعليه يَصِحُّ، والمرادُ: كونوا أنصارَ الله كما كان الحواريُّون/ أنصارَ عيسى. حين قال لهم: {مَنْ أنصاري إِلَى الله} .

وتقدَّم في آل عمران تَعَدِّي» أَنْصَاري «ب» إلى «، واختلافُ الناسِ في ذلك. وقال الزمخشري هنا:» فإنْ قلتَ: ما معنى قولِه: {مَنْ أنصاري إِلَى الله} قلت: يجبُ أَنْ يكونَ معناه مطابقاً لجوابِ الحواريين: نحن أنصارُ الله. والذي يطابِقُه أَنْ يكونَ المعنى: مَنْ جُنْدِيٌّ متوجِّهاً إلى نصرةِ الله؟ وإضافةُ «أَنْصاري» خلافُ إضافةِ «أنصار الله» ؛ فإنَّ معنى «نحن أنصارُ الله» : نحن الذين يَنْصُرون الله، ومعنى «مَنْ أنصاري» : مَنْ الأنصارُ الذين يختصُّون بي، ويكونون معي في نُصْرَةِ اللَّهِ. ولا يَصِحُّ أَنْ يكونَ معناه مَنْ يَنْصُرني مع الله؛ لأنه لا يطابِقُ الجوابَ. والدليل عليه قراءةُ مَنْ قرأ «أنصارَ الله» انتهى. قلت: يعني أنَّ بعضَهم يَدَّعي أنَّ «إلى» بمعنى

ص: 323

مع أي: مَنْ أنصاري مع الله؟ وقولُه: «قراءةُ مَنْ قرأ أنصارَ الله» أي: لو كانت بمعنى «مع» لَما صَحَّ سُقوطُها في هذه القراءةِ. وهذا غيرُ لازمٍ؛ لأنَّ كلَّ قراءةٍ لها معنىً يَخُصُّها، إلَاّ أن الأَوْلَى توافُقُ القراءتَيْن.

قوله: {فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ} مِنْ إيقاع الظاهرِ موقعَ المضمرِ فيهما، تَنْبيهاً على عداوةِ الكافرِ للمؤمن؛ إذ الأصلُ: فأيَّدْناهم عليهم، أي: أيَّدْنا المؤمنين على الكافرين من الطائفتَيْن المذكورتَيْن.

ص: 324

قوله: {الملك} : هذه قراءةُ العامَّة أعني جرَّ «الملِكِ» وما بعده نعتاً له والبدلُ ضعيفٌ لاشتقاقِها. وقرأ أبو وائل ومسلمة ابن محارب ورؤبةُ بالرفعِ على إضمار مبتدأ مُقْتَضٍ للمدح. قال الزمخشريُّ: «ولو قُرِىء بالنصب على قولهم» الحمدُ الله أهلَ الحَمْد «لكان وجهاً» . وقرأ زيد بن علي «القَدُّوس» بفتح القاف. وتقدَّم الكلامُ عليه وعلى الأمِّيِّ والأمِّيِّين جَمْعِه. و «يَتْلُوا» وما بعده صفاتٌ لرسول.

ص: 325

قوله: {وَآخَرِينَ} : فيه وجهان، أحدُهما: أنه مجرورٌ عطفاً على الأمِّيِّيْنَ، أي: وبَعَثَ في آخرين من الأمِّيِّيْنَ. و {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} صفةٌ ل «آخرين» قبلُ. والثاني: أنه منصوبٌ عَطْفاً على الضمير المنصوبِ في «يَعَلِّمُهم» ، أي: ويُعَلِّمُ آخرين لم يَلْحقوا بهم وسيَلْحقون، وكلُّ مَنْ يَعْلَم شريعةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى آخرِ

ص: 325

الزمان فرسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَلِّمه بالقوة؛ لأنه أصلُ ذلك الخيرِ العظيمِ والفَضْل الجَسيمِ.

ص: 326

قوله: {حُمِّلُواْ التوراة} : هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ زيد بن علي ويحيى بن يعمر «حَمَلوا» مخففاً مبنياً للفاعل.

قوله {كَمَثَلِ الحمار} هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ عبدُ الله «حِمارٍ» منكَّراً. وهو في قوة قراءةِ الباقين؛ لأنَّ المراد بالحمارِ الجنسُ. ولهذا وُصِفَ بالجملةِ بعده كما سيأتي. وقرأ المأمون ابن هارون الرشيد «يُحَمَّلُ» مشدَّداً مبنياً للمفعول. والجملة مِنْ «يَحْمِلُ» أو «يُحْمَّلُ» فيها وجهان، أحدُهما: وهو المشهورُ أنَّها في موضع الحال من «الحمار» والثاني: أنَّها في موضع الصفةِ للحمار لجريانِه مَجْرى النكرة؛ إذ المُرادِ به الجنسُ. قال الزمخشري: «أو الجرِّ على الوصفِ؛ لأنَّ الحمارَ كاللئيمِ في قوله:

4261 -

ولَقد أَمُرُّ على اللئيمِ يَسُبُّني

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقد تقدَّم تحريرُ هذا، وأنَّ منه عند بعضِهم {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ} [يس: 37] وأنَّ» نَسْلَخُ «نعتٌ ل الليل. والجمهورُ يَجْعَلونه حالاً للتعريف

ص: 326

اللفظي. وأمَّا على قراءةِ عبد الله فالجملةُ وصفٌ فقط، ولا يمتنعُ أَنْ تكونَ حالاً عند سيبويه.

والأَسْفار: جمعُ سِفْرٍ، وهو الكتابُ المجتمعُ الأوراقِ.

قوله {بِئْسَ مَثَلُ القوم} فيه أوجهٌ، أحدها: وهو الظاهرُ المشهور أنَّ» مَثَلُ القوم «فاعلُ» بِئْس «. والمخصوصُ بالذَّمِّ الموصولُ بعده فَيُشْكِلُ؛ لأنه/ لا بُدَّ مِنْ تصادُقِ فاعلِ نِعْم وبِئْسَ والمخصوصِ، وهنا المَثَلُ ليس القومَ المكذِّبين. والجواب: أنَّه على حَذْفِ مضافٍ، أي: بِئْسَ مَثَلُ القومِ مَثَلُ الذين كَذَّبوا. الثاني: أنَّ» الذين «صفةٌ للقوم فيكونُ مجرورَ المحلِّ، والمخصوصُ بالذمِّ محذوفٌ لِفَهْمِ المعنى تقديره: بِئْس مَثَلُ القومِ المكذِّبين مَثَلُ هؤلاء، وهو قريبٌ من الأولِ. الثالث: أنَّ الفاعلَ محذوفٌ، وأنَّ مَثَلَ القومِ هو المخصوصُ بالذِّم، تقديرُه: بِئْسَ المَثَلُ مَثَلُ القوم، ويكونُ الموصولُ نعتاً للقوم أيضاً، وإليه يَنْحو كلامُ ابنِ عطيةً، فإنه قال:» والتقديرُ: بِئْسَ المَثَلُ مَثَلُ القومِ. وهذا فاسدٌ؛ لأنَّه لا يُحْذَفُ الفاعلُ عند البَصْريين، إلَاّ في مواضعَ ثلاثةٍ، ليس هذا منها، اللهم إلَاّ أَنْ يقولَ بقولِ الكوفيين. الرابع: أَنْ يكونَ التمييزُ محذوفاً، والفاعل المُفَسَّرُ به مستترٌ تقديرُه: بئس مَثَلاً مَثَلُ القوم، وإليه يَنْحو كلامُ الزمخشريِّ فإنه قال:«بئْسَ مَثَلاً مَثَلُ القوم» فيكونُ الفاعلُ

ص: 327