الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله:
{الحاقة} :
مبتدأٌ و «ما» مبتدأٌ ثانٍ، و «الحاقَّةُ» خبرُه، والجملةُ خبرُ الأوِل، وقد تَقَدَّم تحريرُ هذا في الواقعة. وهناك سؤالٌ حسنٌ وجوابٌ مثلُه فعليك باعتبارِه. والحاقَّةُ فيها وجهان، أحدهما: أنَّه وصفٌ اسمُ فاعلٍ بمعنى: أنها تُبْدِي حقائق الأشياءِ. وقيل: لأنَّ الأمرَ يَحِقُّ فيها فهي من باب: ليلٌ نائمٌ ونهارٌ صائمٌ. وقيل: مِنْ حَقَّ الشيءُ: ثَبَتَ فهي ثابتةٌ كائنةٌ. وقيل: لأنها تَحُقُّ كلَّ مُحاقٍّ في دينِ اللَّهِ، أي: تَغْلِبُه. مِنْ حاقَقْتُه فحقَقْتُه أحُقُّه، أي: غَلَبْتُه. والثاني: أنها مصدرٌ كالعاقبةِ والعافيةِ.
قوله: {مَا الحاقة} : في موضعِ نصبٍ على إسقاطِ الخافض؛ لأنَّ أَدْرَى بالهمزةِ، ويتعدَّى لاثنينِ، الأَولُ بنفسه. والثاني: بالباءِ، قال تعالى:{وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس: 16] فلَمَّا وَقَعَتْ جملةُ الاستفهامِ مُعَلِّقَةً لها كانَتْ في موضوع المفعولِ الثاني، ودونَ الهمزة تَتَعْدَّى لواحدٍ بالباء نحو: دَرَيْتُ بكذا، ويكونَ بمعنى عَلِمَ فيتعدَّى لاثنين.
قوله: {فَأُهْلِكُواْ} : هذه قراءةُ العامَّةِ. وقرأ زيدُ ابن علي «فَهَلَكوا» مبنياً للفاعلِ مِنْ هَلَكَ ثلاثياً.
قوله: {بالطاغية} ، أي: بالصيحةِ المتجاوزةِ للحدِّ. وقيل: بالفَعْلةِ الطاغيةِ. وقيل: بالرجلِ الطاغيةِ، وهو عاقِرُ الناقةِ، والهاء للمبالغةِ، فالطاغيةُ على هذه الأوجه صفةٌ. وقيل: الطاغيةُ مصدرٌ ويُوَضِّحُه {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ} [الشمس: 11] والباءُ للسببيةِ على الأقوالِ كلِّها، إلَاّ القولَ الأولَ فإنها للاستعانةِ ك «عَمِلْتُ بالقَدُوم» .
قوله: {حُسُوماً} : فيه أوجهٌ، أحدها: أَنْ ينتصِبَ نعتاً لِما قبلها. والثاني: أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ بفعلٍ مِنْ لفظِها، أي: تَحْسِمْهم حُسوماً. الثالث: أَنْ ينتصِبَ على الحالِ، أي: ذاتَ حُسوم. الرابع: أَنْ يكونَ مفعولاً له، ويَتَّضِحُ ذلك بقول الزمخشري:«الحُسوم: لا يَخْلو مِنْ أَنْ يكونَ جمعَ حاسِم كشاهِد وشُهود، أو مصدراً كالشُّكور والكُفور. فإنْ كانَتْ جمعاً فمعنى قولِه» حُسوماً «: نَحِسات حَسَمَتْ كلَّ خيرٍ، واستأصَلَتْ كلَّ بركةٍ، أو متتابعةً هبوبَ الريح، ما خَفَتَتْ ساعةً، تمثيلاً لتتابُعِها بتتابُعِ فِعْلِ الحاسمِ في إعادة الكيِّ على الدَّاء كَرَّةً بعد أخرى حتى يَنْحَسِمَ. وإن كان مصدراً: فإمَّا أَنْ ينتصِبَ بفعلِه مضمراً، أي: تَحْسِم حُسوماً، بمعنى: تَسْتأصِلُ استئصالاً، أو يكونُ صفةً كقولِ: ذاتَ حُسومٍ، أو يكونُ مفعولاً له، أي: سَخَّرها عليهم للاستئصالِ. وقال عبد العزيز بن زُرارة الكلابي:
4316 -
ففرَّق بين بَيْنِهُمُ زمانٌ
…
تتابَعَ فيه أعوامٌ حُسومُ
انتهى. قال المبرد: الحُسوم: الفَصْلُ حَسَمْتُ الشيء من الشيء فَصَلْتُه منه ومنه الحُسام. وقال الشاعر:
4317 -
فأرسَلْتَ ريحاً دَبُوراً عقيماً
…
فدارَتْ عليهمْ فكانَتْ حُسُوماً
وقال الليث:» هي الشُّؤْمُ: يقال: هذه ليالي الحُسومِ، أي: تَحْسِم الخيرَ عن أهلِها. وعندي أنَّ هذين القولَيْن يَرْجِعان إلى القول الأول؛ لأنَّ الفصلَ قَطْعٌ، وكذلك الشُّؤْمُ لأنَّه يقطعُ الخيرَ. والجملةُ مِنْ قولِه «سَخَّرها» يجوزُ أَنْ تكونَ صفةً ل «ريح» ، وأَنْ تَكونَ حالاً منها لتخصُّصها بالصفةِ، أو من الضميرِ في «عاتية» ، وأَنْ تكون مستأنفةً.
قوله: {فِيهَا صرعى} صَرْعَى حالٌ، جمعُ صَريع نحو: قتيل وقَتْلى، وجريح وجَرْحى، والضمير في «فيها» للأيام والليالي، أو للبيوت، أو للرِيح، أظهرُها الأولُ لقُرْبِه، ولأنَّه مذكورٌ.
وقوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} حالٌ من القوم، أو مستأنفةٌ. وقرأ أبو نهيك «أَعْجُزُ» على أَفْعُل نحو: ضَبُع وأَضْبُع. وقُرِىء «نخيل» حكاه الأخفشُ، وقد تقدَّم أنَّ اسم الجنس يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ، واختير هنا تأنيثهُ
للفواصلِ، كما اخْتِير تذكيرُه لها في سورةِ القمر كما تقدَّم التنبيهُ عليه.
قوله: {فَهَلْ ترى} : أدغم اللامَ في التاءِ أبو عمروٍ وحَده، وتقدم في الملك. و «مِنْ باقية» مفعولُه و «مِنْ» مزيدةٌ، والتاءُ في «باقية» قيل: للمبالغةِ، أي: مِنْ باقٍ، والأحسنُ أَنْ تكونَ صفةً لفرقةٍ أو طائفة ونحو ذلك.
قوله: {وَمَن قَبْلَهُ} : قرأ بكسر القاف وفتح الباء أبو عمروٍ والكسائي، أي: ومَنْ هو في جهتِه، ويؤيِّدُه قراءةُ أبي موسى و «مَنْ تِلْقَاءَه» وقرأه أُبَيٌّ «ومَنْ تبعه» ، والباقون بالفتحِ والسكونِ على أنَّه ظرفٌ، أي: ومَنْ تقدَّمه.
قوله: {بِالْخَاطِئَةِ} إمَّا أَنْ يكونَ صفةً/، أي: بالفَعْلَةِ أو الفَعَلات الخاطئة، وإمَّا أن يكون مصدراً كالخَطَأ فيكون كالعافية والكاذبة.
قوله: {فِي الجارية} : غَلَبَ استعمالُ «الجارية» في السفينة كقولِه:
4318 -
تِسْعُونَ جاريةً في بطنِ جاريةٍ
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
هو من الألغاز، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار} [الشورى: 32] .
قوله: {وَتَعِيَهَآ} : العامَّة على كسرِ العينِ وتخفيفِ الياءِ، وهو مضارعٌ وَعى منصوبٌ عطفاً على «لِنَجْعَلَها» . وابن مصرف وأبو عمروٍ في رواية هارونَ عنه وقنبلَ بإسكانها تشبيهاً له ب «رَحْم» و «شَهْد» ، وإنْ لم يكُنْ منه، ولكنْ صارَ في اللفظِ بمنزلة فَعِل الحلقيِّ العينِ. ورُوِيَ عن حمزةَ إخفاءُ الكسرةِ. ورُوِي عن عاصمٍ وحمزةَ أيضاً تشديدُ الياءِ. وهو غَلَطٌ عليها، وإنما سَمِعهما الراوي يُبَيِّنان حركةَ الياءِ فظنَّها شَدَّةً. وقيل: أَجْرَيا الوصلَ مُجْرى الوقفِ فَضَعَّفا الحرفَ وهذا لا ينبغي أَنْ يُلْتَفَتَ إليه. ورُوِيَ عن حمزةَ أيضاً وموسى بن عبد الله العبسيِّ «وتَعِيْها» بسكونِ الياءِ، وفيها وجهان: الاستئنافُ والعطفُ على المنصوبِ، وإنما سَكَّنا الياءَ استثقالاً للحركةِ على حرفِ العلةِ كقراءةِ {تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] وقد مَرَّ.
قوله: {وَاحِدَةٌ} : تأكيدٌ ونَفْخَةٌ مصدرٌ قام مقامَ الفاعلِ. وقال ابن عطية: «لَمَّا نُعِتَ صَحَّ رَفْعُهُ» انتهى. ولو لم يُنْعَت لصَحَّ رفعُه لأنه مصدرٌ مختصٌ لدلالتِه على الوَحْدة، والممنوعُ عند البصريين إنما هو إقامةُ المبهمِ نحو: ضُرِب ضَرْبٌ. والعامَّةُ على الرفعِ فيهما، وقرأ أبو السَّمَّال بنصبِهما كأنه أقام الجارَّ مُقامَ الفاعلِ، فترك المصدرَ على أصله، ولم يؤنِّثِ الفعلَ وهو «نُفخَ» لأنَّ التأنيثَ مجازيٌ، وحَسَّنه الفَصْلُ.
[قوله:]{وَحُمِلَتِ الأرض} : قرأه العامَّةُ بتخفيف الميمِ، أي: وحَمَلَتْها الريحُ أو الملائكةُ أو القُدرة ثم بُني. وقرأ ابنُ عامرٍ في روايةٍ والأعمش وابن أبي عبلة وابن مقسم بتشدِيدِها، فجازَ أَنْ يكونَ التشديدُ للتكثير، فلم يُكْسِبِ الفعلَ مفعولاً آخرَ، وجازَ أَنْ يكونَ للتعدية، فيُكْسِبَه مفعولاً آخرَ، فيُحْتمل أَنْ يكونَ الثاني محذوفاً، والأولُ هو القائمُ مقامَ الفاعلِ تقديرُه: وحُمِّلَتِ الأرضُ والجبالُ ريحاً تُفَتِّتُها؛ لقوله {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} [طه: 105] . وقيل: التقدير حُمِّلَتا ملائكةً. ويُحْتَمَل أَنْ يكونَ الأولُ هو المحذوفَ، والثاني هو القائمُ مقامَ الفاعلِ.
قوله: {فَدُكَّتَا} : أي: الأرضُ والجبالُ؛ لأنَّ المرادَ الشيئان المتقدِّمان كقوله: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] .
قوله: {فَيَوْمَئِذٍ} : منصوبٌ ب «وَقَعَتْ» . و «وقعتِ الواقعةُ» لا بُدَّ فيه مِنْ تأويلٍ: وهو أَنْ تكونَ «الواقعةُ» صارَتْ عَلَمَاً بالغَلَبة على القيامة أو الواقعةِ العظيمة، وإلَاّ ف «قام القائم» لا يجوزُ؛ إذ لا فائدةَ فيه، وتقدَّم هذا في قوله {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} [الواقعة: 1] . والتنوين في «يومئذٍ» للعوضِ مِنْ الجملةِ، تقديره: يوم إذ نُفِخَ في الصُّور.
قوله: {على أَرْجَآئِهَآ} : خبرُ المبتدأ. والضميرُ للسماء. وقيل: للأرض. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما الفرقُ بين قولِه» والمَلَكُ «وبين أنْ يقال: والملائكة؟ قلت: المَلَكُ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ؛ ألا ترى أنَّ قولَك» ما مِنْ مَلَكٍ إلَاّ وهو شاهِدٌ «أعمُّ من قولِك:» ما مِنْ ملائكة «انتهى. قال الشيخ:» ولا يَظْهر أنَّ المَلَكَ أعَمُّ مِنْ الملائكةِ؛ لأنَّ المفردَ المحلَّى بالألف واللام [الجنسية] قُصاره أَنْ يكونَ مُراداً به الجمعُ المُحلَّى [بهما] ولذلك صَحَّ الاستثناءُ منه، فقصاراه أن يكونَ كالجمعِ المُحَلَّى بهما، وأمَّا دَعْواه أنه أعَمُّ منه بقوله:«ألا ترى إلى آخره» فليس دليلاً على دَعْواه؛ لأنَّ «مِنْ مَلَكٍ» نكرةٌ مفردةٌ في سياقِ النفيِ قد دَخَلَتْ عليها «مِنْ» المُخَلِّصةُ للاستغفارق. فَشَمَلَتْ كلَّ مَلَكٍ، فاندرج تحتها الجمعُ لوجود الفردِ فيه، فانتفى كلُّ فردٍ بخلافِ «مِنْ ملائكة» فإنَّ «مِنْ» دَخَلَتْ على جمع مُنكَّرٍ، فَعَمَّ في كلِّ جمعٍ جمعٍ من الملائكة، ولا يلزَمُ مِنْ ذلك انتفاءُ كلِّ فردٍ مَنْ الملائكة. لو قلت: «
ما في الدارِ مِنْ رجال» جاز أَنْ يكونَ فيها واحدٌ؛ لأنَّ النفيَ إنما انسحب على جمعٍ، ولا يَلْزَمُ مِنْ انتفاءِ الجمعِ أَنْ ينتفيَ المفرد، والمَلَكُ في الآية ليس في سياقِ نفيٍ دَخَلَتْ عليه «مِنْ» وإنما جيء به مفرداً لأنه أَخفُّ، ولأنَّ قولَه «على أَرْجائِها» يَدُلُّ على الجَمْعِ؛ لأنَّ الواحدَ بما هو واحدٌ لا يمكنُ أَنْ يكونَ «على أرجائها» في وقتٍ واحدٍ، بل في أوقاتٍ. والمرادُ واللَّهُ أعلَمُ أنَّ الملائكةَ على أرجائها، لا أنه مَلَكٌ/ واحدٌ ينتقِلُ على أرجائها في أوقات «.
قلت: الزمخشريُّ مَنْزَعُه في هذا ما قدَّمْتُه عنه في أواخرِ سورةِ البقرة عند قوله {وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} فليُراجَعْ ثمة. وأمَّا قولُ الشيخ:» ما [في الدار] مِنْ رجال، إنَّ النفي مَنسَحِبٌ على رُتَبِ الجمعِ «ففيه خلافٌ للناسِ ونَظَرٌ. والتحقيقُ ما ذكره. والضمير في» فوقهم «يجوزُ أَنْ يعودَ على المَلَك؛ لأنه بمعنى الجمع كما تقدَّم، وأَنْ يعودَ على الحامِلينَ الثمانيةِ. وقيل: يعود على جمع العالَمِ، أي: إن الملائكةَ تحملُ عَرْشَ اللَّهِ تعالى فوق العالَمِ كلِّه.
قوله: {ثمانيةٌ} أَبْهم اللهُ تعالى هذا العددَ، فلم يَذْكُرْ له تمييزاً فقيل: تقديرُه ثمانية أشخاصٍ. وقيل: ثمانيةُ صُنوفٍ.
قوله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} : «تُعْرَضُون» هو جوابُ «إذا» مِنْ قولِه «فإذا نُفِخَ» ، قاله الشيخ. وفيه نظرٌ، بل جوابُها ما تقدَّم مِنْ قولِه «وقَعَتِ الواقعة» و «تُعْرَضُون» على هذا مستأنفٌ.
قوله: {لَا تخفى} قرأ الأخَوان بالياءِ مِنْ تحتُ؛ لأن التأنيثَ مجازيٌّ، وللفصل أيضاً، وهما على أصلِهما في إمالةِ الألفِ. والباقون «لا تَخْفى» بالتاءِ مِنْ فوقُ للتأنيثِ اللفظيِّ، والفتحُ وهو الأصلُ.
قوله: {وَاهِيَةٌ} ، أي: ضعيفة. يقال: وَهَى الشيءُ يَهِي وَهْياً، أي: ضَعُف ووهَى السِّقاءُ: انخرق. قال:
4319 -
خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤُهُ
…
ومَنْ هُرِيْقَ بالفَلاةِ ماؤُه
وقوله: {أَرْجَآئِهَآ} ، أي: جوانُبها ونواحيها. واحِدُها: رَجا بالقصر، يُكتب الألف عكسَ رمى، لقولهم رَجَوان قال:
4320 -
فلا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ أني
…
أقَلُّ القومِ، مَنْ يُغْني مكاني
وقال الآخر:
4321 -
كأَنْ لم تَرَيْ قبلي أسيراً مُقَيدَّاً
…
ولا رجلاً يُرْمى به الرَّجَوانِ
قوله: {هَآؤُمُ} : أي: خُذُوا. وفيها لغاتٌ، وذلك أنَّها تكونُ فِعْلاً صريحاً، وتكونُ اسمَ فعلٍ، ومعناها في الحالَيْنِ خُذْ. فإن كانَتْ اسمَ فعلٍ وهي المذكورةُ في الآيةِ الكريمةِ ففيها لغتان: المدُّ والقَصْرُ تقول: ها درهماً يا زيدُ، وهاءَ درهماً. ويكونان كذلك في الأحوالِ كلِّها مِنْ إفرادٍ وتثنيةٍ وجمعٍ وتذكيرٍ وتأنيثٍ، وتتصلُ بهما كافُ الخطابِ اتصالَها باسمِ الإِشارةِ، فَتُطابِقُ مخاطبَك بحسب الواقع، مطابَقَتَها وهي ضميرُهُ، نحو: هاكَ هاءكَ، هاكِ هاءَكِ إلى آخرِه، وتَخْلُفُ كافَ الخطابِ همزةُ «هاء» مُصَرَّفةً تَصَرُّفَ كافِ الخطابِ، فتقول: هاءَ يا زيدُ، وهاءِ يا هندُ، هاؤُما، هاؤُم، هاؤُنَّ، وهي لغةُ القرآن.
وإذا كانت فِعْلاً صريحاً لاتصالِ الضمائر البارزةِ المرفوعةِ بها كان فيها ثلاثُ لغاتٍ، إحداها: أَنْ تكونَ مثلَ: عاطى يُعاطي. فيُقال: هاءِ يا زيدُ، هائِي يا هندُ، هائِيا يا زيدان، أو يا هندان، هاؤُوا يا زيدون، هائِيْنَ يا هنداتُ. الثانية: أَنْ تكونَ مثلَ «هَبْ» فتقول: هَأْ، هَئِي، هَآ، هَؤُوا، هَأْنَ. مثلَ: هَبْ، هَبِي، هَبا، هَبُوا، هَبْنَ.
الثالثة: أَنْ يكونَ مثلَ: خَفْ أمراً مِنَ الخوفِ فيقال: هَأْ، هائي، هاءا، هاؤوا، هَأْنَ، مثلَ: خَفْ، خافِي، خافا، خافُوا، خَفْنَ.
واختُلِفَ في مَدْلولِها: فالمشهورُ أنَّها بمعنى خُذوا. وقيل: معناها تعالوا، فيتعدَّى ب «إلى» . وقيل: هي كلمةٌ وُضِعَتْ لإِجابةِ الداعي عند الفرحِ والنشاطِ. وفي الحديث: «أنه ناداه أعرابيٌّ بصوتٍ عالٍ، فجاوبَه
النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هاؤُم بصَوْلةِ صَوْتِه» ومِنْ كوْنِها بمعنى «خُذْ» الحديث في الرِّبا: «إلَاّ هاءَ وهاء» أي: يقول كلُّ واحدٍ من المتبايعَيْن. خذ. وقيل معناها اقصِدوا. وزعم هؤلاء أنها مركبةٌ مِنْ ها التنبيه وأمُوا من الأَمِّ، وهو القَصْدُ فصَيَّره التخفيفُ والاستعمالُ إلى هاؤم. وقيل الميم ضميرُ جماعةِ الذكورِ. وزَعَم القُتَبيُّ أنَّ الهمزةَ بدلٌ من الكافِ، فإنْ عَنَى أنَّها تَحُلُّ مَحَلَّها فصحيحٌ. وإنْ عَنَى البدَل الصناعيَّ فليس بصحيح.
وقوله: {هَآؤُمُ} يطلبُ مفعولاً يتعدَّى إليه بنفسِه، إنْ كان بمعنى خُذْ أو اقْصِدْ، وب «إلى» إنْ كان بمعنى تعالَوا. و «اقْرؤُوا» يَطْلُبُه أيضاً فقد تنازَعا في «كتابِيَهْ» وأعملَ الثاني للحَذْفِ من الأولِ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في سورة الكهفِ وفي غيرِها. والهاءُ في «كتابِيَهْ وحِسابِيَهْ وسُلْطانِيَهْ ومالِيَهْ» للسَّكْت، وكان حقُّها أَنْ تُحْذَفَ وَصْلاً، وتَثْبُتَ وَقْفاً، وإنما أُجْرِيَ الوَصْلُ مُجْرَى الوقفِ، أو وُصِلَ بنيَّة الوقفِ في «كتابِيَهْ وحِسابِيَهْ» اتفاقاً فأَثْبَتَ الهاء، وكذلك في «مالِيه وسُلْطانِيَهْ» ، و «ما هِيَهْ» في {القارعة} [القارعة: 10] عند القُرَّاءِ كلِّهم إلَاّ حمزةَ رحمه الله فإنه حَذَفَ الهاءَ مِنْ هذه الكَلِمِ الثلاثِ وَصْلاً وأَثْبَتَها وقفاً؛ لأنَّها في الوقفِ يُحْتاج إليها لتحصينِ حركةِ الموقوفِ عليه، وفي الوصلِ يُسْتَغْنَى عنها.
فإنْ قيل: فلِمَ لَمْ يَفْعَلْ ذلك في «كِتَابِيَهْ/ وحسابِيَهْ» فالجوابُ: أنه جَمْعٌ بني اللغتين،
هذا في القراءاتِ السبعِ. وقرأ ابنُ محيصن بحَذْفِها في الكَلِم كلِّها وَصْلاً ووَقْفاً، إلَاّ في «القارعة» ، فإنه لم يَتَحَقَّقْ عنه فيها نَقْلٌ. وقرأ الأعمشُ وابنُ أبي إسحاق بحَذْفِها فيهنَّ وَصْلاً، وإثباتِها وَقْفاً. وابن محيصن يُسَكِّنُ الياءَ في الكَلِمِ المذكورةِ وَصْلاً. والحقُّ أنها قراءةٌ صحيحةٌ أعني ثبوتَ هاءِ السكتِ وَصْلاً، لثبوتِها في خَطِّ المصحفِ الكريمِ، فلا يُلْتَفَتُ إلى قولِ الزهراوي:«إنَّ إثباتَها في الوصلِ لَحْنٌ، لا أعلَمُ أحداً يُجيزه» . وقد تقدَّم الكلامُ على هاءِ السكتِ في البقرة. والأنعام بأشبعَ مِنْ هذا فعليك باعتبارِه.
قوله: {رَّاضِيَةٍ} : فيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه على المجازِ، جُعِلَتِ العِيشةُ راضيةً لمحَلِّها وحُصولِها في مُسْتحقِّيها، أو أنها لا حالَ أكملُ مِنْ حالِها. الثاني: أنَّه على النَّسَبِ أي: ذاتِ رِضا نحو: لابِن وتامِر. الثالث: أنها ممَّا جاء فيه فاعِل بمعنى مَفْعول نحو: {مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] أي: مَدْفوق، كما جاء مَفْعول بمعنى فاعِل كقولِه:{حِجَاباً مَّسْتُوراً} [الإِسراء: 45] أي: ساتِراً، وقد تقدَّم ذلك.
والقُطوف: جمعُ قِطْفٍ، وهو فِعْل بمعنى مَفْعول كالرِّعْي والذِّبْح وهو ما يَجْتَنيه الجاني مِن الثمار.
قوله: {كُلُواْ} : أي: يُقال لهم: كُلوا: و «هَنيئاً»